وتقريب الاستدلال بهذا الحديث هو أن يقال: إنّ المفهوم عرفاً من قوله: «فعرّفتها فلم يعرفها أحد» ليس هو التعريف سنة، وإنّما هو ما يتمّ به مسمّى التعريف ولو لمرّة واحدة، فجوابه(علیه السلام)يخالف فرض وجوب التعريف سنة، ويخالف أيضاً فرض وجوب التصدّق بلقطة الحرم، حيث اكتفى هنا بالتصدّق بالثلث في فرض الاحتياج، ولا محمل لذلك إلا فرض كون أمر اللقطة راجعاً إلى الإمام(علیه السلام)، فهو(علیه السلام)_ بشكل عامّ _ قد أمر بالتعريف والتصدّق بلقطة الحرم لكنّه سمح للسائل في قصّته بترك التعريف سنة وبالاكتفاء بالتصدّق بالثلث إذا كان محتاجاً.
إلا أنّه قد يقال: إنّ بالإمكان الجمع بين هذه الرواية وباقي الروايات بوجه آخر، وهو أن يقال: إنّ دلالة هذه الرواية على عدم اشتراط التعريف سنة ليس إلا بظهورٍ يمكن رفع اليد عنه بتصريح الروايات الأُخرى بلزوم التعريف سنة، وأمّا تجويزه للاكتفاء بالتصدّق بقسم من المال عند الاحتياج فليكن مقيّداً لإطلاق دليل التصدّق.
ولو لم يتمّ هذا الجمع فلعلّنا نقول بالتعارض لا بالحمل على كون أمر اللقطة متروكاً للإمام. وعلى أيّ حال فالحديث ساقط سنداً.
۳_ ما مضى عن داود بن أبي يزيد عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «قال رجل: إنّي قد أصبت مالاً، وإنّي قد خفت فيه على نفسي، ولو أصبت صاحبه دفعته إليه وتخلّصت منه؟ قال: فقال أبو عبدالله: والله إن لو أصبته كنت تدفعه إليه؟، قال: إي والله، قال: فأنا والله، ما له صاحب غيري، قال: فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره، قال: فحلف، فقال: فاذهب فاقسمه في إخوانك ولك الأمن ممّا خفت منه، قال: فقسمته بين إخواني»(1).
فقد يقال: إنّ الحديث مطلق _ ولو بملاك ترك الاستفصال _ يشمل فرض كون المال الذي أصابه لقطة.
(1) وسائل الشيعة، ج25، ص450، الباب7 من كتاب اللقطة، ح۱.
إلا أنّ الصحيح أنّ قوله: «قد أصبت مالاً» لو جزمنا بظهوره في الجامع بين الالتقاط وغيره تمّ ما ذكر من الإطلاق، إمّا على أساس مقدّمات الحكمة لو كان سؤاله بنحو القضيّة الحقيقية، أو على أساس ترك الاستفصال لو كان سؤاله راجعاً إلى واقعة شخصية.
أمّا إذا قلنا: إنّ السؤال بعد أن كان عن واقعة شخصية فقوله: «أصبت مالاً» له ظهور في غير الالتقاط، أو مجمل على الأقلّ؛ إذ لو كانت واقعته الشخصية عبارة عن الالتقاط لكان المناسب جدّاً أن يقول مثلاً: «إنّي أصبت لقطة»، ولا أقلّ من احتمال الإجمال، فلا يتمّ الإطلاق بمقدّمات الحكمة ولا بملاك ترك الاستفصال، أمّا عدم تماميّته بمقدّمات الحكمة فواضح، وأمّا عدم تماميّته بملاك ترك الاستفصال؛ فلأنّ الحقّ المحقّق في محلّه أنّ إجمال السؤال يسري إلى الجواب، لا أنّ الجواب يكتسب الإطلاق في مورد إجمال السؤال بملاك ترك الاستفصال، كما ولعلّ ظاهر تحيّره وخوفه على نفسه وأنّه لو أصاب صاحبه لدفعه إليه أنّه لم يكن يمكنه التعريف؛ وإلا لكان في مثل هذه الحالة يباشر التعريف، ولا أقلّ من الإجمال من هذه الناحية أيضاً.
إذاً فالقدر المتيقّن من هذا الحديث هو أنّ المال المجهول المالك غير اللقطة وغير ما يمكن تعريفه للإمام، وعليه فيحمل ما ورد من الأمر بالتصدّق في مجهول المالك غير اللقطة وغير ما يمكن تعريفه، وهو حديث يونس بن عبدالرحمان الماضي(1)، على أنّه(علیه السلام)أمر بالتصدّق بما هو راجع له، وليس بياناً لكون الحكم الشرعي هو التصدّق، فيسقط ما مضى من استدلالنا به _ بناءً على التعدّي من مورده _ على كون حكم اللقطة غير القابلة للتعريف هو التصدّق.
(1) وسائل الشيعة، ج25، ص450، الباب7 من كتاب اللقطة، ح۲.
هذا، وقد يقبل بالإجمال الثاني(1) أو ظهوره في ما لا يمكن تعريفه، ولا يقبل بالإجمال الأوّل أو ظهوره في غير اللقطة، فيتمّ الإطلاق بملاك ترك الاستفصال بلحاظ كون مجهول المالك لقطة أو غير لقطة، ولكن لا يتمّ الإطلاق بلحاظ إمكانية التعريف وعدمه، فالقدر المتيقّن هو مجهول المالك الذي لا يمكن تعريفه فهو للإمام، فإمّا أن يحمل ما مضى من رواية زرارة _ «سألت أبا جعفر(علیه السلام)عن اللقطة، فأراني خاتماً في يده من فضّة، قال: إنّ هذا ممّا جاء به السيل، وأنا أُريد أن أتصدّق به»(2)_ على أنّه(علیه السلام)يسمح بالتصدّق باللقطة التي لا يمكن تعريفها بما هو مالك لها لا أنّ حكمها الشرعي هو التصدّق، وإمّا أن يقال: إنّ رواية داود بن يزيد إنّما دلّت على كون اللقطة التي لا يمكن تعريفها للإمام بالإطلاق بملاك ترك الاستفصال، بينما رواية زرارة ظاهرة في كون الحكم الشرعي للّقطة التي لا يمكن تعريفها هو التصدّق، فيقيّد بها إطلاق رواية داود بن يزيد بناءً على مبنى أنّه عند تعارض المطلق والمقيّد لا يسمح بتوجيه المقيّد وحمله على غير ظاهره، بل يقيّد المطلق بالمقيّد.
هذا، لو لم نقل بأنّه مع عدم إمكانية تعريف اللقطة يكون التفصيل بينها وبين مجهول المالك الذي لا يمكن تعريفه _ بأن يكون الثاني للإمام دون الأوّل _ غير عرفيّ، وإلا فحتّى لو افترضنا عدم الإطلاق في رواية داود يثبت أنّ اللقطة غير القابلة للتعريف للإمام، وتحمل رواية زرارة على سماح الإمام بالتصدّق بها بوصفه مالكاً لا على أنّ حكمها الشرعي هو التصدّق.
وإذا أردت استيعاب الكلام بشكل أوضح في ما يرجع إلى الإمام من أقسام
(1) وقد يقال: إنّ الإجمال الثاني يولّد الإجمال الأوّل أو يؤكّده؛ لأنّ عدم إمكانية التعريف _ الذي هو محتمل على أساس الإجمال الثاني _ يناسب كون المال في مورد الحديث غير لقطة؛ لأنّ اللقطة الغالب فيها إمكانية التعريف، ومجهول المالك غير اللقطة الغالب فيه عدم إمكانية التعريف.
(2) وسائل الشيعة، ج25، ص451، الباب7 من كتاب اللقطة، ح۳.
مجهول المالك قلنا: إنّ مجهول المالك على أقسام:
۱_ ما ليس لقطة ولا يمكن تعريفه.
۲_ ما تكون لقطة ولا يمكن تعريفها.
۳_ ما تكون لقطة ويمكن تعريفها، لكن لا يجوز تملّكها بعد التعريف؛ لأنّها لقطة الحرم.
٤_ ما تكون لقطة ويمكن تعريفها ويجوز تملّكها بعد التعريف.
٥_ ما ليس لقطة ويمكن تعريفه.
أمّا القسم الأوّل: فهو القدر المتيقّن ممّا دلّت رواية داود على أنّه للإمام.
وأمّا القسم الثاني: فإمّا أنّه داخل أيضاً في القدر المتيقّن أو لا يبعد التعدّي إليه عرفاً.
وأمّا القسم الثالث: فهو غير داخل في القدر المتيقّن من رواية داود حتماً، ولكن لا يبعد التعدّي عرفاً إليه بعد انتهاء التعريف، فإنّ ما يحتمل عرفاً منعه عن صيرورة مجهول المالك ملكاً للإمام وكونه موجباً للتفريق في الحكم عن مورد رواية داود هو أحد أمرين: إمّا إمكانية التعريف وأمل الحصول على المالك فلا يصبح ملكاً للإمام؛ وذلك حفاظاً على حقّ المالك. وإمّا حقّ الملتقط باعتباره قد عمل بوظيفة التعريف وتحمّل عبئه، فأصبح مستأهلاً لحقّ التملّك، فلا يصبح ملكاً للإمام؛ حفاظاً على حقّ الملتقط.
والأمر الثاني غير موجود في هذا القسم، والأمر الأوّل غير موجود أيضاً بعد التعريف.
وأمّا القسم الرابع: فقبل التعريف يوجد فيه الأمر الأوّل من الأمرين اللذين أشرنا إليهما، وبعد التعريف يوجد فيه الأمر الثاني، فلا يمكن التعدّي من مورد رواية داود إليه.
وأمّا القسم الخامس: فهو أيضاً خارج عن القدر المتيقّن من مورد رواية داود، واحتمال الفرق موجود على الأقلّ؛ لإمكانية التعريف وأمل الحصول على المالك، كما أنّه خارج أيضاً عن دليل وجوب التعريف؛ فإنّه ورد في اللقطة، ونحن نحتمل أنّ الالتقاط هو الذي أثقل عليه المسؤولية وحمّله الفحص.
والظاهر أنّه لابدّ من الرجوع في هذا القسم _ وهو مجهول المالك الذي يمكن تعريفه وليس لقطة _ إلى مقتضى القاعدة من وجوب إيصال المال إلى وليّ المالك أو مراجعته فيه وهو الفقيه، وعلى الفقيه بعد تقبّله للمال أن يقوم بالدور الذي يقوم به الوليّ تجاه المولّى عليه من مراعاة مصالحه، فعليه أن يفحص عن المالك إلى حصول اليأس، وبعده يلحقه حكم مجهول المالك غير اللقطة الذي لا يمكن التعريف عنه؛ أي: أنّه يلحق حكماً بمورد رواية داود؛ إذ لا يخلو الأمر ثبوتاً من أحد فرضين:
الأوّل: أن يجوز له كشخص أن يتملّكه؛ إلحاقاً له باللقطة.
والثاني: أن لا يجوز له ذلك.
وعلى الثاني لا يبقى احتمال الفرق عرفاً بينه وبين مجهول المالك غير اللقطة الذي لم يكن يمكن تعريفه من أوّل الأمر، فهو ملك للإمام، وبما أنّ دليل جواز تملّك اللقطة لا يشمل هذا الذي ليس لقطة، فالقدر المتيقّن ممّا يُخرج هذا الفقيه عن عهدة المال أو أيّ إنسان استولى على هذا المال عن عهدته هو التعامل معه معاملة ملك الإمام(علیه السلام).
ثم إنّ أدلّة أحكام اللقطة تقصر أحياناً عن تعيين الوظيفة، فمثلاً لو كانت اللقطة طعاماً لا يقبل البقاء حتّى يمكن الفحص عن مالكه فأدلّة اللقطة قاصرة عن حكم ذلك بعد ضعف سند رواية السكوني(1) ومرسلة الصدوق(2) الماضيتين. ومقتضى القاعدة في مثل ذلك الرجوع إلى وليّ المالك واتخاذ الوليّ الموقف الذي يكون في صالح المولّى عليه، كأن يجيز في أكل الطعام مع الضمان.
أمّا في الموارد التي لا قصور لروايات اللقطة عن بيان حكمها فالظاهر عدم وجوب مراجعة الفقيه فيها واستئذانه.
(1) وسائل الشيعة، ج25، ص468، الباب۲۳ من كتاب اللقطة، ح۱.
(2) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص297، باب اللقطة والضالة من کتاب المعيشة، ح4046.
استدراك البحث في مسألة ولاية الفقيه والشوری
وبما أنّه انتهی بحثنا إلی ولاية الفقيه لا بأس بتعرض إجمالي لولاية الفقيه بهدف استدراك بعض النكات التي فاتتنا في كتابنا «أساس الحكومة الإسلامية»، كما أنّه لا بأس بالتعرض لما قد يدّعی من ولاية الشوری والتي قد تفترض بديلاً عن ولاية الفقيه، فلا يتم البحث عن ولاية الفقيه إلا بالبحث عن ولاية الشوری وتضعيفها أو تصحيحها وملاحظة النسبة بينها وبين ولاية الفقيه، وتعرضنا لولاية الشوری أيضاً يكون بمقدار استدراك بعض النكات الفائتة في كتابنا «أساس الحكومة الإسلامية»، إذاً فهذا البحث بكلا جانبيه ليس بحثاً تاماً في نفسه بل هو تكملة لأبحاثنا في الكتاب(1).
أما ولاية الشوری فخير دليل عليها هو قوله تعالی: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَیٰ بَیْنَهُمْ﴾(2) وقد وقعت هذه الجملة ضمن آيات تعدّ جملة من صفات جماعة يكون ما عندالله خيراً وأبقی لهم، أولاها صفة الإيمان، والواقع أنّ الاستدلال بهذه الآية علی ولاية الشوری _ بعد وضوح أنّ الوظيفة في زمن المعصوم(علیه السلام)في شكل الحكم الإسلامي كانت هي الرجوع إلی قيادة المعصوم(علیه السلام)ولیست إلی ولاية الشوری _ مشكل، وتوضیح ذلك أنّ قوله تعالی: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَیٰ بَیْنَهُمْ﴾ لابدّ أن يفسّر بأحد تفسيرين:
التفسير الأول: أن يكون المقصود توصيف الجماعة بصفة الالتزام بالشوری بالفعل، وهذا هو الظاهر من سیاق الآية التي تعدّ صفات فعلية لهم وهو المتبادر إلی الذهن
(1) لم يتطرق سماحة السيد المؤلف في هذا الاستدراك إلی بحث ولاية الفقيه، وللإطلاع علی مجمل آرائه في هذا المجال لابدّ من مراجعة سائر کتبه مثل ولاية الأمر في عصر الغيبة وکتاب البيع الذي سوف يطبع بمشيئته تعالی ضمن الفصل الذي عقده للبحث عن أولياء العقد.
(2) الشوری: 38.
ابتداءً عند توصيف شخص أو جماعة بوصف، فإنّ ظاهره هو الاتصاف به بالفعل.
وبناءً علی هذا التفسير لا يمكن أن نستفيد من الآية ولاية الشوری، وغاية ما يستفاد منها مسألة الالتزام بالمشورة والاستنارة بآراء الآخرين، وهذا غیر ولاية الشوری؛ وذلك لبداهة عدم فعلية مبدأ ولاية الشوری في زمن صدور الآية، بل وإلی آخر أيام المعصومین(علیه السلام)في رأينا. أما لو استفدنا منها ولاية الشوری فما هي النسبة بينها وبين ولاية الفقيه؟ وهل يجمع بشكل من الأشكال بینهما أو يقدّم أحدهما علی الآخر أم ماذا؟ فهذا بحث بحثناه في كتاب «أساس الحكومة الإسلامية».
التفسير الثاني: أن يكون المقصود توصيفهم بمبدأ لولائي وشأني، أي أنّ أُولئك الجماعة يلتزمون بولاية الشوری لولا وجود وليّ منصوص أو أولياء منصوصين، وإنّما لم يلتزموا في عصر النص بذلك لوجود الوليّ المنصوص.
وهذا التفسير خلاف الظاهر والسياق كما ظهر مما ذكرناه في التفسير الأول، ولو سلّم به فدليل ولاية الفقيه يتقدم علی دليل الشوری؛ لأنّ مبدأ ولاية الشوری حسب الفرض مبدأ لولائي، ويصبح فعلياً عند عدم وجود الوليّ المنصوص فالنص علی ولاية الفقيه یرفع موضوع ذلك ولعله سيأتي بعد عصر ظهور الحجة؟عج؟ زمان لفعلية هذا المبدأ.
ثم أنّنا ذكرنا في كتاب «أساس الحكومة الإسلامية»: أنّ مما يرد علی الاستدلال بالآية الشريفة لإثبات ولاية الشوری في زماننا هو: أنّه لو فرضنا الولاية للشوری لجاء السؤال عن أنّه لو اختلف المصوّتون إلی رأيين مثلاً وكان أصحاب الرأي الأول أكثر عدداً وأصحاب الرأي الثاني أكثر حكمة، فهل يؤخذ بالترجیح الكمي أو الکيفي؟ وهذا سؤال لم يصلنا حتی الآن أيّ جواب علیه في كتاب أو سنّة؟
وكأنّ أستاذنا الشهيد؟رضو؟ حاول الجواب علی هذا الإشكال في الحلقة الرابعة من «الإسلام يقود الحياة» المسماة باسم «خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء» وذكر ما نصّه:
«وتمارس الأمة دورها في الخلافة في الإطار التشريعي للقاعدتين القرآنيتين التاليتين:
﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَیٰ بَیْنَهُمْ﴾.
﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُوُنَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ...﴾(1).
فإنّ النص الأول يعطي للأمّة صلاحية ممارسة أمورها عن طريق الشوری ما لم يرد نص خاص علی خلاف ذلك، والنص الثاني يتحدث عن الولاية وأنّ كل مؤمن وليّ الآخرين. ويريد بالولاية تولّي أموره بقرينة تفريع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليه، والنص ظاهر في سريان الولاية بين كل المؤمنین والمؤمنات بصورة متساوية. وينتج عن ذلك الأخذ بمبدأ الشوری وبرأي الأكثرية عند الاختلاف»(2).
فكأنّه؟رضو؟ يقول: إنّ إعطاء الولاية لكل المؤمنين علی حد سواء يعني أنّ كل فرد له تأثيره في الرأي، أي أنّ النتيجة تتبع أكثرية الآراء، فالمقياس كمّي وليس كيفياً.
وقد يورد علی هذا البيان: أنّ إثبات ولاية الشوری بمعونة هذه الآية يتوقف علی جريان الإطلاق في الآية الكريمة كی تثبت أنّ الولاية ليست فقط ولاية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل هي الولاية في إدارة الأُمور الاجتماعية كافة، بینما لا يجري الإطلاق في المقام، لا بملاك إجراء مقدمات الحكمة في كلمة «أولياء»؛ لما وضّحنا في محلّه من عدم جريان الإطلاق الشمولي في المحمول، ولا بملاك حذف المتعلق؛ إذ حذف المتعلق لا هو موضوع لغة للعموم ولا هو سبب لتعيين المحذوف في أوسع المفاهيم الممكنة بمقدمات الحكمة؛ لأنّ مقدمات الحكمة إنّما تنفيی القيد الزائد عن مفهوم معيّن أخذ في الكلام، ولا تُعيّن المفهوم المردّد بين الوسيع والضيّق في الوسيع.
(1) التوبة: 71.
(2) الإسلام يقود الحياة، ص160 _ 161.
نعم، متی ما لم يكن للمحذوف قدر متيقن وكان عدم حمله علی الإطلاق موجباً للإجمال في الكلام بمعنی التردد بين المتباينات بأن لم تكن القضية مردّدة بين الأقل والأكثر فهم العرف من حذف المتعلق الإطلاق.
والجواب: أنّ نفس حذف المتعلق يناسب عرفاً الإطلاق، فكأنّ ذكر متعلق مّا قيدٌ ينفي باقي المتعلقات المحتملة، وكأنّ حذفه رفض للقيد وعدولٌ إلی إرادة الجامع بین المتعلقات، ولولا هذا لما كان هناك مبرّر لفهم الإطلاق من حذف المتعلق عند عدم وجود القدر المتيقن.
نعم، متی ما كانت هناك مناسبة تشير إلی كون المحذوف متعلقاً خاصّاً ولم تكن هذه المناسبة أضعف من نكتة فهم الإطلاق من حذف المتعلق لم يتم الإطلاق، إما بأن تكون تلك المناسبة غالبة علی نكتة فهم الإطلاق، فيصبح الكلام ظاهراً في إرادة خصوص ذلك المتعلق، أو بأن تكونا متساويتين فيلزم الإجمال ويصبح ذاك المتعلق الخاص هو القدر المتيقن، وفي ما نحن فيه ليس الأمر كذلك؛ فإنّ ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الآية ليس مناسبة تشير إلی كون متعلق الولاية هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل هناك مناسبة تدعم الإطلاق، وهي تفريع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علی الولاية كتفريع المعلول علی علته، فإنّ الغالب أوسعية العلة من دائرة ما فرّع عليها.هذا.
ولو تم الاستدلال بهذه الآية الكريمة لكان هذا جواباً علی إشكالات أخری أيضاً أوردناها في كتاب «أساس الحكومة الإسلامية».
ولكن رغم كل ما ذكرنا نقول: إنّ الاستدلال بهذه الآية الكريمة غير تام؛ إذ هو يتوقف علی أن تكون الولاية في هذه الآية بمعنی الأولوية في التصرف لا بمعنی النصرة والمؤازرة، بینما الولاية في لغة العرب تأتي بكلا المعنيين، ولو لم يستظهر الثاني في المقام فلا أقل من الإجمال، وتفريع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليها ليس
شاهداً لإرادة المعنی الأول؛ إذ ذلك يناسب المعنی الثاني إيضاً، فإنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نوع تآزرٍ ونصرة والمتناصرون المتآزرون يأمر بعضهم البعض بالمعروف وينهاه عن المنكر حينما يری منه الخطأ، وذلك بلهجة الاستعلاء. ويكفي الاستعلاء في صدق عنوان الأمر والنهي، وليس صدق هذين العنوانين متوقفاً علی ثبوت المولويّة أو إدعائها.
ولا يقال: إنّ ولاية الشوری إنّما استفدناها من آية الشوری، والذي نريد أن نستفيدها من هذه الآية إنّما هو كون المقياس هو الأكثرية الكمّية دون الكيف علی تقدير ولاية الشوری.
فإنّه يقال: لو لم تثبت كون الولاية في هذه الآية قصد بها نفس المعنی المقصود بالولاية في آية الشوری كيف يمكن أن تفترض تفسيراً لكيفية الاستفادة من ولاية الشوری وأنّ المقياس فيها هل هو الكم أو الكيف؟!
الأوراق المالیة الاعتباریة
الأوراق المالیة الاعتباریة
بحث حول الأسئلة الفقهیة عن تبدّل النقود الحقیقية المتعارفة في زمن الشریعة من الدینار الذهبي والدرهم الفضّي إلی النقود الاعتباریة البحتة المتعارفة في زماننا هذا.
إنّ النقد في هذا الزمان أصبح من الأوراق الاعتباریة البحتة، والتی لا قیمة ذاتیة تذكر لها، أي لیست هي سلعة من السلع.
فالتبادل كان _ كما یقال _ قدیماً علی شكل المقایضة، أي مبادلة السلع بعضها بالبعض، كما قد یتّفق _ ولو نادراً _ ذلك في زماننا خاصّة في المجتمعات القرویّة البسیطة، وقیل: إنّه كان یجعل أخیراً بعض السلع هو المقیاس للقیم، وبمنزلة النقد فراراً من مشاكل المقایضة غیر المنتظمة، فمثلاً في إیران كان یستفاد بهذا الصدد من الغلّات، وفي بلاد أخری من الأنعام، وفي ثالثة من شيء آخر.(1) إلی أن اهتدوا أخیراً إلی جعل المقیاس عبارة عن الذهب والفضة لسهولة الأمر في ذلك علی خلاف سائر السلع. وتكامل الأمر بالتدریج بالتقیّد فیهما بسكة السلطان التي تضمن عدم الغشّ أو الوزن مثلاً، وفی تطوّر آخر انتهی الأمر تدریجاً إلی النقود الحالیة المجرّدة عن حال السلعیة نهائیاً.
و هناك تطوّر آخر في الآونة الأخیرة رائج في البلاد المتطوّرة اقتصادیاً، وهو التعامل بالصكوك الشخصیة بمقدار ما للشخص من رصید فی البنوك.
(1) راجع بالفارسیة: كلیات علم اقتصاد «باقر قدیری أصلي»، ص184.
والسؤال الذي یطرح نفسه بادئ الأمر بالنسبة لنقود الیوم، هو أنّها هل تلحق بالنقدین الذهب والفضّة فی تعلّق الزكاة بها أو لا؟ والإشكال فی إلحاقها بالذهب والفضّة ینشأ من نقطتین:
النقطة الأُولی: هي المعروف ذكرها من أنّ النقود اختصّت بالذهب والفضّة، والتعدّي إلی الأوراق النقدیة المألوفة فی وقتنا الحاضر قیاس لا نقول به، والبحث عن التعدّي من النقدين إلى الأوراق الاعتبارية بدعوی إلغاء العرف الخصوصية، أو عدم التعدّي بدعوی كون ذلك قياساً لا نقول به، يجري أيضاً في إلحاق تلك الأوراق بالنقدين وعدمه في باب الصرف بلحاظ حرمة التفاضل من ناحية، وبلحاظ اشتراط القبض من ناحية أُخری.
والنقطة الثانیة: قیاس الأوراق المالیة المتداولة الیوم بالصكوك الشخصیة التي من الواضح عدم تعلّق الزكاة بها، حتی ولو فرض أنّ ما تحكي عنه من الرصید الموجود في البنك متجسّداً في عین زكویة من ذهب أو فضّة؛ وذلك لأنّ الرصید خارج من ملك صاحب الشیك ومملوك للبنك ولو بالإقراض، ولیست علی صاحب الشیك زكاته، ولو أنّ البنك لم یكنزه وجعله في سیر جریان الأموال فلیست علیه أیضاً زكاته، وأمّا الشیك فلا یعدّ مالاً مستقلاً كي تكون علی صاحبه الزكاة. فإذا قلنا: إنّ الأوراق المالیة الحاكیة عن أرصدة لدی الدولة یكون حالها حال تلك الصكوك، والمالیة الحقیقية متجسّدة في تلك الأرصدة لا في هذه الأوراق، فقد يشكل فرض تعلق الزكاة بها.
وهذا الإشكال يسري في الجملة إلى باب الخمس أيضاً فيقال _ بناء علی تعلّق الخمس بما يملكه الإنسان عن طريق الهبة _ : إنّه لو وهب أحد أوراقاً ماليةً ممّا هو متعارف اليوم لشخص، فهذه الأوراق ليست المالية الحقيقية متجسّدة بها كي يتعلّق بها الخمس، وإنّما المالية الحقيقية متجسدة في أرصدتها التي لم يقبضها، والهبة
مشروطة بالقبض، فهو لم يملك تلك الأرصدة بعد حتی يتعلّق بها الخمس. نعم أصبح للموهوب له حقّ أن يأخذ الرصيد من الدولة لو قدّم هذه الأوراق إلى الدولة، فكأنّما قد أعطاه الواهب حوالة على ما كان يمتلك لدیٰ الدولة، وهذا الحق حاله حال سائر الحقوق، كحقّ الشفعة أو الخيار أو السرقفلية التي لم يُفتِ أحد بتعلّق الخمس بها رغم أنّها تقابل بالمال.
أمّا لو أنكرنا كون هذه الأوراق المالية المتداولة اليوم بمنزلة المستندات والشیكات وقلنا إنّها أصبحت بنفسها أموالاً بالاعتبار تحمل القوّة الشرائية، أو أنّها تعتبر قوّة شرائية متجسّدة، فينتفي في المقام ما عرفته من الإشكال في الخمس، ولكن ينجم عن ذلك إشكال آخر علی فتوی معروفة في الخمس، وكذلك ينجم إشكال على الفتوی المعروفة في باب الربا.
أما في باب الخمس فقد تعارف القول بوجوب الخمس في أرباح المكاسب حتی في هذه الأوراق المالية، بمعنی أنّ من كان رأس ماله المخمّس مائة دينار مثلاً ثم ازداد ماله خلال السنة بالكسب مثلاً فكان في رأس السنة الثانية مائة وخمسين ديناراً، وجب علیه تخميس الزيادة وهي الخمسون دیناراً، في حين أنّه يمكن أن يقال _ في ما إذا لم تكن هذه الزيادة أكثر مما حصل من الزيادة في تضخّم الأسعار _ : إنّ هذا ليس ربحاً بالمعنی الحقيقي للكلمة بعد أخذ التضخم بعين الاعتبار، فلا موجب لتعلّق الخمس به.
وأما في باب الربا فقد تعارف القول بحرمة أخذ الزيادة حتی في هذه الأوراق المالية المتعارفة اليوم، فلو اقترض ألف دينار ملتزماً بإرجاع ألف ومائتين مثلاً بعد سنة كان ذلك رباً. في حين أنّه يمكن أن يقال في ما إذا لم تكن الزيادة أكثر من زيادة التضخم في الأسعار بجواز أخذ الزيادة، وذلك ببيان أنّ هذه الأوراق التي تعتبر مثلية لا يلحظ في مثليّتها شكل الورق مثلاً، بل تلحظ في مثلیّتها قوّتها الشرائية، فإذا كان الألف
والمائتان بعد سنة يساوي الألف لما قبل سنة في القوة الشرائية أو كان أقلّ من ذلك فلا زيادة في المقام وليس هناك رباً(1).
وقد اتضح بهذا العرض أنّ فهرسة البحث في المقام ما یلي:
1_ هل تتعلق الزكاة بالأوراق المالية غير الذهب والفضّة أو لا؟
2_ هل يتعلّق الخمس بتلك الأوراق في مثل موارد الهبة أو في الزيادة التي لا تزيد علی مقدار التضخم أو لا؟
3_ هل يحكمها _ كما في باب الصرف _ حكم التفاضل في العرف أو لا؟
4_ هل يحكم فيها _ كما في باب الصرف _ بشرط القبض الثابت في العرف أو لا؟
5_ هل يمكن تصحيح الزيادة وتخريجها فقهياً في القرض إذا لم تزد علی مقدار التضخم أو لا؟ وما هو حكم النقيصة لدى فرض نقصان التضخم؟ وكذلك الحال في باب الضمان من غير ناحية القرض كفرض الغصب مثلاً.
المسألة الأولى: هل تتعلّق الزكاة بالأوراق المالية غير الذهب والفضّة أو لا؟
وهنا لابدّ أن نری أوّلاً أنّه هل يصح قياس الأوراق المالية المتداولة اليوم بالشيكات والسندات، بدعوى أنّها تحكي عن أرصدتها لدی الدولة أو لدی مصدرها وليست لها مالية مستقلّة أو لا يصحّ ذلك؟ فلو صحّ ذلك مع افتراض أن الرصيد حتی إذا كان عبارة عن الذهب أو الفضّة فإنّما هو في ذمة الدولة أو الجهة المصدرة وليس محتفظاً به كأمانة في خزانتها، فلا معنی عندئذٍ لتعلّق الزكاة بهذه الأوراق إذ لا مالیة لها، ولا بأرصدتها لأنّها لیست بأعیانها الخارجیة ملكاً لصاحب الورق، بل هي في ذمّة الدولة أو الجهة المصدرة للورق، ومن الواضح أنّه لا تجب علی الإنسان زكاة مال أقرضه لشخص آخر.
(1) راجع الإسلام يقود الحياة، الحلقة السادسة، ص109.
والواقع أنّ قیاس الأوراق المالیة الیوم بالشیكات والسندات قیاس مع الفارق، وإن كان هذا القیاس صحیحاً في تاریخ سابق.
وتوضیح ذلك: أنّ الأوراق المالیة _ كما یرویه المطّلعون(1)علی تاریخها _ مرّت بأدوار:
الدور الأول: دور نیابتها عن أرصدتها من ذهب أو فضّة محتفظ بها في خزانة مصدر الأوراق، تكون هي في الحقیقة ملكاً لأصحاب الأوراق ولیست هذه الأوراق إلّا حاكیة عن تلك الأرصدة.
في هذا الفرض لا ینبغي الإشكال في تعلّق الزكاة علی أصحاب الأوراق بالأرصدة حینما تكون ذهباً أو فضّة، سواء فرضناهما مسكوكتین أو لا. أما إذا كانتا مسكوكتین فالأمر واضح، وأما إذا لم تكونا مسكوكتین فلأنهما في الحقیقة المال الرائج ، لأنّ رواج هذه الأوراق یعني رواج ما تحكي عنه وهو الذهب والفضة، فبناءً علی أنّ المقیاس في باب الزكاة كونه مالاً رائجاً ولا عبرة بالسكة إلّا من ناحیة أنها كانت سبباً للرواج فتجب الزكاة في المقام.
ولكن من الواضح الیوم أنّه لا یوجد شيء من هذا القبیل في العالم.
الدور الثاني: ما بدا بعد أن أحسّ المصدّرون للأوراق بأنّهم غیر مضطرین إلی الاحتفاظ بعین الأرصدة بمقدار الأوراق المصدرة، لأنّ أصحاب الأوراق سوف لن یطالبوهم جمیعاً في وقت واحد بتسلیم الرصید، فتبدّل الاحتفاظ بالأرصدة إلی التعهّد بدفع الرصید لمن جاء بالورق إلی مصدّر الأوراق.
وهذا التعهّد یمكن تفسیره بنحوین:
(1) راجع بالفارسیة الدروس التي هیأها الأستاذ الدكتور داودي للتدریس في كلیة العلوم الاقتصادیة في جامعة الشهید بهشتي بطهران، الدرس الثانی والثالث.
الأوّل: أنّ الجهة المصدّرة تعتبر نفسها مدینة لصاحب الورق بمقدار رصیده.
وهذا یعني أنّ الورق أصبح أیضاً شیكاً وسنداً، لكنّه لا یحكي عن رصید خارجي كما هو الحال فی الدور السابق، بل یحكي عن رصید الذمة، وعلیه یتعیّن القول بعدم تعلّق الزكاة علی صاحب الورق، لا بالورق؛ إذ لا مالیة له، ولا بالرصید حتی إذا كان ذهباً أو فضّة؛ لأنّه لا یمتلكه عیناً وإنما یمتلكه في ذمّة الآخرین.
والثانی: أنّ الجهة المصدّرة لا تأخذ علی ذمّتها، وإنما تتعهّد تعهّداً مستقلّاً عن ترجمة الورق للرصید بأنّ من أتی بها بشيء من هذه الأوراق قدّمت له من الرصید بقدره، وهذا التعهّد یمنح للورق اعتباراً وقیمة لدی الناس باعتبار ثقتهم بالجهة المتعهدة.
وهذا یعني أنّ الورق إذا لم یصبح شیكاً وسنداً بل أصبح هو أمراً ذا مالیة، وتعهّد الجهة المصدّرة لدفع الرصید هو حیثیة تعلیلیة لاعتبار المالیة اجتماعیاً لهذا الورق.
وهنا تأتي الشبهة التي تقول بتعلّق الزكاة بهذه الأوراق بدعوی التعدّی العرفي من مورد النص وهو الذهب والفضّة، وأنّ تعلّق الزكاة بهما إنما كان بلحاظ كونهما النقد الرائج.
أما أنّ أيّ التفسیرین هو المطابق للواقع؟ فقد رجّح أستاذنا الشهید(رحمه الله) كون التفسیر الثاني أصوب، وأید ذلك بأنّ استهلاﻙ السند أو سقوطه عن الاعتبار لا یعني تلاشي الدین، في حین أنّ أيّ شخص تتلاشی لدیه الورقة النقدیة، أو تسقط الحكومة اعتبارها ولا یسارع إلی استبدالها بالنقود الجدیدة، لا تعتبر الجهة المصدّرة نفسها مسؤولة أمامه عن دفع قیمة الورقة المتلاشیة أو التي سقط اعتبارها وتماهل فی استبدالها، فكأن هناك تعهداً بدفع القیمة ذهباً لمن یملك الورقة، لا أنّ الورقة تعطی لمن یملك قیمتها ذهباً في ذمّة الجهة المصدّرة، ولهذا یمیّزها القانون عن سائر الأوراق التجاریة من شیكات وكمبیالات، حیث یمنحها صفة النقد والإلزام بالوفاء بها، دون الأوراق الأُخری التي لا تخرج عن كونها مجرد سندات.(1)
(1) راجع البنك اللاربوي في الإسلام، ص 151.
أقول: كان مقصوده(رحمه الله) من آخر الكلام بیان تأیید آخر للمقصود، وهو أنّه لو أنّ أحداً أصبح مَدیناً لشخص بإتلاف مال قیمي له مثلاً فأراد الوفاء بالورق المالي، وجب علی المضمون له أن یقبل هذا الورق ولیست له مطالبة الرصید، في حین أنّه لو أراد الوفاء ببعض تلك السندات لم تكن لها قوّة الإلزام وكان من حق المضمون له الرفض.
وقد یفسر كلّ هذا بتفسیر منح هذه الآثار لهذه الأوراق من قبل الحكومة بالولایة، من دون أن تخرج عن كونها سندات تحكي عن رصیدها، فرغم أنّها مجرد سندات ولیست أموالاً، أمرت الحكومة بالولایة بوجوب قبول المضمون له إیّاها، وبسقوط حقّ من یحترق عنده الورق أو یتأخّر عن الموعد المقرّر لتبدیل النقود المحكوم علیها بالسقوط. وهذا التفسیر، وإن كان ممكناً، لكنّه:
أولّاً: یكون احتماله بعیداً إلی حدّ الاطمئنان بالخلاف؛ لأنّ الأولی والأنسب لمن یُعمِل الولایة في مقام نزع آثار السند وتبدیلها بآثار المال أن یُعمِل الولایة بتبدیله بالمال مباشرة.
ثانیاً: یكون نفس نزع هذه الآثار وتبدیلها إلی آثار المال سبباً في اعتبار العقلاء المالیة لهذه الأوراق وخروجها عن كونها مجرد سندات.
الدور الثالث: هو الدور المثبّت الیوم عالمیاً وهو إلغاء التعهّد بدفع الرصید من قبل مصدّر الأوراق نهائیاً.
وقد ذكر أُستاذنا الشهيد(رحمه الله): أنّنا إذا أردنا أن نعرف أنّ الأوراق التي اُعفيت عن التعهد بدفع الرصيد لدى تقديم الأوراق هل تعتبر سندات أو تعتبر أموالاً، يجب أن نرى حال التعهد الذي فرض في القسم السابق، والذي أعفيت الأوراق عنه في هذا القسم، لكي نرى هل أنّ ذلك التعهد كان مكيّفاً بالتكييف الثاني من التكییفین الماضيين، أي أنّ الجهة المصدرة للأوراق لا ترى نفسها مدينة أصلا لأصحاب الأوراق، وغاية ما هناك أنّها تعهّدت بدفع الرصيد لدي تقديم الأوراق إليها جلباً لثقة
الناس بالأوراق؟ أو كان مكيفاً بالتكييف الأول وهو التعهد بالدَين؟ أما على التكييف الثاني فقد كانت الأوراق أموالاً قبل الإعفاء عن التعهد، فكذلك الحال لا محالة بعد الاعفاء، وأما على التكييف الأول فالأوراق قبل الإعفاء عن التعهد لم تكن أموالاً بل كانت مستندات وحاكية عما في ذمة الجهة المصدّرة للأوراق من رصيد. فعندئذٍ يجب أن نرى ما هو تفسیر قانون الإعفاء وتكييفه من الناحية الفقهية؟ فإن كان قانون الاعفاء يعني إلغاء الديون التي كانت الأوراق النقدية سندات عليها وتحويلها إلى أوراق نقدية إلزامية، فهذا يعني أنّ تلك الأوراق أصبحت أموالاً باستقلالها، ولم تعد حاكية بحتة، وأما إذا كان قانون الإعفاء يعني السماح للجهة المصدّرة بعدم وفاء الدين الذي تمثّله الورقة النقدية في نطاق التعامل الداخلي، حرصاً على الذهب وتوجيهاً له إلى التعامل مع الخارج، مع الاعتراف قانونياً ببقاء الديون التي تمثّلها تلك الأوراق، فلا تخرج بذلك عن حكمها قبل الإعفاء(1).
أقول: إنّ احتمال تفسير الإعفاء عن التعهد بالشكل الذي يجتمع مع فرض حكاية الأوراق عن الدَين في ذمة الجهة المصدرة لها، غير موجود في يومنا الحاضر نهائياً؛ وذلك لأنّه حتى لو فرض بقاء التعهد في التعامل الخارجي، أو في تعامل الدولة مع الخارج، أو فرض في مورد ما ثبوت التعهد في التعامل الخارجي صدفة، فليس هذا تعهداً بكمية معينة من ذهب أو فضة أو أي شيء آخر، بل هو تعهد بدفع ما يناسب ذلك المبلغ من النقد في كل زمان بحسبه.
وبكلمة أُخرى: إنّ المفهرم من الرصيد للأوراق في الوضع العالمي اليوم لم يعد ما كان سابقاً من مبلغ مشخص ومعين في ذمة شخص أو جهة، وإنما رصيد أوراق كل
(1) راجع البنك اللاربوی في الإسلام: ص۱۵۱ _ ۱۵۲.
دولة عبارة عن مجموع ما تمتلكه من القوة الاقتصادية من سلع أو أعمال، لا بمعنى أنّ مبلغاً معيناً منها يكون محكياً بمبلغ معين من هذه الأوراق، كما هو شأن السندات، بل بمعنى أنّ هذه الأوراق تمكن صاحبها من امتلاك مبلغ من تلك الأُمور مختلف المقدار وفق ما تقتضيه قاعدة العرض والطلب ومدی ازدهار الوضع الاقتصادي للبلاد، أي أنّ أي شيء يفترض رصيداً لهذه الأوراق فهو بذاته محكوم، حتى في عالم رصیدیته في أي تجارة داخلية أو خارجية، ومن قبل أي شخص أو جهة، لنظام التضخم وتصاعده أو تخفيفه بالقياس إلى الأوراق، في حين أنّ شيئاً ما لو كان رصيداً لهذه الأوراق بمعنی سندية الأوراق له وحكايته عن ثبوته في ذمة الدولة أو مصدّر الأوراق، لما كان من المعقول نزول مبلغ ذلك الشيء باستمرار أو صعوده أحياناً، أي أنّ سنداً ما إذا كان حاكياً عن مثقال من الذهب في ذمة أحد لكان يبقى ما في ذمته _ المحكي بهذا السند دائما _ هو مثقالاً من الذهب لا يزيد ولا ينقص، وأنت ترى أن الحال في أرصدة الأوراق ليست كذلك، فأي شيء يفرض رصيداً لها يكون الرصيد عبارة عن مجموع ما يمتلكه البلد من ذلك الرصيد مهما قل أو كثر في أي زمان من الأزمنة، وعلى هذا الأساس ترى أنّه مهما ازدهر اقتصاد بلد ما وكثرت فيه الخيرات والبركات قويت أوراقهم المالية في تجارة داخلية أو خارجية، ومهما ضعفت قوتهم الاقتصادية وقلّت الخيرات ضعفت أوراقهم المالية، كما أنّ تلك القوة الاقتصادية بأي ميزان كانت توزع على مجموع تلك النقود، فلو طبعت الدولة أو الجهة المصدّرة لها مبلغاً أكثر انخفضت قوة النقد. فلا ينبغي أن نغترّ بكلمة الرصيد أو بكلمة السند لو سميت هذه الأوراق في مصطلح مصرفي بالسند، أو سميت الأمتعة والسلع أو مجموعة القوة الاقتصادية في البلد بالرصيد.
وعليه فلم يعد خافياً اليوم أنّ الأوراق المالية الرائجة في العالم تعتبر هي الأموال، ولا تعتبر حاكية عما في الذمم.
ومن هنا تأتي شبهة تعلق الزكاة بها بدعوى التعدي العرفي من مورد النص _ وهو الذهب والفضة _ إلى كل ما أصبح نقداً رائجاً، وأنّ العرف يفهم أنّ تعلّق الزكاة بالذهب والفضة لم يكن لخصوصية فيهما، بل لكونهما نقدین رائجين، كما قد يشهد لذلك اشتراط الزكاة فيهما بكونهما مسكوكين أو بكونهما نقدین رائجين.
وفي مقابل ذلك يدعى أنّ هذا التعدي قياس، وأنّ احتمال الفرق وارد في المقام. ولبسط الكلام شيئاً ما في هذا الموضوع نقول:
إنّ الشريعة الإسلامية فرضت ضرائب على أصحاب الأموال، وجعلت قسماً منها ملكاً للدولة الإسلامية أو قل الإمامة، وقسماً منها ملكاً للفقراء والمحتاجين، ومصارف عامة أُخرى. قال اللّٰه سبحانه:
1_ ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ ما غَنِمْتُمْ مِن شَيءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبیٰ وَالْيَتامىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُم بِاللهِ وَمَا أَنزَلْنا عَلىٰ عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَىٰ الْجَمْعَانِ وَاللّٰهُ عَلَىٰ كُلَّ شَيءٍ قَدِيرٌ﴾(1).
2_ ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الأَنْفالُ لِلّٰهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّٰهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللّٰهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُؤمِنِينَ﴾(2).
3_ ﴿وَمَا أفَاءَ اللهُ عَلىٰ رَسُولِه مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللهَ يُسَلَّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلَىٰ كُلَّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَا أفاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرىٰ فَلِلّٰهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبىٰ وَالْيَتامىٰ وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغنِياءِ مِنكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللّٰهَ إِنَّ الله شَدِيدُ الْعِقابِ﴾(3).
(1) الأنفال: 41.
(2) الأنفال: 1.
(3) الحشر: 6_7.
4_ ﴿خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهَّرُهُمْ وَتُزَكَّيهِم بِها وَصَلَّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(1).
5_ ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرَّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّٰهِ وَاللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾(2).
ولعل الفارق العملي بين ما جعل من الضرائب لمثل عنوان الفقراء والمحتاجين وهي الصدقات، وما جعل منها للحكومة أو الإمامة، أو جعل لها سهم فيه وهو الخمس والفيء والأنفال مفقود في كثير من الموارد؛ لأنّ حاجات الحكومة عبارة أُخرى عن نفس تلك الموارد العامة.
إلا أنّ أبرز فارق عملي بينهما هو: أنّه لم يسمح لقربی الرسول(صلى الله عليه و آله) أن يستفيدوا لحاجاتهم الشخصية من الصدقات، وسمح لهم أن يستفيدوا من غيرها، والدليل على هذا التحريم روايات كثيرة من قبيل ما ورد بسند تام عن محمد بن مسلم وأبي بصير وزرارة عن الباقر والصادق(علیهما السلام) عن الرسول(صلى الله عليه و آله) في حديث: «و إنّ الصدقة لا تحل لبني عبدالمطلب»(3). وما ورد بسند تام أيضاً عن عبداللّٰه بن سنان عن أبي عبداللّٰه(علیه السلام)قال: «لا تحل الصدقة لوُلد العباس ولا لنظرائهم من بني هاشم»(4).
والذي يبدو من لحن أكثر الروايات(5) أنّ المصطلح الذي كان يذكر في مقابل مصطلح الخمس لدی بیان حرمة أخذ الواجب منه على ذوي القربى هو مصطلح الصدقة لا مصطلح الزكاة، وكان مصطلح الزكاة في تاريخ نزول القرآن والذي قرن
(1) التوبة: 103.
(2) التوبة: 60.
(3) وسائل الشيعة، ج9، الباب ۲۹ من أبواب المستحقين للزكاة، ح 2.
(4) المصدر السابق، ح3.
(5) راجع المصدر السابق، الباب ۲۹ _ 34 من أبواب المستحقين للزكاة.
بالصلاة في الآيات الكثيرة على الأكثر عبارة عن مطلق الضريبة الواجبة، وإن استقر الاصطلاح أخيراً على ترادف كلمة الزكاة للصدقة الواجبة مقابل الخمس.
ولا إشكال في أنّ أحد ملاكات الضريبة في الإسلام أو أهمها هو سد الحاجات المالية لدى الحكومة، أو لدى الفقراء والمحتاجين أو سائر الحاجات الاجتماعية، وقد ورد في الأحاديث المتعددة: «إن اللّٰه(وجل عز) فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم، ولو علم أنّ ذلك لا يسعهم لزادهم...»(1) ويشهد لذلك أيضاً نفس العناوين المذكورة في الآيات للصرف عليها كالفقراء والمساكين، وقد يشهد له أيضاً ما في آية الفي: ﴿كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ﴾(2) كما يحتمل أن تكون هذه العبارة إشارة إلى ملاك آخر وهو عدم نمو الثروة نفسها بشكل هائل لدى الأغنياء.
ومن المحتمل وجود ملاك آخر أيضاً في زكاة النقود وهو منع النقد عن الركود مما قد يسبب اختلالاً في الوضع الاقتصادي في البلاد، وقد تشعر بذلك كلمة الكنز في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللّٰهِ فَبَشَّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُم فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ﴾(3).
وقد يكون هذا هو السبب في ما ثبت نصاً وفتوى، من أنّ تعلق الزكاة بالذهب والفضة مشروط بكونهما مسكوكين أو نقدین رائجين، أما إذا كانا حُليّاً مثلاً لم تكن عليهما زكاة، فلعل هذا بسبب أنّه ليس نقداً كي يكون كنزه سبباً لركود شيء من النقود ومنعه عن سير العمل في التجارة، وقد ورد في بعض الأحاديث: «أنّ من سبك من الدرهم والدينار حليّاً أو نحوه فراراً من الزكاة لم تجب عليه الزكاة، ولكنه قد منع
(1) وسائل الشيعة، ج9، ص10، الباب الأول من أبواب ما تجب فيه الزكاة، ح2.
(2) الحشر: 7.
(3) التوبة: 34_ 35.
نفسه من ربح المال أكثر مما منع من حق اللّٰه الذي يكون فيه»(1). فلعل هذه الروايات تشير إلى أنّ كون تحويل النقد المسكوك إلى ركاز لا يمكن التعامل به، لما كان خلاف طبع الإنسان لكونه مانعاً عن امتلاكه السيولة النقدية الآنيّة، اكتفت الشريعة بالمقدار الذي يحصل لذلك من الردع عن هذا التحويل، حيث يضرّه أكثر مما يربحه، ولم توجب عليه الزكاة في ما لو فعله صدفة، أما الذي يكثر صدوره من الإنسان فهو كنز النقد بوصفه نقداً رائجاً أو مسكوكاً فمنعت الشريعة عن ذلك بفرض الزكاة.
ويشهد لهذا الاحتمال _ أعني كون ملاك الزكاة في النقدين المنع عن ركود النقد الرائج _ ما ثبت نصاً وفتوى من شرط الحول في زكاة النقدين، فلعل السر في ذلك أنّه إذا أدخل الشخص نقوده في سير التجارة والتبادل والمعاملات خرجت عن كونها كنزاً، ولم يحصل الركود في قسم من النقد، ولهذا لم يوجب عليها الإسلام الزكاة.
إلا أنّ شرط الحول ليس مخصوصاً بالنقود بل هو موجود في الأنعام أيضاً.
أما التعدي عن الذهب والفضة إلى الأوراق الاعتبارية المألوفة اليوم في ثبوت الزكاة عليها، فقد يخطر بالبال القول: إنّ الجزم بإلغاء الخصوصية أو حكم العرف بذلك، يتوقف علىٰ فرض كون الملاك المفهوم في زكاة النقدين منحصراً بمثل سد حاجات المحتاجين وسائر المصارف العامة، مما هو مشترك بين النقدين والأوراق المالية المتداولة اليوم تمام الاشتراك. أما إذا احتملنا وجود ملاك آخر في المقام وهو المنع عن الكنز وعن ركود مبلغ من النقود وإيقاف السيولة النقدية، فمن المحتمل وجود الفرق بين مقاييس تحسين الاقتصاد في الاقتصاد القديم الذي كان النقد الرائج فيه عبارة عن الذهب والفضة، ومقاییسه في الاقتصاد المتطور القائم على أساس الأوراق التي يكون قوامها بالجعل والاعتبار، سواء فرض لها رصيد كامل أو
(1) راجع وسائل الشيعة، ج9، ص159، الباب11 من أبواب زكاة الذهب والفضة.