المولفات

المؤلفات > دراسات فقهية

334

الأوّل: أنّ الجهة المصدّرة تعتبر نفسها مدینة لصاحب الورق بمقدار رصیده.

وهذا یعني أنّ الورق أصبح أیضاً شیكاً وسنداً، لكنّه لا یحكي عن رصید خارجي كما هو الحال فی الدور السابق، بل یحكي عن رصید الذمة، وعلیه یتعیّن القول بعدم تعلّق الزكاة علی صاحب الورق، لا بالورق؛ إذ لا مالیة له، ولا بالرصید حتی إذا كان ذهباً أو فضّة؛ لأنّه لا یمتلكه عیناً وإنما یمتلكه في ذمّة الآخرین.

والثانی: أنّ الجهة المصدّرة لا تأخذ علی ذمّتها، وإنما تتعهّد تعهّداً مستقلّاً عن ترجمة الورق للرصید بأنّ من أتی بها بشيء من هذه الأوراق قدّمت له من الرصید بقدره، وهذا التعهّد یمنح للورق اعتباراً وقیمة لدی الناس باعتبار ثقتهم بالجهة المتعهدة.

وهذا یعني أنّ الورق إذا لم یصبح شیكاً وسنداً بل أصبح هو أمراً ذا مالیة، وتعهّد الجهة المصدّرة لدفع الرصید هو حیثیة تعلیلیة لاعتبار المالیة اجتماعیاً لهذا الورق.

وهنا تأتي الشبهة التي تقول بتعلّق الزكاة بهذه الأوراق بدعوی التعدّی العرفي من مورد النص وهو الذهب والفضّة، وأنّ تعلّق الزكاة بهما إنما كان بلحاظ كونهما النقد الرائج.

أما أنّ أيّ التفسیرین هو المطابق للواقع؟ فقد رجّح أستاذنا الشهید(رحمه الله) كون التفسیر الثاني أصوب، وأید ذلك بأنّ استهلاﻙ السند أو سقوطه عن الاعتبار لا یعني تلاشي الدین، في حین أنّ أيّ شخص تتلاشی لدیه الورقة النقدیة، أو تسقط الحكومة اعتبارها ولا یسارع إلی استبدالها بالنقود الجدیدة، لا تعتبر الجهة المصدّرة نفسها مسؤولة أمامه عن دفع قیمة الورقة المتلاشیة أو التي سقط اعتبارها وتماهل فی استبدالها، فكأن هناك تعهداً بدفع القیمة ذهباً لمن یملك الورقة، لا أنّ الورقة تعطی لمن یملك قیمتها ذهباً في ذمّة الجهة المصدّرة، ولهذا یمیّزها القانون عن سائر الأوراق التجاریة من شیكات وكمبیالات، حیث یمنحها صفة النقد والإلزام بالوفاء بها، دون الأوراق الأُخری التي لا تخرج عن كونها مجرد سندات.(1)

 


(1) راجع البنك اللاربوي في الإسلام، ص 151.