153


وعلى أيّ حال، فبعد فرض توثيق محمّد بن عليّ بن أبي عبدالله بنقل البزنطي تبقى مسألة إعراض الأكثريّة القاطعة.

ولا يخفى: أنّه يحتمل بشأن محمّد بن عليّ بن أبي عبدالله أن يكون عبارة عن محمّد بن عليّ بن جعفر بأن يكون المقصود بجعفر أبو عبدالله الصادق(عليه السلام) ويكون هذا الرجل ابن عليّ بن جعفر الذي هو أخو الإمام موسى بن جعفر، فإنّه قد ورد شخص باسم محمّد بن عليّ بن جعفر وعدّه الشيخ الطوسيّ(رحمه الله) من أصحاب الرضا(عليه السلام)(1)، ولم يصرّح هو(رحمه الله) بأنّ المقصود بعليّ بن جعفر هو أخو الإمام موسى بن جعفر، ولكن قد ورد في اُصول الكافي عن عليّ بن محمّد، عن الحسن بن عيسى بن محمّد بن عليّ بن جعفر، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر(عليه السلام) قال: «إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم، لا يزيلكم عنها أحد. يا بنيّ، إنّه لابدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة حتّى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنّما هي محنة من الله ـ عزّ وجلّ ـ امتحن بها خلقه، لو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصحّ من هذا لاتّبعوه، قال: فقلت: يا سيّدي، من الخامس من ولد السابع؟ فقال: يا بنيّ، عقولكم تصغر عن هذا، وأحلامكم تضيق عن حمله، ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه».(2).

وعلى أيّ حال، فحتّى لو ثبت أنّ محمّد بن عليّ بن أبي عبدالله هذا هو حفيد الإمام الصادق(عليه السلام)فلا دليل على توثيقه إلّا نقل البزنطي عنه.

وقد عالج السيّد الخوئيّ(قدس سره) مشكلة التعارض بين هذه الرواية وما مضى من صحيح البزنطي في مقدار النصاب بعد فرض تسليم صحّة سند هذه الرواية: بأنّ هذه الرواية شاذّة


(1) راجع معجم رجال الحديث، ج 16.

(2) اُصول الكافي، ج 1، كتاب الحجّة، باب الغيبة، ح 2.

154


لم يعمل بها إلّا الحلبي، فنقدّم عليها صحيح البزنطي لعمل المشهور بذلك; لأنّها المشهورة بين الأصحاب(1).

وهذا الكلام غريب; فإنّ الشهرة الثابتة في المقام إنّما هي الشهرة العمليّة، ولو سلّمنا بكفاية الشهرة العمليّة للترجيح فهي شهرة بين متأخّري الأصحاب والعبرة في الترجيح بالشهرة لو كان إنّما هي الشهرة بين القدماء، وقد مضى: أنّ الظاهر: أنّ القدماء أو مشهورهم لم يكونوا يقولون بالنصاب.

يبقى عندئذ إسقاط هذا الحديث سنداً بالإعراض.

وقد يجاب على ذلك بأنّه كيف يفترض إعراض الأصحاب عن هذا الحديث بعد أن أفتى المشهور بشرط بلوغ نصاب الدينار في الغوص ولا مدرك لذلك إلّا هذه الرواية؟

ويمكن افتراض اختصاص الإعراض بسند جملة ذكر المعادن فحسب، كما قد يشهد له حذف هذه الجملة في المقنع.

وللسيّد الخوئيّ(رحمه الله) مناقشة دلاليّة في هذا الحديث(2); إذ يحتمل أن يكون الجواب ناظراً إلى الغوص فقط، كما يكشف عنه تذكير الضمير في قوله: «قيمته» الراجع إلى ما يخرج من البحر دون المعادن، وإلّا كان مقتضى القواعد تأنيثه كما لا يخفى، فكأنّه(عليه السلام)أعرض عن بيان حكم المعادن لوجود من يتّقى منه، حيث لو بيّن الواقع وأنّ فيها النصاب عشرين ديناراً، لكان على خلاف التقيّة، ولو بيّن خلافه لكان كذباً، ومن ثمّ أعرض، واقتصر على حكم الأوّل. انتهى كلام السيّد الخوئيّ(رحمه الله).

أقول: إنّ أكثر فقهاء السنّة من آمن منهم بوجوب الخمس في المعدن في الدائرة التي


(1) مستند العروة، كتاب الخمس، ج 1، ص 43 بحسب طبعة المطبعة العلميّة بقم.

(2) راجع المصدر نفسه، ص 43 ـ 44.

155


آمن بذلك فيها وألحقه بغنيمة الحرب لم يشترط فيه نصاباً إطلاقاً، وهناك رأي بثبوت الخمس في الذهب والفضّة بنصاب الزكاة، فعن الحنفيّة: أمّا الذي ينطبع بالنار فيجب فيه إخراج الخمس، ومصرفه مصرف غنيمة الخمس... إلى أن قال: ويستثنى من المائع الزئبق فإنّه يجب فيه الخمس، ويلحق بالكنز ما يوجد تحت الأرض من سلاح وآلات وأثاث ونحو ذلك، فإنّه يخمّس على ما تقدّم، ولا شيء فيما يستخرج من البحر كالعنبر واللؤلؤ والمرجان والسمك ونحو ذلك، إلّا إذا اُعدّ للتجارة كما تقدّم.

وعن المالكيّة: ويستثنى من ذلك (يعني من تعلّق الزكاة بالمعدن بنصاب الزكاة) ما يسمّى بالندرة، وهي القطعة الخالصة من الذهب والفضّة التي يسهل تصفيتها من التراب، ويصرف في مصارف الغنائم وهو مصالح المسلمين، ولا يختصّ بالأصناف الثمانية ولو لم يبلغ الخارج نصاباً... إلى أن قال: ويجب في الركاز إخراج خمسه، سواء كان ذهباً أو فضّة أو غيرهما، وسواء وجده مسلم أو غيره، حرّاً كان الواجد أو عبداً، ويكون الخمس كالغنائم يصرف في المصارف العامّة... إلى أن قال: ولا شيء فيما يلفظه البحر كعنبر ولؤلؤ ومرجان ويُسر...

وعن الحنابلة: ومن وجد مسكاً، أو زباداً، أو استخرج لؤلؤاً، أو مرجاناً، أو سمكاً، أو نحوه من البحر، فلا زكاة عليه في ذلك ولو بلغ نصاباً... إلى أن قال: ويجب على واجد الركاز إخراج خمسه إلى بيت المال، فيصرفه الإمام أو نائبه في المصالح العامّة...

وعن الشافعيّة: المعدن ما يستخرج من مكان خلقه الله تعالى فيه، وهو خاصّ هنا بالذهب والفضّة، فلا يجب شيء فيما يستخرج من المعادن كالحديد والنحاس والرصاص وغير ذلك، ولا فرق في المعدن بين الجامد والمائع والمنطبع وغيره، ويجب فيه ربع العشر كزكاة الذهب والفضّة بشروطها المتقدّمة، إلّا حولان الحول، فإنّه ليس بشرط هنا... إلى أن قال: وأمّا الركاز فهو دفين الجاهليّة، ويجب فيه الخمس بالشروط

156


المعتبرة، إلّا حولان الحول متى ما بلغ كلّ منهما نصاباً...(1).

وقد اتّضح بهذا العرض: أنّ الغالب في من يقول منهم بالخمس في المعدن في دائرة مّا هو عدم شرط النصاب، وإن شرط بعضهم النصاب في الذهب والفضّة، فهو نصاب الزكاة. وأمّا الغوص فلا شيء عندهم فيه على الإطلاق.

وقد روى في السنن الكبرى عن سعيد بن جبير قال: ليس في حجر زكاة، إلّا ما كان لتجارة من جوهر، ولا ياقوت، ولا لؤلؤ، ولا غيره، إلّا الذهب والفضّة.

وروى عن ابن عبّاس: ليس في العنبر زكاة إنّما هو شيء دسره البحر.

وروى عنه أيضاً: ليس العنبر بركاز إنّما هو شيء دسره البحر.

وروى عنه أيضاً: أنّه سئل عن العنبر أفيه زكاة؟ فقال: إن كان فيه شيء، ففيه الخمس(2).

ثُمّ قال صاحب الكتاب (أعني: البيهقي): إنّ ابن عبّاس علّق القول في هذه الرواية (يعني قال: إن كان فيه شيء...) وقطع بأن لا زكاة فيه في الرواية الاُولى، فالقطع أولى والله العالم.

وقد اتّضح بهذا العرض: أنّ حمل السيّد الخوئيّ(قدس سره) لحديث البزنطي عن محمّد بن عليّ بن عبدالله على سكوته عن خمس المعدن مراعاة للتقيّة مشكل; إذ لا أقل: أنّ التقيّة كانت تقتضي عدم الإفتاء بالخمس في الغوص.

فالمهم هو إعراض المشهور عن جملة: «وعن معادن الذهب والفضّة». ثُمّ إنّهم ذكروا فروعاً كثيرة بعد فرض شرط النصاب نحن نحذف البحث عنها اختصاراً بعد أن أصبح أصل شرط النصاب محلّ إشكال.


(1) راجع لكلّ هذه المقاطع الفقه على المذاهب الأربعة، ج 1، كتاب الزكاة، ص 612 ـ 616 بحسب طبعة دار إحياء التراث العربي.

(2) السنن الكبرى، ج 4، ص 146 بحسب طبعة دار المعرفة بلبنان.

157

99 ـ ولا تستثنى من المَعْدِن مؤونة الإخراج (1).


(1) بقي الكلام في أنّ الخمس المتعلّق بالمعادن هل يكون بعد استثناء مؤونة الإخراج والتصفية ونحو ذلك، أو لا؟

ذهب السيّد الخوئيّ(قدس سره) إلى أنّ ذلك يكون بعد استخراج تلك المؤن، فلو كان الخارج ثلاثين ديناراً والمؤن المصروفة عشرة مثلاً، فالخمس يتعلّق بالعشرين لا بالثلاثين. واستدلّ لذلك بوجوه ثلاثة(1):

الوجه الأوّل: أنّ موضوع الخمس في جميع موارده وشتّى أقسامه إنّما هو الغنيمة والفائدة، وليس ذلك إلّا المقدار الباقي بعد استثناء مؤونة التحصيل.

ويرد عليه:

أوّلاً: أنّنا بناءً على استظهارنا الماضي من أنّ تعلّق الخمس بالمعدن ليس من باب جعل الضرائب على الأملاك، بل من باب الترخيص في تملّك أربعة أخماس ملك الإمام بشرط دفع خمسها يكون من الواضح: أنّه لا يخضع ذلك للقاعدة العامّة التي تقول باستثناء مؤن التحصيل.

وثانياً: حتّى لو استظهرنا: أنّ تعلّق الخمس بالمعادن يكون من باب تعلّق الضريبة بالأملاك، نقول: إنّ ظاهر دليل تعلّق الخمس بالمعدن تعلّقه به بعنوانه لا بعنوان الفائدة، غاية الأمر: أنّنا استظهرنا تداخل الأمرين لدى الاجتماع بمثل تداخل الأسباب أو المسبّبات، وهذا لا يؤدّي إلى استثناء مؤونة التحصيل.

الوجه الثاني: الاستدلال بروايات الخمس بعد المؤونة، حيث إنّ الظاهر منها مؤونة تحصيل الخمس وما يصرف في سبيل الاسترباح، لا مؤونة السنة.

أقول: إنّ عمدة رواية اختصاص الخمس بما بعد المؤونة هي صحيحة البزنطي، قال: «كتبت إلى أبي جعفر(عليه السلام): الخمس اُخرجه قبل المؤونة أو بعد المؤونة؟ فكتب: بعد المؤونة».


(1) راجع مستند العروة في الخمس، ج 1، ص 45 ـ 46 بحسب طبعة المطبعة العلميّة بقم.

158


والظاهر: أنّ المقصود بالمؤونة في هذه الروايات مؤونة ما بعد التملّك، فتختصّ بمؤونة الصرف. وأمّا مؤونة التحصيل فإنّما تصرف قبل التحصيل، فلا تشملها هذه الروايات.

نعم، هناك رواية واحدة صرّحت بمؤونة التحصيل إلى جنب مؤونة الصرف، وهي ما رواه الشيخ بسنده إلى عليّ بن مهزيار، قال: «كتب إليه إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ: أقرأني عليّ كتاب أبيك فيما أوجبه على أصحاب الضياع، أنّه أوجب عليهم نصف السدس بعد المؤونة، وأنّه ليس على من لم تقم ضيعته بمؤونته نصف السدس ولا غير ذلك، فاختلف من قبلنا في ذلك، فقالوا: يجب على الضياع الخمس بعد المؤونة، مؤونة الضيعة وخراجها، لا مؤونة الرجل وعياله. فكتب ـ وقرأه عليّ بن مهزيار ـ: عليه الخمس بعد مؤونته ومؤونة عياله، وبعد خراج السلطان»(1).

وإبراهيم بن محمّد الهمدانيّ عدّ من أصحاب الرضا والجواد والهادي(عليهم السلام)، وعبّر عنه بوكيل الناحية، والسيّد الخوئيّ(قدس سره) يقول: إنّ هذا لا يدلّ على الوثاقة(2).

أقول في خصوص روايتنا هذه: إنّ قوله: «وقرأه عليّ بن مهزيار» إن كان كلاماً للراوي عن عليّ بن مهزيار فقد سقط توسّط إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ، فحتّى لو قلنا بعدم ثبوت وثاقته لا يضرّ ذلك بسند الحديث.

وأمّا من حيث الدلالة فبعد فرض التعدّي من مواردها إلى عنوان الفائدة على الإطلاق لا نتعدّى إلى ما ثبت الخمس عليه بعنوان آخر أيضاً كالمعدن.

الوجه الثالث: صحيحة زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس، وقال: ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج الله سبحانه منه


(1) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 4.

(2) المعجم، ج 1.

159


من حجارته مصفّى الخمس»(1) قال(قدس سره): فإنّه صريح في اختصاص الخمس بالمصفّى وما يبقى بعد إخراج مصرف العلاج المبذول من ماله.

أقول: دعوى صراحة الرواية في هذا المعنى غريبة، فإنّ المصفّى كان في الكلام وصفيّاً لما أخرج الله لا للربح حتّى يفسّر بالربح المصفّى عن مصارف تحصيله، فالمعنى ـ والله العالم ـ: أنّ ما لم يكن في ذاته مصطفّىً كالعقيق والياقوت مثلاً وتكون تصفيته من التراب بحاجة إلى المعالجة بالمال كالذهب والفضّة فالخمس على المصفّى منه، أي: لا يجزي تخميس المخلوط بالتراب; لأنّه لا تعرف مساواة ما في الخمس من المعدن المخلوط بخمس المصطفّى.

وقد ذكر السيّد الخوئيّ(قدس سره) كشاهد على كون المقصود التصفية بمعنى إخراج مصارف الاستخراج: أنّ المعدن إنّما يختلط بمثل التراب في الذهب ونحوه، لا في مثل العقيق ونحوه من الأحجار الكريمة; فإنّه بنفسه حجر، فلا يحتاج إلى التصفية من الأحجار وإن احتاج إلى التجلية، في حين أنّ الحديث وارد في مطلق المعادن(2).

أقول: كأنّ هذا الكلام صدر منه(قدس سره) على أساس تفسيره للعلاج بمالك بمعنى أصل الاستخراج. أمّا على ما فسّرناه به من العلاج بمعنى التصفية فهذا الكلام لا يرد; لأنّه خصّص(عليه السلام) فرض التصفية بما يحتاج إلى التصفية ولم يعمّمه.

ومع فرض الإجمال يكون المرجع هو مطلقات تخميس المعدن والتي تشمل كلّ المعدن من دون استثناء مؤن التحصيل.

يبقى ما ادّعاه(قدس سره) من الإجماع على استثناء المؤن حيث قال: «والظاهر أنّ الحكم


(1) الوسائل، ب 3 ممّا يجب فيه الخمس، ح 3.

(2) مستند العروة في الخمس، ج 1، ص 53 بحسب طبعة المطبعة العلميّة بقم.

160


متسالم عليه، ولم يستشكل فيه أحد»(1).

والذي نقله الشيخ المنتظريّ من الفقهاء في كتاب الخمس تعليقاً على قول صاحب العروة: «بعد استثناء مؤونة الإخراج والتصفية ونحوهما» ما يلي:

«في المدارك: هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب.

وفي الخلاف (المسألة 139): وقت وجوب الخمس في المعادن حين الأخذ، ووقت الإخراج حين التصفية والفراغ منه، وتكون المؤونة وما يلزم عليه من أصله، والخمس فيما بقي... وأمّا احتساب النفقة من أصله، فعليه إجماع الفرقة.

وفي التذكرة: مسألةٌ: يعتبر النصاب بعد المؤونة; لأنّها وصلة إلى تحصيله وطريق إلى تناوله، فكانت منهما كالشريكين، وقال الشافعي وأحمد: «المؤونة على المخرج; لأنّه زكاة» وهو ممنوع.

وفي المنتهى أيضاً نحو ذلك بلا تفاوت»(2).

هذه هي كلمات الأصحاب الواردة في خمس الشيخ المنتظريّ.

وقال بعد ذلك: تحصيل الإجماع في المسألة غير المعنونة في كلمات كثير من الأصحاب بنحو يكشف عن أقوال المعصومين(عليهم السلام)مشكل، بل ممتنع وإن ادّعاه في الخلاف كما مرّ.

أقول: إنّ مناقشة الشيخ المنتظريّ في التمسّك بالإجماع في المقام متينة.

ولا يبقى بعد كلّ هذا أوجه لإثبات استثناء مؤونة الإخراج والتحصيل عدا دعوى: أنّ هذا هو مقتضى القاعدة; لأنّ المستخرج والإمام شريكان في المال بنسبة الخمس إلى


(1) المصدر نفسه، ص 46.

(2) كتاب الخمس، ص 51، 52.

161

100 ـ ولا يجب تخميس المخلوط بالتراب، إلّابمقدار ما يساوي خُمْس المصفّى.

101 ـ وإذا كان المَعْدِن في الأجواء القريبة من بيت مملوك بحيث يعدّ عرفاً من حريم البيت، اختصّ بصاحب البيت بعد استخراجه وتخميسه (1).


أربعة أخماس، فمصارف الإخراج والتحصيل توزّع عليهما بالنسبة، وهذا هو نتيجة استثناء تلك المؤن.

إلّا أنّ هذا البيان أيضاً لا يرجع إلى محصّل; لأنّ الشريك أو مالك كلّ المال ليس هو الذي أمرنا بالاستخراج، فلماذا يضمن مؤونة الاستخراج؟! وغاية ما هناك: أنّه أذن لنا في الاستخراج إذناً مالكيّاً، أو أباح ذلك لنا إباحة شرعيّة، ومجرّد الشركة أو الملك لا يوجب ضماناً من هذا القبيل.

(1) ولنختم الحديث عن خمس المعادن بالحديث عمّا لو استخرج المعدن من أرض مملوكة لغيره.

فقد قال صاحب العروة(رحمه الله):

«لو كان المعدن في أرض مملوكة فهو لمالكها، وإذا أخرجه غيره لم يملكه بل يكون المخرج لصاحب الأرض، وعليه الخمس من دون استثناء المؤونة; لأنّه لم يصرف عليه مؤونة».

ثُمّ أتبع ذلك(قدس سره) بالبحث عمّا لو أخرجه من أرض تكون ملكاً لعامّة المسلمين، والبحث عمّا لو أخرجه من الأراضي الموات.

فهنا فروع ثلاثة:

الفرع الأوّل: ما لو كان المعدن في أرض مملوكة لشخص آخر غير المستخرج.

وقد نسب إلى المشهور أنّه ملك لصاحب الأرض وعليه خمسه.

وقد علّق السيّد الخوئيّ(قدس سره) على ذلك بأنّ المقدار التابع في الملكيّة إنّما هو ما يكون

162


على ظهر الأرض كالملح أو في باطنها القريب من ظاهر الأرض، أي: في الحدود التي تتبع في نظر العرف في الملكيّة للأرض. أمّا ما يكون في الأغوار البعيدة كفرسخ أو فراسخ فلا تبعيّة عرفيّة له للأرض، ولا سيرة عقلائيّة أو متشرّعيّة على ذلك.

أقول: إنّ المصدر الأصلي لتملك الأرض هو الإحياء الوارد في الروايات، كروايات ب 1 و2 من إحياء الموات. والمستفاد منها عرفاً امتلاك الأرض أو ثبوت حقّ الاختصاص به على أقلّ تقدير بالإحياء بحدوده العرفيّة نزولاً وصعوداً، والتي تعتبر عرفاً من حريم الأرض، دون امتلاك الأرض أو حقّ الاختصاص به من تخوم الأرض إلى عنان السماء; وليس عنوان تخوم الأرض إلى عنان السماء وارداً في روايات الإحياء حتّى نأخذ به.

فالمعدن إن كان قريب المأخذ من الأرض في هذه الحدود كان لصاحب البيت وعليه تخميسه.

وقد يعارض ذلك بالدليل الذي دلّ على أنّ المعدن للإمام، والعمدة في ذلك صحيح أبي سيّار(1)، وموثّقة إسحاق بن عمّار(2): «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الأنفال؟ فقال: هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها، فهي لله وللرسول، وما كان للملوك فهو للإمام، وما كان من الأرض بخربة لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وكلّ أرض لا ربّ لها، والمعادن منها، ومن مات وليس له مولى فماله من الأنفال».

وقد ناقش السيّد الخوئيّ(قدس سره) في دلالة الموثقة بأنّها تتوقّف على رجوع الضمير في «والمعادن منها» إلى الأنفال وهو غير ظاهر، ولعلّ الأقرب عوده إلى الأرض التي هي الأقرب، بل يقوى هذا الاحتمال بناءً على أن تكون النسخة «فيها» بدل «منها» كما ذكره


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 12.

(2) الوسائل، ب 1 من الأبواب السابقة، ح 20.

163


الهمدانيّ(قدس سره)بل قد يتعيّن ذلك على كلتا النسختين نظراً إلى ذكر الأنفال في آخر الخبر، فلو كان المراد من مرجع الضمير هو الأنفال لكان الأحرى ذكره صريحاً هنا، والإتيان بالضمير في آخر الخبر عكس ما هو الموجود فيها، بأن يقول هكذا: «والمعادن من الأنفال ومن مات وليس له مولى فماله منها»(1).

أقول: لو لم تكن كلمة «الأنفال» مذكورة من قبل كان من الواضح أنّه ينبغي ذكر كلمة «الأنفال» في الجملة الاُولى وذكر الضمير في الثانية دون العكس ولكن مع ذكرها فيما سبق لا توجد مهمّ قيمة لهذه القرينة.

وأمّا النسخة التي نقلها عن الهمدانيّ فكأنّها نسخة شاذّة والمعروف هو نسخة: «والمعادن منها».

ولو كان الضمير راجعاً إلى الأرض لما كنّا نتوقّع فصله منها، بل كان الأولى أن يقول: «وكلّ أرض لا ربّ لها ومعادنها» أمّا حين ما أدخل اللام على المعادن وفصل عنها الضمير وصارت الكلمة كهيئة المبتدأ والخبر، فظاهر العبارة هو الإخبار عن أنّ المعادن منها، وهذا لا ينسجم إلّا مع عود الضمير إلى الأنفال.

وعلى أيّ حال فدليل ملكيّة الإمام للمعدن لا ينافي اختصاص المحيي أو صاحب البيت بالمعدن بالمقدار الداخل في حريم بيته نزولاً; إذ ليس هذا إلّا كدليل ملكيّة الإمام للأرض، وهو صحيح أبي خالد الكابلي(2)، وصحيح أبي سيّار(3)، فكما أنّ صريح صحيح أبي خالد هو أنّ الأرض للإمام وأنّ للمحيي حقّ الاختصاص، وكذلك صريح صحيح أبي


(1) مستند العروة، كتاب الخمس، ج 1، ص 66 ـ 67 بحسب طبعة المطبعة العلميّة بقم.

(2) الوسائل، ج 25 حسب طبعة آل البيت، ب 3 من إحياء الموات، ح 2، ص 414 ـ 415.

(3) الوسائل، ج 9 بحسب الطبعة السابقة، ب 4 من الأنفال، ح 12 ص 548.

164


سيّار على نسخة الكافي والتي هي أصحّ من نسخة الشيخ، وكأنّ نسخة الشيخ مبتلاة بالسقط، فليكن وضع المعدن الداخل في حريم البيت نزولاً كذلك.

وهذا هو مقتضى الجمع أيضاً بين روايات الإحياء(1) وروايات كون الأرض الميتة للإمام(2).

فإنّ الجمع بينهما بفرض أنّ الأرض الميتة ما دامت ميتة للإمام، وبمجرّد أن أحياها أحد من دون إذن الإمام خرجت عن ملكه، وملكها المحيي أمر غير عرفي; إذ لا قيمة لهكذا مالكيّة للإمام للأراضي الخربة أو الموات، وإنّما المفهوم عرفاً في الجمع أنّها للإمام، وأنّ من يحييها يحصل على حقّ الاختصاص بإذن الإمام كما هو الحال في عرف الحكومات أيضاً.

يبقى الكلام فيما قد يقال من أنّ مقتضى روايات تخميس المعدن هو أنّ المستخرج يخمّسه ويمتلك الباقي، وهذه تشمل بإطلاقها المعدن الذي استخرجه من بيوت الناس ولو كان في حريم بيوتهم نزولاً.

والجواب: أنّ روايات تخميس المعدن لم تدلّ بالصراحة على ذلك، وإنّما تكون ظاهرة في ذلك بالالتزاميّة العرفيّة بلحاظ الأراضي العامّة; إذ لو كان المقصود: أنّ المعدن يخمّس ويبقى الباقي على عموميّته، فهذا يعني أنّ المعدن بقي كلّه من سنخ الأموال العامّة، فما معنى الإذن في الاستخراج والتخميس؟! وهذا كما ترى لا يأتي في الأملاك الخاصّة.

ومن هنا يتجلّى الفرق بين هذا الفرع والفرع الثاني والثالث الآتيين:


(1) كالواردة في الباب 1 و2 من إحياء الموات من الوسائل.

(2) الواردة في الوسائل، ب 1 من الأنفال.

165


الفرع الثاني والثالث: ما لو أخرج المعدن من أرض تكون لعامّة المسلمين كالعامرة حال الفتح، أو للإمام كالأرض الموات.

فهنا تتمّ تلك الدلالة الالتزاميّة العرفيّة التي أشرنا إليها في آخر البحث عن الفرع الأوّل، فالإذن باستخراج المعدن وتخميسه يدلّ لا محالة على جواز تملك الأربعة أخماس الاُخرى وإلّا للغى هذا الإذن، ولا يحتمل كون الإذن مخصوصاً بالفرد النادر وهو استخراجه من البيوت الشخصيّة.

ثُمّ إنّ السيّد الخوئيّ(قدس سره) بعد أن أنكر كون المعدن للإمام قال: إنّ المعدن في باطن الأرض في الأراضي العامّة أو المملوكة للإمام لا يتبع تلك الأرض ولو كان قريباً من سطح الأرض; لأنّ الدليل على التبعيّة إنّما هي السيرة العقلائيّة، وهي خاصّة بالأملاك الشخصيّة، فحيازته حيازة للمباحات العامّة، وهي توجب التملّك بحكم السيرة، وبحكم معتبرة السكوني، ويتعلّق به الخمس(1).

وقد تعرّض(قدس سره) لنقل ما أسماه بمعتبرة السكوني، وهو ما رواه السكوني عن أبي عبدالله(عليه السلام): «أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) قال في رجل أبصر طيراً فتبعه حتّى وقع على شجرة، فجاء رجل فأخذه، فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): للعين ما رأت ولليد ما أخذت(2).

ويوجد في السند النوفلي، لكنّه(قدس سره) كان يؤمن في الزمان الذي بحث هذا البحث بوثاقته لوروده في كامل الزيارات.

وانتخابه(رحمه الله) لهذه الرواية من روايات امتلاك الطائر المالك جناحيه، وتركه روايات


(1) مستند العروة، كتاب الخمس، ج 1، ص 61 ـ 62 بحسب طبعة المطبعة العلميّة بقم.

(2) الوسائل، ج 23 بحسب طبعة آل البيت، ب 38 من الصيد، ح 1، ص 391، و ج 25، ب 15 من اللقطة، ح 2، ص 461.

166

102 ـ الثالث: الكنز (1).


لا شكّ في تماميّتها سنداً(1) وهي صريحة في امتلاكه بالأخذ أيضاً ينشأ من أنّ تلك الروايات وردت في الطائر، فقد لا تفهم منه قاعدة عامّة، لكن هذه الرواية بالخصوص قد اعتقد(قدس سره) أنّ ما فيها من كلمة «لليد ما أخذت» لها إطلاق لجميع حيازة المباحات.

أقول: من الواضح أنّ ما الموصولة من المبهمات التي تتلوّن بلون موردها، فمعنى «لليد ما أخذت» أنّ لها ما أخذت من الطائر، فلو قال أحد في مورد رمّانتين إحداهما أكبر من الاُخرى: «اُحبّ ما هو أكبر» فهذا لا يعني قاعدة عامّة في كلّ شيء، وهي حبّه للأكبر من جميع الاُمور.

إلّا أن يفترض أنّ قوله: «لليد ما أخذت» إشارة إلى القاعدة الارتكازيّة عقلائيّاً، وهي امتلاك المباحات بالحيازة، فلو فهم من الرواية ذلك، تَمَّ إطلاقها في دائرة الارتكاز العقلائي.

وعلى أيّ حال فنحن لم نعرف منشأً لدعوى اختصاص التبعيّة العرفيّة في الحريم صعوداً ونزولاً بالأملاك الشخصيّة دون ملك الإمام أو ملك المسلمين.

والعمدة في المقام ما أشرنا إليه من أنّ روايات تخميس المعدن لها دلالتها الالتزاميّة العرفيّة على جواز امتلاك الأربعة أخماس المعدن في الأراضي العامّة، أعني: ملك المسلمين أو الإمام.

(1) لا إشكال في ذلك إجماعاً ونصّاً، والأخبار الدالّة على ذلك كثيرة:

كصحيحة الحلبي: «أنّه سأل أبا عبدالله(عليه السلام) عن الكنز كم فيه؟ فقال: الخمس...»(2).

وصحيحة ابن أبي عمير عن غير واحد، عن أبي عبدالله(عليه السلام) «قال: الخمس على خمسة أشياء: على الكنوز والمعادن...»(3).


(1) راجع الوسائل، ج 25 بحسب الطبعة السابقة، ب 15 من اللقطة، ح 1، ص 461، و ج 23، ب 37 من الصيد، ص 389 ـ 390.

(2) الوسائل، ب 5 ممّا يجب فيه الخمس، ح 1.

(3) الوسائل، ب 3 من تلك الأبواب، ح 7.

167

103 ـ والمقصود بالكنز الذي يخمّس ويملّك الباقي: ما يرجع إلى العهد القديم الذي باد أهله ولو كان إسلاميّاً.

104 ـ والأحوط ثبوت الخمس حتّى في غير كنز الذهب والفضّة (1).


وصحيحة عمّار بن مروان قال: «سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول: فيما يخرج من المعادن، والبحر، والغنيمة، والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه، والكنوز الخمس»(1).

وصحيحة البزنطي عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام) قال: «سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز؟ فقال: ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس»(2).

(1) وقد وقع الكلام في أنّ الكنز الذي عليه الخمس هل هو خصوص الذهب والفضّة التي حرّمت الآية المباركة كنزهما بقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ...﴾(3) أو مطلق الأموال؟

والذي يشهد للأوّل ـ أعني: اختصاص الخمس بالذهب والفضّة ـ ما مضت من صحيحة البزنطي عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام): «سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز؟ فقال: ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس»(4) ونحن نعلم أنّ ما يجب الزكاة في مثله هو الذهب والفضّة، فإنّ في مثلهما وهو المسكوك من الذهب والفضّة بالسكّة الرائجة الزكاة، فيكون في الذهب والفضّة المكنوزين من دون سكّة رائجة في زماننا الخمس، وهذا يدلّ على الحصر; لأنّ السؤال وقع عمّا يجب فيه الخمس من الكنز، فحصر الإمام(عليه السلام) ذلك


(1) المصدر نفسه، ح 6.

(2) ب 5 من الأبواب السابقة، ح 2، وراجع أيضاً بقيّة روايات الباب، وراجع أيضاً ب 6 من تلك الأبواب.

(3) سورة التوبة، الآية: 34.

(4) ب 5 من الأبواب السابقة، ح 2.

168


بالذي تجب الزكاة في مثله، وذلك ليس إلّا الذهب والفضّة.

ولكن قد يقال في مقابل ذلك: إنّ صحيحة البزنطي الاُخرى وردت بنفس اللغة في المعدن، حيث قال: «سألت أبا الحسن(عليه السلام)عمّا أخرج المعدن من قليل أو كثير هل فيه شيء؟ قال: ليس فيه شيء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً»(1)فهذا يعطي أيضاً معنى حصر الخمس في المعدن الذي يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً، ولنفترض مثاليّة ذلك حتّى يشمل الفضّة أيضاً إذا بلغ مقدار مئتي درهم، ولكن لا شكّ فقهيّاً في أنّ الخمس ثابت في سائر المجوهرات المعدنيّة ولا يختصّ بالذهب والفضّة، فليكن ما نحن فيه في الكنز أيضاً من هذا القبيل.

والجواب: وضوح الفرق بين الموردين; وذلك لأنّ المعدن والذي هو في معناه العامّ بمعنى محل ارتكاز المجوهرات قد يأتي في بعض تفاسيره أو استعمالاته بمعنى محل ارتكاز الذهب والفضّة، فصحيح البزنطي الوارد في المعدن يشير إلى هذا المعنى من المعدن، ويقيّد تخميسه ببلوغه مبلغ ما في مثله الزكاة، وهذا لا ينفي ما ثبت صريحاً بباقي أخبار المعدن من ثبوت الخمس في كلّ المجوهرات المعدنيّة سواء أبقيناها على إطلاقها في المقدار أو ادّعينا التعدّي العرفي من صحيح البزنطي الخاصّ بالذهب والفضّة إلى المجوهرات الاُخرى في قيد بلوغها مبلغ قيمة عشرين ديناراً مثلاً، وأمّا صحيح البزنطي الوارد في الكنز، فقد دلّ على حصر الخمس في الكنز الذي يكون في مثله الزكاة وهو الذهب والفضّة، فإنّهما اللذان يكون في مثلهما من المسكوك الزكاة وليست باقي روايات الكنز صريحة في ثبوت الخمس في مجوهرات اُخرى غير الذهب والفضّة، وإنّما غاية الأمر فرض إطلاقها لكلّ كنز، فصحيح البزنطي الوارد في الكنز يقيّد تلك الإطلاقات،


(1) الوسائل، ب 4 ممّا يجب فيه الخمس.

169


فيختصّ التخميس في الكنز بخصوص الذهب والفضّة.

وللتخلّص من ذلك وإثبات الخمس في جميع الكنوز عدّة طرق:

الطريق الأوّل: أن يقال: إنّ صحيح البزنطي محمول على أنّه قصد بالكنز ما نظرت إليه الآية الشريفة: ﴿الّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَهَبَ وَالْفِضَّةَ﴾فعبّر بتعبير «ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس» فهذا الصحيح أيضاً ينظر إلى المثلية من حيث المقدار لا من حيث الجنس لأنّ الجنس في هذا النصّ مشخّص بالذهب والفضّة.

وهذا لا ينافي إطلاق كلمة الكنز في الروايات الاُخرى لكلّ الأموال المذخورة المكنوزة، فنحكم بثبوت الخمس فيها حتّى في غير الذهب والفضّة منها سواء قيّدناها بفرض وصول قيمتها إلى عشرين ديناراً أو مئتي درهم تعدّياً من مورد صحيح البزنطي عن الرضا(عليه السلام) أو لا.

إلّا أنّ هذا الطريق لا يخلو من ضعف; وذلك لأنّ الآية الشريفة لو أثّرت على صحيح البزنطي عن الرضا(عليه السلام) بتفسير الكنز فيه بالذهب والفضّة فهي تؤثر نفس الأثر في جميع روايات وجوب الخمس في الكنز، ويقال: إنّ جوّاً تشريعيّاً خلقته الآية المباركة يصرف الكنز إلى كنز الذهب والفضّة فلا يبقى دليل على ثبوت الخمس في غير الذهب والفضّة، فإذا كانت حيازة الكنز تقتضي ملكيّته وشككنا في ثبوت ثقل الخمس عليه في غير الذهب والفضّة رفعنا هذا الثقل حتّى في جانبه الوضعي بالبراءة، ولا تخصّص البراءة بالحكم التكليفي فيما يعدّ جانبه الوضعي أيضاً ثقلاً.

الطريق الثاني: أن نتمسّك بإطلاق صحيحة زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس، وقال: ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفّى الخمس»(1). فنحن نفترض أنّ الكنز منصرف


(1) الوسائل، ب 3 ممّا يجب فيه الخمس، ح 3.

170


في الجوّ التشريعيّ الذي خلقته آية كنز الذهب والفضّة إلى الذهب والفضّة، ولكنّه تبقى لنا هذه الصحيحة التي كان السؤال فيها عن المعدن وقد جاء الجواب بلسان: «كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس»، وهذا يعني: أنّ الإمام(عليه السلام) أراد أن يوسّع الجواب بأكثر ممّا في السؤال، فوضّح أنّ الخمس لا يختّص بما يكون مركّزاً في الأرض بطبيعته، بل يشتمل كلّ ما كان ركازاً.

والخلاصة: أنّ الجواب أعطى مقياساً أوسع من المعدن، وهو الركاز، وهو يشمل المجوهرات أو الاُمور القيّمة المركّزة طبيعيّاً في الأرض، أو المركّزة بفعل البشر وهو ما يسمّى بالكنز، فلو فرض انصراف الكنز إلى الذهب والفضّة بسبب الآية الشريفة: ﴿الّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَهَبَ وَالْفِضَّةَ﴾فلا ريب في أنّ كلمة «الركاز» لا تنصرف إلى ذلك، وتشمل جميع الأموال القيّمة.

وهذا الوجه أيضاً ضعيف; فإنّه لم يعلم كون المقصود بالركاز في هذه الصحيحة ما يشمل المركّز بفعل البشر بالكنز; إذ من المحتمل أنّه أ نّما عبّر بالركاز لرفع توهّم تعلّق الخمس بتلك القطعة المعدنيّة من الأرض من دون تصفية.

وقد قال الطريحي في مجمع البحرين في مادّة ركز:

«الركاز ككتاب بمعنى المركوز، أي: المدفون، واختلف أهل العراق والحجاز في معناه، فقال أهل العراق: الركاز المعادن كلّها، وقال أهل الحجاز: الركاز المال المدفون خاصّة ممّا كنزه بنو آدم قبل الإسلام، والقولان يحتملهما أهل اللغة...».

ويشهد لإرادة المعنى الأوّل، اُعني: ما ركّز في المعادن طبيعيّاً في صحيحة زرارة: ذيل الصحيحة وهو قوله: «ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفّى الخمس».

وتوضيح الحال: أنّ المعدن في الأصل اسم لمحلّ المجوهرات فقوله: «ما عالجته

171


بمالك ففيه ما أخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفّى الخمس» يعني ليس الخمس على الحجارة التي هي محلّ المجوهرات بل على ما ركّز في تلك الحجارة الذي تصفّيه بالمعالجة بمالك.

الطريق الثالث: مؤتلف من مقدّمتين:

المقدّمة الاُولى: أن نثبت أنّ الكنز من الأنفال وذلك بأحد طريقين:

الأوّل: استفادة قاعدة متصيّدة من مجموع العناوين المذكورة في الأنفال من: كلّ أرض خربة، وبطون الأودية، والآجام، وميراث من لا وارث له، والمعادن، وكلّ قرية باد أهلها(1)، فقد تنتزع من مجموع هذه قاعدة متصيّدة بإحدى صيغتين:

الاُولى: أن يقال: كلّ ما لا يكون له مالك معلوم فهو للإمام.

والثانية: أن يقال: كلّ ما يعود في عرف المجتمعات والحكومات من الأموال العامّة وممّا تسيطر عليه الحكومات فهو للإمام.

الثاني: التمسّك بما دلّ على أنّ مجهول المالك للإمام هو ما ورد بسند تامّ عن داود بن أبي يزيد عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «قال رجل: إنّي قد أصبت مالاً، وإنّي قد خفت فيه على نفسي، ولو أصبت صاحبه دفعته إليه وتخلّصت منه. قال: فقال له أبو عبدالله(عليه السلام): والله لو أصبته كنت تدفع إليه؟ قال: إي والله. قال: فأنا والله، ما له صاحب غيري. قال: فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره. قال: فحلف. قال: فاذهب فأقسمه في إخوانك ولك الأمر ممّا خفت منه. قال: فقسّمته بين إخواني»(2). فإنّ الكنز يمرّ به حتماً وقت يكون مجهول المالك قبل افتراض هلاك كلّ مالك وورثتهم، فيصبح من الأنفال، ويكون ملكاً للإمام.


(1) راجع الوسائل، أبواب الأنفال خصوصاً الباب الأوّل منها.

(2) الوسائل، ب 7 من اللقطة، ح 1.

172


وعندئذ يخرج عن مصداق القاعدة العقلائيّة التي تقول: الحيازة في المباحات تقتضي الملكيّة، ونشكّ في جواز امتلاك كلّ الخمسة أخماس من الكنز غير الذهب والفضّة بالحيازة، ويكون المتيقّن ممّا يجوز تملّكه هو أربعة أخماس منه، ويبقى خمسه ـ ولو استصحاباً ـ ملكاً للإمام.

بقي في المقام فرض واحد يشكل على تقديره القول بثبوت الخمس في الكنز غير الذهب والفضّة، وهو ما لو لم نقبل بانصراف الكنز إلى كنز الذهب والفضّة فكانت أخبار الكنز مطلقة وقلنا: إنّ صحيحة البزنطي عن الرضا(عليه السلام) قيّدت الخمس بما كان في مثله الزكاة ويعني بذلك الذهب والفضّة إذن فلا خمس في غيرهما.

ولا يقف أمام هذا البيان ما شرحناه من كون الكنز من الأنفال، وأنّ مقتضى الاستصحاب بقاء خمسه ـ ولو كان من غير الذهب والفضّة ـ في ملك الإمام; لأنّ الاستصحاب أصل عمليّ لا يقاوم دلالة صحيحة البزنطي عن الرضا(عليه السلام) على حصر الخمس في الذهب والفضّة.

وهذا الفرض لا يمكن أن يقف أمامه شيء عدا أحد أمرين:

الأوّل: أن نجزم بأنّ الركاز في صحيحة زرارة يشمل الركاز الذي ركّز بفعل آدميّ، وعندئذ لا يبقى شكّ في عموم الخمس لكلِّ أقسام الكنز; لأنّ مورد صحيحة زرارة كان هو المعدن والذي لا ريب في عدم اختصاصه بالذهب والفضّة، فنفهم أنّ الركاز بمعناه العامّ الشامل للكنز لا يختصّ بالذهب والفضّة، فلا يبقى محمل لصحيحة زرارة عن الرضا(عليه السلام)إلّا إرادة المماثلة من حيث المقدار، لا المماثلة من حيث الجنس.

إلّا أنّه مضى النقاش في إطلاق الركاز في صحيحة زرارة بحيث يشمل الكنز، فيدور حسم الأمر نفياً وإثباتاً مدار أن نقبل بذلك النقاش وعدمه.

ويمكن ترجيح جانب كون الركاز شاملاً للكنز; لأنّ التركّز اللغوي ثابت فيه

173


بلا إشكال(1)، وأمّا ما مضى من الخلاف بين العراقيين والحجازيين فأظنّه خلافاً بين علماء الأدبيّة لا خلافاً بين لغة جماهير أهل العراق وأهل الحجاز.

والثاني: أن لا نقبل بأصل هذا الفرض، وندّعي أنّه لا ريب في انصراف كلمة «الكنز» إلى كنز الذهب والفضّة سواء كان ذلك بدعوى أنّ منشأ هذا الانصراف بسبب الآية المباركة: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ...﴾ أو بدعوى أنّ الكنز عادة يحقّق في الذهب والفضّة، باعتبار أنّ الذي يكنز المال في الأرض لا يكنزه للبقاء فيها مدى الدُهور، وإنّما يكنزه لمدّة قصيرة لاستفادته هو بعد ذلك منه، وهذا يكون عادة في النقد، ثُمّ يصادف أن يموت أو يضيّع مكان الكنز فيبقى مكنوزاً مدى قرون من الدهر. وإذن فالمثليّة في صحيحة البزنطي عن الرضا(عليه السلام) محمولة أيضاً على المثليّة في المقدار دون الجنس; لأنّ الجنس مشخّص في ذاته، فيبقى التقريب الذين ذكرناه من كون الكنز من الأنفال فيستصحب بقاء خمسه في ملك الإمام سليماً.

وعلى أيّ حال، فلا ريب في أنّ الأحوط في كنز غير الذهب والفضّة هو التخميس; لأحد ما أشرنا إليه من الأمرين، أو لكليهما.

وأخيراً نذكر نقاشاً آخر في الاستدلال بصحيح زرارة: «سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس...» وهو أنّ أحد معاني المعدن المذكور في كتب اللغة كان عبارة عن معدن الذهب والفضّة. صحيحٌ أ نّا عرفنا بروايات اُخرى ثبوت الخمس في المعادن الاُخرى، لكن يبقى احتمال أن يكون النظر في صحيح زرارة إلى معادن الذهب


(1) حتّى أنّه عبّر في بعض الروايات عن النقد المنقوش بالركاز; لما فيه من نوع من التركيز (راجع الوسائل، ب 8 من زكاة الذهب والفضّة، ح 2). وعبّر في بعض الروايات غير التامّة سنداً عن الكنز بالركاز، راجع الوسائل، ب 6 ممّا يجب فيه الخمس، ح 1.

174

ويشترط في ثبوت الخمس في الكنز بلوغُه مبلغ نصاب الزكاة (1)، والشرط إنّما هو بلوغ نفس مبلغ الكنز النصابَ من دون استثناء مقدار مؤونة


والفضّة، فقوله: «كلّ ما كان ركازاً» أيضاً يحتمل فيه إرادة ركاز الذهب والفضّة، ولا يصلح دليلاً على ثبوت الخمس في الكنز من غير الذهب والفضّة.

نعم، هذا الإشكال لا يرد على حديث معاني الأخبار للصدوق عن أبيه عن سعد عن النهدي (يقصد هيثم بن أبي مسروق بقرينة رواية سعد عنه) عن ابن علوان (والظاهر أنّه يقصد الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن عليّ عن آبائه(عليهم السلام)عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): «... وفي الركاز الخمس»(1); إذ لم يذكر فيه المعادن حتّى يأتي إشكال احتمال كونه بمعنى معادن الذهب والفضّة، إلّا أنّ سند الحديث لا يخلو عن دغدغة بسبب هيثم بن أبي مسروق، فإنّ الشاهد على وثاقته عبارة عن وروده في كامل الزيارات، ولا عبرة بذلك، أو عبارة عمّا رواه الكشّي عن حمدويه، قال: لأبي مسروق ابن يقال له: الهيثم، سمعت أصحابي يذكرونهما (بخير) كلاهما فاضلان. لكن كلمة «بخير» غير موجودة في كلّ النسخ (لعلّ الأنسب لسياق العبارة أصحّية النسخة المشتملة على كلمة بخير).

وعلى أيّ حال، فنحن لا نخرج من الاحتياط في تخميس الكنز من غير الذهب والفضّة لأحد الوجهين الماضيين.

(1) لصحيح البزنطي عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام) «سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز؟ فقال: ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس»(2). والأحوط في غير الذهب والفضّة الالتزام بالخمس في أقلّ نصابَي الذهب والفضّة.


(1) البحار، ج 96 بحسب الطبعة التي فهارسها في وسطها، ص 190، ح 5، وكذلك ج 104، ص 391، ح 24.

(2) الوسائل، ب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، ح 2.

175

التحصيل والإخراج (1).


(1) لأنّه لا دليل على هذا الاستثناء.

نعم، ذهب السيّد الخوئيّ(قدس سره) إلى أنّ مؤونة التحصيل تؤثّر على مقدار الخمس; لأنّ الخمس ليس على كلّ الكنز، بل على المقدار الذي يصفو له بعد استثناء مصرف التحصيل.

واستدلّ على ذلك في بحث المعدن بوجوه ثلاثة:

الأوّل: عدم صدق عنوان الفائدة على ما عدا ذلك.

ويرد عليه: أنّ عنوان الفائدة غير عنوان المعدن أو الكنز وإنّ فرض عدم تكرّر الخمس بأن يجب الخمس مرّة على الكنز بما هو كنز واُخرى عليه بما هو فائدة وذلك لتداخل الأسباب أو المسبّبات، فإنّه رغم ذلك يكون الكنز عنواناً آخر صادقاً على كلّ مبلغ الكنز لا على خصوص ما يزيد على مؤونة التحصيل.

والثاني: دليل استثناء مؤونة الصرف.

ويرد عليه: أنّ هذا لو كان فهو رواية إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ(1). ولو تعدّينا من موضعها فإنّما نتعدّى إلى عنوان مطلق الفائدة، ولا علاقة لذلك بعنوان المعدن أو الكنز.

والثالث: ذيل صحيح زرارة: «سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس، وقال: ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفّى الخمس»(2).

والاستدلال بهذا غريب; لأنّ المقصود بالمصفّى ليس هو الربح المصفّى حتّى يدلّ على استثناء مؤونة الإخراج، بل هو الجوهر المصفّى باستخراجه من التراب.

هذا تمام الكلام في مسألة جنس الكنز من حيث اختصاصه بالذهب والفضّة، أو


(1) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 4.

(2) الوسائل، ب 3 ممّا يجب فيه الخمس، ح 3.

176


عمومه لكلّ ذوات القيمة.

ومن الأبحاث المهمّة في المقام معرفة مقياسه، أو قل: مقياس الكنز الذي يمتلك بعد التخميس من حيث مقدار القِدم ومكان التواجد ونحو ذلك. قال الشيخ المنتظريّ في كتاب الخمس ص 82 ـ 83: «يظهر من الأصحاب التسالم على أنّ ما يوجد في دار الحرب مطلقاً، وما يوجد في دار الإسلام في الأملاك العموميّة إذا لم يكن عليه أثر الإسلام يكون ملكاً لواجده بلا تعريف، وعليه الخمس، وقد ادّعى عدم خلافهم في ذلك، وسيأتي البحث أيضاً عمّا يوجد في ملك شخصي في دار الإسلام.

ولكن وقع الخلاف فيما يوجد في الأملاك العموميّة في دار الإسلام إذا كان عليه أثره، فيظهر من الخلاف كونها كالصورة السابقة، ونسب القول بكونها لقطة إلى الشافعي، وفي المبسوط اختار كونها لقطة، وتبعه العلاّمة والشهيدان، بل نسب إلى أكثر المتأخّرين.

والمحقّق في الشرائع أفتى في كتاب اللقطة بما أفتى به الشيخ في الخلاف، وأفتى في كتاب الخمس بما أفتى به الشيخ في المبسوط». انتهى المقدار الذي أردت نقله فعلاً من كتاب الشيخ مع تغيير في آخر عبارته رفعاً لغموضها.

ولعلّ أوّل شيء يلحظ بهذا الصدد لمعرفة مدى إطلاق أدلّة الكنز هو أن نرى أنّ روايات الكنز هل هي أساساً بصدد تجويز امتلاك الكنز بعد التخميس، ليستفاد منها الإطلاق ما لم يظهر لها مقيّد، أو أنّها ليست إلّا بصدد بيان: أنّ الكنز الذي يُمتلك يجب تخميسه، أمّا متى يُمتلك فليست بصدد بيانه، فتنقلب الآية، أي: لا يمكن أن نستفيد منها إطلاقاً إلّا بقرينة تساعدنا في الأمر؟

قد ذكر الشيخ المنتظريّ في كتابه ص 82: أنّ أخبار الباب ليست بذاتها بصدد بيان تملّك الكنز، وإنّما هي بصدد بيان التخميس بعد فرض صحّة امتلاكه.

ولكنّ السيّد الخوئيّ(قدس سره) قسّم روايات الباب إلى قسمين:

177


الأوّل: ما ليس بصدد بيان تملّك الكنز، وإنّما هو بصدد بيان وجوب التخميس بعد فرض صحّة تملّكه من قبيل صحيح الحلبي: «أنّه سأل أبا عبدالله(عليه السلام) عن الكنز كم فيه؟ قال: الخمس»(1). فامتلاك الكنز مفروض في كلام السائل، وليس الإمام بصدده، وإنّما هو بصدد وجوب التخميس فيما صحّ امتلاكه.

والثاني: ما هو بصدد بيان التخميس وامتلاك الأربعة أخماس، فيتم فيه الإطلاق، وذلك كما في صحيحة عمّار بن مروان: «سمعت أبا عبدالله(عليه السلام)يقول: فيما يخرج من المعادن، والبحر، والغنيمة، والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه، والكنوز الخمس»(2)، حيث لم يكن تملّك الكنز مفروضاً في كلام السائل، وإنّما الإمام بيَّن ابتداءً وجوب دفع خمسه، وهذا يعني الترخيص في تملّك أربعة أخماسه. ونحوها صحيحة ابن أبي عمير عن غير واحد(3)(4).

نعم، لا إشكال في أنّ الكنز بمعناه المصطلح عبارة عن الذي يظهر من القرائن أنّه مدفون منذ عهد قديم، ولم يعلم له مالك، ولا وارث بالفعل، ولم تقم عليه يد فعليّة توجب عدّه خارجاً من المال الذي لا صاحب له(5).

أمّا الشيخ المنتظريّ الذي لم يرتض بالإطلاق الابتدائي لروايات الكنز، فقد عالج الموضوع ببيان: أنّ الروايات وإن فرضت الفراغ المسبق عن الملكيّة، وليست هي


(1) الوسائل، ب 5 ممّا يجب فيه الخمس، ح 1.

(2) الوسائل، ب 3 ممّا يجب فيه الخمس، ح 6.

(3) المصدر نفسه، ح 7.

(4) راجع كتاب الخمس من مستند العروة الوثقى، ص86، بحسب طبعة المطبعة العلميّة بقم.

(5) راجع الكتاب نفسه، ص 97.