178


بصددها ابتداءً، لكن المفهوم عرفاً من ذلك إمضاء ما عليه العقلاء من أنّ الكنز القديم الذي باد أهله في ظاهر الحال يعدّ حاله حال المعادن والغوص ممّا تعتبر من الأموال العامّة التي للعقلاء أن يمتلكوها، كسائر المباحات العامّة، خاصّة وإنّ الكنوز عدّت في أخبار الباب في سياق المعدن والغوص، ومساق الجميع بنظر العرف واحد، إلّا أنّ الروايات أضافت ضريبة على هذه الأموال، وهي الخمس، ولا يُعدّ كنز من هذا القبيل عند العقلاء من مجهول المالك، فهم لا يسمحون تملّك مجهول المالك الذي يكون مالكه أو وارثه موجوداً، بل يرون ضرورة الفحص عن المالك. وأمّا الكنز فبمرور الزمان عليه انقطعت لدى العرف علاقة المالك عنه بالكلّيّة، وأصبحت كالمباحات المغتنمة. فبهذا يظهر جواز تملّك الكنز وإن علم بالآثار والقرائن كون مالكه الأصلي من المسلمين، فضلاً عن صِرف وجود أثر الإسلام الذي غايته حصول الظنّ بكون المالك مسلماً.

قال: وما ذكرناه من البيان هو ملخّص ما ذكره في مصباح الفقيه، وما ذكره الاُستاذ العلاّمة آية الله البروجرديّ طاب ثراهما.

وأضاف الشيخ المنتظريّ: أنّ الكنوز والمعادن بنظر العرف والعقلاء من الأملاك العامّة المعبّر عنها بالأنفال، فالنظر فيهما إلى الإمام، وفي غيبته إلى الحكّام العدول. ويستفاد من أدلّة الخمس فيهما إذن الشارع أو الإمام في التصرّف فيهما، والاستفادة منهما بشرط أداء هذه الميزانيّة المعيّنة. فالخمس ميزانيّة إسلاميّة جعلت من ناحية الشرع أو الإمام بإزاء الاستفادة منهما. ثُمّ أمر بالتأمّل(1).

وهذه الإضافة التي أشار فيها إلى كون الكنز من الأنفال ليست مقوّمة لكلام الشيخ الهمدانيّ والسيّد البروجرديّ(رحمهما الله)، وإنّما هي ناتجة من نظره هو إلى الكنز، وهو كونه من


(1) راجع كتابه في الخمس، ص 83 ـ 85.

179


الأنفال ولهذا لم ينسب ذلك إليهما. وكأنّ خلاصة كلامهما ـ لو أردنا أن نعبّر عن ذلك بتعبير فنّي ـ هي أنّ روايات الكنز وإن لم يكن لها إطلاق لفظي للكنوز التي عليها آثار الإسلام من قبيل سكوك بني اُميّة أو بني العبّاس، ولكن لها إطلاق مقامي متكوّن ببركة الارتكاز العقلائي في المقام، فكأ نّما هي إمضاء لذاك الارتكاز.

وسواء آمنّا بالإطلاق اللفظي كما قاله السيّد الخوئيّ(قدس سره)، أو الإطلاق المقامي كما حملنا عليه كلام الشيخ الهمدانيّ والسيّد البروجرديّ(رحمهما الله)فالمسألة لا تنصدم بإشكال من زاوية كون إرث من لا وارث له من الأنفال، لو وافقنا على ما مال إليه الشيخ المنتظريّ من كون الكنز أيضاً من الأنفال على ما يظهر من عبارته التي نقلناها من كتابه في الخمس، وكذلك من كلامه في كتابه (دراسات في ولاية الفقيه ج 3 ص 65)، فلا مشكلة تفترض من وراء كون إرث من لا وارث له من الأنفال بعد أن فرضنا أنّ الكنز أساساً هو من الأنفال.

ولكن المشهور لم يذكروا الكنز في عداد الأنفال، ومن هنا ورد في منهاج الصالحين للسيّد الحكيم(قدس سره) إشكال في الكنز الذي يكون لمسلم قديم، حيث قال(قدس سره)في منهاج الصالحين(1): «وإذا كان المسلم قديماً فالأحوط إجراء حكم ميراث من لا وارث له عليه».

وهذا يعني: أنّ الكنز إذا كان لمسلم قديم مضت عليه القرون والدهور فهذا داخل في اسم الكنز العرفي، ومقتضى إطلاق أدلّة الكنز جواز تملّك أربعة أخماسه مع دفع خمسه إلى حاكم الشرع، ولكنّه في نفس الوقت داخل تحت عنوان ميراث من لا وارث له; لأنّ المالك الأصلي مسلم باد أهله، وهذا عنوان من عناوين الأنفال، والتي كلّها تسلّم للإمام،


(1) ج 1، ص 452 ـ 453 بحسب الطبعة المشتملة على تعاليق الشهيد الصدر(قدس سره) لدار التعارف للمطبوعات بيروت ـ لبنان.

180


فالأحوط أن تسلّم كلّها لحاكم الشرع.

وعلّق على ذلك اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) بقوله: «إلّا إذا احتمل تقدّم موته على تشريع الأنفال، فإنّه في مثل ذلك يجري عليه حكم الكنز».

ولعلّ المقصود بذلك هو: أنّ كون هذا مصداقاً للكنز واضح، فتشمله أدلّة حكم الكنز بلا إشكال، وكونه مصداقاً لأدلّة الأنفال غير واضح; لاحتمال كونه قد مات قبل تشريع الأنفال. إذن فابتلاء دليل حكم الكنز بالمعارض في ذلك غير واضح، فيبقى إطلاق دليل حكم الكنز على حجّيّته.

أقول: إن كان هذا هو المقصود من عبارته(رحمه الله)، فهو كلام غريب; لأنّه إن فسّر ميراث من لا وارث له بمعنى ميراث المسلم الذي باد أهله في ظاهر الحال، فالكنز أيضاً لا يصدق بالمعنى المصطلح إلّا على ما باد أهله، فصدق كلا العنوانين متعاصر، أي: عنوان الكنز وعنوان الأنفال متعاصران، فهما معاً صدقا في ساعة ما باد أهل هذا الكنز، من دون فرق بين ما لو تقدّم موته على تشريع الأنفال أو تأخّر، على أنّ احتمال التعارض كاف في خلق الإشكال لو كان التعارض يخلق إشكالاً; لأنّ الشبهة المصداقيّة للمعارض تُسقط المعارض الآخر عن ثبوت الحجّيّة، كما هو الحال في الشبهة المصداقيّة للمخصّص، على أنّه لو صدق عنوان إرث من لا وارث له على كنز المسلم الذي مضت عليه الدهور لحدّ ما انقطعت في نظر الناس علاقة الورثة الذين لا يُعرفون بسبب طول الزمان، فلماذا لا يصدق ذلك على كنز الكافر الذي كان كذلك؟! ولو صدق عليه ذلك أيضاً لانتهينا إلى ما مال إليه الشيخ المنتظريّ من أنّ جميع الكنوز هي من الأنفال، وقد أذن صاحب الأنفال باكتشافه وتملّكه بشرط دفع خمسه، فلا مجال لشبهة السيّد الحكيم(رحمه الله)ولا تعليق اُستاذنا الشهيد(قدس سره).

وأمّا مع الالتفات إلى المعنى الصحيح لميراث من لا وارث له فيبطل أيضاً كلام السيّد

181


الحكيم(قدس سره) من أساسه، ولا تصل النوبة أيضاً إلى تعليق اُستاذنا الشهيد(قدس سره).

وتوضيح ذلك: أنّه ليس المقصود بمن لا وارث له: من مضت على موته الدهور ولم تحفظ ورثته لطول الانقطاع، كما هو الحال في الكنوز غير ما تُكوّن بطريقة: ﴿جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا﴾(1)، وإنّما المقصود: من مات ولا يملك وارثاً، وقد يكون هذا نادراً في زماننا، ولكن كان مألوفاً في صدر التشريع نتيجة أنّه ربّما كان يسلم كافر، فكان يبقى بلا وارث; لأنّ أقرباءه كفرة، والكفّار لا يرثون المسلمين، فإن والى مسلماً وضمن المسلم له جريرته، كان هو الوارث له، وإلّا فوارثه الإمام الذي يضمن جريرة جميع المسلمين. وأيضاً ربّما كان يعتق أحدٌ عبده فكان يصبح العبد سائباً; إمّا لأنّ أقرباءه كفرة أو لأنّهم عبيد، فإن ضمن مولاه جريرته أو والى مسلماً آخر، أصبح ذلك وارثاً له، وإلّا فوارثه الإمام.

وإليك روايات الباب:

1 ـ مرسلة حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح(عليه السلام): «والأنفال كلّ أرض خربة باد أهلها، وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب... وله رؤوس الجبال، وبطون الأودية، والآجام، وكلّ أرض ميتة لا ربّ لها... وهو وارث من لا وارث له، يعول من لا حيلة له...»(2).

فلو فهمنا من قوله: «كلّ أرض خربة قد باد أهلها» أنّ الخربة التي باد أهلها بما فيها من كنز من الأنفال، فقد تمّ ما مال إليه الشيخ المنتظريّ من أنّ كلّ كنز يعتبر من الأنفال. وأمّا إن لم نفهم هذا المعنى، وبقي قوله: «هو وارث من لا وارث له» فعدم الوارث ليس معناه عرفاً أن يموت شخص ويجهل ورّاثه على أثر تقادم الدهر، وإنّما معناه: عدم الوارث له، وكان


(1) سورة هود، الآية: 82.

(2) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 4.

182


ذلك آنئذ بسبب أنّ ورّاثه كانوا كفرةً أو عبيداً، ولكن تولّى له مولىً من المسلمين.

2 ـ ورواية محمّد بن القاسم بن الفضيل بن يسار عن أبي الحسن(عليه السلام) «في رجل صار في يده مال لرجل ميّت لا يَعرِف له وارثاً كيف يصنع بالمال؟ قال: ما أعرفك لمن هو؟! يعني نفسه(عليه السلام)»(1).

وفي سند الحديث عبّاد بن سليمان، ولا دليل على وثاقته. وليس المقصود بـ «لا يَعرِف له وارثاً» أنّ ضياعهم بتقادم الدهر، وإنّما المقصود أنّه ليس له قريب حرّ مسلم ولا مولى.

وإذا تعدّينا هاتين الروايتين فجميع الروايات الاُخرى صريحة فيما نقول، وفيها صحاح السند، وإليك نصوصها:

3 ـ حديث أبان بن تغلب عن أبي عبدالله(عليه السلام) «في الرجل يموت ولا وارث له ولا مولى قال: هو من أهل هذه الآية: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ﴾»(2).

وليس في السند من يتوقّف من أجله إلّا القاسم بن محمّد الجوهري والطريقة لتصحيحه عبارة عن رواية صفوان البجلي عنه، وذلك في الوسائل (ب 18 من المتعة ح 5) فإنّه وإن كان المذكور فيه القاسم بن محمّد من دون تصريح بالجوهري، ولكن صدر الحديث أعاده في الوسائل (ب 21 من تلك الأبواب، ح 2) بسند آخر إلى القاسم بن محمّد الجوهري، ثُمّ من هنا يتّحد السند والإمام والمتن.

4 ـ موثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي عبدالله(عليه السلام): «... ومن مات وليس له مولىً فماله من الأنفال»(3).


(1) الوسائل، كتاب الإرث، ب 3 من ولاء ضمان الجريرة والإمامة، ح 13.

(2) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 14.

(3) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 20.

183


5 ـ صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام): «من مات وليس له وارث من قرابته (وفي نسخة التهذيب: من قِبَل قرابته) ولا مولى عتاقه قد ضمن جريرته، فماله من الأنفال»(1).

6 ـ صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) «في قول الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ﴾قال: من مات وليس له مولىً، فماله من الأنفال»(2).

7 ـ حديث عبدالله بن سنان بسند فيه إسماعيل بن مرار عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «قلت له: مكاتب اشترى نفسه وخلّف مالاً قيمته مئة ألف ولا وارث له، قال: يرثه من يَلي جريرته، قال: قلت: مَن الضامن لجريرته؟ قال: الضامن لجرائر المسلمين»(3).

8 ـ موثّقة أبان بن تغلب قال: «قال أبو عبدالله(عليه السلام): من مات لا مولى له ولا وارث، فهو من أهل هذه الآية: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ﴾»(4).

9 ـ موثّقة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «سمعته يقول: من أعتق سائبة، فليتوال من شاء، وعلى من والى جريرته، وله ميراثه، فإن سكت حتّى يموت اُخذ ميراثه فجعل في بيت مال المسلمين إذا لم يكن له وليّ»(5).

قال الشيخ الحرّ(قدس سره): إنّ المراد ببيت مال المسلمين بيت مال الإمام; لأنّه متكفّل بأحوالهم، أو محمول على التقيّة لموافقته للعامّة، أو على التفضّل من الإمام بالإذن في


(1) الوسائل، كتاب الإرث، ب 3 من ولاء ضمان الجريرة والإمامة، ح 1.

(2) الوسائل، المصدر نفسه، ح 3 و4.

(3) المصدر نفسه، ح 7.

(4) المصدر نفسه، ح 8.

(5) المصدر نفسه، ح 9.

184


إعطاء ماله للمحتاجين من المسلمين.

10 ـ رواية حمزة بن حمدان غير التامّة سنداً عن أبي عبدالله(عليه السلام): «... إن كان الرجل الميّت توالى إلى رجل من المسلمين، وضمن جريرته وحدثه، وأشهد بذلك على نفسه، فإنّ ميراث الميّت له. وإن كان الميّت لم يتوالَ إلى أحد حتّى مات، فإنّ ميراثه لإمام المسلمين»(1).

11 ـ صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «قضى أمير المؤمنين(عليه السلام)في من أعتق عبداً سائبة أنّه لا ولاء لمواليه عليه، فإن شاء توالى إلى رجل من المسلمين، فليشهد أنّه يضمن جريرته وكلّ حدث يلزمه، فإذا فعل ذلك فهو يرثه، وإن لم يفعل ذلك كان ميراثه يردّ على إمام المسلمين»(2).

فهذه كلّها كما ترى أجنبيّة عن مسألة ضياع الورّاث بتقادم الدهر، وارث له بالفعل وهذا كان مألوفاً في ذاك اليوم.

وقد يتّفق أيضاً في هذا اليوم ككافر يسلم من دون ورّاثه، ثُمّ يموت، أو كابن زنا لا علاقة له بأحد.

نعم من له مذاق أن يستنبط من أمثال هذه الروايات فكرة: أنّ كلّ مال ضاع مالكه فهو من الأنفال، فهذا شامل للكنوز، ولكن على هذا الفرض قد انحلّ الإشكال من أساسه; لأنّ الكنز أصبح كلاًّ من الأنفال، وتكون روايات الكنز دليلاً على تجويز صاحب الأنفال وهو الإمام تملّكه بشرط تخميسه.

بقي الكلام فيما إذا وجد الكنز في بيت من بيوت المسلمين، أو أرض لمسلم، أو ذمّيّ


(1) المصدر نفسه، ح 11.

(2) المصدر نفسه، ح 12.

185


محترم المال، فقد يقال: إنّ هذا يعتبر لصاحب البيت أو الأرض ما لم ينفِه هو، وكأنّ المدرك لذلك هو أماريّة يد المسلم على الملكيّة.

ولصاحب العروة(رحمه الله) هنا عبارتان، لو أردنا تنزيلهما على معنىً معقول، ينبغي تنزيلهما على ذلك:

إحداهما: قوله: ولو كان في أرض مبتاعة مع احتمال كونه لأحد البائعين عرّفه المالك قبله، فإن لم يعرفه فالمالك قبله، وهكذا، فإن لم يعرفوه فهو للواجد وعليه الخمس...

والثانية: قوله: لو وجد الكنز في أرض مستأجرة أو مستعارة وجب تعريفهما وتعريف المالك أيضاً فإن نفياه كلاهما كان له وعليه الخمس...

ونقل الشيخ المنتظريّ(1) عن الخلاف أنّه قال (في المسألة 150): إذا وجد ركازاً في دار استأجرها، فاختلف المكتري والمالك، فادّعى كلّ واحد منهما أنّه له، كان القول قول المكتري مع يمينه، وبه قال الشافعي، وقال المزني: القول قول المالك، دليلنا: أنّ الظاهر أنّه للمكتري; لأنّ المالك لا يكري داراً وله دفين.

ونقل الشيخ المنتظريّ أيضاً عن المبسوط: إذا وجد في دار استأجرها ركاز، واختلف المكري والمكتري في الملك، كان القول قول المالك; لأنّ الظاهر أنّه ملكه.

ونقل الشيخ المنتظريّ أيضاً عن المسالك: أنّ الأصحّ تقديم قول المستأجر; لأنّه صاحب اليد حقيقة. إنتهى ما أردنا نقله عن كتاب الشيخ المنتظريّ.

ويمكن التماس دليل آخر لمراجعة صاحب البيت، وهو التمسّك بموثقة إسحاق بن عمّار(2) قال: «سألت أبا إبراهيم(عليه السلام) عن رجل نزل في بعض البيوت بمكّة، فوجد فيه نحواً


(1) راجع كتابه في الخمس، ص 92.

(2) الوسائل، ب 5 من اللقطة، ح 3.

186


من سبعين درهماً مدفونة، فلم تزل معه ولم يذكرها حتّى قدم الكوفة، كيف يصنع؟ قال: يسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها. قلت: فإن لم يعرفوها؟ قال: يتصدّق بها».

أقول: لا أظنّ أنّ كلمة «الكنز» الوارد حكمها في الروايات تشمل غير الكنز الذي أكل الدهر عليه; وذلك لانصراف تلك الروايات جميعاً إلى النكتة العقلائيّة في الأمر، من كونه من سنخ ما باد أهله ولو بمعنى جهالة الورثة بتقادم الأيّام إلى حدّ الانقطاع الكامل. وهكذا كنز لا تشفع لضرورة عرضه على صاحب المنزل لا قاعدة اليد ولا هذه الموثقة:

أمّا عدم تأثير قاعدة اليد فواضح; إذ لا يد حاكية عن الملكيّة لصاحب المنزل على مثل هذا الكنز.

وأمّا عدم تأثير هذه الموثّقة فلوضوح أنّ تلك الدراهم المدفونة في ذاك التأريخ لم تكن ممّا أكل عليه الدهر، بل هي تنصرف إلى الدراهم التي ضربت في عصر الأئمّة(عليهم السلام).

نعم، هنا مسألة أجنبيّة عن بحث الكنز، وهي: أنّ اللقطة أو مجهولة المالك التي لا يمكن تعريفها هل يجوز تملّكها، أو أنّ جواز التملّك خاصّ بما عرّفه سنة، أمّا الذي لا يمكن تعريفه فحكمه التصدّق، لا التخيير بين التصدّق والتملّك؟

قد يستفاد من عدّة روايات تعيّن التصدّق:

1 ـ نفس هذه الموثّقة إذ لم يكن يمكن التعريف في مورده بأكثر من العرض على صاحب البيت، فأمر(عليه السلام) بعد هذا العرض بالتصدّق بالمبلغ.

2 ـ ما عن يونس بن عبدالرحمن بسند تامّ قال: «سُئل أبو الحسن الرضا(عليه السلام) وأنا حاضر... إلى أن قال: فقال: رفيق كان لنا بمكّة فرحل منها إلى منزله ورحلنا إلى منازلنا، فلمّا أن صرنا في الطريق أصبنا بعض متاعه معنا، فأيّ شيء نصنع به؟ قال: تحملونه حتّى تحملوه إلى الكوفة، قال: لسنا نعرفه، ولا نعرف بلده، ولا نعرف كيف نصنع؟ قال: إذا كان

187


كذا فبعه وتصدّق بثمنه. قال له: على من جعلت فداك؟ قال: على أهل الولاية»(1).

هذا على نسخة التهذيب. وأمّا على نسخة الكافي: «سألت عبداً صالحاً فقلت: جعلت فداك، كنّا مرافقين لقوم بمكّة، فارتحلنا عنهم وحملنا بعض متاعهم بغير علم، وقد ذهب القوم، ولا نعرفهم، ولا نعرف أوطانهم، فقد بقي المتاع عندنا، فما نصنع به؟ قال: فقال: تحملونه حتّى تلحقوهم بالكوفة. فقال يونس: قلت له: لست أعرفهم، ولا ندري كيف نسأل عنهم؟ قال: فقال: بعه، وأعط ثمنه أصحابك. قال: فقلت: جُعلتُ فداكَ، أهل الولاية؟ قال: فقال: نعم»(2).

3 ـ ما عن زرارة بسند تامّ قال: «سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن اللقطة، فأراني خاتماً في يده من فضّة، قال: إنّ هذا ممّا جاء به السيل وأنا اُريد أن أتصدّق به»(3).

إلّا أنّ هذا لم يدلّ على أكثر من تجويز التصدّق عند عدم إمكان التعريف، وليس فيه أمر بالتصدّق.

4 ـ ما عن عليّ بن أبي حمزة عن العبد الصالح موسى بن جعفر(عليه السلام) قال: «سألته عن رجل وجد ديناراً في الحرم فأخذه؟ قال: بئس ما صنع، ما كان ينبغي له أن يأخذه. قال: قلت: قد ابتلى بذلك؟ قال: يعرّفه. قلت: فإنّه قد عرّفه فلم يجد له باغياً؟ فقال: يرجع إلى بلده فيتصدّق به على أهل بيت من المسلمين، فإن جاء طالبه فهو له ضامن»(4). وعيب السند عليّ بن أبي حمزة.


(1) الوسائل، ب 7 من اللقطة، ح 2.

(2) ج 5، ص 309 بحسب طبعة الآخوندي، باب النوادر من كتاب المعيشة، ح 22.

(3) الوسائل، ب 7 من اللقطة، ح 3.

(4) الوسائل، ب 17 من اللقطة، ح 2، ب 28 من مقدّمات الطواف، ح 3.

188


وهذا مورده عدم إمكانيّة التعريف سنة: إمّا لأنّه مسافر إلى مكّة ولا يمكنه البقاء في مكّة أكثر من مدّة وجيزة، وإمّا لأنّ لقطة الحرم لو لم يكن مالكها حاضراً في نفس الأيّام، فهي عادة لمسافر رجع إلى أهله، فدائرة جهالة المالك تصبح واسعة في بلاد الله العريضة، فلا يمكن التعريف.

وعلى أيّ حال، فيمكن المناقشة في كلّ هذه الروايات ما عدا الرواية الثالثة التي عرفت عدم تماميّة دلالتها على وجوب الصدقة بأنّ أصل المال كان مأخوذاً من الحرم، فلعلّ وجوب التصدّق كان بهذه النكتة، لا بنكتة عدم إمكانيّة التعريف بحيث يشمل الحال لقطة غير الحرم، أو مجهولة المالك في غير الحرم والتي لم يمكن تعريفها; وذلك لأنّه قد ورد في اللقطة المعرّفة سنة ما يدلّ على التفصيل في جواز التملّك وتعيّن التصدّق بين الحرم وغيره، وهو صحيح إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: «اللقطة لقطتان: لقطة الحرم وتعرّف سنة، فإن وجدت صاحبها وإلّا تصدّقت بها، ولقطة غيرها تعرّف سنة، فإن لم تجد صاحبها فهي كسبيل مالك»(1).

5 ـ ما رواه الكليني بسند تامّ إلى ابن أبي عمير عن خلاّد السندي (وابن أبي عمير راو لكتاب خلاّد السندي) عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «كان عليّ(عليه السلام)يقول في الرجل يموت ويترك مالاً وليس له أحد: أعط المال همشاريجه»(2).

6 ـ صحيحة داود بن أبي يزيد عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «قال رجل: إنّي قد أصبت مالاً، وإنّي قد خفت فيه على نفسي، ولو أصبت صاحبه دفعته إليه وتخلّصت منه، قال:


(1) الوسائل، ب 28 من مقدّمات الطواف، ح 4.

(2) الوسائل، ب 4 من ولاء ضمان الجريرة والإمامة، ح 1. ونفس المضمون وارد في نفس الباب بعدّة مرّات، لكن الصحيح سنداً ما ذكرناه.

189


فقال أبو عبدالله(عليه السلام): والله أن لو أصبته كنت تدفعه إليه؟ قال: إي والله. قال: فأنا والله، ما لَه صاحب غيري. قال: فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره، قال: فحلف، فقال: فاذهب فاقسمه في إخوانك ولك الأمن ممّا خفت منه. قال: فقسّمته بين إخواني»(1) بناءً على أنّ المفهوم من هذا الحديث العجز عن التعريف، وإلّا لكان يقوم هذا الذي خاف على نفسه ولو أصاب صاحبه دفعه إليه بالفحص عن صاحبه. وبناءً على حمل الجواب على الأمر بالتصدّق كقاعدة عامّة، والأمر الثاني محلّ تأمّل; لاحتمال أنّه(عليه السلام)أمره كقضيّة خارجيّة في هذه القصّة بالتصدّق، لا بعنوان إعطاء قاعدة عامّة.

وعلى أيّ حال ففي مقابل هذه الروايات التي قد يستفاد منها الحكم بالتصدّق في ما لا يمكن تعريفه سنة روايات اُخرى تدلّ على التملّك من قبيل:

1 ـ صحيحة عبدالله بن جعفر الحميري قال: «كتبت إلى الرجل(عليه السلام) أسأله عن رجل اشترى جزوراً أو بقرة للأضاحي، فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة، لمن يكون ذلك؟ فوقّع(عليه السلام): عرّفها البائع، فإن لم يكن يعرفها فالشيء لك، رزقك الله إيّاه».

هذا حسب نسخة الكافي والتهذيب. وأمّا حسب نسخة الصدوق فكما يلي: «سألته(عليه السلام)في كتاب عن رجل اشترى جزوراً أو بقرةً أو شاةً أو غيرها للأضاحي أو غيرها فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جواهر أو غير ذلك من المنافع، لمن يكون ذلك؟ وكيف يعمل به؟ فوقّع(عليه السلام): عرّفها البايع فإن لم يعرفها فالشيء لك، رزقك الله إيّاه»(2) بدعوى: أنّ هذه لم تكن قابلة للتعريف بأكثر من الرجوع إلى البائع; لأنّ


(1) الوسائل، ب 7 من اللقطة، ح 1.

(2) الوسائل، ب 9 من اللقطة، ح 1 و2.

190


الاُضحية تجلب إلى الحرم من بلاد الله العريضة، وقد حكم الإمام(عليه السلام) بتملّكها. ويقوى هذا البيان على نسخة الكافي والشيخ; لأنّها صريحة في الاُضحية; إذ لم يعطف عليها كلمة «أو غيرها».

ويمكن عطف روايات وجدان المال في جوف السمكة على هذه الرواية(1)، إلّا أنّه مضافاً إلى ضعفها يحتمل بشأن اللؤلؤة أو الدرّة أو الجوهرة التي في بطن السمكة أن يكون من معطيات البحر، لا ملكاً لأحد.

2 ـ رواية تملّك الورق الذي يوجد في الأرض الخربة التي جلا عنها أهلها(2)بناءً على أنّ الورق الموجود في الأرض الخربة التي جلا عنها أهلها لا يمكن تعريفه، وحمل الرواية على الكنز خلاف الظاهر جدّاً.

3 ـ وأيضاً وردت صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما قال: «وسألته عن الورق يوجد في دار؟ فقال: إن كانت الدار معمورة فهي لأهلها، وإن كانت خربة فأنت أحقّ بما وجدت»(3) بناءً على حملها على نفس معنى خربة جلا عنها أهلها، خاصّة وأنّه تحتمل وحدة الروايتين، إلّا أنّ موثّقة محمّد بن قيس عن أبي جعفر(عليه السلام)عن عليّ(عليه السلام) قيّدت الحكم بالتعريف، فإن وجد من يعرفها وإلّا تمتّع بها(4)، ومن هنا قد يقال بتقييد صحيحتي محمّد بن مسلم بهذا القيد، إلّا أنّ لحن الصحيحتين آب عن التقييد، والأولى حمل صحيحة محمّد بن قيس على فرض إمكان التعريف، والصحيحتين على فرض وضوح تعلّق الورق بالخربة التي جلا عنها أهلها.


(1) الوسائل، ب 10 من اللقطة.

(2) الوسائل، ب 5 من اللقطة، ح 1، صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام).

(3) المصدر نفسه، ح 2.

(4) المصدر نفسه، ح 5.

191


وإمكان التعريف في الورق لو لم يكن متعلّقاً بخربة جلا عنها أهلها ليس أمراً غريباً، فإنّ الدينار والدرهم وقتئذ لم يكن من قبيل الدينار والدرهم في زماننا غير قابل للتعريف، ولهذا ورد الأمر بتعريف الدينار فيما مضى من رواية عليّ بن أبي حمزة، وهي الرواية الرابعة ممّا مضى من روايات التصدّق، وورد الأمر بتعريف الدرهم في صحيحة عليّ بن جعفر بناءً على النسخة التامّة سنداً وهي التي رواها في (الوسائل ب 20 من اللقطة ح 2). أمّا على نسخة قرب الإسناد والمشتمل سندها على عبدالله بن الحسن، فقد ورد التعبير بدراهم(1).

4 ـ ما رواه فضيل بن غزوان بسند تامّ(2): الكليني عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي عمير، عن فضيل بن غزوان قال: «كنت عند أبي عبدالله(عليه السلام) فقال له الطيّار: إنّي وجدت ديناراً في الطواف قد انسحق كتابته. قال: هو له». والسند إلى ابن أبي عمير تامّ، ونقل ابن أبي عمير عن فضيل بن غزوان يدلّ على وثاقة فضيل بن غزوان.

وأخرجه الشيخ عن الفضيل بن غزوان، وليس الراوي عنه في هذا السند ابن أبي عمير، قال: «كنت عند أبي عبدالله(عليه السلام) فقال له الطيّار: إنّ ابني حمزة وجد ديناراً في الطواف قد انسحقت كتابته قال: هو له»(3).

وكلمة: «هو له» يؤيّد نسخة الشيخ; إذ المفروض على نسخة الكافي أن يقول: هو لك.

وليس منشأ الاستدلال أنّ الدينار لم يكن يمكن تعريفه; لأنّ كتابته كانت منسحقة،


(1) راجع الوسائل، ب 2 من اللقطة، ح 13.

(2) الوسائل، ب 28 من مقدّمات الطواف، ح 6.

(3) الوسائل، ب 17 من اللقطة، ح 1، وب 5 منها، ح 4.

192


بل نفس انسحاق الكتابة يكون علامة له توجب إمكان تعريفه، وإنّما منشأ الاستدلال وجدانه في الطواف الذي يوجب سعة دائرة جهالة المالك; لأنّ الناس من شتّى أطراف العالم يأتون إلى الطواف، خاصّة في طواف الحجّ.

5 ـ ما ورد عن هشام بن سالم بسند تامّ قال: «سأل حفص الأعور أبا عبدالله(عليه السلام)ـ وأنا عنده جالس ـ قال: إنّه كان لأبي أجير كان يقوم في رحاه، وله عندنا دراهم، وليس له وراث؟ فقال أبو عبدالله(عليه السلام): تدفع إلى المساكين. ثُمّ قال: رأيك فيها. ثُمّ أعاد عليه المسألة، فقال له مثل ذلك، فأعاد عليه المسألة ثالثة، فقال أبو عبدالله(عليه السلام): تطلب له وارثاً، فإن وجدت له وارثاً وإلّا فهو كسبيل مالك. ثُمّ قال: ما عسى أن تصنع بها، ثُمّ قال: توصي بها فإن جاء لها طالب وإلّا فهي كسبيل مالك»(1).

ونظيره ما ورد عنه بسند تامّ في باب 6 من ميراث الخنثى وما أشبهه، ح 10، ويحدس كونها رواية واحدة.

6 ـ ما ورد عن هشام بن سالم قال: «سأل خطّاب الأعور أبا إبراهيم(عليه السلام)ـ وأنا جالس ـ فقال: إنّه كان عند أبي أجير يعمل عنده بالاُجرة، ففقدناه وبقي من أجره شيء، ولا يعرف له وارث؟ قال: فاطلبوه. قال: قد طلبناه فلم نجده. قال: فقال: مساكين، وحرّك يده قال: فأعاد عليه قال: اُطلب واجهد، فإن قدرت عليه فهو كسبيل مالك حتّى يجيء له طالب، فإن حدث بك حدث فأوصِ به إن جاء له طالب أن يدفع إليه»(2).

واحتمال وحدة هذه الرواية مع الرواية السابقة وارد، ولكنّ الذي لا يشجّعنا على الوثوق بالوحدة اختلاف الإمام، واختلاف السائل، وشيء ما من الاختلاف في المضمون.


(1) الوسائل، ب4 من ولاء ضمان الجريرة والإمامة، ح7، وب22 من الدين والقرض، ح2.

(2) الوسائل، ب 6 من ميراث الخنثى، ح 1.

193


والروايات الماضية سواء ما دلّت منها على التصدّق أو ما دلّت على التملّك أكثرها واضحة في ورودها في اللقطة، وقد يستثنى منها عدد من الروايات:

1 ـ الرواية الثانية ممّا ذكرناها بعنوان روايات التصدّق، وهي ما عن يونس بن عبدالرحمن في قصّة رجل رحل من مكّة فوجد بضاعة رفيق له في رحله، فقد يقال: إنّ هذه البضاعة ليست لقطة ولا من مجهولة المالك; لأنّهم يعرفون ـ بالطبع ـ رفيقهم في شكله وصورته، وإنّما المشكلة أنّهم لا يعرفون بلده ولا يستطيعون الفحص عنه.

2 ـ الرواية الخامسة ممّا ذكرناها بعنوان روايات التصدّق، وهي رواية خلاّد السندي والتي أمرت بإعطاء المال لهمشاريجه، فقد يقال: ليس هذا المال لقطة وإن كان مجهول المالك; لأنّه إمّا أن كان قد أودع المال عند أحد ثُمّ مات فليس هذا المال لقطة أو كان قد وضعه في مكان ثُمّ مات، فاحتار الأحياء فيما يفعلون بهذا. والتقاطهم له إنّما كان بعد أن صارت الوظيفة التصدّق به على همشاريجه.

3 ـ الرواية السادسة ممّا ذكرناها بعنوان روايات التصدّق، وهي صحيحة داود بن أبي يزيد، والتي دلّت على أنّ الإمام(عليه السلام) هو المالك لهذا المال، فأمره(عليه السلام) بالتصدّق به على إخوانه، فقد يقال: إنّ هذه الرواية تدلّ على أنّ مطلق مجهول المالك الذي لم يمكن معرفة صاحبه للإمام، سواء كان لقطة أم لا.

4 و 5 ـ الرواية الخامسة والسادسة من الروايات التي ذكرناها بعنوان روايات التملّك وهي معتبرتا هشام بن سالم، فقد يقال: إنّ ما كان للأجير لدى صاحب العمل لا يعتبر لقطة.

وقبل أن نبحث ماذا ينبغي أن نستنبطه من مجموع هذه الروايات نشير إلى أنّ اللقطة لها معنى عريض تشمل حتّى ما يتركه روّاد بيت في ذاك البيت، فيستولي عليه صاحب البيت وهو لا يعلم لمن هو، وتشمل حكماً مثل وديعة اللصّ الذي يودع لدى أحد مالاً من

194


الأموال التي يسرقها.

أمّا الأوّل: فزائداً على الصدق العرفي لعنوان اللقطة عليه قد ورد التصريح بذلك في صحيحة جميل بن صالح «قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): رجل وجد في منزله ديناراً، قال: يدخل في منزله غيره؟ قلت: نعم، كثير. قال: هذا لقطة. قلت: فرجل وجد في صندوقه ديناراً؟ قال: يدخل أحد يده في صندوقه غيره، أو يضع فيه شيئاً؟ قلت: لا. قال: فهو له»(1).

وأمّا الثاني: ورد التصريح بكون ذلك بمنزلة اللقطة في رواية حفص بن غياث بسند غير تامّ «قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم، أو متاعاً واللصّ مسلم، هل يردّ عليه؟ فقال: لا يردّه، فإن أمكنه أن يردّه على أصحابه فعل وإلّا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها، فيعرّفها حولاً، فإن أصاب صاحبها ردّها عليه، وإلّا تصدّق بها، فإن جاء طالبها بعد ذلك خيّره بين الأجر والغرم، فإن اختار الأجر فله الأجر، وإن اختار الغرم غرم له، وكان الأجر له»(2)، إلّا أنّنا لو أخذنا بهذا الحديث لم يبق فرق في الحكم بين اللقطة ومجهول المالك، وقد أشرنا إلى أنّ سند الرواية ضعيف.

وبعد هذا التطواف على الروايات نقول: إنّ هناك عدّة مسائل قابلة للطرح:

الاُولى: ما هو حكم اللقطة القابلة للتعريف؟

الثانية: ما هو حكم اللقطة غير القابلة للتعريف على أساس سعة دائرة الجهالة، أي: المردّدة بين عدد من بلاد الله العريضة، فهل يجوز تملّكها أو لا؟

الثالثة: ما هو حكم اللقطة غير القابلة للتعريف على أساس عدم العلامة، فهل يجوز تملّكها أو لا؟


(1) الوسائل، ب 3 من اللقطة.

(2) الوسائل، ب 18 من اللقطة.

195


الرابعة: ما هو حكم مجهول المالك غير اللقطة، فهل هو ملحق في الحكم باللقطة أو لا؟

أمّا المسألة الاُولى ـ وهي حكم اللقطة القابلة للتعريف ـ فهي خارجة عن بحثنا هنا، وقد بحثناها بحثاً مفصّلاً في أحد أبحاثنا القديمة، وكتبناها بعنوان «كتاب اللقطة» ولا زالت غير مطبوعة، واخترنا فيها رأي المشهور القائل بوجوب التعريف سنة، وبعده يتخيّر المكلّف بين التصدّق بها وتملّكها، وعلى كلا التقديرين يضمن المال لصاحبه لو وجد صدفة بعد ذلك، فيخيّره بين قبول ثواب المال وبين المطالبة بالمبلغ.

يبقى الكلام هنا في أنّه ما هو المقصود باللقطة؟

وقد ذكر صاحب الجواهر(رحمه الله) أنّها كلّ مال غير الحيوان ضائع اُخذ ولا يَدَ عليه(1).

وكأنّ هذا التعريف مأخوذ من الفهم العرفي لهذه الكلمة وإن كان هذا العنوان ليس هو بالضبط موضوع أحكام اللقطة، وليس مأخوذاً من الروايات، فإنّنا لم نرَ في الروايات تعريفاً للُّقطة (نعم، استثناء الحيوان مأخوذ من أنّ الحيوان له أحكامه الخاصّة الواردة في الروايات) وليس مأخوذاً من مرّ اللغة الذي لم يؤخذ فيه أيّ قيد غير أصل الالتقاط، وليس منتزعاً من موضوعات أحكام اللقطة الواردة في الروايات، فإنّها تختلف في موضوعاتها، فمثلاً من جملة أحكام اللقطة: كراهة الالتقاط، والتي لا تشمل قطعاً اللقطة التي لا يكون ترك أخذها موجباً لاحتمال وصولها إلى المالك، فمن كان لبيته روّاد كثيرون ونَسِيَ أحدهم ماله هناك، فليس عدم قبضه وسيلة يحتمل انتهاؤها إلى الوصول إلى الملاك، في حين أنّ هذه لقطة عرفاً كما دلّت صحيحة جميل الماضية على أنّها لقطة(2)، فلا يحتمل كون الأفضل عدم قبضها.


(1) كتاب الجواهر، كتاب اللقطة، القسم الثالث في اللقطة.

(2) الوسائل، ب 27 من اللقطة.

196


وقد وردت في بعض الروايات الإشارة إلى نكتة كراهة الالتقاط من قبيل: معتبرة الحسين بن أبي العلاء قال: «ذكرنا لأبي عبدالله(عليه السلام)اللقطة فقال: لا تعرّض لها، فإنّ الناس لو تركوها لجاء صاحبها حتّى يأخذها»(1).

ولو سلّمنا بما مضى من رواية حفص بن غياث فيما يودعه اللص «كان ذلك في يده بمنزلة اللقطة»(2) فمن الواضح أنّ هذا ليس داخلاً في تعريف اللقطة الذي ذكره صاحب الجواهر، وليس لقطة عرفاً. إلّا أنّه مضى أنّ سندها غير تامّ.

وأمّا المسألة الثانية ـ وهي حكم اللُّقطة غير القابلة للتعريف على أساس سعة دائرة الجهالة ـ فقد مضى عدد من الروايات تدلّ على جواز التملّك.

إحداها: صحيحة عبدالله بن جعفر الحميري، وهي الرواية الاُولى ممّا مضى من روايات التملّك خصوصاً على نسخة الكافي والشيخ.

والثانية والثالثة: صحيحتا محمّد بن مسلم، وهما الرواية الثانية والثالثة ممّا مضى من روايات التملّك.

والرابعة: معتبرة فضيل بن غزوان، وهي الرواية الرابعة ممّا مضى من روايات التملّك.

فلو وجد في مقابلها ما دلّ على وجوب التصدّق فمقتضى الجمع العرفي هو الحمل على استحباب التصدّق. نعم، لو احتملنا عرفاً الخصوصيّة في مواردها لم نمتلك إذن دليلاً على جواز التملّك في اللقطة لدى سعة دائرة الجهالة مطلقاً.

وأمّا المسألة الثالثة ـ وهي حكم اللقطة غير القابلة للتعريف على أساس عدم العلامة ـ فلم نجد فيها ما يدلّ على جواز تملّكها.


(1) الوسائل، ب 1 من اللقطة، ح 2.

(2) الوسائل، ب 18 من اللقطة.

197


فإمّا أن نقول: إنّ حكمها هو وجوب التصدّق تمسّكاً بما مضى من صحيح داود بن يزيد، وهي الرواية السادسة من الروايات التي ذكرناها ضمن روايات التصدّق. وإمّا أن نقول: إنّ تلك الرواية لم تدلّ على انّ الحكم العامّ هو التصدّق; لاحتمال كونها إذناً في قضيّة خارجيّة بتقسيم المال بين إخوانه، لا حكماً شرعيّاً عامّاً. وعندئذ نقول: ما دمنا لا نمتلك دليلاً على جواز التملّك، فلا يبقى عدا التصدّق به بإذن حاكم الشرع، أو إيكال أمره إلى حاكم الشرع، باعتبار أنّ تلك الرواية دلّت على أنّ الإمام هو المالك لمثل هذا المال.

وأمّا المسألة الرابعة ـ وهي ما حكم مجهول المالك غير اللقطة ـ فقد نجد فيه عدّة روايات:

الاُولى: ما مضى من حديث يونس بن عبد الرحمن بسند تامّ، وهي الرواية الثانية ممّا نقلناها تحت عنوان روايات التصدّق.

إلّا أنّ احتمال خصوصيّة المورد في الأمر بالتصدّق وارد فيه، لأنّ مورده ليس من مجهول المالك بمعنى عدم معرفة صاحبه إطلاقاً; لأنّ المفروض فيه أنّ صاحبه رفيق لهم بمكّة يعرفونه ويعرفهم، وإنّما المشكلة أنّهم لا يعلمون بمكانه وبلده(1).

الثانية: رواية ابن أبي عمير بسند تامّ عن خلاّد السندي، وهي الرواية الخامسة ممّا نقلناها في صفحة 188 بعنوان روايات التصدّق «أعط المال همشاريجه»(2).

فقد يدلّ هذا الحديث على التصدّق بمجهول المالك الذي لا يمكن تعريفه.

والنكتة في عدّ ذلك خارجاً عن اللقطة أنّ هذا المال: إمّا قد كان أودعه عند الشخص قبل موته، أو أنّ حكم ذاك الشخص بإعطائه لهمشاريجه يكون قبل أن يفترض التقاطه.

وعلى أيّ حال، فلا يبعد خروج هذا الحديث عن مورد بحثنا; لأنّه ورد في عنوان


(1) راجع الحديث في الوسائل، ب 7 من اللقطة، ح 2.

(2) راجع الحديث في الوسائل، ب 4 من ولاء ضمان الجريرة، ح 1.

198


«ليس له أحد» يعني ليس له وارث، وهذا كان متعارفاً في زمان أمير المؤمنين(عليه السلام)باعتبار الكفّار الذين يسلمون ولا إشكال في أنّ هذا للإمام.

الثالثة: ما رواه هشام بن سالم بسند تامّ، وهو الحديث الخامس ممّا نقلناه تحت عنوان روايات التملّك صفحة 192(1).

وهذا الحديث في نسخته الواردة في (ب 6 من ميراث الخنثى وما أشبهه، ح 10) لا يخلو من غموض; لأنّ قوله: «فلم يدع وارثاً ولا قرابة» قد ينقل الذهن من ناحية إلى ميراث من لا وارث له، ومن ناحية اُخرى ليس تعارف ذلك الذي قلناه بلحاظ زمان أمير المؤمنين(عليه السلام) ثابتاً بتلك القوّة في زمان الإمام الصادق(عليه السلام)، ولكن نسخته الواردة في (ب 4 من ولاء ضمان الجريرة والإمامة، ح 7، وكذلك ب 22 من الدين والقرض، ح 3) ترفع الغموض; لأنّ قوله: «تطلب له وارثاً» يوضح أنّ المقصود من عدم الوارث له عدم معرفة وارثه، كما أنّ هذه النسخة أوضح في التخيير بين التصدّق والتملّك، وأيضاً هذه النسخة صريحة في الفحص عن الوارث، إلّا أنّه(عليه السلام) لم يأمر بالفحص سنةً، فينصرف الكلام إلى الفحص العادي، وهو الفحص بقدر اليأس العرفي.

فالنتيجة: أنّ مجهول المالك غير اللقطة يفحص عنه بقدر اليأس العُرفي، ثُمّ يتخيّر فيه بين التملّك والتصدّق، أي: أنّ حال مجهول المالك غير اللقطة هو حال اللقطة في الفحص والتخيّر بين التصدّق والتملّك، بفرق: أنّ الفحص فيه ليس إلى سنة، بل بمقدار اليأس العرفي.

الرابعة: ما ورد أيضاً عن هشام بن سالم بسند تامّ، وهو الحديث السادس ممّا نقلناه في صفحة 192 تحت عنوان روايات التملّك(2) وهذه الرواية دلّت في مجهولة المالك على


(1) راجعه في الوسائل، ب4 من ولاء ضمان الجريرة، ح7، وفي ب6 من ميراث الخنثى، ح10.

(2) راجعه في الوسائل، ب 6 من ميراث الخنثى، ح 1.

199


الفحص، وتنصرف أيضاً إلى الفحص بمقدار اليأس العرفي، ثُمّ التملّك، وإذا جاز التملّك جاز التصدّق بطريق أولى. إذن فهذه الرواية أيضاً تدلّ على أنّ حكم مجهول المالك غير اللقطة كحكم اللقطة، بفرق: أنّ الفحص الذي يجب في اللقطة إنّما هو بقدر اليأس العرفي لا سنة كاملة، فكأنّ الحكم بالتعريف سنة نتيجة للالتقاط.

الخامسة: ما مضى ذكره من الرواية السادسة ممّا نقلناها في صفحة 188 ـ 189 بعنوان روايات التصدّق، وهي صحيحة داود بن أبي يزيد عن أبي عبدالله(عليه السلام) «قال: ... ما له صاحب غيري...»(1)، ثُمّ أمره بالتصدّق بين إخوانه، وهذا الأمر ـ كما مضى ـ لا يدلّ على كون التصدّق حكماً شرعيّاً، وإنّما الرواية تدلّ على أنّ مطلق مجهول المالك سواء كان لقطة أو غيرها ملك للإمام.

وقد عقد صاحب الرسائل(رحمه الله) باباً لحكم مجهول المالك، وهو الباب السادس من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه، والحديث الأوّل والعاشر منها مضيا منّا تحت عنوان الحديث الخامس والسادس من روايات التملّك، وهما معتبرتا هشام بن سالم.

وينبغي التطواف على روايات هذا الباب لكي نرى هل ينفعنا شيء منها في المقام أو لا؟ فهنا نشير إلى روايات الباب بالشكل التالي:

1 ـ الحديث الأوّل هو معتبرة هشام بن سالم التي مضت منّا ضمن روايات التملّك، الحديث السادس(2).

2 ـ والحديث الثاني غير تامّ سنداً بسبب ابن عون، إلّا أنّه رواه صاحب الوسائل بسند تامّ(3)،


(1) الوسائل، ب 7 من اللقطة، ح 1.

(2) راجع صفحة 192 من الكتاب، الحديث 6.

(3) الوسائل، ب 22 من الدين والقرض، ح 2.

200


ونحن ننقله هنا بنسخته الواردة بسند صحيح، فقد روى صاحب الوسائل فيما أشرنا إليه من كتاب الدين والقرض بسند صحيح عن معاوية ابن وهب قال: «سُئل أبو عبدالله(عليه السلام)عن رجل كان له على رجل حقّ، ففقد، ولا يدري أحيّ هو أم ميّت؟ ولا يعرف له وارث، ولا نسب، ولا بلد؟ قال: اطلبه، قال: إنّ ذلك قد طال فاصّدّق به؟ قال: اطلبه».

ومقتضى إطلاق هذا الحديث إدامة الطلب مادام لم يحصل اليأس حتّى ولو طال أكثر من سنة، ولعلّ السرّ في ذلك: أنّ المال كان ديناً في الذمّة لا عيناً، فلو طالت المدّة لا يبتلي بمال خارجيّ مجهول المالك، ويكفي بالنسبة لما في الذمّة أن تكون من نيّته الأداء، ولا يكون منه تقصير في الفحص لدى الإمكان، فهذا نظير ما ورد بسند تامّ عن زرارة قال: «سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن الرجل يكون عليه الدين لا يقدر على صاحبه، ولا على وليّ له، ولا يدري بأيّ أرض هو؟ قال: لا جناح عليه بعد أن يعلم الله منه أنّ نيّته الأداء»(1).

وقد تقول: إنّ الحديثين خارجان عن المقام; لاستصحاب حياة المالك.

3 ـ رواية نصر بن حبيب صاحب الخان (وهو رجل مجهول عندنا) قال: «كتبت إلى عبد صالح(عليه السلام) لقد وقعت عندي مئتا درهم وأربعة دراهم وأنا صاحب فندق، ومات صاحبها، ولم أعرف له ورثة، فرأيك في إعلامي حالها، وما أصنع بها فقد ضقت بها ذرعاً؟ فكتب: اعمل فيها، وأخرجها صدقةً قليلاً قليلاً حتّى تخرج».

4 ـ عن الهيثم بن أبي روح صاحب الخان (وهو رجل مجهول عندنا) قال: «كتبت إلى عبدصالح(عليه السلام): إنّي أتقبّل الفنادق فينزل عندي الرجل، فيموت فجأة ولا أعرفه ولا أعرف بلاده ولا ورثته، فيبقى المال عندي، كيف أصنع به؟ ولمن ذلك المال؟ فكتب(عليه السلام): اتركه على حاله».


(1) الوسائل، ب 22 من الدين والقرض، ح 1.

201


5 و 6 و 7 و 8 و 9 ـ وهذه الروايات خارجة عمّا نحن فيه.

10 ـ معتبرة هشام بن سالم بالنسخة التي أشرنا إليها في آخر الحديث الخامس من أحاديث التملّك صفحة 192 بحسب هذا الكتاب.

11 ـ مرسلة الصدوق: قال الصدوق(قدس سره) بعد نقله للرواية الماضية: وقد روي في خبر آخر: «إن لم تجد له وارثاً وعرف الله ـ عزّ وجلّ ـ منك الجهد، فتصدّق بها».

12 ـ ما عن محمّد بن القاسم بن الفضيل بن يسار عن أبي الحسن(عليه السلام) «في رجل كان في يده مال لرجل ميِّت لا يعرف له وارثاً، كيف يصنع بالمال؟ قال: ما أعرفك لمن هو؟ يعني نفسه(عليه السلام)». وفي السند عباد بن سليمان الذي لا دليل على وثاقته عدا وروده في كامل الزيارات، ونحن لا نؤمن بدلالة ذلك على الوثاقة.

وهذه الرواية تؤيّد في امتلاك الإمام لمجهول المالك ما مضى من صحيح داود بن أبي يزيد، وهي الرواية السادسة التي أوردناها تحت عنوان التصدّق (في صفحة 188 ـ 189).

والذي نستنتجه من هذا العرض: أنّ الذي يسلم لنا من روايات مجهول المالك ـ الخارجي لا الدين ـ بالمعنى المقابل للّقطة إنّما هي روايتان لا غير، وهما معتبرتا هشام بن سالم:

إحداهما: معتبرته الواردة في الوسائل، ب 4 من ولاء ضمان الجريرة، ح 7. وهذه النسخة أكثر جلاءً من نسخة: ب 6 من ميراث الخنثى، ح 10.

والثانية: معتبرته الواردة في الوسائل، ب 6 من ميراث الخنثى، ح 1.

وكلتاهما تدلاّن بالشرح الذي مضى على التخيير بين التملّك والتصدّق بعد الفحص بمقدار اليأس، إلّا أنّ هذا الحديث وارد في المفقود والذي يجري فيه استصحاب الحياة، فالتمسّك به متوقّف إمّا على دعوى الإطلاق لما إذا عرف بعد ذلك موته، أو على التعدّي

202


العرفي من مورد جهل المكان إلى مورد جهل المالك.

وأمّا إذا كان مجهول المالك ديناً في الذمّة فله أن يبقيه على حاله، ويوصي به مادام يحتمل ولو عقلاً مجيء صاحبه لو آمنّا بالإطلاق في صحيح معاوية بن وهب، وصحيح زرارة الماضيين (في صفحة 200) لفرض ما إذا بلغه بعد ذلك خبر موت المالك، أو آمنّا بالتعدّي العرفي من مورد جهل المكان إلى مورد جهل المالك.

ومتى ما أراد فراغ الذمّة انتهى مرّة اُخرى إلى ما عرفت من معتبرتي هشام بن سالم.

ولا يبقى بعد ذلك في مجهول المالك شيء آخر إلّا إطلاق صحيحة داود بن أبي يزيد(1) التي تشمل مجهول المالك بالمعنى المقابل للّقطة بالإطلاق بملاك ترك الاستفصال. فإن صرفناها إلى مجهول المالك بقرينة معروفيّة اللقطة بأحكام خاصّة بها، فالنتيجة هي: أنّ مجهول المالك في مقابل اللقطة للإمام، والإمام قد سمح لمن يستطيع الفحص بقدر اليأس أن يفحص، ثُمّ يتملّك أو يتصدّق به. أمّا مع عدم الفحص أو عدم القدرة على الفحص، فهو للإمام.

ويؤيّد ذلك حديث محمّد بن القاسم بن الفضيل بن يسار(2) المشتمل في سنده على عباد بن سليمان.

ولو لم نقبل هذا الانصراف; لمنع معروفيّة ووضوح حكم اللقطة في زمان الإمام الصادق(عليه السلام)، لم يبقَ إلّا موضوع التمسّك بالإطلاق.

فإن قصد بذلك الإطلاق الحَكَمي فمن الواضح أنّ صحيحة داود مجملة، فإنّه قال: «إنّي قد أصبت مالاً» ولم نعرف هل كان ذلك مجهول المالك أو لقطة؟


(1) الوسائل، ب 7 من اللقطة، ح 1.

(2) الوسائل، ب 6 من ميراث الخنثى وما أشبهه، ح 12.