158

بخالق الطبيعة ومقنّن تلك القوانين أو المعطى من قبله ذلك، فلولا صدق هذا الرسول ومجيئه من قبل الله فمن أين له بما هو من مختصّاته؟

 

الطرق المتصوّرة للإعجاز:

ثمّ إنّ الذي أشرنا إليه من أنّ الإعجاز يكون خرقاً لقوانين الطبيعة، والذي لا يوجد بحدّ ذاته إلّا لدى خالق الطبيعة ونُظُمها يتصوّر بعدّة طرق مذكورة من قبل علمائنا العظام، وكلّها اُمور معقولة:

الأوّل: أن يكون خرق تلك القوانين من قبل الله مباشرة بسبب طلب الرسول منه ذلك، وهو باعتباره خالقاً للطبيعة وواضعاً لقوانينها يستطيع خرقها.

الثاني: أن يكون الرسول قد علّمه الله تعالى عوامل طبيعيّة اُخرى تكون بدلاً من العوامل الظاهريّة التي يعلمها الناس، فبإعمالها يحقّق الرسول الغرض. والخرق لقوانين الطبيعة هنا إنّما يكمن في الوصول إلى تلك العوامل الاُخرى من دون تحقيق الوسائل الطبيعيّة لكشفها، من قبيل وسائل الكشوف الحديثة اليوم التي كشفت بها كثير من العوامل الطبيعيّة التي لم تكن منكشفة في قديم الزمان.

الثالث: تصرّف النبيّ نفسه بولاية تكوينيّة وقوّة الروح المعطيتين له من قبل الله، وهنا يكمن خرق قوانين الطبيعة في الوصول إلى تلك الولاية أو قوّة الروح عن غير وسائل طبيعيّة لذاك الوصول، فلئن كان أصحاب الرياضات يصلون إلى بعض مستويات قوّة الروح بوسائل طبيعيّة رياضيّة، فالرسول الذي لم يقم بتلك الرياضات ولم يتعلّم من أحد تلك الأساليب تراه يفعل ما هو أقوى وأكبر ممّا يفعله اُولئك؛ فيبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله.

وكذلك السحرة يوهمون أعين الناس ويجعلونهم يتخيّلون ما يفعلونه بوسائل طبيعيّة، وهي أساليب السحر التي تعلّموها بالطرق الطبيعيّة، في حين أنّ

159

الرسول لا يسلك تلك الطرق والوسائل، ولكنّه يحقّق واقع ما يريد وليس مجرّد تخييل، ومن الطبيعي عندئذ أن يكون السحرة أوّل من يؤمن؛ لأنّ الوسائل الطبيعيّة للسحر واضحة لديهم: ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى * قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الاَْعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِر وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى﴾(1)، وقال أيضاً عزّ من قائل:﴿فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْر عَظِيم * وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُون﴾(2).

وقد اتّضح ممّا أشرنا إليه أنّ المعجز لا يشتبه بعمل السحرة ولا بعمل المرتاضين ولا بعمل علماء الطبيعة الذين يعملون ببركة علومهم واكتشافاتهم ما لو كان يُعمل قبل تلك الاكتشافات لكان يُبهر العقول، كإنارة العالم بالكهرباء، أو شفاء المرضى بعلاجاتهم الجبّارة، أو إرسال الأقمار الصناعيّة إلى السماء، أو إنزال عدد من البشر أو الموادّ على كرات اُخرى، أو ما إلى ذلك. فالإعجاز وحده هو الذي يكون خرقاً لقوانين الطبيعة، أمّا السحر فهو عمل تخييلي لا واقعي قائم على اُسس طبيعيّة يتعلّمها الساحر في دروس مخصوصة واكتشافات مدروسة، وكذلك الأعمال الرياضيّة لها طرقها الطبيعيّة يصل إليها المرتاضون بعد معاناة طويلة من الرياضات التي يتحمّلونها كي يبلغوا قوّة روحيّة مخصوصة، كما أنّ العلوم والاكتشافات الحديثة أيضاً ليست إلّا اُموراً طبيعيّة وصل إليها الإنسان بعد جهد جهيد ومعاناة طويلة.

 


(1) س 20 طه، الآية: 66 ـ 70.

(2) س 7 الأعراف، الآية: 116 ـ 122.

160

 

البحث الثالث: الوحي

 

قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَر أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَاب أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيم﴾(1).

والظاهر أنّ قوله: ﴿مِن وَرَاء حِجَاب﴾ إشارة إلى الصوت الذي يخلقه الله في موجود يسمعه النبيّ، ولا يرى صاحب الصوت الأصلي وهو الله سبحانه، وذلك كالصوت الذي خلقه الله في الشجرة أو في نار في الشجرة لموسى(عليه السلام)، قال عزّ من قائِل: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسىَ الاَْجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لاَِهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَر أَوْ جَذْوَة مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الاَْيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِين ﴾(2)، وقال أيضاً سبحانه وتعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيم﴾(3)، وقوله: ﴿أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً﴾ إشارة إلى إرسال الملك لإيصال الوحي إلى النبيّ كما قال الله تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاَْمِينُ * عَلَى قَلْبِك﴾(4)، وقال عزّ وجلّ: ﴿وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُـشْرَى﴾(5).

والوحي تارة يستعمل في مقابل هذين القسمين، أعني سماع الصوت ونزول الملك، واُخرى يشمل هذين القسمين، ففي الآية التي بدأنا بها الحديث


(1) س 42 الشورى، الآية: 51.

(2) س 28 القصص، الآية: 29 ـ 30.

(3) س 27 النمل، الآية: 8 ـ 9.

(4) س 26 الشعراء، الآية: 193 ـ 194.

(5) س 11 هود، الآية: 69.

161

استعمل في مقابل هذين القسمين، في حين أنّه طُبّق الوحي في القرآن في قصّة موسى(عليه السلام)على الصوت الذي سمعه موسى(عليه السلام)، قال الله تعالى: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لاَِهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَس أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي﴾(1).

وكذلك يطلق الوحي على ما كان يأتي به جبرئيل(عليه السلام)على رسول الله(صلى الله عليه وآله)وهو أحد التفسيرين المذكورين لقوله تعالى: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾(2).

وعلى أيّة حال فالوحي بالنسبة للأنبياء قد يستعمل بمعنى عامّ يشمل الوحي عن طريق الملك، أو عن طريق خلق الصوت في جسم أو مكان، بل وعن طريق الرؤيا أيضاً، كما في قصّة رؤيا إبراهيم(عليه السلام) لذبح ولده، وقصّة رؤيا رسول الله(صلى الله عليه وآله)لدخول المسلمين المسجد الحرام آمنين، وقد يستعمل بمعنى خاصّ في مقابل هذه الأقسام، وهو وحيٌ مباشر لله إليه، ونحن يستحيل علينا طبعاً أن ندرك حقيقته، كما يستحيل على من ولد أعمى من بطن اُمّه أن يدرك حقيقة الرؤية بالعين أو حقيقة اللون أو حقيقة النور، ولكن المقدار الذي نحدسه هو أن يكون سنخ إدراك حُضوري، وتوضيح المقصود: أنّه قد مضى منّا في بحث التوحيد أنّ الإيمان بالله تعالى أمر فطري، وقد مضى تفسير الفطريّة بأمرين، أحدهما: البداهة ودركه بالوجدان كما في البديهيّات الفطريّة، والثاني: العلم الحضوري بالله تعالى، وقلنا: إنّ المتيقّن من ذلك هو المعنى الأوّل، أمّا المعنى الثاني ـ وهو العلم الحضوري ـ فلا دليل قطعي لدينا عليه وإن كان ثبوته لبعض


(1) س 20 طه، الآية: 9 ـ 14.

(2) س 53 النجم، الآية: 8 ـ 10.

162

أولياء الله أمراً ممكناً. والوجه في عدم الدليل عليه: أنّ المخلوق ـ على ما نقّح في محله ـ وجود ربطيّ بالخالق، وليس وجوداً مستقلاًّ في مقابل الخالق مع فرض علاقة الخلق أو العلّيّة والمعلوليّة بينه وبين الخالق؛ فإنّ هذا خلف الخلق بل هو عين تلك العلاقة وذاك الربط، وهذا إنّما يقتضي إحاطة الخالق بالمخلوق، وكون المخلوق معلوماً حضوريّاً للخالق، كما أنّ مخلوقات ذهننا معلومة بالعلم الحضوري لنا وليس العكس، أي ليس من الضروري كون الخالق معلوماً حضوريّاً للمخلوق؛ لأنّ الخالق هو المحيط بالمخلوق وليس المخلوق محيطاً بالخالق.

ومن الممكن افتراض أنّ الأنبياء ـ لشدّة قربهم إلى الله ـ لهم العلم الحضوري بالله تعالى ولو في بعض الأحيان، وهذا أحد التفسيرين لقوله تعالى: ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى﴾(1)، فلعلّ الوحي المباشر يكون في حالة العلم الحضوري بالله تعالى.

ويشهد لذلك الثقل الذي كان يحسّ به النبيّ(صلى الله عليه وآله) في وقت الوحي المباشر على ما ورد في بعض الأحاديث، فعن زرارة قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): جعلت فداك، الغشية التي كانت تصيب رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذا نزل عليه الوحي؟ قال: فقال: ذلك إذا لم يكن بينه وبين الله أحد، ذاك إذا تجلّى الله له»(2).

ولئن كان موسى(عليه السلام) لم يتحمّل تجلّي الله للجبل وليس له فخرّ صعقا، فيكفي فخراً لرسولنا الأعظم(صلى الله عليه وآله) أنّه كان يتحمّل تجلّي الله له مباشرةً في بعض حالات


(1) س 53 النجم، الآية: 11 ـ 15.

(2) البحار 18: 256، الباب 2 من أبواب أحوال الرسول(صلى الله عليه وآله) من البعثة إلى نزول المدينة، الحديث 6.

163

الوحي، إلّا أنّه كان يحسّ بالثقل.

وقد تقول: إنّ تجلّي الله تعالى للإنسان بمعنى علم الإنسان به علماً حضوريّاً مستحيل؛ لما مضى من أنّ الخالق هو المحيط بالمخلوق، ولا يعقل أن يكون المخلوق ـ الذي هو عين الربط ـ محيطاً بالخالق، والعلم الحضوري إنّما يكون بإحاطة العالم بذات المعلوم.

ولكن الواقع أنّناإنّما أشرنا إلى نكتة: أنّ الإحاطة هي للخالق بما ليست حقيقته إلّا عين الربط به دون العكس لتوضيح أنّ هذا الالتصاق بين العبد وربّه لا يبرهن على العلم الحضوري بالله أو بالتوحيد، ولكنّا لا نجعل هذا برهاناً على عدم إمكان العلم الحضوري بالله؛ فإنّ العلم الحضوري به لا ينحصر افتراضه بافتراض الإحاطة الكاملة للعبد بربّه، بل يمكن افتراض الإحاطة النسبيّة بقدر ارتباط الربّ بهذا العبد عن طريق كون هذا العبد عين الربط به وفانياً فيه، ويحتمل اختلاف درجات العلم الحضوري، فلعلّ الرسول(صلى الله عليه وآله)كان عالماً بالله بالعلم الحضوري ببعض الدرجات في تمام أحواله، وكان يشتدّ علمه الحضوري بالله في حالة الوحي المباشر؛ ولهذا كان يحسّ بالثقل.

أمّا حينما كان ينزل عليه الوحي بواسطة جبرئيل(عليه السلام) فلم يكن عليه ثقل من هذا القبيل، بل كان ينزل عليه الوحي عندئذ بكمال الأدب من قبل جبرئيل، فعن عمرو بن جميع عن الصادق(عليه السلام) قال: «كان جبرئيل إذا أتى النبيّ(صلى الله عليه وآله) قعد بين يديه قِعدة العبد وكان لا يدخل حتّى يستأذنه»(1).

وا عجباً يستأذن الأمينُ
ببابه ويدخل الخؤون!
 

 

* * *

 


(1) المصدر السابق، الحديث 5.

164

 

البحث الرابع: عصمة الأنبياء

 

1 ـ ما معنى العصمة؟

عصمة الأنبياء عن الذنب لا تعطي معنى الانجبار على ترك الذنب، بل ذلك ينفي العصمة؛ إذ مع الجبر لا معنى للتكليف ولا فخر في ترك الذنب ولا قيمة له.

وكذلك لا تعني العصمة مجرّد العدالة؛ فإنّ العدالة إن هي إلّا ملكة الاعتصام عن الذنب في حالات الإغراءات الاعتياديّة، أمّا إذا اشتدّت الإغراءات أو ضعفت النفس بسبب طارئ ـ فوق ما يتصوّر عادة ـ فقد تزل قدم من كان عادلاً ويهوى إلى مكان سحيق، نعم لو تاب بعد ذلك وكانت الملكة موجودة أو رجعت، رجعت العدالة.

فالعصمة تعني: قوّة الرادع الإلهي إلى حدّ يقف أمام كلّ إغراءات العالم لو اجتمعت، فلا تضعُف النفس أمام جميع تلك الإغراءات فضلاً عن أن تضعف بسبب آخر.

وخير تعبير عن العصمة ما ورد عن إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام): «والله لو اُعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته، وإنّ دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها، ما لعليّ ونعيم يفنى ولذّة لا تبقى؟ نعُوذ بالله من سبات العقل وقبح الزلل وبه نستعين»(1).

 


(1) نهج البلاغة، الخطبة 224.

165

2 ـ هل ينال العصمة غير المعصومين(عليهم السلام)؟

إنّ أصل مرتبة العصمة لا تختصّ بالمعصومين(عليهم السلام) بالمعنى المصطلح، فمثلاً لو جمعت جميع إغراءات العالم لم تكن بأقوى من إغراء الامتلاك للمشرعة بعد العطش ـ الذي حال بين أصحاب الحسين(عليه السلام) وبين السماء كالدخان ـ إلى شرب الماء، ومع ذلك لم يقف هذا الإغراء أمام العبّاس(عليه السلام) لا في مقابل الامتناع عن شرب حرام ولا مكروه، بل في مقابل شرب حلال طيّب طاهر لم يكن يضرّ بالحسين وأهل بيته(عليهم السلام)؛ إذ لم يكن يؤخّره شيئاً عن إيصال الماء إليهم، وإنّما ذلك لمجرّد المواساة، ومع هذا أحسّ أنّ دينه ويقينه يمنعه عن هذا الشرب فقال:

والله ما هذا فعال دين
ولا فعال صادق اليقين

ولك أن تقايس بين اعتصام العبّاس(عليه السلام) ـ الذي لم يكن معصوماً بالمعنى المصطلح ـ عن شرب الماء حينما ملك المشرعة في يوم عاشوراء واعتصام يوسف(عليه السلام) عن العمل القبيح حينما راودته التي هو في بيتها؛ كي ترى أيّهما كان أشدّ؟ هل ترك شرب الماء والعطش حال بينهم وبين السماء كالدخان، أو ترك الزنا لدى طغيان شهوة الجنس بقوّة الشباب مع توفّر كلّ وسائل المعصية واختفاء كلّ الموانع الظاهريّة واجتماع كلّ المغريات الشهويّة؟! والله إنّ الأوّل لاَشدّ، إلّا أنّ لله في أرضه أولياء كالعبّاس(عليه السلام) لا يُعرفون إلّا بصدفة تتّفق كما اتّفقت للعبّاس(عليه السلام)، وإلّا فهم مجهولون في الأرض معروفون في السماء، ولقد عجبتْ من صبر الحسين(عليه السلام)وأصحابه ملائكة السماوات.

والحاصل: أنّ أصل مرتبة العصمة يمكن تحصيلها لشخص غير معصوم بالمعنى المصطلح، وإنّما الذي يختصّ به المعصومون بالمعنى المصطلح تزوّدهم بهذا المستوى من النورانيّة والشفّافيّة العاصمة عن المعصية من قبل الله، ومن

166

أوّل الأمر وإلى آخر لحظة، في حين أنّ عصمة الآخرين اكتسابيّة ونتيجة التربية، ومتى ما ترك متطلّبات التربية تزول عنه تلك الشفّافيّة، ونورانيّة النفس الموجبة لعصمته عن المعاصي.

 

3 ـ أسباب العصمة:

قلنا: إنّ العصمة قد تكون اكتسابيّة وهي مرتبة من التقوى يستحيل معها أن تزلّ قدم العبد بتكاثر المغريات بالرغم من بقاء العبد على كونه فاعلاً مختاراً، ولكنّها متى ما زالت، تزول معها العصمة، وقد تكون إلهيّة ملازمة لوجود المعصوم(عليه السلام).

وهنا يأتي هذا السؤال: ما هي أسباب العصمة التي لو حصلنا عليها لأصبحنا معصومين ولو بعصمة اكتسابيّة؟

والجواب ـ بقدر ما ندركه بعقولنا الناقصة ـ هو أنّ أسبابها أربعة:

الأوّل: إدراك عظمة الربّ سبحانه وتعالى، فبقدر ما يكتمل هذا الإدراك تكتمل العصمة، وكيف يمكن لمن انمحى في عظمة الله وجلاله وجماله أن تخطر بباله معصيته فضلاً عن أن يعصيه؟! فإنّ الكون وما فيه يعتبر في مقابل عظمة الله لا شيء.

الثاني: إدراك خسّة المعصية وحقيقتها الدنيئة وواقعيتها القذرة، «عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم»(1)، وقد نقل عن بعض عوام الشيعة الذي كان يتكلّم بفطرته أنّه قيل له: كيف تقولون: إنّ أئمّتنا لم يكن يخطر ببالهم


(1) خطبة المتّقين من نهج البلاغة.

167

المعصية؟ فلنقبل منكم أنّهم لم يكونوا يعصون، ولكن ما هذه المبالغة بالقول بعدم خطور المعصية في أذهانهم؟ فأجاب الشيعي بالبداهة وبمحض الفطرة: هل خطر ببالك يوماً ما أكل قاذورة الإنسان؟ فامتعض السائل من هذا الكلام وقال: كيف يخطر ببالي ذلك؟! فأجابه الشيعي أنّ المعصية عند أئمّتنا أخسّ وأقذر من هذا الشيء، فكيف تخطر ببالهم؟! إنّه جواب متين والتفاتة طريفة إلى دلالة الفطرة والوجدان على برهان العصمة.

الثالث: انكشاف الحجاب عن عين البصيرة ـ وليست الباصرة ـ كي يرى الإنسان شدّة العذاب وعظمة الثواب في يوم القيامة، كما وصف إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام) بذلك المتّقين في قوله في خطبة همام: «فهم والجنّة كمن قد رآها فهم فيها منعّمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذّبون... أمّا الليل فصافّون أقدامهم تالين لأجزاء القرآن يرتّلونها ترتيلاً، يحزّنون به أنفسهم ويستثيرون به دواء دائهم، فإذا مرّوا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعاً، وتطلّعت نفوسهم إليها شوقاً، وظنّوا أنّها نصب أعينهم، وإذا مرّوا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم، وظنّوا أنّ زفير جهنّم وشهيقها في اُصول آذانهم ...»(1)، وكيف يتصوّر صدور المعصية أو خطورها بالبال ممّن يقول: «لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً!»(2).

الرابع: اكتمال حبّ الله تعالى في قلب العبد المؤمن، فإنّه مع اكتمال حبّه لا يعقل صدور المعصية منه، وكيف لا وأنت ترى أنّ العشق المجازي بين الشباب والشابّات قد يصل إلى مستوى يستحيل صدور مخالفة المعشوق من العاشق،


(1) المصدر السابق.

(2) البحار 69: 209، الباب 33 من أبواب الايمان والكفر.

168

وحبّ الأب أو الاُمّ للطفل قد يصل إلى مستوى لا يتصوّر مخالفته لما يهواه الطفل إلّا لمصلحة نفس الطفل، فكيف بحبّ الله تعالى الجامع لصفات الجمال والجلال؟!

والمرويّ عن إمامنا زين العابدين(عليه السلام) أنّه قال: «إلهي، مَنْ ذا الَّذِي ذَاقَ حَلاوَةَ محبَّتكَ فَرَامَ مِنْكَ بَدَلاًَ؟ وَمَنْ ذَا الَّذِي أنِسَ بِقُرْبِكَ فَابْتَغَى عَنْكَ حِوَلاًَ؟»(1)، وعن الصادق(عليه السلام) أنّه قال:

تعصي الإله وأنت تظهر حبّه
هذا محال في الفعال بديع
لو كان حبّك صادقاً لأطعته
إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع(2)
 

 

4 ـ من براهين العصمة:

البرهان الأوّل: قلنا: إنّ اكتناه عظمة الربّ بالمقدار الممكن للإنسان المخلوق يكون مانعاً قطعيّاً عن المعصية، وكذلك اكتناه حقيقة المعصية وقذارتها ونجاستها ودناءتها، وكلا هذين الأمرين موجودان لدى كلّ نبيّ يوحى إليه؛ لأنّ مقام الوحي هو أعلى مقام من مقامات الاقتراب إلى الربّ والاطّلاع على عظمته؛ ولذا ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «يا عليّ، ما عرف الله حقّ معرفته غيري وغيرك»(3). وأيضاً الوحي أعلى مقام من مقامات كشف الحقيقة لا يناله عقل


(1) الصحيفة السجّاديّة: مناجاة المحبّين.

(2) البحار 70: 15، الباب 43 من أبواب الايمان والكفر، الحديث 3.

(3) البحار 39: 84، وعليّ(عليه السلام) وإن لم يكن يوحى إليه، ولكنّه قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) بشأنه: «إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلّا أنّك لست بنبيّ ولكنّك لوزير، وإنّك لعلى خير». راجع نهج البلاغة، الخطبة 192، فضل الوحي.

169

العقلاء مهما كانوا عباقرة، فالذي حظي بهذا المقام فقد حظي بأعلى ما يمكن أن يتصوّر بشأن الإنسان من درك عظمة الربّ وجماله وجلاله، ومن درك حقيقة الطاعة وحقيقة المعصية، وخاصّة إذا كان الوحي بالتجلّي المباشر.

وأيضاً إنّ من يتّصل بالله تعالى بأقرب وسائل الاتّصال ـ ألا وهو الوحي ـ يتمكّن حبّ الله تعالى في قلبه بأعلى مستوى معقول، وقد قلنا: إنّ من يكتمل في حبّ الله يستحيل صدور المعصية منه.

وكذلك نقول: إنّ المتّصل بمنبع الوحي يكون اطّلاعه على الغيب ـ أعني عالم الآخرة ـ بأقوى مستوى ممكن للبشريّة من الاطّلاع، فهم والجنّة كمن قد رآها فهم فيها منعّمون، وهم والنّار كمن قد رآها فهم فيها معذّبون، فكيف يمكن لهكذا اُناس أن يعصوا؟

البرهان الثاني: إنّ الغرض المتوخّى من بعثة الأنبياء لهو هداية البشريّة ونشر نور الله تعالى في أرضه، وممارسة خلافة الله في أرضه بأكمل ما يكون، وهذا أمر يختلف عن مستوى الهداية التي تصدر من القادة الروحانيين الاعتياديين كالفقهاء العظام والعلماء الأعلام؛ فإنّهم لا يمارسون إلّا إعانة الخلق على الاستفادة من المنهل الإلهي العذب الذي فتح الله بابه للناس عن طريق الأنبياء، في حين أنّ أصل فتح باب تلك المناهل للناس إنّما هو بيد الأنبياء، وأصل الهداية إلى الله وإلى دينه وإلى رضوانه إنّما هو بهم، وليس العلماء إلّا اُولئك الثلّة الذين اغترفوا غرفة من بحر معرفة الأنبياء ليسقوا العطاشى بماء المعرفة بقدر إمكاناتهم؛ ولهذا شرطت العدالة في مراجع التقليد. أمّا الأنبياء فلا تكفي العدالة بشأنهم؛ لأنّ مفاتيح الهداية الأصليّة بيدهم، ولولا أن يستطيعوا جلب ثقة الاُمّة بأعلى مستوى الثقة لما تحقّق الهدف من إرسالهم، ولا يمكن جلب الثقة بهذا

170

المستوى إلّا بالعصمة، فيكون عدم منحهم العصمة من قبل الله تعالى نقضاً للغرض، ونقض الغرض من قبل الله تعالى مستحيل.

وأيضاً لايمكن للأنبياء أن يكونوا قدوة عمليّين للبشر بشكل كامل إلّا بالعصمة، كما أنّه لا يمكن للفقهاء أن يكونوا قدوة عمليّين بالمستوى المترقّب منهم إلّا بالعدالة.

البرهان الثالث: التمسّك بقوله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين﴾(1)، فانّه لا شكّ في أنّ النبوّة مصداق بارز من مصاديق عهد الله تعالى، ولا شك في أنّ المعصية ظلم، ولا إشكال في أنّ مناسبة الحكم والموضوع وجلالة مقام النبوّة تعطيان للكلام ظهوراً في كون المقصود بعنوان الظالم التلبّس بمبدأ الظلم ولو آناً مّا، فظهور الكلام في المقارنة بين الحكم والوصف العنواني أو كون المشتق حقيقة في المتلبّس بالفعل بحثان بعيدان عن مورد هذه الآية المباركة بالخصوص.

 

 

 

 

 


(1) س 2 البقرة، الآية: 124.

171

النبوّة

2

 

 

 

النبوّة الخاصّة

 

المهم عندنا إثبات نبوّة نبيّنا محمّد(صلى الله عليه وآله)، وقد مضى أنّ وسائل إثبات نبوّة أيّ نبيّ أحد اُمور أربعة: الإعجاز وإخبار نبيّ سابق، وتجميع القرائن المختلفة ومضمون الدعوة، وكلّ هذه الوسائل متحقّقة بشأن نبوّة نبيّنا محمّد(صلى الله عليه وآله) كالتالي:

 

○ إعجاز نبيّنا محمّد(صلى الله عليه وآله).

○ إخبار أنبياء سابقين عن نبوّة رسول الله(صلى الله عليه وآله).

○ تجميع قرائن مختلفة على نبوّة نبيّنا(صلى الله عليه وآله).

○ مضمون دعوة نبيّنا(صلى الله عليه وآله).

 

 

 

173

 

 

 

 

 

إعجاز نبيّنا محمّد(صلى الله عليه وآله)

 

الإعجاز أعمّ الأدلة وأشملها لفهم الناس. ولرسول الله(صلى الله عليه وآله) معاجز كثيرة، والخالد منها والباقي حتّى زماننا هذا وإلى يوم القيامة هو القرآن:

 

إعجاز القرآن

 

إنّ إعجاز القرآن من عدّة جهات: البلاغة والفصاحة، والكشف عن قسم من أسرار الطبيعة، والإخبار عن بعض الاُمور الغيبية وغير ذلك، ووجوه إعجاز القرآن غير البلاغة والفصاحة أو قسم من هذه الوجوه أهمّ وأعظم من مسألة البلاغة والفصاحة، إلّا أنّ مسألة البلاغة والفصاحة كانت هي القابلة للإدراك لعرب الحجاز وقتئذ، ونحن نذكر هنا ثلاثة من وجوه إعجاز القرآن:

 

بلاغة القرآن وفصاحته

 

الواضح من وجوه إعجاز القرآن لدى عامّة الناس السذّج في زمن الرسول(صلى الله عليه وآله) هي الفصاحة والبلاغة؛ لأنّ العرب الحجازيين كانوا قد نبغوا فيهما،

174

فجاء إعجاز القرآن من سنخ ما كانوا فنّانين فيه.

وهذا الوجه من الإعجاز ربّما لا يدركه من لا يعرف اللغة العربيّة، بل ربّما لا يدركه قسم من العارفين للّغة العربيّة وغير الملتفتين والمتذوّقين لنكات الفصاحة والبلاغة، ولكن هؤلاء بإمكانهم أن يعتقدوا بإعجاز القرآن البلاغي عن طريق ما ورد فيه من تحدّي أبلغ البلغاء بالإتيان بمثل سورة من القرآن، وما ثبت في التاريخ من أنّهم عجزوا عن ذلك، ولو لم يكونوا قد عجزوا عن ذلك لفعلوه، ولو كانوا قد فعلوه لأسقطوا رسول الله(صلى الله عليه وآله) عن الاعتبار لدى عامّة الناس، وكان ذلك أسهل عليهم من إسقاطه بخوض الحروب ضدّه، في حين أنّه لم يكن شيء من هذا القبيل.

قال الله تعالى:

1 ـ ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض ظَهِيراً﴾(1).

2 ـ ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَر مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَات وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِين﴾(2).

3 ـ ﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْب مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَة مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِين﴾(3).

4 ـ ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَة مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِين﴾(4).

 


(1) س 17 الإسراء، الآية: 88.

(2) س 11 هود، الآية: 13.

(3) س 2 البقرة، الآية: 23 ـ 24.

(4) س 10 يونس، الآية: 38.

175

5 ـ ﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيث مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ﴾(1).

وقد ورد في التاريخ:

1 ـ روي عن هشام بن الحكم: «أنّ ابن أبي العوجاء وأبا شاكر الديصاني و عبدالملك البصري وابن المقفّع اجتمعوا لدى بيت الله الحرام، وكانوا يستهزئون بالحجّاج ويطعنون على القرآن، فقال ابن أبي العوجاء: فليعارض كلّ واحد منّا ربع القرآن، ولنجتمع هنا في العام القابل في هذا المكان، وبه نبطل الإسلام ونبوّة محمّد، فافترقوا ثمّ اجتمعوا في مثل ذلك اليوم من العام الماضي لدى بيت الله الحرام، فقال ابن أبي العوجاء: إنّني منذ أن فارقتكم فكّرت في معارضة الآية: ﴿فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيّاً﴾(2) فعجزت عن ذلك، وقال عبد الملك: إنّني منذ أن فارقتكم فكّرت في معارضة الآية: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوب﴾(3) فعجزت عن ذلك، وقال أبو شاكر: إنّني منذ أن فارقتكم فكّرت في معارضة الآية: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾(4) فعجزت عن ذلك، وقال ابن المقفّع: يا قوم، إنّ هذا القرآن ليس من سنخ كلام البشر فإنّني منذ أن فارقتكم فكّرت في معارضة الآية: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِين﴾(5) فعجزت عن ذلك.


(1) س 52 الطور، الآية: 33 ـ 34.

(2) س 12 يوسف، الآية: 80.

(3) س 22 الحجّ، الآية: 73.

(4) س 21 الأنبياء، الآية: 22.

(5) س 11 هود، الآية: 44.

176

قال هشام: وفي هذه الأثناء مرّ عليهم جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) وقرأ: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض ظَهِيراً﴾(1)»(2).

2 ـ ويروى «أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) لمّا اُنزل عليه ﴿حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَاب﴾(3) قام إلى المسجد والوليد بن المغيرة قريب منه يسمع قراءته، فلمّا فطن النبيّ(صلى الله عليه وآله) لاستماعه لقراءته أعاد قراءة الآية. فانطلق الوليد حتّى أتى مجلس قومه بني مخزوم فقال: والله! لقد سمعت من محمّد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس، ولا من كلام الجنّ، وإنّ له لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وإنّ أعلاه لمثمر، وإنّ أسفله لمغدق، وإنّه ليعلو وما يعلى عليه. ثمّ انصرف إلى منزله، فقالت قريش: صبأ والله الوليد، والله لتصبأنّ قريش كلّهم. وكان يقال للوليد: ريحانة قريش، فقال لهم أبو جهل: أنا أكفيكموه، فانطلق فقعد إلى جنب الوليد حزيناً، فقال: ما لي أراك حزيناً يابن أخي؟ قال: هذه قريش يعيبونك على كبر سنّك ويزعمون أنّك زيّنت كلام محمّد، فقام مع أبي جهل حتّى أتى مجلس قومه فقال: تزعمون أنّ محمّداً مجنون، فهل رأيتموه يخنق قَطّ؟! فقالوا: اللّهم لا. قال: أتزعمون أنّه كاهن، فهل رأيتم عليه شيئاً من ذلك؟ قالوا: اللّهم لا. قال: أتزعمون أنّه شاعر، فهل رأيتموه أنّه ينطق بشعر قَطّ؟! قالوا: اللّهم لا. قال: أتزعمون أنّه كذّاب، فهل جربتم عليه شيئاً من الكذب؟ فقالوا: اللّهم لا، وكان يسمّى الصادق الأمين قبل النبوّة من صدقه، فقالت قريش للوليد: فما هو؟ فتفكّر في نفسه ثمّ نظر وعبس فقال: ما هو إلّا ساحر ما رأيتموه


(1) س 17 الإسراء، الآية: 88.

(2) پيام قرآن 8: 90 ـ 92.

(3) س 40 غافر، الآية: 1 ـ 3.

177

يفرّق بين الرجل وأهله وولده ومواليه؟ فهو ساحر وما يقوله سحر يؤثر»(1).

3 ـ قال عليّ بن إبراهيم: قدم أسعد بن زرارة وذكوان بن عبد قيس في موسم من مواسم العرب وهما من الخزرج، وكان بين الأوس والخزرج حرب قد بقوا فيها دهراً طويلاً، وكانوا لا يضعون السلاح لا بالليل ولا بالنهار، وكان آخر حرب بينهم يوم بعاث، وكانت للأوس على الخزرج.

فخرج أسعد بن زرارة وذكوان إلى مكّة في عمرة رجب يسألون الحلف على الأوس، وكان أسعد بن زرارة صديقاً لعتبة بن ربيعة فنزل عليه فقال له: إنّه كان بيننا وبين قومنا حرب وقد جئناك نطلب الحلف عليهم. فقال له عتبة: بعدت دارنا من داركم ولنا شغل لا نتفرّغ لشيء. قال: وما شغلكم وأنتم في حرمكم وأمنكم؟ قال له عتبة: خرج فينا رجل يدّعي أنّه رسول الله، سفّه أحلامنا وسبّ آلهتنا وأفسد شبّاننا وفرّق جماعتنا. فقال له أسعد: من هو منكم؟ قال: ابن عبدالله بن عبد المطّلب من أوسطنا شرفاً وأعظمنا بيتاً. وكان أسعد وذكوان وجميع الأوس والخزرج يسمعون من اليهود الذين كانوا بينهم، النضير وقريظة وقينقاع: أنّ هذا أوان نبيّ يخرج بمكّة يكون مهاجره بالمدينة لنقتلنّكم به يا معشر العرب. فلمّا سمع ذلك أسعد وقع في قلبه ما كان سمع من اليهود، قال: فأين هو؟ قال: جالس في الحجر، وإنّهم لا يخرجون من شعبهم إلّا في الموسم، فلا تسمع منه ولا تكلّمه فإنّه ساحر يسحرك بكلامه. وكان هذا في وقت محاصرة بني هاشم في الشعب، فقال له أسعد: فكيف أصنع وأنا معتمر لابدّ لي أن أطوف بالبيت؟ قال: ضع في اُذنيك القطن. فدخل أسعد المسجد وقد حشا اُذنيه بالقطن فطاف بالبيت ورسول الله جالس في الحجر مع قوم من بني هاشم فنظر


(1) اُنظر مجمع البيان، ضمن تفسير سورة المدّثر.

178

إليه نظرة فجازه، فلمّا كان في الشوط الثاني قال في نفسه: ما أجد أجهل منّي! أيكون مثل هذا الحديث بمكّة فلا أتعرّفه حتّى أرجع إلى قومي فاُخبرهم؟! ثمّ أخذ القطن من اُذنيه ورمى به، وقال لرسول الله(صلى الله عليه وآله): أنعم صباحاً. فرفع رسول الله(صلى الله عليه وآله)رأسه إليه وقال: قد أبدلنا الله به ما هو أحسن من هذا تحيّة أهل الجنّة: السّلام عليكم، فقال له أسعد: إنّ عهدك بهذا لقريب، إلى مَ تدعو يا محمّد؟ قال: إلى شهادة أن لا إله إلّا الله وأ نّي رسول الله وأدعوكم إلى: ﴿أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَق نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون﴾(1). فلمّا سمع أسعد هذا قال له: أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسول الله، يا رسول الله بأبي أنت واُمّي أنا من أهل يثرب من الخزرج، وبيننا وبين إخوتنا من الأوس حبال مقطوعة، فإن وصّلها الله بك، ولا أجد أعزّ منك، ومعي رجل من قومي فإن دخل في هذا الأمر رجوت أن يتمّم الله لنا أمرنا فيك، والله يا رسول الله، لقد كنّا نسمع من اليهود خبرك، ويبشّروننا بمخرجك ويخبروننا بصفتك، وأرجو أن يكون دارنا دار هجرتك عندنا، فقد أعلمنا اليهود ذلك، فالحمد لله الذي ساقني إليك، والله ما جئت إلّا لنطلب الحلف على قومنا، وقد آتانا الله بأفضل ممّا أتيت له.

 


(1) س 6 الأنعام، الآية: 151 ـ 152.

179

ثمّ أقبل ذكوان فقال له أسعد: هذا رسول الله الذي كانت اليهود تبشّرنا به وتخبرنا بصفته فهلمّ فأسلم، فأسلم ذكوان ثمّ قالا: يا رسول الله، إبعث معنا رجلاً يعلّمنا القرآن ويدعو الناس إلى أمرك. فبعث معهم رسول الله(صلى الله عليه وآله)مصعب بن عمير ...(1).

وهذه القصّة الأخيرة كما يحتمل فيها أنّ بلاغة القرآن أثّرت في أسعد فآمن بالإسلام، كذلك يحتمل فيها أنّ المضامين الحقّة والوجدانيّة لتلك الآيات والتي تعارض أسوأ العادات للمجتمع وقتئذ أثّرت فيه، أو كان المؤثّر فيه مجموع الأمرين.

4 ـونظير هذه القصّة في تطرّق الاحتمالين إليه قصّة النجاشي في حبشة والعلماء المسيح حينما هاجر كثير من المسلمين إلى حبشة من جور أهل مكّة ولجؤوا إلى النجاشي، فأرسلت قريش نفرين إلى النجاشي لمطالبته بإرجاعهم إلى مكّة، وهما عبدالله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص ومعهما هدايا للنجاشي، فغضب النجاشي وقال: لم أكن لاُسلّم جمعاً لجؤوا إليّ إلى أعدائهم إلّا أن اُحقّق عن وضعهم وتثبت لي خيانتهم. فجمع النجاشي العلماء المسيح فجاؤوا مع كتُبهم، وأرسل أيضاً إلى المسلمين ومعهم جعفر بن أبي طالب(عليه السلام) وسألهم عن الأمر، فشرح جعفر(عليه السلام) له قصّة الإسلام، فقال له النجاشي: هل معك شيء من القرآن؟ قال: نعم. قال: إقرأ. فتلا جعفر(عليه السلام) قوله تعالى: ﴿كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا﴾(2)إلى آخر قصّة مريم وولادة المسيح(عليهما السلام) وتنزيههما عن الرجس والإشراك بالله، فبكى النجاشي وبكى العلماء المسيح إلى أن بلّت


(1) البحار 19: 8 ـ 10.

(2) س 19 مريم، الآية: 1 ـ 2.

180

محاسنهم وكتبهم، ورفض النجاشي تسليم المسلمين إلى قريش(1).

5 ـ والخلاصة أنّه لم يستطع أحد أن يعارض القرآن إلّا بمثل ما قاله مسيلمة الكذّاب: «الفيل ما الفيل؟ وما أدراك ما الفيل؟ له ذنب وبيل، وخرطوم طويل»(2)، وقوله أيضاً: «لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، بين صفاق وحشى»(3)، وينقل عنه أيضاً قوله: «والمبذّرات بذراً، والحاصدات حصداً، والذاريات قمحاً، والطاحنات طحناً، والعاجنات عجناً، والخابزات خبزاً، والثاردات ثرداً، واللاقمات لقماً إهالةً وسمناً»(4).

واُشير هنا إلى نكتة طريفة وردت على لسان الشيخ السبحاني ـ حفظه الله ـ(5)حول سرّ الفرق في التعبير بين قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَق نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾(6)، وقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاق نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم﴾(7) حيث قدّمت الإشارة إلى رزق الأبوين على الإشارة إلى رزق الأولاد في الاُولى، وعكس الأمر في الثانية، فيا ترى هل هذا مجرّد تفنّن في التعبير أو توجد تحته نكتة بلاغيّة؟ يقول ـ حفظه الله ـ: الصحيح هو الثاني؛ لأنّ الآية الاُولى خطاب للعوائل الفقيرة بقرينة قوله: ﴿مِّنْ إمْلاَق﴾ وكان يجرّهم فقرهم إلى قتل أولادهم، فناسب الأمر ضمان الله تعالى لهم رزقهم أوّلاً ثمّ رزق أولادهم، والآية الثانية خطاب للعوائل الميسورة بقرينة قوله: ﴿خَشْيَةَ إِمْلاق﴾أي إنّ الذي يجرّهم إلى قتل أولادهم ليس هو فقرهم بالفعل وإنّما هو خشية


(1) پيام قرآن 8: 99 ـ 102 نقلاً عن سيرة ابن هشام 1: 356.

(2) الإلهيّات 2: 338.

(3) المصدر السابق.

(4) راجع پيام قرآن 8: 105.

(5) الإلهيّات 2: 269 ـ 300.

(6) س 6 الأنعام، الآية: 151.

(7) س 17 الإسراء، الآية: 31.

181

الفقر نتيجة إطعام الأولاد، فناسب الأمر ضمان الله تعالى لهم رزق الأولاد أوّلاً ثمّ رزقهم.

 

الكشف عن بعض أسرار الطبيعة

 

كشف القرآن الستار عن عدد من أسرار الطبيعة التي لم تكن قابلة للدرك وقتئذ لأعظم ما يفترض من المجتمعات العريقة في العلوم والمعارف، فضلاً عن مجتمع منهمك آنئذ في الجهل المطبق كالمجتمع الحجازي، ولم يكتشف العلماء بعد ذلك تلك الأسرار إلّا بعد قرون من بيانها على لسان الوحي في القرآن الكريم. وهذا كما ترى أعظم بكثير من مسألة الفصاحة والبلاغة. ولا يخفى أنّ القرآن ليس كتاباً في علوم الطبيعة حتّى يتوقّع منه ذكر كلّ التفاصيل، وإنّما هو كتاب هداية للبشريّة ضُمّن بقدر اللزوم الإشارة إلى بعض أسرار الطبيعة فمنها:

 

1 ـ قوّة الجذب والدفع:

وهما القوّتان اللتان قامت بهما السماوات والأرض، ولو رجح الجذب على الدفع لاندكّت الكواكب بعضها ببعض وتصدّعت، ولو رجح الدفع على الجذب لخرج كلّ كوكب عن مداره وهرب وانفرط العقد وتلاشت بعضها عن بعض، ولكنّها جميعاً مرتبط بعضها ببعض، يدور كلّ في فلكه بسبب تعادل القوّتين ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ الليْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَك يَسْبَحُون﴾(1)، شبيها


(1) س 21 الأنبياء، الآية: 33.

182

بإناء يدار حول اليد التي تمسكه بخيط متّصل بينهما.

وقد اكتشف العلماء ذلك بعد قرون من نزول القرآن وبمستوى الحسّ الذي لا ينكر، والقرآن سبقهم بقرون في قوله عزّ وجلّ: ﴿اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَل مُّسَمًّى﴾(1)، وهذه الآية تدلّ بوضوح على وجود عَمد غير مرئي بين السماء والأرض، وهذا ينطبق على الجاذبة والدافعة أو تعادلهما.

وقد ورد عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام) قال: «قلت له: أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ:﴿وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُك﴾(2)، فقال: هي محبوكة إلى الأرض. وشبك بين أصابعه، فقلت: كيف تكون محبوكة إلى الأرض والله يقول: رفع السماء بغير عمد ترونها؟ فقال: سبحان الله! أليس الله يقول: ﴿بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْنَهَا﴾؟ قلت: بلى، فقال: ثَمّ عمد ولكن لا ترونها ...»(3).

وعن الصادق(عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين(عليه السلام): هذه النجوم التي في السماء مدائن مثل المدائن التي في الأرض، مربوطة كلّ مدينة إلى عمود من نور»(4).

 

2 ـ حركة الأرض:

وقد اكتشفها العالم الإيطالي المعروف غاليلو، فعارضته الكنيسة ولاحقته حتّى حكمت عليه بالإعدام بعد سجن طويل؛ ولأجل ذلك كان العلماء يكتمون


(1) س 13 الرعد، الآية: 2.

(2) س 51 الذاريات، الآية: 7، والحُبُك: الطُرُق.

(3) تفسير البرهان 2: 278.

(4) سفينة البحار 8: 195، وقد مضى هذا البحث ضمن برهان النظم لإثبات وجود الله سبحانه وتعالى.