المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

162

أولياء الله أمراً ممكناً. والوجه في عدم الدليل عليه: أنّ المخلوق ـ على ما نقّح في محله ـ وجود ربطيّ بالخالق، وليس وجوداً مستقلاًّ في مقابل الخالق مع فرض علاقة الخلق أو العلّيّة والمعلوليّة بينه وبين الخالق؛ فإنّ هذا خلف الخلق بل هو عين تلك العلاقة وذاك الربط، وهذا إنّما يقتضي إحاطة الخالق بالمخلوق، وكون المخلوق معلوماً حضوريّاً للخالق، كما أنّ مخلوقات ذهننا معلومة بالعلم الحضوري لنا وليس العكس، أي ليس من الضروري كون الخالق معلوماً حضوريّاً للمخلوق؛ لأنّ الخالق هو المحيط بالمخلوق وليس المخلوق محيطاً بالخالق.

ومن الممكن افتراض أنّ الأنبياء ـ لشدّة قربهم إلى الله ـ لهم العلم الحضوري بالله تعالى ولو في بعض الأحيان، وهذا أحد التفسيرين لقوله تعالى: ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى﴾(1)، فلعلّ الوحي المباشر يكون في حالة العلم الحضوري بالله تعالى.

ويشهد لذلك الثقل الذي كان يحسّ به النبيّ(صلى الله عليه وآله) في وقت الوحي المباشر على ما ورد في بعض الأحاديث، فعن زرارة قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): جعلت فداك، الغشية التي كانت تصيب رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذا نزل عليه الوحي؟ قال: فقال: ذلك إذا لم يكن بينه وبين الله أحد، ذاك إذا تجلّى الله له»(2).

ولئن كان موسى(عليه السلام) لم يتحمّل تجلّي الله للجبل وليس له فخرّ صعقا، فيكفي فخراً لرسولنا الأعظم(صلى الله عليه وآله) أنّه كان يتحمّل تجلّي الله له مباشرةً في بعض حالات


(1) س 53 النجم، الآية: 11 ـ 15.

(2) البحار 18: 256، الباب 2 من أبواب أحوال الرسول(صلى الله عليه وآله) من البعثة إلى نزول المدينة، الحديث 6.