المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

163

الوحي، إلّا أنّه كان يحسّ بالثقل.

وقد تقول: إنّ تجلّي الله تعالى للإنسان بمعنى علم الإنسان به علماً حضوريّاً مستحيل؛ لما مضى من أنّ الخالق هو المحيط بالمخلوق، ولا يعقل أن يكون المخلوق ـ الذي هو عين الربط ـ محيطاً بالخالق، والعلم الحضوري إنّما يكون بإحاطة العالم بذات المعلوم.

ولكن الواقع أنّناإنّما أشرنا إلى نكتة: أنّ الإحاطة هي للخالق بما ليست حقيقته إلّا عين الربط به دون العكس لتوضيح أنّ هذا الالتصاق بين العبد وربّه لا يبرهن على العلم الحضوري بالله أو بالتوحيد، ولكنّا لا نجعل هذا برهاناً على عدم إمكان العلم الحضوري بالله؛ فإنّ العلم الحضوري به لا ينحصر افتراضه بافتراض الإحاطة الكاملة للعبد بربّه، بل يمكن افتراض الإحاطة النسبيّة بقدر ارتباط الربّ بهذا العبد عن طريق كون هذا العبد عين الربط به وفانياً فيه، ويحتمل اختلاف درجات العلم الحضوري، فلعلّ الرسول(صلى الله عليه وآله)كان عالماً بالله بالعلم الحضوري ببعض الدرجات في تمام أحواله، وكان يشتدّ علمه الحضوري بالله في حالة الوحي المباشر؛ ولهذا كان يحسّ بالثقل.

أمّا حينما كان ينزل عليه الوحي بواسطة جبرئيل(عليه السلام) فلم يكن عليه ثقل من هذا القبيل، بل كان ينزل عليه الوحي عندئذ بكمال الأدب من قبل جبرئيل، فعن عمرو بن جميع عن الصادق(عليه السلام) قال: «كان جبرئيل إذا أتى النبيّ(صلى الله عليه وآله) قعد بين يديه قِعدة العبد وكان لا يدخل حتّى يستأذنه»(1).

وا عجباً يستأذن الأمينُ
ببابه ويدخل الخؤون!
 

 

* * *

 


(1) المصدر السابق، الحديث 5.