المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

165

2 ـ هل ينال العصمة غير المعصومين(عليهم السلام)؟

إنّ أصل مرتبة العصمة لا تختصّ بالمعصومين(عليهم السلام) بالمعنى المصطلح، فمثلاً لو جمعت جميع إغراءات العالم لم تكن بأقوى من إغراء الامتلاك للمشرعة بعد العطش ـ الذي حال بين أصحاب الحسين(عليه السلام) وبين السماء كالدخان ـ إلى شرب الماء، ومع ذلك لم يقف هذا الإغراء أمام العبّاس(عليه السلام) لا في مقابل الامتناع عن شرب حرام ولا مكروه، بل في مقابل شرب حلال طيّب طاهر لم يكن يضرّ بالحسين وأهل بيته(عليهم السلام)؛ إذ لم يكن يؤخّره شيئاً عن إيصال الماء إليهم، وإنّما ذلك لمجرّد المواساة، ومع هذا أحسّ أنّ دينه ويقينه يمنعه عن هذا الشرب فقال:

والله ما هذا فعال دين
ولا فعال صادق اليقين

ولك أن تقايس بين اعتصام العبّاس(عليه السلام) ـ الذي لم يكن معصوماً بالمعنى المصطلح ـ عن شرب الماء حينما ملك المشرعة في يوم عاشوراء واعتصام يوسف(عليه السلام) عن العمل القبيح حينما راودته التي هو في بيتها؛ كي ترى أيّهما كان أشدّ؟ هل ترك شرب الماء والعطش حال بينهم وبين السماء كالدخان، أو ترك الزنا لدى طغيان شهوة الجنس بقوّة الشباب مع توفّر كلّ وسائل المعصية واختفاء كلّ الموانع الظاهريّة واجتماع كلّ المغريات الشهويّة؟! والله إنّ الأوّل لاَشدّ، إلّا أنّ لله في أرضه أولياء كالعبّاس(عليه السلام) لا يُعرفون إلّا بصدفة تتّفق كما اتّفقت للعبّاس(عليه السلام)، وإلّا فهم مجهولون في الأرض معروفون في السماء، ولقد عجبتْ من صبر الحسين(عليه السلام)وأصحابه ملائكة السماوات.

والحاصل: أنّ أصل مرتبة العصمة يمكن تحصيلها لشخص غير معصوم بالمعنى المصطلح، وإنّما الذي يختصّ به المعصومون بالمعنى المصطلح تزوّدهم بهذا المستوى من النورانيّة والشفّافيّة العاصمة عن المعصية من قبل الله، ومن