المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

167

المعصية؟ فلنقبل منكم أنّهم لم يكونوا يعصون، ولكن ما هذه المبالغة بالقول بعدم خطور المعصية في أذهانهم؟ فأجاب الشيعي بالبداهة وبمحض الفطرة: هل خطر ببالك يوماً ما أكل قاذورة الإنسان؟ فامتعض السائل من هذا الكلام وقال: كيف يخطر ببالي ذلك؟! فأجابه الشيعي أنّ المعصية عند أئمّتنا أخسّ وأقذر من هذا الشيء، فكيف تخطر ببالهم؟! إنّه جواب متين والتفاتة طريفة إلى دلالة الفطرة والوجدان على برهان العصمة.

الثالث: انكشاف الحجاب عن عين البصيرة ـ وليست الباصرة ـ كي يرى الإنسان شدّة العذاب وعظمة الثواب في يوم القيامة، كما وصف إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام) بذلك المتّقين في قوله في خطبة همام: «فهم والجنّة كمن قد رآها فهم فيها منعّمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذّبون... أمّا الليل فصافّون أقدامهم تالين لأجزاء القرآن يرتّلونها ترتيلاً، يحزّنون به أنفسهم ويستثيرون به دواء دائهم، فإذا مرّوا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعاً، وتطلّعت نفوسهم إليها شوقاً، وظنّوا أنّها نصب أعينهم، وإذا مرّوا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم، وظنّوا أنّ زفير جهنّم وشهيقها في اُصول آذانهم ...»(1)، وكيف يتصوّر صدور المعصية أو خطورها بالبال ممّن يقول: «لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً!»(2).

الرابع: اكتمال حبّ الله تعالى في قلب العبد المؤمن، فإنّه مع اكتمال حبّه لا يعقل صدور المعصية منه، وكيف لا وأنت ترى أنّ العشق المجازي بين الشباب والشابّات قد يصل إلى مستوى يستحيل صدور مخالفة المعشوق من العاشق،


(1) المصدر السابق.

(2) البحار 69: 209، الباب 33 من أبواب الايمان والكفر.