المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

169

العقلاء مهما كانوا عباقرة، فالذي حظي بهذا المقام فقد حظي بأعلى ما يمكن أن يتصوّر بشأن الإنسان من درك عظمة الربّ وجماله وجلاله، ومن درك حقيقة الطاعة وحقيقة المعصية، وخاصّة إذا كان الوحي بالتجلّي المباشر.

وأيضاً إنّ من يتّصل بالله تعالى بأقرب وسائل الاتّصال ـ ألا وهو الوحي ـ يتمكّن حبّ الله تعالى في قلبه بأعلى مستوى معقول، وقد قلنا: إنّ من يكتمل في حبّ الله يستحيل صدور المعصية منه.

وكذلك نقول: إنّ المتّصل بمنبع الوحي يكون اطّلاعه على الغيب ـ أعني عالم الآخرة ـ بأقوى مستوى ممكن للبشريّة من الاطّلاع، فهم والجنّة كمن قد رآها فهم فيها منعّمون، وهم والنّار كمن قد رآها فهم فيها معذّبون، فكيف يمكن لهكذا اُناس أن يعصوا؟

البرهان الثاني: إنّ الغرض المتوخّى من بعثة الأنبياء لهو هداية البشريّة ونشر نور الله تعالى في أرضه، وممارسة خلافة الله في أرضه بأكمل ما يكون، وهذا أمر يختلف عن مستوى الهداية التي تصدر من القادة الروحانيين الاعتياديين كالفقهاء العظام والعلماء الأعلام؛ فإنّهم لا يمارسون إلّا إعانة الخلق على الاستفادة من المنهل الإلهي العذب الذي فتح الله بابه للناس عن طريق الأنبياء، في حين أنّ أصل فتح باب تلك المناهل للناس إنّما هو بيد الأنبياء، وأصل الهداية إلى الله وإلى دينه وإلى رضوانه إنّما هو بهم، وليس العلماء إلّا اُولئك الثلّة الذين اغترفوا غرفة من بحر معرفة الأنبياء ليسقوا العطاشى بماء المعرفة بقدر إمكاناتهم؛ ولهذا شرطت العدالة في مراجع التقليد. أمّا الأنبياء فلا تكفي العدالة بشأنهم؛ لأنّ مفاتيح الهداية الأصليّة بيدهم، ولولا أن يستطيعوا جلب ثقة الاُمّة بأعلى مستوى الثقة لما تحقّق الهدف من إرسالهم، ولا يمكن جلب الثقة بهذا