258

وإن كان المقصود به البطلان والحرمة الوضعية فليس هذا إلّا إجماعاً منقولاً مع وجود بعض المخالفين على ما رواه الشيخ الأنصاري رحمه الله(1) عن تذكرة العلّامة عن بعض علمائنا.

وأمّا الوجه الثاني: وهو رواية حمّاد بن عيسى فقد عرفت أنّها مرفوعة، ولا حجّية لسندها.

على أنّها لو تمّت فهي لم تدلّ على أكثر من حرمة تمليكه للكافر؛ إذ لا أكثر من أنّها أمرت ببيعه من المسلمين ودفع ثمنه إيّاه، ولم تدلّ على خروجه من ملك الكافر قهراً حتّى تدلّ بالملازمة على عدم صحّة دخوله في ملك الكافر بالبيع.

وأمّا الوجه الثالث: وهو الاستدلال بمرسلة الصدوق: «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه». فقد أورد السيّد الخوئي رحمه الله في التنقيح(2) بأنّه مضافاً إلى ضعف السند إنّما يدلّ على أنّ الإسلام يعلو على غيره لوضوح برهانه واستقامة طريقه، لا أنّ المسلمين يعلون على غيرهم.

وأمّا الوجه الرابع: وهو الاستدلال بقوله تعالى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلَاݨݨݨݨً﴾ فتمام الآية ما يلي: ﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُوْنَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مَّنَ اللّٰهِ قَالُوْا أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيْبٌ قَالُوْا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مَّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللّٰهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلَاݨݨݨݨݨً﴾(3).

ولا علاقة للآية المباركة بنفي السبيل للكفّار على المؤمنين بعنوان حكم شرعي بمثل نفي الملكية، فإنّ قوله تعالى: ﴿فَاللّٰهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ...﴾


(1) کتاب المكاسب، ج3، ص581.

(2) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص201.

(3) النساء: 141.

259

واضح في النظر إلى عالم الآخرة، وقد أشار إلى ذلك شيخنا الأنصاري رحمه الله(1)، وليس هناك إلّا نفي السبيل التكويني، وذاك اليوم ليس يوم تشريع.

نعم، لو كانت الآية ناظرة إلى دار الدنيا أمكن حمل نفي السبيل على نفي السبيل التشريعي بقرينة وقوع السبيل التكويني للكفّار على المؤمنين في الدنيا كثيراً.

وأفاد السيّد الخوئي في التنقيح رحمه الله في المقام إشكالاً آخر، وهو «أنّ عنوان السبيل لا يصدق على مجرّد إنشاء البيع والملكية الاعتبارية من دون استيلاء خارجي»(2).

أقول: لعلّ الأولى تبديل عبارة «إنشاء البيع والملكية الاعتبارية» بعبارة «الملكية الاعتبارية»، ولعلّه هو المقصود له رحمه الله في المقام، فالمعنى: أنّ الآية لا تدلّ على أكثر من حجر الكافر عن التصرّف في العبد المسلم.

وللشيخ الأعظم رحمه الله مناقشات أُخرى في الاستدلال بالآية غير الإشارة إلى قوله تعالى: ﴿فَاللّٰهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾، راجعها في كتابه(3).

وهنا نقتصر نحن على نقل واحدة منها، وهي أنّ سياق الآية: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ...﴾ آبٍ عن التخصيص، فإنّه بيان لكون الجعل شيئاً لم يكن ولن يكون وأنّ نفي الجعل ناشٍ عن احترام المؤمن الذي لا يقيّد بحال دون حال، ونحن نعلم أنّ ملكية الكافر للمؤمن واقعة في طرف الاستدامة كما لو أسلم عبده غاية ما هناك وجوب أن يباع عليه وفي كثير من الفروع في الابتداء.

وفسّر السيّد الخوئي رحمه الله قول الشيخ رحمه الله: «وفي كثير من الفروع في الابتداء» بما نصّه في التنقيح ما يلي:

«وذلك لكثرة الموارد التي جاز بيع العبد المسلم من الكافر وتملّك الكافر له ولو آناً ما،


(1) کتاب المكاسب، ج3، ص584.

(2) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص197.

(3) کتاب المكاسب، ج3، ص584 _ 586.

260

فمنها ما إذا كان العبد ممّن ينعتق على الكافر كما إذا كان ولده أو أباه، ومنها ما إذا مات الكافر وانتقلت تركته إلى وارثه الكافر ومن جملتها العبد المسلم وغير ذلك من الموارد»(1).

أقول: لا ينبغي جعل الملكية آناً ما في مثل موارد الانعتاق نقضاً على عدم صحّة ملك الكافر للمسلم وموجباً لإبطال دلالة الآية بسبب كونها آبيةً عن التخصيص، فإنّنا لو قلنا: إنّ الملكية آناً ما ليست إلّا ملكية تقديرية لا حقيقية فمن الواضح أنّها لم تناف عدم صحّة ملكية الكافر للمسلم، ولو قلنا أنّها ملكية غير مستقرّة استطراقاً إلى الانعتاق فهذا لا يعتبر سبيلاً للكافر على المسلم يقيناً، فلا تشمله الآية المباركة.

والشيخ نفسه رحمه الله عقد بحثاً في مكاسبه حول ما عُدّ من مستثنيات عدم جواز تملّك الكافر للعبد المسلم:

أوّلها: ما إذا كان الشراء مستعقباً للانعتاق واقعاً بأن يكون ممّن ينعتق على الكافر قهراً كالأقارب(2)، وأفاد رحمه الله: أنّ الوجه في ذلك واضح... فإنّ مجرّد الملكية غير المستقرّة لا يعدّ سبيلاً، بل لم تعتبر الملكية إلّا مقدّمة للانعتاق.

ثانيها: ما إذا كان الشراء مستعقباً للانعتاق ظاهراً ككافر أقرّ بحرّية مسلم ثم اشتراه. هذا هو المثال الذي ذكره الشيخ الأنصاري لاستعقاب الشراء للحرّية(3).

ولكنّ السيّد الخوئي رحمه الله قسّم ذلك إلى قسمين ومثّل لكلّ قسم بمثال حيث أفاد: أنّ فرض الانعتاق ظاهريّاً يكون كما لو أقرّ الكافر بأنّ العبد من أقربائه(4) أو أنّه حرّ ونحن لا نعلم صدقه، فهو على قسمين: وذلك لأنّ الشراء على فرض صدق المعترف


(1) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص197.

(2) أي: الأقارب الذين ينعتقون.

(3) کتاب المكاسب، ج3، ص592 _ 600.

(4) يعني من الأقرباء الذين ينفقون على الشخص.

261

في اعترافه ربّما يكون في حدّ نفسه صحيحاً وموجباً للانعتاق(1)، وأُخرى يكون باطلاً وغير موجب للانعتاق(2)، والأوّل كما في المثال الأوّل والثاني كما في المثال الثاني(3).

وأفاد رحمه الله في القسم الأوّل: أنّه لا إشكال في صحّة البيع حينئذٍ؛ لأنّ المانع من صحّته ليس إلّا استلزامه السبيل على المسلم، وهو منتف؛ لأنّ المُقرّ مأخوذ بإقراره، وقد اعترف بأنّه ينعتق عليه قهراً، فلا سبيل والبيع صحيح(4).

وأمّا القسم الثاني وهو ما لو أقرّ الكافر بحرّية عبد مسلم وأراد مولى العبد الذي لا يعلم بصدق الكافر أو كذبه أن يبيع عبده من ذاك الكافر فقد أفاد الشيخ الأنصاري(قدس سره) أنّه: «يشكل بالعلم بفساد البيع على تقديري الصدق والكذب؛ لثبوت الخلل إمّا في المبيع لكونه حرّاً أو في المشتري لكونه كافراً، فلا يتصوّر صورة صحيحة لشراء من أقرّ بانعتاقه»(5).

وهذا الإشكال يمكن تفسيره بأحد تفسيرين:

الأوّل: أنّه يتولّد من هذا العلم الإجمالي علم تفصيلي بفساد البيع؛ إذ لو كان حرّاً فسد بيعه، ولو كان عبداً فسد بيعه من الكافر. ولعلّ هذا التفسير هو الظاهر من عبارة الشيخ الأنصاري التي نقلناها.

والثاني: أنّنا لو لم نفت بفساد بيع العبد المسلم من الكافر فلا شكّ أنّنا نفتي بحرمته، فلديه علم إجمالي إمّا بفساد البيع لكونه حرّاً أو بحرمته لكون المشتري كافراً.

ثم قال الشيخ الأنصاري رحمه الله: «إلّا أن نمنع اعتبار مثل هذا العلم الإجمالي. فتأمّل»(6).


(1) الموجود في الطبعة التي أشرنا إليها: «للانتقال» وهو غلط، والصحيح: «للانعتاق».

(1) الموجود في الطبعة التي أشرنا إليها: «للانتقال» وهو غلط، والصحيح: «للانعتاق».

(2) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص207.

(3) المصدر السابق.

(4) کتاب المكاسب، ج3، ص593 _ 594.

(5) المصدر السابق، ص594

262

وقد فسّر السيّد الخوئي رحمه الله _ على ما في التنقيح _ عبارة الشيخ: «إلّا أن نمنع اعتبار مثل هذا العلم الإجمالي» بأنّ الظاهر أنّه أشار بذلك إلى تفصيل صاحب الحدائق في تنجيز العلم الإجمالي، حيث ذكر أنّه إنّما يوجب التنجيز فيما إذا كان الحكم في كلّ واحد من الطرفين من سنخ واحد وكان لهما جامع حقيقي، وذلك كالعلم بنجاسة هذا الكأس أو ذاك الكأس؛ فإنّ الجامع بينهما وهو النجس مأمور بالاجتناب عنه على أيّ تقدير، وأمّا إذا كان الحكم فيهما من سنخين ولم يكن بينهما جامع حقيقي كما إذا كان العلم الإجمالي متعلّقاً بنجاسة الكأس الشرقي أو بغصبية الكأس الغربي فلا يكون العلم الإجمالي منجّزاً؛ لأنّ الجامع أمر انتزاعي، ولا جامع حقيقي بينهما، وليس شيء منهما معلوماً تفصيلاً، بل كلّ واحد منهما محتمل، وإن كان الشيخ الأنصاري رحمه الله قد أبطل هذا التفصيل في فرائده(1).

وأمّا أمر الشيخ رحمه الله بالتأمّل فقد أفاد السيّد الخوئي رحمه الله أنّه يمكن أن يكون إشارة إلى أنّ العلم الإجمالي في المقام قد تولّد منه العلم التفصيلي ببطلان المعاملة؛ لأنّا نعلم أنّ بيع هذا العبد باطل إمّا لأنّه حرّ وإمّا لحرمة بيعه من الكافر، وما ذكره صاحب الحدائق من التفصيل لو صحّ فإنّما يصحّ فيما إذا كان هناك طرفان، وأمّا إذا كان الطرف واحداً فلا محالة يتولّد العلم التفصيلي ببطلان المعاملة(2).

وأمّا ما ينبغي أن يقال في المقام فهو ما أفاده الشيخ النائيني رحمه الله _ على ما ورد في منية الطالب(3) _ من أنّ علمنا الإجمالي هنا لا يخلق مشكلة؛ لأنّه لو كان هذا العبد غير متحرّر في علم الله لكذب الكافر فيما ادّعاه، فلا الآية الكريمة _ بناء على تمامية


(1) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص207 _ 208.

(2) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص208. وقد وقع السهو من المقرّر أو من القلم أو من الطبّاع في ترك إرجاع هذا المقطع إلى تفسير الأمر بالتأمّل.

(3) منية الطالب، ج2، ص252.

263

الاستدلال بها _ تمنعنا عن بيعه إيݧّاه؛ إذ لا يخلق هذا البيع سبيلاً للكافر على هذا العبد؛ لأنّه يؤخذ بإقراره فلا يستطيع السيطرة عليه، ولا رواية وجوب بيع العبد المسلم الذي يملكه الكافر _ الدالݧّة بالملازمة على المنع عن بيع العبد المسلم إيݧّاه _ تشمله؛ لأنّ نفي هذا النمط من البيع إيݧّاه غير الموجب لهيمنة الكافر عليه ليس من لوازم وجوب بيعه من المسلمين.

وثالثها: ما لو قال الكافر للمسلم: أعتق عبدك عنّي بكذا فأعتقه.

وهذا كالقسم الأوّل أعني: شراء الأقارب الذين ينعتقون بالشراء أو أوضح من ذلك؛ فإنّنا لو قلنا بحصول الملكية التقديرية أو الملكية الآنية الاستطرادية إلى الانعتاق فكالأوّل، ولو قلنا بأنّه لا توجد ملكية لا التقديرية ولا الآنية الاستطراقية فأوضح، بل على حدّ تعبير السيّد الخوئي رحمه الله(1) ليس هذا أصلاً من المستثنيات؛ لأنّه لا ملكية أصلاً، من قبيل من أعتق عبده عن ميّت، وهذا لا ينافي ضمان الكافر لقيمة العبد للمسلم؛ لأنّه نظير ما لو أمرنا الحلّاق بحلق رأسنا فنضمن له قيمة الحلق؛ لأنّ الأمر بعمل محترم يستلزم ضمانه بقيمته.

ورابعها: ما لو اشترط البائع على المشتري الكافر عتق العبد بعد الانتقال إليه.

وقد أفاد الشيخ رحمه الله بعد فرض الملكية سبيلاً: أنّ استثناء ذلك لا يخلو من نظر؛ فإنّ ملكيته قبل الإعتاق سبيل وعلوّ، بل التحقيق أنّه لا فرق بين هذا وبين إجباره على بيعه في عدم انتفاء السبيل بمجرّد ذلك، فالملك المستقرّ ولو بالقابلية كمشروط العتق سبيل(2).

تملّك الکافر المسلم قهراً

ثم انتقل الشيخ رحمه الله من بعد هذا البحث إلى البحث عن حكم التملّك القهري للكافر، ومثاله: ما لو ورثه الكافر من كافر أُجبر على البيع، فمات قبله. وقد أفاد


(1) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص209.

(2) کتاب المكاسب، ج3، ص594.

264

الشيخ رحمه الله وقوع التعارض بين دليل نفي السبيل وعموم أدلّة الإرث، وأخذ يتكلّم عمّا هو المرجع بعد هذا التعارض كاستصحاب بقاء رقّية العبد(1).

وقد أفاد الشيخ النائيني رحمه الله في المقام _ على ما ورد في منية الطالب _(2): أنّ آية نفي السبيل لا تدلّ على نفي الملكية، بل تدلّ على نفي السلطنة، فلو قيل بأنّ المال ينتقل من المورّث الكافر إلى الوارث الكافر بمقتضى أدلّة الإرث ثم يحجره الحاكم ويبيعه عليه كحجر المورّث، لا يرد عليه محذور، والرواية الشريفة التي قالت: «اذهبوا فبيعوه من المسلمين وادفعوا ثمنه إلى صاحبه، ولا تقرّوه عنده»(3) أيضاً لم تدلّ على نفي التملّك رأساً بحيث ينعتق العبد المسلم على الكافر ويخرج عن ملكه إذا كانا كافرين وأسلم العبد، بل تدلّ على نفي الاستقرار، فتختصّ بما إذا حصل الملك القابل للاستقرار بالأسباب الاختيارية كالبيع ونحوه؛ إذ قد يقال عندئذٍ: إنّ النهي عن الملك نهيٌ عن سببه وهو البيع ومبطل له، وأمّا في باب الإرث فليس هناك سبب ومسبّب حتّى يقال: إنّ النهي عن المسبّب يقتضي الفساد.

ولو سلّمت دلالة آية نفي السبيل على نفي تملّك الكافر حتّى بالأسباب القهرية فلا وجه لتوهّم معارضتها مع أدلّة الإرث وتساقطهما ثم الرجوع إلى استصحاب بقاء العبد إلى عبوديّته؛ لأنّ أدلّة نفي السبيل حاكمة على أدلّة الإرث؛ لأنّ أدلّة الإرث إنّما تثبت الإرث للوارث بالعنوان الأوّلي، ولا تنظر إلى مسألة الموانع عن الإرث، فكما أنّ الدليل الدالّ على أنّ القاتل لا يرث حاكم على أدلّة الإرث فكذلك الدليل الدالّ على أنّ الكفر مانع.


(1) کتاب المکاسب، ج3، ص595.

(2) منية الطالب، ج2، ص255 _ 257.

(3) وسائل الشيعة، ج17، ص380، الباب28 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث الوحيد في الباب؛ وج23، ص109، الباب73 من كتاب العتق، الحديث الوحيد في الباب.

265

ولو سلّمنا عدم تملّك الكافر أصلاً حتّى بالأسباب القهرية قلنا: إنّ الإرث خارج عن هذا العنوان رأساً؛ لأنّ الإرث لا يعني تبدّل خيط الملك الذي ربط العبد بمالكه بخيط آخر جديد، بل الخيط باقٍ على ما هو عليه، وإنّما التحرّك وقع في شخص المالك حيث ذهب المالك الأوّل المورّث وأتى مكانه المالك الثاني الوارث(1).

وأورد على ذلك السيّد الخوئي رحمه الله بأنّ الملكية من الأُمور التي تكون قائمة بالطرفين، ولا يعقل بقاؤها مع انتفاء أحد طرفيها، فلا معنى لافتراض أنّ خيط الملكية هو الخيط السابق مع تبدّل شخص المالك، بل الواقع أنّ ملكية المورّث زالت، وتولّدت ملكية أُخرى للوارث(2).

وعلى أيّ حال فالصحيح ما مضى من قصور الأدلّة عن أصل إثبات عدم إمكان تملّك الكافر للمسلم بالملك الاختياري فضلاً عن القهري.

ثم انتقل الشيخ رحمه الله إلى البحث عن أنّه هل يلحق بالإرث كلّ ملك قهري، أو لا يلحق(3).

ومثّل لذلك الشيخ النائيني رحمه الله _ على ما في منية الطالب _ بدخول الكافر في من أوقف عليه العبد المسلم، أو الانتقال إليه بالانفساخ كما إذا تلف الثمن الشخصي الذي جعل بإزاء العبد قبل القبض أو الملك الحاصل له قهراً بالفسخ الاختياري من قِبل من انتقل إليه العبد المسلم(4).

وأفاد الشيخ النائيني رحمه الله أنّ إلحاق باقي أقسام الملك القهري بالإرث غير صحيح، لما قلنا: من أنّ آية نفي السبيل لو تمّت دلالتها لا تشمل الإرث؛ لأنّ الإرث ليس


(1) راجع منية الطالب، ج2، ص254 _ 255.

(2) راجع موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص211.

(3) کتاب المكاسب، ج3، ص596.

(4) منية الطالب، ج2، ص256.

266

تبديلاً في الملكية، فخيط الملكية هو الخيط السابق، وإنّما المالك تحرّك من مكانه فزال بالموت وجاء مالك آخر مكانه، وهذا بخلاف باقي أقسام الملك القهري فإنّها ترجع إلى أصل تبدّل خيط الملكية بخيط آخر، فبناءً على أنّ الآية تنفي الملكية الجديدة فهي تنفي هذه الملكية القهرية(1).

أقول: إنّ هذا يرد عليه نفس ما نقلناه عن السيّد الخوئي رحمه الله آنفاً.

وعلى أيّ حال فقد أفاد الشيخ الأنصاري رحمه الله: «هل يلحق بالإرث كلّ ملك قهري، أو لا يلحق أو يفرّق بين ما كان سببه اختياريّاً وغيره وجوه، خيرها أوسطها ثم أخيرها»(2) انتهى.

ومقصوده بالملك القهري الذي كان سببه اختياريّاً ما مضى مثاله عن الشيخ النائيني من الفسخ الاختياري من قِبل مسلم انتقل إليه العبد المسلم من الكافر، فهذا اختياري من قِبل هذا المسلم، ولكنّه قهري على الكافر.

وقوله رحمه الله: «خيرها أوسطها» يعني أنّ الأسباب القهرية الأُخرى لا تلحق بالإرث؛ لأنّ المفروض تمامية دلالة آية نفي السبيل، والمفروض تقدّمها على دليل البيع، فبنفس ملاك تقدّمها على دليل البيع تتقدّم على أدلّة الانفساخ القهري، أمّا في خصوص مسألة الإرث كان من الصعب تقدّمها على أدلّة الإرث؛ لأنّ عدم الإرث كان يعني بقاء العبد على ملك الميّت، وليس بقاء المال في ملك الميّت عقلائيّاً، فلقوّة دليل الإرث وقع التعارض بين دليل نفي السبيل ودليل الإرث، وليس الحال هكذا مع أدلّة الانفساخ القهري.

وقوله رحمه الله: «ثم أخيرها» يعني: إن لم نقبل بتقدّم دليل نفي السبيل علی أدلّة الانفساخ القهري فعلى الأقلّ يتقدّم على دليل الفسخ الاختياري من قِبل المسلم فيبطل فسخه كما يبطل بيعه بحسب الفرض.


(1) منية الطالب، ج2، ص256.

(2) کتاب المكاسب، ج3، ص596.

267

وعلى كلّ حال فهذه الأبحاث کلّها فرضية. فبعد ما عرفت من عدم تمامية الأدلّة على بطلان ملكية الكافر للمسلم اختياراً، فما رأيك في الملكيّات القهرية؟! وغاية الأمر حجره عن السيطرة على هذا العبد، فللوليّ الشرعي كحاكم الشرع بيعه عليه للمسلمين.

وعلى أيّ حال فبعد فرض تمامية الدليل على بطلان ملكية الكافر للمسلم ابتداءً أو تقدّمها على دليل البيع، وبعد فرض أنّ الإرث يختلف عن سائر الملكيّات _ إمّا بدعوى تسالم الأصحاب علی إرثه من الکافر، أو بدعوی قوّة دليل الإرث، أو بدعوى أنّ النهي عن الملك نهيٌ عن سببه وهو البيع والنهي عن البيع مبطل له، وأمّا في باب الإرث فليس هناك مسبّب تعلّق به النهي _ تصل النوبة إلى ما أفاده الشيخ من عدم صحّة عطف سائر الأسباب القهرية للملك على الإرث؛ لأنّ المفروض تمامية دلالة نفي السبيل وتقدّمها على دليل البيع، فبنفس ملاك تقدّمها على دليل البيع تتقدّم على أدلّة الانفساخ القهري.

ثبوت الخیار وعدمه في التملّك القهري

وبعد ذلك قال الشيخ رحمه الله ما مضمونه: إذا باعه الكافر المالك من المسلمين فالظاهر أنّه لا خيار له ولا عليه، وفاقاً للمحكي عن الحواشي في خيار المجلس والشرط(1)؛ لأنّه إحداث ملك فينتفي، لعموم نفي السبيل لتقديمه على أدلّة الخيار كما يقدّم على أدلّة البيع(2).

والمحتملات أو الوجوه التي يمكن أن تنتزع من عبارة الشيخ رحمه الله في هذا الفرع _ سواء ما نسبه إلى أحد أو ما ذكره كوجه من دون نسبته إلى أحد _ عديدة:


(1) فسّر محقّق الكتاب تحت الخطّ الحواشي بحواشي الشهيد، وقال: إنّه مخطوط ولا يوجد لدينا. نعم، حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة، ج4: ص180 (الطبع القدیم) وبالطبع الجدید: ج12، ص578.

(2) کتاب المكاسب، ج3، ص597.

268

الاحتمال الأوّل: أنّه لا خيار له ولا عليه. وقد نقله الشيخ رحمه الله عن حواشي الشهيد في خيار المجلس والشرط.

والدليل الذي ذكره الشيخ عليه: أنّ الفسخ إحداث لملك جديد فينتفي؛ لعموم نفي السبيل؛ لتقدّمه على أدلّة الخيار بنفس نكتة ما فرض في المقام من تقدّمه على أدلّة البيع(1).

«نعم، يحكم بالأرش لو كان العبد أو ثمنه معيباً»(2).

والاحتمال الثاني: عكس الاحتمال الأوّل تماماً، وهو عدم الفرق بين هذا العقد والعقود الأُخرى تماماً، فيجري فيه ما يجري فيها. وقد نقل الشيخ(3) ذلك عن الدروس(4) وعن صدر كلام جامع المقاصد، ونقل عن جامع المقاصد الاستدلال عليه بأنّ العقد لا يخرج عن مقتضاه بكون المبيع عبداً مسلماً لكافر؛ لأنّ المقتضي لنفي السبيل لو اقتضى ذلك لاقتضى خروجه عن ملكه، فعلى هذا لو كان البيع معاطاة فهي على حكمها، ولو أخرجه عن ملكه بالهبة جرت فيه أحكامها(5).

والاحتمال الثالث: تفصيل بين الخيارات الثابتة بمجرّد التعبّد الشرعي كخيار المجلس والحيوان وغيرها. وهذا ما نقله الشيخ عن ذيل كلام جامع المقاصد، ونصّه ما يلي: «نعم، لا يبعد أن يقال: للحاكم إلزامه بإسقاط نحو خيار المجلس أو مطالبته بسبب ناقل يمنع الرجوع إذا لم يلزم منه تخسير المال»(6). ثم أفاد الشيخ تعليقاً على قول جامع المقاصد: «لا يبعد أن يقال: للحاكم إلزامه...» أنّ إلزامه بما ذكر ليس


(1) کتاب المكاسب، ج3، ص597.

(2) هذه العبارة جاءت في کتاب المكاسب، ج3، ص597.

(3) کتاب المكاسب، ج3، ص598.

(4) الدروس، ج3، ص199.

(5) جامع المقاصد، ج4، ص65

(6) المصدر السابق، ص63.

269

بأولى من الحكم بعدم جواز الرجوع، فيكون خروج المسلم من ملك الكافر إلى ملك المسلم بمنزلة التصرّف المانع من الفسخ والرجوع(1).

والاحتمال الرابع: التفصيل في الخيارات الناشئة عن الضرر بين الضرر المتوجّه إلى المسلم كغبنه فتجري، لقوّة أدلّة نفي الضرر فلا يبعد الحكم بثبوت الخيار للمسلم المتضرّر من لزوم البيع، بخلاف ما لو تضرّر الكافر فإنّ هذا الضرر إنّما حصل من كفره الموجب لعدم قابليّته تملّك المسلم إلّا فيما خرج بالنصّ(2).

والاحتمال الخامس: أن تبتني المسألة على أنّ الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد(3).

وهناك احتمال سادس: جاء في منية الطالب(4) ناسباً له أيضاً إلى ما يوجد من الاحتمالات المذكورة في مكاسب الشيخ، وهو التفصيل بين الخيارات الثابتة من غير ناحية الضرر فلا يثبت حتّى خيار الشرط وبين الثابتة من ناحية الضرر كخيار الغبن والعيب ونحوهما.

والظاهر أنّ هذا مستنبط من جزء كلام في المكاسب مع تقطيعه عن جزئه الأخير، وذاك الكلام ما يلي: «ويشكل ]يعني سقوط الخيار[ في الخيارات الناشئة عن الضرر من جهة قوّة أدلّة نفي الضرر، فلا يبعد الحكم بثبوت الخيار للمسلم المتضرّر من لزوم البيع، بخلاف ما لو تضرّر الكافر، فإنّ هذا الضرر إنّما حصل من كفره الموجب لعدم قابليّته تملّك المسلم إلّا فيما خرج بالنصّ»(5). وهذه العبارة هي العبارة التي فهمنا


(1) کتاب المکاسب، ج3، ص598 _ 599.

(2) المصدر السابق، ص597.

(3) المصدر السابق.

(4) منية الطالب، ج2، ص258.

(5) کتاب المكاسب، ج3، ص597

270

منها ما مضى من الاحتمال الرابع، ولكن حينما يؤخذ منها المقطع الأوّل فحسب أعني: «ويشكل في الخيارات الناشئة عن الضرر من جهة قوّة أدلّة نفي الضرر» يُفهم منه هذا الاحتمال السادس.

وعليه، فلنبحث هذه الاحتمالات الستّة تباعاً:

أمّا الاحتمال الأوّل: فهو أنّه لا خيار له ولا عليه. نعم، لو كان الخيار خيار العيب فلا بأس بثبوت الأرش.

والدليل الذي ذكره الشيخ عليه هو أنّ الفسخ إحداث لملك جديد فينتفي، لعموم نفي السبيل، لتقدّمه على أدلّة الخيار بنفس نكتة ما فرض في المقام من تقدّمه على أدلّة البيع.

والظاهر أنّ هذا الدليل _ بعد فرض تسليم المبنى من تمامية دلالة نفي السبيل على بطلان البيع _ لا يرد عليه شيء إلّا أدلّة سائر المحتملات التي تنفي هذا الاحتمال، إمّا تماماً كما هو الحال في المحتمل الثاني الذي هو عكس المحتمل الأوّل، أو في بعض الموارد كما هو الحال في باقي المحتملات، فلنرجع إلى سائر المحتملات:

وأمّا الاحتمال الثاني: وهو عدم الفرق بين هذا العقد والعقود الأُخرى تماماً، فيجري فيه ما يجري فيها من حقّ فسخ أو تزلزل أو غير ذلك، فقد نقل الشيخ عن جامع المقاصد الاستدلال عليه بأنّ المقتضي لنفي السبيل لو اقتضى المنع عن التزلزل أو الخيار لاقتضى خروجه عن ملكه من أوّل الأمر، والمفروض أنّه كان قد ملكه من أوّل الأمر ولهذا باعه، ووقع الكلام في حقّ الفسخ(1).

أقول: لئن كان من ناحية من مسلّمات الفقه أنّ العبد والمولى لو كانا كافرين ثم أسلم العبد أو كانا مسلمين ثم كفر المولى لم يخرج عن ملكه ولم يكن شيء أكثر من


(1) مضى في بيان الاحتمال الثاني نقله عن کتاب المكاسب، ج3، ص598.

271

الحجر، أو استفدنا ذلك من أمر أمير المؤمنين عليه السلام ببيعه من المسلمين وتسليم ثمنه إلى المولى الكافر، وافترضنا من ناحية أُخرى دلالة نفي السبيل على عدم إمكانية تملّك الكافر للمسلم ابتداءً فليس من الصحيح جعل عدم انعتاقه عليه في الفرض الأوّل نقضاً على بطلان إدخال المسلم في ملك الكافر ببيع أو فسخ.

نعم، تبقى المناقشة في أصل دلالة نفي السبيل على ذلك، وهذا ما أشرنا إليه قبل أسطُر بقولنا: «بعد فرض تسليم المبنى...».

وأمّا الاحتمال الثالث: وهو التفصيل بين الخيارات الثابتة بمجرّد التعبّد الشرعي _ كخياري المجلس والحيوان _ وغيرها فهذا ما مضى منّا نقله عن الشيخ الأنصاري عن ذيل كلام جامع المقاصد، وهو أضعف من صدر كلامه من أنّ نفي السبيل لو اقتضى خروج العقد عن مقتضاه من التزلزل الحكمي كما في المعاطاة أو الهبة، أو التزلزل الحقّي كخيار العيب لاقتضى خروج العبد عن ملكه، فكما لا يقتضي الثاني لا يقتضي الأوّل.

والوجه في الأضعفية هو أنّه لا مبرّر لاستثناء الخيارات الثابتة بمجرّد التعبّد الشرعي كخياري المجلس والحيوان عن باقي الخيارات وتسليم سقوطها أو ما يشبه سقوطها إلّا توهّم أضعفية الحقّ التعبّدي المحض من الحقّ الذي له نكتة عقلائية، فكأنّها لا تقاوم الدليل الذي ذكره، في حين أنّه لو سلّمت الأضعفية فلا يوجب ذلك سقوطه أمام الدليل لو تمّ ذاك الدليل.

وأمّا الاحتمال الرابع: وهو التفصيل في الخيارات الناشئة عن الضرر بين الضرر المتوجّه إلى المسلم كغبنه والضرر المتوجّه إلى الكافر فقد ذكر له الشيخ رحمه الله تقريباً، وهو أنّه لو كان الضرر متوجّهاً إلى المسلم كالغبن فلا يبعد الحكم بثبوت الخيار للمسلم المتضرّر من لزوم البيع من جهة قوّة أدلّة نفي الضرر، بخلاف ما لو تضرّر الكافر، فإنّ هذا الضرر إنّما حصل من كفره الموجب لعدم قابليّته تملّك المسلم إلّا فيما خرج بالنصّ(1).


(1) کتاب المكاسب، ج3، ص597.

272

وقد أورد عليه الشيخ النائيني رحمه الله _ بحسب ما ورد في منية الطالب(1) _ بإيرادين:

أحدهما(2): أنّ التفصيل بين المسلم والكافر لا وجه له؛ لأنّ الكافر لم يقدم على الضرر، وإنّما أقدم على الكفر، فكيف لا يثبت له الخيار؟ فإنّ الإقدام على نفس الضرر هو الموجب لعدم جريان قاعدة لا ضرر، لا الإقدام على المقدّمات الإعدادية لجعل الحكم الضرري.

فكأنّ الشيخ النائيني رحمه الله جعل كفر هذا الكافر مقدّمة إعدادية لجعل الحكم الضرري وهو اللزوم، فأفاد أنّ كون المقدّمة الإعدادية بسوء اختيار المكلّف لا يسقط قاعدة نفي الضرر، أو قل: لا يوجب عدم نفي الحكم الضرري تماماً، من قبيل ما لو فرضنا أنّ أحداً لم يحفظ نفسه من البرد فمرض وصار الوضوء في حقّه ضرريّاً، أفهل يمكن أن يقال بأنّه لابدّ له من الوضوء لكونه هو السبب لتضرّره؟ كلّا بل يقال: إنّ الوضوء أو حكم الشارع عليه بالوضوء ضرري في حقّه، فيرتفع، وكم له من نظير؟! وفي المقام الضرر ناشئ من حكم الشارع بلزوم العقد بالنسبة إلى الكافر، وهذا الحكم ضرري، فيرتفع بأدلّة لا ضرر.

وأورد على ذلك السيّد الخوئي رحمه الله على ما في التنقيح(3) بأنّه فرق بين المقام وبين غيره من الموارد التي ذكرها(4) بأنّه لا يوجد في المقام أصلاً لزوم حتّى ينفی بقاعدة نفي الضرر، فالبيع جائز ومن حقّ الكافر أن يفسخه ولو بأن يسلم ويفسخ، وعدم قبول الفسخ منه إنّما جاء من كفره، فكفره ليس مقدّمة إعدادية أوجبت لزوماً ضرريّاً عليه،


(1) منية الطالب، ج2، ص260.

(2) وهذا بحسب الترقيم الوارد في منية الطالب هو الإيراد الثاني.

(3) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص217 _ 218.

(4) لا يوجد في منية الطالب ولا في تقرير الشيخ الآملي(رحمه الله) التمثيل بموارد أُخرى كمن لم يحفظ نفسه من البرد فمرض وصار الوضوء في حقّه ضرريّاً، ولعلّ السيّد الخوئي(رحمه الله) ينقل ذلك مباشرة عن درس أُستاذه الشيخ النائيني(قدس سره).

273

وإنّما الضرر عليه حصل من قبل نفسه بكفره، فلا معنى لرفعه بلا ضرر.

والإيراد الثاني: _ من إيرادي الشيخ النائيني _ هو: أنّ قاعدة نفي الضرر لا تقتضي الخيار أصلاً، وإنّما الخيار ينشأ إمّا بجعل شرعي كما في خياري المجلس والحيوان أو بشرط صريح أو ضمني كما في غير الخيارات المجعولة الشرعية(1).

وهذا الإيراد أيّده السيّد الخوئي رحمه الله أيضاً(2).

هذا، والشيخ النائيني رحمه الله أورد في منية الطالب إيراداً آخر على الشيخ الأنصاري ضمن أحد إيراديه الماضيين(3) حيث جعل الشيخ قوّة أدلّة نفي الضرر مؤيّدة للحكم بثبوت الخيار للمسلم المتضرّر من لزوم البيع، فأورد عليه في منية الطالب بأنّ أقوائية نفي الضرر من نفي السبيل غير معلومة؛ لأنّ كلّاً منهما حاكمة على أدلّة الأحكام، ولا منشأ لأظهرية نفي الضرر، بل العكس هو المتعيّن، فإنّ آية نفي السبيل آبية عن التخصيص.

وأمّا الاحتمال الخامس: وهو أن تبتنی المسألة على أنّ الزائل العائد كالذي لم يزُل أو كالذي لم يعُد فحاصله: أنّ المفروض أنّ الملكية الابتدائية للكافر لعبد مسلم ثابتة، فإذا باعه من مسلم فالخيارات تثبت للمسلم وللكافر بناء على أنّ الزائل العائد كالذي لم يزُل؛ لأنّه تكون ملكيّته بعد إعمال الخيار كأنّها هي الملكية الابتدائية، وقد فرضنا عدم الإشكال فيها، ولا تثبت بناء على أنّ الزائل العائد كأنّها لم تعُد، فتكون هذه ملكية جديدة منفية بنفي السبيل، وقد قال الشيخ: «لكن هذا المبنی ليس بشيء؛ لوجوب الاقتصار في تخصيص نفي السبيل على المتيقّن»(4)، وقد أيّده الشيخ النائيني رحمه الله


(1) راجع منية الطالب، ج2، ص259 و260. وشرح ذلك يحال على بحث الخيارات.

(2) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص218.

(3) أي: ضمن إيراده الأوّل بحسب ترقيم منية الطالب، ج2، ص260، والإيراد الثاني بحسب ترقيمنا قبل أسطر.

(4) کتاب المكاسب، ج3، ص597.

274

في منية الطالب بقوله: «مضافاً إلى ما أورده المصنّف ]يعني الشيخ الأنصاري رحمه الله[ عليها من أنّها لا تبتني على أساس ولا كبرى لها لا عقلاً ولا شرعاً _ لا تنطبق على المقام؛ فإنّ هذه القاعدة أُسّست فيما لو رجع ما انتقل عن المشتري إليه بسبب جديد أو بفسخ ونحوه وكان له أو للبائع الأوّل الخيار، فلو قيل بأنّ الزائل عن ملك المشتري العائد إليه بمنزلة غير الزائل _ أي كأنّه لم يخرج عن ملكه _ فالمبيع قائم بعينه، فللبائع الأوّل أو المشتري الأوّل الفسخ بالخیار. ولو قيل بأنّه كالذي لم يعد _ أي: كأنّه باقٍ في ملك الثالث الذي هو المشتري الثاني _ فليس المبيع قائماً بعينه، فليس للبائع ولا للمشتري الأوّل الفسخ، وفي المقام ثبوت الخيار من أصله مشكوك، أي: لم يعلم قابلية المبيع للعود حتّى يقال: إنّ الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يَعُد»(1).

وأمّا الاحتمال السادس: وهو التفصيل بين الخيارات الثابتة من غير ناحية الضرر فلا يثبت حتّى خيار الشرط، والثابتة من ناحية الضرر كخيار الغبن والعيب ونحوهما فدليله هو عين دليل الاحتمال الرابع، وهو قوّة قاعدة نفي الضرر مع حذف الفرق بين المسلم والكافر.

وقد اتّضحت مناقشات ذلك ممّا مضى من مناقشات الاحتمال الرابع:

فأوّلاً: حذف الفرق بين المسلم والكافر يعدّ نقطة ضعف في هذا الوجه، كما اتّضح ممّا مضى من السيّد الخوئي رحمه الله من بيان قوّة هذا الفرق.

وثانياً: ما مضى عن الشيخ النائيني رحمه الله من أنّ أقوائية نفي الضرر من نفي السبيل غير معلومة؛ لأنّ كلّ واحد منهما حاكمة على أدلّة الأحكام، بل آية نفي السبيل أقوى؛ لأنّها آبية عن التخصيص.

وثالثاً: ما مضى عن الشيخ النائيني وعن السيّد الخوئي؟رحهما؟ من أنّ دليل نفي الضرر ليس من أدلّة الخيارات.


(1) منية الطالب، ج2، ص259.

275

وأخيراً ذكر الشيخ رحمه الله: فيما لو باع الكافر عبده المسلم من مسلم بثوب ثم وجد في الثمن عيباً أمكن أن يقال: إنّ مقتضى الجمع بين أدلّة الخيار ونفي السبيل ثبوت الخيار والحكم بالقيمة، فيكون نفي السبيل مانعاً شرعيّاً من استرداد المثمن، كنقل المبيع في زمن الخيار وكالتلف الذي هو مانع عقلي.

إلّا أن يقال: إنّ مجرّد استحقاق الكافر الاستطراقي للمسلم المنكشف باستحقاق بدله يعتبر سبيلاً.

قال رحمه الله: ولذا حكموا بسقوط الخيار فيمن ينعتق على المشتري ]يعني: لو كان للبائع خيار ففسخ ورجع إلى القيمة لكان يعني ذلك التملّك الاستطراقي للمشتري لمن ينعتق عليه[.

ثم أمر رحمه الله بالتأمّل، ولعلّه إشارة إلى وضوح عدم كون الملكية الاستطراقية سبيلاً(1).

أقول: إنّ أصل الملكية الاستطراقية في المقام غير ثابت؛ فإنّ فسخ العقد إنّما يوجب رجوع العين إلى المالك الأوّل عند إمكان ذلك، وأمّا مع فرض وجود مانع شرعي ككفر المولى، أو مانع عقلي كما في موارد التلف ففسخ العقد لا يقتضي إلّا الرجوع إلى البدل، فإنّ هذا هو القدر المتيقّن الذي لا شكّ فيه لدى الفسخ، أمّا دعوى الملكية الاستطراقية فلا تكون إلّا على أساس اقتضاء التفسير العقلائي لتفسير الرجوع، وهذا التفسير لا دليل على حجّيته.

أمّا في مورد التلف فلا أظنّ أن يكون للعقلاء تفسير من هذا القبيل، فهل يا تُرى إنّ الرجوع إلى البدل في مورد التلف أو الموت يفسّره العقلاء بالملكية الاستطراقية للتالف المنتهي؟


(1) کتاب المکاسب، ج3، ص599 _ 600.

276

بيع المصحف من الکافر

قال الشيخ الأنصاري رحمه الله: «المشهور عدم جواز نقل المصحف إلى الكافر، ذكره الشيخ والمحقّق في الجهاد والعلّامة في كتبه وجمهور من تأخّر عنه، وعن الإسكافي أنّه قال: ولا أختار أن يرهن الكافر مصحفاً، ولا ما يجب على المسلم تعظيمه، ولا صغيراً من الأطفال، انتهى. واستدلّوا عليه بوجوب احترام المصحف، وفحوى المنع من بيع العبد المسلم من الكافر. وما ذكروه حسن وإن كان وجهه لا يخلو عن تأمّل أو منع»(1).

وقال السيّد الخوئي رحمه الله على ما في التنقيح: «ولا ينقضي تعجّبي عن الشيخ الأنصاري(قدس سره) كيف ذكر قوله هذا: (وما ذكروه حسن وإن كان وجهه لا يخلو عن تأمّل أو منع...)؛ بداهة أنّه لو لم يكن الدليل تامّاً كيف يكون الإفتاء بالدليل غير التامّ حسناً؟!»(2).

أقول: لعلّ مقصود الشيخ رحمه الله أنّ ما ذكروه من عدم نقل المصحف إلى الكافر فعلٌ حسن أو احتياطٌ حسن، ولكنّ الدليل غير تامّ.

وعلى أيّ حال فأنت ترى أنّ عمدة الدليل على الحكم دعوى لزوم الإهانة ومخالفة الاحترام للقرآن.

ومن الواضح أنّه لا ملازمة بين نقله إلى ملك الكافر ولا تسليطه الخارجي عليه وبين الإهانة، بل قد يكون ذلك موجباً لنشر الكتاب الكريم وإكمال الحجّة على الكافر، وقد يكون موجباً لهدايته.

وقد قال السيّد الخوئي رحمه الله: «إنّ نقل المصحف إلى الكافر قد يوجب احترامه وتعظيمه؛ لأنّه يطّلع على معارفه وقواعده وإن لم يؤمن به، وقد يكون هذا سبباً لهدايته»(3).


(1) کتاب المكاسب، ج3، ص601 _ 602.

(2) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص225.

(3) المصدر السابق، ص233.

277

وقد قال السيّد الإمام رحمه الله: «الإنصاف أنّه لم يدلّ دليل على حرمة النقل أو عدم تملّك الكافر إيّاه أو سائر الكتب المقدّسة، فمقتضى القاعدة صحّة نقله إليه وتملّكه له على نحو ما صحّ للمسلم»(1).


(1) كتاب البيع، ج2، ص727.

279

 

 

 

شرائط العوضين

 

 

 

 

281

 

 

 

الشرط الأوّل: المالية

أوّل شرط يذكر عادة في العوضين هو المالية، وقد ذكر الشيخ رحمه الله: «إنّ ما تحقّق أنّه ليس بمال عرفاً فلا إشكال ولا خلاف في عدم جواز وقوعه أحد العوضين»(1).

وعلى أيّة حال فلا إشكال في أصل هذا الشرط في الجملة، لا لما ورد في مثل المصباح المنير من قوله: «والأصل في البيع مبادلة مال بمال...»(2)، حتّى يقال: إنّ تعاريف اللغويّين لفظية ومن قبيل شرح الاسم وغير مبنية على التدقيق(3)، بل لما لا يشكّ فيه العرف ولا العقلاء في الجملة من عدم صحّة البيع ولا التجارة ولا العقد على ما لا مالية له، فلا يشمله قوله تعالى: ﴿أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ﴾(4)، ولا قوله تعالى: ﴿أَوْفُوْا بِالْعُقُودِ﴾(5)، ولا قوله تعالى: ﴿إلَّا أَنْ تَكُوْنَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ﴾(6)، ولا سائر الأدلّة.


(1) كتاب المكاسب، ج4، ص10.

(2) المصباح المنير، ص69، مادّة «بيع».

(3) ولا لقاعدة «لا بيع إلّا في ملك»، فإنّه لو سلّمنا هذه القاعدة فالنسبة بين المالية والملكية عموم من وجه فكما أنّه ربّ مال لا يكون ملكاً كما في المال المسروق كذلك ربّ ملك لا يكون مالاً، كما لو حاز شيئاً من الديدان أو الخنفسان التي لا تعتبر لها مالية ولكنّه حازها للتلهّي بها مثلاً فملكها بالحيازة.

(4) البقرة: 275.

(5) المائدة: 1

(6) النساء: 29.

282

إلّا أنّه يقع الكلام في أنّه ما هي الأُمور التي يحترز عنها بهذا القيد؟ فإنّ ما يعبّر عنها بتعبير «لا مالية له» يمكن أن يكون عديداً من الأُمور من قبيل:

1_ الأُمور الخسيسة كالحشرات، من قبيل الخنافس والديدان.

2_ الشيء القليل كحبّة من الحنطة أو من الأُرز.

3_ ما حرّمت الشريعة الانتفاع به كالخمر ولحم الخنزير.

فالأُمور التي لا تعتبر لها مالية كالخنافس والديدان لا شكّ في أنّه لا يرى عرفاً وعقلائيّاً احترام لبيعها أو العقد عليها أو الاتّجار بها، بل يُرى كلّ هذا أمراً سفهيّاً ولغواً.

ولكن لو اتفقت ثبوت مالية لها لشخص مّا خرج بيعها أو الاتّجار بها والعقد عليها عن السفه أو عدم العقلائية أو عدم الاحترام، فلو اتّفق لأحدٍ إمكان أن يصنع دواءً نافعاً من بعض الحشرات خرجت تلك الحشرة له عن عدم المالية.

والأمر أوضح في مثل حبّة من الحنطة أو الأُرز، فمن نفعته تلك الحبّة للزرع مثلاً كانت الحبّة لها مالية محترمة عنده فقد يُقدم على شرائه من دون سفه أو لغوية.

وأيضاً الأمر واضح فيما لو رأى شخص خطّ جدّه أو صورته مثلاً عند شخص وكان مشتاقاً إليه في حين أنّه لا مالية له لدى الناس الاعتياديّين، ولكن هذا الشخص يستعدّ لشرائه بأعلى الأثمان(1).

أمّا حرمة منافعه شرعاً كالخمر أو لحم الخنزير فلا نتمسّك لإبطال بيعه بحديث تحف العقول: «...وأمّا وجوه الحرام من البيع والشراء... نظير البيع بالربا أو بيع الميتة أو الدم أو لحم الخنزير أو لحوم السباع من صنوف سباع الوحش أو الطير أو جلودها أو الخمر أو شيء من وجوه النجس فهذا كلّه حرام محرّم...»(2) حتّى يناقش في أصل


(1) وإن شئت فعبّر بما عبّر به السيّد الخوئي(رحمه الله) في التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص226 _ 227). من أنّ الشرط في الحقيقة هو عنوان الغرض العقلائي وعدم السفه عرفاً، لا عنوان المالية العرفية.

(2) أخذناه من کتاب المكاسب، ج1، ص7.