306

ج _ الاحتفاظ باللقطة كأمانة

وهذا يمكن إثبات جوازه تارة بمقتضى القواعد، وأُخرى بالنصّ الخاص.

أمّا بمقتضى القواعد: فإمّا بأن يقال: إذا جاز التملّك فبالفحوى العرفيّة يجوز حفظها كأمانة، وإمّا بأن يقال: إنّ دليل التملّك لا يستفاد منه أكثر من الرخصة، ودليل التصدّق في غير لقطة الحرم وما لا يمكن تعريفه أيضاً لا يستفاد منه الوجوب، واحتمال كون جواز الالتقاط منوطاً بالتملّك أو التصدّق غير وارد؛ لما دلّت عليه بعض روايات الالتقاط من كون المناط في جواز الالتقاط هو الالتزام بالتعريف، وعند الشك في وجوب الجامع بين التملّك والتصدّق في مقابل الاحتفاظ كأمانة نجري البراءة عن الوجوب(1) وأصالة جواز الاحتفاظ كأمانة، فإذا احتفظ بها كأمانة وتلفت من دون تفريط لم يكن هناك دليل على الضمان.

إلا أنّ إثبات جواز الاحتفاظ باللقطة كأمانة بمقتضى القواعد يتوقّف على إثبات كون الملكية في اللقطة اختيارية لا قهرية، وإلا فلا معنى للاحتفاظ بها كأمانة، ويبقى ضامناً لو وجد بعد ذلك المالك الأصلي وكان المال تالفاً ولو بلا تفريط.

وأمّا بمقتضى النص الخاص: فلو ثبت حقاً نص خاص يدل على ذلك كان بنفسه دليلاً على عدم كون الملك قهرياً، فيحمل دليل الملك على الملك الاختياري. وما يمكن افتراضه نصّاً خاصّاً بهذا الصدد روايتان:

الأُولى: رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(علیه السلام): «وسألته عن الرجل يصيب اللقطة دراهم أو ثوباً أو دابّة، كيف يصنع؟ قال: يعرّفها سنة، فإن لم يعرف صاحبها حفظها في عرض ماله حتّى يجيء طالبها فيعطيها إياه، وإن مات أوصى

 


(1) قد يقال: إنّه لو لم يتملّك المال ولم يتصدّق به لم تصل النوبة إلى الاحتفاظ بالمال كأمانة إذا كان من الممكن إيصال المال إلى وليّ مالكه وهو الحاكم الشرعي، فالعمدة في إثبات جواز الابقاء كأمانة هي فحوى جواز التملّك.

307

بها، فإن أصابها شيء فهو ضامن»(1) هكذا رواه في الوسائل، ورواه أيضاً في الباب۲٠ من اللقطة(2) عن التهذيب(3) مع حذف كلمة «صاحبها»، وتبديل قوله: «فإن أصابها شيء فهو ضامن» بقوله: «وهو لها ضامن».

وجه الاستدلال بهذه الرواية هو حمل قوله: «حفظها في عرض ماله» على معنى حفظها كأمانة.

ويمكن المناقشة في هذا الاستدلال بعدّة وجوه:

الأوّل: إنّ كلمة «صاحبها» غير موجودة في الفقيه ولا في التهذيب، وعلى تقدير عدم وجود هذه الكلمة لا ندري كيف تقرأ كلمة «فإن لم يعرف»، هل بتخفيف الراء أو بتشديده؟

فإن كان بتخفيف الراء لم يختلف المعنى، فتكون معنى الرواية أنّه لو عرّفها سنة ولم يعرف صاحبها حفظها في عرض ماله. أمّا لو كان بتشديد الراء فيصبح المعنى أنّه لو لم يعرّف اللقطة وجب حفظها في عرض ماله حتّى يأتي صاحبها، وعلى هذا المعنى يسقط الحديث عن الدلالة على المقصود من حفظ المال كأمانة بعد تعريف سنة، ويصبح مفاد الحديث: أنّ التعريف غير واجب، فيجوز ترك التعريف شريطة أن يحتفظ بالمال كأمانة، فكأنّ التملّك والتصدّق هما حكم فرض التعريف، والحفظ كأمانة هو حكم فرض عدم التعريف.

قد يقال في قبال ذلك: إنّ أدلّة وجوب التعريف تصبح قرينة على أنّ كلمة «لم يعرف» هنا تكون بتخفيف الراء.

ولكن الصحيح أنّ الكلام المبيّن قد يصلح تفسيراً للكلام المجمل بعد تعيّن عبارة

 


(1) وسائل الشيعة، ج25، ص445، الباب2 من كتاب اللقطة، ح۱۳.

(2) المصدر السابق، ص446، ح2.

(3) تهذيب الأحكام، ج6، ص397، باب اللقطة والضالة، ح38

308

ذاك المجمل، أمّا إذا كان المجمل إنّما أصبح مجملاً بعدم تعيّن عبارته فعلى أحد الفرضين يكون معارضاً للمبيّن، فذاك المبيّن لا يستطيع أن ينفي ذلك الفرض، إلا إذا فرضنا العلم الإجمالي بأنّه إمّا ذاك المبيّن غير صحيح، أو أنّ ذاك الفرض غير واقع، ولكن ليس لنا في المقام علم إجمالي كذلك.

نعم، يبقى المبيّن على حجّيته؛ لعدم تيقّن ابتلائه بالمعارض ما لم يحقّق المجمل علماً إجماليّاً منجّزاً أحد طرفيه عبارة عن ابتلاء المبيّن بالمعارض، وتمام الكلام في ذلك موكول إلى علم الأصول.

ولا مخلص عن هذا الإشكال إلا فرض كون أدلّة وجوب التعريف مفيدة للاطمئنان بوجوب التعريف والاطمئنان بأنّ كلمة «لم يعرف» هنا بالتخفيف، وأمّا لو فرضنا الاطمئنان بوجوب التعريف مع عدم الاطمئنان بأنّ كلمة «لم يعرف» هنا بالتخفيف فالنتيجة هي سقوط هذه الرواية عن الحجّية.

وقد يقال: إنّ النقل الذي جاء فيه كلمة «صاحبها» باقٍ على حجّيته، فنتمسّك به، فإنّ النقل الذي حذف فيه كلمة «صاحبها» ليس فيه دلالة على خطاء النقل الذي فيه تلك الكلمة؛ إذ لا يدل على ذلك إلا على تقدير كون كلمة «يعرف» بالتشديد ولم يثبت، إذاً نبقى نتمسّك بحجّية النقل الذي فيه كلمة «صاحبها».

إلا أنّ هذا الكلام غير صحيح؛ لأنّ صاحب الوسائل نقل هذا الحديث مع كلمة «صاحبها» في الباب الثاني من اللقطة عن عبدالله بن جعفر في قرب الإسناد عن عبدالله بن الحسن عن جدّه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(علیه السلام)، وهذا السند ضعيف بعبدالله بن جعفر، وهو وإن ذكر أخيراً أنّه «رواه علي بن جعفر في كتابه» وهذا تام السند، لكنّنا لا ندري أنّ نسخة كتاب علي بن جعفر هل هي مشتملة على كلمة «صاحبها» أو لا؟ ويبدو أنّ صاحب الوسائل(رحمه الله) لم يكن يهتمّ بوجود هذه الكلمة وعدمها إلى حدّ يفهم من قوله: «رواه علي بن جعفر» أنّه رواه مع كلمة «صاحبها».

309

والدليل على ذلك: أنّه ذكر في ذيل نقله للحديث عن قرب الاسناد قوله: «ورواه الصدوق بإسناده عن علي بن جعفر مثله»، بينما نحن نعلم أنّ الصدوق(رحمه الله) رواه من دون هذه الكلمة كما نقل هو في الباب ۲٠ الحديث عن التهذيب من دون كلمة «صاحبها» وعقّبه أيضاً بقوله: «ورواه الصدوق بإسناد، عن علي بن جعفر».

الثاني: إنّ الموجود في نسخة الفقيه بدلاً عن قوله: «حفظها في عرض ماله» قوله: «جعلها في عرض ماله»(1)، وهذا لا يعطي معنى الأمانة بل يعطي معنى الملك أو الإباحة في التصرّف، ولم يثبت أنّ تعبير الإمام(علیه السلام)كان وفق نسخة التهذيب دون الفقيه.

هذا، وبناءً على نسخة الفقيه يتأكّد كون كلمة «لم يعرف» بالتخفيف؛ لوضوح عدم جواز التملّك أو التصرّف ابتداءً بلا تعريف.

الثالث: أنّه حتّى لو افترضنا أنّ التعبير الصادر من الإمام(علیه السلام)هو قوله: «حفظها في عرض ماله»، فهذا غير ظاهر في إرادة الحفظ كأمانة، ويحتمل إرادة الملك أو العارية.

هذا، وإذا كان بعض الرواة قد نقل بتعبير «حفظها في عرض ماله» وبعضهم نقل بتعبير «جعلها في عرض ماله» والثاني ظاهر في الملك أو العارية، والأوّل مجمل، فقد يكون الثاني مفسّراً للأوّل، أو يقال _ على الأقلّ _ : إنّ المجمل لا يعارض المبيّن، فيثبت أنّ المقصود هو الملك أو العارية، لا الأمانة.

الرابع: أنّنا لو غضضنا النظر عن كلّ ما مضى فالمزيّة المفروض ترتيبها على الحفظ كأمانة _ والتي لا تنحفظ في فرض التملّك أو التصدّق وهي عدم ضمان الملتقط إذا تلفت العين بلا تفريط _ لا تترتّب في المقام؛ وذلك لأنّ هذه الرواية بذيلها دالّة على الضمان حيث يقول: «وهو لها ضامن». ولعلّ هذا يؤيّد احتمال أنّ المقصود كان هو الملك أو العارية، لا الأمانة.

 


(1) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص292، باب اللقطة والضالة من كتاب المعيشة، ح4049.

310

الثانية: رواية الهيثم بن أبي روح صاحب الخان قال: «كتبت إلى العبد الصالح(علیه السلام): إنّي أتقبّل الفنادق فينزل عندي الرجل فيموت فجأة ولا أعرفه ولا أعرف بلاده ولا ورثته فيبقى المال عندي، كيف أصنع به؟ ولمن ذلك المال؟ قال: اتركه على حاله»(1).

وقد ورد في نظير ذلك الحكم بأنّه كسبيل مالك، والحكم بالتصدّق، والحكم بأنّه للإمام، والحكم بإبقائه على حاله؛ وكأنّ المقصود منه حفظه أمانةً.

أمّا الأخير: فهو ما عرفت من رواية الهيثم.

وأمّا الثالث: فكما ورد عن الفضيل بن يسار عن أبي الحسن(علیه السلام)«في رجل كان في يده مال لرجل ميّت لا يعرف له وارثاً كيف يصنع بالمال؟ قال: ما أعرفك لمن هو يعني نفسه»(2). إلا أنّه ضعيف سنداً.

وأمّا الثاني: فكما مضى من رواية نصر بن حبيب صاحب الخان(3). وقد مضى أنّها ضعيفة سنداً.

وأمّا الأوّل: فكالروايات الماضية(4) وصدر الرواية الأُولى منها تدل أيضاً على التصدّق على المساكين، ويمكن استفادة جواز التصدّق على غير المساكين أيضاً بفحوى ما في ذيلها من جواز جعله كسبيل ماله، فإذا كان المال يجوز تملّكه أو الاستفادة منه ولا يجب حفظ عينه للمالك بدليل جواز التصدّق به على المساكين بضمان، إذاً فجواز التصدّق به على غير المساكين أولى من تملّكه.

هذا، والرواية الأخيرة من تلك الروايات المذكورة(5) يحتمل ورودها في الأجر الكلّي

 


(1) وسائل الشيعة، ج26، ص298، الباب6 من أبواب ميراث الخنثى، ح٤.

(2) المصدر السابق، ص301، ح۱۲، وص251، الباب3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة، ح۱۳.

(3) المصدر السابق، ص297، الباب6 من أبواب ميراث الخنثى، ح۳.

(4) المصدر السابق، ص254، الباب4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة، ح۷، وص296، الباب6 من أبواب ميراث الخنثى، ح۱، وص 301، ح10.

(5) المصدر السابق، ص296، الباب6 من أبواب ميراث الخنثى، ح۱.

311

الباقي في الذمّة ويبدى احتمال الفرق بينه وبين العين الشخصية، ولكن تكفي الروايتان الأُوليان.

وعلى أيّ حال فمقتضى الجمع بين روايات التملّك أو إباحة التصرّف ورواية الحفظ كأمانة هو التخيير بينهما وأنّ الملك ليس قهريّاً. فلئن لم يمكن التعدّي _ في مسألة الملك _ من مورد هذه الروايات إلى مورد اللقطة لاحتمال الخصوصية _ لما مضى من أنّ من المحتمل كون نفس الالتقاط مثقّلاً للتكليف على الملتقط _ فلا يبعد صحّة التعدّي بلحاظ مسألة الحفظ أمانةً، لكنّ هذا التعدّي مشروط بأن نقول بعدم قهرية الملك في اللقطة، فنفس هذه الرواية _ وهي رواية الهيثم بن أبي روح(1)_ لا تصلح دليلاً على عدم كون الملك في اللقطة بعد التعريف سنة قهريّاً، مضافاً إلى كونها ساقطة بضعف السند.

ثم إنّه لا فرق في مسألة حفظ اللقطة كأمانة بين الحيوان وغيره؛ إذ لو أثبتنا ذلك بمقتضى القاعدة فهو جار في الحيوان أيضاً، ولو أثبتنا ذلك بالرواية الأُولى من الروايتين اللتين أوردناهما بصدد إثبات هذا الحكم ففيها التصريح بذكر الدابّة، ولو أثبتنا ذلك بالرواية الثانية فالظاهر إطلاق كلمة «المال» فيها للحيوان، ولا أقلّ من عدم احتمال الفرق عرفاً.

هذا كلّه في حفظ اللقطة كأمانة بعد التعريف في غير الحرم، وقد عرفت أنّه لم يتمّ في ذلك دليل خاص، وإنّما يمكن إثبات جوازه بمقتضى القواعد لو لم نستظهر من أدلّة الملكية الملكية القهرية.

يبقى الكلام في أنّه هل يجوز حفظ لقطة الحرم كأمانة بعد التعريف أو يجب التصدّق بها؟ وهل يجوز حفظ اللقطة التي لا يمكن تعريفها كأمانة أو يجب التصدّق بها؟

 


(1) المصدر السابق، ص298، ح٤.

312

أمّا الثاني: فإضافةً إلى ظهور الأمر الوارد فيه بالتصدّق في الوجوب يمكن القول بأنّ جواز الالتقاط والتسيطر على مال الغير خلاف القاعدة الأوّلية، والقدر المتيقّن الذي ثبت جوازه هو فرض تعقّبه بالتصدّق، أمّا فرض إبقائه كأمانة خاصّة مع فرض اليأس عن تحصيل المالك ممّا يجعل الإبقاء كأمانة لغواً وبلا فائدة متصوّرة، فلم يعرف كونه مجوّزاً للالتقاط.

وأمّا الأوّل: فلا يبعد القول فيه أيضاً بوجوب التصدّق؛ لظهور مثل قوله في لقطة الحرم: «تعرّف سنة، فإن وجدت صاحبها وإلا تصدّقت بها»(1)في الوجوب.

هذا تمام الكلام في حفظ اللقطة كأمانة.

د _ تسليم اللقطة إلی ولي الأمر

وأمّا تسليمها إلى وليّ الأمر باعتباره وليّاً على المالك:

فقد يقال: بعد أن عمل الملتقط بوظيفته الواجبة عليه _ وهي الفحص سنة _ يجوز له أن يسلّم اللقطة إلى الحاكم الشرعي بمقتضى القاعدة وبلا حاجة إلى نصّ خاص؛ وذلك لأنّ الحاكم وليّ الغائب، وقد كان المترقّب أن يكون الحكم بالإيصال إلى الحاكم من أوّل زمان الالتقاط، وأن يكون الحكم إيجابياً، لا كعدلٍ للتملّك والتصدّق والحفظ كأمانة؛ فإنّ على اليد تسليم ما أخذت إلى مالكه أو وليّ المالك، ولكن حيث ثبت وجوب التعريف سنة بالنصّ خالفنا مقتضى القاعدة الذي هو عبارة عن كون الحكم بالإيصال إلى وليّ المالك من أوّل زمان الالتقاط، وحيث ثبت جواز التملّك والتصدّق بعد التعريف سنة بالنصّ خالفنا مقتضى القاعدة الذي هو عبارة عن كون الحكم بالإيصال إلی الوليّ وجوبيّاً، بقي جواز التسليم إلى الوليّ بعد انتهاء السنة فهذا ثابت بمقتضى القواعد؛ بداهة أنّ التسليم إلى وليّ المالك يعدّ بمنزلة التسليم إلى

 


(1) وسائل الشيعة، ج13، ص260، الباب۲۸ من أبواب مقدّمات الطواف، ح٤.

313

المالك، فهو مُخرِج للملتقط عن العهدة. ودليل التملّك أو التصدّق لا يمنع عن جواز ذلك وإن منع عن وجوبه؛ وذلك لأنّه لم يكن المستفاد منهما وجوب التملّك أو التصدّق؛ ولذا جوّزنا الحفظ كأمانة.

نعم، في لقطة الحرم وفي اللقطة التي لا يمكن تعريفها قد يقال بعدم جواز تسليم المال إلى الحاكم؛ وذلك لأنّنا استظهرنا من دليل التصدّق فيهما وجوبه، فإذا وجب على نفس الملتقط التصدّق بدليل خاص لم يبق مورد لتسليم المال إلى الحاكم.

هذا، وكما أشرنا يترتّب على تسليم المال إلى الحاكم خروج الملتقط من الضمان؛ لأنّ تسليم المال إلى وليّ المالك بمنزلة تسليمه إلى المالك، فمقتضى القاعدة خروجه عن عهدة المال.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في مقام إثبات كون التسليم إلى وليّ المالك عدلاً للتملّك والتصدّق والحفظ كأمانة بعد سنة.

وفي مقابل هذا:

تارةً ينكر كون مقتضى القاعدة في المقام جواز التسليم إلى الحاكم الشرعي.

وأُخرى يقال بأنّ التسليم إلى وليّ المالك ليس عدلاً للتملّك والتصدّق والحفظ كأمانة بأن يثبت التخيير بعد التعريف سنة بين أُمور أربعة أحدها التسليم إلى وليّ المالك، بل هو جائز من أوّل الأمر وقبل التعريف، وجائز أيضاً في لقطة الحرم واللقطة التي لا يمكن تعريفها.

وثالثةً يقال بأنّ التسليم إلى وليّ الأمر جائز من أوّل الأمر لا بما هو وليّ المالك ويحفظ مصالح المالك، بل لأنّ المال المجهول المالك عائد إلى وليّ الأمر يصنع به ما يريد.

أمّا الأوّل _ وهو إنكار كون مقتضى القاعدة جواز التسليم إلى الحاكم فالمستند في ذلك إمّا هو دعوى كون الملكية بعد التعريف قهرية فلا موضوع للتسليم إلى وليّ المالك، أو هو إنكار الصغرى؛ أعني ولاية الحاكم على الغائب _ طبعاً في غير المعصوم

314

الذي هو خارج عن محلّ البحث، ويجوز تسليم كلّ شيء إليه؛ فإنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم _ أو هو دعوى أنّ أدلّة اللقطة بعد أن عيّنت الوظائف تجاه المال الملتقط بشأن الملتقِط لم يبقَ مجال لإعمال الوليّ ولايته.

أمّا دعوى كون الملكية بعد التعريف قهرية فقد مضى الكلام فيها في ما سبق، فمن يستظهر ذلك لا يبقى هنا لديه موضوع للتسليم إلى وليّ المالك. ومن يستظهر كون الملكية اختيارية يبقى لديه مجال لذلك.

وأمّا إنكار الصغرى فهو إمّا على أساس إنكار ولاية الفقيه، أو على أساس التشكيك في دائرة ولايته، ومجال بحثه المفصّل ليس هنا. وسنتعرّض لشيء من ذلك في نهاية البحث إن شاء الله.

وأمّا دعوى أنّ تعيين الوظائف تجاه اللقطة في الروايات لم يُبقِ مجالاً لإعمال الوليّ ولايته فجوابه اتّضح ممّا سبق؛ فإنّه بعد أن فرض عدم استظهار الوجوب من دليل التملّك والتصدّق لا يفهم عرفاً من دليلهما إبطال العمل بما هو ثابت بإطلاق دليل الولاية من أنّ الوليّ قائم مقام المولّى عليه وأن دفع المال إليه كدفعه إلى المالك مُخرج للشخص من عهدة المال.

وأمّا الثاني _ وهو دعوى جواز تسليم المال إلى وليّ الأمر من أوّل الأمر بما هو وليّ للمالك يلحظ مصالح المالك بلا حاجة إلى التعريف في ما يعرّف ولا إلى التصدّق في ما لا يعرّف ولا في لقطة الحرم، فغاية ما يمكن أن يقال في وجهه: إنّه مع إمكانية إيصال المال إلى وليّ المالك الذي هو بمنزلة إيصاله إلى المالك لا يفهم العرف من الأمر بالتعريف أو التصدّق إيجاب التعريف أو التصدّق تعيينيّاً في مقابل الإيصال إلى وليّ المالك، بل يفهم بمناسبات الحكم والموضوع كونه عِدلاً لإيصال المال إلى وليّ المالك سنخ أنّ الأمر عند توهّم الحظر يفيد الإباحة لا الوجوب.

والصحيح أنّ ظاهر تلك الأدلّة بمناسبات الحكم والموضوع ينحلّ إلى أمرين:

315

أحدهما: تعيين الإجراء الذي يجب أن يتّخذ بإزاء هذا المال بحيث حتّى لو أنّ الوليّ أخذ هذا المال كان الإجراء الذي لابدّ أن يتّخذه هو التعريف أو التصدّق، والثاني: أنّ الملتقط هو الذي قد انشغلت عهدته بهذا الإجراء لأجل ما صنعه من وضع يده على هذا المال، فيجب عليه: إمّا أن يقوم هو بهذا الإجراء، أو يسلّم المال إلى من يثق بأنّه يقوم به، أو يثبت له _ ولو ثبوتاً تعبّديّاً _ قيام شخصٍ ما بهذا الإجراء.

وما مضى من استظهار العِدلية لإيصال المال إلى وليّ المالك لو تمّ فإنّما هو في مقابل الظهور الثاني، فهو الذي يكون من سنخ الأمر عند توّهم الحظر لا الأوّل، أي أنّ أصل التعريف أو التصدّق لابدّ من تحقّقه، ولكن يجوز للملتقط أن يعتمد على الوليّ بتسليم المال إليه ما دام يحتمل أنّه سيقوم الوليّ بالإجراء اللازم، ولا تبعد صحّة هذا الاستظهار.

وأمّا الثالث: وهو دعوى جواز تسليم اللقطة إلى وليّ الأمر من أوّل الأمر لا بما هو وليّ للمالك يراعي ما ينبغي من إجراء بشأن مال المالك، بل باعتباره هو صاحب الأموال المجهولة المالك وأنّ كلّ ما مضى من الأمر بالتصدّق أو إباحة التملّك أو إيجاب التعريف إنّما هي أوامر وردت من قبل المالك وهو الإمام(علیه السلام)لا أحكام شرعية ذكرها الإمام باعتباره أميناً على الأحكام، من دون فرق في ذلك بين الحيوان وغيره، فيمكن الاستدلال عليها بعدّة روايات:

۱_ ما مضى عن الفضيل بن يسار عن أبي الحسن(علیه السلام)«في رجل كان في يده مال لرجل ميّت لا يعرف له وارثاً كيف يصنع بالمال؟ قال: ما أعرفك لمن هو، يعني نفسه»(1)، فإذا ثبت بهذا الحديث أنّ مجهول المالك للإمام كان في زمن الغيبة أمره بيد نائبه وهو الفقيه.

 


(1) وسائل الشيعة، ج26، ص301، الباب6 من أبواب ميراث الخنثى، ح۱۲، وص251، الباب3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة، ح۱۳

316

إلا أنّ احتمال الخصوصية في ذلك وارد، أوّلاً: لأنّ في مورد الحديث يوجد احتمال كون المال لميّت بلا وارث، ولعلّ هذا الاحتمال دخيل في الحكم بكونه للإمام.

وثانياً: لأنّه في المورد لم يكن التقاط وإمكانية التعريف، فلعلّ الالتقاط في مورد يجوّز تملّك اللقطة ولو بعد الفحص يعطي للملتقط أولويّة بالنسبة للمال تمنع عن دخوله في ملك الإمام، ولعلّ إمكانية التعريف واحتمال الوصول إلى المالك يوجبان عدم دخول المال في ملك الإمام. وعلى أيّ حال فالحديث ضعيف السند.

۲_ رواية الشيخ بسنده إلى علي بن مهزيار عن محمد بن رجاء الخيّاط قال: «كتبت إليه: إنّي كنت في المسجد الحرام، فرأيت ديناراً فأهويت إليه لآخذه فإذا أنا بآخر، ثم بحثت الحصى فإذا أنا بثالث فأخذتها فعرّفتها فلم يعرفها أحد، فما تأمرني في ذلك جعلت فداك؟ قال: فكتب إليّ: قد فهمت ما ذكرت من أمر الدينارين تحت ذكري موضع الدينارين، ثم كتب تحت قصّة الثالث: فإن كنت محتاجاً فتصدّق بالثالث، وإن كنت غنيّاً فتصدّق بالكلّ»(1).

ورواه الصدوق بإسناده عن محمد بن عيسى عن محمد بن رجاء الخيّاط قال: «كتبت إلى الطيّب(علیه السلام)»(2)، وذكر نحوه.

ورواه الكليني عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن محمد بن عيسى عن محمد بن رجاء الأرجاني قال: «كتبت إلى الطيّب(علیه السلام): إنّي كنت في المسجد الحرام، فرأيت ديناراً فأهويت إليه لآخذه، فإذا أنا بآخر، ثم بحثت الحصى فإذا أنا بثالث فأخذتها، فعرّفتها فلم يعرفها أحد فما ترى في ذلك؟ فكتب: فهمت ما ذكرت من أمر الدنانير، فإن كنت محتاجاً فتصدّق بثلثها، وإن كنت غنيّاً فتصدّق بالكلّ»(3).

 


(1) تهذيب الأحكام، ج6، ص395، باب اللقطة والضالة، ح28.

(2) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص293، باب اللقطة والضالة من کتاب المعيشة، ح4051.

(3) الكافي، ج8، ص145، باب لقطة الحرم من كتاب الحج، ح4.

317

وتقريب الاستدلال بهذا الحديث هو أن يقال: إنّ المفهوم عرفاً من قوله: «فعرّفتها فلم يعرفها أحد» ليس هو التعريف سنة، وإنّما هو ما يتمّ به مسمّى التعريف ولو لمرّة واحدة، فجوابه(علیه السلام)يخالف فرض وجوب التعريف سنة، ويخالف أيضاً فرض وجوب التصدّق بلقطة الحرم، حيث اكتفى هنا بالتصدّق بالثلث في فرض الاحتياج، ولا محمل لذلك إلا فرض كون أمر اللقطة راجعاً إلى الإمام(علیه السلام)، فهو(علیه السلام)_ بشكل عامّ _ قد أمر بالتعريف والتصدّق بلقطة الحرم لكنّه سمح للسائل في قصّته بترك التعريف سنة وبالاكتفاء بالتصدّق بالثلث إذا كان محتاجاً.

إلا أنّه قد يقال: إنّ بالإمكان الجمع بين هذه الرواية وباقي الروايات بوجه آخر، وهو أن يقال: إنّ دلالة هذه الرواية على عدم اشتراط التعريف سنة ليس إلا بظهورٍ يمكن رفع اليد عنه بتصريح الروايات الأُخرى بلزوم التعريف سنة، وأمّا تجويزه للاكتفاء بالتصدّق بقسم من المال عند الاحتياج فليكن مقيّداً لإطلاق دليل التصدّق.

ولو لم يتمّ هذا الجمع فلعلّنا نقول بالتعارض لا بالحمل على كون أمر اللقطة متروكاً للإمام. وعلى أيّ حال فالحديث ساقط سنداً.

۳_ ما مضى عن داود بن أبي يزيد عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «قال رجل: إنّي قد أصبت مالاً، وإنّي قد خفت فيه على نفسي، ولو أصبت صاحبه دفعته إليه وتخلّصت منه؟ قال: فقال أبو عبدالله: والله إن لو أصبته كنت تدفعه إليه؟، قال: إي والله، قال: فأنا والله، ما له صاحب غيري، قال: فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره، قال: فحلف، فقال: فاذهب فاقسمه في إخوانك ولك الأمن ممّا خفت منه، قال: فقسمته بين إخواني»(1).

فقد يقال: إنّ الحديث مطلق _ ولو بملاك ترك الاستفصال _ يشمل فرض كون المال الذي أصابه لقطة.

 


(1) وسائل الشيعة، ج25، ص450، الباب7 من كتاب اللقطة، ح۱.

318

إلا أنّ الصحيح أنّ قوله: «قد أصبت مالاً» لو جزمنا بظهوره في الجامع بين الالتقاط وغيره تمّ ما ذكر من الإطلاق، إمّا على أساس مقدّمات الحكمة لو كان سؤاله بنحو القضيّة الحقيقية، أو على أساس ترك الاستفصال لو كان سؤاله راجعاً إلى واقعة شخصية.

أمّا إذا قلنا: إنّ السؤال بعد أن كان عن واقعة شخصية فقوله: «أصبت مالاً» له ظهور في غير الالتقاط، أو مجمل على الأقلّ؛ إذ لو كانت واقعته الشخصية عبارة عن الالتقاط لكان المناسب جدّاً أن يقول مثلاً: «إنّي أصبت لقطة»، ولا أقلّ من احتمال الإجمال، فلا يتمّ الإطلاق بمقدّمات الحكمة ولا بملاك ترك الاستفصال، أمّا عدم تماميّته بمقدّمات الحكمة فواضح، وأمّا عدم تماميّته بملاك ترك الاستفصال؛ فلأنّ الحقّ المحقّق في محلّه أنّ إجمال السؤال يسري إلى الجواب، لا أنّ الجواب يكتسب الإطلاق في مورد إجمال السؤال بملاك ترك الاستفصال، كما ولعلّ ظاهر تحيّره وخوفه على نفسه وأنّه لو أصاب صاحبه لدفعه إليه أنّه لم يكن يمكنه التعريف؛ وإلا لكان في مثل هذه الحالة يباشر التعريف، ولا أقلّ من الإجمال من هذه الناحية أيضاً.

إذاً فالقدر المتيقّن من هذا الحديث هو أنّ المال المجهول المالك غير اللقطة وغير ما يمكن تعريفه للإمام، وعليه فيحمل ما ورد من الأمر بالتصدّق في مجهول المالك غير اللقطة وغير ما يمكن تعريفه، وهو حديث يونس بن عبدالرحمان الماضي(1)، على أنّه(علیه السلام)أمر بالتصدّق بما هو راجع له، وليس بياناً لكون الحكم الشرعي هو التصدّق، فيسقط ما مضى من استدلالنا به _ بناءً على التعدّي من مورده _ على كون حكم اللقطة غير القابلة للتعريف هو التصدّق.

 


(1) وسائل الشيعة، ج25، ص450، الباب7 من كتاب اللقطة، ح۲.

319

هذا، وقد يقبل بالإجمال الثاني(1) أو ظهوره في ما لا يمكن تعريفه، ولا يقبل بالإجمال الأوّل أو ظهوره في غير اللقطة، فيتمّ الإطلاق بملاك ترك الاستفصال بلحاظ كون مجهول المالك لقطة أو غير لقطة، ولكن لا يتمّ الإطلاق بلحاظ إمكانية التعريف وعدمه، فالقدر المتيقّن هو مجهول المالك الذي لا يمكن تعريفه فهو للإمام، فإمّا أن يحمل ما مضى من رواية زرارة _ «سألت أبا جعفر(علیه السلام)عن اللقطة، فأراني خاتماً في يده من فضّة، قال: إنّ هذا ممّا جاء به السيل، وأنا أُريد أن أتصدّق به»(2)_ على أنّه(علیه السلام)يسمح بالتصدّق باللقطة التي لا يمكن تعريفها بما هو مالك لها لا أنّ حكمها الشرعي هو التصدّق، وإمّا أن يقال: إنّ رواية داود بن يزيد إنّما دلّت على كون اللقطة التي لا يمكن تعريفها للإمام بالإطلاق بملاك ترك الاستفصال، بينما رواية زرارة ظاهرة في كون الحكم الشرعي للّقطة التي لا يمكن تعريفها هو التصدّق، فيقيّد بها إطلاق رواية داود بن يزيد بناءً على مبنى أنّه عند تعارض المطلق والمقيّد لا يسمح بتوجيه المقيّد وحمله على غير ظاهره، بل يقيّد المطلق بالمقيّد.

هذا، لو لم نقل بأنّه مع عدم إمكانية تعريف اللقطة يكون التفصيل بينها وبين مجهول المالك الذي لا يمكن تعريفه _ بأن يكون الثاني للإمام دون الأوّل _ غير عرفيّ، وإلا فحتّى لو افترضنا عدم الإطلاق في رواية داود يثبت أنّ اللقطة غير القابلة للتعريف للإمام، وتحمل رواية زرارة على سماح الإمام بالتصدّق بها بوصفه مالكاً لا على أنّ حكمها الشرعي هو التصدّق.

وإذا أردت استيعاب الكلام بشكل أوضح في ما يرجع إلى الإمام من أقسام

 


(1) وقد يقال: إنّ الإجمال الثاني يولّد الإجمال الأوّل أو يؤكّده؛ لأنّ عدم إمكانية التعريف _ الذي هو محتمل على أساس الإجمال الثاني _ يناسب كون المال في مورد الحديث غير لقطة؛ لأنّ اللقطة الغالب فيها إمكانية التعريف، ومجهول المالك غير اللقطة الغالب فيه عدم إمكانية التعريف.

(2) وسائل الشيعة، ج25، ص451، الباب7 من كتاب اللقطة، ح۳.

320

مجهول المالك قلنا: إنّ مجهول المالك على أقسام:

۱_ ما ليس لقطة ولا يمكن تعريفه.

۲_ ما تكون لقطة ولا يمكن تعريفها.

۳_ ما تكون لقطة ويمكن تعريفها، لكن لا يجوز تملّكها بعد التعريف؛ لأنّها لقطة الحرم.

٤_ ما تكون لقطة ويمكن تعريفها ويجوز تملّكها بعد التعريف.

٥_ ما ليس لقطة ويمكن تعريفه.

أمّا القسم الأوّل: فهو القدر المتيقّن ممّا دلّت رواية داود على أنّه للإمام.

وأمّا القسم الثاني: فإمّا أنّه داخل أيضاً في القدر المتيقّن أو لا يبعد التعدّي إليه عرفاً.

وأمّا القسم الثالث: فهو غير داخل في القدر المتيقّن من رواية داود حتماً، ولكن لا يبعد التعدّي عرفاً إليه بعد انتهاء التعريف، فإنّ ما يحتمل عرفاً منعه عن صيرورة مجهول المالك ملكاً للإمام وكونه موجباً للتفريق في الحكم عن مورد رواية داود هو أحد أمرين: إمّا إمكانية التعريف وأمل الحصول على المالك فلا يصبح ملكاً للإمام؛ وذلك حفاظاً على حقّ المالك. وإمّا حقّ الملتقط باعتباره قد عمل بوظيفة التعريف وتحمّل عبئه، فأصبح مستأهلاً لحقّ التملّك، فلا يصبح ملكاً للإمام؛ حفاظاً على حقّ الملتقط.

والأمر الثاني غير موجود في هذا القسم، والأمر الأوّل غير موجود أيضاً بعد التعريف.

وأمّا القسم الرابع: فقبل التعريف يوجد فيه الأمر الأوّل من الأمرين اللذين أشرنا إليهما، وبعد التعريف يوجد فيه الأمر الثاني، فلا يمكن التعدّي من مورد رواية داود إليه.

وأمّا القسم الخامس: فهو أيضاً خارج عن القدر المتيقّن من مورد رواية داود، واحتمال الفرق موجود على الأقلّ؛ لإمكانية التعريف وأمل الحصول على المالك، كما أنّه خارج أيضاً عن دليل وجوب التعريف؛ فإنّه ورد في اللقطة، ونحن نحتمل أنّ الالتقاط هو الذي أثقل عليه المسؤولية وحمّله الفحص.

321

والظاهر أنّه لابدّ من الرجوع في هذا القسم _ وهو مجهول المالك الذي يمكن تعريفه وليس لقطة _ إلى مقتضى القاعدة من وجوب إيصال المال إلى وليّ المالك أو مراجعته فيه وهو الفقيه، وعلى الفقيه بعد تقبّله للمال أن يقوم بالدور الذي يقوم به الوليّ تجاه المولّى عليه من مراعاة مصالحه، فعليه أن يفحص عن المالك إلى حصول اليأس، وبعده يلحقه حكم مجهول المالك غير اللقطة الذي لا يمكن التعريف عنه؛ أي: أنّه يلحق حكماً بمورد رواية داود؛ إذ لا يخلو الأمر ثبوتاً من أحد فرضين:

الأوّل: أن يجوز له كشخص أن يتملّكه؛ إلحاقاً له باللقطة.

والثاني: أن لا يجوز له ذلك.

وعلى الثاني لا يبقى احتمال الفرق عرفاً بينه وبين مجهول المالك غير اللقطة الذي لم يكن يمكن تعريفه من أوّل الأمر، فهو ملك للإمام، وبما أنّ دليل جواز تملّك اللقطة لا يشمل هذا الذي ليس لقطة، فالقدر المتيقّن ممّا يُخرج هذا الفقيه عن عهدة المال أو أيّ إنسان استولى على هذا المال عن عهدته هو التعامل معه معاملة ملك الإمام(علیه السلام).

ثم إنّ أدلّة أحكام اللقطة تقصر أحياناً عن تعيين الوظيفة، فمثلاً لو كانت اللقطة طعاماً لا يقبل البقاء حتّى يمكن الفحص عن مالكه فأدلّة اللقطة قاصرة عن حكم ذلك بعد ضعف سند رواية السكوني(1) ومرسلة الصدوق(2) الماضيتين. ومقتضى القاعدة في مثل ذلك الرجوع إلى وليّ المالك واتخاذ الوليّ الموقف الذي يكون في صالح المولّى عليه، كأن يجيز في أكل الطعام مع الضمان.

أمّا في الموارد التي لا قصور لروايات اللقطة عن بيان حكمها فالظاهر عدم وجوب مراجعة الفقيه فيها واستئذانه.

 


(1) وسائل الشيعة، ج25، ص468، الباب۲۳ من كتاب اللقطة، ح۱.

(2) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص297، باب اللقطة والضالة من کتاب المعيشة، ح4046.

322

استدراك البحث في مسألة ولاية الفقيه والشوری

وبما أنّه انتهی بحثنا إلی ولاية الفقيه لا بأس بتعرض إجمالي لولاية الفقيه بهدف استدراك بعض النكات التي فاتتنا في كتابنا «أساس الحكومة الإسلامية»، كما أنّه لا بأس بالتعرض لما قد يدّعی من ولاية الشوری والتي قد تفترض بديلاً عن ولاية الفقيه، فلا يتم البحث عن ولاية الفقيه إلا بالبحث عن ولاية الشوری وتضعيفها أو تصحيحها وملاحظة النسبة بينها وبين ولاية الفقيه، وتعرضنا لولاية الشوری أيضاً يكون بمقدار استدراك بعض النكات الفائتة في كتابنا «أساس الحكومة الإسلامية»، إذاً فهذا البحث بكلا جانبيه ليس بحثاً تاماً في نفسه بل هو تكملة لأبحاثنا في الكتاب(1).

أما ولاية الشوری فخير دليل عليها هو قوله تعالی: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَیٰ بَیْنَهُمْ﴾(2) وقد وقعت هذه الجملة ضمن آيات تعدّ جملة من صفات جماعة يكون ما عندالله خيراً وأبقی لهم، أولاها صفة الإيمان، والواقع أنّ الاستدلال بهذه الآية علی ولاية الشوری _ بعد وضوح أنّ الوظيفة في زمن المعصوم(علیه السلام)في شكل الحكم الإسلامي كانت هي الرجوع إلی قيادة المعصوم(علیه السلام)ولیست إلی ولاية الشوری _ مشكل، وتوضیح ذلك أنّ قوله تعالی: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَیٰ بَیْنَهُمْ﴾ لابدّ أن يفسّر بأحد تفسيرين:

التفسير الأول: أن يكون المقصود توصيف الجماعة بصفة الالتزام بالشوری بالفعل، وهذا هو الظاهر من سیاق الآية التي تعدّ صفات فعلية لهم وهو المتبادر إلی الذهن

 


(1) لم يتطرق سماحة السيد المؤلف في هذا الاستدراك إلی بحث ولاية الفقيه، وللإطلاع علی مجمل آرائه في هذا المجال لابدّ من مراجعة سائر کتبه مثل ولاية الأمر في عصر الغيبة وکتاب البيع الذي سوف يطبع بمشيئته تعالی ضمن الفصل الذي عقده للبحث عن أولياء العقد.

(2) الشوری: 38.

323

ابتداءً عند توصيف شخص أو جماعة بوصف، فإنّ ظاهره هو الاتصاف به بالفعل.

وبناءً علی هذا التفسير لا يمكن أن نستفيد من الآية ولاية الشوری، وغاية ما يستفاد منها مسألة الالتزام بالمشورة والاستنارة بآراء الآخرين، وهذا غیر ولاية الشوری؛ وذلك لبداهة عدم فعلية مبدأ ولاية الشوری في زمن صدور الآية، بل وإلی آخر أيام المعصومین(علیه السلام)في رأينا. أما لو استفدنا منها ولاية الشوری فما هي النسبة بينها وبين ولاية الفقيه؟ وهل يجمع بشكل من الأشكال بینهما أو يقدّم أحدهما علی الآخر أم ماذا؟ فهذا بحث بحثناه في كتاب «أساس الحكومة الإسلامية».

التفسير الثاني: أن يكون المقصود توصيفهم بمبدأ لولائي وشأني، أي أنّ أُولئك الجماعة يلتزمون بولاية الشوری لولا وجود وليّ منصوص أو أولياء منصوصين، وإنّما لم يلتزموا في عصر النص بذلك لوجود الوليّ المنصوص.

وهذا التفسير خلاف الظاهر والسياق كما ظهر مما ذكرناه في التفسير الأول، ولو سلّم به فدليل ولاية الفقيه يتقدم علی دليل الشوری؛ لأنّ مبدأ ولاية الشوری حسب الفرض مبدأ لولائي، ويصبح فعلياً عند عدم وجود الوليّ المنصوص فالنص علی ولاية الفقيه یرفع موضوع ذلك ولعله سيأتي بعد عصر ظهور الحجة؟عج؟ زمان لفعلية هذا المبدأ.

ثم أنّنا ذكرنا في كتاب «أساس الحكومة الإسلامية»: أنّ مما يرد علی الاستدلال بالآية الشريفة لإثبات ولاية الشوری في زماننا هو: أنّه لو فرضنا الولاية للشوری لجاء السؤال عن أنّه لو اختلف المصوّتون إلی رأيين مثلاً وكان أصحاب الرأي الأول أكثر عدداً وأصحاب الرأي الثاني أكثر حكمة، فهل يؤخذ بالترجیح الكمي أو الکيفي؟ وهذا سؤال لم يصلنا حتی الآن أيّ جواب علیه في كتاب أو سنّة؟

وكأنّ أستاذنا الشهيد؟رضو؟ حاول الجواب علی هذا الإشكال في الحلقة الرابعة من «الإسلام يقود الحياة» المسماة باسم «خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء» وذكر ما نصّه:

324

«وتمارس الأمة دورها في الخلافة في الإطار التشريعي للقاعدتين القرآنيتين التاليتين:

﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَیٰ بَیْنَهُمْ﴾.

﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُوُنَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ...﴾(1).

فإنّ النص الأول يعطي للأمّة صلاحية ممارسة أمورها عن طريق الشوری ما لم يرد نص خاص علی خلاف ذلك، والنص الثاني يتحدث عن الولاية وأنّ كل مؤمن وليّ الآخرين. ويريد بالولاية تولّي أموره بقرينة تفريع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليه، والنص ظاهر في سريان الولاية بين كل المؤمنین والمؤمنات بصورة متساوية. وينتج عن ذلك الأخذ بمبدأ الشوری وبرأي الأكثرية عند الاختلاف»(2).

فكأنّه؟رضو؟ يقول: إنّ إعطاء الولاية لكل المؤمنين علی حد سواء يعني أنّ كل فرد له تأثيره في الرأي، أي أنّ النتيجة تتبع أكثرية الآراء، فالمقياس كمّي وليس كيفياً.

وقد يورد علی هذا البيان: أنّ إثبات ولاية الشوری بمعونة هذه الآية يتوقف علی جريان الإطلاق في الآية الكريمة كی تثبت أنّ الولاية ليست فقط ولاية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل هي الولاية في إدارة الأُمور الاجتماعية كافة، بینما لا يجري الإطلاق في المقام، لا بملاك إجراء مقدمات الحكمة في كلمة «أولياء»؛ لما وضّحنا في محلّه من عدم جريان الإطلاق الشمولي في المحمول، ولا بملاك حذف المتعلق؛ إذ حذف المتعلق لا هو موضوع لغة للعموم ولا هو سبب لتعيين المحذوف في أوسع المفاهيم الممكنة بمقدمات الحكمة؛ لأنّ مقدمات الحكمة إنّما تنفيی القيد الزائد عن مفهوم معيّن أخذ في الكلام، ولا تُعيّن المفهوم المردّد بين الوسيع والضيّق في الوسيع.

 


(1) التوبة: 71.

(2) الإسلام يقود الحياة، ص160 _ 161.

325

نعم، متی ما لم يكن للمحذوف قدر متيقن وكان عدم حمله علی الإطلاق موجباً للإجمال في الكلام بمعنی التردد بين المتباينات بأن لم تكن القضية مردّدة بين الأقل والأكثر فهم العرف من حذف المتعلق الإطلاق.

والجواب: أنّ نفس حذف المتعلق يناسب عرفاً الإطلاق، فكأنّ ذكر متعلق مّا قيدٌ ينفي باقي المتعلقات المحتملة، وكأنّ حذفه رفض للقيد وعدولٌ إلی إرادة الجامع بین المتعلقات، ولولا هذا لما كان هناك مبرّر لفهم الإطلاق من حذف المتعلق عند عدم وجود القدر المتيقن.

نعم، متی ما كانت هناك مناسبة تشير إلی كون المحذوف متعلقاً خاصّاً ولم تكن هذه المناسبة أضعف من نكتة فهم الإطلاق من حذف المتعلق لم يتم الإطلاق، إما بأن تكون تلك المناسبة غالبة علی نكتة فهم الإطلاق، فيصبح الكلام ظاهراً في إرادة خصوص ذلك المتعلق، أو بأن تكونا متساويتين فيلزم الإجمال ويصبح ذاك المتعلق الخاص هو القدر المتيقن، وفي ما نحن فيه ليس الأمر كذلك؛ فإنّ ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الآية ليس مناسبة تشير إلی كون متعلق الولاية هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل هناك مناسبة تدعم الإطلاق، وهي تفريع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علی الولاية كتفريع المعلول علی علته، فإنّ الغالب أوسعية العلة من دائرة ما فرّع عليها.هذا.

ولو تم الاستدلال بهذه الآية الكريمة لكان هذا جواباً علی إشكالات أخری أيضاً أوردناها في كتاب «أساس الحكومة الإسلامية».

ولكن رغم كل ما ذكرنا نقول: إنّ الاستدلال بهذه الآية الكريمة غير تام؛ إذ هو يتوقف علی أن تكون الولاية في هذه الآية بمعنی الأولوية في التصرف لا بمعنی النصرة والمؤازرة، بینما الولاية في لغة العرب تأتي بكلا المعنيين، ولو لم يستظهر الثاني في المقام فلا أقل من الإجمال، وتفريع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليها ليس

326

شاهداً لإرادة المعنی الأول؛ إذ ذلك يناسب المعنی الثاني إيضاً، فإنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نوع تآزرٍ ونصرة والمتناصرون المتآزرون يأمر بعضهم البعض بالمعروف وينهاه عن المنكر حينما يری منه الخطأ، وذلك بلهجة الاستعلاء. ويكفي الاستعلاء في صدق عنوان الأمر والنهي، وليس صدق هذين العنوانين متوقفاً علی ثبوت المولويّة أو إدعائها.

ولا يقال: إنّ ولاية الشوری إنّما استفدناها من آية الشوری، والذي نريد أن نستفيدها من هذه الآية إنّما هو كون المقياس هو الأكثرية الكمّية دون الكيف علی تقدير ولاية الشوری.

فإنّه يقال: لو لم تثبت كون الولاية في هذه الآية قصد بها نفس المعنی المقصود بالولاية في آية الشوری كيف يمكن أن تفترض تفسيراً لكيفية الاستفادة من ولاية الشوری وأنّ المقياس فيها هل هو الكم أو الكيف؟!

327

الأوراق المالیة الاعتباریة

329

الأوراق المالیة الاعتباریة

بحث حول الأسئلة الفقهیة عن تبدّل النقود الحقیقية المتعارفة في زمن الشریعة من الدینار الذهبي والدرهم الفضّي إلی النقود الاعتباریة البحتة المتعارفة في زماننا هذا.

إنّ النقد في هذا الزمان أصبح من الأوراق الاعتباریة البحتة، والتی لا قیمة ذاتیة تذكر لها، أي لیست هي سلعة من السلع.

فالتبادل كان _ كما یقال _ قدیماً علی شكل المقایضة، أي مبادلة السلع بعضها بالبعض، كما قد یتّفق _ ولو نادراً _ ذلك في زماننا خاصّة في المجتمعات القرویّة البسیطة، وقیل: إنّه كان یجعل أخیراً بعض السلع هو المقیاس للقیم، وبمنزلة النقد فراراً من مشاكل المقایضة غیر المنتظمة، فمثلاً في إیران كان یستفاد بهذا الصدد من الغلّات، وفي بلاد أخری من الأنعام، وفي ثالثة من شيء آخر.(1) إلی أن اهتدوا أخیراً إلی جعل المقیاس عبارة عن الذهب والفضة لسهولة الأمر في ذلك علی خلاف سائر السلع. وتكامل الأمر بالتدریج بالتقیّد فیهما بسكة السلطان التي تضمن عدم الغشّ أو الوزن مثلاً، وفی تطوّر آخر انتهی الأمر تدریجاً إلی النقود الحالیة المجرّدة عن حال السلعیة نهائیاً.

و هناك تطوّر آخر في الآونة الأخیرة رائج في البلاد المتطوّرة اقتصادیاً، وهو التعامل بالصكوك الشخصیة بمقدار ما للشخص من رصید فی البنوك.

 


(1) راجع بالفارسیة: كلیات علم اقتصاد «باقر قدیری أصلي»، ص184.

330

والسؤال الذي یطرح نفسه بادئ الأمر بالنسبة لنقود الیوم، هو أنّها هل تلحق بالنقدین الذهب والفضّة فی تعلّق الزكاة بها أو لا؟ والإشكال فی إلحاقها بالذهب والفضّة ینشأ من نقطتین:

النقطة الأُولی: هي المعروف ذكرها من أنّ النقود اختصّت بالذهب والفضّة، والتعدّي إلی الأوراق النقدیة المألوفة فی وقتنا الحاضر قیاس لا نقول به، والبحث عن التعدّي من النقدين إلى الأوراق الاعتبارية بدعوی إلغاء العرف الخصوصية، أو عدم التعدّي بدعوی كون ذلك قياساً لا نقول به، يجري أيضاً في إلحاق تلك الأوراق بالنقدين وعدمه في باب الصرف بلحاظ حرمة التفاضل من ناحية، وبلحاظ اشتراط القبض من ناحية أُخری.

والنقطة الثانیة: قیاس الأوراق المالیة المتداولة الیوم بالصكوك الشخصیة التي من الواضح عدم تعلّق الزكاة بها، حتی ولو فرض أنّ ما تحكي عنه من الرصید الموجود في البنك متجسّداً في عین زكویة من ذهب أو فضّة؛ وذلك لأنّ الرصید خارج من ملك صاحب الشیك ومملوك للبنك ولو بالإقراض، ولیست علی صاحب الشیك زكاته، ولو أنّ البنك لم ‌یكنزه وجعله في سیر جریان الأموال فلیست علیه أیضاً زكاته، وأمّا الشیك فلا یعدّ مالاً مستقلاً كي تكون علی صاحبه الزكاة. فإذا قلنا: إنّ الأوراق المالیة الحاكیة عن أرصدة لدی الدولة یكون حالها حال تلك الصكوك، والمالیة الحقیقية متجسّدة في تلك الأرصدة لا في هذه الأوراق، فقد يشكل فرض تعلق الزكاة بها.

وهذا الإشكال يسري في الجملة إلى باب الخمس أيضاً فيقال _ بناء علی تعلّق الخمس بما يملكه الإنسان عن طريق الهبة _ : إنّه لو وهب أحد أوراقاً ماليةً ممّا هو متعارف اليوم لشخص، فهذه الأوراق ليست المالية الحقيقية متجسّدة بها كي يتعلّق بها الخمس، وإنّما المالية الحقيقية متجسدة في أرصدتها التي لم ‌يقبضها، والهبة