7

مقدّمة

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على نبيّنا المصطفى محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

أمّا بعد: فإنّ الرسالة العمليّة من الأهمّيّة بمكان بحيث لا يستغني عنها مؤمن أبداً، إلّا أنّها عادة ما تكون كبيرة وفيها من التفاصيل والتفريعات التي يندر الابتلاء بها، وكذا يصعب الرجوع إليها على الكثيرين.

فارتأينا أن نقدّم للمؤمن الكريم مختصراً نافعاً من أحكام العبادات في وجيز يحتوي موارد الابتلاء تعميماً وتتميماً للفائدة، وقد نوسّع أحياناً بسبب التشابك الموجود بين المسائل.

فانبرى لهذه المهمّة الجليلة بعض الفضلاء ـ أيّده الله تعالى ورفع شأنه ـ وبذل جهداً كبيراً في جعل هذه الرسالة مختصرة ووافية، وحرص على أن تكون عباراتها قريبة من عبارات كتاب الفتاوى الواضحة لآية الله العظمى السيّد الشهيد محمّد باقر الصدر(قدس سره)ضامّاً إليها رأي المرجع الديني المعظّم سماحة آية الله العظمى الحاج السيّد كاظم الحسيني الحائري، وذلك في المتن، إلّا ما قلّ وندر حيث أورد رأي سماحته (دام ظلّه) نادراً تحت الخطّ، كما حرص على أن تكون عبارتها في الزكاة والخمس نصّ عبارات كتاب فتاوى في الأموال العامّة لسماحة السيّد المرجع.

وقد حذفت كثير من التفاصيل والفروع مع الإشارة غالباً في عمدة الموارد إلى ذلك تحت الخطّ والإرجاع إلى مواضعها في الرسالة العمليّة لمعرفة ما حذف، وقد

8

تأتي هذه الإشارة آخر فقرة أو بيان مطلب من المطالب ولكنّها تكون ناظرة إلى تفاصيل أو فروع حذفت من فقرات أو مطالب سابقة، كما سيتبيّن ذلك بمراجعة الرسالة العمليّة في موارد الإرجاع.

أملنا أن ينتفع أبناء المرجعيّة الرشيدة من هذا الجهد، ويكون معيناً لهم في تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميّة المقدّسة، والحمد لله أوّلاً وآخراً.

مكتب المرجع الديني آية الله العظمى

سماحة السيّد كاظم الحسيني الحائري (دام ظلّه)

النجف الأشرف

9

الاجتهاد والتقليد

الطرق الثلاث لطاعة الله:

(1) في دين الله سبحانه أوامر ونواه، جلّت عظمته يسأل عباده عنها، وفي غير البديهيّات الدينيّة والمسلّمات الواضحة لا وسيلة لمعرفة المكلّف بأنّه قد أدّى إلى الله طاعته في أمره واتّقاه في نهيه، إلّا إذا كان في جميع أفعاله وتروكه مجتهداً في أحكام الشريعة، أو مقلّداً لمن هو أهل للتقليد والاقتداء به، أو محتاطاً، على أن يستند في احتياطه إلى علمه هو واجتهاده أو إلى تقليد مجتهد معيّن.

تعريف الطرق الثلاث:

(2) الاجتهاد: هو القدرة العلميّة على استخراج الحكم الشرعي من دليله المقرّر له.

والاحتياط: أن يأتي المكلّف بكلّ شيء يحتمل فيه الأمر والوجوب، ولا يحتمل تحريمه على الإطلاق، وأن يترك كلّ شيء يحتمل فيه النهي والتحريم، ولا يحتمل فيه الوجوب بحال.

والتقليد: قدوة واُسوة، ويتحقّق بمجرّد العمل، أو بمجرّد الجزم والعزم على العمل ـ عند الحاجة ـ بقول مجتهد معيّن، فأحد هذين كاف في صحّة التقليد، وواف في جواز البقاء عليه بعد موت المقلَّد على ما يأتي.

10

التقليد:

(3) التقليد هو الطريق الأكثر عمليّةً لجُلّ الناس، فقد اعتاد الناس في كلّ مجال على الرجوع إلى ذوي الاختصاص والخبرة بذلك المجال، وهو واجب على كلّ مكلّف لا يتمكّن من الاجتهاد.

ويشترط في مَن يُرجع إليه في التقليد: العقل، والذكورة، وطيب الولادة، والإيمان، والاجتهاد، والعدالة، والحياة، أي يجب في سائر الأحوال أن يبدأ التقليد بالعمل، أو الالتزام بقول الحيّ دون الميّت.

وأمّا شرط البلوغ فهو غير واضح عندنا، إلّا إذا كان بمعنى عدم الأمن على صدقه في الفتوى على أساس إيمانه بعدم حرمة الكذب والتضليل عليه، أو كان بمعنى عدم ثبوت ملكة العدالة والتقوى فيه على أساس أنّه لا يرى نفسه مكلّفاً بشيء.

(4) إذا تعدّد المجتهدون الذين تتوفّر فيهم الشروط السابقة وكانوا متّفقين في آرائهم وفتاواهم فبإمكان المقلِّد أن يرجع إلى أيّ واحد منهم، ولكنّ هذا مجرّد افتراض نظري، وليس واقعاً في الحياة العمليّة عادة؛ لأنّ الاجتهاد مثار للاختلاف بين المجتهدين غالباً، فإذا اختلفوا وعلم المقلِّد بأنّهم مختلفون في آرائهم فلمن يرجع؟ ومن يقلّد؟

والجواب: يجب على المقلّد أن يقلّد الأعلم من المجتهدين في هذه الحالة، ونحن نقصد بالأعلم من كان فاصل الفهم بينه وبين غيره كبيراً جدّاً.

(5) وكيف يعرف الأعلم بالمعنى الذي فصّلناه؟

والجواب: أنّه يعرف بطرق، منها:

أوّلاً: شهادة عدلين من المجتهدين الأكفاء، أو الأفاضل القادرين على التقويم العلمي.

ثانياً: الخبرة، والممارسة الشخصيّة من المقلِّد إذا كان له من الفضل والعلم ما يتيح له ذلك وإن لم يكن مجتهداً. وأخيراً بكلّ سبب يؤدّي إلى يقين المقلِّد وإيمانه بأنّ فلاناً

11

أعلم ـ مهما كان السبب ـ ومن ذلك الشياع بين أهل العلم والفضل، أو الشياع فيصفوف الاُمّة إذا أدّى إلى يقين المقلِّد بأنّ من شاع أنّه أعلم هو الأعلم حقّاً.

ويجب على المقلِّد الفحص والبحث عن الأعلم في كلّ مظنّة وسبيل ممكن، وإن لم يعرفه في ما بين الفقهاء تَخيَّر في التقليد في ما بينهم.

(6) وإذا شكّ المكلّف وتردّد هل زيد أعلم من بكر ـ مثلاً ـ أو بكر أعلم منه، أو هما في درجة واحدة؟ وكان المكلّف على يقين بأنّ أحدهما ـ ولنفرض مثلاً أنّه زيد ـ كان من قبل أعلم بلا ريب ولكنّ بكراً جدّ ونشط في البحث أمداً غير قصير بعد العلم بأعلميّة زيد حتّى احتمل المكلّف أو ظنّ بأنّه قد وصل إلى درجة زيد في العلم أو تفوّق عليه، فعلى المكلّف حينئذ أن يقلّد زيداً لا بكراً.

(7) إذا قلّد الأعلم ثمّ وجد مَن هو أعلم منه يقيناً تحوّل من السابق إلى اللاحق، ومعنى هذا: أنّ التقليد يدور مع الأعلم كيفما دار وجوداً وعدماً.

(8) مَن تخيّل ـ لسبب أو لآخر ـ أنّ فلاناً هو المجتهد الأعلم وبعد حين ظهر له العكس فعليه أن يستدرك ويعدل إلى المجتهد الأعلم، ويسمّى هذا المقلِّد بالمشتبه(1).

في حالات موت المرجع:

(9) إذا مات المرجع في التقليد فما هو تكليف من كان مقلِّداً له؟

والجواب: عن هذا السؤال يستدعي التفصيل الآتي:

1 ـ قد يكون الميّت المقلَّد أعلم من كلّ الأحياء الموجودين بالفعل، وفي هذا



(1) لمعرفة حكم الفرائض والواجبات التي أدّاها حين الاشتباه من صلاة وصيام ونحوهما راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 118 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، الفقرة: (10) و: 121 ـ 122، الفقرة: (18) ـ (19) مع مراعاة هامش سماحة السيّد الحائري دام ظلّه.

12

لفرض يستمرّ المكلّف على تقليد الميّت تماماً، كما لو كان المرجع حيّاً بلا أدنى فرق في ما عمل به من أقوال المرجع وفي ما لم يعمل.

2 ـ وقد يكون الحيّ أعلم من الميّت، وعلى هذا يجب العدول إلى تقليد الحيّ في كلّ المسائل دون استثناء.

3 ـ وقد يوجد في الأحياء مَن هو مساو للميّت علماً واجتهاداً، وفي هذا الفرض أيضاً يستمرّ المكلّف على تقليد الميّت.

ومن الضروري الإشارة إلى أنّه في الحالات التي يسوغ للمقلِّد أن يستمرّ على تقليد المرجع الميّت لا يحقّ له أن يستمرّ هكذا بصورة اعتباطيّة، وإنّما يسوغ له الاستمرار كذلك بعد أن يتعرّف على الأعلم من المجتهدين الأحياء ويرجع إليه في التقليد، فيسمح له بالاستمرار على العمل بفتاوى المرجع الميّت، وإذا لم يصنع ذلك واستمرّ على تقليد الميّت بصورة اعتباطيّة كان كمن يعمل بدون تقليد.

ثمّ إنّه لو كان الميّت أعلم من أعلم الأحياء ولم يدرك المقلِّد بعقله وجوب البقاء على تقليد الميّت الأعلم ولا وجوب أخذ وظيفته من أعلم الأحياء ينحصر أمره لا محالة بالأخذ في كلّ مسألة بالأحوط من قولَي الميّت الأعلم من الأحياء وأعلم الأحياء(1).

الاجتهاد:

(10) الاجتهاد على قسمين:

أحدهما كامل، ويسمّى ذو الاجتهاد الكامل بالمجتهد المطلق، وهو القدير على استخراج الحكم الشرعي من دليله المقرّر في مختلف أبواب الفقه.



(1) لمعرفة باقي الفروع والتفاصيل ومنها الحكم في حالات العدول راجع مبحث التقليد من كتاب الفتاوى الواضحة، مع مراعاة هوامش سماحة السيّد الحائري دام ظلّه.

13

والآخر ناقص، ويسمّى ذو الاجتهاد الناقص بالمتجزّئ، وهو الذي اجتهد في بعض المسائل الشرعيّة دون بعض، فكان قديراً على استخراج الحكم الشرعي في نطاق محدود من المسائل فقط.

وكلّ من المجتهد المطلق والمجتهد المتجزّئ يجوز له أن يعمل على وفق اجتهاده في حدود قدرته على استخراج الحكم من دليله، ويجوز لكلٍّ منهما أن يعبّر عن رأيه وفتواه، ولكنّهما يختلفان في آثار اُخرى.

(11) المجتهد المطلق إذا توافرت فيه سائر الشروط الشرعيّة في مرجع التقليد المتقدّمة، جاز للمكلّف أن يقلّده كما تقدّم، وكانت له الولاية الشرعيّة العامّة في شؤون المسلمين، شريطة أن يكون كُفؤاً لذلك من الناحية الدينيّة والواقعيّة معاً. وللمجتهد المطلق أيضاً ولاية القضاء، ويسمّى على هذا الأساس بالحاكم الشرعي.

وأمّا المجتهد المتجزّئ فليست له الولاية الشرعيّة العامّة، ولا ولاية القضاء ولا يجوز للمكلّف أن يقلّده حتّى في ما اجتهد فيه من مسائل، إلّا إذا أصبح فيها أعلم من المجتهد المطلق أو تساوى معه، ولكنّ فرض التساوي مشكل فضلاً عن فرض الأعلميّة.

ويدخل ضمن ولاية المجتهد رعاية شؤون القاصرين من أيتام ومجانين إذا لم يكن لهم وليّ خاصّ، وكذلك رعاية شؤون الأوقاف العامّة التي ليس لها متولّ خاصّ بنصّ الواقف. ورعاية المجتهد لهذه الشؤون قد يكون بالمباشرة، وقد يكون بتعيين آخرين.

وإذا أمر الحاكم الشرعي بشيء تقديراً منه للمصلحة العامّة وجب اتّباعه على جميع المسلمين، ولا يعذر في مخالفته، حتّى مَن يرى أنّ تلك المصلحة لا أهمّيّة لها.

14

ومثال ذلك: أنّ الشريعة حرّمت الاحتكار في بعض السلع الضروريّة، وتركت للحاكم الشرعي أن يمنع عنه في سائر السلع، ويأمر بأثمان محدّدة تبعاً لما يقدّره من المصلحة العامّة، فإذا استعمل الحاكم الشرعي صلاحيّته هذه وجبت إطاعته.

15

أحكام عامّة في العبادات

تمييز العبادات عن التوصّليّات:

(1) توجد في الشريعة أشياء أمر الله سبحانه وتعالى بها، وشرط فيها على المكلّف أن يأتي بها من أجله سبحانه وتعالى، أي بنيّة القربة، فلا تقع صحيحة إلّا إذا كانت مع نيّة القربة، وتسمّى هذه الأشياء بالعبادات.

وخلافاً لها أشياء اُخرى أمر الله سبحانه وتعالى بها ولم يشترط على المكلّف أن يأتي بها بنيّة القربة فيكون المكلّف بالخيار، إن شاء أتى بها من أجله سبحانه وتعالى، وإن شاء أتى بها بدافع من دوافعه الخاصّة، وهي في الحالتين تقع صحيحةً وكافية، وتسمّى هذه الأشياء بالتوصّليّات، أي أنّ المقصود بها شرعاً مجرّد التوصّل إلى فوائدها بدون اشتراط نيّة مخصوصة في أدائها.

(2) العبادات في الشريعة هي: الطهارة (الوضوء والغسل والتيمّم)، والصلاة (الأذان والإقامة ونفس الصلاة)، والصيام، والاعتكاف، والحجّ، والعمرة، والطواف، والزكاة، والخمس، والجهاد، والكفّارات، والعتق. وغير هذه المذكورات من الواجبات والمستحبّات فهي توصّليّات: كتطهير البدن والملابس من النجاسة، والإنفاق على الزوجة والأقارب، وصلة الرحم، وتعليم الأحكام، وتكفين الأموات ودفنهم، ووفاء الدين، وأداء الأمانة، ونصح المستشير، والبرّ بالوالدين، وردّ التحيّة (جواب السلام)، ودفع الظلم عن المظلوم، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر،

16

وإنقاذ الإنسان من مهلكة حريق أو غرق ونحوهما، وزيارة مشاهد النبي والأئمّة(عليهم السلام)، وقراءة القرآن، إلى غير ذلك من الواجبات والمستحبّات التوصّليّة.

بعض أحكام النيّة:

(3) نيّة القربة معناها: الإتيان بالفعل من أجل الله سبحانه وتعالى، فهي الباعث نحو الفعل، سواء كانت هذه النيّة بسبب الخوف من عقاب الله تعالى، أو رغبةً في ثوابه، أو حبّاً له وإيماناً بأنّه أهل لأن يطاع، فالعبادة تقع صحيحةً إذا اقترنت بنيّة القربة على أحد هذه الأوجه، ولا يعتبر فيها أن ينوي كون الفعل واجباً أو مندوباً ومستحبّاً، بل يكفي أن يأتي به طاعةً لله تعالى، ولو لم يقصد الوجوب في الواجب أو الاستحباب والندب في المستحبّ والمندوب.

(4) إذا أتى المكلّف بالواجب التوصّليّ ـ كالإنفاق على الزوجة ـ بنيّة القربة دفع عن نفسه العقاب، واستحقّ بلطف الله تعالى الأجر والثواب.

وإذا أتى به بدافع من الدوافع الخاصّة ـ كحبّه لزوجته ـ على نحو لم يكن ليقوم بذلك لولا تلك الدوافع الخاصّة دفع عن نفسه العقاب، ولكنّه لا يستحقّ بذلك الأجر والثواب. وكذلك إذا أحسن الغنيّ بالمال في سبيل من سبل الخير فإنّه إن نوى بذلك القربة إلى الله تعالى استحقّ بلطف الله الثواب، وسمّي إحسانه بالصدقة، وإن لم ينوِ القربة لم يستحقّ ذلك، وكثيراً ما يتفضّل الله سبحانه وتعالى عليه بذلك لأنّه أكرم الأكرمين وأوسع المعطين، وخاصّة إذا كان دافعه إلى تلك الأعمال التوصّليّة عبارةً عن دوافع الخير الإنسانيّة كالرحمة والرأفة والشفقة وما إلى ذلك، بل لعلّ روايات الثواب تكون شاملةً لهذا الفرض وإن كان فرض قصد القربة هو الفرض الأتمّ والأفضل بلا إشكال. وأمّا العبادات الواجبة فلا ينجو

17

المكلّف من العقاب بسببها إلّا إذا أتى بها بنيّة القربة.

(5) إذا علم المكلّف بأنّ هذا الفعل ليس مطلوباً لله سبحانه وتعالى حرم عليه أن يأتي به بنيّة القربة، ويسمّى ذلك «تشريعاً» أي: «بدعة» والتشريع حرام. وأمّا إذا شكّ في أنّ هذا الفعل هل هو مطلوب لله أو لا؟ وأحبّ أن يأتي به بأمل أن يكون مطلوباً له لم يكن آثماً، ويسمّى هذا «احتياطاً»(1).

ما نستعرضه من العبادات في هذا الكتاب:

نستعرض العبادات التالية مع أحكامها بشكل موجز على الترتيب الآتي:

أوّلاً: نقدّم الصلاة باعتبارها أهمّ العبادات.

ثانياً: نقدّم الطهارة على الصلاة؛ لأنّ الطهارة شرط أساسي في الصلاة.

ثالثاً: أنّ الزكاة والخمس على الرغم من أنّ الجانب المالي فيهما أبرز، ولكن بما أنّهما عبادتين سوف ندرجهما في هذا المختصر.

رابعاً: لا نتكلّم عن أحكام الحجّ والعمرة والطواف، وذلك اعتماداً على كتاب مناسك الحجّ(2)، كما لا نتكلّم عن أحكام الجهاد والكفّارات مراعاةً للاختصار.

وعلى هذا الأساس سوف نستعرض في ما يلي: الطهارة، ثمّ الصلاة، فالصيام، فالاعتكاف، ثمّ الزكاة، ثمّ الخمس، تاركين غيرها من العبادات للاختصار، وللوقوف على أحكامها تراجع الرسالة العمليّة.



(1) لمعرفة باقي التفاصيل في المقام راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 151 - بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم - فما بعد، مع مراعاة الهامش. وأيضاً لمعرفة تفاصيل الكلام عن الاحتياط راجع المصدر: 128 ـ 130.

(2) ألّف سماحة السيّد الحائري دام ظلّه كتاب (مناسك الحجّ).

19

الطهارة

تمهيد

أهمّ العبادات الصلاة، فإنّها عمود الدين، وقد أوجب الشارع على المصلّي أن يكون متطهّراً من الخَبَث ومن الحَدَث.

ونقصد بالخبث هنا: النجاسة، ومردّ النجاسة إلى أشياء مادّيّة تقع تحت الحواسّ: كالدم والبول والغائط والميتة، وغيرها من الأخباث، أي النجاسات التي يأتي الكلام عنها.

وأمّا الحدث في اصطلاح الفقهاء فلا يدرك بالحسّ، بل هو أمر معنويّ يوجب الوضوء أو الغسل، ومثاله الجنابة.

والخبث يُزال وتحصل الطهارة منه بالغسل بالماء الطاهر، وبوسائل اُخرى أحياناً، كالأرض. والحدث يُزال وتحصل الطهارة منه بالوضوء بالماء الطاهر، أو الاغتسال به، وبالتيمّم بالتراب أحياناً. وسيأتي الحديث عن ذلك مختصراً إن شاء الله تعالى.

ولمّا كان الماء الطاهر هو المطهّر الرئيس من الحدث والخبث تعيّن في البداية أن نتحدّث عن الماء وأقسامه، ومتى يكون طاهراً ومطهّراً من الحدث والخبث؟ ومتى لا يكون كذلك؟

21

 

 

 

 

أقسام المياه

 

الماء مطلق أو مضاف:

(1) ينقسم الماء إلى مطلق ومضاف، وتختلف أحكام كلّ منهما عن أحكام الآخر.

والمراد بالماء المطلق: هذا الماء الذي يفهمه كلّ الناس من قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْء حَيّ﴾(1)، وهو الذي يجري في الأنابيب إلى البيوت والحمّامات والفنادق والمعابد... إلى آخره، ويشربه الإنسان والحيوانات؛ ويحيا به الشجر والنبات، ونغتسل به، ونطهّر به الأجسام والثياب، ومنه ماء البحر، والمذاب من الثلج والبرد، والمياه المعدنيّة، وبالتالي فلا يحتاج الماء المطلق إلى تفسير؛ لوضوح معناه.

والمضاف هو: إمّا ماء مطلق خالطه جسم آخر، فأخرجه عن وضعه الطبيعي وسلب عنه اسم الماء، فلم يعد ماءً حقيقةً كالشاي وماء الورد، وإمّا ماء اعتصر من جسم، كماء البطّيخ والليمون.

(2) الماء المطلق والمضاف كلاهما طاهر، لك أن تشرب منهما وتستعملهما بما شئت. والفرق الأساس بين حكم المطلق وحكم المضاف يتمثّل في ما يلي:

أوّلاً: أنّ الماء المطلق لك أن تطهّر به الشيء المتنجّس ـ كالإناء والثوب والبدن ـ إذا أصابته النجاسة، وليس لك أن تطهّره بالمضاف.

وثانياً: أنّ الماء المطلق لك أن تتوضّأ به، وتغتسل به من الجنابة، أو أيّ غسل


(1) الأنبياء: 30.
22

آخر، وليس لك أن تتوضّأ أو تغتسل بالمضاف، وهذا معنى الكلمة الفقهيّة القائلة: «الماء المطلق طاهر في نفسه، ومطهّر لغيره من الحدث والخبث، وأنّ الماء المضاف طاهر في نفسه، ولكنّه لا يرفع حدثاً ولا يزيل خبثاً».

وثالثاً: أنّ الماء المطلق لا يتأثّر ولا يتنجّس بملاقاة النجاسة إلّا في بعض الحالات(1)، وأمّا الماء المضاف فيتأثّر ويتنجّس بمجرّد ملاقاة النجاسة، وأيّ شيء ينجّس الأجسام الصلبة فإنّه ينجّسه، سواء كان الماء المضاف قليلاً أو كثيراً، نعم إذا كان الماء المضاف كثيراً فلا دليل على تنجّسه بملاقاة المتنجّس.

ورابعاً: أنّ الماء المطلق إذا تنجّس وأوصلناه بماء غزير أو أصابه ماء المطر يطهر(2). وأمّا الماء المضاف فلا يطهر بذلك إذا تنجّس، وإنّما يطهر إذا حوّلناه إلى ماء مطلق، فنطهّره بما يطهّر به الماء المطلق.

(3) المائع الذي لا يحمل اسم الماء بحال ـ كالنفط والحليب ـ يتّفق مع الماء المضاف في ما تقدّم من أحكام، فلا يصحّ التطهير به من الخبث أو الحدث، ويتنجّس بمجرّد ملاقاة النجاسة ـ نعم، لو كان كثيراً فلا دليل على تنجّسه بملاقاة المتنجّس ـ وإذا تنجّس لا يطهر بحال.

(4) إذا ملأت إبريقاً بماء الورد وأخذت تصبّه على أرض نجسة تنجّس من ماء الورد ما أصاب الأرض، ولا يتنجّس كلّ ما في الإبريق. وكذلك في كلّ حالة يتحرّك فيها المائع باندفاع فيلاقي نجساً، فإنّ الذي يتنجّس هو الملاقي المباشر، وأمّا القدر الذي بعدُ لم يندفع ولمّا يصل إلى النجاسة فلا ينجس. وهذا الحكم ثابت أيضاً في الماء المطلق إذا كان يتنجّس بالملاقاة.



(1) لاحظ الفقرة: (6) الآتية في هذا الكتاب، وأيضاً لاحظ الفقرة: (9) في الصفحة: 167من كتاب الفتاوى الواضحة، الطبعة السادسة لدار البشير بقم.

(2) على ما بيّن في المصدر السابق: 173 ـ 174، الفقرة: (25).

23

الماء المطلق كثير وقليل:

(5) ينقسم الماء المطلق إلى قسمين:

أ ـ يسمّى بالماء الكثير، ونطلق هذا الاسم:

أوّلاً: على كلّ ماء له رصيد يمدّه بالماء، ويسمّى هذا الرصيد بالمادّة؛ لما فيه من إمداد بالماء، كماء البئر النابع، وماء العيون النابعة، سواء كان الماء النابع منها جارياً أو واقفاً. وكذلك الماء الجاري في الجداول والأنهار، سواء كان مستمدّاً من عيون في جوف الأرض أو في باطن الجبال، أو من ذوبان الثلج المتراكم على رؤوس الجبال، فإنّ كلّ ماء من هذا القبيل يعتبر ماءً كثيراً، سواء كان الظاهر منه للعيان كثيراً حقّاً كما في الأنهار، أو قليلاً كما في بعض العيون النابعة الواقفة؛ لأنّ الكثرة هنا على أساس المادّة، أي الرصيد الذي يستمدّ منه الماء.

ثانياً: على ماء المطر حين نزوله من السماء، على أن يبلغ من الكثرة حدّاً يمكن أن يجري على الأرض الصلبة ولو قليلاً، فإنّه يعتبر كثيراً حينئذ، ويبقى كثيراً أيضاً بعد تجمّعه على سطح الأرض، حتّى ولو كان المتجمّع كمّيّةً ضئيلةً مادام المطر يتقاطر عليه باستمرار.

ثالثاً: على الماء الراكد الذي ليس له مادّة في الأرض ولا في السماء إذا بلغ كرّاً أو أكثر. والكرّ هو: ما كان يحتوي على اثنين وأربعين شبراً مكعّباً وسبعة أثمان الشبر من الماء الصافي الذي يستعمل في أنابيب الإسالة، هذا هو القدر المتيقّن من الروايات، والأقوى كفاية سبعة وعشرين شبراً مكعّباً بحسب الشبر المتعارف.

ب ـ يسمّى بالماء القليل، وهو غير الماء الكثير، ويعني الماء الذي لا مادّة له، ولا يبلغ مقدار الكرّ، وليس مطراً.

24

حكم القليل والكثير:

(6) والقليل والكثير طاهران مطهّران من الحَدَث والخَبث ـ مع فوارق أحياناً في كيفيّة التطهير بين القليل والكثير، وستأتي كيفيّة التطهير بالماء الكثير والقليل إن شاء الله تعالى ـ غير أنّهما يختلفان في تأثّرهما بالنجاسة، فالماء الكثير ـ لكثرته وحصانته ـ لا يتأثّر ولا يتنجّس بمجرّد ملاقاته للنجاسة، فلو أصابه بول أو دم يبقى طاهراً، ومن أجل ذلك يسمّى الماء الكثير بالماء المعتصم؛ لأنّ كثرته تحفظه من النجاسة.

وأمّا الماء القليل فيتأثّر وينجس بمجرّد أن يلاقي العين النجسة، كالبول والدم والكلب. أمّا إذا لاقاه الشيء المتنجِّس دون العين النجسة (أعني الشيء الذي تنجّس بملاقاة العين النجسة أو بملاقاة المائع المتنجّس بالعين النجسة) فإن كان الملاقي مائعاً ـ كالماء والحليب ـ يتنجّس الماء القليل بمجرّد الملاقاة(1).

وإن كان جامداً يتنجّس الماء القليل بملاقاة المتنجّس الجامد الأوّل أيضاً، إلّا أنّ هذا الماء حينئذ لا ينجّس شيئاً، وأقصد بالمتنجّس الأوّل: ما تنجّس بملاقاة عين النجس، أو بملاقاة المائع المتنجّس بعين النجس، والأثر الشرعي لتنجّس الماء القليل يظهر في حرمة شربه من ناحية، وفي عدم إمكانيّة التطهير به من الحدث والخبث من ناحية اُخرى(2).



(1) فتوى أو احتياطاً.

(2) لمعرفة باقي أحكام الماء القليل والكثير راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 167 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ فما بعد، مع مراعاة هوامش سماحة السيّد الحائري دام ظلّه.

25

الوضوء

(1) الوضوء: عبارة عن غسل الوجه واليدين، والمسح على مقدَّم الرأس وعلى القدمين، فهذه الغسلات الثلاث والمسحات الثلاث تسمّى في الشرع وضوءاً، ويطلق على الوجه واليدين ومقدَّم الرأس والقدمين أعضاء الوضوء.

وصورة الوضوء بإيجاز هي: أن تغسل وجهك بماء مطلق طاهر، ابتداءً من منابت الشعر إلى نهاية الذقن، ثمّ تغسل يدك اليمنى ابتداءً من المرفق إلى أطراف الأصابع، ثمّ تغسل يدك اليسرى كذلك، وتمسح بنفس الرطوبة التي خلّفها في باطن كفّك اليمنى مقدَّم رأسك ولو بإصبع واحدة، ثمّ تمسح ـ ولو بإصبع واحدة منها ـ أيضاً ظاهر قدمك اليمنى، ويكفي أن تضع باطن أحد أصابع كفّك اليمنى أو راحتها على أطراف أصابع قدمك اليمنى وتجرّها إلى نهاية قدمك، ثمّ تمسح برطوبة باطن كفّك اليسرى التي نشأت من الوضوء ظاهر قدمك اليسرى كذلك، وتحرص في كلّ ذلك على أن لا تتماهل إلى الدرجة التي تجفّ بسببها الرطوبة في أعضاء الوضوء قبل أن تُكمِلَ الوضوء.

ويعتبر الوضوء طهارة شرعاً، والمتوضّئ متطهّراً، والطهارة التي تحصل بالوضوء شرعاً تبقى مستمرّةً إلى أن يصدر من المتوضّئ شيء من البول أو الغائط، أو غير ذلك ممّا يسمّى شرعاً بالحدث، وسيأتي في فقرة لاحقة بيان تلك الأشياء التي تنقض أثر الوضوء، وهي ما يعبّر عنها بنواقض الوضوء، وبموجباته أيضاً.

والوضوء عبادة، بمعنى أنّه لا يصحّ ولا يحقّق طهارة شرعاً إلّا مع نيّة القربة.

26

ونيّة القربة هي: أن تأتي بالفعل من أجل الله سبحانه وتعالى، ومثالها مَن يأتي بالفعل بداعي الطاعة لله: إمّا لأنّه تعالى أهل لأن يطاع ويعبد، أو التماساً لثوابه، أو خوفاً من عذابه، فالمتوضّئ لابدّ له أن يقصد بوضوئه أنّه يأتي به لأجل الله وامتثالاً لأمره تعالى.

وللوضوء شروط وأجزاء ونواقض تفسده، وأيضاً كماليّات ومستحبّات.

1 ـ الشروط:

(2) هناك شروط للماء الذي يُتوضّأ به، وشروط في المتوضّئ، وشروط للوضوء نفسه:

أ ـ شروط ماء الوضوء:

شروط الماء الذي يتوضّأ به هي:

أوّلاً: أن يكون الماء مطلقاً، فلا يصحّ الوضوء بالماء المضاف كماء الورد.

وثانياً: أن يكون طاهراً، فلا يصحّ الوضوء بالماء النجس.

وثالثاً: أن يكون مباحاً، فلا يصحّ أن تتوضّأ بماء لغيرك بدون موافقته.

(3) إذا كان الماء مباحاً والوعاء الذي يحويه مغصوباً فهل يصحّ الوضوء بهذا الماء؟

والجواب: إذا كان المتوضّئ يغترف من هذا الإناء ويتوضّأ به صحّ الوضوء، وأثم المتوضّئ، وأمّا إذا غمس وجهه في الإناء بقصد الوضوء ورأى العرف أنّ هذا الغمس بالذات هو تصرّف في نفس الإناء المغصوب فعندئذ يكون الوضوء باطلاً.

(4) يحرم الوضوء في إناء الذهب والفضّة. نعم، لو كان يغترف من مائهما ويتوضّأ به صحّ وضوؤه، ولكنّه كان آثماً.

27

(5) لا يسوغ الوضوء بماء الآخرين إلّا مع الإذن منهم صراحةً أو بشاهد الحال، بأن كانت حالتهم تدلّ على الإذن، ومجرّد الشكّ في الرضا وعدمه غير كاف، أجل، يسوغ الشرب والوضوء من الأنهار والجداول والعيون الغزيرة النابعة، وما إليها ممّا جرت عليه عادة الناس مع عدم المنع والإنكار من أصحاب الماء؛ بل ليس لأصحاب هذا الماء منع الآخرين من ذلك.

ب ـ شروط المتوضّئ:

(6) شروط المتوضّئ التي لا يصحّ الوضوء بدونها هي:

أوّلاً: طهارة المواضع التي تغسل وتمسح في الوضوء، من الوجه واليدين والرأس والقدمين، فلو توضّأ وشيء منها نجس لم يصحّ الوضوء، ولكنّ هذا لا يعني أنّه يجب عليه أن يطهّر وجهه ويديه ورأسه وقدميه منذ البداية، بل لو كانت يده اليسرى متنجّسة ـ مثلاً ـ فبدأ بالوضوء قبل تطهيرها فغسل وجهه ثمّ طهّرها وواصل وضوءه صحّ عمله، فالمقياس أن يكون كلّ واحد من مواضع الغَسل والمسح طاهراً عند ما يغسل أو يمسح.

ثانياً: أن يكون جسم المتوضّئ ـ وبتعبير أخصّ: المواضع التي يمسحها من جسمه ـ في مكان مباح غير مغصوب عند مسح الرأس والقدمين، ولا يشترط أن يكون كذلك عند غسل الوجه واليدين، فلو صادف غسل الوجه واليدين في مكان مغصوب ومسح الرأس والقدمين في مكان مجاور مباح صحّ الوضوء.

ولو انعكس الأمر بأن غسل الوجه واليدين في مكان مباح ومسح الرأس والقدمين في مكان مجاور مغصوب بطل الوضوء وفسد.

28

ثالثاً: أن يكون المتوضّئ في حالة صحّيّة على نحو لا يضرّ به الوضوء ضرراً خطيراً، فإذا كان الوضوء يضرّ به ضرراً خطيراً ـ وهو الضرر الذي يحرم على المكلّف أن يوقع نفسه فيه ـ وجب عليه التيمّم، ولو عصى وتوضّأ بطل وضوؤه، وإذا كان الوضوء يضرّ به ضرراً يهتمّ به عقلائيّاً ويُتّقى منه فالأحوط وجوباً ترك الوضوء في تلك الحالة والانتقال إلى التيمّم.

رابعاً: نيّة القربة وحقيقتها الداعي والباعث نحو الفعل ابتغاء مرضاة الله ومن أجله؛ لأنّ الوضوء عبادة، كما تقدّم، وكلّ عبادة لا تصحّ بدون نيّة القربة(1).

ج ـ شروط الوضوء:

(7) شروط الوضوء ثلاثة:

أوّلاً: المباشرة، والمراد بها هنا: أن يزاول ويمارس المتوضّئ بنفسه أفعال الوضوء بالكامل، ولا يسوغ له أن يستنيب غيره في شيء من ذلك إلّا مع العجز والاضطرار، وليس من الاستنابة غير السائغة أن يمسك غيره إبريق الماء بيده ويصبّ الماء منه في كفّ المتوضّئ فيغسل المتوضّئ به وجهه ويتوضّأ، أو يقرّب المتوضّئ وجهه إو ذراعه من فوهة الإبريق حتّى يغمره الماء بالكامل، فإنّ هذا جائز، ويعتبر الغير هنا بمثابة اُنبوب الماء.

وإذا اضطرّ المتوضّئ إلى أن يُوضّئَه غيره لمرض ونحوه فيجب أن ينوي، فيغسل



(1) راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 184 ـ 186 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ مع مراعاة هامش سماحة السيّد الحائري دام ظلّه، لمعرفة بعض تفاصيل نيّة القربة في الوضوء وبعض الاستثناءات لبعض الشروط المذكورة.

29

الغير وجهه ويديه، ثمّ يمسح رأسه وقدميه بكفّ المريض نفسه، ويجوز له أيضاً الانتقال إلى التيمّم إن أمكنه ذلك بدلاً من رفع اليد عن المباشرة بنفسه.

ثانياً: الموالاة، بمعنى التتابع في أفعال الوضوء وعدم الفاصل بينها، بحيث لا يجفّ تمام الأعضاء السابقة في الجوّ المعتدل. ولا يضرّ جفاف العضو لحرارة الجوّ ولداء ترتفع فيه حرارة الجسم إلى الدرجة القصوى ـ مثلاً ـ أو بسبب التجفيف، ولا ينفع وجود الرطوبة في أطراف لحية متعدّية على حدّ الوجه.

ثالثاً: الترتيب بين أفعال الوضوء، والقصد منه: تقديم غسل الوجه على غسل اليد اليمنى، وتقديم هذه على اليسرى، وتقديم اليسرى على مسح الرأس، وتقديمه على مسح القدم اليمنى، وتقديم هذه على القدم اليسرى.

2 ـ الأجزاء:

أجزاء الوضوء أربعة: غسل الوجه، وغسل اليدين، ومسح الرأس، ومسح القدمين. والتفصيل كما يلي:

غسل الوجه:

الواجب الأوّل من أجزاء الوضوء: غسل الوجه.

(8) مقدار ما يغسل: بعد تحقّق نيّة القربة يجب غسل الوجه بإسالة الماء عليه، وحَدُّه طولاً منابت شعر الرأس من مقدّمه إلى نهاية الذقن، وعرضاً ما دارت عليه الإصبع الوسطى والإبهام ـ أي ما اشتملت عليه الإصبع الوسطى والإبهام من الوجه عندما تضعهما على الجبهة مفتوحتين وتمسح بهما وجهك ـ وما زاد فليس

30

بواجب، إلّا من باب الاطمئنان والتأكّد من وجود الواجب(1).

(9) ولا يجب غسل ما تحت الشعر النابت في الوجه، بل يجب غسل الظاهر من الشعر فقط، من غير فرق بين الرجل والمرأة، وبين شعر اللحية وغيرها، شريطة أن يكون الشعر كثيفاً على نحو يغطّي المحلّ كالشارب والحاجب، ولو تفرّق الشعر وظهرت البشرة للعيان من خلاله وجب غسلها، كما يجب حينئذ غسل هذا الشعر المتفرّق أيضاً.

(10) والأحوط وجوباً غسل مطبق العينين وظَهرهما معاً عند غسل الوجه، ولا يجب غسل باطن الفم أو الأنف، ولا ما طال واسترسل من اللحية، ولا الشعر المتدلّي من الرأس على الوجه.

(11) كيفيّة الغسل: يؤدّى الغسل بالكيفيّة التالية:

أوّلاً: يجب الابتداء في غسل الوجه من أعلاه إلى أسفله، فلو ابتدأ من الأسفل أو الوسط لم يصحّ الوضوء، ولا يعني ذلك التدقيق على نحو يغسل كامل جبهته ثمّ ينتقل منها إلى منطقة العينين من وجهه وهكذا فإنّ هذا تدقيق غير لازم، فلو أسال ماءً على جبهته فأصاب الجزء الأيمن من جبهته وعينه اليمنى، ثمّ أسال كفّاً آخر من الماء على الجزء الأيسر من جبهته وما تحته صحّ وضوؤه.

ثانياً: يجب إيصال الماء إلى الوجه بقصد الوضوء: إمّا بإسالة الماء عليه بالكفّ وإمرار المتوضّئ يده على وجهه لإيصال الماء إلى كامل الوجه، وإمّا بوضع الوجه تحت اُنبوب من الماء مبتدئاً من الأعلى إلى الأسفل، وإمّا بغمسه في ماء حوض وغيره مع مراعاة الابتداء من الأعلى إلى الأسفل، ففي كلّ هذه الحالات إذا كان حين إيصال الماء إلى وجهه قاصداً الوضوء بذلك صحّ منه.



(1) لمعرفة بعض التفاصيل والاستثناءات في المقام راجع المصدر السابق: 188، الفقرة: (20).