204

ـ لكي تقع صحيحةً ـ كلّ ما هو شرط لصحّة صلاة الجماعة.

(3) ثانياً: أن لا يقلّ عدد المشتركين في جماعة الجمعة عن خمسة أحدهم الإمام.

(4) ثالثاً: أن تسبقها خطبتان من قِبل إمام صلاة الجمعة، وذلك بأن يقوم الإمام خطيباً، فيحمد الله ويثني عليه، ويوصي بتقوى الله، ويقرأ سورةً من الكتاب العزيز، وبعد ذلك يجلس قليلاً، ثمّ يقوم خطيباً مرّةً ثانية، فيحمد الله ويثني عليه، ويصلّي على محمّد(صلى الله عليه وآله) وعلى أئمّة المسلمين(عليهم السلام). وبعد ذلك يبدأ بالصلاة.

ويجب على الإمام في الخطبتين أن يرفع صوته على نحو يسمعه عدد من المأمومين.

ولا يجب أن يكون غير القرآن من عناصر الخطبة باللغة العربيّة وإن كان ذلك أحوط استحباباً. وإذا كان المأمومون لا يفهمون اللغة العربيّة فعلى الإمام أن يعظهم باللغة التي يفهمونها.

(5) رابعاً: أن لا تكون قد اُقيمت صلاة جمعة اُخرى في مكان آخر قريب من تلك الصلاة. ونريد بالمكان القريب هنا: ما كانت المسافة فيه بين المكانين أقلّ من فرسخ(1).

فنحن لا نفتي بصحّة صلاة الجمعة إلّا إذا خلت بركعتيها وخطبتيها عن المزاحمة في الفاصل المطلوب بجمعة اُخرى بركعتيها وخطبتيها تماماً، فلو اشتركتا ولو بجزء من



(1) لو بنينا على ما نقله صاحب كتاب الأوزان والمقادير في الصفحة (132) من كتابه من أنّ الميل ـ وهو ثلث الفرسخ، وهو التعبير الوارد في روايات الباب، حيث حدّدت الفاصل بين صلاتي الجمعة بثلاثة أميال ـ يساوي أربعة آلاف ذراع، وبنينا على ما ادّعاه صاحب كتاب الأوزان والمقادير في الصفحة (56) من كتابه من أنّ الذراع بحسب تجربته يساوي (46) سنتيمتراً ونصف فالميل يساوي (1860) متراً، والفرسخ يساوي (5580) متراً، أي أنّه يساوي خمسة كيلومترات ونصفاً وثمانين متراً.

أقول: إنّ تقريب الميل أو الفرسخ بتقريب الكيلومترات لا يثبت لنا إلّا بأمر تقريبي لا بأمر دقّي.

205

ذلك لم نفتِ بصحّة هذه ولا تلك، ولو تأخّرت إحداهما عن الاُخرى تماماً أفتينابصحّة الاُولى دون الثانية، نعم، إذا كانت إحدى الصلاتين باطلةً ـ على أيّ حال ـ حتّى ولو كانت وحدها لسبب من الأسباب فلا تضرّ بالصلاة الاُخرى حينئذ.

وإذا تقارنت صلاتا جمعة في مكانين متقاربين دون أن يعلم جماعة كلٍّ من الصلاتين بالصلاة الاُخرى وانتهتا في وقت واحد فكلتا الصلاتين صحيحة. وكذلك إذا بدأت إحداهما بعد ابتداء الاُخرى بدون علم وانتهتا معاً في وقت واحد.

حكم صلاة الجمعة:

(6) تجب إقامة صلاة الجمعة وجوباً حتميّاً في حالة وجود سلطان عادل متمثّلاً في الإمام، أو فيمن يمثّله.

ويراد بالسلطان العادل: الشخص أو الأشخاص الذين يمارسون السلطة فعلاً بصورة مشروعة، ويقيمون العدل بين الرعيّة. وهذا الحكم الأوّل لصلاة الجمعة يعبّر عنه بـ «الوجوب التعييني لإقامة صلاة الجمعة».

(7) وأمّا في حالة عدم توفّر السلطان العادل فصلاة الجمعة واجبة أيضاً، ولكنّها تجب على وجه التخيير، وذلك أنّ المكلّفين في هذه الحالة يجب عليهم أن يؤدّوا الفريضة في ظهر يوم الجمعة: إمّا بإقامة صلاة الجمعة جماعةً على نحو تتوفّر فيها الشروط السابقة، وإمّا بالإتيان بصلاة الظهر. وأ يّهما أتى به المكلّف أجزأه وكفاه، غير أنّ إقامة صلاة الجمعة أفضل وأكثر ثواباً، وهذا هو الحكم الثاني لصلاة الجمعة، ويعبَّر عنه بـ «الوجوب التخييريّ لإقامة صلاة الجمعة»(1).



(1) كما أنّ حضورها حينئذ واجب على وجه التخيير أيضاً، ويعبّر عن هذا الحكم بـ «الوجوب التخييريّ لحضور صلاة الجمعة».

206

(8) وإن أقام السلطان العادل أو من يمثّله صلاة الجمعة واجدةً للشرائط وجب على سبيل الحتم والتعيين على المكلّفين عموماً الحضور والاشتراك في صلاة الجمعة؛ لأنّ إقامتها نداء لصلاة الجمعة، وإذا نودي لصلاة الجمعة وجب السعي إلى ذكر الله، وهذا هو الحكم الثالث لصلاة الجمعة، ويعبّر عنه بـ «الوجوب التعييني لحضور صلاة الجمعة».

وكما يجب حضور الصلاة وفقاً للحكم الثالث المتقدّم كذلك يجب حضور الخطبتين والإصغاء عند الحضور أيضاً، ولو تقاعس شخص عن السعي إلى صلاة الجمعة ففاتته الخطبة وأدرك الصلاة صحّت منه.

(9) وإذا فاتت الإنسان صلاة الجمعة فلا يسمح له بإقامتها ثانيةً، حتّى ولو كان وقتها باقياً، بل يتعيّن عليه أن يأتي بصلاة الظهر.

وهناك استثناءات من وجوب حضور صلاة الجمعة وأيضاً فروع اُخرى تركناها للاختصار(1).



(1) للوقوف عليها راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 421 ـ 422 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ مع مراعاة الهوامش.

207

الصيام

يجب الصيام في حالات معيّنة، أهمّها: شهر رمضان المبارك، فإنّ الصيام في هذا الشهر من أهمّ واجبات الشريعة، وأحد الأركان الخمسة التي بني عليها الإسلام.

ويعتبر هذا الواجب من ضروريّات الدين ـ أي من البديهيّات الدينيّة ـ فمن أنكره تحدّياً وتمرّداً كان كافراً، ومن أقرّ بالوجوب ولكنّه عصاه وأفطر بدون عذر شرعيّ كان آثماً، وهو جدير بالتأديب في الدنيا (التعزير) والعقاب في الآخرة ما لم يتب.

الصيام في شهر رمضان(1)

متى يجب صيام رمضان؟

يجب صيام شهر رمضان على كلّ إنسان تتوفّر فيه الشروط التالية:

(1) الأوّل: البلوغ، وهو أحد الشروط العامّة للتكليف(2) فلا يجب الصيام على غير البالغ، ولكن إذا صام فهو مأجور، وإذا طلع عليه الفجر وهو غير بالغ فلا يكلّف بالصيام.



(1) تركنا التعرّض لأحكام الصيام في غير شهر رمضان للاختصار.

(2) للوقوف على الشروط العامّة للتكليف وتفاصيلها راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 136 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ فما بعد، مع مراعاة هامش سماحة السيد الحائري دام ظلّه.

208

(2) الثاني: العقل، وهو أيضاً من الشروط العامّة للتكليف، فلا يجب الصيام على المجنون، ولكي يجب الصيام لابدّ أن يستمرّ بالإنسان عقله ورشده إلى نهاية النهار، فلو فقد عقله في جزء منه فليس صيام ذلك النهار واجباً عليه.

(3) الثالث: أن لا يصاب المكلّف بالإغماء قبل أن ينوي الصيام، فإذا فاجأه الإغماء قبل أن ينوي صيام النهار المقبل واستمرّ به الإغماء إلى أن طلع عليه الفجر فلا يجب عليه صيام ذلك اليوم، حتّى ولو أفاق صباحاً أو ظهراً وانتبه إلى نفسه.

وأمّا إذا نوى المكلّف الصيام في النهار المقبل ثمّ اُغمي عليه بعد النيّة وأفاق في أثناء النهار فعليه أن يواصل صيامه ويحتسب من الصيام الواجب، وكذلك إذا أصبح صائماً واُغمي عليه في أثناء النهار ساعةً أو أكثر ثمّ أفاق فإنّه يبقى على صيامه ويحتسب من الصيام الواجب.

(4) الرابع: أن تكون المرأة نقيّة من دم الحيض والنفاس طيلة النهار. وإذا صامت المرأة وهي غير نقيّة ولو في جزء من النهار لم يكن صيامها مطلوباً، ولا يعفيها من القضاء.

(5) الخامس: الأمن من الضرر، فإذا لم يكن المكلّف آمناً من الضرر بسبب الصوم فلا يجب عليه الصيام، فمن يخشى أن يصاب بمرض من أجل الصوم، ومن كان مريضاً ويخشى أن يطول به المرض أو يشتدّ أو يصاب بمرض آخر بسبب الصوم، ومن كان مريضاً وأجهده المرض وأضعفه فأصبح يعاني صعوبةً ومشقّةً شديدةً في الصيام كلّ هؤلاء يسوغ لهم الإفطار، ولا يجب عليهم الصيام.

ولكن ليس كلّ ضرر صحّيّ وكلّ مرض ينشأ من الصوم يسوّغ الإفطار ويعفي المكلّف من وجوب الصيام، فالصيام إذا كان يسبّب صداعاً بسيطاً، أو التهاباً جزئياً

209

في اللوزتين أو العين أو الاُذن فلا يسوغ الإفطار بسبب شيء من هذا القبيل ممّا لا يراه الناس عادةً مانعاً عن ممارسة مهامّهم، وإنّما يسقط الوجوب إذا كان الصيام يسبّب صداعاً شديداً، أو حمّىً عاليةً(والحمّى حتّى إذا كانت خفيفة فهي تكشف عادة عن التهاب شديد يهتمّ به الإنسان العرفيّ، فإذا كانت كذلك أوجبت الإفطار)، أو التهاباً معتدّاً به بدرجة يهتمّ العقلاء بالتحفظّ منها عادةً، والشدّة نفسها أمر نسبي في الأشخاص، فالإنسان المتداعي صحّيّاً قد تكون الحمّى البسيطة شديدةً بالنسبة إليه ومثيرةً لمتاعب صحّيّة كبيرة عنده(1).

(6) وإذا كان الإنسان مريضاً ولكنّ الصيام لا يضرّه ولا يعيق شفاءه ولايشقّ عليه مشقّةً شديدةً فعليه أن يصوم.

(7) والمكلّف تارةً يتأكّد من الضرر الصحّي، واُخرى يظنّ بوقوعه، وثالثةً يحتمل ذلك كما يحتمل عدم وقوعه على السواء، ورابعةً يحتمل الضرر الصحّي بدرجة أقلّ من خمسين بالمئة، ولكنّها درجة تبعث في النفس الخوف والتوجّس، كما إذا خشي على عينه من الرمد أو العمى واحتمل ذلك بدرجة ثلاثين بالمئة مثلا، وخامسةً يحتمل الضرر الصحّي بدرجة ضئيلة لا تبعث في النفس خوفاً وتوجّساً، ففي الحالات الأربع الاُولى يسوغ الإفطار، وفي الحالة الخامسة لا يسوغ ويجب الصيام.

(8) وفي الحالات التي يسوغ فيها الإفطار إذا لم يأخذ المكلّف بهذه الرخصة وصام موطّناً نفسه على المرض وتحمّل الضرر الصحّي، فصيامه غير مقبول ولا يعفيه من القضاء.



(1) لمعرفة حكم المريض الذي لا يجب عليه الصوم من ناحية القضاء والفدية راجع فصل الكفّارات وفصل صيام قضاء شهر رمضان من كتاب الفتاوى الواضحة.

210

(9) وإذا صام باعتقاد عدم الضرر واطمئناناً بالسلامة، ثمّ اتّضح له بعد إكمال الصيام أنّه كان على خطأ وأنّ الصوم أضرّ به، فعليه أن يقضي ولا يكتفي بذلك الصوم.

(10) وإذا صام وهو معتقد للضرر، وتبيّن له بعد ذلك أنّه كان مخطئاً في اعتقاده وأنّ الصيام لم يضرّه، قُبل منه هذا الصوم وعفاه من القضاء بشرطين:

أحدهما: أن لا يكون الضرر الذي اعتقده أوّلا من الأضرار الخطيرة التي يحرم على كلّ مكلف أن يوقع نفسه فيها ويعاقب عليها، كالسرطان والسلّ والشلل والعمى والإقعاد ونحو ذلك.

والآخر: أن يكون الصيام الذي وقع منه لأجل الله سبحانه وتعالى، أي أن تتوفّر لديه نيّة القربة، كما إذا كان جاهلا بأنّ المريض لا يطلب منه الصيام فصام من أجل الله حقّاً وهو معتقد للمرض والضرر، وأمّا إذا كان يعلم بأنّ المريض لا يطلب منه الصيام فلا يمكنه أن ينوي القربة وهو يرى نفسه مريضاً.

(11) وإذا طلع الفجر على الإنسان وهو مريض مرضاً لا يجب معه الصيام، ولكنّه لم يتناول مفطراً بسبب نوم ونحوه وعوفي في أثناء النهار، فهل يجب عليه أن يواصل إمساكه ويعتبره كاملا؟

والجواب: أنّ هذا يجب عليه أن يواصل إمساكه ويقضيه بعد ذلك، وتستثنى من ذلك حالة واحدة لا يجب فيها الإمساك، وهي: أن يكون مرضه قد تطلّب منه في الساعات الاُولى من النهار التي كان فيها مريضاً أن يفطر في ذلك الوقت بتناول دواء ـ مثلا ـ أو نحو ذلك، غير أنّه تماهل ولم يتناول حتّى شفي من مرضه، ففي هذه الحالة لا يجب عليه أن يواصل إمساكه، وله أن يأكل ويشرب في ذلك اليوم حتّى بعد العافية.

211

(12) وإذا وجد الإنسان نفسه صحيحاً ولكن طبيباً ثقةً في قوله وماهراً في فنّه فحصه وأخبره بأنّ الصوم يضرّه ضرراً لا يجب معه الصيام ولكنّه لم يبعث في نفسه الخوف والقلق لما يجد في حالته الصحّيّة من عافية، فجواز الإفطار في هذه الحالة مشكل.

(13) وقد يجد الإنسان نفسه متداعياً صحّيّاً ويخاف أن يضرّه الصوم، ولكنّ الطبيب يخبره بأنّه لا ضرر عليه من الصيام فهل يأخذ بقوله ويصوم، أو يعمل وفقاً لشعوره وتخوّفه الخاصّ؟

والجواب: أنّه يعمل وفقاً لشعوره وتخوّفه الخاصّ ما لم يكن هذا الشعور والتخوّف ناشئاً من شذوذ ووسوسة، كما هو الغالب في من يخشى الضرر مع تأكيد الطبيب الثقة الماهر له على عدم الضرر.

(14) السادس: أن لا يكون الصيام محرجاً له وموقعاً له في مشقّة شديدةوأمام مشكلة حياتيّة، من قبيل الإنسان الذي يمنعه الصيام عن ممارسة عمله الذي يرتزق منه: إمّا لأنّه يسبّب له ضعفاً لا يطيق معه العمل، وإمّا لأنّه يعرّضه لعطش لا يطيق معه الإمساك عن الماء، أو لغير ذلك، ففي هذه الحالة إذا كان بإمكان الفرد بصورة غير محرجة أن يُبدِل عمله أو يؤجّله مع الاعتماد في رزقه فعلاً على مال موفّر أو دين أو نحو هذا وجب عليه ذلك لكي يصوم، وإلّا سقط عنه وجوب الصوم، والأحوط وجوباً أن لا يسمح لنفسه بأن يأكل ويشرب ويمارس ما يمارسه المفطر كيفما يشاء، بل يقتصر على الحدّ الأدنى الذي يفرضه عليه عمله ويدفع به الحرج والمشقّة عن نفسه، ثمّ يقضيه بعد ذلك إذا تيسّر له.

(15) السابع: أن لا يكون ممّن وجب عليه التقصير في صلاته من أجل السفر،

212

فكلّ مسافر وجب عليه أن يقصّر الصلاة لا يجب عليه الصيام، ولو صام والحالة هذه كان عبثاً، ولا يعفيه من القضاء إلّا في حالة واحدة، وهي: أن يصوم جهلاً منه بأنّ المسافر لا صيام عليه، فيقبل منه صيامه حينئذ إذا لم يطّلع في أثناء النهار على الحكم الشرعي بأنّ المسافر لا يكلّف بالصيام، وأمّا إذا اطّلع في الأثناء على هذا وواصل صيامه على الرغم من ذلك فصيامه باطل.

فالصيام إذن يجب على الحاضر المتواجد في بلدته، وكذلك على المسافر الذي لا يجب عليه التقصير في الصلاة، كالمقيم عشرة أيّام، ومن كان عمله السفر، ومن سافر سفر المعصية، ومن مضى عليه ثلاثون يوماً وهو متردّد في مكان ما.

(16) ويسمح للمكلّف قبل حلول شهر رمضان أو بعد حلوله أن يسافر ولو بدون ضرورة، أو حبّاً في التخلّص من الصيام فإنّ ذلك جائز وإن كان يضيّع على المكلّف أجراً عظيماً.

(17) وإذا طلع الفجر على الإنسان وهو حاضر ثمّ سافر في أثناء النهار: فإذا سافر وخرج من البلد قبل الظهر فلا يجب عليه صيام ذلك اليوم، بل عليه القضاء بعد ذلك، سواء كان قد اتّخذ قراراً بالسفر من الليل أو اتّخذه بعد طلوع الفجر، وسواء كان حين حلّ عليه الظهر قد ابتعد عن بلده كثيراً أو لا يزال على مقربة منه، بمعنى: أنّ مبدأ المسافة الذي لابدّ أن يخرج منه قبل الظهر هو البلد لا حدّ الترخّص، وإن كان يجب عليه لأجل الإفطار أن ينتظر الوصول لحدّ الترخّص. وإذا سافر وخرج من البلد بعد الظهر فصيام ذلك اليوم واجب وعليه أن يواصله.

(18) وإذا انعكس الأمر وطلع عليه الفجر وهو مسافر ثمّ وصل إلى بلدته أو بلدة قرّر البقاء فيها عشرة أيّام فماذا يصنع؟

213

والجواب: إذا كان هذا المسافر قد أفطر قبل الوصول إلى بلدته(1) فلا صيام له ويستمرّ على إفطاره ويقضيه بعد ذلك، وإذا لم يكن قد أفطر قبل الدخول فينظر: فإن كان دخوله قبل الظهر وجب عليه أن ينوي الصيام ويصوم ويحتسب له من الصيام الواجب، وإن كان دخوله إلى البلدة بعد الظهر فلا صيام له، وله أن يفطر، وعليه أن يقضيه بعد ذلك.

وإذا طلع الفجر على المكلّف وهو في بلدته ثمّ سافر صباحاً ورجع قبل الظهر من نفس اليوم فالأجدر به وجوباً أن ينوي ويصوم، ثمّ يحتاط وجوباً بعد ذلك بالقضاء أيضاً.

(19) وفي كلّ الحالات التي يطرأ فيها على المكلّف أثناء النهار ما يعفيه من الصوم ـ من حيض أو نفاس أو مرض أو سفر ونحو ذلك ـ إذا افترضنا أنّ المكلّف علم سابقاً بأنّ هذا الطارئ سوف يحدث في أثناء النهار فهل يمكنه أن يفطر قبل ذلك ويتناول الطعام والشراب مادام يعلم أنّ صيام ذلك اليوم لن يتمّ له؟

والجواب: أنّ ذلك لا يجوز، بل يجب أن ينوي ويصوم عند طلوع الفجر، ويبقى صائماً إلى أن يطرأ ما يعفيه من الصيام، فلو علمت المرأة بأنّها ستحيض بعد ساعة من النهار لم يجزْ لها أن تأكل في النهار قبلَ أن تحيض، وإذا علم المكلّف بأنّه سيسافر قبل الظهر فلا يسوغ له أن يفطر إلّا بعد خروجه من بلده وابتعاده عنه بمسافة لا تُتيح له أن يرى من يقف في نهاية البلد ولا أن يراه ذلك.

(20) الثامن: أن لا يكون المكلّف قد اُصيب بشيخوخة أضعفته عن الصيام، ويشمل ذلك من بلغ السبعين من الرجال والنساء وكانت شيخوختهم سبباً في ضعفهم وصعوبة الصوم عليهم، فهؤلاء معفوّون عن الصيام، ولكن يدفعون الفدية على الأحوط



(1) بالنسبة للوصول إلى بلدته يكفي الوصول إلى حدّ الترخّص.

214

وجوباً، فإن أحبّوا أن يصوموا برجاء القبول ومع ذلك يلتزمون بدفع الفدية فلا بأسبذلك، والفدية: ثلاثة أرباع الكيلو من الحنطة أو الخبز، أو غير ذلك من الطعام عن كلّ يوم يفطرون فيه من شهر رمضان يدفعونها إلى بعض الفقراء، وليس عليهم أن يقضوا تلك الأيّام. وإذا بلغ ضعف هؤلاء إلى درجة عجزوا معها عن الصيام وتعذّر عليهم نهائيّاً، أو كان مضرّاً ضرراً صحّيّاً فأيضاً الأحوط وجوباً هو أن يدفعوا الفدية.

(21) التاسع: أن لا يكن مصاباً بداء العطش، وهو من يسمّى بذي العطاش الذي يُمنى بحالة مرضيّة تجعله يشعر بعطش شديد فيشرب الماء ولا يرتوي، وكلّ من اُصيب بهذه الحالة وكان يعاني مشقّةً وصعوبةً في الصيام من أجل ذلك فالأحوط وجوباً تعيّن الفدية عليه، ولو أراد أن يصوم رجاءً ويجمع بين الصوم والفدية فلا بأس بذلك، وكذلك الأحوط وجوباً أن يدفع الفدية في ما إذا بلغت به المشقّة إلى درجة يتعذّر معها الصيام نهائيّاً.

(22) العاشر: أن لا تكون المرأة حاملاً مقرباً ويضرّ الصوم بحملها أو بنفسها بسبب الحمل، فإن كانت كذلك جاز لها الإفطار، وعوّضت بالفدية المذكورة آنفاً عن كلّ يوم وعليها القضاء بعد ذلك، وأمّا إذا كان الصوم مضرّاً بصحّة المرأة الحامل لا بسبب الحمل فهذا معناه عدم توفّر الشرط الخامس من شروط الوجوب التي تقدّمت، فلها أن تفطر ولا فدية عليها.

ومثل المرأة الحامل المرأة المرضِعة، فإذا كان صيامها مضرّاً بالولد ويسبّب قلّة غذائه فلها أن تفطر وتعوّض بالفدية ثمّ تقضي. ولا يشمل حكم المرأة المرضعة هذا من كان بإمكانها أن ترضع ولدها من غير حليبها، أو من الحليب المعلّب إذا لم يتضرّر الوليد الرضيع بذلك.

وإذا كان صيامها مضرّاً بها لا بسبب الرضاع أفطرت ولا فدية عليها.

215

واجباتُ الصيام:

يجب على الصائم في شهر رمضان ما يلي:

النيّة:

(23) أوّلا: النيّة، بأن ينوي الالتزام بواجبات الصيام والاجتناب عن مفطراته قربةً إلى الله تعالى، وبعبارة موجزة: أن ينوي الصيام قربةً إلى الله، ويحرم ويبطل بالرياء، كما هي الحالة في كلّ عبادة أيضاً(1).

ويكفي في نيّة القربة أن يكون في نفس المكلّف باعث ودافع إلهي يمنعه عن الطعام والشراب ونحوهما في ما إذا لم يكن نائماً ولا غافلا ولا عزوفاً ، فالنائم والغافل والعزوف إذا عرف من نفسه أنّه حتّى لو لم ينم ولم يغفل ولم يكن عزوفاً لا يأكل ولا يشرب من أجل الله تعالى كفاه ذلك في نيّة الصوم.

(24) ويكفي الصائم أن ينوي أنّه يصوم هذا النهار من طلوع الفجر إلى المغرب على أن لا يقصد به صوماً آخر غير صيام شهر رمضان من قبيل صوم الكفّارة، وإلّا خسر المكلّف بذلك كلا الصيامين، فلا يقبل منه كصيام شهر رمضان، ولا كصيام كفّارة.

(25) ويجب أن لا تتأخّر النيّة لدى الصائم في شهر رمضان عن طلوع الفجر، فإن طلع الفجر عليه في شهر رمضان وهو غير ناو للصيام غفلةً أو جهلا، ثمّ تفطّن قبل أن يستعمل مفطراً فعليه أن ينوي الصيام بأمل أن يقبله الله تعالى منه ثمّ يقضيه بعد



(1) راجع لتفاصيل النيّة كتاب الفتاوى الواضحة: 150 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ فما بعد، مع مراعاة الهامش، وقد تقدّم بعضها تحت عنوان أحكام عامّة في العبادات.

216

ذلك، وأمّا إذا كان قد استعمل المفطر في حال غفلته وجهله فعليه أن يمسك تشبّهاً بالصائمين، ثمّ يقضيه بعد ذلك.

وإن طلع الفجر عليه وهو غير ناو للصيام عن تعمّد وعصيان ثمّ آب إلى رشده في أثناء النهار فعليه أن يمسك تشبّهاً بالصائمين، ثمّ يقضيه بعد ذلك.

(26) وبإمكانه أن ينوي الصيام في الليل، وتكفيه تلك النيّة ما لم يعدل عنها، فإذا قرّر أوّل الليل أن يصوم غداً ونام على هذا الأساس وطلع عليه الفجر وهو نائم واستيقظ نهاراً وهو على نيّته صحّ صومه، بل إذا دخل عليه شهر رمضان فنوى أن يصوم الشهر كفته تلك النيّة للشهر كلّه ما لم يعدل عنها، وهذا يعني أنّه لو استمرّ به ـ بعد ذلك ـ النوم لسبب طارئ مدّة يومين أو أكثر اعتبر صائماً في كلّ تلك الأيّام التي قضاها نائماً.

(27) وتجب النيّة في الصيام ابتداءً واستمراراً، وعليه فمن قصد الإفطار في يوم من شهر رمضان أو تردّد في البقاء أو الاستمرار على الصيام بطل صومه، سواء أحَدَثَ ذلك قبل الزوال أم بعده، ويجب عليه الإمساك تشبّهاً بالصائمين، ثمّ القضاء بعد شهر رمضان.

(28) وإذا صدر من الصائم شيء كما إذا وضع قطرةً في عينيه، ثمّ شكّ هل أنّ القطرة في العين تبطل الصيام أوْ لا فتردّد في صيامه على أساس هذا الشكّ، ثمّ سأل فعرف أنّ قطرة العين لا تفطّر الصائم، فهل يبطل صومه بذلك التردّد الذي أصابه بسبب الشكّ في بطلان الصوم؟

والجواب: أنّ هذا التردّد لا يبطل به الصوم مادام لا يزال ناوياً للصيام في حالة كون القطرة غير مفطّرة.

217

(29) وليس من الضروريّ في نيّة الصيام أن يكون الصائم على معرفة كاملة بكلِّ المفطرات التي ينوي الاجتناب عنها، بل يكفي أن يجد في نفسه ـ عند النيّة ـ القدرة على اجتناب تلك المفطرات ولو بالتعرّف عليها بعد ذلك، أو بترك كلّ ما يحتمل كونه مفطّراً.

الطهارة من الجنابة عند الفجر:

(30) ثانياً: الطهارة من الجنابة عند الفجر، فإنّ المكلّف إذا كان جنباً فعليه أن يغتسل قبل طلوع الفجر، فإذا ترك الغسل وهو عالم بأنّه جنب متعمّداً حتّى طلع عليه الفجر لم يقبل منه صيام ذلك اليوم، وعليه أن يمسك تشبّهاً بالصائمين، كما أنّ عليه ما على من أكل متعمّداً في نهار شهر رمضان من القضاء والكفّارة.

(31) وإذا علم الإنسان بأنّه جنب ولكنّه نسي الغسل فحاله كذلك أيضاً، غير أنّ الكفّارة لا تجب عليه.

(32) وإذا أجنب في حالة اليقظة ليلا بجماع أو غيره فلا يسمح له بالنوم قبل أن يغتسل، إلّا إذا كان معتاداً على الانتباه قبل طلوع الفجر، أو وضع منبّهاً له من أجل إيقاظه قبل الفجر لكي يغتسل.

(33) وإذا أجنب المكلّف في حالة اليقظة، ثمّ نام وليس في نيّته أن يغتسل واستمرّ به النوم إلى أن طلع الفجر فهو بمثابة من ترك الغسل وهو متيقّظ متعمّداً.

وإذا أجنب المكلّف كذلك ثمّ نام ناوياً أن يغتسل إذا استيقظ قبل طلوع الفجر، ولكنّه لم يكن معتاداً للانتباه من نومه قبل الفجر، فامتدّ به النوم إلى أن طلع الفجر، فعليه أن ينوي الصيام بأمل أن يُقبل منه ويمسك ذلك النهار، ويحتاط وجوباً بعد ذلك بالقضاء والكفّارة.

218

وإذا أجنب المكلّف في حالة اليقظة، ثمّ نام ناوياً للاستيقاظ للغسل قبل طلوع الفجر وكان من عادته أن يستيقظ كذلك، أو وضع له منبّهاً لإيقاظه ولكن استمرّ به النوم إلى أن طلع الفجر فلا شيء عليه ويصحّ صومه.

وفي هذه الحالة إذا استيقظ في الأثناء فلا يسمح له بأن ينام إلّا إذا اطمأنّ بأنّ ذلك لن يفوِّت عليه الغسل قبل طلوع الفجر. وإذا نام مرّةً ثانيةً بعد أن استيقظ من نومه الأوّل معتمداً على أنّه سينتبه عادةً ويغتسل ولكن استمرّ به النوم إلى أن طلع الفجر فعليه أن يمسك تشبّهاً بالصائمين، ويقضي بعد ذلك ولا كفّارة عليه. والحكم نفسه يثبت في ما لو استيقظ مرّتين أو أكثر ونام معتمداً على أنّه معتاد على الانتباه فغلبه النوم إلى طلوع الفجر.

(34) وإذا حصلت الجنابة بالاحتلام في حالة النوم ليلا: فإن امتدّ به النوم إلى أن طلع الفجر فلا شيء عليه وصيامه صحيح، وإن أفاق من نومه الذي احتلم فيه فالأجدر به احتياطاً أن لا ينام مرّةً ثانيةً قبل الغسل ما لم يثق بأنّه لن يفوته الاغتسال قبل طلوع الفجر. وإذا نام مرّةً ثانيةً اعتماداً على أنّه معتاد على الانتباه وأنّ الوقت واسع فامتدّ به النوم إلى طلوع الفجر أمسك طيلة النهار، وعليه القضاء دون الكفّارة. وأمّا إذا صنع ذلك ولم يكن معتاداً على الانتباه فعليه ـ إضافة إلى الإمساك طيلة النهار ـ القضاء والكفّارة.

(35) ولا يسمح للمكلّف بأن يقارب زوجته ويجنب نفسه في اللحظات الأخيرة من الليل التي لا تتّسع للغسل قبل طلوع الفجر، ولو صنع المكلّف شيئاً من ذلك عصياناً أو سهواً فعليه أن يبادر إلى التيمّم بدلا عن الغسل ويصحّ بذلك صيامه. ولا يجب عليه إذا تيمّم أن يظلّ يقظاً إلى طلوع الفجر. وأمّا إذا أهمل ولم يتيمّم حتّى طلع الفجر فلا

219

يقبل منه الصيام، وعليه أن يتشبّه بالصائمين بالإمساك، وبعد ذلك يقضي ويكفِّر.

(36) وليست الحائض والنفساء كالجنب، فاذا نقت المرأة من دم الحيض والنفاس في الليل من شهر رمضان وجب عليها صيام نهار غد، ولا يجب عليها أن تبادر إلى الغسل قبل طلوع الفجر وإن كانت المبادرة أحسن وأحوط استحباباً.

وكذلك الأمر في مَن مسّ ميّتاً قبل طلوع الفجر ووجب عليه الغسل من أجل ذلك فإنّ بإمكانه تأخير الغسل إلى ما بعد طلوع الفجر.

(37) وفي كلّ حالة وجب فيها على الصائم أن يغتسل قبل طلوع الفجر إذا تعذّر فيها الغسل عليه كذلك؛ لعدم الماء، أو لأنّه مريض يخاف من استعماله، أو لضيق الوقت، إلى غير ذلك من مسوّغات التيمّم فعليه أن يتيمّم ويكفيه ذلك لأداء الصيام.

(38) صوم المستحاضة غير مشروط بالغسل.

الاجتناب عن المفطرات:

ثالثاً: الاجتناب عن المفطرات، والمفطرات اُمور لابدّ للصائم من اجتنابها أثناء النهار، وهي كما يأتي:

(39) الأوّل والثاني: الأكل والشرب، سواء كان المأكول والمشروب قليلاً أم كثيراً، معتاداً كان كالخبز والماء أم غير معتاد كابتلاع الحصى أو شرب النفط، ويشمل ذلك حتّى الأجزاء الصغيرة من الطعام التي تتخلّف بين الأسنان فإنّ الصائم لا يجوز له ابتلاعها، بل لا يجوز حتّى ابتلاع الغبار الذي يشتمل على أجزاء ترابيّة ظاهرة للعَيان وإن صغرت، وهو ما يسمّى بالغبار الغليظ.

220

والأجدر بالصائم ـ احتياطاً ووجوباً ـ أن لا يدخل الدخان إلى جوفه أيضاً، وأمّا البخار والغبار الذي تصاغرت فيه الأجزاء الترابيّة إلى درجة لا يبدو لها وجود فلا يضرّ بالصيام.

وكلّ ما يخرج من الجوف والصدر ويصل إلى الحلق ـ كالبلغم ونحوه ـ يجب على الصائم قذفه وطرحه، ولا يسوغ له أن يبتلعه. أجَلْ، لا حرج عليه في البصاق الذي يتكوّن في فمه فإنّه لا يضرّ الصائم أن يبتلعه عن قصد أو غير قصد مهما كثر.

ولا يضرّ الصيام ولا يفطر الصائم أن يكتحل أو يضع قطرةً في عينه أو في اُذنه وإن تسرّبت إلى جوفه، أو يصبّ دواءً في جرح مفتوح في جسمه، أو يزرق إلى بدنه شيئاً عن طريق الإبرة مهما كان نوعها، ومن ذلك ما يسمّى بالمغذّي الذي يزرق إلى جسم المريض عن هذا الطريق.

وإنّما الممنوع عنه أن يدخل الصائم طعاماً أو شراباً إلى معدته عن طريق الحلق، وإذا أدخل الصائم شيئاً من ذلك إلى حلقه عن طريق الأنف ـ كما في الاستنشاق بالأنف مثلا ـ فقد أضرّ بصومه أيضاً، وعليه مثل ما على من أدخله عن طريق الفم.

ولو اُجريت فتحة طبّيّة مصطنعة في الجسم لسبب طارئ بُغيةَ إيصال الغذاء إلى المعدة عن طريقها فهذا بمثابة إدخال الغذاء عن طريق الحلق، فالمحرّم إذن إدخال الطعام والشراب إلى المعدة عن طريق الفم أو الأنف أو فتحة مصطنعة معدّة للقيام بهذه المهمّة في جسم الصائم.

(40) الثالث: الجماع فاعلا ومفعولا.

(41) الرابع: الاستمناء، وهو إنزال المني باليد أو بآلة أو بالمداعبة والملاعبة، وإذا

221

نزل منه المني بدون ممارسة فعل ما فلا حرج عليه، ولا يبطل صيامه، وإذا مارس شيئاً من تلك الأفعال ولم يكن قاصداً بذلك إنزال المني، بل كان واثقاً من عدم نزوله ولكن سبقه المني فالأجدر به ـ احتياطاً ووجوباً ـ أن يواصل صيامه ونيّته بأمل أنيقبله الله تعالى، (أي رجاء) ثمّ يقضي.

(42) الخامس: الكذب على الله تعالى، أو على خاتم المرسلين(صلى الله عليه وآله)، بل وحتّى على غيره من الأنبياء والأئمّة(عليهم السلام)، سواء أكان الكذب في التحليل والتحريم أم في قصص ومواعظ، أم في أيّ شيء آخر.

ومن قصد الكذب وهو يعلم بأنّ هذا مفطر فكان صدقاً فقد بطل صومه، وعليه أن يواصل إمساكه تشبّهاً بالصائمين، ثمّ يقضيه. ومن قصد الصدق فجاء كذباً فهو على صيامه.

(43) السادس: غمس الرأس بكامله في الماء، أو في ما أشبه من عصير وشراب، سواء أغَمَسَ الرأس وحده أم مع سائر أعضاء البدن فإنّ الأجدر بالصائم احتياطاً ووجوباً أن لا يصنع ذلك.

ولا بأس بغمس نصف الرأس دون النصف الثاني، ثمّ غمس هذا الثاني دون المغموس من قبل بحيث يتمّ الغمس بالكامل على دفعتين أو أكثر.

ومن غطس رأسه في البحر أو في غيره وعلى رأسه ما يقيه من الماء فلا يبطل صومه.

وإذا غمس الصائم لشهر رمضان جسمه بالكامل في الماء بقصد الغسل من الجنابة: فإن كان ذلك عمداً لا سهواً بطل صومه وغسله، وإن كان سهواً صحّ صومه وغسله معاً.

222

(44) السابع: الحقنة بالمائع في المخرج المعتاد فإنّها تفسد الصيام، دون الحقنة بالجامد.

(45) الثامن: التقيّؤ، فإنّه يفسد الصيام ويبطله، حتّى ولو كان علاجاً وشفاءً من داء مهمّ، غير أنّه في هذه الحالة يسمح للصائم به إذا توقّف العلاج والشفاء من ذلك الداء عليه وإن بطل صومه. وأمّا إذا بدر القيء تلقائيّاً فالصائم على صيامه ولا شيء عليه.

وإذا خرج من جوفه شيء وعاد قبل أن يصل إلى فضاء الفم فلا شيء عليه، وإذا وصل إلى فضاء الفم فلا يسوغ له أن يبتلعه، بل عليه أن يقذفه، وإن ابتلعه عن قصد وعمد بطل صيامه، وعليه القضاء والكفارة.

(46) هذه هي المفطرات ولا شيء سواها، ونؤكّد ـ لمزيد التوضيح ـ على أنّه لا يضرّ بالصيام ولا يفطر الصائم الحجامة، والحقنة في الإحليل، والاستمتاع بالمرأة بدون جماع ولا إنزال للمني، ولا يفطر أيضاً شمّ الطيب، والجلوس في الماء، ولو غمر الماء الجسد كلّه مادام رأس الصائم خارج الماء.

حكم تناول المفطرات:

ويبطل الصيام بوقوع أيّ واحد من المفطرات المتقدّمة. ويُستثنى من ذلك ما يلي:

(47) أوّلا: إذا صدر من الصائم بعض تلك المفطرات ناسياً أنّه صائم وغافلا عن صيامه فلا يبطل الصيام بذلك.

(48) ثانياً: إذا صدر من الصائم شيء وهو معتقد أنّه ليس من الثمانية ولكنّه كان في الواقع منها فلا يبطل الصيام بذلك.

ومثاله: أن يكذب على الله ورسوله ولكنّه يعتقد أنّ ما يقوله ليس كذباً، أو يحتقن بالمائع ولكنّه كان يعتقد أنّ ما في الحقنة جامد وليس بمائع.

223

(49) ثالثاً: إذا وقع شيء من تلك المفطرات بدون قصد من الصائم، كما إذا فتح إنسان فم الصائم عنوةً وزرق ماءً إلى جوفه، وكذلك إذا كان الصائم يسبَح في النهر فغمره موج الماء فانغمس رأسه كاملا في الماء بدون قصد منه، أو عثر بأرض البركة فوقع في الماء وانغمس رأسه فيه ففي كلّ ذلك لا يبطل الصيام؛ لأنّ الشرب والارتماس لم يقعا عن قصد وإرادة.

(50) ويُستثنى من حالات عدم القصد حالتان:

الاُولى: من أدار الماء في فمه وحرّكه لسبب أو لآخر فسبق الماء ودخل في جوفه قسراً بدون قصد منه فعليه أن يقضي صيام ذلك اليوم، إلّا إذا كان قد حدث ذلك في حالة الوضوء لصلاة واجبة؛ إذ تستحبّ المضمضة في الوضوء(1)، فإذا تمضمض المتوضّئ للفريضة والحالة هذه وسبق الماء إلى جوفه فلا شيء عليه.

الثانية: إذا تصرّف الصائم تصرّفاً بأن داعب زوجته ـ مثلا ـ وهو واثق من عدم نزول المني ولكن سبقه المني ونزل بدون قصد منه فعليه القضاء.

(51) رابعاً: إذا شكّ الإنسان في طلوع الفجر، ففحص ولاحظ بصورة مباشرة فاعتقد بعدم طلوعه فأكل أو شرب مثلا، ثمّ تبيّن له أنّ الفجر كان طالعاً وقتئذ فلا شيء عليه، وصيامه صحيح على الرغم من أنّه قد كان تناول المفطر بعد طلوع الفجر.

وخلافاً لذلك الإنسان الذي لا يفحص ولا يلاحظ الفجر مباشرةً ويأكل أو يشرب على أساس أنّه لم يعلم بعد بطلوع الفجر فإنّه ليس بآثم حين يفعل ذلك ـ إلّا إذا كان يسهل عليه النظر إلى الفجر وتعمّد إغماض العين مثلاً ـ ولكنّه إذا تبيّن له بعد ذلك أنّ الفجر كان طالعاً حين أكل أو شرب فعليه أن يقضي صيامه. ومثله من يأكل



(1) على ما بُيّن في كتاب الفتاوى الواضحة: 217 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم.

224

أو يشرب في آخر النهار ثقةً منه بأنّ المغرب قد حلّ، فإنّه إذا تبيّن له بعد ذلك أنّ النهار كان لا يزال باقياً حين أكل أو شرب فعليه القضاء(1).

(52) من أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً وجب عليه القضاء والكفّارة على ما تقدّم، والكفّارة هي: أن يختار القيام بأحد اُمور ثلاثة: عتق رقبة مؤمنة (أي مسلمة)، أو صيام شهرين، أو إطعام ستّين مسكيناً، فأيّ واحد من هذه الاُمور أتى به كفاه وكان تكفيراً عن ذنبه. وتسمّى هذه الكفّارة من أجل ذلك بالكفّارة المخيّرة؛ لأنّ المكلّف فيها بالخيار بين ثلاثة أشياء، وكلّ كفّارة من هذا القبيل يطلق عليها اسم الكفّارة المخيّرة.

(53) وتتعدّد هذه الكفّارة بعدد الأيّام التي أفطرها من شهر رمضان. وأمّا إذا استعمل المفطر في يوم واحد مرّتين بأن أكل طعاماً ثمّ شرب ماءً فليس عليه إلّا كفّارة واحدة، ويستثنى من ذلك ما إذا جامع أو استمنى مرّتين فإنّ عليه حينئذ كفّارتين، وكذلك الأمر إذا جامع أو استمنى مرّةً واحدةً بعد أن مارس غير ذلك من المفطرات فإنّ عليه كفّارتين أيضاً(2).



(1) وهناك أحكام عامّة للصيام في شهر رمضان ـ ومنها أنّه متى تجب الكفّارة ـ تركناها للاختصار، وللوقوف عليها راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 706 ـ 707 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ مع مراعاة الهوامش.

(2) لمعرفة باقي التفاصيل والأحكام راجع فصل الكفّارات من كتاب الفتاوى الواضحة، مع مراعاة هامش سماحة السيّد الحائري دام ظلّه.

وأيضاً راجع فصل صيام قضاء شهر رمضان من الكتاب لمعرفة أنّه على من يجب قضاء شهر رمضان وسائر أحكام قضاء شهر رمضان وتفاصيله، مع مراعاة الهامش.

225

كيف يثبت أوّل الشهر؟

إنّ بداية الشهر القمريّ الشرعي تتوقّف على أمرين: خروج القمر من المحاق، وكون الهلال ممكن الرؤية ولو بالعين المسلّحة في حالة عدم وجود حاجب(1)، والآن نريد أن نوضّح كيف يمكن إثبات هذين الأمرين وإحرازهما بطريقة صحيحة شرعاً؟

إنّ إثبات ذلك يتمّ بأحد الطرق التالية:

(54) الأوّل: الرؤية المباشرة فعلاً ولو بالعين المسلّحة.

(55) الثاني: شهادة الآخرين برؤيتهم، فإذا لم يكن الشخص قد رأى الهلال مباشرةً ولكن شهد الآخرون برؤيتهم له كفاه ذلك إذا توفّرت في هذه الشهادة أحد الأمرين التاليين:

أوّلاً: كثرة العدد، وتنوّع الشهود على نحو يحصل التواتر أو الشياع المفيد للعلم أو الاطمئنان(2).

ثانياً: تواجد البيّنة في الشهود. والبيّنة على الهلال تكتمل إذا توفّر ما يلي:

1 ـ أن يشهد شاهدان رجلان عدلان برؤية الهلال، فلا تكفي شهادة الرجل الواحد، ولا النساء وإن كُنّ عادلات.



(1) على ما بيّن في كتاب الفتاوى الواضحة تحت عنوان ثبوت الهلال، فراجعه مع مراعاة الهامش. وتنبغي الإشارة هنا إلى أنّه: متى ما رُئي الهلال في بلد ثبت أوّل الشهر في ذاك البلد وفي كلّ بلد آخر يشترك مع هذا البلد في الليل ولو يسيراً.

(2) لمعرفة التفاصيل في هذا المجال راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 717 ـ 719 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ مع مراعاة الهامش.

226

2 ـ أن لا يقع اختلاف بين الشاهدَين في شهادتهما على نحو يعني أنّ ما يفترض أحد الشاهدين أنّه رآه غير ما رآه الآخر.

3 ـ أن لا تتجمّع قرائن قويّة تدلّ على كذب البيّنة أو وقوعها في خطأ، ومن هذه القرائن: أن ينفرد اثنان بالشهادة من بين جمع كبير من المستهلّين لم يستطيعوا أن يروه مع اتّجاههم جميعاً إلى نفس النقطة التي اتّجه إليها الشاهدان في الاُفق، وتقاربهم في القدرة البصريّة، ونقاء الاُفق وصلاحيّته العامّة للرؤية.

(56) الثالث: مضيّ ثلاثين يوماً من هلال الشهر السابق.

(57) الرابع: حكم الحاكم الشرعي فإنّه نافذ وواجب الاتّباع حتّى على من لم يطّلع بصورة مباشرة على وجاهة الأدلّة التي استند إليها في حكمه(1).

(58) الخامس: كلّ جهد علمي يؤدّي إلى اليقين أو الاطمئنان بأنّ القمر قد خرج من المحاق، وأنّ الجزء النيّر منه الذي يواجه الأرض (الهلال) موجود في الاُفق بصورة يمكن رؤيته.

وقد تسأل وتقول: هل التطوّق أو ارتفاع الهلال دليل على أنّ الهلال في ليلته الثانية وأنّ الشهر القمري كان قد بدأ في الليلة السابقة؟

والجواب: توجد رواية صحيحة وصريحة على الثبوت بالتطوّق، إلّا أنّ إعراض الأصحاب قد يمنع عن الأخذ بها، والاحتياط طريق النجاة(2).



(1) وذلك ضمن تفصيل، راجع لمعرفته المصدر السابق: 720 ـ 721، مع مراعاة الهامش.

(2) لمعرفة باقي التفاصيل والأحكام المترتّبة راجع المصدر السابق: 721 ـ 723، وأيضاً: 708 ـ 716، مع مراعاة الهامش.

227

 

 

 

 

الاعتكاف

 

تمهيد:

(1) الاعتكاف والعكوف في اللغة: الإقامة على الشيء في المكان، وفي الشريعة: المكث في المسجد بقصد التعبّد لله وحده.

وهو مشروع قرآناً وسنّةً وإجماعاً. ويبدو أنّ الشريعة الإسلاميّة بعد أن ألغت فكرة الترهّب والاعتزال عن الحياة الدنيا واعتبرتها فكرةً سلبيّةً خاطئةً﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا﴾(1) شرّعت الاعتكاف؛ ليكون وسيلةً موقوتةً وعبادةً محدودةً تؤدّى بين حين وآخر، لتحقيق نقلة إلى رحاب الله، يعمّق فيها الإنسان صلته بربّه ويتزوّد بما تُتيح له العبادة من زاد؛ ليرجع إلى حياته الاعتياديّة وعمله اليومي وقلبه أشدّ ثباتاً وإيمانه أقوى فاعليّة.

وأساس الاعتكاف يتمثّل في المكث ثلاثة أيّام في المسجد. وله شروط من أهمّها: الصيام، والتزامات منها: اجتناب الاستمتاع الجنسي. وفي ما يلي نستعرض الشرائط أوّلاً:


(1) الحديد: 27.
228

شرائط الاعتكاف:

للاعتكاف شروط لا يصحّ بدونها، وهي كما يأتي:

(2) الأوّل: العقل.

(3) الثاني: الإيمان

(4) الثالث: نيّة القربة ابتداءً واستمراراً كسائر العبادات.

(5) لا إشكال في أنّ النيّة للصيام يمكن أن تتّخذ في الليل، فينوي الإنسان من الليل أن يصوم نهار غد، وينام ويصبح من نومه صائماً ويصحّ صومه على الرغم من أنّ الفجر طلع عليه وهو نائم، فهل يصحّ مثل ذلك في الاعتكاف بأن يذهب إلى المسجد ليلاً وينوي أن يبدأ الاعتكاف من بداية نهار غد وينام ويصبح معتكفاً؟

والجواب: أنّ صحّة اعتكاف من هذا القبيل غير واضحة، فالأجدر بالمكلّف في حالة من هذا القبيل أن يتّخذ إحدى طريقتين: إمّا أن يستيقظ عند طلوع الفجر وينوي لكي تقترن النيّة بطلوع الفجر، وإمّا أن ينوي الابتداء بالاعتكاف فعلاً من نصف الليل أو أوّله. والمهمّ ـ على أيّ حال ـ أن تتواجد النيّة عند بداية الاعتكاف.

والمهمّ في النيّة: أن ينوي الاعتكاف في المسجد قربةً إلى الله تعالى، وليس من الضروريّ أن يقصد باعتكافه التوفّر على مزيد من الدعاء والصلاة وإن كان هذا أفضل وأكمل، غير أنّ الاعتكاف بذاته عبادة يصحّ أن يقصد ويتقرّب به إلى الله تعالى، فإن انضمّ إلى ذلك التفرّغ للعبادة وممارسة المزيد من الدعاء والصلاة كان نوراً على نور.

(6) الرابع: الصيام في الأيّام الثلاثة، فمن لا يصحّ منه الصوم لا يصحّ منه الاعتكاف، فالمريض والمسافر لا يتأتّى لهما أن يعتكفا؛ إذ لا يصحّ منهما الصيام.