291

أحدهما: أن يحسب سنة كلّ ربح مستقلاًّ، فما لم يصرف في المؤونة إلى آخر سنته كان عليه الخمس.

ولا يجوز استثناء مؤونة متقدّمة على حصول ربح مّا من ذاك الربح المتأخّر.

وثانيهما: أن يحسب سنة مجموعيّة لكلّ الأرباح تبدأ بأوّل ربح، فيجوز له عندئذ أن يستثني مؤونة متقدّمة على حصول ربح مّا من ذاك الربح المتأخّر.

والحساب الأوّل هو الحساب الواقعيّ.

والحساب الثاني حساب ظاهريّ يشترط فيه عدم العلم بخسران الإمام(عليه السلام) في هذا الحساب بالقياس إلى ما لو كان المكلّف محاسباً ذاك الحساب الدقيق.

117 ـ ويجوز له التلفيق بين الطريقين، فيحسب مثلاً حساب السنة المجموعيّة لجميع أرباحه، ويستثني ربحاً مهمّاً له في أواخر السنة بجعل سنة خاصّة له من حين حصوله بشرط أن لا يستثني منه مؤونة متقدّمة على هذا الربح (1).


الربح اللاحق، وبما أنّنا استفدنا من الدليل أنّ الحكم الشرعيّ الأصليّ هي السنة الانحلاليّة بعدد الأرباح، فهذا الترخيص لا يكون إلّا ترخيصاً ظاهريّاً، أي: مخصوصاً بفرض عدم العلم بخسارة وليّ الأمر بهذا الحساب بالقياس إلى الحساب الدقيق، فإنّ وليّ الأمر وإن كان لو قام هو بالجبابة، فطبيعيّ أنّه كان من حقّه أن يتحمّل الخسارة لو علم بالخسارة، لكن توجّه هكذا ترخيص إلى نفس المكلّف، وفي مورد العلم بخسارة وليّ الأمر ليس ممّا يفهمه العرف.

(1) يبقى هنا سؤال، وهو: أنّه لو سلك المكلّف في مجموعة من أرباحه أو تجارته مسلك السنة المجموعيّة مع عدم علمه بأنّ هذا يخسّر المولى بالقياس إلى تلك المجموعة من الأرباح، وقد فرضنا أنّه مع عدم العلم بذلك يجوز له سلوك هذا الحكم الظاهري، ولكنّه صادف في أواخر السنة أن دَخَلَهُ ربح مهمّ، فرغب أن يجعل سنة هذا الربح من أوّل

292

118 ـ ولو صرف من ربح سنته الحاليّة على مؤونة سنة قادمة من دون أن يملك حاليّاً أمراً مادّيّاً، لم يتعلّق به الخمس، من قبيل:

أ ـ أن يشتري خطّاً هاتفيّاً لا يعطى إلّا بعد سنين وهو من مؤونته حينما يعطى.

ب ـ أو يشتري سيّارة لا تُسلَّم إلّا بعد سنين وهي من مؤونته حينما تُسلَّم.

ج ـ أو يسجّل للحجّ بما قدّمه من المال ولا يصل وقت حجّه إلّا بعد سنين.

د ـ أو يشتري خطّ الكهرباء أو الماء ولا يُسلَّم إلّا بعد سنين وهو من مؤونته في وقت التسليم (1).


حصوله كما هو مسلك الانحلال، كي يكون له وقت طويل لصرفه في المؤونة، فهل يقال بجواز ذلك; لأنّه ـ على أيّ حال ـ لم يخالف شرط الحكم الظاهري بالنسبة للأرباح التي جعل لها سنة مجموعيّة؟ أو يقال بعدم جوازه; لأنّ الحكومة لو كانت هي الجابية لضريبة الخمس لأدخل هذا الربح في ضمن الأرباح المجموعيّة، ففرْضُه ربحاً مستقلاًّ بذاته في خصم المؤونة مشتمل على تخسير المولى؟

الظاهر: أنّ الصحيح هو الأوّل; وذلك لأنّ شرط عدم التخسير لم يكن بنصّ نحتاج إلى البحث في معناه ومدى إطلاقه وعدم إطلاقه، وإنّما هذا الشرط عرفناه من مجرّد استظهار كون جواز الحساب المجموعيّ حكماً ظاهريّاً لا ينفذ إلّا مع عدم العلم بمخالفته للحكم الواقعي، وهذا يقتضي الأوّل لا الثاني، فلا بأس بفرض سنة خاصّة لربحه الأخير.

نعم، يشترط أن لا يستثني من ربحه الأخير مؤونة صرفها قبله; لأنّ هذا هو حكم السنة الانحلاليّة.

(1) بقيت في المقام فروع لا بدّ من التعرّض لها، فنقول: لو صرف من ربح سنته الحاليّة على مؤونة سنة قادمة من دون أن يملك حاليّاً أمراً ماديّاً يتعلّق به الخمس من قبيل:

293

أ ـ أن يشتري خطّاً هاتفيّاً لا يعطى إلّا بعد سنين.

ب ـ أو يشتري سيّارة لا تسلَّم إلّا بعد سنين.

ج ـ أو يسجّل للحجّ بما قدّمه من المال ولا يصل وقت حجّه إلّا بعد سنين.

وكانت السيّارة أو الهاتف أو الحجّ في وقت التسلّم من مؤونته، فهل يتعلّق الخمس به لأنّه صرف المال لغير مؤونة سنة الربح، فلا يدخل ذلك في الاستثناء المفهوم من نصّ: «الخمس بعد المؤونة» بعد أن فسّرت المؤونة بمعنى مؤونة السنة، أو لا يتعلّق به الخمس؟

يمكن اختيار عدم تعلّق الخمس به; وذلك لأنّه في الوقت الحاضر لم يمتلك إلّا حقّاً معنويّاً متعلّقاً بحجّ متأخّر، أو بسيّارة غير موجودة فعلاً، أو بخطّ هاتفيّ لم يسلّم بعدُ، فلو قلنا بتعلّق الخمس، ورد علينا هذا السؤال، وهو: أنّه هل تعلّق الخمس بالمال الذي صرفه في هذا السبيل، أو بالحقّ المعنويّ الذي حصل عليه، أو بما سيملكه في وقته من سيّارة، أو الموادّ التي تسلّم في الحجّ، أو الأمر المادّي الذي يسلّم في سنة تسليم الحقّ المعنوي في الهاتف، والمتمثّل برقم خاصّ يعبّر عن خطّ من خطوط شبكة الاتّصالات الذي به يتمّ اتّصال آلة الهاتف بالشبكة إمّا عبر الهواء كما في الهاتف النقّال، أو بواسطة السلك كما في الهاتف الأرضي، أو قل: نفس آلة الهاتف بعد أن تمّ اتّصالها بخطوط شبكة الاتّصالات؟

فإن قيل بالأوّل، أعني: أنّ المال الذي صرفه فعلاً يكون عليه الخمس، فالجواب: أنّ ما صرفه إنّما صرفه في سنة الربح، وقد صرفه في المؤونة، فقوله: «الخمس بعد المؤونة» يخرجه عن الحساب; لأنّنا لا نستفيد من ذلك عدا شرط كون الصرف في سنة الربح، وشرط كونه صرفاً في المؤونة.

أمّا الشرط الأوّل، فلأجل حفظ النسبة بين الصرف في المؤونة والسنة المجموعيّة أو الانحلاليّة بعد استظهار: أنّ النسبة ليست مباشرة بين السنة والمؤونة بمعنى الحاجة; ولذا

294


نقول في من قتّر على نفسه بوجوب تخميس ما ادّخره بالتقتير، وإنّما النسبة تكون بين السنة والصرف للمؤونة.

وأمّا الشرط الثاني، فلوضوح: أنّ المقصود بالمؤونة لم يكن إلّا ما به ترفع الحاجة الشخصيّة، دون مطلق الصرف ولو في الترف مثلاً.

وكلا الشرطين حاصلان في المقام.

نعم، لو أنّ أحداً استظهر من هذا النصّ شرطاً ثالثاً، وهو شرط كون المؤونة مؤونة نفس سنة الربح لا مؤونة سنة الحصول على ما يصرفه، بطل هذا الكلام، ولكنّنا لا نعرف نكتة لاستظهار هذا الشرط الثالث.

ولولا قرينة متّصلة أو منفصلة لقلنا: إنّ المستثناة مؤونة العمر.

ولو كان دليل استثناء المؤونة مصرّحاً في اللفظ باستثناء مؤونة السنة، أي: كان قد أضاف المؤونة إلى السنة، لكان هذا الاستظهار معقولاً، ولكن لم يكن الأمر كذلك.

وإن قيل بالثاني، أعني: أنّ الخمس تعلّق بالحقّ المعنوي الذي حصل عليه، قلنا: إنّ أدلّة تعلّق الخمس بأرباح المكاسب لم تدلّ على أكثر من تعلّق الخمس بالأموال المادّيّة، دون الحقوق المعنويّة، حتّى مع إمكان تبديلها بالمال، فمثلاً لو أنّ ضرّة من الضرّات كان بإمكانها أن تبيع حقّ مضاجعتها مع الزوج لضرّتها، وكان السعر المالي زائداً على مؤونة سنتها، ولو من باب أنّها مكفيّة المؤونة من قبل الزوج، فهل يجب عليها دفع الخمس بمقدار ما يتعلّق بذاك المال؟! لا نظنّ أحداً يفتي بذلك، نعم لو باعت بالفعل حقّها لضرّتها بالمال، وزاد المال على مؤونة سنتها تعلّق الخمس بذاك المال.

وإن قيل بالثالث، أعني: أنّ الخمس يتعلّق بما سوف يملكه من سيّارة، أو الاُمور المادّيّة التي تعطى في الحجّ، أو آلة الهاتف التي تمّ ارتباطها بشبكة الاتّصالات كآلة الهاتف النقّال أو الأرضي، فالجواب: أنّ المفروض: أنّه في زمن امتلاك ذلك يكون مؤونة له.

295


وبهذا البيان اتّضح أنّ نكتة عدم تعلّق الخمس لا تشمل فرض ما إذا اشترى مثلاً أرضاً، وآجراً، وجصّاً، وسمنتاً ونحو ذلك لبناء بيت لمؤونة سكنه ممّا سوف لن يتمّ إلّا بعد سنين; لأنّه في هذا الفرض سيتعلّق الخمس بنفس هذه الموادّ; لأنّها لم تصرف في وقت الحصول عليها في المؤونة.

إن قلت: لا فرق في الموادّ التي يتعلّق بها الخمس بين أن تكون في صفحة الخارج أو في ظرف الذمّة، فإذا امتلك سيّارة، أو خطّاً للهاتف في ذمّة الحكومة، أو الجهة الخاصّة، أو الشخص الخاصّ تعلّق بذلك الخمس أيضاً.

قلت: لا معنى لامتلاك الموادّ في ذمّة أحد بإتلافها مثلاً أو غير ذلك، عدا هذا الحقّ المعنويّ البحت، من دون وجود مادّة حقيقيّة مملوكة، وقد قلنا: لا دليل على تعلّق الخمس بالحقّ المعنويّ البحت، وحتّى مثل موثّقة سماعة: «الخمس في كلّ ما أفاد الناس» ينصرف إلى ما هو قابل للإفادة بالفعل، وهي الموادّ الخارجيّة.

ولو أنّ أحداً أقرض مالاً لأحد، فلو كان نفس هذا الإقراض مؤونة له، فلم يتعلّق الخمس بذلك المال، ثُمّ سوّف المقترض الأداء ولو ظلماً وعدواناً، لم يجب عليه الخمس بسبب ما يملكه في ذمّة المقترض.

ومن قبيل هذه الفروع التي تعرّضنا لها ما لو اشترى حقّ الاشتراك في الماء أو الكهرباء واُعطي بعد سنين وكان مؤونة له في وقت إعطائه إيّاه.

وأيضاً لو اقترض مالاً وصرفه في مؤونته، أو في غير مؤونته، فلا إشكال في أنّه لا خمس عليه حتّى لدى الصرف في غير المؤونة; لأنّ القرض لا يتعلّق به الخمس، فصرفه في غير مؤونته لا يوجب تعلّق الخمس به، فلو أبرأه المقرض بعد الصرف أو بعد السنة المجموعيّة لو آمنّا بالنسبة المجموعيّة، فهل يتعلّق به الخمس; لأنّ هذا الإبراء ربّحه، أو قل: هذا ممّا أفاد الناس على حدّ تعبير موثّقة سماعة؟ الجواب: أنّه لا يتعلّق به الخمس; لأنّه لا يكون له بهذا الإبراء إلّا ربح معنويّ بحت، وقد قلنا: إنّ دليل الخمس لا يشمله.

296

119 ـ ولو ارتفعت القيمة السوقيّة لماله المخمّس لم يتعلّق بالارتفاع الخمس ما لم يترجمه بمال عن طريق المبادلة ولو كان في معرض التجارة (1).


(1) (فرعٌ) لو نما من الأعيان ما لا يتعلّق به الخمس، كالإرث، أو ما خمّسه قبلاً نموّاً منفصلاً، كما في السخال، والحليب، بل وثمر الأشجار حتّى قبل القطف، فلا إشكال في تعلّق الخمس بالنماء.

بل وكذلك في النماء المتّصل حينما يعدّ ربحاً، كالسمن، أو زيادة اللحم، أو نموّ الفسيل من الشجر، أو ما إلى ذلك.

وإنّما الإشكال في ارتفاع القيمة السوقيّة، فنقول: لو ترجمت الزيادة في القيمة بالمال عن طريق البيع في غير الاُمور المستثناة من الخمس، فلا إشكال في تعلّق الخمس بالزيادة; لأنّها عين من الأعيان.

وإنّما الكلام فيما إذا لم تترجم بالعين، فهل هذا يدخل في الفروع التي كنّا نبحثها حتّى الآن ممّا قلنا فيها بأنّ مجرّد الحقّ المعنوي لا يتعلّق به الخمس، كحقّ الماء، أو الكهرباء، أو الهاتف، أو لا؟

قد يقال بعدم دخول ذلك في تلك الفروع; لأنّ الزيادة الماليّة هنا مجسّدة في المادّة، وهي نفس العين التي زادت قيمتها الماليّة.

نعم هذه المسألة بحدّ ذاتها بحاجة إلى البحث وبغضّ النظر عمّا كنّا بصدده.

فنقول: لو كانت العين من الاُمور المستثناة من الخمس كما في الإرث، فنفس دليل الاستثناء يبقى شاملاً لها، فلا معنى لتعلّق الخمس بالزيادة الماليّة.

بل وحتّى لو ترجمت الزيادة بالمال العيني بالبيع، ولم تكن الزيادة عبارة عن البيع بأغلى من السعر الحالي، وإنّما كانت عبارة عن زيادة القيمة الحاليّة على القيمة السابقة، قلنا: إنّ العنوان المستثنى وهو الإرث مثلاً شامل لهذا المال، فلا خمس فيه.

أمّا لو كانت العين من غير مستثنيات الخمس، فلو فرضنا أنّها لم تكن مخمّسةً سواء كان بعنوان تأخير التخميس أو بعنوان عدم حلول السنة، فلا إشكال في تبعيّة الزيادة

297


الماليّة لأصل العين في الخمس: إمّا بمعنى: أنّ خمس العين أيضاً ارتفعت قيمتها (في فرض تأخير التخميس) أو بمعنى تعلّق الخمس بالعين بسعرها الحالي (في فرض انتظار آخر السنة).

وأمّا لو كانت مخمّسةً، فلو لم تكن تعدّ من أموال تجارته، فلا إشكال في عدم تعلّق الخمس بالزيادة الماليّة ما لم تترجم في المال بالبيع. نعم، لو ترجمت في المال بالبيع، صدق الربح، أو عنوان «ما أفاد الناس»، أو نحو ذلك، ووجب التخميس.

وأمّا لو كانت تعدّ من أموال تجارته، وكان من رأس ماله، وكان بصدد التجارة به، فقد قال السيّد الخوئيّ(قدس سره): إنّه هنا صدقت الزيادة، وصدق الربح عرفاً، فيجب التخميس(1).

وذكر الشيخ المنتظري أيضاً أنّه مع إمكان بيعها وأخذ قيمتها تعدّ الزيادة مالاً بالفعل، وتخمّس; لأنّ الشيء بعد ما قصد الاتّجار به لا ينظر إلى شخصيّته وصورته النوعيّة، بل إلى ماليّته وقيمته، فإذا زادت الماليّة، عدّت فائدة وغنيمة بالفعل، لا بالقوّة حتّى يخدش في عموم الحكم لما بالقوّة(2).

وذكر اُستاذنا الشهيد(قدس سره) في تعليقه على منهاج الصالحين(3): «إن كانت العين معدّة للتجارة فيجب الخمس في ارتفاع القيمة ولو لم يبع فعلاً مع إمكان البيع، وإن لم تكن معدّة للتجارة، فلا يجب الخمس إلّا إذا بيعت العين بالثمن المرتفع».

أقول: بعد السبر والتقسيم الذي أشرنا إليه يجب أن ينحصر الحديث فيما لم يكن من مستثنيات


(1) راجع المستند في الخمس، ص 231 بحسب طبعة لطفي في المطبعة العلميّة بقم.

(2) راجع كتاب الخمس للشيخ المنتظري، ص 184 ـ 185.

(3) رقم 35 من تعليقاته على مبحث ما يجب فيه الخمس، ص 460 من طبعة دار التعارف للمطبوعات بيروت ـ لبنان.

298


الخمس، وخمّس، وعدّ رأس مال للتجارة، وارتفعت قيمته السوقيّة، وكان بالإمكان بيعه.

ونحن نقول: صحيح: أنّ هذه الزيادة ليست مصداقاً للعنوان الذي ثبّتنا في بحثنا السابق من الحقوق المعنويّة; فإنّ هذه زيادة متجسّدة في هذه العين، لكن النكتة الحقيقيّة فيما ثبّتناه هي أنّه لا دليل لنا على أكثر من تعلّق الخمس بالعين، والمفروض في المقام أنّ العين مخمّسة، ولو كانت الماليّة بعنوانها يتعلّق بها الخمس، كان الخمس متعلّقاً حتّى بالحقوق المعنويّة القابلة للنقل والانتقال; فإنّ لها الماليّة بلا إشكال، وحتّى في حقّ الضرّة الذي مثّلنا به، وقلنا: إنّ بإمكانها بيعه على ضرّتها، فهو حقّ ذو ماليّة بلا شكّ، فيجب: إمّا أن نرضخ للقول بتعلّق الخمس بماليّة الحقوق بما فيها مثل حقّ الضرّة، وإمّا أن لا نرضخ لوجوب الخمس فيما نحن فيه ما لم يبع العين بالقيمة الأعلى رغم تطابق السيّد الخوئيّ(قدس سره)والشيخ المنتظريّ واُستاذنا الشهيد الصدر(قدس سره) على كفاية كون المال معدّاً للتجارة وقابلاً للبيع في تعلّق الخمس بالزيادة، ودليلهم جميعاً واحد، وهو صدق الربح عندئذ عرفاً.

وأضاف الشيخ المنتظريّ شاهداً على كلامه لم يرد في نصّ السيّد الخوئيّ، ولا في نصّ اُستاذنا الشهيد الصدر، وهو ما اختاره المشهور في باب المضاربة من أنّ العامل يملك حصّته من الربح بصرف الظهور، من غير توقّف على الإنضاض، بل ادّعي عليه إجماعنا، واستدلّوا عليه بما رواه المشايخ الثلاثة بسند صحيح عن محمّد بن قيس أو محمّد بن ميسر قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة، فاشترى أباه وهو لا يعلم؟ فقال: يقوّم، فإذا زاد درهماً واحداً اُعتق واستسعي في مال الرجل»(1). وجه الدلالة: أنّه لو لم يملك الحصّة لم ينعتق أبوه. انتهى ما ذكره الشيخ المنتظريّ(2).


(1) الوسائل، ب 8 من المضاربة، ح 1.

(2) كتاب الخمس، ص 185.

299

120 ـ والربح إنّما يدخل تحت دائرة السنة الخمسيّة من حين دخوله تحت السلطة بمثل الاستلام، أو الدخول في الحساب المصرفيّ، أو سيطرة الشخص على استلامه ممّن هو في ذمّته، ونحو ذلك (1).


وهذا الكلام في غاية الغرابة، فإنّه لو كانت المسألة مسألة: أنّ العامل المضارب يكتفي في شركته في الربح بمجرّد تأخير المال الذي أخذه من الرأسمالي إلى حين صعود سعره السوقي، فلعلّه كان هذا الاستشهاد استشهاداً معقولاً، إلّا أنّ هذا لم يكن، ولا يمكن أن يكون; لأنّه لو كان لم يتّجر بالمال، إذن لازال غير عامل بمقتضى عقد المضاربة، وبالتالي لا معنى لاشتراكه في الربح، وحينما عمل بعقد المضاربة وظهر الربح في العين المشتراة، فطبيعيّ أنّه اشترك في الربح، ولا معنىً لتوقّف الاشتراك على الإنضاض، أي: تبديل العين المشتراة بالأوراق النقديّة، وفي المقام أيضاً لم يكن إشكال في أنّه لو كان اشترى بما صعد سعره السوقي عيناً وربح فيها، لتعلّق الخمس بالربح، بلا حاجة إلى إنضاض، وأين هذا من بحثنا؟

وعلى أيّ حال، فالظاهر: أنّ مجرّد صعود القيمة فيما كان قد خمّسه لا يوجب تخميسه قبل البيع والتبديل، وتجسيد الربح في مال عينيّ ولو كان معدّاً للتجارة وقابلاً للبيع والله العالم.

(1) فإنّه قبل ذلك لا يكون امتلاكه لهذا الربح إلّا أمراً معنويّاً، نفينا الخمس عنه في بحثنا السابق.

بقي لدينا في المقام أبحاث هامّة وأساسيّة لابدّ من التعرّض لها:

أحدها: بحث رأس المال، ومدى استثنائِه أو عدم استثنائِه من الخمس.

والثاني: بحث المؤونة لو خرجت في وقت ما عن المؤونيّة، كحليّ المرأة التي تخرج عن مؤونيّته لها في أيّام كِبَرها وشيبوبتها، فهل تعود إلى وجوب الخمس لو لم تكن مخمّسة، أو كونها مؤونة في وقت ما كاف في بقائها على الاستثناء من الخمس؟

300


والثالث: بحث اشتراط العقل والبلوغ في خمس أرباح المكاسب وعدمه.

أمّا البحث الأوّل: وهو مدى استثناء وعدم استثناء رأس المال من الخمس، فلعلّ عمدة الوجوه المنقولة في المسألة أربعة:

الوجه الأوّل: ما اختاره صاحب العروة(رحمه الله) بعنوان الاحتياط وهو تعلّق الخمس برأس المال مطلقاً، ولعلّه المشهور.

ووجهه ما يقال من أنّ المؤونة المستثناة في الأدلّة ظاهرة في معنى المصاريف الاستهلاكيّة، ولا تشمل رأس المال الذي يدرّ على الشخص بتلك المصاريف.

نعم، قد يستثنى منه ما يمكن افتراضه خارجاً بالتخصّص، وهو ما لو كانت التجارة بنفسها تعدّ شأناً ضروريّاً له بحيث لو كان يبقى بطّالاً وبلا تجارة ولو لأجل عدم الحاجة الماليّة، يعاب عليه ذلك مثلاً، فأقلّ المقدار اللازم من رأس المال للتجارة بهدف الخروج عن العيب العرفي يعتبر مؤونة له ابتداءً، لا من باب أنّه رأس مال يدرّ عليه بالمؤونة فلا يتعلّق به الخمس جزماً، سنخ ما يقال في حليّ المرأة التي تحتاجه في شأنها، أو الأثاث والأدوات المنزليّة التي تعارف لدى بعض المجتمعات ادّخارها لبناتهم تدريجاً ومنذ طفولتهنّ لغرض الاستفادة منها أيّام زواجهن، لو فرض أنّ نفس هذا الادّخار كان يعتبر من الشؤون العرفيّة الداخلة في المؤونة.

الوجه الثاني: ما ذكره السيّد الخوئيّ(قدس سره) على ما في المستند(1) من دون أن ينسبه إلى أحد من استثناء رأس المال من الخمس بالمقدار الذي يحتاجه الإنسان في الدرّ على مؤونته; لأنّه يصبح كالأعيان التي يستعملها الإنسان في مؤونته وتبقى هي ثابتة، من قبيل الدار، والفرش، ونحو ذلك. ولعلّه لا قائل بذلك.


(1) ص 246 بحسب طبعة لطفي في المطبعة العلميّة بقم.

301


ولكن هذا هو محتمل العبارة الواردة عن السيّد الخوئيّ(قدس سره) في تعليقه على العروة، حيث أفاد صاحب العروة في (المسألة 59 فيما يجب فيه الخمس): «الأحوط إخراج خمس رأس المال إذا كان من أرباح مكاسبه»، وعلّق عليه السيّد الخوئيّ(قدس سره) بقوله: «لا يبعد عدم الوجوب فيما إذا كان رأس المال ممّا يحتاج إليه في مؤونة سنته»، ويمكن حمله على الوجه الثالث بقرينة ما في رسالته العمليّة منهاج الصالحين، كما سنشير إليه إن شاء الله.

وعلّق اُستاذنا السيّد الشاهروديّ(قدس سره) أيضاً على كلام صاحب العروة بقوله: «الأقوى عدم الوجوب في صورة الاحتياج إليه».

فلعلّ هذه العبارة تعطي هذا المعنى، ولكن لا شكّ ـ على أيّ حال ـ في استبعاد وجود فتوىً من هذا القبيل.

نعم، ورد في كلام السيّد السيستاني(1) ـ حفظه الله ـ بعد استظهاره عدم استثناء رأس مال التجارة من التخميس إذا اتّخذه من أرباحه وإن كان مساوياً لمؤونة سنته استثناء حالة واحدة، وهي ما لو كان التخميس يؤدّي إلى عجز الباقي عن الوفاء بمؤونته اللائقة بحاله، قال حفظه الله: «فلا يبعد حينئذ عدم ثبوت الخمس فيه».

ويشبه ذلك كلام السيّد الإمام(قدس سره) في تحرير الوسيلة(2) حيث قال(قدس سره): «الأحوط بل الأقوى عدم احتساب رأس المال مع الحاجة إليه من المؤونة، فيجب عليه الخمس إذا كان من أرباح المكاسب، إلّا إذا احتاج إلى مجموعه في حفظ وجاهته، أو إعاشته ممّايليق بحاله، كما لو فرض أنّه مع إخراج خمسه يتنزّل إلى كاسب لا يليق بحاله، أو لا يفي بمؤونته».


(1) منهاج الصالحين، ج 1، ص 396، المسألة 1219.

(2) ج 1، ص 358، المسألة 13 من فصل ما يجب فيه الخمس.

302


وحاصل الكلامين: أنّ مجرّد كون رأس مال التجارة يدرّ بالمؤونة على المكلّف لا يجعله مستثنى من التخميس، كالأعيان الاُخرى التي يحتفظ بها ويستفاد من منافعها الطبيعيّة، كالفراش، والدار، والبقرة الحلوب مثلاً، ولكن كون التخميس مضرّاً بالوفاء بالمؤونة على ما ورد في الكلامين، أو مضرّاً باتّخاذ كسب لائق بحاله ـ على ما ورد في كلام السيّد الإمام(قدس سره) ـ هو الذي يصحّح عدم التخميس.

ويرد عليهما: أنّنا لو آمنّا بأنّ درّ المؤونة التجاريّة كدرّ المؤونة الطبيعيّة يجعل العين جزءاً من المؤونة، فالواجب هو الإفتاء بنفس الوجه الثاني صريحاً، أي: أنّ رأس المال الذي يدرّ على المكلّف بمؤونة سنته لا خمس فيه لدخوله في دليل استثناء المؤونة حتّى ولو أراد المكلّف لنفسه أفخم مؤونة. نعم، ذاك المقدار من رأس المال الذي يدرّ عليه بربح خارج المؤونة يتعلّق به الخمس. ولو لم نؤمن بذلك، فلا دليل على أنّ مجرّد كون التخميس مضرّاً به موجباً لرفع الخمس.

الوجه الثالث: ما اختاره السيّد الخوئيّ(رحمه الله) على ما ورد في المستند(1) وهو التفصيل بين رأس مال يعادل مؤونة سنته وبين الزائد عليه، فلا خمس في خصوص الأوّل.

والوجه في ذلك ـ حسب ما ورد في المستند ـ هو استثناء المؤونة ممّا فيه الخمس، والمقصود به مؤونة السنة، فلو اكتسب أو استفاد مقداراً يفي بمؤونة سنته كما لو كان مصرفه في كلّ يوم ديناراً فحصل على ثلاثمئة وستّين ديناراً، وكان بحاجة إلى رأس المال في إعاشته وإعاشة عياله، جاز أن يتّخذه رأس مال من غير تخميس نظراً إلى أنّه يعادل مؤونته. نعم، لابدّ من الصرف في المؤونة، فمجرّد معادلته لمؤونته من غير صرفه فيها لا يوجب الاستثناء من الخمس، ولكن الصرف في المؤونة يمكن على أحد وجهين:


(1) المصدر نفسه، ص 246 ـ 247.

303


إمّا بأن يضعه في صندوق ويسحب منه في كلّ يوم ديناراً، أو بأن يشتري به سيّارة مثلاً ويعيش باُجرتها كلّ يوم ديناراً; إذ الصرف في المؤونة لا ينحصر في صرف نفس العين وإتلاف المال بذاته، بل المحتاج إليه هو الجامع بين صرف العين وصرف المنافع لتحقّق الإعاشة بكلّ من الأمرين، فهو مخيّر بينهما، ولا موجب لتعيّن الأوّل بوجه.

إذن لابدّ من التفصيل بين ما لو كان محتاجاً إلى رأس المال ولم يكن له رأس مال آخر بحيث توقّفت إعاشته اليوميّة على صرف هذا المال عيناً أو منفعة، فلا خمس فيه، وبين غيره، ففيه الخمس، ضرورة عدم كون مطلق رأس المال بلغ ما بلغ من مؤونة هذه السنة، وقد عرفت أنّ المستثنى هو مؤونة السنة لا غيرها.

وقد أفتى(رحمه الله) بمضمون هذا الكلام في رسالته العمليّة منهاج الصالحين(1)، وكذلك أفتى به في تعليقه على العروة، أعني: تعليقه على احتياط العروة بوجوب تخميس رأس مال التجارة، وهذا نصّ التعليق: «لا يبعد عدم الوجوب في مقدار مؤونة سنته إذا اتّخذه رأس مال وكان بحاجة إليه في إعاشته»(2).

أقول: لو أخذنا بأوّل ما يتبادر إلى الذهن من صدر هذه الكلمات من أنّه لو ملك مقدار حاجة مؤونة السنة كثلاثمئة وستّين ديناراً، فجعله رأس مال، لم يجب عليه الخمس، كان الاعتراض عليه واضحاً; فإنّ الوجه في كلامه هو ما قال من أنّ هذا مؤونته، وشاء أن يستفيد منه عن طريق التجارة كي يستطيع إدامة العيش، فلا خمس فيه. والاعتراض الوارد عليه بوضوح هو: أنّه لا إشكال عنده وعند غيره في أنّ استثناء مقدار المؤونة مشروط بالصرف في المؤونة، فإن كان جعله رأس مال يدّر عليه مؤونته كافياً في صدق


(1) ج1، المسألة رقم 1219، ص335 ـ 336 بحسب الطبعة 28 في مطبعة مهر في قم المقدّسة.

(2) راجع الجزء الثاني من تعليقه على العروة، ص 188.

304


عنوان الصرف في المؤونة وجب الإفتاء صريحاً بالوجه الثاني، وهو عدم تعلّق الخمس برأس مال التجارة الذي يدرّ على المكلّف بالمؤونة، وإنّما الخمس يكون على رأس مال يدرّ عليه بما لا يحتاجه في مؤونته، أو بما يدّخره، وإن لم يكن ذلك كافياً في صدق عنوان الصرف في المؤونة فمجرّد كون مبلغ رأس المال هو المبلغ الذي يحتاجه في مؤونة سنته لا يؤثّر أثراً في المقام، فالأمر دائر بين الوجهين الأوّلين.

والذي يزيد التعقيد في البحث هو ما ورد في ذيل كلامه في مستنده، وفي رسالته العمليّة، ووردت الإشارة إليه في تعليقه على العروة من استثناء فرض ما إذا كان لديه مال آخر غير رأس ماله، فأفتى بأنّ الاقتيات بربح رأس المال لا يشفع هنا لنفي الخمس عن ذلك المال.

وهذا الاستثناء كما ترى أيضاً أمر غير مفهوم، فإنّه لو كان درّ المال على الإنسان لمؤونته بسبب التجارة كافياً في صدق اسم المؤونة على ذاك المال، كما في درّ العين لمنفعة يستهلكها الذي يكفي في صدق اسم المؤونة على تلك العين رغم أنّه لا يستهلك نفس العين، فهذا لا يفرّق فيه بين أن يوجد لديه مال آخر كان بإمكانه أن يجعله بدلاً عن رأس ماله هذا أو لا يوجد لديه مال كهذا، علماً بأنّ السيّد الخوئيّ(قدس سره) يفتي بما يفتي به المشهور من أنّ المؤونة مستثناة من الخمس ولو كان لديه ما يساويها أو يزيد عليها من مال آخر، فلو كان لديه مال الإرث مثلاً وقلنا باستثنائه من الخمس، وكان لديه ربح التجارة، جاز له أن يحسب مؤونته من ربح التجارة، لا من الإرث.

ومن كلّ هذا قد يحتمل أن يكون مقصود السيّد الخوئيّ(رحمه الله) في المقام ـ ولو ارتكازاً من الدليل الذي يفترضه لمدّعاه ـ شيئاً آخر، حتّى ولو فرضت عبارة التقرير قاصرة عن ذلك، هو: أنّ عنوان المؤونة يصدق في موردين:

أحدهما: فيما يستهلكه في حاجاته المعيشيّة بعينه، أو ما يستهلك منافعه التكوينيّة،

305


كالبقرة التي يستفيد من حليبها، أو الشجرة التي يقتات بثمارها (كما ورد التمثيل بذلك في المستند في المسألة 55 من فصل ممّا يجب فيه الخمس).

وثانيهما: ما يتوقّف عليه استمرار معاشه في سنته، فإذا كان له مبلغ من المال لا يزيد على مؤونة سنته، ونفّذه في إمرار المعاش، كان ذلك مؤونة له، سواء استهلكه باستعماله في معيشة سنته أو جعله رأس مال له ليقتات من ربحه; لأنّ استمرار معاشه متوقّف على ذلك المال على كلّ حال، سواء كان ذلك بصرفه في معاشه أو بالاستفادة من ربحه، في حين أنّه لو كان المبلغ الذي يدرّ عليه مؤونة سنته أكثر من مؤونة سنته، لم يكن استمرار معاشه في تلك السنة متوقّفاً على تلك الزيادة; لأنّ استمرار معاشه لا يتوقّف على خصوص جعل هذا المال رأس مال يتّجر به، بل يتوقّف على الجامع بين ذلك وبين أن يقتات به، وإذا اقتات به لم يكن في معاشه بحاجة إلى تلك الزيادة.

فقد أصبح الدليل عندئذ منسجماً مع المدّعى.

كما أنّ استثناء فرض وجود مال آخر يمكنه الاستغناء به عن رأس ماله هذا أيضاً أصبح استثناءً منسجماً; لأنّه مع وجود مال من هذا القبيل ينتفي عنوان توقّف استمرار معاشه على ذلك المال.

نعم يبقى الكلام في أصل قبول ادّعاء من هذا القبيل في تفسير المؤونة.

الوجه الرابع: ما اختاره اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) في تعليقه على منهاج الصالحين للسيّد الحكيم(رحمه الله)(1)، فقد قال السيّد الحكيم(قدس سره)في المسألة رقم 34 من مبحث ما يجب فيه الخمس: «الظاهر: أنّ رأس مال التجارة ليس من المؤونة المستثناة، فيجب إخراج


(1) رقم التعليقة: 46 من تعليقاته على مبحث ما يجب فيه الخمس، ص 465 ـ 466 بحسب طبعة دار التعارف للمطبوعات بيروت ـ لبنان.

306


خمسه» وعلّق اُستاذنا الشهيد على كلمة «ليس من المؤونة المستثناة» بقوله: «إلّا في حالة واحدة. وتوضيحها: أنّه كلّما ترتّب على ثبوت الخمس في رأس المال اضطرار المالك إلى صرفه في مؤونته فعلاً بحيث لا يتحصّل لديه رأس مال، ولا يصل إلى أصحاب الخمس خمسهم من أجل الصرف في المؤونة، فلا يجب الخمس في هذه الحالة. وتحقّق هذه الحالة يكون فيما إذا كان رأس المال المتّخذ من الفوائد والأرباح بقدر لا يزيد على المؤونة، ولا يكفي بعد إخراج خمسه للمؤونة لا بنفسه ولا باستثماره، ولا يوجد لدى المالك مال آخر يمكنه تكميل الناقص من مؤونته به لو دفع الخمس من ذلك المال».

والظاهر: أنّ اُستاذنا ـ رضوان الله عليه ـ ينظر إلى نفس النكتة التي احتملنا أن تكون منظورة ولو ارتكازاً للسيّد الخوئيّ(رحمه الله) من أنّ عنوان المؤونة كما يصدق عرفاً على ما يستهلك للمعيشة كذلك يصدق عرفاً على ما توقّفت عليه المعيشة، إلّا أنّه(رحمه الله)أعمل دقّة أكثر في مقام تطبيق عنوان التوقّف، فبينما لم يذكر السيّد الخوئيّ(قدس سره)لتحقّق هذا العنوان إلّا شرطين:

الأوّل: أن لا يكون رأس المال أكثر من مؤونته الاستهلاكيّة، وإلّا لما توقّفت مؤونته السنويّة على الزيادة.

والثاني: أن لا يكون له مال آخر يمكنه أن يقتات به.

نجد اُستاذنا يذكر شروطاً ثلاثة:

الأوّل: أن لا يكون رأس المال زائداً على المؤونة. وهذا هو الشرط الأوّل من شرطي السيّد الخوئيّ(قدس سره).

والثالث: أن لا يوجد لدى المالك مال آخر يمكنه تكميل الناقص من مؤونته لو خمّس رأس المال. وهذا هو الشرط الثاني من شرطي السيّد الخوئيّ.

307


والثاني: شرط إضافيّ ذكره اُستاذنا، وهو أن لا يكفي قسم من رأس المال ولو باستثماره لإعاشته، وإلّا لما توقّفت الإعاشة على المقدار الآخر من رأس المال. ثُمّ إنّه قد فُسّر تعليق اُستاذنا الشهيد(قدس سره) على منهاج الصالحين بتفسيرين آخرين غير التفسير الذي ذكرناه، أو وجّه بوجهين آخرين غير الوجه الذي ذكرناه(1).

الوجه الأوّل: أنّه يلزم من شمول أدلّة الخمس عدم شمولها له بحسب النتيجة الخارجيّة، وهو لغو عرفاً; لأنّ المكلّف يضطرّ بسبب تثبيت الخمس على رأس ماله إلى أن يسقطه عن كونه رأس مال والصرف في مؤونته بالاستهلاك، فيرتفع موضوع الخمس.

والوجه الثاني: أنّ ظاهر أدلّة الخمس الإرفاق بالمكلّفين، وجعل الخمس على أرباحهم بنحو لا يستوجب الإحراج والتضييق عليهم، وتركهم لتجاراتهم وأعمالهم، فتكون الإطلاقات منصرفة عن مثل هذه الحال.

ولعلّ الذي أوحى إلى ذهن المفسّر بالتفسير الأوّل ما ورد في عبارة اُستاذنا الشهيد(قدس سره)من قوله: «لا يتحصّل لديه رأس مال، ولا يصل إلى أصحاب الخمس خمسهم من أجل الصرف في المؤونة».

وعلى أيّ حال، فكلا الوجهين خلاف ظاهر تعليق الاُستاذ(قدس سره); لأنّ مفادهما يوجب تفسير كلام اُستاذنا باستثناء رأس المال هذا عن حكم وجوب الخمس، وإلحاقه إلحاقاً حكميّاً بالمؤونة، لا إلحاقاً موضوعيّاً، في حين أنّ اُستاذنا جعل تعليقه في منهاج الصالحين بالاستثناء على جملة: «ليس من المؤونة المستثناة» لا على جملة: «فيجب إخراج خمسه»، وهذا يعني: أنّ الاستثناء استثناء موضوعي، لا استثناءً حكميّاً، أي: أنّ هذا القسم إنّما سقط عنه الخمس لأنّه أصبح مؤونة حقيقة، لا أنّه اُلحق بالمؤونة حكماً


(1) وذلك في كتاب الخمس للسيّد الهاشمي حفظه الله، ج 2، ص 230.

308


كي لا يلزم من ثبوت الخمس عدمه، أو كي يكون إرفاقاً بالمكلّف.

على أنّ الوجهين ضعيفان غاية الضعف; لبعض ما ورد عليهما من الإشكالات في كلام نفس هذا المفسّر أو ما شابهها.

فمثلاً: لو كان المقصود بأنّه يلزم من وجوده عدمه نفس المعنى الذي يوجب الاستحالة فلسفيّاً، فمن الواضح: أنّ ثبوت الحكم بالتخميس على رأس المال لا يوجب إلّا عدول المكلّف عن داعي جعل رأس المال، فينتفي الحكم بانتفاء موضوعه. وهذا غير ما هو المستحيل فلسفيّاً، على أنّه قد لا يؤدّي إلى عدول المكلّف عن جعل رأس المال; وذلك: إمّا عصياناً، وإمّا تفضيلاً لجعل رأس مال صغير مع تحمّل ما سيعانيه من ضيق في المعاش على سعة معاشه في تلك السنة والذي يُنهي ماله نهائيّاً.

ولو كان المقصود بأنّه يلزم من وجوده عدمه اللغويّة العرفيّة، ورد عليه ما أورده نفس المفسّر من أنّ هذا الإشكال إنّما يرد لو ورد نصّ خاصّ على الخمس في مورد البحث، لا فيما إذا كان إطلاق دليل الخمس والذي هو رفض للقيود لا جمع بين القيود شاملاً للمورد.

وأمّا الاستشهاد بالإرفاق فيرد عليه ما أورده نفس المفسّر من أنّه إن قصد بذلك: أنّ حكم الخمس إرفاقيّ، فهذا غير صحيح. وإن قصد بذلك: أنّ استثناء المؤونة إرفاقيّ، فهذا صحيح، ولكنّه لا يدلّ على أكثر من الإرفاق في دائرة المؤونة، ويقول القائل: إنّ رأس المال ما دام هو رأس المال ليس مؤونة، والإرفاق في دائرة المؤونة لا يدلّ على التعدّي في الإرفاق إلى دائرة اُخرى.

بقي الكلام فيما هو المختار في المقام فنقول:

لا إشكال في أنّه لولا روايات «لا خمس إلّا بعد المؤونة» لكنّا نقول بمقتضى إطلاقات أدلّة الخمس بوجوب تخميس كلّ فائدة بما فيها المؤونة، وإنّما نقول باستثناء المؤونة لنصوص الاستثناء، كما أنّه لا إشكال في أنّ الاستثناء خاصّ بمؤونة السنة،

309


ولا يشمل مؤونة العمر; لما مضى سابقاً. فإذن لا يبقى الكلام إلّا في معرفة معنى المؤونة، وقد تحصّل من كلّ ما أسلفناه أنّ الوجوه الرئيسة في تفسير مصاريف المؤونة ثلاثة:

الأوّل: تفسيرها بالمصاريف الاستهلاكيّة التي تستهلك للحاجات العرفيّة، ولو مع توسيع ما يقصد بالاستهلاك ليشمل استهلاك المنافع الطبيعيّة، كما في سكنى الدار، وشرب حليب البقرة، وأكل ثمار الشجرة، فمثل هذا كاف في سقوط الخمس عن الدار، أو البقرة، أو الشجرة.

والثاني: إلحاق الأرباح التجاريّة بالمنافع الطبيعيّة في كفاية استهلاكها لسقوط الخمس عن رأس المال.

والثالث: أمر وسط بين الأمرين، وهو افتراض أنّ صدق المؤونة يتوقّف على أحد أمرين: إمّا الاستهلاك في الحاجات العرفيّة، أو توقّف إمرار المعاش على ذلك المال، وهذا ينتج استثناء رأس المال من التخميس بشرطين أو ثلاثة بالتفصيل الذي عرفت.

فأيّ من هذه التفاسير هو الصحيح؟!

لا دليل منطقيّ، ولا معادلة رياضيّة، ولا برهان فلسفيّ يدلّنا على أحد المحتملات الثلاثة، ولا يوجد عدا الاستظهار العرفيّ.

والذي نستظهره في المقام أمران:

الأوّل: أن دخل شيء في صدق المؤونة أو الصرف في المؤونة لا علاقة له بتوقّف الإعاشة عليه، فإنّ المؤونة تعني ما يحتاج إليه الإنسان في إعاشته، والصرف فيها يعني صرف المال في تلك المؤونة، فلو عمّمنا الصرف للصرف التجاري، فسواء كان يمتلك مالاً آخر يمكنه الاستغناء به عن صرف ربح هذه التجارة، أو لم يمتلك ذلك، يكون صرف ربح هذه التجارة في تلك الحاجة صرفاً في المؤونة رغم فرض امتلاكه لمال آخر، ولو قلنا: إنّ المقصود بالصرف في المؤونة استهلاكه فيها ولو بمعنى الاستفادة من الدرّ

310


الطبيعيّ، كالبقرة المستفاد منها في شرب الحليب، أو الشجرة المستفاد منها في أكل الثمار، دون الاستفادة من الدرّ التجاري، فرأس المال التجاري ليس مصروفاً في المؤونة، حتّى لو لم يكن يمتلك مالاً آخر يمكنه الاستغناء به عن الدرّ التجاري لرأس المال في مؤونته.

والثاني: أنّ الصرف في المؤونة يعني الاستهلاك فيها ولو بمعنى الإعاشة على درّها الطبيعي كما في البقرة المستفاد من حليبها في الإعاشة، أو الشجرة المستفاد من ثمرها في الحاجة، ولا يعني الاستفادة من الدرّ التجاريّ البحت.

والذي يحسم الأمر في المقام هو أنّ دليل استثناء المؤونة دليل منفصل، فمع فرض الشكّ نتمسّك في مورد الشكّ بإطلاق دليل الخمس، فلو أنّه حفظ رأس المال من صرفه المباشر في المؤونة، واستفاد من درّه التجاري دون الطبيعي، وشككنا في كفاية ذلك في صدق صرف رأس المال في المؤونة، كان المرجع هو إطلاق دليل الخمس.

فالصحيح ما لعلّه هو المشهور من أنّ رأس المال التجاري البحت غير مستثنى من الخمس إطلاقاً.

نعم، رأس المال الذي يدرّ بطبيعته على المؤونة لا بالمبادلة، من قبيل البقرة الحلوب التي يستفاد من حليبها في الإعاشة، أو الأشجار المثمرة التي يستفاد من ثمرها في الإعاشة لا نضايق في صدق عنوان صرفه في المؤونة، واستثنائه من الخمس. بل ولا نضايق في عدم اشتراط صرف درّه الطبيعي بالشكل المباشر، فيكفي صرفه بالمبادلة.

فلو كان له بستان يأخذ ثماره ويبيعها ويصرف ثمنها في معاشه، فتارةً يفترض صرف ثمن تلك الأثمار في معاشه، وعندئذ فلا خمس عليه; إذ لا يشترط في صرف المال على الإعاشة وسقوط الخمس عنه صرفه بعينه، وإلّا للزم أن يقال: إنّ المال الذي اشترى به الخبز مثلاً وأكله كان عليه الخمس; لأنّه لم يأكله مباشرة، وهذا واضح البطلان.

واُخرى يفترض جعل ثمن تلك الأثمار رأس مال يصرف ربحه التجاري في معاشه، فهنا يكون البستان رأس مال واجب التخميس.

311

121 ـ ورأس المال إن لم يكن من مستثنيات الخمس كالإرث ونحوه، بل كان من الأرباح التي يتعلّق بها الخمس، ولكنّه كان يدرّ بربحه على المؤونة، فدرُّهُ هذا على المؤونة يكون بأحد شكلين:

الأوّل: أن يكون درّه هذا بمنفعته الطبيعيّة، أو قل: التكوينيّة كالبقرة الحلوب التي يعيش صاحبها واُسرتُه في مؤونته على حليبها، أو الشجرة المثمرة التي يعيش صاحبها واُسرتُه في مؤونته على ثمرتها، أو البيت الذي يصرف سكناه في مؤونته بأن يسكن فيه، أو يسكّن أهله فيه، أو يؤجره لصرف اُجرة سكناه في مؤونته لحاجته إلى ذلك. وهنا لا إشكال في عدم تعلّق الخمس برأس المال هذا مادام داخلاً في مؤونته بهذا الشكل.

والثاني: أن يكون درّه على مؤونة الشخص بصرف منفعته التجاريّة والتبادليّة البحت، أي: بأرباح المبادلة والبيع والشراء، وهذا لا يكون مستثنى من الخمس(1).

122 ـ لو خرجت المؤونة عن كونها مؤونة كحليّ المرأة الذي خرج عن حاجتها في الزينة بسبب تقدّمها في السنّ، أو البقرة الحلوب التي خرجت بعد حين عن


(1) قد عدلنا عن هذا، والصحيح عندنا الآن في رأس المال الذي لم يكن من مستثنيات الخمس كالإرث ونحوه، بل كان من الأرباح التي يتعلّق بها الخمس، هو: أنّه إن كان يدرّ بربحه على المؤونة، كالبقرة الحلوب التي يعيش صاحبها واُسرتُه في مؤونته على حليبها، أو الشجرة المثمرة التي يعيش صاحبها واُسرتُه في مؤونته على ثمرتها، أو البيت الذي يصرف سكناه في مؤونته بأن يسكن فيه، أو يسكّن أهله فيه، أو يؤجره لصرف اُجرة سكناه في مؤونته دون أن يصرف مالاً آخر في تلك المؤونة ويضيف اُجرة هذا البيت إلى ماله، فهنا لا إشكال في عدم تعلّق الخمس برأس المال هذا ما دام داخلاً في مؤونته بهذا الشكل.

أمّا لو كان يُدخل أرباح رأس المال في خزانته، أو يدّخرها لمؤن السنوات القادمة ويصرف في مؤونة هذه السنة أموالاً اُخرى، فلابدّ من تخميس رأس المال.

312

عيش صاحبها في مؤونته بحليبها، دخل المال عندئذ من ذاك الحين تحت نظام الخمس، فلو بقي خارجاً عن المؤونة من ذاك الحين حتّى نهاية السنة، وجب تخميسه(1).


(1) وأمّا البحث الثاني: وهو بحث المؤونة لو خرجت في وقت ما عن المؤونيّة كحليّ المرأة في أيّام كبرها وشيبوبتها، فهل تعود إلى وجوب الخمس لو لم تكن مخمّسة؟

فقد تربط المسألة بالبحث الاُصوليّ المعروف، من أنّه هل يكون المرجع بعد انتهاء أمد التخصيص هو عموم العامّ، أو استصحاب حكم المخصّص؟

وهناك اُسلوبان لفصل هذه المسألة عن ذاك البحث:

الاُسلوب الأوّل: دعوى: أنّ المخصّص هنا لم يكن مخصّصاً زمانيّاً أو أحواليّاً، بل هو مخصّص أفرادي أخرج عن العموم ذات المؤونة، لا المؤونة ما دامت هي مؤونة. إذن فالمال الذي خرج بعد ذلك عن كونه مؤونة يبقى خارجاً بالتخصيص من تحت العموم، ولا تصل النوبة إلى البحث عن أنّ المرجع هل هو عموم العامّ، أو استصحاب حكم المخصّص؟

وقد ذكر ذلك السيّد الخوئيّ(قدس سره) كاستظهار عرفيٍّ بحت ومن دون ذكر نكتة فنّيّة له(1).

ولكن السيّد الهاشميّ حفظه الله ذكر نكتة فنّيّة له(2)، وهي: أنّ الخمس أمر يتعلّق بنفس ملك صاحب المال ولو في طول مالكيّته، فكأنّ دليل الخمس يعني اشتراك صاحب الخمس في المال بنسبة الخمس، وتقسيم الملكيّة بينهما، وبما أنّ الملكيّة تعتبر عقلائيّاً من الأحكام الوضعيّة القارّة، أي: التي يكون مجرّد حدوثها سبباً لبقائها، فدليل استثناء المؤونة يكون بهذه المناسبة ظاهراً في التخصيص الأفرادي، وناظراً إلى ذات الملك، ومن حين أصل حدوث الملك، لا إلى الأحوال والأزمان.

أقول: إنّ هذه النكتة الفنّيّة لا ترجع إلى محصّل، فصحيح: أنّ الملكيّة تعتبر في ذاتها


(1) مستند العروة، كتاب الخمس، ص 258 ـ 259 من طبعة لطفي بالمطبعة العلميّة بقم.

(2) كتاب الخمس، ج 2، ص 277 ـ 278.

313


من الاُمور القارّة التي تبقى ما لم يحصل ناقل، وهذا يعني: أنّ ما ملكه صاحب الخمس يكون من حين ما ملكه ملكاً قارّاً له لا ينتقل إلّا بناقل، ولكن هذا لا يعني أنّ استثناء المؤونة يجب أن يكون استثناءً أفراديّاً، ولا يكون استثناءً لفترة محدّدة، أو لحالة محدّدة تنتهي، فلو فرضنا: أنّ ملكيّة الإمام بدأت من بعد انتهاء المؤونيّة لم يكن لذلك أيّ تناف عقليّ أو عرفيّ مع افتراض كون ملكيّة الإمام أمراً قارّاً، فإنّ كونها أمراً قارّاً يعني: أنّها بعد ما تحدث تقتضي البقاء. أمّا أنّها متى تحدث، وأنّ حدوثها يجب أن يكون منذ البدء، وأن لا تكون المؤونيّة حالة محدّدة أو لفترة زمنيّة خاصّة؟ فلا علاقة لذلك بالموضوع.

وبكلمة اُخرى: إنّ استثناء فترة المؤونة إنّما هو استثناء من أوّل زمان حدوث ملك الإمام لا من آخره، وكون الملك أمراً قارّاً إنّما يعني بقاء الملك واستمراره، ولا نظر له إلى زمان الحدوث، واستثناء الحال لو فرض مضرّاً بعنوان القرار فإنّما يضرّ لو كان استثناءً من الأخير دون ما لو كان استثناءً من الأوّل.

فإن قلت: إنّ ملكيّة المالك الأصلي أيضاً أمر قارّ، فملكيّة الإمام للخمس يجب أن تعاصر أوّل آنات ملكيّة المالك الأصلي; إذ لو تأخّرت لزم زوال ملكيّة المالك الأصلي بعد حدوثها بالنسبة لمقدار الخمس، وتعلّق الخمس بالمؤونة بعد سقوطها عن المؤونيّة يعني تأخّر تعلّقه بها عن مالكيّة المالك الأصلي لها.

قلت: إنّ كون الملكيّة من الأحكام الوضعيّة القارّة لا يعني عدم قبولها للزوال، وإنّما يعني أنّها في ذاتها باقية ما لم تزُل بمزيل وناقل، وعدم كون سقوطها عن المؤونيّة مزيلاً لملكيّة خمس المؤونة وناقلاً له إلى الإمام هو أوّل الكلام.

وعليه فلا يبقى إلّا ما ذكره السيّد الخوئيّ(قدس سره) من دعوى استظهار كون التخصيص أفراديّاً بحسب فهم العرف، من دون افتراض هذه النكتة الفنّيّة.

وهذه الدعوى أيضاً محلّ تأمّل; فإنّ احتمال كون فعليّة صدق المؤونة منظوراً إليها في

314


استثناء المؤونة حدوثاً وبقاءً أمر مناسب عرفاً، باعتبار أنّ مؤونيّة المؤونة وثقلها هي السبب وفق المناسبات العرفيّة للإعفاء عن الخمس، فمن المعقول عرفاً أن يكون الإعفاء دائراً مدار بقاء هذا العنوان، فلو لم ندّعِ ظهور المخصّص في التخصيص الأحواليّ فلا أقلّ من الإجمال، والإجمال كاف في انتهاء زمن الدلالة اللفظيّة للتخصيص بانتهاء صدق عنوان المؤونة. فمرّة اُخرى قد تصل النوبة إلى استصحاب حكم المخصّص، أو التمسّك بعموم العامّ.

الاُسلوب الثاني: أنّ المخصّص وإن كان ينتهي أمده ـ ولو بسبب الإجمال ـ بخروج المال عن كونه مؤونة، ولكن لا يوجد لدينا عموم فوقاني نبحث عن الرجوع إليه، أو عدم الرجوع إليه لدى انتهاء زمان التخصيص، فينحصر الأمر في الرجوع إلى الاُصول المؤمّنة كاستصحاب حكم المخصّص، أو البراءة عن الخمس.

أمّا الوجه في عدم وجود عموم فوقاني، فهو: أنّ دليل الخمس موضوعه الفائدة أو الغنيمة، وليس مطلق المال، كي يقال: إنّه بعمومه يشمل هذا المال الذي سقط عن كونه مؤونة، وهذا المال كان فائدة أو غنيمة في سنة سابقة وقد فرض سقوط الخمس عنه وقتئذ بصيرورته مؤونة. أمّا الآن فليس هذا المال فائدة وغنيمة جديدة; لأنّ المال بوجوده البقائي لا يعتبر فائدة أو غنيمة، وإنّما يعتبر كذلك بوجوده الحدوثي، فلو اُريد تطبيق دليل الخمس عليه في السنة الثانية، فلا فائدة جديدة في تلك السنة، ولو اُريد تطبيق دليل الخمس عليه في السنة الاُولى فالمفروض أنّه كان مؤونة وكان مستثنى من الخمس، ولو اُريد تطبيق دليل الخمس عليه في السنة الاُولى لإثبات تعلّق الخمس به في السنة الثانية، فهذا خلف ظهور دليل الخمس في دوران الخمس مدار صدق الفائدة والذي هو ليس ثابتاً في السنة الثانية(1).


(1) كتاب الخمس للسيّد الهاشميّ، ج 2، ص 276.

315


أقول: إنّ هذا الوجه أيضاً لا يرجع إلى محصّل; لأنّ بقاء المال وإن لم يكن فائدة وغنيمة، لكنّه بقاء للفائدة والغنيمة، أي: أنّ عنوان الفائدة لا زالت باقية الصدق وإن كانت هي نفس الفائدة القديمة لا فائدة جديدة، وهذه الفائدة القديمة لم يتعلّق بها الخمس قديماً لمانع، وهو صدق اسم المؤونة عليها، والآن قد ارتفع صدق هذا الاسم، فيجب استئناف البحث عن أنّ زوال هذا الاسم الآن هل يعني زوال المانع أو لا؟ وأنّ دليل وجوب الخمس على كلّ فائدة هل هو لا زال مقتضياً لوجوب الخمس عليها أو لا؟

فإن قلت: إنّ موضوع الخمس هو حدوث الغنيمة لا بقاء الغنيمة، ولا مطلق الغنيمة; وذلك لظهور هيئة الفعل في مثل: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم﴾ أو «الخمس في كلّ ما أفاد الناس» في الحدوث، والمفروض: أنّ هذه السنة الجديدة لم يكن فيها حدوث الغنيمة، وحينما حدثت هذه الغنيمة في سنة سابقة كانت مستثناة عن الخمس لكونها مؤونة في تلك السنة.

قلت: فليكن موضوع الخمس هو حدوث الغنيمة، ولكن هذه الغنيمة أيضاً قد حدثت ولو في سنة سابقة، فهي موضوع للخمس. نعم، مقتضى إطلاق دليل الخمس كان عبارة عن أنّ حدوث الغنيمة تمام الموضوع لوجوب الخمس، والحكم يكون مقارناً لموضوعه طبعاً، ولو عرفنا أنّ الموضوع مركب من حدوث الغنيمة أو الفائدة وانتفاء عنوان المؤونة فالحكم سيكون مقارناً بطبيعة الحال للجزء الأخير، وقد حدث الجزء الأوّل في سنة سابقة وحصل الجزء الثاني وهو انتهاء عنوان المؤونيّة في هذه السنة.

وتحقيق الكلام في المقام هو: أنّ المسألة هي مسألة أن نرى: أنّ استثناء المؤونة هل هو استثناءٌ أحوالي، أي: استثناء لحال صدق هذا العنوان، فرجع ـ لا محالة ـ بعد انتهاء الحال إلى إطلاق الدليل; لأنّ موضوع الحكم مركّب من موضوع العامّ أو المطلق ونقيض موضوع المخصّص أو المقيّد، أو استثناء أفرادي، أي: استثناء لذات المال الذي استفيد منه