225

أمّا لو علم أنّ الحرام أزيد من الخمس، فالأحوط أن يطبّق الحرام على مال مشخّص، ثُمّ صرفه في القاسم المشترك بين مصرف الخمس ومصرف مجهول المالك.

110 ـ السابع: ما يفضل من مؤونة سنته له ولعياله من فوائد الصناعات، والزراعات، والتجارات، والإجارات، وحيازة المباحات، والفوائد والهدايا والجوائز، ونحو ذلك بعد استثناء المؤونة (1).


لو قلنا باختلافه عن مصرف الخمس، فكفايته في التحليل غير واضحة; لأنّ تشخيص الحرام فيما يصرفه في ذاك المصرف بحاجة إلى دليل مفقود، إلّا أن يشخّص ذلك بإذن الفقيه على أساس مبدأ ولاية الفقيه.

ولو علمنا بأنّ الحرام أكثر من الخمس، فدعوى إطلاق الخبرين لهذا الفرض في غاية الإشكال; لقوّة احتمال الانصراف بمناسبة الحكم والموضوع عن ذلك.

ولكن لا يبعد أن نفهم من الخبرين بالملازمة العرفيّة عدم وجوب صرف كلّ المال بسبب العلم الإجمالي في مورد مجهول المالك، فمقتضى الاحتياط دفع ما يعلم بعدم زيادة الحرام عليه للمصرف الجامع بين مصرف الخمس ومصرف مجهول المالك.

ولو ناقشنا في هذه الملازمة العرفيّة، أمكن تطبيق الحرام بإذن الفقيه على شيء معيّن بالولاية، ثُمّ أمكن الاحتياط بصرفه في المورد المشترك بين الخمس ومجهول المالك.

(1) تعارف لدى الشيعة إدخال ذلك في عنوان الغنيمة الواردة في الآية المباركة: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم...﴾(1)رغم وضوح ورودها في سياق غنيمة الحرب بدعوى: أنّ المورد لا يخصّص الوارد.


(1) سورة الأنفال، الآية: 41 ـ 44.

226


فلو لم نسلم هذا الاستظهار، فالدليل على إرادة الغنيمة بالمعنى الأعمّ في الآية هو صحيحة على بن مهزيار المفصّلة، وقد ورد فيها: «فأمّا الغنائم والفوائد، فهي واجبة عليهم في كلّ عام. قال الله تعالى: (ويذكر الآية الشريفة)، والغنائم والفوائد ـ يرحمك الله ـفهي الغنيمة يغنمها المرء، والفائدة يفيدها، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر...»(1).

وفائدة هذا الاستشهاد بالآية لو تمّ(2) أنّه لو لم يتمّ إطلاق في مورد في روايات الخمس، وتمّ إطلاق الآية ولو في طول هذا الاستشهاد، نفعنا إطلاقها. وليست فائدة هذا الاستشهاد جعل الكتاب مرجّحاً لدى التعارض; لأنّه بناءً على حمل الآية على الغنيمة بالمعنى الأعم بواسطة الرواية يكون هذا راجعاً إلى الاستشهاد بخبر الواحد لا بالكتاب.

وبغضّ النظر عن الآية المباركة فالروايات الدالّة على وجوب الخمس في أرباح المكاسب كثيرة، وفيها عدد من الروايات التامّة سنداً من قبيل:

1 ـ صحيحة عليّ بن مهزيار قال: قال لي أبو عليّ بن راشد (وهو ثقة ): قلت له: «أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقّك، فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: وأيّ شيء حقّه؟ فلم أدر ما اُجيبه، فقال: يجب عليهم الخمس. فقلت: ففي أيّ شيء؟ فقال: في أمتعتهم وصنائعهم. قلت: والتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال: إذا أمكنهم بعد مؤونتهم»(3).

2 ـ رواية إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ: «أقرأني عليّ كتاب أبيك فيما أوجبه على


(1) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 5.

(2) هذا إشارة إلى النقاش الذي سيبدو ـ إن شاء الله ـ في بحثنا في تفسير الرواية المفصّلة لعليّ بن مهزيار من ص 235 فصاعداً تعليقاً على آخر البند 111 من المتن.

(3) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 3.

227


أصحاب الضياع: أنّه أوجب عليهم نصف السدس بعد المؤونة، وأنّه ليس على من لم تقم ضيعته بمؤونته نصف السدس، ولا غير ذلك، فاختلف من قبلنا في ذلك فقالوا: يجب على الضياع الخمس بعد المؤونة، مؤونة الضيعة وخراجها لا مؤونة الرجل وعياله، فكتب وقرأه عليّ بن مهزيار: عليه الخمس بعد مؤونته وموونة عياله، وبعد خراج السلطان»(1).

ولئن شكّكنا في إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ الذي هو من أصحاب الرضا والجواد والهادي(عليهم السلام)، وعدّ وكيلاً للناحية، أمكن التخلّص عنه باستظهار: أنّ قوله: «وقرأه عليّ بن مهزيار» ليس هو كلام إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ لأنّه هو الذي روى عنه عليّ بن مهزيار، بل هو مثلاً كلام العبّاس بن معروف الراوي عن عليّ بن مهزيار، وهو آخر من في سند الشيخ إلى عليّ بن مهزيار.

3 ـ صحيحة عليّ بن مهزيار المفصّلة، وفيها: «فأمّا الذي اُوجب من الضياع والغلاّت في كلّ عامّ، فهو نصف السدس...»(2).

4 ـ موثّقة سماعة: «سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الخمس، فقال: في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير»(3).

5 ـ صحيحة الريّان بن الصلت قال: «كتبت إلى أبي محمّد(عليه السلام): ما الذي يجب عليّ يا مولاي في غلّة رحى أرض في قطيعة لي، وفي ثمن سمك وبردي وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب: يجب عليك فيه الخمس إن شاء الله تعالى»(4).


(1) المصدر نفسه.

(2) المصدر نفسه ح 5.

(3) المصدر نفسه، ح 6.

(4) المصدر نفسه، ح 9.

228


6 ـ موثّقة عبدالله بن بكير عن أبي عبدالله(عليه السلام) «أنّه قال: إنّي لآخذ من أحدكم الدرهم، وإنّي لمن أكثر أهل المدينة مالاً، ما اُريد بذلك إلّا أن تطهروا»(1) بناءً على استظهار خمس أرباح المكاسب من جملة: «لآخذ من أحدكم الدرهم»، فإنّه لو كان المقصود خمس الكنز مثلاً، أو المعدن، أو الغنيمة الواصلة من قبل الخلفاء إلى أحد، فعادةً لا يعبّر عن ذلك بكلمة «الدرهم»، ولا يمكن حمل هذا على الزكاة; لوضوح أنّ الزكاة لا يأكلها الإمام، فما معنى قوله(عليه السلام): «وإنّي لمن أكثر أهل المدينة مالاً»؟!

وأوّل أمر يقع الحديث عنه هنا هو البحث عن أنّ خمس أرباح المكاسب هل هو حكم إلهيّ، أو حكم ولائي؟

والمنشأ لهذا التشكيك هو أنّ التأكيد على خصوص خمس أرباح المكاسب ورد من قبل الأئمّة المتوسّطين(عليهم السلام)، واشتدّ من قبل الأئمّة المتأخّرين(عليهم السلام)، ومن هنا يدخل التشكيك في كون ذلك حكماً إلهيّاً.

ويمكن إبراز هذا التشكيك بإحدى لغات ثلاث:

فتارةً: بِلُغة: أنّه لم يصلنا ما يدلّ على تشريع هذا الخمس من نصّ عليه لا في الكتاب بعد فرض التشكيك في معنى كلمة «الغنيمة» في الآية المباركة (ولو من أجل أنّ كلمة «ما» وكلمة «شيء» في قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِنْ شَيء...﴾ من الأسماء المبهمة التي تتلوّن بلون موردها، فلو قيل لأحد: أيّ الرمّانتين أحبّ إليك؟ فقال: اُحبّ ما هو أكبر، لا يتمسّك بإطلاق كلامه في اختيار أيّ شيء من الأشياء والأجناس الاُخرى لإثبات أنّ أحبّها إليه ما هو أكبر. والمقام من هذا القبيل; لأنّ الآية واردة في مورد غنيمة الحرب، فاحتمال اختصاص ﴿أَنَّمَا غَنِمْتُم مِنْ شَيء﴾ بغنيمة الحرب وارد. ولا يرد على


(1) الوسائل، ب 3 ممّا يجب فيه الخمس، ح 3.

229


هذا التقريب إشكال أنّ المورد لا يخصّص الوارد.

على أنّ تفاسير اللغويين لكلمة «الغنيمة» وموارد استعمالها غير واضحة في الغنيمة بمعنىً واحد، فقد تفسّر أو تستعمل بمعنى غنيمة الحرب في مقابل الفيء الذي هو ما أسلموه طوعاً بلا حرب، وقد تفسّر أو تستعمل بمعنى الفوز بلا مشقّة، وقد تفسّر أو تستعمل بمعنى كلّ مكسب) ولا على لسان رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ولا على لسان الأئمّة المتقدّمين(عليهم السلام).

واُخرى: بِلُغة: أنّه اشتهرت في التأريخ جباية رسول الله(صلى الله عليه وآله) للزكاة في حين أنّنا لم نرَ عيناً ولا أثراً في التأريخ عن جبايته(صلى الله عليه وآله)للخمس.

وثالثة بأنّه لو كان خمس أرباح المكاسب مشرّعاً ومبيّناً على لسان رسول الله(صلى الله عليه وآله)لما كانت من مصلحة خلفاء الجور إنكاره، كما لم ينكروا الزكاة، وإنّما كان من مصلحتهم الاعتراف به، وصرفه عن أهل البيت إلى بيت مال المسلمين; كي يغصبوه كما غصبوا الزكاة في حين أنّهم لم يفعلوا شيئاً من هذا القبيل.

فهل يقف أمام هذا الاستبعاد لإلهيّة خمس أرباح المكاسب مجرّد ما قد يقال: إنّ الشريعة لم تؤكّد في أوّل الأمر على خمس الأرباح; كي لا تتوجّه إليه أنظار خلفاء الجور، حتّى يعجزوا عن غصبه إلى أن يستفيد منه الأئمّة لدى توسّع حاجتهم بتوسّع دائرة التشيّع، وذلك في زمن الأئمّة المتوسّطين والمتأخّرين(عليهم السلام)؟

أو هل يكفي لكسر هذا الاستبعاد دعوى: أنّ كلمة «الصدقة» كانت تعطي معنى كلّ ماليّة تعطى في سبيل الله، من دون فرق بين الخمس والزكاة. فقوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾قابل للتطبيق على الخمس; ولذا ترى أنّ صحيحة عليّ بن مهزيار المفصّلة(1) استشهدت للخمس بقوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم


(1) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 5.

230


بِهَا...﴾ممّا يدلّ على أنّ الصدقة لها معنىً واسع لكلّ ماليّة واجبة، من دون فرق بين الزكاة والخمس، فلتكن هذه الآية تشريعاً للزكاة والخمس معاً، وكذلك استشهدت بآية الغنيمة ممّا يدلّ على أنّ الغنيمة استعملت في الآية بمعناها الواسع؟!

ولا يخفى: أنّ هذه الشبهة لو لم يمكن حلّها فهي لا تعني سقوط خمس أرباح المكاسب في زمن الغيبة; إذ حتّى لو افترضناه خمساً ولائيّاً، فهو ـ على أيّ حال ـ أمر وصلنا من قبل الأئمّة المتوسّطين، واُكّد عليه من قبل الأئمّة المتأخّرين، ولا زال الإمام ـ عجّل الله فرجه ـ موجوداً، ولم يصلنا رفعه في زمن النوّاب الأربعة(عليهم السلام)، ولا إبطاله حينما اُريد تغيير شكل النيابة من النيابة الخاصّة إلى النيابة العامّة لكلّ الفقهاء الجامعين للشرائط.

وأمّا أخبار التحليل فهي أجنبيّة عن إنهاء إعمال الولاية، وإنّما تلك تبعث شبهة اُخرى، ولها بحثها الخاصّ، وهي أنّه حتّى لو كان الخمس حكماً إلهيّاً فقد حُلّل للشيعة تحليلاً ولائيّاً إلى أن يظهر الحجّة عجلّ الله فرجه، وهي واردة حتّى من قبل الأئمّة الأوائل، وهذا بحث مستقلّ سنبحثه ـ إن شاء الله ـ في المستقبل.

وعلى أيّ حال فلنبدأ في الحديث ببحث تأريخي نقتصر فيه على نقل عدّة من النصوص أوردها العلاّمة العسكري في كتابه معالم المدرستين وفي كتابه مقدّمة مرآة العقول عن كتب إخواننا السنّة، وهي عدّة روايات:

الرواية الاُولى: ما جاء في صحيح البخاري، ومسلم، وسنن السنائي، ومسند أحمد، واللفظ للأوّل:

«إنّ وفد عبدالقيس لمّا قالوا لرسول الله(صلى الله عليه وآله): إنّ بيننا وبينك المشركين من مضر، وإنّا لا نصل إليك إلّا في أشهر الحرم، فمرنا بحمل الأمر إن عملنا به دخلنا الجنّة وندعو به مَن وراءَنا.

231


قال(صلى الله عليه وآله): آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع، آمركم بالإيمان بالله. وهل تدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلّا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتعطوا من المغانم الخمس...»(1).

والرواية واضحة في أنّ المراد من كلمة المغنم الواردة فيها ليس غنيمة الحرب بالذات; إذ لا معنى لها هنا; لأنّ الرواية قد صرّحت بأن هؤلاء المسلمين لا يستطيعون الوصول إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله) في غير الأشهر الحرم; لوجود حاجز بينهم وبينه(صلى الله عليه وآله)، وهم مشركو مضر الذين يتعرّضون لهم بالقتال والحرب. وأمّا في الأشهر الحرم فهم يتمكّنون من الوصول إليه; لعدم الحاجز، باعتبار أنّ المشركين يحترمون تلك الأشهر، ولا يقاتلون فيها، فلا حرب ولا قتال.

الرواية الثانية: ما ورد في فتوح البلاذري: لمّا بلغ أهل اليمن ظهور رسول الله(صلى الله عليه وآله)وعلوّ حقّه أتته وفودهم فكتب لهم كتاباً بإقرارهم على ما أسلموا عليه من أموالهم وأراضيهم وركازهم فأسلموا ووجّه إليهم رسله وعُمّالَه لتعريفهم شرائع الإسلام، وسننه، وقبض صدقاتهم، وجزى رؤوس من أقام على النصرانيّة واليهوديّة والمجوسيّة منهم.

ثُمّ ذكر هو وابن هشام والطبري وابن كثير ـ واللفظ للبلاذري ـ قال: «كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا بيان من الله ورسوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ﴾عهد من محمّد النبيّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن: أمره بتقوى الله في أمره كلّه، وأن يأخذ من المغانم خمس الله...»(2).

وهنا أيضاً لا شكّ في أنّ المقصود بالغنيمة ليست الغنيمة الحربيّة فحسب; لعدم وجود


(1) معالم المدرستين، ج 2، ص 119 بحسب طبعة مؤسّسة البعثة، الطبعة الرابعة، ومقدّمة مرآة العقول، ج 1، ص 101 بحسب الطبعة المنشورة من قبل دار الكتب الإسلاميّة.

(2) نفس المصدرين السابقين، ص 120 من معالم المدرستين، وص 102 من مرآة العقول.

232


حرب في مفروض الرواية، وليست هناك حاجة تدعو إلى ذكرها في كتاب مبعوثه، كما لا توجد ضرورة تفرض على المبعوث بيان غنيمة الحرب لمن اُرسل إليهم; لأنّ غنيمة الحرب يتولّى الرسول(صلى الله عليه وآله)بنفسه إخراجها حينما يحارب المسلمون معه. أمّا في موارد بعث السرايا للحرب فأيضاً تسلّم كلّ الغنيمة، وهو الذي يقسّم ما يبقى بعد أخذ الخمس وأخذ صفو المال على المقاتلين.

الرواية الثالثة: ما كتب لسعد هذيم من قضاعة، وإلى جذام كتاباً واحداً يعلّمهم فرائض الصدقة، وأمرهم أن يدفعوا الصدقة والخمس إلى رسوليه: اُبيّ وعنبسة، أو من أرسلاه(1).

الرواية الرابعة: ما كتب لمالك بن أحمر الجذاميّ، ولمن تبعه من المسلمين أماناً لهم ما أقاموا الصلاة، واتّبعوا المسلمين وجانبوا المشركين، وأدّوا الخمس من المغنم، وسهم الغارمين...(2).

الرواية الخامسة: ما كتبه لفجيع ومن تبعه: «من محمّد النبيّ(صلى الله عليه وآله) إلى فجيع، ومن تبعه، وأسلم، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، وأطاع الله ورسوله، وأعطى من المغانم خمس الله...»(3).

ولا يمكن حمل المغنم من هذه الروايات على مغنم الحرب بقرينة كلمة «الصفيّ» الواردة في بعضها، من قبيل كتابه لملوك حمير: «أمّا بعد، فإنّ الله هداكم بهدايته إن أصلحتم وأطعتم الله ورسوله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة من المغانم خمس الله وسهم النبيّ والصفيّ وما كتب الله على المؤمنين من الصدقة...».

وما ورد في كتابه لبني ثعلبة بن عامر: «من أسلم منهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة


(1) نفس المصدرين.

(2) نفس المصدرين، ص 121 من معالم المدرستين، و103 من مقدّمة مرآة العقول.

(3) نفس المصدرين.

233


وخمس المغانم وسهم النبيّ والصفيّ، فهو آمن بأمان الله».

وما ورد في كتابه لبني زهير العكليّين: «إنّكم إن شهدتم أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً رسول الله، وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة، وأدّيتم الخمس من المغنم، وسهم النبيّ وسهم الصفيّ...».

وما ورد في كتابه لبعض أفخاذ جهينة: «من أسلم منهم، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، وأطاع الله ورسوله، وأعطى من المغانم الخمس، وسهم النبيّ، والصفيّ»(1).

قال العلاّمة العسكريّ بعد نقله لهذه النصوص: (إنّ الصفي في هذه الكتب ـ ويجمع على الصفايا ـ هو كلّ ما كانت خالصة لرسول الله(صلى الله عليه وآله)من أموال وضياع وعقار، بالإضافة إلى سهمه من الخمس).

وقال: (الصفيّ ـ ويجمع على الصفايا ـ كأن يقال في العصر الجاهلي لما يأخذه الرئيس من المال المسلوب من العدى قبل القسمة. وفي الشرع الإسلامي لما كان لرسول الله(صلى الله عليه وآله)خالصة دون المؤمنين من مال منقول وغير منقول، من أراضي وعقار غير سهمه في الخمس)(2).

فحتّى لو حمل الصفيّ على الصفيّ ممّا قد يسلبونه من العدى، أو على الصفيّ ممّا بأيديهم من قبيل الأراضي الموات، وغير ما جعل لهم بسبب إسلامهم أو بسبب الصلح، فالمسألة ليست مسألة حرب رسول الله(صلى الله عليه وآله)مباشرة ولا السرايا.

ولم يكن مقصودنا بذكر هذه النصوص التأريخيّة الاستشهاد لأصل ثبوت الحكم في أرباح المكاسب، أو في كلّ أرباح المكاسب، وإنّما دليلنا على ذلك الروايات الصحيحة


(1) راجع معالم المدرستين، ج2، ص123 ـ 124، ومقدّمة مرآة العقول، ج1، ص106 ـ 107.

(2) معالم المدرستين، ص 100، ومقدّمة مرآة العقول، ص 77.

234


السند التي مضى منّا نقلها عن الوسائل. ولا شكّ في أنّ كلمة «الغنيمة» أو «المغنم» في هذه المقاطع التأريخيّة غير واضحة الحدود لدينا، فانّ هذه الكلمة بقدر ما فسّرت لنا في كتب اللغة أو بُيّنت موارد استعمالها مستعملة بمعنى غنيمة الحرب، وبمعنى الفوز بلا مشقّة، وبمعنى مطلق المكسب والشامل لجميع أرباح المكاسب.

والمقدار الذي نستشهد له بهذه المقاطع التأريخيّة هو أنّ الغنيمة التي عليها الخمس لا تختصّ بغنيمة الحرب، ويكون في هذا نوع تأييد لفهم الشيعة لكلمة الغنيمة في الآية المباركة، وأنّ لها إطلاقاً لم يخصّصه موردها أيّاً كان مستوى ذاك الإطلاق، فليس هدفنا إثبات خمس الفاضل عن مؤونة السنة من المكاسب بأمثال هذه المقاطع التأريخيّة، وانّما هدفنا التشكيك في تخصيص الغنيمة في الآية المباركة بالمورد وهو غنيمة الحرب; لأنّ الظاهر أو من المحتمل ـ على الأقلّ ـ أنّ هذه المقاطع التأريخيّة تنظر إلى المغنم الذي له أصل قرآنيّ.

وأمّا عدم وصول نصّ روائيّ عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أو الأئمّة الأوائل في خمس أرباح المكاسب، فليس غريباً بعد أن حجبونا عن نصوص رسول الله(صلى الله عليه وآله) قرابة مئة سنة، وبعد أن كان بدء الالتزام بكتب الروايات لدى الشيعة من زمن الباقرين(عليهما السلام)وليس قبلهما، وما أكثر الأحكام الهامّة التي لا نمتلك فيها نصّاً إلّا عن الأئمّة المتوسّطين أو المتأخّرين.

وأمّا اشتهار الجباية عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) للزكاة في حين أنّه لا يوجد عين ولا أثر عن جباية الخمس في ذاك الزمان، فينتقض بأنّنا لم تجد أيضاً عيناً ولا أثراً عن الجباية لزكاة الذهب والفضّة في ذاك الزمان، فهل هذا يعني عدم تعلّق الزكاة بالذهب والفضّة؟ أو هذا لا يعني أكثر من أنّ الوضع الاقتصادي والعشائري الذي كان يعيشه رسول الله(صلى الله عليه وآله) لم يكن يساعد إلّا على جباية زكوات الغلاّت والأنعام التي كانت هي عمدة أموالهم المشخّصة والمحدّدة مكاناً، والمتكرّر تعلّق الزكاة بها في كلّ سنة إلى أن تسقط عن أقلّ النصاب؟ وليست هكذا الأخماس ولا الذهب والفضّة اللذان لم يكونا متداولَين بين تلك العشائر

235

111 ـ والأحوط وجوباً إلحاق الهدايا والجوائز المهمّة التي تعتبر غنيمة استثنائيّة بمسألة الغنائم، أي: إنّها تخمّس فوراً وجميعاً من دون استثناء مؤونة السنة (1).


بشكل كثير ولا بشكل واضح.

وأمّا أنّ مصلحة خلفاء الجور لم تكن تقتضي إنكار خمس أرباح المكاسب، بل كانت تقتضي إقرارها وغصبها كما فعلوا ذلك بالزكاة، فلو كان هذا الخمس ثابتاً في زمن رسول الله(صلى الله عليه وآله) لمشى عليه خلفاء الجور مع جرّها من دائرة أهل البيت(عليهم السلام) إلى دائرتهم، فهذا ما يظهر جوابه بالمقايسة بين آية مصرف الزكاة وآية مصرف الخمس:

فآية مصرف الزكاة تقول: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾(1).

وآية مصرف الخمس تقول: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ...﴾(2).

فالآية الاُولى واضحة في أنّ الزكاة لبيت المال، فسهل عليهم غصبه ما داموا يدّعون أنّ الخلافة الإسلاميّة لهم، فبيت المال بيدهم.

والآية الثانية واضحة في أنّ ذا القربى لهم حصّة في الخمس، فلو كانوا يعترفون بأنّ الغنيمة تشمل أرباح المكاسب، لوقعت ثروة عظيمة بيد أهل البيت(عليهم السلام)، فكأنّهم بحسب فهمهم رأوا أنّ الأفضل لهم تخصّص الغنيمة بغنيمة الحرب كي لا يصل شيء من هذا القبيل إلى أهل البيت(عليهم السلام).

(1) هذا، ولا يبعد أن تكون رواية عليّ بن مهزيار المفصّلة في إحدى مقاطعها إشارة


(1) سورة التوبة، الآية: 60.

(2) سورة الأنفال، الآية: 41.

236


إلى تفسير الغُنم في الآية المباركة لا بمعنى أرباح المكاسب، بل بمعنىً وسط من معاني الغنم، وهو الذي قد يعبّر عنه في اللغة العربيّة «الفوز بلا مشقّة»، وقد يعبّر عنه في اللغة الفارسيّة بــ«مال بادآورده».

وكلّ الرواية ما يلي:

صحيحة عليّ بن مهزيار قال: «كتب إليه أبو جعفر(عليه السلام) ـ وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكّة ـ قال: إنّ الذي أوجبت في سنتي هذه، وهذه سنة عشرين ومئتين فقط لمعنى من المعاني أكره تفسير المعنى كلّه خوفاً من الانتشار، وسأُفسّر لك بعضه (وفي بعض النسخ بقيّته) إن شاء الله. إنّ مواليّ ـ أسأل الله صلاحهم ـ أو بعضهم قصّروا فيما يجب عليهم، فعلمت ذلك فأحببتُ أن اُطهّرهم واُزكّيهم بما فعلت في عامي هذا من أمر الخمس، قال الله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾(1)، ولم اُوجب ذلك عليهم في كلّ عام، ولا اُوجب عليهم إلّا الزكاة التي فرضها الله عليهم، وإنّما أوجبت الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضّة التي قد حال عليهما الحول ولم اُوجب ذلك عليهم في متاع، ولا آنية، ولا دوابّ، ولا خدم، ولا ربح ربحه في تجارة، ولا ضيعة إلّا ضيعة ساُفسّر لك أمرها تخفيفاً منّي عن مواليّ، ومنّاً منّي عليهم; لما يغتال السلطان من أموالهم، ولما ينوبهم في ذاتهم. فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام. قال الله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى


(1) سورة التوبة، الآية: 103 ـ 105.

237


وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ﴾(1)، والغنائم والفوائد ـ يرحمك الله ـ فهي الغنيمة يغنمها المرء، والفائدة يفيدها، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن، ومثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله، ومثل مال يؤخذ لا يعرف له صاحب، وما صار إلى مواليّ من أموال الخرّميّة الفسقة، فقد علمت أنّ أموالاً عظاماً صارت إلى قوم من مواليّ، فمن كان عنده شيء من ذلك فليوصل إلى وكيلي، ومن كان نائياً بعيد الشقّة فليتعمّد (فليعمد خ ل) لإيصاله ولو بعد حين، فإنّ نيّة المؤمن خير من عمله. فأمّا الذي اُوجب من الضياع والغلاّت في كلّ عام فهو نصف السدس ممّن كانت ضيعته تقوم بمؤونته، ومن كانت ضيعته لا تقوم بمؤونته فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك»(2).

ونحن نشرح هذه الفقرات كالتالي:

قوله(عليه السلام): «أحببت أن اُطهّركم واُزكّيكم بما فعلت في عامي هذا من أمر الخمس، قال الله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم...﴾» ليس المقصود من ذلك الاستشهاد لوجوب الخمس بهذه الآية المباركة; إذ لا شكّ في أنّ هذه الآية المباركة تنظر إلى الزكاة لا الخمس. صحيحٌ أنّ الصدقة لها في ذاتها معنىً عام يشمل كلّ ما يعطى في سبيل الله ولو كان خمساً، ولا تختصّ بالصدقة المصطلحة عندنا، لكنّ هذه الآية المباركة واردة في تشريع الزكاة دون الخمس، وانّما المقصود من هذا الكلام بيان: أنّ ما يُفرَض عليكم من صدقة يكون لأجل تطهيركم، فالخمس الذي اُوجبه عليكم والذي هو قسم من


(1) سورة الأنفال، الآية: 41.

(2) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 5.

238


أقسام الصدقة تطهير وتزكية لكم.

قوله(عليه السلام): «وإنّما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضّة التي قد حال عليهما الحول، ولم اُوجب ذلك عليهم في متاع، ولا آنية، ولا دوابّ، ولا خدم، ولا ربح ربحه في تجارة، ولا ضيعة إلّا ضيعة ساُفسّر لك أمرها...» هذا الكلام شاهد داخليّ في نفس الرواية على أنّ المقصود بنصف السدس في آخر الرواية في غلاّت الضيعة هو الخمس قد خفّفه(عليه السلام) إلى حدّ نصف السدس، وليس ذلك ماليّة جديدة غير الخمس; لأنّ قوله(عليه السلام): «إلّا ضيعة ساُفسّر لك أمرها» استثناء من نفي الخمس في قوله: «ولم اُوجب ذلك عليهم». ولدينا أيضاً شاهد خارجي على ذلك وهو قوله في الرواية الرابعة من نفس الباب الناظرة إلى تفسير هذه الرواية الخامسة: «فاختلف من قبلنا في ذلك فقالوا: يجب على الضياع الخمس بعد المؤونة مؤونة الضيعة وخراجها لا مؤونة الرجل وعياله، فكتب وقرأه عليّ بن مهزيار: عليه الخمس بعد مؤونته ومؤونة عياله، وبعد خراج السلطان» وقد ذكرها في تفسير المؤونة بلحاظ نصف السدس الذي يقول عنه إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ: أقرأني عليٌّ كتاب أبيك فيما أوجبه على أصحاب الضياع: أنّه أوجب عليهم نصف السدس بعد المؤونة، فلم يعرف إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ هل هذه مؤونة التحصيل أو مؤونة الصرف؟ وكانت خلاصة الجواب: أنّ المستثنى من الخمس كلتا المؤونتين، فأنت ترى أنّه كان من المسلّم عند السائل والمجيب أنّ نصف السدس هذا هو الخمس المخفّف، وليس شيئاً آخر.

قوله: «فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام، قال الله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم...﴾ والغنائم والفوائد ـ يرحمك الله ـ فهي الغنيمة يغنمها المرء، والفائدة يفيدها، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن، ومثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله، ومثل مال يؤخذ لا يعرف له صاحب، وما

239

112 ـ أمّا الهبة الاعتياديّة فتلحق بأرباح المكاسب، وتخمّس في آخر السنة


صار إلى مواليّ من أموال الخرّميّة الفسقة، فقد علمت أنّ أموالاً عظاماً صارت إلى قوم من مواليّ...» ليس المقصود من هذه الغنائم أرباح التجارة، إذ نفى(عليه السلام) قبل هذه العبارة الخمس من أرباح تجارتهم، وليس المقصود بها غلاّت الضياع، إذ اُتي في آخر الحديث أنّ عليها نصف السدس، وليس المقصود غنيمة تخمّس بعد مرور سنة إن زادت على مؤونة الصرف; لأنّه قد أدخلها(عليه السلام) في الآية الشريفة: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم...﴾أي: ألحقها بغنيمة الحرب التي لا تُستثنى منها المؤونة. ويجب أن نفهم مقصوده(عليه السلام) من هذه الغنيمة عن طريق انتزاع القاسم المشترك بين الأمثلة التي ذكرها، وهو الأموال العظام التي تغتنم بلا مشقّة، أي: ما يعبّر عنه في اللغة العربيّة بتعبير: «الفوز بلا مشقّة» أو ما يعبّر عنه باللغة الفارسيّة بتعبير: «مال بادآورده».

ومن هنا يتّضح: أنّ الاستدلال بهذه الرواية على ثبوت الخمس في الهبة مشكل; فإنّ المقصود بالجائزة ليست هي الهبة الاعتياديّة، وانّما المقصود: الجائزة التي لها خطر والتي تعتبر فوزاً بلا مشقّة أو «مال باد آورده»، والهبة الاعتياديّة لو كان يجب تخميسها فهي ملحقة بأرباح المكاسب التي لو بقيت سنة ولم تصرف في المؤونة، وجب تخميسها. وهناك رواية اُخرى تفسّر الغنيمة الواردة في الآية المباركة بالمعنى العام الشامل حتّى لأرباح المكاسب، وهي رواية حكيم مؤذّن بني عيس، أو بني عبس، أو بني عيسى عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «قلت له: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ﴾قال: هي والله الإفادة يوماً بيوم، إلّا أنّ أبي جعل شيعتنا من ذلك في حلّ ليزكوا»(1). إلّا أنّ في السند محمّد بن سنان، مضافاً إلى الدغدغة الموجودة في سند الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن فضّال على أنّ الراوي المباشر وهو حكيم المؤذّن مجهول.


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 8.

240

لو زادت على المؤونة (1).


(1) ويمكن الاستدلال لثبوت الخمس في الهبة الاعتياديّة لو بقيت بعد السنة ولم تصرف في المؤونة بوجوه:

الأوّل: الآية المباركة بدعوى: أنّ الغنيمة تشملها: إمّا لإطلاقها لغةً، أو لما عرفت من تفسير رواية حكيم مؤذّن بني عيس للآية بالمعنى العامّ للغنيمة(1). وكون غنيمة الحرب المتيقّنة في الآية لا تستثنى منها مؤونة السنة لا يضرّ باستثنائها من الهبة لو ثبت بدليل من خارج الآية هذا الاستثناء، كما ثبت في أرباح المكاسب.

ويرد على هذا الاستدلال: أ نّا لو سلّمنا إطلاق كلمة الغنيمة لغة فالموصول في الآية، وكذلك كلمة شيء يكون من الأسماء المبهمة والتي تتلوّن بلون موردها، وهو غنيمة الحرب، ولا يتمّ لها إطلاق. وأمّا رواية حكيم مؤذّن بني عيس فقد عرفت سقوطها سنداً.

الثاني: صحيحة عليّ بن مهزيار(2) ووجه الاستدلال بها: إمّا هو التمسّك بإطلاق قوله: «فأمّا الغنائم والفوائد»، فلو لم يكن للغنيمة إطلاق فللفائدة إطلاق يشمل الهبة بلا إشكال، وكذلك إطلاق قوله: «والفائدة يفيدها». إلّا أنّ إطلاقاً من هذا القبيل في الصحيحة مقيّد بقوله: «والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر فخرجت منها الهبة التي ليس لها خطر». وإمّا هو ما قاله السيّد الخوئيّ(قدس سره)من احتمال التعدّي إلى غير الخطير بعدم القول بالفصل، وحمل قيد الخطر في الرواية على أن يكون المبلغ مبلغاً يبقى بعد السنة وبعد استثناء مؤونة السنة، أمّا الجائزة المختصرة فهي تنصرف عادةً في داخل السنة فلا يتعلّق بها الخمس.

وبالمقابل أيضاً يمكن الاستدلال بهذه الصحيحة على عدم تعلّق الخمس بالهديّة الاعتياديّة بدليل أنّها خصّصت الخمس بالجائزة التي لها خطر.


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 8.

(2) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 5.

241


والظاهر: أنّه لا يمكن الاستدلال بهذه الصحيحة لا على إثبات الخمس على الهديّة المتعارفة، ولا على نفيه عنها; فإنّها إنّما وردت لإثبات الخمس على الجائزة التي لها خطر، وإدخالها في مفهوم الغنيمة بالمعنى المتوسّط الذي شرحناه مع التصريح بعدم فرضه(عليه السلام)للخمس على أرباح التجارة، فلعلّ الهبة الاعتياديّة ملحقة بأرباح التجارة، وحينما طالب الإمام المتأخّر بخمس أرباح التجارة وإنهاء هذا التخفيف لعلّ الهبة أيضاً وجب تخميسها في نهاية السنة.

والثالث: رواية حكيم مؤذّن بني عيس الدالة على وجوب الخمس في الإفادة يوماً بيوم(1). أمّا التحليل الوارد في ذيلها فقد رفع في زمان الإمام الهادي(عليه السلام) على ما دلّت عليه صحيحة أبي عليّ بن راشد(2).

والجواب: ما مضى من سقوط رواية حكيم سنداً.

والرابع: رواية عليّ بن الحسين بن عبد ربّه قال: «سرّح الرضا(عليه السلام) بِصِلَة إلى أبي، فكتب إليه أبي: هل عليّ فيما سرّحت إليَّ خمس؟ فكتب إليه: لا خمس عليك فيما سرّح به صاحب الخمس»(3). فلو كانت الهبة فارغة عن الخمس، لم يكن معنىً لتعليل عدم الخمس في صلة الرضا(عليه السلام)بأنّه لا خمس فيما سرّح به صاحب الخمس.

إلّا أن يقال: لعلّ صلته(عليه السلام) كانت من الجائزة التي لها خطر.

وعلى أيّ حال، فسند الحديث ساقط بسهل بن زياد، مضافاً إلى أنّ الراوي المباشر وهو عليّ بن الحسين بن عبد ربّه لا دليل على وثاقته، لو لم نقبل بكفاية وكالته عن الإمام


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 8.

(2) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 3.

(3) الوسائل، ب 11 ممّا يجب فيه الخمس، ح 2.

242

113 ـ وقد حُلِّل للشيعة في أيّام الغيبة أمران:

أحدهما: الغنائم أو خصوص الجواري المَسْبيّة من قِبَل حكومة إسلاميّة سنّيّة غنمتها من الكفّار بمثل الحرب، ثُمّ انتقلت منها إلى الشيعيّ. والمتيقّن من ذلك هي الجواري لا مطلق الغنائم.

وثانيهما: الخمس المتعلّق بمال مَن لا يخمّس حينما ينتقل إلى الشيعيّ بغير الإرث (1).


العسكري(عليه السلام) في الوثاقة.

والخامس: عموم موثّقة سماعة «سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الخمس، فقال: في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير»(1). وهذا الدليل تامّ لا إشكال فيه.

والسادس: التعدّي العرفي من أدلّة تعلّق الخمس بأرباح المكاسب حتّى الصانع بيده والتاجر عليه إلى الهبة المجانيّة التي لا تعب فيها ولا نصَب بالأولويّة العرفيّة. وهذا الوجه أيضاً تامّ.

فالظاهر ثبوت الخمس في الهبة كثبوته في أرباح المكاسب في غير التي لها خطر، أمّا التي لها خطر فثبوت الخمس فيها يكون كثبوته في غنيمة الحرب.

(1) وبعد أن اتّضح وجوب الخمس إلهيّاً في أرباح المكاسب ـ سواء آمنّا بما بحثناه أخيراً من إلحاق الهبة بها أو لا ـ ينبغي البحث عن أخبار التحليل.

إذ قد يقال: إنّ خمس أرباح المكاسب وإن كان واجباً في التشريع الإلهيّ، إلّا أنّ الشيعة هم في حلّ من ذلك إلى ظهور الحجّة عجّل الله تعالى فرجه.

ومن هنا لا بدّ لنا من بحث ما يسمّى بأخبار التحليل لكي نرى هل يتمّ منها سنداً


(1) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 6.

243


ودلالة؟ وما هي حدود دلالة كلّ واحد منها؟ وما هو تأريخ صدوره، أفلا يكون تأريخه قبل التشديد من قبل إمام متأخّر الدالّ على انتهاء التحليل لو كان؟ أو ماذا؟ فنقول وبالله التوفيق:

الرواية الاُولى: صحيحة الفضلاء الثلاثة: أبي بصير وزرارة ومحمّد بن مسلم كلّهم عن أبي جعفر(عليه السلام) «قال: قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام): هلك الناس في بطونهم وفروجهم; لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا، ألا وإنّ شيعتنا من ذلك وآباءهم في حلّ»(1). وفي نسخة الصدوق بدل «آباءهم» ورد «أبناءهم».

ويمكن النقاش في دلالة هذه الصحيحة على إباحة خمس أرباح المكاسب بعدّة وجوه:

الأوّل: أنّ الظاهر: أنّ المقصود بالناس في قوله: «هلك الناس» هم العامّة، كما هو مصطلح في روايات أهل البيت(عليهم السلام) خاصّة وأنّ هذه الكلمة وقعت في هذا الحديث في مقابل التعبير بــ«شيعتنا»، فالظاهر: أنّ المقصود: أنّ حقّ الأئمّة(عليهم السلام) الواقع تحت يد العامّة أوجب هلاكهم، وأنّ الشيعة يكونون من ذلك في حلّ. وكلمة «ذلك» ظاهرة في الرجوع إلى ذاك الحقّ الذي وقع في يد العامّة، فلو دلّ الحديث على تحليل خمس الأرباح فهو يدلّ على ما هو المعروف لدى أصحابنا من أنّ الخمس المتعلّق بالسنّة لو انتقل بتعامل ونحوه إلى الشيعة فهم من ذلك في حلّ. وهذا أجنبيّ عمّا نحن فيه.

والثاني: أنّ كلمة «وآباءهم» أو كلمة «وأبناءهم» في ذيل الرواية وهو الجزء المشتمل على التحليل قرينة على أنّ هذا التحليل راجع إلى الفيء وخمس الغنيمة الحاصل من قبل السلطات الإسلاميّة الجائزة، لكي يطهر نسب الشيعة، ولا يكونوا أولاد


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 1.

244


زنا، فلا علاقة للرواية بما نحن فيه.

والثالث: أنّ مقتضى الجمع بين تحليل أمير المؤمنين(عليه السلام) وتثبيت الأئمّة المتأخّرين للخمس على أرباح المكاسب: إمّا هو انتهاء أمر التحليل في زمن الأئمّة المتأخّرين; أو اختصاص التحليل بما مضى في أحد الجوابين الأوّلين، وعدم ارتباطه بخمس الأرباح.

الرواية الثانية: صحيحة عليّ بن مهزيار قال: «قرأت في كتاب لأبي جعفر(عليه السلام) من رجل يسأله أن يجعله في حلّ من مأكله ومشربه من الخمس، فكتب بخطّه: من أعوزه شيء من حقّي فهو في حلّ»(1).

وهذا الحديث وإن كان راجعاً لمطلق حقّه(عليه السلام) ولا يختصّ بالخمس، إلّا أنّه لا شكّ في شموله للخمس; لأنّ مورد السؤال كان هو الخمس.

وهذا الحديث يختلف مفاده عن ما هو المطلوب من أخبار التحليل من افتراض تحليل الخمس للشيعة وذلك:

أوّلاً: لاختصاصه بفرض الإعواز، سواء افترض أنّ المقصود بالإعواز هو الفقر، أو افترض أنّه أعمّ من الفقر الشرعي; لأنّه ربّما يقصد الإعواز والاحتياج بشأن غير الفقير الشرعي كما لو كانت له تجارة مربحة مثلاً وإعطاء حقّ الإمام كان يُخسره تلك التجارة.

وثانياً: لعدم اختصاصه بالشيعة، فإنّ من أعوزه من حقّه(عليه السلام) قد يكون غير شيعيّ.

إلّا أن يقال بانصراف الكلام إلى الشيعة; لأنّ غير الشيعي لا ينتظر في عمله صدور تحليل من قبل الإمام(عليه السلام).

وعلى أيّ حال، فبالإمكان أن يقال: إنّ هذا التحليل مخصوص بزمان الإمام الجواد(عليه السلام)بدليل أنّه عبّر بتعبير: «شيء من حقّي» ولم يعبّر بتعبير: «شيء من حقّنا».


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 2.

245


وممّا يؤيّد اختصاص هذا التحليل بزمان الإمام الجواد(عليه السلام) صدور تحليل آخر في الخمس واضح اختصاصه بزمانه، وذلك في صحيحة اُخرى لعليّ بن مهزيار عن الإمام الجواد(عليه السلام)(1) دلّت على تحليل الزائد على نصف السدس من أرباح المكاسب، فمن الواضح أنّ هكذا تحليل لا يوجد في زمان أيّ إمام آخر، فإنّه إمّا لا يوجد تحليل للخمس على الشيعة، أو يوجد تحليل لتمام المبلغ لو صحّ ما يُطلَب من أخبار التحليل.

ولو شُكَّ في أنّ التحليل لحقّ الإمام(عليه السلام) هل هو خاصّ بزمن الإمام الجواد، أو لا؟ فقد يقال باستصحاب التحليل إلى زماننا هذا.

إلّا أنّ استصحاب عدم النسخ بناءً على تسليمه في نفسه لا يجري في المقام; لأنّ أصل الإباحة المجعولة جعلاً ولائيّاً لا ندري هل هي إباحة خاصّة بذاك الزمان أو عامّة لمطلق ما قبل الظهور؟ فلو كانت خاصّة بذاك الزمان، فثبوتها فيما بعد ذاك الزمان بحاجة إلى جعل آخر، وتصبح الإباحة الثانية عندئذ غير الاُولى، فلا تثبت بالاستصحاب.

على أن هناك نصّاً صحيحاً عن الحجّة ـ عجّل الله فرجه ـ صريحاً في أنّ تلك الإباحة لو كانت فإمّا كانت خاّصة بذاك الزمان، أو نسخت بعد ذلك، وهو ما رواه الصدوق(قدس سره) في إكمال الدين عن أربعة من مشايخه، وهم محمّد بن أحمد الشيباني(2) وعليّ بن أحمد بن محمّد الدقّاق، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدّب، وعليّ بن عبدالله الورّاق جميعاً عن أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي قال: «كان فيما ورد عليّ من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري ـ قدّس الله روحه ـ في جواب مسائلي إلى صاحب الدار(عليه السلام) ... وأمّا ما سألت عنه من أمر الضياع التي لناحيتنا هل يجوز القيام بعمارتها وأداء


(1) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 5.

(2) وفي نسخة الوسائل السناني.

246


الخراج منها، وصرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية احتساباً للأجر وتقرّباً إليكم؟ فلا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه، فكيف يحلّ ذلك في مالنا؟! من فعل شيئاً من ذلك من غير أمرنا فقد استحلّ منّا ما حرم عليه، ومن أكل من مالنا شيئاً فإنّما يأكل في بطنه ناراً وسيصلى سعيراً»(1).

فإنّ هذا الحديث المتأخّر يضادّ التحليل الوارد في حديث: «من أعوزه شيء من حقّي» تماماً. ولا يمكن الجمع بينهما إلّا بفرض انتهاء زمن التحليل.

فمثلاً لا يمكن أن يقال: إنّ ذاك التحليل كان في الخمس، وهذا مطلق لكلّ حقّ فيخرج من إطلاقه الخمس ; لأنّ ذاك الحديث أيضاً عبّر بالحقّ، ولم يعبّر بالخمس وإن كان مورده الخمس.

ولا يمكن أن يقال: إنّ ذاك الحديث ينصرف إلى التحليل للشيعي، وهذا يتكّلم عمّن يأكل حقّ الإمام من دون إذنه، والشيعي خارج موضوعاً عن ذلك; لأنّه مأذون بحكم الحديث الأوّل ; وذلك لأنّ هذا الحديث أيضاً ناظر إلى الشيعي بدليل قوله: «وأداء الخراج منها وصرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية» فإنّ غير الشيعي لا يؤدّي الخراج إلى الإمام; ولا يصرف ما يفضل عن حاجته إلى الناحية.

ولا يمكن أن يقال: إنّ ذاك الحديث حلّل لمن أعوزه، فيخرج من إطلاق هذا الحديث مقدار الإعواز.

فإنّ قوله: «وصرف ما يفضل من دخلها» أقرب شيء إلى أن يقول: «وصرف ما يفضل على مبلغ الإعواز».

فالأمر منحصر في أنّ ذاك التحليل كان مخصوصاً بزمان الإمام الجواد(عليه السلام) ولم يبقَ إلى


(1) الوسائل، ب 3 من الأنفال، ح 7.

247


زمان الإمام الحجّة عجّل الله فرجه.

هذا هو الكلام من ناحية الدلالة.

وأمّا من ناحية السند فهذا الحديث قد رواه الصدوق(قدس سره) عن أربعة من مشايخه(رحمهم الله)وقد ترضّى هو على أكثرهم، ونحن وإن كنّا لا نمتلك دليلاً على وثاقة واحد منهم لكننا لا نحتمل أنّ أربعة من مشياخ الشيخ الصدوق(قدس سره)يتّفقون على الكذب، وهؤلاء الأربعة قد نقلوا الحديث عن أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي، وهو رجل لا يختلف في وثاقته اثنان، وهو ينقل مباشرة توقيع الإمام ـ عجّل الله فرجه ـ إليه على يد محمّد بن عثمان العمري، فالرواية شبه قطعيّة.

الرواية الثالثة: صحيحة يونس بن يعقوب «قال: كنت عند أبي عبدالله(عليه السلام)فدخل عليه رجل من القمّاطين، فقال: جعلت فداك، تقع في أيدينا الأرباح والأموال وتجارات نعلم أنّ حقّك فيها ثابت، وإنّا عن ذلك مقصّرون. فقال أبو عبدالله(عليه السلام): ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم»(1).

وهذا الحديث بنقل الشيخ الطوسيّ(رحمه الله) وإن كان ضعيفاً بسبب محمّد بن سنان، أو محمّد بن سالم، لكنّه تامّ في سند الصدوق(رحمه الله); إذ ليس فيه من يتوقّف من أجله، إلّا حكم بن مسكين الذي لم يرد توثيق بشأ نه، إلّا أنّه يكفيه أنّ كلاًّ من محمّد بن أبي عمير والبزنطي وهما من الثلاثة الذين لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقه قد رويا عنه. هذا حال السند.

وأمّا من ناحية الدلالة، فالظاهر أنّ هذه الرواية أجنبيّة عن المقام، فإنّ الظاهر منها أنّ المقصود: أنّنا ما دمنا غير قادرين على أخذ الخمس ممّن انتقل المال منه إلى الشيعيّ المتديّن: إمّا لأنّه من السنّة ولا يؤمن بخمس أهل البيت(عليهم السلام)، وإمّا لأنّه شيعيّ فاسق


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 6.

248


فلا يدفع الخمس، فليس من الانصاف أن نأخذه ممّن انتقل إليه، فإنّ هذا يعني تكليف الشيعيّ المتديّن بما كان على غيره، وتوجيه الضرر إليه. وهذا كما ترى لا علاقة له بتحليل خمس أرباح المكاسب لنفس الشخص الذي تعلّق بماله الخمس.

ثُمّ لو فرضت دلالة هذه الرواية عن الإمام الصادق(عليه السلام) على تحليل خمس أرباح المكاسب، فقد مضى منّا ذكر الصحاح الدالّة على المطالبة بخمس أرباح المكاسب عن الصادق(عليه السلام)، ومن بعده ولا يمكن الجمع بينها وبين هذا التحليل، إلّا بحمل جملة «ما أنصفناكم...» على مثل المعنى الذي عرفت، وإلّا فهل أنّ الأئمّة(عليهم السلام) أحياناً ينصفون وأحياناً لا ينصفون؟!

وهنا نكتة هامّة ينبغي إلفات النظر إليها، وهي أنّ عدم وجوب التخميس على المنتقل إليه في هذه الصحيحة هل يختصّ بما انتقل إليه ممّن لا يخمّس بمثل البيع، أو الهبة، أو يشمل حتّى الانتقال بالإرث، فلو مات من لا يخمّس بعد أن تعلّق بماله الخمس فعلى الوارث الشيعي المتديّن أن يخرج خمسه أو لا؟

الظاهر: أنّ الوارث لا يعفى عن تخميس مال المورِّث لو كان قد تعلّق به الخمس قبل موته.

وتوضيح ذلك: هو أنّ السرّ في كون تكليفهم(عليهم السلام) للشيعيّ المتديّن بتخميس ما انتقل إليه من غيره هو أنّ هذا إضرار به بتحميله ما وجب على غيره; إذ لو كان الإمام(عليه السلام) قادراً على أخذ الخمس من المنتقل منه، لكان يصل إلى هذا الشيعيّ المتديّن ما اُعطي بعنوان الهبة أو البيع مصفّىً، ولم يكن يخسر هذا خمسه، ولكن الإمام لم يقدر على ذلك أو لم يفعله، فلو أخذ الخمس من المنتقل إليه بدلاً عن المنتقل عنه، لكان هذا تحميلاً مخالفاً للانصاف. أمّا لو أخذ منه خمس ما ورثه بدلاً عن أخذه من المورّث، لم يكن ذلك تحميلاً إضافيّاً عليه; إذ لو كان قد أخذه من المورّث لكان نفس النقص الذي يرد بأخذه من

249


الوارث وارداً عليه. وهذا عبارة عن أصل مسألة تعلّق الخمس بالمال من دون رجوعه إلى تحميل ما على المنتقل عنه على المنتقل إليه، في حين أنّ الفرق في غير فرض الإرث واضح بين الأخذ من هذا أو ذاك.

الرواية الرابعة: صحيح الفضيل عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «من وجد برد حبّنا في كبده فليحمد الله على أوّل النعم، قال: قلت: جعلت فداك ما أوّل النعم؟ قال: طيب الولادة، ثُمّ قال أبو عبدالله(عليه السلام): قال أمير المؤمنين(عليه السلام)لفاطمة(عليها السلام): أحلّي نصيبكِ من الفيء لآباء شيعتنا ليطيبوا، ثُمّ قال أبو عبدالله(عليه السلام): إنّا أحللنا اُمّهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا»(1).

ومن الواضح كون الرواية بعيدة عن باب أرباح المكاسب، ومخصوصة بفيء الحرب أو الجواري المؤسّرة لتطييب نسب الشيعة. ولو فرضت دلالة إطلاق الرواية على تحليل خمس أرباح المكاسب من قبل عليّ وفاطمة(عليهما السلام) فقد مضت بعض الصحاح الدالّة على مطالبة الأئمّة المتأخّرين عنه بخمس أرباح المكاسب، فهي: إمّا ناسخة للتحليل بالنسبة لخمس أرباح المكاسب، أو موجبة لحمل تحليلهما(عليهما السلام)على ما قلناه من غنائم الحرب أو الجواري منها.

الرواية الخامسة: صحيحة أبي سيّار مسمع بن عبدالملك قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): إنّي كنت ولّيت الغوص فأصبت أربعمئة ألف درهم، وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم، وكرهت أنّ أحبسها عنك، وأعرض لها وهي حقّك الذي جعل الله تعالى لك في أموالنا، فقال: وما لنا من الأرض وما أخرج الله منها إلّا الخمس؟! يا أبا سيّار، الأرض كلّها لنا، فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا، قال: قلت له: أنا أحمل إليك المال كلّه، فقال لي: يا أبا سيّار، قد طيّبناه لك وحلّلناك منه، فضمّ إليك مالك، وكلّ ما كان في أيدي شيعتنا من


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 10.