614

المشهور بخلافه _ حسب ما يقول صاحب الجواهر (رحمه الله) _ فلا يوجب سقوطه؛ لعدم وضوح كونه لأجل الإعراض عنه بحيث يوجب نفي وثوقنا عن الحديث إلى حدّ يسقط سنداً، فلعلّهم إنّما لم يفتوا به لأنّهم فهموا التعارض بين الأخبار، فرجّحوا غيره، أو رجعوا بعد التساقط إلى مقتضى القاعدة، واعتقدوا أنّ مقتضاها هو التقسيم بعد الحلف. وعليه فحديث إسحاق بن عمّار ليس ساقطاً سنداً.

وأمّا ما أورده من الإشكالات على كون مقتضى القاعدة هو التنصيف بلا تحالف فضعيف، وقد عرفت منّا أنّ المقام داخل في باب الادّعاء في النصف والإنكار في النصف، فلا محالة تكون بيّنة كلّ منهما بيّنةً للخارج بالنسبة لنصف المال.

نعم، الصحيح في إبطال كون مقتضى القاعدة هو التنصيف بلا تحالف ما مضی منّا من عدم ترجيح بيّنة الخارج، وأنّ بيّنتي المدّعي والمنكر تتعارضان وتتساقطان، فتصل النوبة إلى الحلف.

وأمّا ما ذكره من أنّ روايات التقسيم في المقام تقتضي التنصيف بلا تحالف فالصحيح أنّ تلك الروايات تقيّد برواية إسحاق بن عمّار التي دلّت على التقسيم بعد التحالف.

نعم، هناك رواية واحدة من روايات التقسيم لم تدل على التنصيف، وإنّما دلّت على التقسيم حسب رؤوس الشهود، وهي ما مضى من رواية السكوني، ولكن لم يعمل بها أحد إطلاقاً ممّا يسلب الوثوق بالحديث إلى حدّ السقوط.

بقيت في المقام روايات القرعة، والصحيح أنّها لا تعارض رواية إسحاق بن عمّار؛ لأنّها تحمل _ باستثناء رواية سماعة _ على غير باب الأموال، وذلك تخصيصاً لها برواية إسحاق بن عمّار التي دلّت في باب الأموال على التحالف والتقسيم.

وقد ذكر هذا الحمل السيد الخوئي بالنسبة لرواية عبدالرحمان بن أبي عبداللّه عن

615

أبى عبداللّه (عليه السلام) قال: «كان علي (عليه السلام) إذا أتاه رجلان يختصمان بشهود، عدّتهم سواء وعدالتهم، أقرع بينهم على أيّهما تصير اليمين»، فقد ذكر: أنّ هذه الرواية تحمل على غير باب الأموال تخصيصاً لها برواية إسحاق بن عمّار(1).

ولكن المقتنص من كلماته قبل هذا(2): أنّ رواية عبدالرحمان بن أبي عبداللّه واردة في المورد الذي تكون الأكثريّة العدديّة مرجّحة لإحدى البيّنتين، ففي ذاك المورد لو تمّت الأكثريّة العدديّة كان اليمين على من كانت بيّنته أكثر، ولو لم تتمّ الأكثريّة العدديّة بأن تساوتا وصلت النوبة إلى القرعة لتعيين من عليه الحلف، والمورد الذي تكون الأكثريّة العدديّة مرجّحة في نظر السيد الخوئي _ على ما يفهم من مباني تكملة المنهاج _ هو مورد المدّعي والمنكر حينما لايكذِّب المنكرُ المدّعي، بل يدّعي الجهل بالحال وأنّ المال انتقل إليه من غيره بإرث ونحوه(3)، وذلك عملاً برواية أبي بصير الماضية(4).

أقول: إنّ رواية عبدالرحمان لم تأخذ في موضوع الحكم بالقرعة مرجّحيّة العدد؛ بحيث يجب علينا مسبقاً أن نعرف ما هي موارد الترجيح بالعدد ثم تطبِّق على تلك الموارد قانون القرعة حينما لا يوجد ترجيح بالعدد، وإنّما الرواية دلّت بالصراحة على حكم القرعة، وأشارت في عرض هذه الدلالة إلى أنّه مع زيادة إحدى البيّنتين على الأُخرى عدداً لا تصل النوبة إلى القرعة، وعليه فلا بأس بالأخذ بإطلاق الرواية في المتداعيين اللذين وقع التعارض بين بيّنتيهما، فلا تختصّ القرعة بالمورد الخاص من


(1) مباني تكملة المنهاج، ج1، ص54.

(2) نفس المصدر ، ص52.

(3) نفس المصدر، ص50 _ 51.

(4) وسائل الشيعة، ج18، ص181، الباب 12 من كيفيّة الحكم، ح1.

616

المدّعي والمنكر الذي ذكره السيد الخوئي، بل مقتضى إطلاق نقل الإمام الصادق (عليه السلام) الناشى‏ء من ترك التفصيل، حينما ذكر قضاء علي (عليه السلام) بداعي تفهيم الحكم الشرعي عن طريق بيان قصّة قضاء علي (عليه السلام) هو ثبوت القرعة في غير ذاك المورد أيضاً، وكذلك رواية أبي بصير وإن كان صدرها دالّاً على الترجيح بالأكثريّة العدديّة في مورد خاصّ من موارد المدّعي والمنكر _ كما سبق منّا شرحه _ ولكنّه ذكر بعد ذلك: «أنّ علياً (عليه السلام) أتاه قوم يختصمون في بغلة، فقامت البيّنة لهؤلاء أنّهم أنتجوها على مذودهم، ولم يبيعوا، ولم يهبوا، وقامت البيّنة لهؤلاء بمثل ذلك، قضى علي (عليه السلام) بها لأكثرهم بيّنةً، واستحلفهم»، وهذا أيضاً يدل بالإطلاق بملاك ترك التفصيل على عدم اختصاص الترجيح بالأكثريّة العدديّة ووقوع اليمين على صاحب البيّنة الأكثر عدداً بما إذا كانت البغلة في يد أحدهما دون الآخر، أو بالمورد الخاص من المدّعي والمنكر الذي سبق ذكره في صدر الحديث.

وعلى أيّ حال فرواية عبدالرحمان كباقي روايات القرعة تحمل على غير باب الأموال تخصيصاً لها برواية إسحاق بن عمّار.

والنتيجة هي أنّه في باب الأموال حينما تكون للمتداعين اليد على المال، وتساوت البيّنتان لابدّ من تحليفهما، فإذا حلفا قُسِّم المال بينهما. وهذا ثابت بمقتضى القواعد وبمقتضى رواية إسحاق بن عمّار، ولكن لو كانت إحدى البيّنتين أكثر عدداً من الأخرى وجّه اليمين إلى خصوص من يمتلك البيّنة الأكثر عدداً، وذلك عملاً برواية أبي بصير. ومن هنا انتهينا إلى أمر يخالف مقتضى القاعدة؛ إذ لم يكن مقتضى القاعدة الترجيح بالأكثر عدداً.

بقي الكلام في رواية سماعة، التي دلّت على القرعة في باب الأموال؛ حيث روى عن أبي عبداللّه (عليه السلام): أنّه قال: «إن رجلين اختصما إلى علي (عليه السلام) في دابّة، فزعم

617

كلّ واحد منهما أنّها أُنتجت على مذوده، وأقام كلّ واحد منهما بيّنة سواءً في العدد، فأقرع بينهما سهمين، فعلّم السهمين كلّ واحد منهما بعلامة، ثم قال: اللّهم ربّ السماوات السبع، وربّ الأرضين السبع، وربّ العرش العظيم، عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، أيّهما كان صاحب الدابّة وهو أولى بها، فأسألك أن يُقرع ويَخرُج سهمُه، فخرج سهمُ أحدهما، وقضى له بها»(1).

وهذه الرواية إذا قسناها إلى رواية إسحاق بن عمّار رأينا أنّ رواية إسحاق دلّت على تحليفهما وإعطاء المال للحالف، وتنصيفه بينهما إذا حلفا معاً سواء كانت لهما اليد على المال، كما هو محل الكلام فعلاً، أو كان المال خارجاً عن أيديهما، وعليه فتحمل رواية سماعة على فرض نكولهما عن اليمين تقديماً للخاصّ على العام، ولعلّ هذا هو السرّ في أنّ القرعة فرضت في هذا الحديث على تعيين الواقع، لا على تعيين من عليه الحلف، وهي الرواية الوحيدة التامّة سنداً الدالّة على الحلف لتعيين الواقع، فالروايات التي دلّت على القرعة لتعيين من عليه الحلف _ والتي حملناها على غير باب الأموال _ إنّما فرضت القرعة لتعيين الحالف باعتبار أنّه لم يحلّف أحدهما قبل القرعة، وهذه الرواية الواردة في باب الأموال _ والمحمولة على فرض نكولهما _ إنّما فرضت القرعة لتعيين الواقع، لا تعيين من عليه الحلف باعتبار أنّهما قد حُلّفا ونكلا.

ومن هنا وصلنا إلى نتيجة أُخرى على خلاف مقتضى القاعدة، وهي أنّه بعد نكولهما نلتجى‏ء إلى القرعة، بينما كان مقتضى القاعدة هو التقسيم.

وخلاصة ما وصلنا إليه من النتائج في الفرع الأول _ وهو ما لو كانت لهما اليد على المال وأقاما معاً البيّنة _ ما يلي:


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص185، الباب 12 من كيفية الحكم، ح12.

618

أوّلاً _ لو كانت إحدى البيّنتين أكثر عدداً كان صاحب البيّنة الأكثر عدداً بمنزلة المنكر، فيوجّه الحلف إليه، فإن حلف كان له المال، وإن نكل وجّه الحلف إلى الآخر، فإن حلف كان له المال، وإن نكل أعطي المال لصاحب البيّنة الأكثر عدداً.

وثانياً _ لو تساوت البيّنتان حُلّفا، فلو حلف أحدُهما دون الآخر كان المال للحالف، ولو حلفا معاً قُسِّم المال بينهما.

وثالثاً _ لو تساوت البيّنتان وحُلِّفا ونكلا التجأنا إلى القرعة لتعيين من له المال وهذا ليس تخصيصاً لقاعدة: «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان»، فإن المفهوم من ذلك ليس هو أنّهما لو نكلا توقّف القضاء مثلاً، وإنّما المفهوم منهما أنّ القاضي لا يتعدّى البيّنة واليمين، أمّا لو انتفيا معاً فوصول الأمر إلى القرعة لا ينافي تلك القاعدة.

حالة كون المال خارجاً عن يدهما

الفرع الثاني _ ما لو كان المال خارجاً من أيديهما معاً، وقد تعارضت البيّنتان، وقد عرفت أنّ مقتضى القاعدة هو التحالف، فلو حلف أحدهما دون الآخر كان المال له، ولو حلفا أو نكلا فالقرعة.

ولكن رواية إسحاق بن عمّار دلّت على أنّه لو حلف أحدهما كان المال له، ولو حلفا قُسّم المال بينهما، ورواية سماعة دلّت في فرض النكول على القرعة، ورواية أبي بصير دلّت على الترجيح بأكثريّة إحدى البيّنتين عدداً _ كما مضى شرح كلّ ذلك في الفرع الأول _ إذاً فالفرع الأول والثاني وإن اختلف الحكم فيهما بمقتضى القواعد، ولكن اتّحد الحكم فيهما بمقتضى الروايات. فهنا أيضاً نقول:

أوّلاً _ لو كانت إحدى البيّنتين أكثر عدداً كان صاحبها بمنزلة المنكر، ويتّجه إليه الحلف.

619

وثانياً _ لو تساوتا حُلّفا، فلو حلف أحدهما كان المال له، ولو حلفا قُسِّم المال بينهما.

وثالثاً _ لو نكلا عن اليمين مع تساوي البيّنتين اتّجهنا إلى القرعة.

حالة التداعي في غير المال

الفرع الثالث _ ما لو كان النزاع على غير المال من قبيل الزوجة وقد تعارضت البيّنتان، وقد عرفت أنّ مقتضى القاعدة في ذلك هو التحالف، لا لإطلاق: «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان»، فإنّه لا ينفي القرعة على تعيين الحالف، ولا لأنّ كلّاً منهما ينكر ما يدّعيه الآخر؛ إذ لا قيمة للإنكار مع عدم اليد على المال، فإنّ مجرّد نفي ما يقوله الآخر لا يثبت ما يريده، بل لما مضى من حديث سليمان بن خالد: «احكم بينهم بكتابي وأَضِفْهم إلى اسمي، فحلّفهم به، وقال: هذا لمن لم تقم له بيّنة»(1)، بناءً على أنّ العرف يتعدّى من فرض عدم البيّنة إلى فرض سقوطها بالتعارض، فإن حلفا أو نكلا فالقرعة لتعيين من له الحقّ.

ولكن روايات القرعة التي مضى حملها على غير المال قد دلّت على أنّ المرجع في هذا الفرع هو القرعة لتعيين من عليه الحلف. وفي حديث عبدالرحمان بن أبي عبداللّه(2) إشارة إلى الترجيح بالأكثريّة العدديّة، أي: إنّ من كانت بيّنته أكثر عدداً كان بحكم المنكر ويوجّه الحلف إليه. ويدل على ذلك ما مضى من رواية أبي بصير(3)؛ فإنّها وإن كانت واردةً في الأموال، لكن لا يحتمل عرفاً كون الترجيح بالأكثريّة العدديّة


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص167، الباب الأول من كيفيّة الحكم، ح1.

(2) نفس المصدر، ص183، ح5.

(3) نفس المصدر، ص182، ح1.

620

لتعيين من عليه الحلف ثابتاً في الأموال وغير ثابت في غيرها، فالحكم بتحليفهما معاً الوارد في حديث إسحاق بن عمّار يحتمل اختصاصه بباب الأموال القابلة للتقسيم لو حلفا معاً، ويحتمل عندئذٍ اختصاص الترجيح بالأكثريّة بغير الأموال؛ إذ لا يمكن فيه التقسيم لو حلفا معاً، فلا يرد الترجيح في الأموال، بل يحلّفان ويقسّم المال بينهما، ولكن احتمال العكس غير وارد؛ بأن يرجّح في الأموال صاحب البيّنة الأكثر عدداً لليمين، ولا يرجّح في غير باب الأموال؛ وعليه فيتعدّى من مورد رواية أبي بصير إلى ما نحن فيه.

بقي هنا أمران:

الأول: أنّ الترجيح بالأكثريّة العدديّة بمعنى توجيه الحلف إلى صاحب البيّنة الأكثر عدداً أُشير إليه في رواية عبدالرحمان بن أبي عبداللّه ورواية سماعة(1). وذُكر بشكل واضح في رواية أبي بصير، أمّا الترجيح بالأعدليّة فلم يرِد في حديث غير ما قد تشعر به رواية عبدالرحمان بن أبي عبداللّه؛ حيث جاء فيها: «كان علي (عليه السلام) إذا أتاه رجلان يختصمان بشهود عدّتهم سواء وعدالتهم، أقرع بينهم...» فقد تشعر كلمة «عدالتهم» بالترجيح بالأعدليّة.

ولكن هذا لا يزيد على إشعار، وليس بمستوى الظهور؛ فإنّ الوصف ليس له مفهوم، وذكره وإن كان يدل على وجود فائدة ونكتة فيه، ولكن يكفي فائدةً ونكتةً لذكر ذلك أنّهما لو لم تكونا متساويتين في العدالة بأن لم تثبت عدالة إحداهما وثبتت عدالة الأُخرى، كان الحقّ لمن امتلك البيّنة التي عدّلت، فإذا لم تتمّ دلالة رواية عبدالرحمان على الترجيح بالأعدليّة قلنا: لو صادف أنّ إحدى البيّنتين كانت أعدل


(1) وسائل الشيعة، ج18،ص185، الباب الأول من كيفيّة الحكم، ح12.

621

من الأُخرى، ولكن الأُخرى كانت أكثر عدداً، رجعنا إلى إطلاق رواية أبي بصير الراجعة إلى باب الأموال التي تعدّينا منها إلى ما نحن فيه لإثبات الترجيح بالأكثريّة العدديّة، فإنّها تشمل بإطلاقها فرض أعدليّة البيّنة الأقلّ عدداً. ولو صادف أنّ إحدى البيّنتين كانت أعدل من الأُخرى وكانتا متساويتين في العدد، رجعنا إلى إطلاق الروايات التي دلّت في تعارض البيّنتين في التخاصم المتساويتين عدداً على الرجوع إلى القرعة في تعيين من عليه الحلف. أمّا ما ورد من الترجيح بالأعدليّه في باب تعارض بيّنة الفرع وبيّنة الأصل(1)، فلا يمكن التعدّي من مورده إلى المقام لاحتمال الفرق بينهما في الحكم.

الثاني: أنّ بعض روايات القرعة دلّت على القرعة لتعيين الواقع، لا لتعيين من عليه الحلف، ولكنّها لا تعارض الروايات التي تمسّكنا بها في المقام لإثبات القرعة لتعيين من عليه الحلف، فإنّ روايات القرعة لتعيين الواقع في هذا الباب ثلاث:

الأُولى: ما مضى من رواية سماعة، وهي واردة في باب الأموال، وقد مضى حملها بالتخصيص على فرض نكول الطرفين؛ إذاً لا مجال في موردها إلا للقرعة على تعيين الواقع دون تعيين من عليه الحلف، فهذه الرواية أجنبيّة عمّا نحن فيه.

والثانية: مرسلة داود بن أبي يزيد العطّار الماضية الواردة في النزاع على الزوجة(2).

والثالثة: رواية عبداللّه بن سنان الماضية الواردة في رجلين اختصما في دابّة(3).

وهاتان الروايتان ساقطتان سنداً، على أن الرواية الثالثة لو تمّت سنداً لحملت أيضاً _ بقرينة رواية إسحاق بن عمّار _ على فرض نكولهما عن الحلف في باب


(1) راجع نفس المصدر، ص299 _ 300، الباب 46 من الشهادات.

(2) نفس المصدر، ص184، الباب 12 من كيفيّة الحكم، ح8.

(3) نفس المصدر، ص186، ح15.

622

الأموال، واحتمال الفرق بين باب الأموال وغير باب الأموال وارد، بأن تكون الوظيفة في باب الأموال تحليفهما، فلو حلفا قُسّم المال بينهما، ولو لم يحلفا لم يبق مجال لتعيين من عليه الحلف بالقرعة، فتكون القرعة لا محالة لتعيين الحقّ، وأمّا في غير باب الأموال فلا يمكن التقسيم لدى حلفهما معاً، فلعلّ هذا هو السبب في أنّه يعيّن من عليه الحلف بالقرعة.

والرواية الثانية لو تمّت سنداً لأمكن تقييدها بما دلّ على أنّ القرعة لتعيين من عليه الحلف، وذلك لأنّ الرواية قالت: «فمن خرج سهمه فهو المحقّ، وهو أولى بها» وهذا مطلق يشمل فرض الحلف وفرض عدم الحلف، فيمكن أن يقيّد الإطلاق بأن يقال: «فمن خرج سهمه فهو المحقّ، وهو أولى بها لو حلف».

ولا يخفى أنّه لو عمل بظاهر هذه الرواية من أنّ القرعة تكون على تعيين من له الحقّ بلا حلف، فهي ليست معارضة لروايات القرعة على الحلف فحسب، بل تعارض أيضاً رواية: «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان»(1)، وكما يمكن تقييد تلك بهذه فيقال في خصوص ما نحن فيه بأنّ القضاء بالقرعة، لا بالبيّنة واليمين، كذلك يمكن تقييد هذه بتلك بأن يقال: إنّ القرعة إنّما هي لتعيين من عليه اليمين، ومع فرض التعارض والتساقط نرجع إلى الروايات التي دلّت على القرعة على الحلف.

وقد تحمل رواية سماعة ورواية عبداللّه بن سنان على أنّ القرعة بما أنّها كانت من قبل الإمام المعصوم، ولا تخطأ صحّت القرعة على الواقع؛ لأنّها تزيل الشكّ نهائيّاً، وهذا لا ينافي كون وظيفةِ القاضي، بما هو قاضٍ غير معصوم، القرعةَ على تعيين من عليه الحلف.


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص161، الباب 12 من كيفيّة الحكم،ح 1.

623

إلا أن حمل عمل الإمام على جوانب غيبيّة ومخصوصة بالإمام (عليه السلام) غير عرفي، بالأخصّ أنّ الإمام المعصوم هو الراوي للقصّة عن إمام معصوم آخر، وظاهر نقله للقصّة عن الإمام المعصوم أنّه بصدد بيان المقياس القضائي والوظيفة القضائية بهذا النقل لا بصدد مجرّد نقل القصّة.

ولو فرض العجز عن الجمع بين الروايات بالوجوه السابقة فقد يجمع بينها بالتخيير بين الاقتراع على اليمين والاقتراع على الواقع.

وعلى أيّ حال فقد عرفت أنّ روايتي داود بن أبي يزيد العطّار وعبداللّه بن سنان ساقطتان سنداً، ورواية سماعة تامّة سنداً، لكنّها واردة في باب الأموال ومحمولة على ما بعد النكول، بينما روايات القرعة على اليمين لا علاقة لها بفرض النكول ومحمولة على غير باب الأموال، فلا تضارب بينهما أصلاً.

والنتيجة المستخلصة من بحثنا في الفرع الثالث، وهو تعارض البيّنتين في الترافع على غير المال، هي:

أوّلاً، لو كانت إحدى البيّنتين أكثر عدداً اعتبر صاحبها بمنزلة المنكر، فيوجّه الحلف إليه، وبعد النكول يوجّه الحلف إلى خصمه، وبعد نكوله يحكم لصالح من كانت بيّنته أكثر عدداً.

وثانياً، لو تساوت البينتان عيّن من عليه الحلف بالقرعة، فلو حلف كان الحقّ له، ولو نكل رجع الحلف إلى خصمه، ولو نكل الخصم ثبت الحقّ للأوّل.

هذا تمام الكلام في الفروع الثلاثة لتعارض البيّنتين في باب التداعي، وقد تحصّل من ذلك أنّه عندما كانت إحداهما أكثر عدداً وجّه الحلف إلى صاحب البيّنة الأكثر عدداً، وعند التساوي يحلّفان في باب الأموال، وبعد النكول يعيّن الحقّ بالقرعة، وفي غير باب الأموال يعيّن من عليه الحلف بالقرعة.

624

ولا بأس بأن نلحق بذلك بحثين:

البحث الأول: في التداعي مع تعارض البيّنتين تعارضاً غير مستحكم.

البحث الثاني: في التداعي من دون تعارض بين البيّنتين، فإنّ هذا وإن كان خروجاً عن المقام لكن بما أنّ جذور البحث فيه هي نفس الجذور التي بحثناها تحت عنوان تعارض البيّنتين في التداعي فلا بأس بتتميم الفائدة بتفريع فروع التداعي، ولو أجّلنا هذا البحث لمناسبة أُخرى لاحتجنا إلى استذكار جذور البحث التي بحثناها هنا، فالأولى أن نبحثه هنا رغم خروجه عن المقام:

حكم التعارض غير المستحكم

أمّا البحث الأول _ فنقصد بالتعارض غير المستحكم ما إذا أمكن الجمع بين مفاد البيّنتين، ولكن في نفس الوقت لو خُلّينا نحن وكلّ واحدة منها لكانت النتيجة العملية التي تتطلب كلٌّ من البيّنتين مخالفة للنتيجة التي تتطلبها الأُخرى، من قبيل ما لو ادّعى أحدهما أنّ هذه الدار له وأقام على ذلك البيّنة، وادّعى الآخر أنّه ورثها من أبيه ولا يدري كيف كان أمرها وأقام على ذلك البيّنة، فالنتيجة العملية التي تتطلبها البيّنة الأُولى هي أنّ الدار للأول، كما أنّ النتيجة العملية التي تتطلبها البيّنة الثانية هي أنّ الدار للثاني ظاهراً، وفي نفس الوقت لم يستحكم التعارض بين البيّنتين؛ لاحتمال صدقهما معاً بأن يكون أبو الثاني هو الذي غصب الدار من الأول.

وقد مضى فيما سبق عند الكلام في التعارض بين بيّنة المدّعي وبيّنة المنكر: أنّه لو كانت الدار في يد مدّعي الإرث، فمدّعي الإرث وإن كان منكراً في الحقيقة؛ لأنّه له اليد على المال، لكنه يشبه المدّعي؛ لأنّه لم يكذّب مدّعي الملكيّة، وادّعى الإرث من أبيه، ومضى هناك أنّ النص الخاص دلّ في مثل المقام:

625

أوّلاً _ على أن أكثرهم بيّنةً يُستحلَف.

وثانياً _ على أنّه لو وقع التصريح بما ينفي التعارض المحتمل بأن قال مدّعي الملكية: إنّ أبا هذا الذي يدّعي الإرث هو الذي غصب الدار منّي مثلاً، نفذت بيّنة المدّعي وكانت الدار له.

وكان النص الخاص عبارة عن رواية أبي بصير قال: «سألت أبا عبداللّه (عليه السلام) عن الرجل يأتي القوم فيدّعي داراً في أيديهم ويقيم البيّنة، ويقيم الذي في يده الدار البيّنة أنّه ورثها عن أبيه، ولا يدري كيف كان أمرها، قال: أكثرهم بيّنةً يُستحلَف وتُدفَع إليه... قال: فسألته حينئذٍ فقلت: أرأيت إن كان الذي ادّعى الدار قال: إنّ أبا هذا الذي هو فيها أخذها بغير ثمن، ولم يقم الذي هو فيها بيّنة، إلا أنّه ورثها عن أبيه، قال: إذا كان الأمر هكذا فهي للذي ادّعاها، وأقام البيّنة عليها»(1).

أقول: وأضيف هنا أمراً ثالثاً، وهو أنّه لو تساوت البيّنتان ولم يقع التصريح بما ينفي التعارض المحتمل فلا يبعد القول بأن المرجع هو تحليفهما، فلو حلف أحدهما أخذ الدار، ولو حلفا معاً قُسِّمت بينهما، ولو نكلا معاً عُيِّن الواقع بالقرعة.

والوجه في ذلك: أنّ ما ورد في رواية أبي بصير من قوله: «أكثرهم بيّنةً يُستحلَف» وإن كان وارداً في خصوص ما إذا كانت إحدى البيّنتين أكثر عدداً، ولكن لا يبعد أن يكون المفهوم من ذلك عرفاً: أنّ ذا اليد المدّعي للإرث اعتبر في المقام كأ نّه مدّعٍ، وليس منكراً؛ أي: إنّ المورد كأنّه مورد التداعي، لا مورد المدّعي والمنكر؛ ذلك لأنّ المركوز متشرّعيّاً أنّ الحلف في باب المدّعي والمنكر إنّما هو على المنكر، فلو تشخّص المنكر من المدّعي فالحلف عليه، ولو كانا على حدّ سواء في الادّعاء والإنكار فهو


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص181، الباب 12 من كيفية الحكم، ح1.

626

الذي قد ورد فيه ما يدل على أنّ الأكثريّة العدديّة للبيّنة تجعله بمنزلة المنكر، فمعنى قوله: «أكثرهم بيّنةً يستحلف» هو أنّ مدّعي الإرث لا يعتبر في المقام منكراً رغم أنّه صاحب اليد، بل هو كالمدّعي، ولهذا نلتجئ إلى الترجيح بالأكثريّة العدديّة لتشخيص من عليه الحلف، فلو تمّ هذا الاستظهار كان المفهوم من الحديث عرفاً: أنّ هذا المورد ملحق بباب التداعي، سواء كانت هناك أكثريّة عدديّة أو لم تكن، وسواء كانت هناك بيّنةً أو لم تكن، وكون الأكثر بيّنةً هو الذي يعتبر بمنزلة المنكر ويستحلف إنّما هو نتيجة أنّ المورد دخل في باب التداعي، لا أنّ إلحاقه بباب التداعي خاصّ بخصوص فرض الأكثريّة العدديّة في البيّنة، أو أنّه أُلحق به في خصوص الترجيح بالعدد لا غير.

وبكلمة أُخرى: أنّ موضوع روايات تحليفهما والتقسيم والقرعة مركّب من ثلاثة أجزاء:

أحدها _ اختلاف البيّنات والتخاصم، ويكفي في صدق ذلك حرفيّاً الاختلافُ الواقع في المقام بينهما في النتيجة العمليّة.

والثاني _ كون المورد مورد التداعي، لا المدّعي والمنكر؛ لاختصاص بعضها من أوّل الأمر بذلك، وتخصيص البعض الآخر _ وهي بعض روايات القرعة _ بما دلّ في المدّعي والمنكر على غير ذلك، ورواية أبي بصير تكفّلت _ بحسب الفهم العرفي _ لإدخال المقام _ ولو تعبّداً وتنزيلاً _ في باب التداعي، أو يقال في إطلاق روايات القرعة: إنّه لم يخرج منها من أوّل الأمر بالتخصيص إلا المدّعي والمنكر الصريحين في التكاذب، أي: غير الشبيهين بباب التداعي.

والثالث _ أن لا يكون مجال في نظام القضاء للجمع بين البيّنتين وخصم النزاع بذلك؛ إذ لو كان مجال لذلك فالعرف يرى بارتكازه تقدم ذلك على أدلّة أحكام البيّنتين المختلفتين، وفي المقام رواية أبي بصير دلّت على أنّه لا مجال لذلك، وإن

627

كان لولا رواية أبي بصير لأمكن لقائل أن يقول: نحن نجمع بين البيّنتين ونصدّق الشهادة على أنّ هذا ورث من أبيه، ولا يدري كيف كان أمر الدار، ونصدّق أيضاً الشهادة على أنّ الآخر هو المالك للدار، وبالتالي نخصم النزاع بالحكم في صالح مدّعي الملك، ولكن رواية أبي بصير دلّت على المقارعة بين البيّنتين، وبهذا تمّ موضوع روايات التحليف والتقسيم والقرعة لتعيين الواقع. أمّا لو بقينا مُصرّين على أنّ رواية تحليفهما والتقسيم إنّما وردت في المتداعيين الحقيقيين، وأنّ رواية أبي بصير لم تجعل مدّعي الإرث بمنزلة المدّعي كي يلحق المورد حكماً بتلك الروايات، وإنّما دلّت تعبُّداً على أنّ البيّنتين تتقارعان في المقام، وأنّ الأكثريّة مرجّحة، فعندئذٍ نقول: إنّ العرف لا يتعقّل اختصاص التقارع بخصوص فرض وجود الأكثريّة؛ إذاً ففي فرض التساوي يكون المرجع هو روايات تعيين القرعة لمن عليه الحلف، فإنّنا وإن خصصناها فيما سبق بغير باب الأموال، لكن هذا التخصيص إنّما كان بروايتي إسحاق وغياث(1). ورواية غياث وصدر رواية إسحاق أخرجا المتداعيين في باب الأموال، وذيل رواية إسحاق أخرج المدّعي والمنكر في باب الأموال اللذين هما متكاذبان صريحاً، لا أن يكون أحدهما يدّعي الملك والآخر يدّعي الإرث، فهذا بعد فرض عدم إلحاقه بالمتداعيين المتكاذبين يبقى تحت إطلاق روايات القرعة لتعيين من عليه الحلف.

ولكن الظاهر أنّ استظهارنا الأول أقوى من هذا، فالصحيح هو ما قلناه من تحليفهما وإعطاء المال لمن حلف، والتقسيم لو حلفا، والقرعة لتعيين الواقع لو نكلا.

هذا كلّه ما أردنا إضافته هنا في حكم فرض تساوي البيّنتين مع عدم التصريح


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص182، الباب 12 من كيفيّة الحكم، ح2 و3.

628

بما ينفي التعارض المحتمل بأن لا يقول: كان أبوه هو الذي أخذ المال منّي بلا ثمن، وإلا فقد عرفت أنّ الحكم هو الأخذ ببيّنة من يدّعي الملك.

ونضيف هنا أيضاً: أنّه لو انعكس الأمر بأن كانت الدار في يد مدّعي الملكية لا في يد مدّعي الإرث، فهنا من الواضح أنّ مدّعي الملكية يعتبر منكراً ويوجّه الحلف إليه بمقتضى القاعدة، وبيّنة مدّعي الإرث لاتصنع شيئاً؛ لارتكاز أنّ بيّنة المدّعي الذي يصرّح بمعارضة المنكر في الدّعوى _ لو كانت _ تتساقط مع بيّنة المنكر، وتصل النوبة إلى يمين المنكر _ كما عرفت فيما مضى _ فلا تمنع بيّنة عن يمين المنكر، فعدم منعها عن ذلك فيما نحن فيه بطريق أولى؛ لأنّ المدّعي لا يكذّب المنكر صريحاً، بل يقول: ورثتها من أبي، ولا أدري كيف كان أمرها. ولا فرق في هذه المسألة بين ما لو صرّح مدّعي الملكيّة بما ينفي التعارض المحتمل، كما لو قال: إنّ أبا هذا الذي يدّعي الإرث هو الذي غصب الدار منّي، أو لم يصرّح بذلك.

والآن نبدأ بما أردنا بحثه من فرض التداعي مع تعارض البيّنتين تعارضاً غير مستحكم، ونذكر تحت هذا العنوان فروعاً ثلاثة:

حالة كون المال في يدهما

الفرع الأول _ لو كانت الدار في يدهما معاً، وأقام أحدهما البيّنة على الملك، والآخر على الإرث ولا يدري كيف كان أمرها. وهنا لو صرّح مدّعي الملكية بما يرفع التعارض بين البيّنتين بأن قال: إنّ أبا هذا هو الذي أخذ الدار منّي بلا ثمن، فلا إشكال في أنّه يؤخذ ببيّنة مدّعي الملك عملاً بالقاعدة مع تحليفه؛ لأنّه يعتبر في نصف الدار منكراً، ولم يصرّح بذلك. فهنا نقول: لئن كانت بيّنة الإرث تعتبر معارضة لبيّنة الملك حينما لم تكن لمدّعي الملك يد على المال كما هو مورد الحديث، فالعرف لا يحتمل أنّ مجرّد

629

اشتراك مدّعي الملك في اليد يرفع المعارضة بين البيّنتين، فإنّ العرف لا يتعقّل دخل ثبوت اليد وعدمه في معارضة البيّنتين وعدمها، فإذا ثبت التعارض بين البيّنتين هنا، ولهما اليد على المال دخل المورد في روايات الترجيح وتحليفهما والتقسيم والقرعة، فالنتيجة هي أنّ أكثرهما بيّنةً يُستحلف، ومع التساوي يحلّفان، فلو حلف أحدهما أخذ المال، ولو حلفا معاً قُسّم المال، ولو نكلا معاً فالقرعة لتعيين الواقع. وصحيح أنّ روايات التحليف والتقسيم وردت في فرض التكاذب الصريح، لكن لا يحتمل عرفاً الفرق بين ذاك المورد وهذا المورد بعد أن أثبتت رواية أبي بصير تقارع البيّنتين.

حالة كون المال خارجاً عن يدهما

الفرع الثاني _ لو لم تكن لأحدهما يد على المال أصلاً وأقام أحدهما البيّنة على الملك، والآخر على الإرث وهنا نقول: لئن كانت بيّنة الإرث تقارع بيّنة الملك حينما كان مدّعي الإرث منكراً في واقعه لكونه ذا اليد، لا يحتمل عرفاً زوال التقارع حينما أصبح مدّعياً حقيقة لعدم اليد؛ إذ لا يتعقّل العرف دخلاً لثبوت اليد وعدمه في كون البيّنتين متعارضتين وعدمه. وعندئذٍ يأتي في هذا الفرع مع عدم التصريح بما ينفي التعارض المحتمل عين ما ذكرناه في الفرع الأول، فنقول: إنّ أكثرهما بيّنةً يستحلف، ومع التساوي يحلّفان، ويعطى المال للحالف، ولو حلفا قسّم المال بينهما، ولو نَكَلا عُيِّن الواقع بالقرعة، ولو صرّح _ مثلاً _ بأنّ أبا هذا الذي في يده المال أخذه منّي بلا ثمن نفذت بيّنة مدّعي الملك على القاعدة، وهنا لا حاجة إلى اليمين.

حالة التداعي في غير المال

الفرع الثالث _ لو كان النزاع على غير المال كالزوجيّة، فأحدهما ادّعى الزوجية الواقعية، وأقام البيّنة عليها، والآخر ادّعى الزوجيّة الظاهرية، وأقام البيّنة عليها، فهنا

630

_ أيضاً _ لا يبعد أن يقال: إنّه لو صرّح مدّعي الزوجيّة الواقعية بما يرفع التعارض المحتمل بين البيّنتين فمقتضى القاعدة أنّ هذا يرفع موضوع البيّنة الأُخرى، ولو لم يكن تصريح من هذا القبيل قلنا: إنّ رواية أبي بصير الدالّة على تقارع البيّنتين في مثل المقام وإن وردت في باب الأموال، لكنّا نتعدّى عرفاً من ذلك إلى غير باب الأموال، وبذلك يثبت في المقام حكم البيّنتين المتعارضتين في المتداعيين في غير باب الأموال ممّا نقّحناه سابقاً من توجيه اليمين إلى أكثرها بينةً، ومع التساوي إلى من تعيّنه القرعة.

وخلاصة الكلام في كلّ هذه الفروع: أنّنا نستفيد من رواية أبي بصير أنّ الذي لا يكذّب المدّعي، بل يدّعي ما ينتهي إلى حكم ظاهري على خلاف ما يريده المدّعي يعتبر مدّعياً ولو حُكماً، وأنّ بيّنتيهما تتعارضان وتتقارعان ما لم يكن تصريح بما ينفي التنافي المحتمل، أمّا مع التصريح بذلك فيفترض عدم التنافي بينهما نهائياً، ونلغي خصوصيّة مورد رواية أبي بصير، فإنّ العرف لا يتعقّل دخل وجود البيّنة، أو أكثريته، أو مجرّد كون القضيّة ماليّة في عدّ الشخص مدّعياً أو منكراً، وكذلك لا يتعقّل دخل ذلك، أو دخل ثبوت اليد أو عدمه في عدّ البيّنتين متعارضتين أو غير متعارضتين.

حكم التداعي من دون تعارض البيّنة

وأمّا البحث الثاني _ وهو التداعي من دون تعارض بين البيّنتين. فنذكر تحت هذا العنوان فروعاً:

حالة كون المال في يدهما

الفرع الأول _ لو كانت لهما معاً اليد على المال وهما يدّعيان الملكيّة من دون تعارض في البيّنات، فإمّا أن نفترض أنّ أحدهما يمتلك البيّنة دون الآخر، أو نفترض

631

أنّه لا بيّنة في المقام.

أمّا إذا كان أحدهما يمتلك البيّنة، فبناءً على أنّ كلّ واحد منهما مدّعٍ ومنكر في تمام المال كان المال له ببيّنته. وبناءً على ما اخترناه من أنّ كلّ واحد منهما مدّعٍ في النصف ومنكر في النصف يثبت نصف المال له بالبيّنة والنصف الآخر باليمين. فلو نكل حلف صاحبه، وأخذ النصف، ولو نكل صاحبه أيضاً رجع المال إليه. ولا يخفى أنّ صاحب البيّنة لو أراد أن يحلف ليأخذ تمام المال كان عليه أن يحلف على ملكيّته لتمام المال، ولا يكفي حلفه على ملكيّته لنصف المال؛ لإمكان انطباق هذا النصف على النصف الذي يعتبر بلحاظه مدّعياً والذي ثبتت بالبيّنة ملكيته له. ولو نكل وأراد الشخص الآخر الحلف ليأخذ نصف المال كان عليه أيضاً أن يحلف على ملكيّته لتمام المال، ولا يكفيه الحلف على النصف؛ إذ لو حلف على النصف لأمكن انطباقه على النصف الذي يعتبر هو منكراً بالنسبة إليه، والذي قد امتلكه صاحبه بالبيّنة.

وأمّا إذا لم تكن بيّنة في المقام: فإن بنينا على أنّ كلّاً منهما مدّعٍ ومنكر في تمام المال. فمقتضى القاعدة تحليفهما معاً، فلو حلف أحدهما ونكل الآخر ملك الحالف تمام المال، ولو نكلا معاً فمقتضى القاعدة الرجوع إلى القرعة بعد عدم الإيمان بقاعدة العدل والإنصاف على إطلاقها، ولو حلفا معاً، فلو استفدنا من دليل توجيه الحلف إليهما ودليل القضاء بالحلف تنفيذ كلا الحلفين بمعنى التقسيم ثبت التقسيم، وإلا فالقرعة.

وإن بنينا على ما اخترناه من أنّ كلّاً منهما مدعٍ في النصف ومنكر في النصف، فمقتضى القاعدة أيضاً تحليفهما معاً، فلو حلف أحدهما ونكل الآخر ملك الحالف نصف المال بالحلف والنصف الآخر بنكول صاحبه، ولو حلفا معاً ملك كلّ واحد منهما النصف الذي كان منكراً فيه بحلفه، ولو نكلا معاً ملك كلّ واحد منهما النصف الذي كان مدّعياً فيه بنكول صاحبه. هذا كلّه بحسب مقتضى القواعد.

632

أمّا بلحاظ النصوص الخاصة: فلم يرد نص خاص في هذا الفرع، وإنّما النصوص كانت في فرض تعارض البيّنتين، وقد عرفت أنّ مقتضاها بعد سقوط البيّنتين هو التحالف وإعطاء المال إلى من حلف، وتقسيمه بينهما لو حلفا معاً، والقرعة لو نَكَلا معاً، فبناءً على التعدّي من مورد تعارض البيّنتين وتساقطهما إلى مورد عدم البيّنة بدعوى عدم احتمال الفرق عرفاً يثبت في المقام نفس الحكم.

حالة كون المال خارجاً عن يدهما

الفرع الثاني _ لو لم تكن لأحدهما اليد على المال وهما يدّعيان الملكيّة، وهنا أيضاً إمّا أن يمتلك أحدهما البيّنة، أو لا، فإن امتلك أحدهما البيّنة أخذ المال ببينته، وإن لم يمتلك أحدهما البيّنة فمقتضى القاعدة تحليفهما، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر أخذ الحالف المال، ولو نكلا فمقتضى القاعدة هو القرعة، ولو حلفا فلو استفدنا من دليل توجيه الحلف إليهما ودليل القضاء بالحلف تنفيذ كلا الحلفين بمعنى التقسيم، ثبت التقسيم وإلا فالقرعة.

هذا كلّه على القواعد، أمّا النص الخاص: فهنا أيضاً بناءً على التعدّي من مورد تعارض البيّنتين وتساقطهما إلى مورد عدم البيّنة تكون النتيجة هي التحالف وإعطاء المال للحالف، وتقسيمه بينهما لو حلفا، والقرعة لدى النكول.

حالة التداعي في غير المال

الفرع الثالث _ لو تنازعا في غير المال كالزوجيّة، فإن كانت لأحدهما بيّنة ثبت الحقّ له، وإلا فمقتضى القاعدة التحالف وإعطاء الحقّ للحالف، ولو حلفا أو نكلا فالقرعة، ولكنّنا هنا _ أيضاً _ نتعدّى عن مورد النصوص الواردة في فرض تعارض البينتين وتساقطهما، ونثبت بذلك القرعة لتعيين من عليه الحلف.

633

حالة النزاع بغير علم

الفرع الرابع _ لو تنازعا في المال أو غيره مع جهلهما معاً بالواقع، كما لو دار أمر المال أو الولد بينهما وهما أيضاً غير عالمين بالحقيقة، فهذا ليس من المرافعة المتعارفة، ولا يوجد مدّعٍ ومنكر بالمعنى المصطلح، ولا علاقة لذلك بمثل قوله: «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان»، وعندئذٍ إن كان المورد ممّا يمكن اطّلاع البيّنة على الواقع فيه _ وإن جهل الطرفان الواقع _ فقامت صدفةً بيّنة لصالح أحدهما ثبت الحقّ لمن شهدت البيّنة له، فإن اعترفا بصلاحيّة البيّنة تمّت الحجّة عليهما قبل حكم الحاكم، وإن لم يعترفا بصلاحيّتها لكن الحاكم رآها صالحة، حسم النزاع بينهما بالحكم، وأمّا إن لم يكن المورد قابلاً لقيام البيّنة أو لم تقم البيّنة صدفةً فمقتضى مطلقات القرعة هو الرجوع إلى القرعة لتعيين الواقع، سواء كان في الأموال أو في غيرها.

أمّا بلحاظ النصوص الخاصّة ففي غير الأموال ورد ما دلّ على القرعة، وفي الأموال ورد ما دلّ على التقسيم إضافةً إلى ما قد يُدّعى من السيرة العقلائيّة.

أمّا ما دلّ على القرعة في غير الأموال، فهو عبارة عن روايات القرعة في تعيين من له الولد من قبيل حديث أبي بصير التامّ سنداً عن أبي جعفر (عليه السلام): «أنّ عليّاً (عليه السلام) قضى في قوم تبايعوا جارية، فوطأها جميعهم في طهر واحد، فولدت غلاماً، فاحتجّوا فيه كلّهم يدّعيه، فأسهم بينهم فجعله للذي خرج سهمه وضمّنه نصيبهم»(1)، ونحوه أحاديث أُخرى سيأتي ذكرها قريباً، ومضى ذكرها أيضاً في بحث القرعة.

وأمّا ما دلّ على التقسيم في باب الأموال فهو بعض الروايات إضافة إلى ما قد يدّعى


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص188، الباب 13 من كيفيّة الحكم، ح6، وج14، ص567، الباب 57 من نكاح العبيد والإماء، ح4.

634

من السيرة العقلائيّة على قاعدة العدل والإنصاف.

وقد أفاد أُستاذنا الشهيد رضوان اللّه عليه(1): أنّ الاستدلال بالسيرة العقلائية على قاعدة العدل والإنصاف غير صحيح، سواء أُريد بذلك دعوى السيرة على القاعدة في نفسها وبغضّ النظر عن باب الخصومة والقضاء، أو أُريد به دعوى السيرة عليها في خصوص باب الخصومة والقضاء:

فلو أُريد الأول ورد عليه منع وجود سيرة من هذا القبيل، فلو تمّت سيرة على قاعدة العدل والإنصاف فإنّما هي في باب الخصومة بنكتة فصل الخصومة ورفعها والتنصيف يصلح لذلك، وليست على الإطلاق.

ولو أُريد الثاني ورد عليه: أنّه إن ثبتت السيرة في باب القضاء فهي مردوعة بإطلاق الأخبار الدالة على أنّ القضاء إنّما هو بالبيّنات والأيمان، إذاً فلا يجوز فصل الخصومة بقاعدة العدل والإنصاف إلا بنصّ خاص. وعلى أيّ حال فلا حاجة لنا في فصل الخصومة إلى هذه السيرة؛ لدلالة النص الخاص على قاعدة العدل والإنصاف فيه؛ حيث ورد _ في فرض تعارض البيّنتين وعدم مرجّح لإحداهما على الأُخرى _ الحكم بالتنصيف، ونتعدّى من فرض تعارض البيّنتين المتساويتين إلى ما لم تكن هناك بيّنة أصلاً؛ لأنّ الظاهر عرفاً من الكلام أنّ الحكم بالتنصيف يكون بنكتة أنّ البيّنتين بعد التعارض وعدم المرجّح كالعدم، فتتّجه هذه القاعدة في مقام فصل الخصومة حتى مع عدم وجود البيّنة. انتهى ما أردنا نقله عن أُستاذنا الشهيد (رحمه الله).

أقول: إنّ المفهوم عرفاً بمناسبات باب القضاء من قوله (صلى الله عليه و آله): «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان» إنّما هو عدم تجاوز البيّنات والأيمان في القضاء، ولا يفهم منه إيقاف


(1) في بحث القطع في فرع الودعي من الفروع التي ينقض بها على عدم إمكانية الترخيص في مخالفة القطع.

635

القضاء حينما ينفد تأثير البيّنات والأيمان كما لو لم تكن بينة، أو سقطت بالتعارض، ونكلا عن اليمين، أو لم يمكن تحليفهما لجهلهما بالواقع، والسيرة على قاعدة العدل والإنصاف في باب القضاء _ لو كانت _ فهي لا تكون في مقابل البيّنات والأيمان وفي عرضها، وإنّما تكون بعد نفاد تأثير البيّنات والأيمان.

وعلى أيّ حال فثبوت السيرة على القاعدة حتى في باب القضاء غير واضح، فلعلّهم يرجعون إلى القرعة.

وأمّا ما أفاده _ رضوان اللّه عليه _ من دلالة النص في باب تعارض البيّنات ‏المتكافئة على قاعدة العدل والإنصاف فهذا أيضاً غير صحيح، فإنّ النصوص بين ما ورد في التنصيف بعد تحالفهما كحديث إسحاق بن عمّار(1) وبين ما هو محمول على ذلك بالتقييد كحديث غياث بن إبراهيم(2) الذي لم يكن مقيّداً بالتحليف، لكننّا نحمله على ذلك جمعاً بينه وبين حديث إسحاق بن عمّار. وعليه فمن المحتمل أن يكون التقسيم نتيجةً لحلفهما، لا لقاعدة العدل والإنصاف، ولا يمكن التعدّي إلى غير موارد الحلف.

وقد يقال: يكفي في الجمع بينهما حمل حديث غياث على فرض التحليف مع إبقاء إطلاقه لفرض نكولهما عند التحليف.

ولكن يتّضح الجواب على ذلك بالتدقيق في متن رواية غياث _ التي هي عمدة روايات التقسيم _ ورواية إسحاق التي نقيّد بها رواية غياث.

فمتن رواية غياث ما يلي:

«عن أبي عبداللّه (عليه السلام): أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) اختصم إليه رجلان في دابّة


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص182، الباب 12 من كيفيّة الحكم، ح2.

(2) نفس المصدر، ح3.

636

وكلاهما أقاما البيّنة أنّه أنتجها، فقضى بها للذي في يده، وقال: لو لم تكن في يده جعلته بينهما نصفين».

فقوله: «قضى بها للذي في يده» يقتضي بإطلاقه الثابت بملاك ترك ذكر أنّه حلّفه أو لا (وهو شبيه بملاك ترك الاستفصال) أنّه يُقضى للمنكر بلا حاجة إلى يمينه، لكنّ هذا الإطلاق مقيّد برواية إسحاق، وهي ما يلي:

«عن أبي عبداللّه (عليه السلام) أنّ رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) في دابّة في أيديهما وأقام كلّ واحد منهما البيّنة أنّها نتجت عنده، فأحلفهما علي (عليه السلام) فحلف أحدهما وأبى الآخر أن يحلف، فقضى بها للحالف، فقيل له: فلو لم تكن في يد واحد منهما وأقاما البيّنة؟ فقال: أُحلّفهما فأيّهما حلف ونكل الآخر جعلتها للحالف، فإن حلفا جميعاً جعلتها بينهما نصفين. قيل: فإن كانت في يد أحدهما وأقاما جميعاً البيّنة؟ قال: أقضي بها للحالف الذي هو في يده».

فقوله: في ذيل الحديث: «أقضي بها للحالف الذي هو في يده» يقيّد إطلاق رواية غياث، وبذلك يثبت: أنّ المقصود بقوله في رواية غياث: «قضى بها للذي في يده» أنّه قضى بها له بعد تحليفه، وبما أنّها قضيّة في واقعة فهو منصرف إلى ما هو المألوف من حلف ذي اليد _ عند تحليفه _ دون نكوله، وبما أنّ الضمير في قوله: «لو لم تكن في يده جعلته بينهما نصفين» راجع إلى نفس هذا الشخص في هذه القصّة بفرق فرض عدم اليد... لا ينعقد له إطلاق لفرض النكول.

على أنّنا لو عملنا بروايات التقسيم لدى تعارض البيّنات جاء فيها احتمال كون التقسيم فيها نوع عمل بالبيّنات المتعارضة، لا عملاً بقاعدة العدل والإنصاف كقاعدة مستقلّة في ذاتها حتى يتعدّى إلى فرض عدم البيّنة.

ويمكن الاستدلال على قاعدة العدل والإنصاف في فصل الخصومة بروايات

637

أُخرى من قبيل:

1_ ما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام) في رجل أقرّ عند موته لفلان وفلان: لأحدهما عندي ألف درهم، ثم مات على تلك الحال؟ فقال علي (عليه السلام) «أيّهما أقام بيّنةً فله المال، وإن لم يقم واحد منهما البينة فالمال بينهما نصفان»(1). إلا أنّ سند الحديث ضعيف بالنوفلي.

2_ ما رواه السكوني أيضاً عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه في رجل استودع رجلاً دينارين، فاستودعه آخر ديناراً، فضاع دينار منها. قال: «يعطى صاحب الدينارين ديناراً، ويقسّم الآخر بينهما نصفين»(2). وهذا الحديث أيضاً ضعيف بالنوفلي كما أشار إليه أُستاذنا الشهيد (رحمه الله) (3). ولو تمّ سند هذا الحديث لاقتصرنا على ما يكون من قبيل مورده من عدم إمكانية الحلف لجهلهما ولم نتعدَّ إلى فرض نكولهما.

3_ الحديث المرسل: «أنّ رجلين تنازعا في دابّة ليس لأحدهما بيّنة، فجعلها النبي (صلى الله عليه و آله) بينهما»(4). وهذا الحديث ساقط سنداً، ولو تمّ قُيِّد بما مضى من حديث إسحاق بن عمّار، واختصّ بصورة تحليفهما، وجاء احتمال كون التقسيم بنكتة إعمال الحلفين، لا بنكتة قاعدة العدل والإنصاف.

4_ رواية عبداللّه بن المغيرة، وقد وردت بسند الصدوق التامّ عن عبداللّه بن المغيرة عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبداللّه (عليه السلام) في رجلين كان معهما درهمان فقال أحدهما: الدرهمان لي، وقال الآخر: هما بيني وبينك، فقال: «أمّا الذي


(1) وسائل الشيعة، ج13، ص400، الباب 25 من أحكام الوصايا.

(2) نفس المصدر، ص171، الباب 12 من أحكام الصلح.

(3) في فرع الودعي من مبحث القطع.

(4) سنن البيهقي، ج10، ص 255.

638

قال: هما بيني وبينك، فقد أقرّ بأنّ أحد الدرهمين ليس له وأنّه لصاحبه، ويقسّم الآخر بينهما». ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن عبداللّه بن المغيرة عن بعض أصحابنا، وروي نحو الحديث أيضاً عن محمد بن أبي حمزة _ بسند تام _ عمّن ذكره، عن أبي عبداللّه (عليه السلام)(1). والسند الثاني والثالث وإن كانا ساقطين بالإرسال، ولكن بالإمكان تتميم السند الأول بأن يقال: إنّ التعبير بـ «غير واحد من أصحابنا» الذي قد يؤدّي معنى ما يزيد على الاثنين _ على الأقلّ _ حينما يصدر من مثل عبداللّه بن المغيرة الذي قيل عنه: «أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه» يورث الاطمئنان بحساب الاحتمالات بأنّ أحدهم _ على الأقلّ _ كان ثقةً، أو أنّ نقلهم جميعاً لعبداللّه بن المغيرة كان يوجب الاطمئنان بالصدور.

وبالإمكان أن يقال: إنّ هذا الحديث لا يدل على نفي التحليف؛ بأن يكون التقسيم بنفسه نظاماً للحكم في باب القضاء عند التداعي من دون التحليف خروجاً عن قاعدة «إنّما أقضي بينكم بالبينات والأيمان»، وذلك لأنّ الظاهر أنّ الحديث وارد بصدد الردّ على شبهة حصلت في ذهن السائل، وهي احتمال أن يقال: إنّ اليدين دليل على الشركة، فمن قال: «هما بيني وبينك» هو المنكر؛ لمطابقة قوله الأمارة وهي اليدان، ومن قال: «الدرهمان لي» هو المدّعي؛ لمخالفة قوله الأمارة وهي اليدان، فقد وضّح الإمام (عليه السلام): أنّ أماريّة إحدى اليدين بالنسبة لأحد الدرهمين سقطت نهائياً باعترافه، فهما إنّما يكونان على قدم سواء بالنسبة للدرهم الثاني، أمّا الدرهم الأول فلمن توافقا على أنّه له، فالدرهم الثاني هو الذي يقسّم بينهما، لا مجموع الدرهمين.


(1) وسائل الشيعة، ج13، ص169، الباب 9 من أحكام الصلح، ح1.