347


فأكثر تلك الوجوه كانت عبارة عن روايات الإرث، وهو من الأنفال وليس من الفيء.

وكان الوجه الخامس عبارة عن ظهور نفس روايات كون الأنفال للإمام في كونها للإمام بما هو إمام، وهذا صحيح، إلّا أنّه أعمّ من كون الإمام حيثيّة تقييديّة أو تعليليّة.

وصحيحة أبي البختري هي عمدة ما عدّت: «ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب» من الأنفال، إلّا أنّ الضمير في قوله: «وهو للإمام من بعده» قابل للرجوع إلى كلّ أرض خربة وبطون الأودية، وهما بعنوانهما من الأنفال لا الفيء(1).

ورواية: «ما كان لأبي بسبب الإمامة فهو لي» قابلة للحمل على معنى ما كان لأبي بعنوان منصب الإمامة، وكون الفيء كذلك أوّل الكلام(2).

وأمّا رواية محمّد بن مسلم(3) التي فرضت الانفصال بين آيتي الفيء، فمن التشويشات الموجودة فيها أنّ ظاهر عبارتها بشأن آية الفيء الاُولى أنّها جميعاً لمنصب الإمامة، وظاهر عبارتها بشأن الآية الثانية، أعني: السابعة من الحشر أنّ سهم الرسول وذي القربى للإمام، وهم شركاء الناس فيما بقي. وهذا تفصيل غير مفهوم، إلّا بأن يكون القسم الأوّل لشخص الإمام والقسم الثاني للمنصب، فهم شركاء الناس في القسم الثاني.

وإن لم نقتنع بالبيان الذي شرحناه، فآخر ما يبقى عندنا هو دعوى: أنّ تصرّف الرسول(صلى الله عليه وآله)في الفيء كان واضحاً وصارخاً في تملّكه(صلى الله عليه وآله)لنفسه لدعم مقام الرسالة، فكان يعرفه المسلمون، ولم يكن أيّ غبار على ذلك، ولا أيّ غموض فيه، وكان هذا هو أرضيّة صرخة الزهراء(عليها السلام)المعلنة أمام المسلمين بذاك الوضوح والإعلان بشكل يفضح


(1) راجع الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 1.

(2) راجع المصدر نفسه، ح 6.

(3) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 12.

348

والأنفال الواردة في مصطلح أئمّتنا(عليهم السلام) أو تعابير فقهائنا ـ رضوان الله عليهم ـ اُمور عديدة، وما نعدُّ منها هنا ما يلي:

125 ـ الأوّل: كلّ ما يغنمه المسلمون من الكفّار بغير قتال (1).


الخلافة، ويجبرها على افتعال تلك الكذبة المفضوحة.

وممّا يشهد على وضوح الأمر لدى المسلمين عندئذ أنّهم رأوا إقطاع الرسول(صلى الله عليه وآله)لعديد من المسلمين على ما ورد في فتوح البُلدان للبلاذري، من أنّه(صلى الله عليه وآله) أقطع من أرض بني النضير أبا بكر، وعبدالرحمن بن عوف، وأبا دجانة وغيرهم، وأقطع الزبير بن العوام أرضاً من أرض بني النضير ذات نخل، وأقطع بلالاً أرضاً فيها جبل ومعدن، وقال مالك بن أنس: أقطع رسول الله(صلى الله عليه وآله) بلال بن الحارث معادن بناحية الفرع، ولا اختلاف في ذلك بين علمائنا...(1). فلو أمكن تفسير إقطاع فدك للزهراء(عليها السلام) بالتفسيرين الماضيين من أمر الله بقوله: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّه﴾وبكونه دعماً للإمامة، ولم نقل: إن نفس هذا الإقطاع أيضاً رغم ما فيه من الأمر ودعم الإمامة شاهد على تملّكه(صلى الله عليه وآله) لما كان لديه من الفيء، فلا أقلّ من أنّ هذه الإقطاعات دليل واضح على تملّكه(صلى الله عليه وآله).

وممّا يشهد للقاسم المشترك بين كون الفيء لشخص الرسول مع كون مقام الإمامة حيثيّة تعليليّة وبين أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله) كان يتملّك الفيء صحيحة الفضيل عن أبي عبدالله(عليه السلام): «... قال: قال أمير المؤمنين(عليه السلام) لفاطمة(عليها السلام): أحلّي نصيبك من الفيء لآباء شيعتنا ليطيبوا...»(2).

(1) والآن حان لنا أن نبحث عن عدد الأنفال وفق ماجرى عليه مصطلح أئمّتنا(عليهم السلام)أو وفق كلمات أصحابنا(رحمهم الله) وهي اُمور عديدة:


(1) راجع ولاية الفقيه للشيخ المنتظري، ج 3، ص 331.

(2) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 10، وبحسب طبعة آل البيت ج 9، ص 547.

349


الأوّل: كلّ ما يغنمه المسلمون من الكفّار بغير قتال: إمّا بصلح، أو بجلاء أهلها. وقد دلّت عليه جملة من الروايات يختصّ أكثرها بالأرض مع احتمال إرادة الأرض وما عليها من المنقولات، وبعضها صريح في شمول ذلك للمنقولات:

1 ـ رواية زرارة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «قلت له: ما يقول الله: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ﴾؟ قال: الأنفال لله وللرسول، وهي كلّ أرض جلا أهلها من غير أن يحمل عليها بخيل، ولا رجال، ولا ركاب فهي نفل لله وللرسول»(1). والمقصود بذلك ما انتقل من الكفّار إلى المسلمين بقرينة قوله: «من غير أن يحمل عليها بخيل ولا رجال...».

وعيب السند سند الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن فضّال.

2 ـ ورواية محمّد بن مسلم عن أبي عبدالله(عليه السلام): «أنّه سمعه يقول: إنّ الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم، أو قوم صولحوا وأعطوا بأيديهم...»(2).

وعيب السند نفس عيب سند الرواية السابقة.

3 ـ صحيحة معاوية بن وهب، قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): السريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم، كيف يقسّم؟ قال: إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم أخرج منه الخمس لله وللرسول، وقسّم بينهم أربعة أخماس. وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين، كان كلّ ما غنموا للإمام، يجعله حيث أحبّ»(3).

4 ـ موثّقة سماعة التي ورد فيها السؤال والجواب عن الأنفال، وقال في ذيلها: «ومنها


(1) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 9، ج 9، ص 526 بحسب طبعة آل البيت.

(2) المصدر نفسه، ح 10، ص 527.

(3) المصدر نفسه، ح 3، ص 524.

350


البحرين لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب»(1).

5 ـ صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، أو قوم صالحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم، وكلّ أرض خربة، وبطون الأودية، فهو لرسول الله(صلى الله عليه وآله) وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء»(2).

وروايات اُخرى غير تامّة سنداً(3)، لا داعي لنا إلى ذكرها هنا ما عدا أفضلها، وهو مرسلة حمّاد عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح(عليه السلام) «... وله بعد الخمس الأنفال، والأنفال: كلّ أرض خربة قد باد أهلها، وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، ولكن صالحوا صلحاً، وأعطوا بأيديهم على غير قتال، وله رؤوس الجبال، وبطون الأودية، والآجام، وكلّ أرض ميّتة لا ربّ لها، وله صوافي الملوك... والأنفال إلى الوالي، كلّ أرض فتحت أيّام النبيّ(صلى الله عليه وآله)إلى آخر الأبد...»(4).

هذا، وقد مضى منّا بيان: أنّ آية الأنفال نزلت في وقعة بدر، فشملت الحروب المسلّحة لرسول الله(صلى الله عليه وآله) ومن هنا جاءت فكرة افتراض آية الخمس في الغنيمة نسخاً لآية الأنفال، أو لإطلاقها، أو تخصيصاً لها. وهنا نقول: حتّى على تقدير صحّة المقاطع التأريخيّة التي دلّت على أنّ آية الأنفال نزلت في وقعة بدر، وحتّى على تقدير عدم النسخ وعدم


(1) المصدر نفسه، ح 8، ص 526.

(2) المصدر نفسه، ح 1، ص 523.

والبَختَري بفتح الباء والتاء على ما ضبطه المرحوم الطريحي صاحب مجمع البحرين في كتابه (ضوابط الأسماء واللواحق) ص 58 بحسب طبعة الحيدري.

(3) راجع الوسائل، ب 1 من الأنفال، وبحسب طبعة آل البيت ج 9.

(4) المصدر نفسه، ح 4، ص 524 ـ 525.

351

والحكم يشمل الغنائم المنقولة أيضاً، ولا يختصّ بالأراضي (1)، كما أنّ الحكم يشمل حتّى الأرض المحياة إحياءً بشريّاً(2).


التخصيص فالشيء المسلّم: أنّ مصطلح أئمّتنا(عليهم السلام)لم يجرِ على ذلك، أي: على عدّ كلّ الغنائم الحربيّة من الأنفال، ولعلّه بسبب: أنّه لا إشكال في أنّ ما استقرّ أخيراً في الشريعة هو تقسيم غنائم الحرب على المقاتلين، ما عدا الخمس وما عدا مستثنيات اُخرى كصفو المال.

والكلام يقع في ذلك في أمرين:

الأمر الأوّل: أنّ حكم الأنفال هل يختّص بالأراضي، أو يعمّ كلّ ما يغنمه المسلمون من الكفّار ولو كان غير الأراضي من الأدوات المنقولة، أو أنّ تلك الأدوات تعتبر من الغنائم، ويجب تخميسها؟

(1) قد يقال: إنّ المشهور بين الفقهاء هو اختصاص الحكم بالأراضي، حيث قيّد الموضوع في كلماتهم بالأراضي، ولكن الصحيح هو التعميم; لما مضى من صحيحة معاوية بن وهب حيث قال في أوّلها: السريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف تقسّم؟... فإنّ المتيقّن ممّا يمكن افتراض تقسيمه هو المنقولات، ولا يمكن تخصيص هذا السؤال بالأراضي، فحينما يفصّل الإمام(عليه السلام) بين فرض المقاتلة وعدم المقاتلة يكون هذا صريحاً في أنّه لدى فرض عدم المقاتلة تكون المنقولات أيضاً من الأنفال، وتؤكّد ذلك أداة العموم في قوله: «كان كلّ ما غنموا للإمام»، فلو فرض إشعار في بعض الروايات الاُخرى بالانحصار في الأرض رفع اليد عنه بصريح هذه الرواية.

وهذا الاستنباط يطابق إطلاق الآية المباركة: ﴿ما أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾. فلو فرض تعارض الروايات كان الموافق للكتاب هو ما دلّ على التعميم.

(2) والأمر الثاني: أنّ الأرض التي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب هل تختصّ بالأرض الخربة، أو تشمل المحياة إحياءً طبيعيّاً، أو تشمل حتّى الأرض المحياة إحياءً بشريّاً، أو العامرة بشريّاً؟

352


الصحيح: هو الأخير، ولعلّه مقتضى إطلاق كلمات الفقهاء، ويكفيه إطلاق مثل صحيح حفص بن البختري: «الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب...»(1).

بل قد يقال: إنّ المسألة أوضح من مجرّد مسألة الإطلاق; وذلك لأنّ هذا هو مقتضى الحفاظ على استقلاليّة ما ورد في هذه الروايات من أرض لم يوجف عليها بخيل وركاب، أو ما لم يكن فيها هراقة دم، فإنّه لو خصّ الحكم بالموات والخراب فهي من الأنفال بعنوان آخر حتّى لو كانت مأخوذة بالسيف; فإنّ الأرض الخربة واردة في مثل صحيحة حفص الماضية في مقابل ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وهي واردة في موثّقة سماعة في مقابل قوله: «ومنها البحرين لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب» ونصّ الحديث ما يلي: «سألته عن الأنفال، فقال: كلّ أرض خربة، أو شيء يكون للملوك فهو خالص للإمام، وليس للناس فيها سهم. قال: ومنها البحرين لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب»(2).

ولو خصّ الحكم بغير المحياة إحياءً بشريّاً، فالمحياة إحياءً طبيعيّاً قد عدّت من الأنفال في مقابل ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وذلك في صحيحة حفص بن البختري الماضية; إذ ورد فيها في مقابل ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب عنوان «بطون الأودية» والتي هي كثيراً ما تكون مجرىً للماء، وتكون محياة طبيعيّاً.

وقد ورد في موثّقة إسحاق بن عمّار عنوان «كلّ أرض لا ربّ لها»(3)، وهذا يشمل كلّ الأراضي الموات والمحياة إحياءً طبيعيّاً، كالجزر والغابات، فلكي يكون عنوان «ما فتح بغير قتال» حافظاً على استقلاليّته يجب افتراض شموله للمحياة إحياءً بشريّاً.


(1) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 1.

(2) الوسائل، ح8 من ب1 من الأنفال، وبحسب طبعة آل البيت يكون في المجلّد 9، ص526.

(3) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 20، وبحسب طبعة آل البيت ج 9، ص 532.

353


وقد حاولنا في بياننا هذا الاستفادة من نكتة التقابل بين الأمرين في نفس رواية واحدة تمّت المقابلة فيها بين ما اُخذ بغير قتال وبين الأرض الميّتة، أو المحياة إحياءً غير بشريّ.

أمّا لو لم يكن الأمر كذلك، وكان التقابل بين روايتين إحداهما منفصلة من الاُخرى، فعندئذ كان يصعب هذا الاستظهار; لأنّ استفادة الاستقلاليّة عندئذ قد تكون من بركات الاتّصال بين الأمرين، ولا دليل على صحّة قاعدة فرض المنفصلين متّصلين.

ولكن الإنصاف: أنّه حتّى مع فرض الانفصال يمكن إثبات المطلوب بما هو أقوى من مجرّد دعوى الإطلاق، وذلك بأن يقال: إنّ ما ينتزعه العرف إلى حدّ القطع، ومن دون أيّ شكّ أو تردّد من الجمع بين كلّ أرض خربة وبين بطون الأودية وبين كلّ أرض لا ربّ لها ـ حتّى ولو كانت في روايات غير متّصل بعضها ببعض ـ هو: أنّ المقصود بذلك: كلّ ما هو نفلٌ في مجتمع ما، أي: كلّ ما يكون أمراً ثانويّاً بالنسبة للناس الاعتياديّين، وكلّ هذه مصاديق وأمثلة لذلك، وليس هذا مجرّد استظهار نتيجة فرض الروايات متّصلاً بعضها ببعض، حتّى نشكّك في حجّيّته; لعدم الاتصال بالفعل، بل هو قطع عرفيّ لا يشكّ فيه الإنسان الاعتياديّ. فلكي يكون عنوان «ما اُخذ من الكفّار بغير قتال» عنواناً آخر للنفل يجب أن يكون المقصود بالنفل هنا معنىً آخر للنفل غير النفل بالنسبة للناس الاعتياديّين الذي هو نفل بالنسبة للكفّار أنفسهم، وهو ما يكون نفلاً بالنسبة للمسلمين، أي: أمراً ثانويّاً جاءهم بالفتح من الكفّار.

وكان مقتضى القاعدة الأوّليّة شمول ذلك لما فتح بلا سيف ولما فتح بالسيف; فإنّها جميعاً نفل وأمر ثانويّ بالنسبة للمسلمين، لكنّه(عليه السلام)إنّما استثنى ما فتح بالسيف; لأنّه من الغنيمة التي ترجع إلى المقاتلين أنفسهم، غير ما تستثنيه الشريعة من الخمس.

وعليه فلا يمكن تخصيص ما فتح من دون سيف بالخراب، ولا بالموات، ولا بغير

354

126 ـ والثاني: الأرضون الموات بالأصالة، أو التي باد أهلها وانجلوا، فلم يكن لها مالك معلوم (1).


المحياة إحياءً بشريّاً، أو غير المعمور تعميراً بشريّاً.

نعم، الحديث الوحيد الذي يمكن الاستدلال به على شرط الخراب في الأرض المفتوحة بغير قتال نفس ما أشرنا إليه من موثّقة إسحاق بن عمّار; إذ ورد فيها: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام)عن الأنفال، قال: هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها، فهي لله وللرسول وما كان للملوك فهو للإمام، وما كان من الأرض الخربة لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، وكلّ أرض لا ربّ لها، والمعادن منها، ومن مات وليس له مولىً فماله من الأنفال»، فإنّ هذه الرواية ـ كما ترى ـ جمعت بين قيد عدم القتال وقيد الخراب.

ولكن الصحيح: بطلان هذا الاستدلال; وذلك لأنّ نسخة المصدر، أعني: تفسير عليّ بن إبراهيم إنّما ورد فيها بدلاً عن كلمة: «الأرض الخربة» كلمة: «أرض الجزية» ومع اختلاف النسخ يسقط الاستدلال بالحديث، بل الظاهر: أنّ الصحيح: هو نسخة المصدر بقرينة: أنّ جميع الروايات الاُخرى الواردة في كون الأرض الخربة من الأنفال خالية عن قيد «عدم القتال»(1).

(1) والثاني: الأرضون الموات سواء ما كانت منها ميتة بالأصالة، كالبراري والفلوات، أو باد عنها أهلها، وعرضها الخراب بانجلاء الأهل، أو هلاكهم.

وقد دلّت على ذلك الروايات، والصحاح سنداً منها ما يلي:

1 ـ صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، أو قوم صالحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم، وكلّ أرض خربة، وبطون الأودية، فهو لرسول الله(صلى الله عليه وآله)وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء»(2).


(1) راجع الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 20 وما في الهامش.

(2) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 1، وبحسب طبعة آل البيت ج 9، ص 523.

355


2 ـ موثّقة سماعة بن مهران: قال: «سألته عن الأنفال، فقال: كلّ أرض خربة، أو شيء يكون للملوك فهو خالص للإمام، وليس للناس فيه سهم، قال: ومنها البحرين لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب»(1).

3 ـ موثّقة إسحاق بن عمّار قال: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الأنفال، فقال: هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها، فهي لله وللرسول، وما كان للملوك فهو للإمام، وما كان من أرض الجزية لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وكلّ أرض لا ربّ لها، والمعادن منها، ومن مات وليس له مولىً فماله من الأنفال»(2).

وباقي الروايات غير التامّة سنداً تصلح للتأييد، وعمدتها ثلاث روايات:

الاُولى: مرسلة حمّاد عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح(عليه السلام): «... وله بعد الخمس الأنفال، والأنفال كلّ أرض خربة باد أهلها، وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، ولكن صالحوا صلحاً وأعطوا بأيديهم على غير قتال، وله رؤوس الجبال، وبطون الأودية، والآجام، وكلّ أرض ميّتة لا ربّ لها، وله صوافي الملوك...»(3).

والثانية: رواية محمّد بن مسلم عن أبي عبدالله(عليه السلام) التي في سندها سند الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن فضّال: «أنّه سمعه يقول: إنّ الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم، أو قوم صولحوا وأعطو بأيديهم، وما كان من أرض خربة، أو بطون أودية، فهذا كلّه من الفيء...»(4).


(1) المصدر نفسه، ح 8، ص 526.

(2) المصدر نفسه، ح 20، ص 532.

(3) المصدر نفسه، ح 4، ص 524.

(4) المصدر نفسه، ح 10، ص 527.

356


والثالثة: رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام) التي في سندها سند الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن فضّال قال: «سمعته يقول: الفيء والأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة الدماء، وقوم صولحوا وأعطوا بأيديهم، وما كان من أرض خربة، أو بطون أودية فهو كلّه من الفيء...»(1).

وأوّل سؤال نواجهه في المقام هو: أنّ الموات الأصليّة هل هي داخلة في هذا الموضوع، أو أنّ هذا يختصّ بالخراب العَرَضي؟

والجواب: أنّ الموات الأصليّة داخلة في ذلك; وذلك لأحد أوجه ثلاثة:

إمّا دعوى: أنّ العرف واللغة يريان شمول الخراب للموات الأصليّة.

وإمّا التمسّك بمرسلة حمّاد، وفيها: «وكلّ أرض ميّتة لا ربّ لها».

وإمّا بالتعدّي العرفي من الخراب العَرَضي إلى الموات الأصلي.

فلو لم يتمّ الوجه الأوّل; وذلك للتشكيك في شمول معنى الخراب للموات الأصليّة، ولا الوجه الثاني; وذلك لابتلاء الحديث بالإرسال، وعدم كفاية كون حمّاد بن عيسى من أصحاب الإجماع على تصحيح ما يصحّ عنه، فلا شكّ في تماميّة الوجه الثالث، وهو التعدّي العرفيّ.

والسؤال الثاني الذي نواجهه في المقام هو: أنّ هذا العنوان هل يختصّ بالأرض الخربة المأخوذة من الكفّار، أو يشمل الأرض الخربة التي تكون من أوّل الأمر بيد المسلمين، أو لا تكون تحت سلطة من السلطات؟

وهذا بقطع النظر عن الرجوع إلى عناوين اُخرى من عناوين الأنفال، أعني: كلّ أرض لا ربّ لها، أو رقبة الأرض.

لا إشكال في أنّ أكثر روايات الباب لا إطلاق لها في المقام، فروايتا محمّد بن مسلم(2)


(1) المصدر نفسه، ح 12، ص 527.

(2) ح 10 و12 من ب 1 من الأنفال من الوسائل.

357

127 ـ والثالث: كلّ أرض لا ربّ لها (1).


عدّتا الأرض الخربة من الفيء. ومن الواضح: أنّ الفيء هو الذي يفيء إلى المسلمين من الكفّار.

وموثّقة سماعة(1) قرنت كلّ أرض خربة بشيء يكون للملوك، فينصرف إلى ما اُخذ من الكفّار.

ولا بأس بدعوى الإطلاق في مرسلة حمّاد(2)، وموثّقة إسحاق(3)، وصحيحة حفص(4).

والسؤال الثالث: أنّ الأرض التي قد خربت، ولكن لها مالك معلوم هل تصبح بمجرّد الخراب من الأنفال بمقتضى إطلاق صحيحة حفص(5)، أو موثّقة سماعة(6)، أو لا؟

والجواب: أنّ إطلاق هذين الحديثين مقيّد بموثّقة إسحاق التي قالت: «القرى التي قد خربت وانجلى أهلها»(7) وهذا يعني: عدم بقاء مالك معلوم لها.

(1) والثالث من الأنفال: «كلّ أرض لا ربّ لها».

وهذا العنوان وارد في موثّقة إسحاق، ويشمل حتّى المحياة إحياءً طبيعيّاً، كالمراتع والغابات والأجمات، ولا يختصّ بالخراب، ولهذا جعلها الإمام(عليه السلام) في هذه الموثّقة في مقابل القرى التي قد خربت وانجلى عنها أهلها(8).


(1) ح 8 من نفس الباب.

(2) ح 4 من الباب.

(3) ح 20 من الباب.

(4) ح 1 من الباب.

(5) ح 1 من الباب.

(6) ح 8 من نفس الباب.

(7) ح 20 من الباب.

(8) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 20.

358

128 ـ والرابع: رقبة الأرض (1). ومن أحياها من الشيعة بل ومن المسلمين في


(1) والرابع من الأنفال: رقبة الأرض. لصحيحة أبي سيّار عن الصادق(عليه السلام): «... يا أبا سيّار، الأرض كلّها لنا...»(1)، وصحيحة الكابلي عن أبي جعفر(عليه السلام): «وجدنا في كتاب عليّ(عليه السلام): ﴿إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ أنا وأهل بيتي الذين اُورثنا الأرض، ونحن المتّقون، والأرض كلّها لنا...»(2).

نعم، لا إشكال في أنّ الشيعيّ لو أحيى أرضاً، أو انتقلت إليه الأرض المحياة بإرث، أو شراء، أو غير ذلك، كانت له ولو بمعنى حقّ الاختصاص، بل وكذلك غير الشيعيّ من المسلمين ما لم يظهر الحجّة عجّل الله فرجه على ما دلّت على ذلك صحيحة الكابلي; إذ قال في ذيلها: «فمن أحيى أرضاً من المسلمين فليعمّرها، وليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، وله ما أكل منها، فإن تركها وأخربها، فأخذها رجل من المسلمين من بعده، فعمّرها وأحياها، فهو أحقّ بها من الذي تركها، فليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها حتّى يظهر القائم(عليه السلام)من أهل بيتي بالسيف، فيحويها ويمنعها، ويخرجهم منها كما حواها رسول الله(صلى الله عليه وآله)ومنعها، إلّا ما كان في أيدي شيعتنا، فإنّه يقاطعهم على ما في أيديهم، ويترك الأرض في أيديهم»(3).

إلّا أنّ صحيحة أبي سيّار دلّت على أنّ كسب العامّة من الأرض قبل ظهور القائم حرام وإن كانوا يُقرّون في ظاهر الإسلام على عملهم في الأرض قبل قيام القائم; إذ قال في آخر الصحيحة: «فإنّ كسبهم من الأرض حرام عليهم حتّى يقوم قائمنا، فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم منها صغرة»(4).


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 12 وبحسب طبعة آل البيت ج 9، ص 548.

(2) الوسائل، ب 3 من إحياء الموات، ح 2 وبحسب طبعة آل البيت ج 25، ص 414 ـ 415.

(3) الوسائل، ج 25، ب 3 من إحياء الموات، ح 2، ص 415.

(4) ويمكن الجمع بين الصحيحتين بأنّ صحيحة الكابلي جارية على ما نحن مأمورون به في ظاهر الإسلام مادام الإمام غائباً، وصحيحة أبي سيّار جارية على ما سيحاسبون عليه في يوم القيامة.

وهناك جمع آخر أقوى من هذا الجمع، وهو: أنّ المقصود هو حرمة كسبهم من الأرض; لأنّهم لايؤدّون الطسق الذي لم يحلّل في عصر ما قبل قيام القائم إلّا للشيعة.

359


وعلى كلّ حال، فلا إشكال لدى أصحابنا في أنّ التعامل معهم في كلّ شيء قبل ظهور القائم هو عين التعامل مع الشيعة، فكلّهم مسلمون، وكلّهم مشتركون في: «أنّ من أحيى أرضاً فهي له».

ومن هنا يقع الكلام في أنّه لو خربت الأرض التي كانت ملكاً للشيعي، أو مختصّة به، أو لمسلم غير شيعي في زمن الغيبة، فخربت واُهملت، فهل تخرج الأرض بذلك إلى حالتها الأوّليّة، أي: أنّها تصبح من الأنفال التي لم يتعلّق بها ملك، أو اختصاص، أو لا؟

وندرس هذه المسألة ضمن حالات ثلاث:

الاُولى: لو كانت ملكاً لشخص وخربت واُهملت.

والثانية: لو كانت وقفاً عامّاً كالوقف على الزوّار، فخربت واُهملت.

والثالثة: لو كانت من الأرض الخراجيّة، فكانت ملكاً للمسلمين، فخربت.

الحالة الاُولى: وهي ما لو كانت ملكاً لشخص فخربت واُهملت، ولنفترض: أنّه لم يُعرض عن ملكيّة الأرض حتّى لا يدّعى أنّ الإعراض عن ملكيّتها أسقط ملكيّتها، فرجعت إلى حالتها الاُولى. ولا شكّ: أنّ إهمالها وعدم تعمير خرابها أعمّ من الإعراض عن ملكيّتها.

وفي هذه الحالة نقول: بالإمكان الاستدلال على خروج الأرض عن ملكه أو اختصاصه، ورجوعها إلى حالتها الاُولى بروايتين تامّتين سنداً:

الاُولى: صحيحة معاوية بن وهب قال: «سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول: أيّما رجل أتى خربةً بائرة فاستخرجها وكرى أنهارها وعمّرها، فإنّ عليه فيها الصدقة، فإن كانت أرضاً لرجل قبله، فغاب عنها وتركها فأخربها، ثُمّ جاء بعد يطلبها، فإنّ الأرض لله ولمن عمّرها»(1).


(1) الوسائل، كتاب إحياء الموات، ب 3، ح 1، وبحسب طبعة آل البيت ج 25، ص 414.

360


والثانية: صحيحة أبي خالد الكابليّ التي أشرنا إليها عن أبي جعفر(عليه السلام)قال: «وجدنا في كتاب عليّ(عليه السلام): ﴿إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ أنا وأهل بيتي الذين اُورثنا الأرض، ونحن المتّقون، والأرض كلّها لنا، فمن أحيى أرضاً من المسلمين فليعمّرها وليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، وله ما أكل منها، فإن تركها وأخربها، فأخذها رجل من المسلمين من بعده، فعمّرها وأحياها، فهو أحقّ بها من الذي تركها، فليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها حتّى يظهر القائم(عليه السلام) من أهل بيتي بالسيف، فيحويها ويمنعها، ويخرجهم منها كما حواها رسول الله(صلى الله عليه وآله) ومنعها، إلّا ما كان في أيدي شيعتنا، فإنّه يقاطعهم على ما في أيديهم، ويترك الأرض في أيديهم»(1).

إلّا أنّه قد تعارض هاتان الروايتان بصحيحتي سليمان بن خالد والحلبي: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام)عن الرجل يأتي الأرض الخربة، فيستخرجها، ويجري أنهارها، ويعمّرها ويزرعها، ماذا عليه؟ قال: الصدقة، قلت: فإن كان يعرف صاحبها؟ قال: فليؤدّ إليه حقّه»(2).

ومعنى أداء حقّه إليه إعطاؤه اُجرة الأرض، وهذا يعني: أنّ الأرض إذن لم تخرج عن ملك المالك الأوّل أو اختصاصه، في حين أنّ الصحيحتين الاُوليين دلّتا على خروجها عن ملك المالك الأوّل أو اختصاصه.

والصحيح: إمّا هو الجمع بين الروايات الثلاث بالإطلاق والتقييد، وإمّا عدم التعارض رأساً فيما بينها.

وتوضيح الأمر: أنّنا لو فسّرنا قوله في الرواية الثالثة: «فإن كان يعرف صاحبها» بمعنى: إن كان يعرف من كان قبلاً صاحبها، فهذه الرواية مطلقة تعمّ فرض تعمّد الأوّل في


(1) المصدر نفسه، ح 2، ص 414 ـ 415.

(2) المصدر نفسه، ح 3، ص 415.

361


الإعراض عن التعمير ولو بسبب ضعفه المالي، وفرض مانع تكويني عن التعمير، من مرض أو سجن أو غياب أوجب العجز التكويني، ونحو ذلك، والاُوليان مختصّتان بتعمّد ترك التعمير، فإنّ هذا هو المفهوم من كلمة «أخربها» الواردة في كلتا الروايتين الاُوليين، فإنّ نسبة الخراب إليه لا تصدق في فرض العجز التكويني عن رعاية الأرض، فتقدّم الاُوليان على الأخيرة بالتقييد والتخصيص.

ولو فسّرنا قوله في الرواية الثالثة: «فإن كان يعرف صاحبها» بمعنى معرفة صاحبها الشرعيّ الفعليّ، فهذه الرواية لم تتعرّض لمسألة: أنّ الرجل الأوّل متى يعتبر صاحب الأرض فعلاً ومتى لا يعتبر؟ والروايتان الاُوليان صريحتان في أنّه متى صدق عنوان الإخراب والإهمال لم يكن الرجل الأوّل صاحب الأرض الفعلي، فلا تعارض بين الروايات أصلاً.

وعلى أيّ التقديرين، فالنتيجة هي: التفصيل بين فرض الإهمال والإعراض العمدي عن الرعاية والتعمير ولو بسبب ضعفه المالي عن ذلك، وفرض العجز التكويني عن ذلك، ففي الثاني لا يكون الخراب وترك الإعمار مخرجاً للأرض عن ملك المالك الأوّل أو اختصاصه، وفي الأوّل يكون ذلك مُخرجاً للأرض عن ملكه، فتدخل في الأنفال الخارجة من حقّ الاختصاص.

الحالة الثانية: لو كانت وقفاً عامّاً، كالوقف على الزوّار، فخربت واُهملت، فهل ترجع الأرض إلى حالتها الاُولى، أو لا؟

يمكن الاستدلال على رجوعها إلى حالتها الاُولى بوجوه:

الوجه الأوّل: التمسّك بروايات «كلّ أرض خربة».

ويرد عليه ما عرفته من اختصاص بعضها بالأراضي المأخوذة خربة من الكفّار، في حين أنّ المفروض في موردنا أنّه أعمرها المسلم، وجعلها وقفاً عامّا، واختصاص بعضها

362


مباشرة أو بالتقييد بما انجلى أهلها، وهذا لا يشمل الأرض الموقوقة.

الوجه الثاني: التمسّك برواية «كلّ أرض لا ربّ لها» فإنّ ربّ الأرض يعني المربّي لها والراعي لعمرانها، والمفروض أنّه مفقود.

ولكن هذا الإطلاق عيبه أنّه مقيّد بما مضى من صحيحتي سليمان بن خالد والحلبي الدالّتين على أنّه مع وجود مالك سابق لها لم يسقط حقّه: إمّا مطلقاً أو في بعض الحالات.

هذا، لو لم نفسّر «لا ربّ لها» بمعنى: لا مالك لها، وإلّا قلنا: إنّ الموقوف عليهم هم الملاّك.

الوجه الثالث: التمسّك بإطلاق ما ورد في صحيحتي أبي سيّار والكابلي: «الأرض كلّها لنا» فإنّ هذا الإطلاق والعموم يدلّ على أنّ الأرض لم تخرج أصلاً من كونها أنفالاً، وإنّما اُعطي للمحيي أو من يحلّ محلّه حقّ الاختصاص الناتج من الحياة والعمران، والمنتفي بانتفائهما، وانتفاء الرعاية والإعمار.

وهذا الوجه عيبه هو عيب الوجه السابق من تقييد الإطلاق بصحيحتي سليمان بن خالد والحلبي.

الوجه الرابع: التمسّك بنفس صحيحتي معاوية بن وهب(1) وأبي خالد الكابلي(2); لأنّهما رخّصتا في إعمار الرجل الثاني لدى إهمال المحيي الأوّل، أو من يحلّ محلّه من مشتر، أو وارث، أو موهوب له، أو موقوف عليهم، أو المتولّي الشرعيّ. فإن آمنّا بهكذا إطلاق عرفي للصحيحتين، ولم نخصّصهما بموردهما من فرض كون المُهمِل هو الشخص المحيي أو الشخص المالك، فهذا الإطلاق يقتضي رجوع الأرض في المقام إلى حالتها الاُولى.


(1) الوسائل، ج 25 بحسب طبعة آل البيت، ب 3 من إحياء الموات، ح 1، ص 414، وقد مضت في هذا الكتاب، ص 359.

(2) المصدر السابق، ح 2، ص 414 ـ 415، وقد مضت في هذا الكتاب، ص 360.

363


نعم، هذا الوجه لا يشمل فرض عدم الإهمال، كما لو هدّمت حكومة غاصبة الوقف ومنعت عن إعماره.

فالنتيجة هي: أنّ الأرض الموقوفة لو خربت، وأهملها الموقوف عليهم والمتولّي الشرعيّ، رجعت إلى ما كانت من الأنفال من دون بقائها تحت حقّ الاختصاص، ولو لم يكن هناك إهمال، كما لو هدّمتها حكومة غاصبة مانعة عن الإعمار، فهي باقية تحت حقّ الوقف.

الحالة الثالثة: لو كانت الأرض من الأراضي الخراجيّة التي هي ملك للمسلمين، فخربت.

وهنا قد يدّعى: أنّ صحيحة محمّد الحلبي دلّت على أنّها لا تخرج بالخراب عن ملك المسلمين، والنصّ ما يلي: قال: «سئل أبو عبدالله(عليه السلام) عن السواد ما منزلته؟ قال: هو لجميع المسلمين: لمن هو اليوم، ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم، ولمن لم يخلق بعد. قلت: الشراء من الدهاقين؟ قال: لا يصلح، إلّا أنّ تشتري منهم على أن يصيّرها للمسلمين، فإذا شاء وليّ الأمر أن يأخذها أخذها. قلت: فإن أخذها منه؟ قال: يردّ عليه رأس ماله، وله ما أكل من غلّتها بما عمل»(1).

ووجه الاستدلال بهذه الصحيحة صراحتها في أنّ أرض السواد تبقى أرضاً خراجيّةً لجميع المسلمين: لمن هو اليوم، ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم، ولمن لم يخلق بعد وإلى الأبد، في حين أنّه من الواضح: أنّ أرض السواد قد يعرض عليها الخراب في المستقبل بالأنحاء المختلفة من الخراب.

ولعلّ الشيخ المنتظري الذي يصرّ على أنّ ملكيّة الإمام وملكيّة المسلمين شيء واحد; لأنّ الإمام لا يريدها لشخصه وإنّما يريدها للمسلمين، فنتيجة أحد الأمرين عين الآخر، حينما نراه احتمل أو قوّى استثناء ملكيّة المسلمين لأرض الخراج عن هذا الكلام، كان ينظر إلى مثل هذه الصحيحة، فقال ما نصّه:


(1) الوسائل، ج 17 بحسب طبعة آل البيت، ب 21 من عقد البيع وشروطه، ح 4، ص 369.

364


«نعم، يمكن اعتبار فرق ما بين ما ينسب إلى الإمام وما ينسب إلى المسلمين في بعض الموارد، فإنّ ما للإمام يجوز له أن يتصرّف أيّ تصرّف صالح ولو بالبيع والهبة، ويصرف حاصلها فيما يراه صالحاً ولو لشخص خاصّ من الاُمّة. وأمّا ما للمسلمين بما هم مسلمون كالأراضي المفتوحة، فيمكن أن يقال بعدم جواز بيع رقبتها أو هبتها، فإنّها تكون بمنزلة الوقف على المسلمين، ولا يصرف حاصلها إلّا فيما يرى صلاحاً للمجتمع والاُمّة بوصف الاجتماع، لا لشخص خاصّ، فتدبّر. والتحقيق موكول إلى محلّه»(1).

وكلامه هذا في غاية المتانة، فأرض الخراج للمسلمين عامّة، لا للإمام.

هذا، ويمكن دعم صحيحة محمّد الحلبي التي ذكرناها ـ وهي شبه الصريحة في أنّ أرض الخراج لا تخرج بالخراب عن كونها أرض خراج ـ بمطلقات روايات الخراج الشاملة بإطلاقها لما بعد فرض الخراب، من قبيل:

1 ـ رواية أبي الربيع الشامي عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «لا تشترِ من أرض السواد شيئاً (وفي الفقيه: لا يشتري من أراضي أهل السواد شيئاً) إلّا من كانت له ذمّة، فإنّما هي فيء للمسلمين»(2).

وسند الشيخ عبارة عن إسناده عن الحسين بن سعيد، عن الحسن بن محبوب، عن خالد بن جرير، عن أبي الربيع الشامي، عن أبي عبدالله(عليه السلام).

وخالد بن جرير قد روى الكَشّيّ عن العيّاشي، عن عليّ بن الحسن: أنّه كان من بجيلة، وكان صالحاً.

وأبو الربيع الشامي لا نصّ على توثيقه، إلّا أنّه روى البزنطي عن أبي الربيع ـ والظاهر


(1) راجع ولاية الفقيه، ج 4، ص 22.

(2) الوسائل، ج 17، ب 21 من عقد البيع وشروطه، ح 5.

365


أنّه الشاميّ ـ في علل الشرائع(1).

2 ـ خبر محمّد بن شريح قال: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن شراء الأرض من أرض الخراج، فكرهه، وقال: إنّما أرض الخراج للمسلمين، فقالوا له: فإنّه يشتريها الرجل وعليه خراجها، فقال: لا بأس، إلّا أن يستحيي من عيب ذلك»(2).

وفي السند بكار بن أبي بكر، ولا دليل على وثاقته.

3 ـ رواية أبي بردة بن رجا، قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال: ومن يبيع ذلك؟! هي أرض المسلمين. قال: قلت: يبيعها الذي هي في يده. قال: ويصنع بخراج المسلمين ماذا؟ ثُمّ قال: لا بأس، اشترى حقّه منها، ويحوّل حقّ المسلمين عليه، ولعلّه يكون أقوى عليها وأملأ بخراجهم منه»(3).

ولا توثيق لأبي بردة بن رجا، ولكن يكفيه: أنّ الرواي عنه هذه الرواية هو صفوان بن يحيى، فسند الحديث تامّ.

4 ـ صحيحة محمّد بن مسلم، قال: «سألته عن شراء أرضهم، فقال: لا بأس أن تشتريها فتكون إذا كان ذلك بمنزلتهم، تؤدّي فيها كما يؤدّون فيها»(4).

5 ـ صحيحة محمّد بن مسلم الاُخرى عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «سألته عن شراء أرض أهل الذمّة، فقال: لا بأس بها، فتكون إذا كان ذلك بمنزلتهم تؤدّي عنها كما يؤدّون...»(5).


(1) ج 1، ب 77، ح 7 من منشورات المكتبة الحيدريّة في النجف، الطبعة الثانية.

(2) الوسائل، ج 17، ب 21 من عقد البيع وشروطه، ح 9.

(3) الوسائل، ج 15، ب 71 من جهاد العدوّ، ح 1.

(4) الوسائل، ب 21 من عقد البيع وشروطه، ح 7، ج 17، ص 370.

(5) المصدر نفسه، ح 8.

366


6 ـ رواية محمّد بن مسلم قال: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الشراء من أرض اليهود والنصارى، فقال: ليس به بأس، قد ظهر رسول الله(صلى الله عليه وآله)على أهل خيبر فخارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملونها ويعمرونها، فلا أرى بها بأساً لو أ نّك اشتريت منها شيئاً، وأيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض وعملوها فهم أحقّ بها، وهي لهم»(1).

والسند الوارد في الوسائل هنا وإن كان مشتملاً على سند الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن فضّال، لكن ذكر له سندين آخرين سالمين عن هذا العيب: أحدهما عن الصدوق، والثاني عن الشيخ في موضع آخر من التهذيب. والفرق بين هذين النقلين والنقل الأوّل هو: أنّ النقل الأوّل ليس مضمراً، بل ورد فيه التصريح باسم أبي عبدالله(عليه السلام)، ولكنّه مبتلى بسند الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن فضّال، في حين أنّه في النقلين الآخرين لا يوجد هذا العيب في السند، ولكن الحديث مضمر، ولا بأس بذلك، وبالتالي فسند الحديث تامّ.

7 ـ صحيحة حريز عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السلام). وعن الساباطي، وعن زرارة عن أبي عبدالله(عليه السلام) «أنّهم سألوهما عن شراء أرض الدهاقين من أرض الجزية، فقال: إنّه إذا كان ذلك انتزعت منك، أو تؤدّي عنها ما عليها من الخراج.

قال عمّار (يعني عمّار الساباطيّ): ثُمّ أقبل عليّ فقال: اشترها، فإنّ لك من الحقّ ما هو أكثر من ذلك»(2).

وذكر محققّ الكافي تحت الخطّ ما يلي:

«قوله: فقال له: إذا كان ذلك» أي إذا وقع أن تشتريها، فإمّا أن يأخذ منك المخالفون، أو


(1) الوسائل، ج 15، ب 71 من جهاد العدوّ، ح 2، ص 156.

(2) الوسائل، ج 17، ب 21 من عقد البيع وشروطه، ح 1. والكافي، ج 5 باب شراء أرض الخراج، ح 3، ص 282 بحسب طبعة الآخونديّ.

367


يبقون في يدك بشرط أن تؤدّي عنها ما عليها من الخراج كما يفعلون بأهل الجزية ـ مجلسيّ(رحمه الله) ـ (كذا في هامش المطبوع). وفي المرآة: قوله: «إذا كان ذلك»، أي: ظهور الحقّ وقيام القائم(عليه السلام)، وقال: ثُمّ جوّز(عليه السلام)له شراءها; لأنّ له الولاية عليها، وعلّل بأنّ لك من الحقّ في الأرض بعد ظهور دولة الحقّ في الأرض أكثر من ذلك، فلذلك جوّزنا لك. انتهى كلام ذاك المحقّق.

أقول: تستطيع أن تراجع كلام المجلسيّ في المرآة في المجلد 19، ص 377 بحسب طبعة الآخوندي.

أمّا ما ذكره المجلسيّ(قدس سره) في المرآة من أنّ تجويزه(عليه السلام) لعمّار الساباطي كان باعتبار أنّ له(عليه السلام)الولاية، فلو صحّ فلا أظنّه خاصّاً بعمّار; وذلك بقرينة التعليل بأنّ لك من الحقّ ما هو أكثر من ذلك.

نكتفي بذكر هذا المقدار من روايات الباب.

وهذه المطلقات تؤيّد ما يكون صحيح محمّد الحلبي كالصريح فيه، من أنّ عروض الخراب على أرض الخراج لا يخرجها من كونها أرض خراج(1).

ولو كنّا نحن وتلك المطلقات وبغضّ النظر عن صحيح الحلبي الذي هو كالصريح في المقصود، لأمكن إيقاع المعارضة بينها وبين الطوائف التي ذكرناها في الحالة الثانية، ويكون الجواب نفس الجواب.

وعلى كلّ حال، فصحيحة محمّد الحلبيّ قد حلّت الإشكال في المقام من الأساس.

بقي في المقام شيء، وهو: أنّه هل الشيعيّ مرخَّص في الاستفادة من أرض الخراج في عصر الغيبة في ظلّ الحكومات الغاصبة، وخاصّة بعد عصر الخلافة الإسلاميّة، أو لا؟


(1) الوسائل، ج 17، ب 21 من عقد البيع وشروطه، ح 4.

368


يمكن الاستدلال على هذا الترخيص بعدّة روايات:

الاُولى: صحيحة أبي سيّار: «يا أبا سيّار، الأرض كلّها لنا... وكلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون، ومحلّل لهم إلى أن يقوم قائمنا...»(1) بدعوى: أنّ هذه تتقدّم على روايات أرض الخراج بالنظر إلى أحكام تلك الأراضي، وتأجيلها إلى زمان الحجّة عجّل الله فرجه خصوصاً لو قلنا بأنّ أرض البحرين من الخراج.

والثانية: ما مضى في صحيحة حريز عن محمّد بن مسلم، والساباطيّ وزرارة، وفي ذيلها: قال الساباطيّ: «ثُمّ أقبل عليّ، فقال: اشترها فإنّ لك من الحقّ ما هو أكثر من ذلك»(2).

والثالثة: رواية زرارة ـ وفي السند معلّى بن محمّد ـ قال: «قال: لا بأس بأن يشتري أرض أهل الذمّة إذا عملوها وأحيوها، فهي لهم»(3).

والرابعة: صحيحة محمّد الحلبيّ الماضية «سئل أبو عبدالله(عليه السلام) عن السواد ما منزلته؟ فقال: هو لجميع المسلمين: لمن هو اليوم، ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم، ولمن لم يخلق بعد، فقلت: الشراء من الدهاقين؟ قال: لا يصلح، إلّا أن تشتري منهم على أن يصيّرها للمسلمين، فإذا شاء وليّ الأمر أن يأخذها أخذها، قلت: فإن أخذها منه؟ قال: يردّ عليه رأس ماله، وله ما أكل من غلّتها بما عمل»(4).

والخامسة: حديث إسماعيل بن فضل الهاشميّ (الذي روى الكشّيّ عن العيّاشيّ عن


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 12.

(2) الوسائل، ج 17، ب 21 من عقد البيع وشروطه، ح 1.

(3) الوسائل، ج 17، ب 21 من عقد البيع وشروطه، ح 3.

(4) المصدر نفسه، ح 4.

369


عليّ بن الحسين بن عليّ بن فضّال توثيقه) قال: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل اشترى أرضاً من أرض أهل الذمّة من الخراج وأهلها كارهون، وإنّما يقبلها من السلطان لعجز أهلها عنها، أو غير عجز، فقال: إذا عجز أربابها عنها، فلك أن تأخذها، إلّا أن يضارّوا، وإن أعطيتهم شيئاً فسَخَت أنفس أهلها لكم، فخذوها. قال: وسألته عن رجل اشترى أرضاً من أرض الخراج، فبنى بها أو لم يبنِ، غير أنّ اُناساً من أهل الذمّة نزلوها، له أن يأخذ منهم اُجرة البيوت إذا أدّوا جزية رؤوسهم؟ قال: يشارطهم، فما أخذ بعد الشرط فهو حلال»(1).

وسند الحديث عبارة عن الشيخ بسنده عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن غير واحد، عن أبان بن عثمان، عن إسماعيل بن الفضل الهاشميّ، ولا أظنّك تعترض على هذا السند بالإرسال بواسطة كلمة «عن غير واحد»; إذ لا نظنّ بالحسن بن محمّد بن سماعة أن ينقل بعنوان «غير واحد» ممّا يعطي معنى «عن جماعة» وأقلّهم ثلاثة، ويكون كلّهم غير ثقاة.

وممّا عدّ من الأنفال بطون الأودية، ويكفيه صحيح حفص(2) إلّا أنّ الظاهر: دخوله في عنوان «كلّ أرض لا ربّ لها» وليس عنواناً مستقلاًّ.

وممّا عدّ أيضاً من الأنفال رؤوس الجبال، والظاهر عدم وروده في حديث تامّ السند وإن ورد في مرسلة حمّاد، وبعض المراسيل الاُخرى.

وعلى أيّ حال، فالظاهر: أنّه ليس عنواناً مستقلاًّ، فإنّه داخل في كلّ أرض ميّتة، أو كلّ أرض لا ربّ لها.

وممّا عدّ أيضاً منها الآجام، وقد وردت في مرسلة حمّاد(3)، وبعض المراسيل


(1) المصدر نفسه، ح 10.

(2) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 1.

(3) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 4.

370

زمن الغيبة، فله حقّ الاختصاص، فلو خربت وأهملها خرجت عن اختصاصه حتّى ولو كان إهماله بسبب فقره الماليّ، أمّا لو كان إهماله بعجز تكوينيٍّ منه كغياب لا يستطيع قطعه حتّى يحضر لإعمار الأرض، أو غصبِ حاكم ظالم، أو رجل جائر، أو سجن، أو نحو ذلك، لم يسقط حقّه.

129 ـ ولو كانت الأرض وقفاً فاُهملت بعد الخراب بإهمال المتولّي الشرعيّ، فقد رجعت الأرض إلى حالتها الاُولى، أمّا لو اُهملت بمثل تحطيم الحكومة الغاصبة، فهي باقية على وقفيّتها.

130 ـ ولو كانت الأرض خراجيّة لم تخرج بالخراب عن كونها أرض خراج. نعم، هي محلّلة للشيعة في عصر الغيبة في ظلّ الحكومات الجائرة خاصّة بعد عصر الخلافة الإسلاميّة.

131 ـ والخامس: قطائع الملوك وصفاياهم (1).


الاُخرى. والظاهر: أنّه ليس عنواناً مستقلاًّ، بل هو داخل في كلّ أرض لا ربّ لها.

وعدّ منها أيضاً سيف البحار، أي: سواحلها، ولم يرد في نصّ، وإنّما ورد في الشرائع بعنوان أحد أمثلة أرض الموات، فالظاهر: أنّه مصداق لأرض الموات، أو لكلّ أرض لا ربّ لها، سواء كانت مواتاً أو محياة بفعل الطبيعة.

(1) والخامس من الأنفال: قطائع الملوك وصفاياهم، والظاهر: أنّه لا خلاف في ذلك بين الأصحاب، وتدلّ عليه أخبار كثيرة، والتامّ سنداً منها ما يلي:

1 ـ صحيحة داود بن فرقد، قال: «قال أبو عبدالله(عليه السلام): قطائع الملوك كلّها للإمام وليس للناس فيها شيء»(1).

2 ـ موثّقة سماعة: «سألته عن الأنفال، فقال: كلّ أرض خربة، أو شيء يكون للملوك،


(1) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 6.

371


فهو خالص للإمام، وليس للناس فيها سهم...»(1).

3 ـ موثّقة إسحاق بن عمّار، وفيها: «وما كان للملوك فهو للإمام»(2).

وتدعمها الروايات غير التامّة سنداً، وعلى رأسها مرسلة حمّاد; إذ جاء فيها: «وله صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب; لأنّ الغصب كلّه مردود»(3).

والظاهر: أنّ المقصود بالصفايا أو الصوافي هي: الأراضي التي اصطفاها الملوك لأنفسهم، ولا تشمل الأشياء الثمينة المنقولة.

وقد نقل الشيخ المنتظريّ عن نهاية ابن الأثير قوله: «الصوافي: الأملاك والأراضي التي جلا عنها أهلها، أو ماتوا ولا وارث لها، واحدها صافية، قال الأزهريّ: يقال للضياع التي يستخلصها السلطان لخاصّته: الصوافي».

وأيضاً نقل الشيخ المنتظريّ عن نهج البلاغة عن كتاب الإمام(عليه السلام) لمالك الأشتر في وصيّته للطبقة السُفلى: «واجعل لهم قسماً من بيت مالك، وقسماً من غلاّت صوافي الإسلام في كلّ بلد»(4).

نعم، لو أردنا إدخال الأشياء الثمينة المنقولة التي اصطفاها الملوك لأنفهسم، أمكن التمسّك بإطلاق ما نقلناه من موثّقتي سماعة وإسحاق; إذ ورد في الاُولى: «أو شيء يكون للملوك» وفي الثانية: «وما كان للملوك».

إلّا أنّ الظاهر عدم تماميّة الإطلاق فيهما; لأنّ كلمة «أو شيء يكون للملوك» في موثّقة سماعة اُردفت بكلّ أرض خربة، وجملة «وما كان للملوك فهو للإمام» في موثّقة


(1) المصدر نفسه، ح 8.

(2) المصدر نفسه، ح 20.

(3) المصدر نفسه، ح 4.

(4) راجع الجزء الرابع من ولاية الفقيه للشيخ المنتظريّ، ص 53.