211

108 ـ الخامس: الأرض التي اشتراها الذمّيّ من المسلم (1). والظاهر أنّ الخمس


الشيخ الطوسيّ(رحمه الله)على عمل الأصحاب بأحاديث السكوني كما تثبت موثوقيّة السكوني كذلك تثبت موثوقيّة النوفلي; لأنّ غالبيّة أخبار السكوني وصلتنا عن طريق النوفلي، تَمَّ سند الحديث.

والظاهر: أنّه ليس المقصود بترك صاحبه خصوص إعراضه بمعنى رفع اليد عنه بطيب نفسه، بل يشمل إعراضه بمعنى ترك إخراجه بالغوص ولو للعجز.

وشبيهاً بهذا المضمون رواه الشيخ عن السكوني(1) مع حذف مسألة الإعراض، إلّا أنّ هذا ساقط سنداً باُميّة بن عمرو الذي لا دليل على وثاقته.

ويحتمل كونهما رواية واحدة.

والثاني: حكم العنبر، ولا إشكال في وجوب الخمس فيه; لصحيح الحلبي: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام)عن العنبر وغوص اللؤلؤ؟ فقال: عليه الخمس»(2).

وإذا كان على سطح الماء أو الساحل ومن غير البحر، فهذا شيء جديد غير الغوص وغير البحر، ويثبت فيه الخمس ولو مستقلاًّ على ما قاله السيّد الخوئيّ(قدس سره)(3)، ولكنّنا نرى على ما مضى من إلغاء خصوصيّة الغوص والبحر أنّه داخل فيما سبق، وليس عنواناً جديداً.

(1) قال السيّد الخوئيّ(قدس سره): «على المشهور من زمن الشيخ ومن تأخّر عنه، بل عن الغُنية دعوى الإجماع عليه. نعم نُسب إلى كثير من القدماء إنكار هذا الخمس نظراً إلى خلوّ كلماتهم عن التعرّض إليه لدى تعداد الأقسام»(4).


(1) المصدر نفسه، ح 2.

(2) الوسائل، ب 7 ممّا يجب فيه الخمس، ح 1.

(3) راجع مستند العروة، كتاب الخمس، ص 124 بحسب طبعة المطبعة العلميّة بقم.

(4) راجع مستند العروة الوثقى، كتاب الخمس، ص 173 بحسب طبعة المطبعة العلميّة بقم.

212


والأصل في هذا الحكم صحيحة أبي عبيدة الحذّاء: «قال: سمعت أبا جعفر(عليه السلام) يقول: أيّما ذمّيّ اشترى من مسلم أرضاً، فإنّ عليه الخمس».

وتؤيّده مرسلة المفيد عن الصادق(عليه السلام): «الذمّيّ إذا اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس»(1).

إلّا أنّ في هذا الحديث، أو في هذين الحديثين احتمالين:

الأوّل: أن يكون المقصود هو الخمس المصطلح عليه مقابل الزكاة.

والثاني: أن يكون المقصود بالأرض الأرض الزراعيّة، ولا تشمل الدار، وأن يكون المقصود بالخمس مضاعفة العشر المتعلّق بغلّة الأرض.

وعن منتقى الجمان لصاحب المعالم(قدس سره): «ويُعزى إلى مالك القول بمنع الذمّيّ من شراء الأرض العشريّة، وأنّه إذا اشتراها ضوعف عليه العشر، فيجب فيه الخمس. وهذا المعنى يحتمل إرادته من هذا الحديث: إمّا موافقةً عليه، أو تقيّةً، فإنّ مدار التقيّة على الرأي الظاهر لأهل الخلاف وقت صدور الحكم، ومعلومٌ: أنّ رأي مالك كان هو الظاهر في زمن الباقر(عليه السلام)، ومع قيام هذا الاحتمال أو قربه لا يتّجه التمسّك بالحديث في إثبات ما قالوه»(2).

والطرف المقابل لكلام المنتقى إصرار السيّد الخوئيّ(قدس سره) على أنّ الإمام الباقر(عليه السلام)لم يكن مبتلىً بتقيّة من هذا القبيل; لأنّ مالكاً لم يكن في زمن الإمام الباقر(عليه السلام)، وإنّما عاصره الإمام الصادق(عليه السلام)، فإنّ مالكاً تولّد سنة 96، أي: بعد إمامة الباقر(عليه السلام) بسنتين، وتوفّي سنة 179 وكان عمره 83 سنة، وكانت إمامة الباقر(عليه السلام) سنة 95 ووفاته سنة 114، فكان عمر مالك عند وفاة الباقر(عليه السلام) 20 سنة، ولم يكن عندئذ صاحب فتوى فضلاً عن


(1) الوسائل، ب 9 ممّا يجب فيه الخمس، ح 1 و2.

(2) راجع الخمس للشيخ المنتظريّ، ص 138.

213


اشتهارها، على أنّ الرواية لم تصدر سنة وفاة الباقر(عليه السلام)، فلعلّها صدرت ولم يكن مالك بالغاً فضلاً عن كونه صاحب فتوى(1).

أقول: أمّا إنّ اشتهار تعلّق الخمس بالمعنى المصطلح بالأرض التي اشتراها الذمّيّ من المسلم ابتداءً من الشيخ الطوسيّ(رحمه الله)، فالظاهر أنّه خطأ; لأنّ هذا وإن كان يوحي إليه تعبير الشيخ الطوسيّ(رحمه الله) في المبسوط في كتاب الخمس: «وإذا اشترى ذمّيّ من مسلم أرضاً، وجب عليه فيها الخمس»(2)، ولكن كلامه في الخلاف صريح في خلاف ذلك; إذ قال فيه في المسألة 84 من الزكاة: «إذا اشترى الذمّيّ أرضاً عشريّة وجب عليه فيها الخمس، وبه قال أبو يوسف، فإنّه قال: عليه فيها عشران، وقال محمّد: عليه عشر واحد، وقال أبو حنيفة: تنقلب خراجية، وقال الشافعي: لا عشر عليه ولا خراج. دليلنا: إجماع الفرقة; فإنّهم لا يختلفون في هذه المسألة، وهي مسطورة لهم، منصوص عليها، روى ذلك أبو عبيدة الحذّاء»(3).

فأنت ترى أنّ الشيخ الطوسيّ(رحمه الله) لم يكتفِ بحمل صحيح أبي عبيدة الحذّاء على معنى العُشرَين، بل نسب هذا الفهم إلى الأصحاب، وادّعى أنّهم لا يختلفون في هذه المسألة.

وأمّا ما قاله السيّد الخوئيّ(قدس سره) من أنّ مالكاً لم يكن يُتّقى منه في زمن الباقر(عليه السلام)، فإنّني لا أعلم مقصود صاحب المنتقى من قوله: «ومعلوم أنّ رأي مالك كان هو الظاهر في زمن الباقر(عليه السلام)» هل يقصد أنّ التقيّة من فتوى مالك بالخصوص؟ ولكنّنا نقول: إنّ الرأي المنسوب إلى مالك كان هو السائد في زمن الباقر(عليه السلام) وإن كان على لسان علماء السنة قبل


(1) راجع مستند العروة، كتاب الخمس ص 174 بحسب طبعة المطبعة العلميّة بقم.

(2) راجع الخمس للشيخ المنتظريّ، ص 136.

(3) راجع خمس الشيخ المنتظريّ، ص 137.

214


مالك; إذ هو المنقول عن أبي يوسف، وأبي حنيفة من الانقلاب إلى الجزية بصورة عُشرَين، أو بصورة الخراج.

والحمل على التقيّة الناتج من الأخبار العلاجيّة وإن كان خاصّاً بفرض التعارض، وقال السيّد الخوئيّ(قدس سره): «إنّ الرواية سليمة عن المعارض فلا موجب لرفع اليد عن أصالة الجدّ»(1)، ولكن الحمل على التقيّة قد ينشأ من الجمع العرفي، فإنّ أصالة الجدّ ليست إلّا ظهوراً من الظهورات قد يتّفق أن يكون الجمع بين المطلقات الدالّة على حصر الخمس في غير هذا، وهذا الحديث أقوى عرفاً من تقييد تلك المطلقات.

«وليُلتفت إلى أنّ تخصيص ما دلّ من الأخبار العلاجيّة على إسقاط ما وافق العامّة من المتعارضين بإسقاطه بمعنى الحمل على التقيّة غير واضح، فقد يكون بسبب كون نفس الموافقة مع العامّة الذين يكون الرشد في خلافهم قرينة على سُقم الرواية».

وعلى أيّ حال، فليس المهمّ في المقام مسألة الحمل على التقيّة، فلنفترض أنّه تحمل الرواية في المقام على الجدّ، وليطابق رأي الإمام(عليه السلام)رأيَ بعض العامّة، وإنّما المهمّ في المقام أن نرى أنّه: هل يوجد أساساً للرواية ظهور في الخمس المصطلح حتّى تتمّ الفتوى التي أكّد عليها السيّد الخوئيّ(قدس سره) ومشهور المتأخّرين، أو أنّها ظاهرة في مسألة العُشرَين، وعندئذ فلتحمل على التقيّة، أو فليُعمل بها؟

والأقوى عدم ظهور الرواية في الخمس المصطلح.

ولعلّ السيّد الخوئيّ(قدس سره) اعتمد في دعوى الظهور في الخمس المصطلح لنفس الأرض أوّلاً: على إطلاق الأرض للزراعيّة وغيرها، وثانياً: على أنّ كلمة «الخمس» في الرواية تنصرف بذاتها إلى خمس الأرض وبالمعنى المصطلح; إذ لم يقل: «خمس الحاصل


(1) راجع مستند العروة، كتاب الخمس، ص 174 حسب طبعة المطبعة العلميّة بقم.

215


بالزراعة».

أقول أوّلاً: إنّ التعبير بالأرض عن الأرض الزراعيّة كأ نّما كان مألوفاً كما ورد في حديث صفوان بن يحيى، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر بسند فيه عليّ بن أحمد بن أشيم، قالا: «ذكرنا له الكوفة وما وضع عليها من الخراج، وما سار فيها أهل بيته، فقال: من أسلم طوعاً تركت أرضه في يده، واُخذ منه العشر ممّا سقي بالسماء والأنهار، ونصف العشر ممّا كان بالرشاء»(1). فترى أنّ كلمة «أرضه» استعملت في مورد الأرض الزراعيّة، ونحو صحيح أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: «ذكرت لأبي الحسن الرضا(عليه السلام)الخراج وما سار به أهل بيته، فقال: العشر ونصف العشر على من أسلم طوعاً تركت أرضه في يده واُخذ منه العشر ونصف العشر فيما عمّر منها...»(2).

وقد نقول: إنّ هذا الاستعمال كان بقرينة، ولكنّا نقول: إنّ هذا لا يخرج الروايتين عن كونهما شاهداً ناقصاً على تعارف استعمال الأرض وقتئذ في الأرض الزراعيّة، فإذا ضمّ إلى الشواهد الاُخرى التي نحن بصدد تعديدها على المقصود من صحيح أبي عبيدة يشرف الفقيه على اليقين أو الاطمئنان بظهور الحديث في إرادة العُشرَين من الزراعة، لا الخمس من الأرض، أو يوجب الإجمال على أقلّ تقدير.

وثانياً: أنّ أخذ الخمس بمعنى الجزية من أهل الجزية كان مألوفاً وقتئذ كما ورد في صحيح ابن مسلم بشأن أهل الجزية: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): أرأيت ما يأخذ هؤلاء من هذا الخمس من أرض الجزية، ويأخذ من الدهاقين جزية رؤوسهم، أما عليهم في ذلك


(1) الوسائل، كتاب الجهاد، ب 72 أحكام الأرضين، ح 1، ص 157 ـ 158، ج 15 بحسب طبعة آل البيت.

(2) المصدر نفسه، ح 2، ص 158.

216

في هذه الأرض غير ثابت، وعليه فنحن نحذف في المقام فروع المسألة، وإنّما المقصود بالخمس الوارد في النصّ في المقام: الجزية بمقدار العُشرَين على الزراعة، وهذا خارج عن بحثنا.

109 ـ السادس: المال الحلال المختلط بالحرام إذا لم يميّز ولم يعرف مقداره ولا صاحبه (1).


شيء موظّف؟ فقال: كان عليهم ما أجازوا على أنفسهم، وليس للإمام أكثر من الجزية، إن شاء الإمام وضع ذلك على رؤوسهم وليس على أموالهم شيء، وإن شاء فعلى أموالهم وليس على رؤوسهم شيء، فقلت: فهذا الخمس؟ فقال: إنّما هذا شيء كان صالحهم عليه رسول الله(صلى الله عليه وآله)»(1).

إذن، فانصراف الخمس إلى ما كان مألوفاً من الجزية ـ لا الخمس المصطلح ـ أمر معقول.

وثالثاً: أنّ تعارف الخمس على لسان أهل التسنّن في ذاك التأريخ على معنى العُشرَين قبولاً أو إنكاراً، كما مضى: أنّ أبا يوسف قال في شراء الذمّيّ أرضاً عشريّة: وجب عليه فيه الخمس، وقال محمّد: عليه عشر واحد، وقال أبو حنيفة: تنقلب خراجيّة، وقال الشافعي: لا عشر عليه ولا خراج، كاف في انصراف الخمس في صحيح أبي عبيدة إلى هذا المعنى حيث إنّ روايات الأئمّة كانت ناظرة إلى فقه السنّة.

(1) وأمتن ما ورد في ذلك سنداً ودلالةً صحيحة عمّار بن مروان قال: «سمعت أبا عبدالله(عليه السلام)يقول: فيما يخرج من المعادن، والبحر، والغنيمة، والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه، والكنوز الخمس»(2).


(1) الوسائل، ب 68 من جهاد العدوّ، ح 1، ج 15، ص 149 ـ 150 بحسب طبعة آل البيت.

(2) الوسائل، ب 3 ممّا يجب فيه الخمس، ح 6.

217


وورد أيضاً عن الحسن بن زياد بسند فيه الحكم بن بهلول (وهو رجل مجهول) عن أبي عبدالله(عليه السلام) «قال: إنّ رجلاً أتى أمير المؤمنين(عليه السلام)فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي أصبت مالاً لا أعرف حلاله من حرامه، فقال له: أخرج الخمس من ذلك المال، فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قد رضي من المال بالخمس، واجتنب ما كان صاحبه يُعلم»(1).

وعن عمّار عن أبي عبدالله(عليه السلام): «أنّه سُئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل؟ قال: لا، إلّا أن لا يقدر على شيء يأكل ولا يشرب، ولا يقدر على حيلة، فإن فعل فصار في يده شيء، فليبعث بخمسه إلى أهل البيت»(2).

ولكن كون هذا الحديث مرتبطاً بما نحن فيه غير واضح.

وروى الصدوق(قدس سره) مرسلاً قال: «جاء رجل إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين أصبت مالاً أغمضت فيه، أفلي توبة؟ قال: ائتني بخمسه، فأتاه بخمسه، فقال: هو لك، إنّ الرجل إذا تاب تاب ماله معه»(3).

إلّا أنّ هذا ساقط بالإرسال.

وورد عن السكوني بسند فيه النوفلي(4) عن أبي عبدالله(عليه السلام) «قال: أتى رجل أمير المؤمنين(عليه السلام) فقال: إنّي كسبت مالاً أغمضت في مطالبه حلالاً وحراماً، وقد أردت التوبة، ولا أدري الحلال منه والحرام، وقد اختلط عليّ، فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): تصدّق بخمس


(1) الوسائل، ب 10 ممّا يجب فيه الخمس، ح 1.

(2) المصدر نفسه، ح 2.

(3) المصدر نفسه، ح 3.

(4) فتأتي فيه فكرة إمكانيّة أو عدم إمكانيّة توثيق النوفلي بما قاله الشيخ(قدس سره) من عمل الأصحاب بروايات السكوني، علماً منّا بأنّ روايات السكوني وصلتنا غالباً عن طريق النوفلي.

218


مالك فإنّ الله رضي من الأشياء بالخمس، وسائر المال لك حلال»(1).

فلو نوقش في الدلالة بسبب قوله: «تصدّق بخمس مالك» فقيل: إنّ التصدّق يعني: أنّ الخمس للفقير، فهذا لا يعني الخمس المصطلح، قلت: إنّ هذه الكلمة غير واضحة الثبوت; لأنّه في نقل الصدوق ورد: «أخرج خمس مالك، فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قد رضي من الإنسان بالخمس، وسائر المال كلّه لك حلال»(2).

فلو أدخلنا هذا الحديث تحت عنوان مضطرب; إذ لم يعلم أنّ النسخة الصحيحة هل هي نسخة «تصدّق بخمس مالك» أو نسخة «أخرج خمس مالك»، إذن لم تصفُ لنا من روايات الباب إلّا الرواية الاُولى، وهي صحيحة عمّار بن مروان، وهي واضحة السند والدلالة، على أنّه قد يقال: إنّ التصدّق كان له معنىً واسع يشمل حتّى الخمس.

ولكن السيّد الخوئيّ(قدس سره) نقل عن النراقي في المستند(3) المناقشة في رواية عمّار بن مروان بأنّها مرويّة عن الخصال، في حين أنّه(قدس سره) لم يجدها في الخصال، واختار الدفع بعنوان الصدقة عملاً برواية السكوني.

وقال السيّد الخوئيّ(قدس سره)معلّقاً على كلام النراقيّ: الظاهر أنّه(قدس سره) لم يعطِ الفحص حقّه، أو أنّ النسخة التي عنده كانت مغلوطة، فإنّها موجودة في الخصال على اختلاف نسخها، ونقلها صاحب الحدائق عن الخصال، ونقلها صاحب الوسائل عن الخصال، وله سند تامّ إلى الخصال.

بقي بالنهاية شيء، وهو: أنّه قد يستفاد من بعض الروايات أنّ الحرام المختلط بالحلال


(1) المصدر نفسه، ح 4.

(2) الفقيه، ج 3، ح 499، ص 17 بحسب طبعة الآخوندي.

(3) مستند العروة، كتاب الخمس، ص 125 بحسب الطبعة الماضية.

219


حلال بلا حاجة إلى تخميس.

ولعلّ العمدة في ذلك روايتان:

الاُولى: صحيحة الحلبي «... إن كنت تعلم بأنّ فيه مالاً معروفاً ربا، وتعرف أهله، فخذ رأس مالك، وردّ ما سوى ذلك، وإن كان مختلطاً فكله هنيئاً، فإنّ المال مالك، واجتنب ما كان يصنع صاحبه...»(1).

إلّا أنّ ملاحظة تمام الرواية، وباقي روايات الباب تعطي معنى نوع من المسامحة في خصوص باب الربا مع من لم يكن قد بلغته الحرمة، شبيهاً بمن رابى قبل نزول التحريم فقال الله بشأ نه: ﴿فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ﴾(2). وسواء وافقنا على هذه الفتوى أم لا فالقضيّة أجنبيّة عن المقام.

والثانية: موثّقة سماعة قال: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل أصاب مالاً من عمل بني اُميّة، وهو يتصدّق منه، ويصل منه قرابته، ويحجّ; ليغفر له ما اكتسب، ويقول: ﴿إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السيِّئاتِ﴾(3)؟ فقال أبو عبدالله(عليه السلام): إنّ الخطيئة لا تكفّر الخطيئة، وإن الحسنة تحطّ الخطيئة. ثُمّ قال: إن كان خلط الحرام حلالاً، فاختلطا جميعاً فلم يعرف الحرام من الحلال فلا بأس»(4).

وفي نقل آخر: «سأل أبا عبدالله(عليه السلام) رجل من أهل الجبال عن رجل أصاب مالاً من أعمال السلطان، فهو يصّدّق منه ويصل قرابته، أو يحجّ; ليغفر له ما اكتسب، وهو يقول:


(1) الوسائل، كتاب التجارة، ب5 من أبواب الربا، ح3، ج18، ص129 بحسب طبعة آل البيت.

(2) سورة البقرة، الآية: 275.

(3) سورة هود، الآية: 114.

(4) الوسائل، كتاب التجارة، ب4 ممّا يكتسب به، ح2، ج17، ص88 بحسب طبعة آل البيت.

220


﴿إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السيِّئاتِ﴾؟ قال: فقال أبو عبدالله(عليه السلام): إنّ الخطيئة لا تكفّر الخطيئة، ولكنّ الحسنة تحطّ الخطيئة. ثُمّ قال أبو عبدالله(عليه السلام): إن كان خلط الحرام حلالاً، فاختلطا جميعاً، فلم يعرف الحرام من الحلال، فلا بأس»(1).

فإن حملنا هذه الرواية على نوع من الترخيص في جوائز السلطان واُجوره، أصبحت أجنبيّة عمّا نحن فيه، وإلّا فالظاهر سقوطها بعدم عمل الأصحاب بها.

وهناك رواية ثالثة يمكن إضافتها إلى هاتين الروايتين، وهي صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: «كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه»(2)، بافتراض أنّ معنى قوله: «فيه حلال وحرام» اختلاط المملوك مع المال المحرّم غير المملوك، فقد دلّ الحديث على حلّيته من دون تخميس.

إلّا أنّ الرواية أجنبيّة عمّا نحن فيه كما هو واضح. فإمّا أن يؤخذ بظاهرها الأوّلي من عدم تنجيز العلم الإجمالي، فلو كان الشيء فيه حلال وحرام ولو بمعنى وجود ماء وخمر، جازت الاستفادة منهما كما لو شربهما مثلاً رغم علمه بأنّ أحدهما خمر، وطبعاً هذا أمر غير محتمل. وإمّا أن تحمل على ما يقال حول هذا الحديث في علم الاُصول على كلّ جنس فيه حلال وحرام، ولم نعرف أنّ ما لدينا من الحلال أو الحرام، فالرواية تعني البراءة في الشبهة البدويّة. وإمّا أن تحمل على القاعدة المتصيّدة في رواية مسعدة بن صدقة من أمثال قاعدة اليد، وقاعدة السوق، وحجّيّة الإقرار، مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة، أو المملوك عندك ولعلّه حرّ قد باع نفسه، أو خدع فبيع قهراً، أو امرأة تحتك وهي اُختك أو رضيعتك، والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به


(1) الوسائل، كتاب الحجّ، ب 52 من وجوب الحجّ، ح 9، ج 8، ص 104 بحسب طبعة الربّاني.

(2) الوسائل، ب 4 ممّا يكتسب به، ح 1، ج 17، ص 88 بحسب طبعة آل البيت.

221


البيّنة(1).

وعلى كلّ حال، فالرواية أجنبيّة عن المقام.

وعلى أيّ حال، فخير ما دلّ على تخميس الحلال المختلط بالحرام صحيح عمّار بن مروان(2).

وكأنّ المفهوم عادة هو حمل الصحيح على أنّ التخميس نوع مصالحة على المقدار الحرام الذي تحتمل فيه الزيادة والنقيصة، أو نوع تطهير للمال الذي لا جزم لنا بكون حرامه أكثر من الخمس.

ومن الطريف: أنّ الشيخ المنتظريّ رجّح التمسّك بإطلاق دليل التخميس حتّى في فرض ما لو علم بزيادة الحرام على الخمس، وأن يكون المقياس تعيّن الحرام وعدم تعيّنه، لا مجهوليّة مقدار الحرام وعدمها، واستشهد لذلك بأنّنا نرى أن روايات التصدّق وردت في الحرام غير المختلط، فراجع مظانّ تلك الروايات، من قبيل (ب 47 ممّا يكتسب به من الوسائل، وب 15 من بيع الصرف، وب 7 و17 و18 من اللقطة، وب 6 من ميراث الخنثى) وأنّ روايات الحلال المختلط بالحرام دلّ كثير منها على أنّ الحلال يغلب الحرام، ويوجب حلّيّة المال تماماً بالتوبة، فتخميسه يكون من باب: أنّ هذا المال بعد تحليله بالتوبة والاختلاط وغلبة الحلال الحرام أصبح غنيمة، فانظُر (ب 5 من أبواب الربا، ج 18 من الوسائل بحسب طبعة آل البيت، ص 128 ـ 133)، وموثّقة سماعة(3)، وتشعر بذلك مرسلة الصدوق(4)، وكذلك رواية السكوني: «تصدّق بخمس مالك، أو أخرِج


(1) المصدر نفسه، ح 4، ص 89.

(2) الوسائل، ب 3 ممّا يجب فيه الخمس، ح 6.

(3) ب 4 ممّا يكتسب به، ج 17، ص 88، ح 2.

(4) ب 10 إنّ الرجل إذا تاب تاب ماله معه، ح 3، ج 9، ص 506.

222


خمس مالك»(1)، حيث أضاف المال إلى الشخص، ونفس صحيحة عمّار بن مروان في بحثنا جعلت الحلال المختلط بالحرام في صفّ الكنوز والمعادن، وهذا يعني: أنّ وزان تخميس الحلال المختلط بالحرام هو وزان تخميس المعدن والكنز، وأنّ التخميس يكون في طول حلّ المال لا العكس.

والخلاصة: أنّ الحرام المختلط بالحلال كأنّه غنيمة جديدة، والخمس ميزانيّة إسلاميّة متعلّقة بها.

نعم يبقى في المقام إشكال وهو: أنّ صدق الغنيمة الجديدة على جميع المال مشكل، وإنّما الغنيمة الجديدة ـ على الفرض ـ خصوص الحرام في المقام، فلم يتعلّق الخمس بجميع المال، إلّا أن يقال: إنّ مقتضى العلم الإجمالي كان هو الاجتناب عن الجميع، فصحّ إطلاق الغنيمة على الجميع بعد الحكم بحلّيته بالتوبة(2).

أقول: إنّ التمسّك بإطلاق دليل تخميس الحلال المختلط بالحرام لفرض العلم بكون الحرام أكثر من الخمس ـ سواء قصد به الإطلاق الحَكَمي أو الإطلاق بملاك ترك الاستفصال ـ ينصدم على الأقلّ باحتمال الانصراف عن هذا الفرض بمناسبات الحكم والموضوع; إذ قد تفهم المناسبة العقلائيّة أنّ مقدار الزيادة أصبح حلالاً بلا مقابل، وكأنّه لهذا اهتمّ الشيخ المنتظريّ بتتميم البحث بالإصرار على أنّ منشأ حلّيّة المال هو التوبة لا التخميس، وإنّما التخميس كان في تحقّق الغنيمة بالتوبة.

إلّا أنّ إثبات ذلك أصعب من أصل دعوى الإطلاق في روايات التخميس لفرض العلم بزيادة الحرام على الخمس.

فإنّ روايات الربا كما أشرنا أجنبيّة عن المقام.


(1) الوسائل، ج 9، ب 10 ممّا يجب فيه الخمس، ح 4، ص 506.

(2) راجع خمس الشيخ المنتظريّ، ص 112 ـ 115.

223


وموثّقة سماعة التي مضت منّا في هذا الكتاب صفحة 219 لو أوّلناها خرجت عن المقام، ولو لم نؤوّلها دلّت على حلّيّة المختلط بلا تخميس فوري، ولا تقبل التقييد بمثل صحيحة عمّار بن مروان والتي دلّت على التخميس الفوري كتخميس المعدن والكنز، فلو كان على المال خمس من باب الغنيمة بالمعنى العامّ، لكان خمسه بعد نهاية السنة لو زاد على المؤونة، ولكان الخمس على الحرام فحسب، وهذا ما لا يفتي به الشيخ المنتظريّ نفسه. أمّا دعوى أنّ المجموع أصبح غنيمة بسبب أنّ تصرّفه في الحلال أيضاً كان قد أصبح حراماً عليه بالعلم الإجمالي، فليس إلّا كلاماً شِعريّاً.

وأمّا مرسلة الصدوق: «إنّ الرجل إذا تاب، تاب ماله معه» فقد قيّدت الحلّ بالتوبة، ونحن نعلم أنّ التوبة معناها الرجوع إلى الله، والرجوع إلى الله فيما يحتاج إلى التدارك من أداء حقّ أو قضاء أو نحوه يكون بالعزم على التدارك، ومن المحتمل أن يكون التخميس الذي أمر به أمير المؤمنين(عليه السلام)في هذه المرسلة قبل قوله: «إنّ الرجل إذا تاب، تاب ماله معه» هو الحقّ الذي تتوقّف التوبة عليه، فلا يمكن دلالة هذه المرسلة على نفيه، ولا إشعارها بذلك.

وأمّا إضافة المال إلى الشخص في خبر السكوني بقوله: «تصدّق بخمس مالك، أو أخرج خمس مالك» فأعمّ من كونه إضافة ملكيّة.

وأمّا صحيحة عمّار بن مروان التي جعلت الحلال المختلط بالحرام في عرض المعدن والكنز، فلا تدلّ على أنّه في عرضهما في كلّ الأحكام بما فيها الحلّيّة قبل التخميس لو ثبتت حلّيّة المعدن والكنز قبل التخميس.

وأمّا روايات الصدوق التي استشهد بها الشيخ المنتظريّ على أنّه: متى ما كان الحرام مشخّصاً غير مختلط فعلاجه التصدّق، فقد بحثناها مفصّلاً لدى بحثنا لما هي الوظيفة في مجهول المالك في صفحة 197 من هذا الكتاب فصاعداً فلا نعيد.

224


وعلى أيّة حال فالمهمّ في بحث تخميس الحلال المختلط بالحرام كان بالدرجة الاُولى صحيحة عمّار بن مروان عن أبي عبدالله(عليه السلام): «فيما يخرج من المعادن، والبحر، والغنيمة، والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه، والكنوز الخمس»(1). وبالدرجة الثانية خبر السكوني عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: «أتى رجل أمير المؤمنين(عليه السلام)فقال: إنّي كسبت مالاً أغمضت في مطالبه حلالاً وحراماً، وقد أردت التوبة، ولا أدري الحلال منه والحرام، وقد اختلط عليّ؟ فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): تصدّق بخمس مالك، فإنّ الله رضي من الأشياء بالخمس، وسائر المال لك حلال»(2). وفي نسخة الصدوق عن كتاب السكوني: «أخرج خمس مالك»(3).

ولا ينبغي الإشكال في أنّ كلا الحديثين ظاهران في أنّ التخميس تطهير للحلال المختلط بالحرام.

وعندئذ نقول: إنّه تارةً لا نعلم هل الخمس أكثر من الحرام، أو بالعكس؟

واُخرى نعلم أنّ الخمس أكثر من الحرام.

وثالثة نعلم أنّ الخمس أقلّ من الحرام، فلو لم نعلم أنّ أ يّهما أكثر وأ يّهما أقلّ فلا إشكال في أنّ هذا هو القدر المتيقّن من الخبرين، فلا ينبغي النقاش في إمكان تطهير المال بالخمس.

ولو علمنا أنّ الحرام أقلّ من الخمس، أمكن المصير إلى مطهّريّة الخمس: إمّا بدعوى إطلاق الخبرين، أو بدعوى إمكانيّة التعدّي إلى هذا الفرض بالأولويّة.

أمّا كفاية صرف المقدار الذي نعلم بأنّ الحرام ليس أزيد منه في مصرف مجهول المالك


(1) الوسائل، ب 3 ممّا يجب فيه الخمس، ح 6.

(2) الوسائل، ب 10 ممّا يجب فيه الخمس، ح 4.

(3) الفقيه، ج 3، ح 499.

225

أمّا لو علم أنّ الحرام أزيد من الخمس، فالأحوط أن يطبّق الحرام على مال مشخّص، ثُمّ صرفه في القاسم المشترك بين مصرف الخمس ومصرف مجهول المالك.

110 ـ السابع: ما يفضل من مؤونة سنته له ولعياله من فوائد الصناعات، والزراعات، والتجارات، والإجارات، وحيازة المباحات، والفوائد والهدايا والجوائز، ونحو ذلك بعد استثناء المؤونة (1).


لو قلنا باختلافه عن مصرف الخمس، فكفايته في التحليل غير واضحة; لأنّ تشخيص الحرام فيما يصرفه في ذاك المصرف بحاجة إلى دليل مفقود، إلّا أن يشخّص ذلك بإذن الفقيه على أساس مبدأ ولاية الفقيه.

ولو علمنا بأنّ الحرام أكثر من الخمس، فدعوى إطلاق الخبرين لهذا الفرض في غاية الإشكال; لقوّة احتمال الانصراف بمناسبة الحكم والموضوع عن ذلك.

ولكن لا يبعد أن نفهم من الخبرين بالملازمة العرفيّة عدم وجوب صرف كلّ المال بسبب العلم الإجمالي في مورد مجهول المالك، فمقتضى الاحتياط دفع ما يعلم بعدم زيادة الحرام عليه للمصرف الجامع بين مصرف الخمس ومصرف مجهول المالك.

ولو ناقشنا في هذه الملازمة العرفيّة، أمكن تطبيق الحرام بإذن الفقيه على شيء معيّن بالولاية، ثُمّ أمكن الاحتياط بصرفه في المورد المشترك بين الخمس ومجهول المالك.

(1) تعارف لدى الشيعة إدخال ذلك في عنوان الغنيمة الواردة في الآية المباركة: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم...﴾(1)رغم وضوح ورودها في سياق غنيمة الحرب بدعوى: أنّ المورد لا يخصّص الوارد.


(1) سورة الأنفال، الآية: 41 ـ 44.

226


فلو لم نسلم هذا الاستظهار، فالدليل على إرادة الغنيمة بالمعنى الأعمّ في الآية هو صحيحة على بن مهزيار المفصّلة، وقد ورد فيها: «فأمّا الغنائم والفوائد، فهي واجبة عليهم في كلّ عام. قال الله تعالى: (ويذكر الآية الشريفة)، والغنائم والفوائد ـ يرحمك الله ـفهي الغنيمة يغنمها المرء، والفائدة يفيدها، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر...»(1).

وفائدة هذا الاستشهاد بالآية لو تمّ(2) أنّه لو لم يتمّ إطلاق في مورد في روايات الخمس، وتمّ إطلاق الآية ولو في طول هذا الاستشهاد، نفعنا إطلاقها. وليست فائدة هذا الاستشهاد جعل الكتاب مرجّحاً لدى التعارض; لأنّه بناءً على حمل الآية على الغنيمة بالمعنى الأعم بواسطة الرواية يكون هذا راجعاً إلى الاستشهاد بخبر الواحد لا بالكتاب.

وبغضّ النظر عن الآية المباركة فالروايات الدالّة على وجوب الخمس في أرباح المكاسب كثيرة، وفيها عدد من الروايات التامّة سنداً من قبيل:

1 ـ صحيحة عليّ بن مهزيار قال: قال لي أبو عليّ بن راشد (وهو ثقة ): قلت له: «أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقّك، فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: وأيّ شيء حقّه؟ فلم أدر ما اُجيبه، فقال: يجب عليهم الخمس. فقلت: ففي أيّ شيء؟ فقال: في أمتعتهم وصنائعهم. قلت: والتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال: إذا أمكنهم بعد مؤونتهم»(3).

2 ـ رواية إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ: «أقرأني عليّ كتاب أبيك فيما أوجبه على


(1) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 5.

(2) هذا إشارة إلى النقاش الذي سيبدو ـ إن شاء الله ـ في بحثنا في تفسير الرواية المفصّلة لعليّ بن مهزيار من ص 235 فصاعداً تعليقاً على آخر البند 111 من المتن.

(3) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 3.

227


أصحاب الضياع: أنّه أوجب عليهم نصف السدس بعد المؤونة، وأنّه ليس على من لم تقم ضيعته بمؤونته نصف السدس، ولا غير ذلك، فاختلف من قبلنا في ذلك فقالوا: يجب على الضياع الخمس بعد المؤونة، مؤونة الضيعة وخراجها لا مؤونة الرجل وعياله، فكتب وقرأه عليّ بن مهزيار: عليه الخمس بعد مؤونته وموونة عياله، وبعد خراج السلطان»(1).

ولئن شكّكنا في إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ الذي هو من أصحاب الرضا والجواد والهادي(عليهم السلام)، وعدّ وكيلاً للناحية، أمكن التخلّص عنه باستظهار: أنّ قوله: «وقرأه عليّ بن مهزيار» ليس هو كلام إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ لأنّه هو الذي روى عنه عليّ بن مهزيار، بل هو مثلاً كلام العبّاس بن معروف الراوي عن عليّ بن مهزيار، وهو آخر من في سند الشيخ إلى عليّ بن مهزيار.

3 ـ صحيحة عليّ بن مهزيار المفصّلة، وفيها: «فأمّا الذي اُوجب من الضياع والغلاّت في كلّ عامّ، فهو نصف السدس...»(2).

4 ـ موثّقة سماعة: «سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الخمس، فقال: في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير»(3).

5 ـ صحيحة الريّان بن الصلت قال: «كتبت إلى أبي محمّد(عليه السلام): ما الذي يجب عليّ يا مولاي في غلّة رحى أرض في قطيعة لي، وفي ثمن سمك وبردي وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب: يجب عليك فيه الخمس إن شاء الله تعالى»(4).


(1) المصدر نفسه.

(2) المصدر نفسه ح 5.

(3) المصدر نفسه، ح 6.

(4) المصدر نفسه، ح 9.

228


6 ـ موثّقة عبدالله بن بكير عن أبي عبدالله(عليه السلام) «أنّه قال: إنّي لآخذ من أحدكم الدرهم، وإنّي لمن أكثر أهل المدينة مالاً، ما اُريد بذلك إلّا أن تطهروا»(1) بناءً على استظهار خمس أرباح المكاسب من جملة: «لآخذ من أحدكم الدرهم»، فإنّه لو كان المقصود خمس الكنز مثلاً، أو المعدن، أو الغنيمة الواصلة من قبل الخلفاء إلى أحد، فعادةً لا يعبّر عن ذلك بكلمة «الدرهم»، ولا يمكن حمل هذا على الزكاة; لوضوح أنّ الزكاة لا يأكلها الإمام، فما معنى قوله(عليه السلام): «وإنّي لمن أكثر أهل المدينة مالاً»؟!

وأوّل أمر يقع الحديث عنه هنا هو البحث عن أنّ خمس أرباح المكاسب هل هو حكم إلهيّ، أو حكم ولائي؟

والمنشأ لهذا التشكيك هو أنّ التأكيد على خصوص خمس أرباح المكاسب ورد من قبل الأئمّة المتوسّطين(عليهم السلام)، واشتدّ من قبل الأئمّة المتأخّرين(عليهم السلام)، ومن هنا يدخل التشكيك في كون ذلك حكماً إلهيّاً.

ويمكن إبراز هذا التشكيك بإحدى لغات ثلاث:

فتارةً: بِلُغة: أنّه لم يصلنا ما يدلّ على تشريع هذا الخمس من نصّ عليه لا في الكتاب بعد فرض التشكيك في معنى كلمة «الغنيمة» في الآية المباركة (ولو من أجل أنّ كلمة «ما» وكلمة «شيء» في قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِنْ شَيء...﴾ من الأسماء المبهمة التي تتلوّن بلون موردها، فلو قيل لأحد: أيّ الرمّانتين أحبّ إليك؟ فقال: اُحبّ ما هو أكبر، لا يتمسّك بإطلاق كلامه في اختيار أيّ شيء من الأشياء والأجناس الاُخرى لإثبات أنّ أحبّها إليه ما هو أكبر. والمقام من هذا القبيل; لأنّ الآية واردة في مورد غنيمة الحرب، فاحتمال اختصاص ﴿أَنَّمَا غَنِمْتُم مِنْ شَيء﴾ بغنيمة الحرب وارد. ولا يرد على


(1) الوسائل، ب 3 ممّا يجب فيه الخمس، ح 3.

229


هذا التقريب إشكال أنّ المورد لا يخصّص الوارد.

على أنّ تفاسير اللغويين لكلمة «الغنيمة» وموارد استعمالها غير واضحة في الغنيمة بمعنىً واحد، فقد تفسّر أو تستعمل بمعنى غنيمة الحرب في مقابل الفيء الذي هو ما أسلموه طوعاً بلا حرب، وقد تفسّر أو تستعمل بمعنى الفوز بلا مشقّة، وقد تفسّر أو تستعمل بمعنى كلّ مكسب) ولا على لسان رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ولا على لسان الأئمّة المتقدّمين(عليهم السلام).

واُخرى: بِلُغة: أنّه اشتهرت في التأريخ جباية رسول الله(صلى الله عليه وآله) للزكاة في حين أنّنا لم نرَ عيناً ولا أثراً في التأريخ عن جبايته(صلى الله عليه وآله)للخمس.

وثالثة بأنّه لو كان خمس أرباح المكاسب مشرّعاً ومبيّناً على لسان رسول الله(صلى الله عليه وآله)لما كانت من مصلحة خلفاء الجور إنكاره، كما لم ينكروا الزكاة، وإنّما كان من مصلحتهم الاعتراف به، وصرفه عن أهل البيت إلى بيت مال المسلمين; كي يغصبوه كما غصبوا الزكاة في حين أنّهم لم يفعلوا شيئاً من هذا القبيل.

فهل يقف أمام هذا الاستبعاد لإلهيّة خمس أرباح المكاسب مجرّد ما قد يقال: إنّ الشريعة لم تؤكّد في أوّل الأمر على خمس الأرباح; كي لا تتوجّه إليه أنظار خلفاء الجور، حتّى يعجزوا عن غصبه إلى أن يستفيد منه الأئمّة لدى توسّع حاجتهم بتوسّع دائرة التشيّع، وذلك في زمن الأئمّة المتوسّطين والمتأخّرين(عليهم السلام)؟

أو هل يكفي لكسر هذا الاستبعاد دعوى: أنّ كلمة «الصدقة» كانت تعطي معنى كلّ ماليّة تعطى في سبيل الله، من دون فرق بين الخمس والزكاة. فقوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾قابل للتطبيق على الخمس; ولذا ترى أنّ صحيحة عليّ بن مهزيار المفصّلة(1) استشهدت للخمس بقوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم


(1) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 5.

230


بِهَا...﴾ممّا يدلّ على أنّ الصدقة لها معنىً واسع لكلّ ماليّة واجبة، من دون فرق بين الزكاة والخمس، فلتكن هذه الآية تشريعاً للزكاة والخمس معاً، وكذلك استشهدت بآية الغنيمة ممّا يدلّ على أنّ الغنيمة استعملت في الآية بمعناها الواسع؟!

ولا يخفى: أنّ هذه الشبهة لو لم يمكن حلّها فهي لا تعني سقوط خمس أرباح المكاسب في زمن الغيبة; إذ حتّى لو افترضناه خمساً ولائيّاً، فهو ـ على أيّ حال ـ أمر وصلنا من قبل الأئمّة المتوسّطين، واُكّد عليه من قبل الأئمّة المتأخّرين، ولا زال الإمام ـ عجّل الله فرجه ـ موجوداً، ولم يصلنا رفعه في زمن النوّاب الأربعة(عليهم السلام)، ولا إبطاله حينما اُريد تغيير شكل النيابة من النيابة الخاصّة إلى النيابة العامّة لكلّ الفقهاء الجامعين للشرائط.

وأمّا أخبار التحليل فهي أجنبيّة عن إنهاء إعمال الولاية، وإنّما تلك تبعث شبهة اُخرى، ولها بحثها الخاصّ، وهي أنّه حتّى لو كان الخمس حكماً إلهيّاً فقد حُلّل للشيعة تحليلاً ولائيّاً إلى أن يظهر الحجّة عجلّ الله فرجه، وهي واردة حتّى من قبل الأئمّة الأوائل، وهذا بحث مستقلّ سنبحثه ـ إن شاء الله ـ في المستقبل.

وعلى أيّ حال فلنبدأ في الحديث ببحث تأريخي نقتصر فيه على نقل عدّة من النصوص أوردها العلاّمة العسكري في كتابه معالم المدرستين وفي كتابه مقدّمة مرآة العقول عن كتب إخواننا السنّة، وهي عدّة روايات:

الرواية الاُولى: ما جاء في صحيح البخاري، ومسلم، وسنن السنائي، ومسند أحمد، واللفظ للأوّل:

«إنّ وفد عبدالقيس لمّا قالوا لرسول الله(صلى الله عليه وآله): إنّ بيننا وبينك المشركين من مضر، وإنّا لا نصل إليك إلّا في أشهر الحرم، فمرنا بحمل الأمر إن عملنا به دخلنا الجنّة وندعو به مَن وراءَنا.

231


قال(صلى الله عليه وآله): آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع، آمركم بالإيمان بالله. وهل تدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلّا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتعطوا من المغانم الخمس...»(1).

والرواية واضحة في أنّ المراد من كلمة المغنم الواردة فيها ليس غنيمة الحرب بالذات; إذ لا معنى لها هنا; لأنّ الرواية قد صرّحت بأن هؤلاء المسلمين لا يستطيعون الوصول إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله) في غير الأشهر الحرم; لوجود حاجز بينهم وبينه(صلى الله عليه وآله)، وهم مشركو مضر الذين يتعرّضون لهم بالقتال والحرب. وأمّا في الأشهر الحرم فهم يتمكّنون من الوصول إليه; لعدم الحاجز، باعتبار أنّ المشركين يحترمون تلك الأشهر، ولا يقاتلون فيها، فلا حرب ولا قتال.

الرواية الثانية: ما ورد في فتوح البلاذري: لمّا بلغ أهل اليمن ظهور رسول الله(صلى الله عليه وآله)وعلوّ حقّه أتته وفودهم فكتب لهم كتاباً بإقرارهم على ما أسلموا عليه من أموالهم وأراضيهم وركازهم فأسلموا ووجّه إليهم رسله وعُمّالَه لتعريفهم شرائع الإسلام، وسننه، وقبض صدقاتهم، وجزى رؤوس من أقام على النصرانيّة واليهوديّة والمجوسيّة منهم.

ثُمّ ذكر هو وابن هشام والطبري وابن كثير ـ واللفظ للبلاذري ـ قال: «كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا بيان من الله ورسوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ﴾عهد من محمّد النبيّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن: أمره بتقوى الله في أمره كلّه، وأن يأخذ من المغانم خمس الله...»(2).

وهنا أيضاً لا شكّ في أنّ المقصود بالغنيمة ليست الغنيمة الحربيّة فحسب; لعدم وجود


(1) معالم المدرستين، ج 2، ص 119 بحسب طبعة مؤسّسة البعثة، الطبعة الرابعة، ومقدّمة مرآة العقول، ج 1، ص 101 بحسب الطبعة المنشورة من قبل دار الكتب الإسلاميّة.

(2) نفس المصدرين السابقين، ص 120 من معالم المدرستين، وص 102 من مرآة العقول.

232


حرب في مفروض الرواية، وليست هناك حاجة تدعو إلى ذكرها في كتاب مبعوثه، كما لا توجد ضرورة تفرض على المبعوث بيان غنيمة الحرب لمن اُرسل إليهم; لأنّ غنيمة الحرب يتولّى الرسول(صلى الله عليه وآله)بنفسه إخراجها حينما يحارب المسلمون معه. أمّا في موارد بعث السرايا للحرب فأيضاً تسلّم كلّ الغنيمة، وهو الذي يقسّم ما يبقى بعد أخذ الخمس وأخذ صفو المال على المقاتلين.

الرواية الثالثة: ما كتب لسعد هذيم من قضاعة، وإلى جذام كتاباً واحداً يعلّمهم فرائض الصدقة، وأمرهم أن يدفعوا الصدقة والخمس إلى رسوليه: اُبيّ وعنبسة، أو من أرسلاه(1).

الرواية الرابعة: ما كتب لمالك بن أحمر الجذاميّ، ولمن تبعه من المسلمين أماناً لهم ما أقاموا الصلاة، واتّبعوا المسلمين وجانبوا المشركين، وأدّوا الخمس من المغنم، وسهم الغارمين...(2).

الرواية الخامسة: ما كتبه لفجيع ومن تبعه: «من محمّد النبيّ(صلى الله عليه وآله) إلى فجيع، ومن تبعه، وأسلم، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، وأطاع الله ورسوله، وأعطى من المغانم خمس الله...»(3).

ولا يمكن حمل المغنم من هذه الروايات على مغنم الحرب بقرينة كلمة «الصفيّ» الواردة في بعضها، من قبيل كتابه لملوك حمير: «أمّا بعد، فإنّ الله هداكم بهدايته إن أصلحتم وأطعتم الله ورسوله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة من المغانم خمس الله وسهم النبيّ والصفيّ وما كتب الله على المؤمنين من الصدقة...».

وما ورد في كتابه لبني ثعلبة بن عامر: «من أسلم منهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة


(1) نفس المصدرين.

(2) نفس المصدرين، ص 121 من معالم المدرستين، و103 من مقدّمة مرآة العقول.

(3) نفس المصدرين.

233


وخمس المغانم وسهم النبيّ والصفيّ، فهو آمن بأمان الله».

وما ورد في كتابه لبني زهير العكليّين: «إنّكم إن شهدتم أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً رسول الله، وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة، وأدّيتم الخمس من المغنم، وسهم النبيّ وسهم الصفيّ...».

وما ورد في كتابه لبعض أفخاذ جهينة: «من أسلم منهم، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، وأطاع الله ورسوله، وأعطى من المغانم الخمس، وسهم النبيّ، والصفيّ»(1).

قال العلاّمة العسكريّ بعد نقله لهذه النصوص: (إنّ الصفي في هذه الكتب ـ ويجمع على الصفايا ـ هو كلّ ما كانت خالصة لرسول الله(صلى الله عليه وآله)من أموال وضياع وعقار، بالإضافة إلى سهمه من الخمس).

وقال: (الصفيّ ـ ويجمع على الصفايا ـ كأن يقال في العصر الجاهلي لما يأخذه الرئيس من المال المسلوب من العدى قبل القسمة. وفي الشرع الإسلامي لما كان لرسول الله(صلى الله عليه وآله)خالصة دون المؤمنين من مال منقول وغير منقول، من أراضي وعقار غير سهمه في الخمس)(2).

فحتّى لو حمل الصفيّ على الصفيّ ممّا قد يسلبونه من العدى، أو على الصفيّ ممّا بأيديهم من قبيل الأراضي الموات، وغير ما جعل لهم بسبب إسلامهم أو بسبب الصلح، فالمسألة ليست مسألة حرب رسول الله(صلى الله عليه وآله)مباشرة ولا السرايا.

ولم يكن مقصودنا بذكر هذه النصوص التأريخيّة الاستشهاد لأصل ثبوت الحكم في أرباح المكاسب، أو في كلّ أرباح المكاسب، وإنّما دليلنا على ذلك الروايات الصحيحة


(1) راجع معالم المدرستين، ج2، ص123 ـ 124، ومقدّمة مرآة العقول، ج1، ص106 ـ 107.

(2) معالم المدرستين، ص 100، ومقدّمة مرآة العقول، ص 77.

234


السند التي مضى منّا نقلها عن الوسائل. ولا شكّ في أنّ كلمة «الغنيمة» أو «المغنم» في هذه المقاطع التأريخيّة غير واضحة الحدود لدينا، فانّ هذه الكلمة بقدر ما فسّرت لنا في كتب اللغة أو بُيّنت موارد استعمالها مستعملة بمعنى غنيمة الحرب، وبمعنى الفوز بلا مشقّة، وبمعنى مطلق المكسب والشامل لجميع أرباح المكاسب.

والمقدار الذي نستشهد له بهذه المقاطع التأريخيّة هو أنّ الغنيمة التي عليها الخمس لا تختصّ بغنيمة الحرب، ويكون في هذا نوع تأييد لفهم الشيعة لكلمة الغنيمة في الآية المباركة، وأنّ لها إطلاقاً لم يخصّصه موردها أيّاً كان مستوى ذاك الإطلاق، فليس هدفنا إثبات خمس الفاضل عن مؤونة السنة من المكاسب بأمثال هذه المقاطع التأريخيّة، وانّما هدفنا التشكيك في تخصيص الغنيمة في الآية المباركة بالمورد وهو غنيمة الحرب; لأنّ الظاهر أو من المحتمل ـ على الأقلّ ـ أنّ هذه المقاطع التأريخيّة تنظر إلى المغنم الذي له أصل قرآنيّ.

وأمّا عدم وصول نصّ روائيّ عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أو الأئمّة الأوائل في خمس أرباح المكاسب، فليس غريباً بعد أن حجبونا عن نصوص رسول الله(صلى الله عليه وآله) قرابة مئة سنة، وبعد أن كان بدء الالتزام بكتب الروايات لدى الشيعة من زمن الباقرين(عليهما السلام)وليس قبلهما، وما أكثر الأحكام الهامّة التي لا نمتلك فيها نصّاً إلّا عن الأئمّة المتوسّطين أو المتأخّرين.

وأمّا اشتهار الجباية عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) للزكاة في حين أنّه لا يوجد عين ولا أثر عن جباية الخمس في ذاك الزمان، فينتقض بأنّنا لم تجد أيضاً عيناً ولا أثراً عن الجباية لزكاة الذهب والفضّة في ذاك الزمان، فهل هذا يعني عدم تعلّق الزكاة بالذهب والفضّة؟ أو هذا لا يعني أكثر من أنّ الوضع الاقتصادي والعشائري الذي كان يعيشه رسول الله(صلى الله عليه وآله) لم يكن يساعد إلّا على جباية زكوات الغلاّت والأنعام التي كانت هي عمدة أموالهم المشخّصة والمحدّدة مكاناً، والمتكرّر تعلّق الزكاة بها في كلّ سنة إلى أن تسقط عن أقلّ النصاب؟ وليست هكذا الأخماس ولا الذهب والفضّة اللذان لم يكونا متداولَين بين تلك العشائر

235

111 ـ والأحوط وجوباً إلحاق الهدايا والجوائز المهمّة التي تعتبر غنيمة استثنائيّة بمسألة الغنائم، أي: إنّها تخمّس فوراً وجميعاً من دون استثناء مؤونة السنة (1).


بشكل كثير ولا بشكل واضح.

وأمّا أنّ مصلحة خلفاء الجور لم تكن تقتضي إنكار خمس أرباح المكاسب، بل كانت تقتضي إقرارها وغصبها كما فعلوا ذلك بالزكاة، فلو كان هذا الخمس ثابتاً في زمن رسول الله(صلى الله عليه وآله) لمشى عليه خلفاء الجور مع جرّها من دائرة أهل البيت(عليهم السلام) إلى دائرتهم، فهذا ما يظهر جوابه بالمقايسة بين آية مصرف الزكاة وآية مصرف الخمس:

فآية مصرف الزكاة تقول: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾(1).

وآية مصرف الخمس تقول: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ...﴾(2).

فالآية الاُولى واضحة في أنّ الزكاة لبيت المال، فسهل عليهم غصبه ما داموا يدّعون أنّ الخلافة الإسلاميّة لهم، فبيت المال بيدهم.

والآية الثانية واضحة في أنّ ذا القربى لهم حصّة في الخمس، فلو كانوا يعترفون بأنّ الغنيمة تشمل أرباح المكاسب، لوقعت ثروة عظيمة بيد أهل البيت(عليهم السلام)، فكأنّهم بحسب فهمهم رأوا أنّ الأفضل لهم تخصّص الغنيمة بغنيمة الحرب كي لا يصل شيء من هذا القبيل إلى أهل البيت(عليهم السلام).

(1) هذا، ولا يبعد أن تكون رواية عليّ بن مهزيار المفصّلة في إحدى مقاطعها إشارة


(1) سورة التوبة، الآية: 60.

(2) سورة الأنفال، الآية: 41.