243

المالك يجيز عمله طمعاً في الربح فيكون الربح بينهما وفق قانون المضاربة، وإنخسر فمن الطبيعي انّ المالك لا يجيز عمله فيكون العامل ضامناً لماله فتكون الخسارة عليه.

وذكر السيّد الإمام (رحمه الله)(1): انّ ظاهر هذه الروايات هو كون الربح بينهما من دون اشتراط إجازة المالك إذ لا يوجد فيها أي ذكر للإجازة، فظاهرها انّه حكم تعبّدي بحت مخالف لمقتضى القواعد ولا علاقة لها بتصحيح بيع الفضولي بالإجازة وحتى لو حملناها على تصحيح بيع الفضولي بالإجازة فهي مخالفة للقواعد من جهة اُخرى أيضاً، وهي انّ المفروض ان يكون الربح كلّه للمالك لانّ الإجازة مصحّحة للبيع لا لمضاربة خيالية نظير ما لو وكّل شخص أحداً في بيع مال له فباع الوكيل ماله الآخر بتخيّل وكالته في ذلك ثم أجاز المالك عمله فهذه إجازة لبيعه ولا يتم بها ما تخيّله من الوكالة.

والسيد الإمام (رحمه الله) يستبعد جداً صحّة هذا الحكم الوارد في هذه الروايات المخالف لمقتضى القواعد ويقول: إنّ استبعاد هذا الحكم يشكّل بمناسبات الحكم والموضوع قرينة على حمل هذه الروايات على معنى آخر، وإذا دار الأمر بين حملها على فرض تعقّب الإجازة كما يريده صاحب الاستدلال بها في المقام، وحملها على فرض انّ الشرط الذي خالفه العامل شرط مستقل أي ليس عبارة عن تخصيص اذنه ببعض البيوع دون بعض وانّما هو شرط في ضمن عقد المضاربة كان الثاني أولى وذلك لانّ جميع روايات الباب بين ما هو ظاهر في ذلك وما ليس في حمله على هذا المعنى عدا مخالفة الإطلاق ما عدا الروايتين اللتين مضى ذكرهما:


(1) راجع كتاب البيع 2: 122 ـ 124.

244

فمّما يكون ظاهراً في ذلك ما عن محمّد بن مسلم بسند تام عن أحدهما (عليهما السلام)قال: سألته عن الرجل يعطى المال مضاربة وينهى ان يخرج قال: يضمن المال والربح بينهما(1).

وممّا يكون مطلقاً ما عن الحلبي بسند تام عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المال الذي يعمل به مضاربة له من الربح وليس عليه من الوضيعة شيء إلّا ان يخالف أمر صاحب المال(2)، فمخالفة أمر صاحب المال تشمل بمقتضى الإطلاق مخالفة الشرط المستقل ومخالفة تخصيص الاذن ببعض البيوع، ولكنّنا نحمل الروايات المطلقة على الشرط المستقل بقرينتين.

الاُولى ـ مناسبات الحكم والموضوع لما قلناه من استبعاد الحكم التعبّدي البحت الذي يفهم من إطلاق الحديث.

والثانية ـ انّ كلمة (أمر صاحب المال) فسّرت في بعض الروايات بالشرط المستقل أعني غير المخصّص للاذن ببعض المعاملات وهي رواية الحلبي التامّة سنداً عن أبي عبد الله (عليه السلام) انّه قال في المال الذي يعمل به مضاربة: له من الربح وليس عليه من الوضيعة شيء إلّا ان يخالف أمر صاحب المال فانّ العباس كان كثير المال وكان يعطي الرجال يعملون به مضاربة ويشترط عليهم ان لا ينزلوا بطن واد ولا يشتروا ذا كبد رطبة فان خالفت شيئاً ممّا امرتك به فأنت ضامن المال(3).

وبعض الروايات المطلقة عبّر فيها بالشرط بدلاً عن الأمر من قبيل ما عن


(1) الوسائل 13: 181، الباب 1 من كتاب المضاربة، الحديث الأوّل.

(2) الوسائل 13: 181، الباب 1 من كتاب المضاربة، الحديث 4.

(3) الوسائل 13: 182، الباب 1 من كتاب المضاربة، الحديث 7.

245

الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يعطي الرجل مالاً مضاربة فيخالف ما شرط عليه قال: هو ضامن والربح بينهما(1) وهذا يمكن إنكار إطلاقه لظهور الشرط في الشرط المستقل دون تخصيص الاذن ببعض البيوع.

وبهذا التفسير يصبح مفاد الروايات مطابقاً للقاعدة تماماً فالربح انّما كان بينهما لانّ المضاربة كانت صحيحة، والتخلّف عن الشرط لا يبطلها والضمان أيضاً يكون على طبق القاعدة لانّ يده أصبحت بمخالفة الشرط يداً عادية.

وإذا اتضح انّ أكثر روايات الباب محمولة على هذا المعنى لم يبق شيء سوى الروايتين الأوليتين فنقول عندئذ: انّ حملهما على نفس المعنى بعد استبعاد ذاك الحكم التعبّدي أولى من حملهما على إجازة البيع الفضولي لانّ سائر الروايات دلّت على المعنى الأوّل.

بل الثانية منهما قد يدّعى ظهورها في هذا المعنى بان يقال: إنّ قوله: «يعطي المال» من دون ذكر لكيفية المضاربة ظاهر في انّ المضاربة كانت مطلقة والجملة المعطوفة بالفاء وهي قوله: «فيقول له ائت أرض كذا وكذا...» تفيد الشرط المستقل فكأنّ العطف بالفاء يوحي إلى انّ أصل عملية المضاربة قد تمّ ذكرها قبل الفاء.

وبكلمة اُخرى انّ حمل ما بعد الفاء على تخصيص الاذن المفهوم ممّا قبل الفاء ببعض المعاملات خلاف الظاهر فيحمل على الشرط المستقل أعني غير المخصّص للاذن.

وبناء على هذا لا يبقى شيء في المقام عدا الرواية الاُولى وهي رواية


(1) الوسائل 13: 181، الباب 1 من كتاب المضاربة، الحديث 5.

246

جميل وهي أيضاً نحملها على نفس المحمل بقرينة مناسبات الحكم والموضوع، لما عرفت من انّ هذا الحمل أهون من الحمل على إجازة الفضولي لتطابقها عندئذ مع باقي الروايات ونستأنس لهذا الحمل بأمرين آخرين:

أحدهما ـ انّ كلمة «الأمر» قد عرفت انّها فسّرت في قصة العباس بالشرط المستقل.

والثاني ـ انّ كلمة الشرط جاء ذكرها في نفس رواية جميل فبناء على ارتباطها بحكم الضمان الوارد في الرواية لا بحكم تقسيم الربح تكون أيضاً شاهداً للمقصود، لانّ كلمة الشرط لها ظهور في الشرط المستقل.

هذا تمام ما أردنا نقله عن السيّد الإمام (رحمه الله).

وهناك ملاحظات جانبية حول هذا الكلام من قبيل:

1 ـ إنّنا لا نرى لكلمة الشرط ظهوراً في الشرط المستقل.

2 ـ وانّ الظاهر انّ كلمة الشرط في رواية جميل راجعة إلى الأقرب إليها وهو تقسيم الشرط لا الأبعد وهو الضمان.

3 ـ وانّ الضمان بناء على تفسيره (رحمه الله) ليس أمراً مطابقاً للقواعد لانّ المفروض ليس فقط ضمان التلف كي يقال: إنّ يده أصبحت بمخالفة الشرط يداً عدوانية فأوجبت الضمان ويثبت أيضاً ضمان الخسارة، وهذا لا مبرّر له على القواعد لو فرضت صحّة المعاملة كما هو مفروضه (رحمه الله).

نعم لو حملت الروايات على فرض فسخ المالك للمعاملة بعد ظهور الخسارة وذلك بخيار تخلّف العامل للشرط ثبت ضمان الخسارة على العامل بالفسخ.

4 ـ وانّ مجرّد ظهور أكثر الروايات في فرض من الفروض وهو فرض الشرط المستقل لا يشكّل قرينة على حمل رواية اُخرى على هذا الفرض.

247

5 ـ وانّ مجرّد فرض كون المقصود من كلمة الأمر في الرواية الواردة في قصّة العباس الشرط المستقل ليس قرينة على حمل هذه الكلمة في باقي الروايات على ذلك، على انّه لم يثبت تفسير كلمة الأمر في تلك القصة بذلك، وغاية ما يفترض في المقام انطباقه في تلك القصة على هذا المصداق وكيف يكون انطباقه في مورد على مصداق، قرينة على سلب الإطلاق عن مصداق آخر في باقي الروايات؟! بل الظاهر انّه في رواية قصة العباس طبّق على كلا المصداقين فانّ نهيه على شراء الحيوان ظاهر في استثناء شراء الحيوان من المعاملة المأذون فيها وان عبّر عن ذلك بالشرط.

6 ـ وانّ دلالة الفاء على عدم كون ارتباطه ما بعدها بما قبلها ارتباط تخصيص للاذن ببعض المعاملات، وكونه ارتباط الشرط الضمني بالعقد غير واضحة لدينا.

وعلى أيّة حال فالظاهر عدم تمامية الاستدلال بهذه الروايات على المقصود من نفوذ عقد الفضولي إطلاقاً بالإجازة المتأخّرة وذلك:

أوّلاً ـ لانّ ظاهر هذه الروايات عدم افتراض تعقّب الإجازة، والاستبعاد العقلائي للصحّة بلا إجازة لا يكون قرينة على الحمل على فرض الإجازة بعد ما نرى منه انّه بعد هذا الحمل يأتي استبعاد آخر وهو استبعاد تقسيم الربح بينهما إن كانت صحّة المعاملة مستندة إلى الإجازة لانّ الإجازة إجازة للبيع لا للمضاربة الخيالية.

وثانياً ـ لو قلنا: إنّ الاستبعاد الأوّل أشدّ وأقوى من الاستبعاد الثاني بحيث شكّل ذلك قرينة عقلائية على فرض الإجازة (ولعلّه لا يبعد ذلك) قلنا إنّ اشتمالها على تقسيم الربح والذي ليس على وفق القاعدة لانّ المترقّب عندئذ كان رجوع

248

الربح تماماً إلى المالك ـ كما ذكره السيد الإمام ـ يمنعنا عن الجزم بالتعدّي منمورد هذه الأحاديث إلى غيره وننتهي بالآخرة إلى حكم تعبّدي مخصوص بمورده.

ومنها ـ روايات الاتجار بمال اليتيم(1) حيث يستفاد منها انّ الربح لليتيم والخسارة على العامل فيفسّر ذلك بانّه ان ربحت التجارة اعقبتها الإجازة من قبل اليتيم إذا بلغ، أو من قبل الولي فيكون الربح لليتيم وإن خسرت التجارة لم تعقبها الإجازة فبطلت وتحمل العامل الخسارة.

والصحيح انّ هذه الروايات أيضاً لا تدلّ على المقصود إذ (أوّلاً) لا توجد فيها عين ولا أثر عن فرض تعقّب الإجازة.

وأمّا الجواب عليه بانّ الاستبعاد العقلائي لفرض الصحّة بلا إجازة قرينة عقلائية على إرادة فرض الإجازة.

ففيه: انّ هذا الجواب إن تمّ فانّما يتمّ في فرض التجارة بأموال الكبار، وأمّا في فرض التجارة بأموال الأيتام فيأتي حتى في نظر العرف والعقلاء احتمال انّ الشارع حكم بصحّة المعاملة الفضولية بعد ان وقعت وكانت في صالح اليتيم تعبّداً ورغم انف الولي الذي لا يجيز.

(وثانياً) انّها بين ما يختص بتجارة الولي أو الوصي(2)، وما يتخيّل الإطلاق فيه لكن الإطلاق غير ثابت في شيء من تلك الروايات وذلك، إمّا لاستفادة جواز التصرّفات المقترنة بالتجارة منها من التسليم والتسلم(3)، وهذا


(1) راجع الوسائل 6، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، و 12، الباب 75 من أبواب ما يكتسب به، و 13، الباب 10 من كتاب المضاربة، والباب 92 من كتاب الوصايا.

(2) الوسائل 12: 190، الباب 75 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1.

(3) الوسائل 12: 191، الباب 75 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3 و 4.

249

قرينة على أنّ العامل كان وليّاً أو مأذوناً من قبله فتخرج المعاملة عن كونها فضولية، أو لانّ الرواية(1) انّما هي بصدد بيان مصير التجارة من الضمان ومن ينتهي إليه الربح لا بصدد بيان من الذي تصحّ التجارة منه كي ينعقد لها الإطلاق لغير الولي.

ومنها ـ ما ورد عن موسى بن اشيم عن أبي جعفر (عليه السلام) عن عبد لقوم مأذون له في التجارة دفع إليه رجل الف درهم فقال اشتر بها نسمة واعتقها عنيّ وحج عنيّ بالباقي ثم مات صاحب الألف فانطلق العبد فاشترى أباه فاعتقه عن الميت ودفع إليه الباقي يحجّ عن الميّت فحجّ عنه وبلغ ذاك موالي أبيه ومواليه وورثة الميت جميعاً فاختصموا جميعاً في الألف فقال موالي العبد المعتق انّما اشتريت أباك بمالنا وقال الورثة انّما اشتريت أباك بمالنا وقال موالي العبد: إنّما اشتريت أباك بمالنا فقال أبو جعفر (عليه السلام): امّا الحجّة فقد مضت بما فيها لا تردّ، وامّا المعتق فهو ردّ في الرقّ لموالي أبيه وأي الفريقين بعد أقاموا البينة على انّه اشترى أباه من أموالهم كان له رقّاً(2).

وسند ا لحديث ضعيف بـ (صالح) بن رزين الذي لا دليل على توثيقه عدا وقوعه في إسناد كامل الزيارات، وبموسى بن اشيم الذي لا دليل على توثيقه بل روى الكشي رواية في تضعيفه.

وأمّا دلالة الحديث فمبنية على استظهار انّ حكم الإمام (عليه السلام)برقّية العبد الأب لورثة الميت على تقدير إقامتهم للبينة على شرائه بمالهم يعني صحّة بيع


(1) الوسائل 12: 191، الباب 75 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2.

(2) الوسائل 13: 53، الباب 25 من أبواب بيع الحيوان.

250

الفضولي لانّه قد اشترى العبد الابن أباه بمال المورّث بعد موته المبطل لوكالته، فكان شراؤه فضولياً فالإجازة المتأخّرة هي التي صحّحته.

ولعل أهم ما قد يورد على هذه الدلالة ما يلي:

1 ـ احتمال كون مدّعى الورثة انّه اشترى أباه بمال لهم وبأذنهم(1) وهذا ضعيف لانّه لم يأت ذكر في الحديث عن اذن الورثة، فظاهره انّ المقصود شراؤه بمال المورث وانّ الذي وكّله في الشراء هو المورث لا الورثة.

2 ـ احتمال كونه وصيّاً من قبل المورث الميت في شراء العبد وانّ المال لم يكن أكثر من الثلث فلم يكن الشراء فضولياً كما يشهد لذلك أي للوصية الأمر بالحج(2).

ويأتي هنا سؤالان:

الأوّل ـ انّ الورثة إن كانوا يقصدون بدعوى شراء العبد بمالهم شراءه بمال الوصية فلماذا دخلوا أصلاً في النزاع وأي ثمرة لهذا النزاع بشأنهم؟!

وأجيب على ذلك بان نزاعهم كان لأجل ادّعاء ولاء العتق(3).

والثاني ـ انّه على هذا كيف حكم الإمام (عليه السلام) بكون العبد المشترى رقّاً للورثة لو أقاموا البينة في حين انّه قد اعتقه المشتري عملاً بالوصية؟!

وقد يجاب على ذلك بحمله على إرادة حال الانقضاء لا التلبّس، أي انّ هذا العبد المشترى أصبح رقّاً لهم ثم اُعتق(4) أو قل أصبح رقّاً لأبيهم ثم اُعتق.

 


(1) راجع المحاضرات 2: 312 ـ 313، ومصباح الفقاهة 4: 65.

(2) راجع منية الطالب 1: 219، وكتاب المكاسب والبيع للآملي 2: 31.

(3) نفس المصدر السابق.

(4) راجع منية الطالب 1: 219.

251

والإنصاف انّ هذا خلاف الظاهر فظاهر الحديث هو الحكم بالرقية الفعلية وهو لا ينسجم مع افتراض الوصية وفرض صحّة الوصية وتمامية العتق.

نعم لو افترضنا انّ الإمام (عليه السلام) يرى بطلان الوصية لانّ الوصي هو العبد وقد أصبح وصيّاً من دون اذن مولاه لان مولاه انّما اذن له في التجارة لا في أن يصبح وصيّاً مجاناً فهذا أمر معقول، ولكن ذلك لا يخرج البيع عن الفضولية كما هو واضح.

(بقي الكلام) في الاستشهاد بالأمر بالحج على إرادة الوصية فنقول: إن كان المقصود جعل ذلك دليلاً على إرادة الوصية فهو غير صحيح لجواز الحج المستحب عن الحي، بل الواجب أيضاً في بعض الموارد بناء على انّ الموسر العاجز عن الحج يستنيب في حياته.

نعم ان اريد: انّ هذا يصلح للقرينية على إرادة الوصية أي انّه لشيوع الاستنابة للحج بلحاظ ما بعد الموت يكون هذا صالحاً للقرينية على إرادة الوصية فلا بأس بذلك بعد افتراض انّ حكم الإمام (عليه السلام) بالرقّية ليس دليلاً على نفي الوصية لإمكان افتراض بطلان الوصية في المقام كي لا ينافي فعلية الرقية، كما لا بأس أيضاً بعد هذا الافتراض بالاستشهاد لإرادة الوصية بنفس إقدام العبد على تحقيق ما أمره به المورث بعد موته، فهذا أيضاً صالح للقرينية عبر ذلك وإن كان يحتمل أيضاً كون ذلك خطأ منه وجهلاً منه ببطلان الوكالة بالموت.

3 ـ انّه كيف يمكن فرض القول قول المالك الأوّل للأب كما دلّ عليه الحديث باعتبار استصحاب ملكيته له مثلاً في حين انّ أصالة صحّة العقد تحكم على الاستصحاب؟!(1).

 


(1) راجع مصباح الفقاهة 4: 67، والمحاضرات 2: 313.

252

وأجاب عليه السيد الخوئي بانّ أصالة الصحّة فرع أصل وقوع العقد فيحين انّ مالك الأب يدّعي عدم وقوع العقد إذ لا معنى للمبادلة بين ثمن ومثمن كلاهما ملك لشخص واحد(1).

وأضاف على ذلك السيد الإمام (رحمه الله): انّ أصالة الصحّة انّما تجري في نقل شككنا في وقوعه صحيحاً، لا في التردّد بين نقلين أحدهما صحيح والآخر باطل كما في المقام فانّ شراء شيء بمال مالك العين لو فرض نقلاً فهو باطل(2).

4 ـ كيف يمكن فرض القول قول المالك الأوّل للأب مع انّ معنى ادّعاء كل واحد منهم انّه اشترى أباه بماله انّهم جميعاً كان لهم مال لديه مأذون في شراء عبد به اذن فقد كان المشتري وكيلاً عن كل الأطراف وقول الوكيل حجّة.

وإن شئت فقل: إنّ من ملك شيئاً ملك الإقرار به، إذن فالأصل يكون مع الورثة.

وقد أجابوا عليه بان وكالته عن الميت قد انقضت بموته(3).

وبالإمكان أيضاً المناقشة في وكالته عن موالي الأب لانّ الرواية ليس فيها ذكر عن وكالته عنهم.

نعم نحن نفهم من دعواهم عليه بشراء أبيه بمالهم انّهم كانوا يتهمونه بأحد أمرين: إمّا بانّه خان الوكالة واشترى بالمال الموكّل فيه عبداً من نفس مالك المال، في حين انّه كان عليه ان يشتري من غيره، وإمّا بأنّه سرق منهم المال


(1) راجع المحاضرات 2: 313، ومصباح الفقاهة 4: 68.

(2) راجع كتاب البيع 2: 130.

(3) راجع كتاب البيع 2: 129، والمحاضرات 2: 314، ومصباح الفقاهة 4: 69.

253

فاشترى به منهم أباه من دون فرض وكالة في المقام ولا قرينة على الأوّل بالخصوص.

5 ـ يقال أيضاً: كيف يمكن فرض القول قول المالك الأوّل للأب، في حين انّ الصحيح هو انّ القول قول مالك المأذون لانّه يعتبر ذا اليد لانّ له اليد على العبد المأذون الذي له اليد على أبيه فيعتبر هو ذا اليد على الأب المشترى، أو على الألف الذي اختصموا فيه(1).

والجواب: انّ ما في يد العبد انّما يعتبر عرفاً ثابتاً في يد المولى فيما إذا كان العبد على الأقل ساكتاً ـ إن لم نشترط تأييده لمولاه ـ بأن لم يكن العبد نفسه مدّعياً لكون المال لشخص آخر فيكون وزان العبد لدى فرض السكوت، وزان صندوق مشتمل على مال فذاك المال يعتبر في يد مَن له اليد على الصندوق، إمّا مع التصريح من قِبَل العبد بالخلاف وكونه مالاً لشخص آخر كما في المقام فلا يعتبر المولى صاحب يد على ذاك المال(2).

6 ـ كيف حكم الإمام (عليه السلام) بصحّة الحج مع ما فيه من انّه بعد فرض الحكم بالرقية على الأب المشترى فقد صدر الحج من العبد بلا اذن مولاه فهو باطل، مضافاً إلى انّ طرفين من أطراف النزاع لم يطالبوا أصلاً بالحج بل وكذلك الطرف الثالث وهم الورثة، لانّ الذي طلب الحج كان هو المورث وقد مات، إذن فحتى لو صحّ الحج كيف يصبح مستحقاً للاجرة؟!(3).


(1) راجع منية الطالب 1: 219.

(2) لعلّ هذا هو المقصود ممّا جاء في منية الطالب 1: 220.

(3) راجع المحاضرات 2: 314، ومصباح الفقاهة 4: 69.

254

أقول: بما انّ هذا الإشكال ليس من الإشكالات الواردة على أصل دلالة الرواية على صحّة بيع الفضولي بالإجازة وانّما هو إشكال على الرواية بفرض ذكرها لحكم مقطوع الفساد وهو صحّة الحج مثلاً فيكفي في الإجابة عليه تأويل الرواية بما أبداه السيد الإمام (رحمه الله) من احتمال كون المقصود بقوله: «الحجّة قد مضت بما فيها لا ترد» انّ الحج شيء تصرّم وانقضى، ولا معنى لردّه كما يردّ العبد ولا أثر لفرض صحّته وبطلانه وحكم القاضي فيه بشيء فانّه على أيّ حال أمر انتهى، وانّما المهم هو تشخيص حال العبد. وأمّا المال المصروف في الحج فيقال في وجه عدم ذكر الإمام (عليه السلام) لحكمه انّه لم يكن النزاع فيه وانّما كان نزاعهم في العبد(1).

ومنها ـ رواية الحلبي بسند تام قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى ثوباً ولم يشترط على صاحبه شيئاً فكرهه ثم ردّه على صاحبه فأبى أن يقيله (يقبله خ ل) إلّا بوضيعة قال: لا يصلح له أن يأخذه بوضيعة فان جهل فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه ردّ على صاحبه الأوّل ما زاد(2).

ووجه الاستدلال بذلك هو انّه بعد أن كانت الإقالة بوضيعة باطلة كان بيع الثوب من شخص ثالث فضولياً، ولكن إذا كان هذا البيع بأكثر من ثمنه فالمشتري الأوّل حتماً سيجيز البيع لانّه في صالحه ولهذا حكم الإمام (رحمه الله) بردّ الزيادة عليه.

وأورد على ذلك السيد الخوئي ـ على ما ورد في مصباح الفقاهة(3)بإيرادين:


(1) راجع كتاب البيع 2: 129.

(2) الوسائل 12: 392، الباب 17 من أبواب أحكام العقود.

(3) مصباح الفقاهة 4: 70 ـ 71.

255

الأوّل ـ انّه لو حمل الحديث على البيع الفضولي على أساس بطلان الإقالة فهو فضولي سواء باعه بأكثر من ثمنه، أو بأقل من ثمنه فلا الناقص ملك للبائع ولا الزائد فما معنى التفصيل في الرواية بين ما لو باع بأكثر من ثمنه وما لو باع بأقل، حيث خصص الحكم بالإرجاع إلى المشتري الأوّل بما زاد بل المفروض حتى في فرض النقيصة لو أجاز المشتري الأوّل يكون ملكاً للمشتري الأوّل وإلّا رجع إلى المشتري الثاني لبطلان البيع ورجعت العين إلى المشتري الأوّل، كما هو الحال في فرض الزيادة أيضاً أي انّه لو أجاز المشتري الأوّل فالثمن له وإلّا فالثمن للمشتري الثاني وترجع العين إلى المشتري الأوّل. هذا ما يظهر من عبارة المصباح.

ويقرب منه ما يظهر من عبارة المحاضرات(1) وهو انّه لو حمل الحديث على الفضولي المصحّح بالإجازة فلماذا حكم الإمام (عليه السلام) بإرجاع الزيادة فحسب إلى المشتري الأوّل؟! بل المفروض ان يحكم بإرجاع كل الثمن إلى المشتري الأوّل واسترداد ما دفعه أوّلاً بالإقالة:

أقول: لو اقتصر في مقام الإشكال على ظاهر عبارة التقريرين أمكن الجواب على ذلك بانّ المقدار المتساوي من الثمن الذي ردّه البائع على المشتري الأوّل بالإقالة والذي أخذه البائع من المشتري الثاني يتراضيان عليه عادة فلم يكن الإمام (عليه السلام) بصدد بيان حكم ذلك، وانّما الكلام في الزيادة وقد حكم الإمام (عليه السلام)بإرجاعها إلى المشتري الأوّل على أساس إجازته للبيع الفضولي.

ولكنّي احتمل أن يكون مقصود السيد الخوئي ـ رغم قصور عبارة


(1) المحاضرات 2: 315.

256

التقريرين ـ: إنّ الإمام (عليه السلام) لماذا خصّ الحكم بالإرجاع بمقدار الزيادة على الثمن؟! ونفترض انّ السيد الخوئي حمل كلمة الثمن على ثمن البيع الأوّل فيقال: لو فرضنا انّ ثمن البيع الثاني كان أقل من ثمن البيع الأوّل ولكنّه كان أكثر من الثمن الذي ردّ البائع إلى المشتري الأوّل بالإقالة، كان عليه أيضاً إرجاع الزيادة إلى المشتري الأوّل.

ولكن لو أوّلنا كلام السيد الخوئي بهذا التوجيه أمكن أيضاً الجواب عليه بفرض حمل الثمن في الحديث على الثمن الذي ردّه البائع على المشتري الأوّل بالإقالة.

الثاني ـ انّ المشتري الأوّل ليس دائماً سيجيز البيع الثاني الذي كان بأكثر من ثمنه وليس رضاه بالإقالة دليلاً على أنّه سيجيز ذلك، إذ قد يتفق أن يكون للمشتري الأوّل في وقت الاستقالة غرض خاص في ذلك انتهى وقته في حين البيع الجديد فلا داعي له إلى إجازة البيع الجديد، أو يتفق انّ السعر السوقي لتلك العين قد ترقّى بعد الاستقالة بحيث يمكن الآن بيعها بسعر أرقى من ثمن البيع الثاني فلا داعي له إلى إجازة البيع الثاني.

وأضاف إلى ذلك في المحاضرات(1) انّ الإمام (عليه السلام) لم يتعرّض أصلاً لذكر إجازة المشتري الأوّل.

ولعلّه لا يقصد بهذه الإضافة إشكالاً جديداً بل يرى مجموع الأمرين إشكالاً واحداً ببيان انّ حمل الحديث على فرض الإجازة يجب ان يستند إمّا إلى ورود هذا الفرض في نفس الحديث، أو إلى كون هذا الفرض أمراً طبيعياً بحيث لم


(1) المحاضرات 2: 315.

257

يكن يحتاج إلى ا لذكر وكلا الأمرين مفقود في المقام، أمّا الأوّل فلوضوح عدمذكر في الحديث لهذا الفرض، وأمّا الثاني فلانّ المشتري الأوّل قد لا يجيز البيع الجديد على أساس ترقيّ السعر السوقي مثلاً.

وهذا الإشكال أيضاً يمكن الإجابة عليه بدعوى انّ هناك طريقاً ثالثاً لاكتشاف فرض الإجازة وهو الاستبعاد العقلائي لصحّة البيع الجديد من دون إجازة المالك وهو المشتري الأوّل، فهذه قرينية عرفية عقلائية على أنّ نظر الإمام (عليه السلام) كان إلى الفرض الغالب وهو فرض انّ المشتري الأوّل حينما يطلع على الزيادة سيجيز وافتراض تبدّل السعر السوقي في زمان قصير خاصّة في ذاك العصر بعيد.

ثم تصدّى السيد الخوئي على ما في كلا التقريرين(1) لبيان انّ البيع الجديد ليس فضولياً أصلاً وهذا في الحقيقة يعتبر إشكالاً ثالثاً منه على الاستدلال بهذا الحديث، امّا الوجه في عدم كونه فضولياً فهو انّ إذن المشتري الأوّل في الإقالة بالوضيعة يدلّ بالملازمة على رضاه ببيع جديد بثمن أعلى بالأولوية وهذا رضا مبرز إذ قد أبرزه باذنه في الإقالة، وليس رضاً باطنياً بحتاً حتى يقال: إنّه لا يخرج البيع عن كونه فضولياً.

أقول: إنّ هذا الكلام بظاهره يناقض ما ذكره في الإشكال الثاني من انّ رضاه بالإقالة لا يدل على أنّه سيجيز البيع الجديد لاحتمال تبدّل أغراضه ولو بسبب ترقيّ السعر السوقي، بل انّ إشكاله الأوّل أيضاً لو تمّ لكان مشترك الورود إذ هنا أيضاً يقال: إنّه لو فرضت صحّة البيع الثاني بالرضا المقارن فلماذا حكم الإمام (عليه السلام)بإرجاع الزيادة فحسب دون تمام الثمن؟ فانّ قرّر توجيه ذلك بمثل


(1) راجع مصباح الفقاهة 4: 72، والمحاضرات 2: 315.

258

ما مضى منّا فالتوجيه أيضاً مشترك يأتي حتى على حمل الحديث على الفضولي فلم يكن إيراده على الاستدلال بالحديث على الفضولي في محلّه.

ولكن بالإمكان ان يأوّل كلامه بنحو ينجو من هذا التناقض وإن كانت عبارة التقريرين قاصرة عن ذلك، وذلك بان يقال: إنّ الحديث لا يدلّ على صحّة بيع الفضولي بالإجازة وذلك أوّلاً لانّ استقالته لا تدلّ على رضاه بالبيع الجديد لاحتمال تبدّل أغراضه ولو بسبب ترقيّ السعر السوقي وهذا هو الإشكال الثاني في كلامه.

وثانياً لانّنا لو سلّمنا دلالة استقالته على الرضا بالبيع الجديد فهذا رضا مقارن مبرز، وبه يخرج البيع عن كونه فضولياً وهذا هو الإشكال الثالث.

إلّا انّ هذا الكلام حتى بعد فرض توجيهه بهذا الوجه لا يخلو من إشكال وذلك لانّ الذي يصحّح استناد البيع إلى المالك ليس مجرّد الرضا المبرز بأي مبرز كان وانّما هو تصدّيه للإ براز، أمّا الإ براز الذي تمّت مبرزيته بسبب ضمّ علمنا الخارجي بأمر ولم يكن المالك قد قصد إ براز الرضا فلا أثر له فمثلاً لو وكّل زيداً في بيع عين من الأعيان المملوكة له وعلم زيد بالأولوية بانّه لو رضى ببيع هذه العين فهو راض ببيع العين الاُخرى التي يكون وجودها في ملكه أقل نفعاً له في حياته من العين الاُولى فباع العين الثانية فلا إشكال في انّ هذا بيع فضولي، ولو وكّل زيداً في بيع عين له فعلم عمرو برضاه بان يتصدّى هو للبيع لعدم وجود فارق في الفرض بين أن يكون متصدّي البيع زيداً أو عمراً فتصدّى عمرو للبيع فلا إشكال في انّ هذا بيع فضولي، وكذلك الحال في المقام فان المالك انّما تصدّى لإبراز رضاه بالإقالة ولم يقصد إبراز رضاه بالبيع بثمن أعلى وان علمنا بذلك بالأولوية.

 

259

وبالإمكان ان يعترض على الاستدلال بهذا الحديث بإشكالين آخرين:

الإشكال الأوّل ـ سنخ ما أوردناه على الاستدلال بحديث عروة البارقي من انّنا لو لم نفترض صحّة بيع الفضولي بالإجازة بمقتضى القاعدة وأردنا ان نثبت صحّته بهذا الحديث فهذا الحديث لا يدلّ على ذلك، إذ كما يحتمل فيه أن تكون صحّة البيع بلا اذن المالك نتيجة الإجازة المتأخّرة كذلك يحتمل فيه أن تكون صحّته نتيجة الرضا المقارن مطلقاً أو المبرَز بمثل المبرِز الذي قد يفترض في هذا الحديث وهو طلب الإقالة بوضيعة وإن كان هذا الإبراز لا يصحّح الاستناد إلى المالك ولا يكفي لتصحيح البيع على القاعدة.

الإشكال الثاني ـ إبراز احتمال آخر في هذا الحديث وهو احتمال انّ الإقالة بوضيعة انّما تكون باطلة لمَن يعلم بهذا الحكم، امّا من جهل به فالإقالة بوضيعة تكون صحيحة بالنسبة له أي انّ العلم بالحكم أخذ في موضوع ذلك الحكم بالمعنى المعقول الذي يفترض في مثل باب الجهر والإخفات والقصر والإتمام ولكن جعلت في الشريعة مجازاةٌ لهذا الذي أقام بوضيعة جهلاً بالحكم وهي: انّه لو باع العين بزيادة أرجع الزيادة إلى المشتري الأوّل، والشاهد على هذا الاحتمال قيد الجهل في الحديث حيث قال: فان جهل فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه ردّ على صاحبه الأوّل ما زاد، في حين انّه لو كان المقصود بطلان الإقالة وصيرورة البيع الجديد فضولياً فهذا لا يختص بما إذا فعل ذلك جهلاً بل يأتي حتى في ما إذا فعله عمداً ورغم العلم بالبطلان.

إلّا انّ هذا الشاهد غير صحيح بناء على عدم دلالة الشرط على كونه قيداً احترازياً إذا وجدت مناسبة عرفية ونكتة عقلائية لذكر الشرط غير الاحتراز والمناسبة العرفية في المقام هي انّه بعد أن فرض بطلان الإقالة بوضيعة وعدم

260

جوازها فمن المعقول ان يفترض ان صدور ذلك منه انّما يكون عن جهل وذلك لافتراض تدينه والتزامه بالشرع، فإذا بطل هذا الشاهد كان هذا الاحتمال خلاف إطلاق قوله: لا يصلح له أن يأخذه بوضيعة فان دخل العلم بالحكم في موضوع الحكم بالمعنى المعقول منفّي بالإطلاق إلّا إذا ثبت بدليل.

ومنها ـ ما عن محمّد بن اسماعيل بن بزيع بسند تام قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن امرأة ابتليت بشرب النبيذ فسكرت فزوّجت نفسها رجلاً في سكرها ثم أفاقت فانكرت ذلك ثم ظنّت انّه يلزمها ففزعت منه فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج أحلال هو لها أم التزويج فاسد لمكان السكر ولا سبيل للزوج عليها؟ فقال: إذا أقامت معه بعد ما أفاقت فهو رضا منها قلت: ويجوز ذلك التزويج عليها؟ فقال: نعم(1) فيقال: إنّ هذا التزويج وإن لم يكن فضولياً ولكنّه كالفضولي لانّ رضاها في حال السكر كلا رضا وقد حكم الإمام (عليه السلام) بصحّة العقد بالإجازة المتأخّرة فبناء على التعدّي من النكاح إلى سائر العقود يثبت نفوذ العقد الفضولي بشكل عام بالإجازة المتأخّرة.

ولكن بالإمكان أن يقال ـ بعد فرض انّ سكرها لم يكن بمستوى فقدان الشعور أو عدم تحقّق العقد منها بمعنى الكلمة وإلّا فلا يوجد عقد حتى يتم بالإجازة ـ: انّ هذا العقد صادر منها بالاختيار، غاية ما هناك انّها لم تكن قادرة على تمييز المصلحة من المفسدة فلأجل ذلك خيّرت بين الإمضاء والردّ ولا يمكن التعدّي إلى فرض فقدان أصل الرضا والاختيار، لاحتمال الفرق.

ومنها ـ ما ورد بسند تام عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله قال: سألت أبا


(1) الوسائل 14: 221، الباب 14 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد.

261

عبد الله (عليه السلام) عن السمسار يشتري بالأجر فيدفع إليه الورق ويشترط عليه انّك تأتي بما تشتري فما شئت أخذته وما شئت تركته فيذهب ويشتري ثم يأتي بالمتاع فيقول: خذ ما رضيت ودع ما كرهت قال: لا بأس(1) وورد نفس الحديث بسند تام عن أبي ولاد أيضاً عن أبي عبد الله (عليه السلام)(2).

ووجه الاستدلال بهذا الحديث ما ذكره الشيخ (رحمه الله) في المكاسب(3) من أنّ في السؤال الوارد في هذا الحديث عدّة احتمالات:

1 ـ أن يكون ما أعطاه للسمسار بعنوان القرض ليشتري به لنفسه أمتعة ويشتري بعد ذلك المقرض ما أحبّه من تلك الأمتعة، ولا ينافي ذلك توصيف السمسار بانّه يشتري بالأجر لإمكان حمله على بيان وصف السمسار باعتبار أصل حرفته وشغله بشكل عام لا بملاحظة هذه القضية الشخصية.

2 ـ أن يكون قد وكّله لشراء أمتعة مع جعل الخيار له على بائع الأمتعة فيختار ما يريد ويفسخ العقد في الباقي وبناءً على هذين الاحتمالين يكون الحديث أجنبياً عن بيع الفضولي.

3 ـ أن يكون اعطاؤه المال تمكيناً له من الشراء فضولة أو أمانةً وتطميناً له بوصول ثمن ما يشتريه إليه(4) فيشتري فضولة بالمال عدّة أمتعة ثم يختار ما يريده صاحب المال ويمضي العقد بالنسبة لما أراد ويردّ الباقي.


(1) و (2) الوسائل 12: 394، الباب 20 من أبواب أحكام العقود، الحديث 2.

(3) 1: 126، بحسب الطبعة المشتملة على تعليق الشهيدي.

(4) احتمال التطمين وارد في البلغة 2: 218، واحتمال التمكين من الشراء فضولة وارد في المحاضرات 2: 316، وكلاهما واردان في مصباح الفقاهة 4: 75، وعبارة الشيخ الأنصاري ساكتة عن ذلك فتحتمل كل هذه الاُمور.

262

وعلى هذا المعنى يكون الحديث راجعاً إلى بيع الفضولي، وبما انّ الإمام (عليه السلام)لم يستفصل في مقام الجواب عمّا هو مراد السائل من هذه المحتملات فمقتضى الإطلاق بملاك ترك الاستفصال صحّة الجواب على كل المحتملات، وهذا يعني صحّة بيع الفضولي الملحوق بالإجازة.

وذكر الشيخ (رحمه الله): انّه لم يثبت في مورد الحديث على الاحتمال الثالث وجود اذن في الشراء بالنحو الذي يرفع فضولية العقد. ولعلّ مقصوده (رحمه الله) بذلك هو انّه وإن كان لا إشكال في أنّ دفع المال إليه إذا كان لأجل التمكين من الشراء الفضولي فقد دلّ على الإذن في التصرّف لكنّه لم يكن ذلك إلّا إذناً في التصرّف المادّي من دفع المال إلى البائع، ولم يكن إذناً معاملياً كي يخرج العقد عن كونه فضولياً.

وأورد السيد الخوئي على هذا الاستدلال بإيرادين:

الأوّل ـ استظهار الاحتمال الثاني من المحتملات الثلاثة في الحديث وهو الشراء بالأجر لغلبته في وضع السمسارين(1) وأضاف في مصباح الفقاهة(2)احتمالاً آخر وصفه بانّه أيضاً لا بأس به ـ وهو احتمال نقله عن البلغة(3) ـ وهو وقوع مجرّد المساومة بين السمسار والبائع وإطلاق الشراء عليه إطلاق شائع أو مجاز بالمشارفة ويكون دفع الورق إلى السمسار لتطمينه ـ وهو على حدّ تعبير صاحب البلغة ـ كثير الوقوع سيّما مع الدلال والسمسار.


(1) راجع المحاضرات 2: 317.

(2) مصباح الفقاهة 4: 76.

(3) راجع البلغة 2: 219.

263

والثاني ـ إشكال بيّنه السيّد الخوئي وفي تعبير التقريرين(1) غموض في إفهام المقصود، وأنا هنا أختار تعبير المحاضرات ونصّه ما يلي: «لا يمكن التمسّك في المقام بترك الاستفصال لانّه لا يتم في القضية الشخصية إذ لعل الإمام علم بالحال من الخارج أو من نفس السؤال فأجاب عن حكمه».

أقول: إن كان مقصوده بهذا الكلام التفصيل بين ما إذا كان السؤال عن قضية شخصية أو عن قضية كلية فالإطلاق بملاك ترك الاستفصال انّما يكون له مجال في الثاني دون الأوّل، ورد عليه: (أوّلاً) انّنا لا نعرف نكتة لهذا التفصيل (وثانياً) انّ السؤال في مورد الحديث سؤال عن قضية كلية لا عن قضية شخصية.

وإن كان مقصوده بذلك انّ التمسّك بترك الاستفصال انّما يكون فيما إذا كان السؤال دالّاً على الجامع بين محتملات لا مجملاً بينها وفي ما نحن فيه يكون السؤال مجملاً بين عدّة محتملات لا جامعاً بينها، وعندئذ يكون الجواب مجملاً لاحتمال انّ الإمام (عليه السلام) فهم مقصود السائل بأي طريق من الطرق فأجابه وفق مقصوده، قلنا: إنّ هذا في الحقيقة ليس بياناً لمورد الاستدلال بالإطلاق بملاك ترك الاستفصال وانّما هذا يعني إنكار التمسّك بالإطلاق بهذا الملاك لدى إجمال السؤال، والتمسّك بأصالة التطابق بين الجواب والسؤال لدى إطلاق السؤال، فإذا كان السؤال ظاهراً في السؤال عن الجامع بين محتملات كان مقتضى أصالة التطابق بين الجواب والسؤال كون الجواب أيضاً ناظراً إلى الجامع، وعندئذ إذا احتملنا وجود قيد منفصل لذلك دفعناه بالإطلاق الحكمي لا بالإطلاق بملاك ترك الاستفصال.


(1) راجع المحاضرات 2: 317، ومصباح الفقاهة 4: 75 ـ 76.

264

والصحيح: انّ التمسّك بالإطلاق بملاك ترك الاستفصال في موارد إجمال السؤال غير تام، وأنّ إجمال السؤال يسري إلى الجواب، ولا يصحّ القول في مورد تردّد السؤال بين عدّة محتملات بان ترك الاستفصال عمّا هو المقصود منها دليل على صحّة الجواب على كل محتملات السؤال وإلّا لزم إغراء السائل بالجهل فيما إذا كان مقصوده غير الاحتمال الذي أجاب الإمام عليه، فانّه يردّ عليه ما نقلنا عن السيد الخوئي من انّه من المحتمل انّ الإمام (عليه السلام) فهم مقصود السائل ولو بقرينة خارجية فأجاب عليه ولا يمكن دفع القرينة المنفصلة لا بأصالة عدم القرينة ولا بالشهادة السكوتية للراوي، أمّا الأوّل فلانّنا لا نؤمن بأصالة عدم القرينة كأصل عقلائي مستقل وانّما نراها شعبة من شعب أصالة الظهور، وفيما نحن فيه لم ينعقد ظهور في نفسه، وأمّا الثاني فلانّه ليس على الراوي في نظر العرف نقل القرائن المنفصلة كي يكون سكوته عنها شهادة بعدمها.

نعم نحن نؤمن بالإطلاق بملاك ترك الاستفصال فيما إذا لم يكن السؤال مجملاً ولكن كانت هناك محتملات في مقارنات الواقعة المسؤول عنها فمثلاً لو انّ السائل قال: إنّي كنت صائماً فأكلت نسياناً للصوم فأجاب الإمام بصحّة الصوم من دون ان يستفصل عمّا إذا كان هذا الصوم صوم شهر رمضان وقضاءه أو صوماً آخر واجباً أو مستحباً، فمقتضى الإطلاق بملاك ترك الاستفصال هو عدم مضرية الأكل عن نسيان في كل هذه الفروض.

ولا يقال هنا: لعل الإمام (عليه السلام) فهم بقرينة خارجية كون صومه استحبابياً مثلاً أو صوم شهر رمضان مثلاً فلا يتم الإطلاق لجميع أقسام الصوم والسبب في ذلك هو انّ مقتضى أصالة التطابق بين الجواب والسؤال هو انّه لا يوجد عنصر دخيل في الجواب غير العناصر الموجودة في السؤال فلو كان هناك تفصيل في

265

الجواب لكان على الإمام (عليه السلام) ان يستفصل أو يفصّل، وإن شئت فلا تسمّ هذا بالإطلاق بملاك ترك الاستفصال، وسمِّه بمثل أصالة التطابق بين الجواب والسؤال في العناصر الدخيلة.

ولك أن تقول: إنّ أصالة التطابق بين الجواب والسؤال وتبعية الجواب للسؤال تجعل المراد من السؤال قرينة على المقصود من الجواب، فإذا كان السؤال مجملاً كان بكل محتمل من محتملاته صالحاً للقرينية على تطبيق الجواب وفق ذاك الاحتمال، واكتناف ما يصلح للقرينية يوجب الإجمال فالسؤال المجمل يوجب إجمال الجواب.

امّا إذا لم يكن السؤال مجملاً فلا يأتي هذا التقريب وتكون مقتضى أصالة تطابق الجواب للسؤال أنّ كل خصوصية ألغى السائل النظر إليها في سؤاله فهي ملغاة في الجواب فيتمّ في الجواب إطلاق بلحاظ تلك الخصوصيات.

والواقع انّ الإطلاق في هذا الفرض لا يرجع بروحه إلى نكتة الإطلاق بملاك ترك الاستفصال وانّما يرجع بروحه إلى نكتة الإطلاق الحكمي حيث يقال: إنّ إغفال السائل لتلك الخصوصيات البديلة ظاهر في عدم دخلها في سؤاله سنخ ان إغفال القيد ظاهر في عدم دخله في موضوع الحكم، وكذلك إغفال الإمام (عليه السلام)لتلك الخصوصيات ظاهر في عدم دخلها في الجواب.

ومنها ـ ما عن مسمع أبي سيار قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) انيّ كنت استودعت رجلاً مالاً فجحد فيه وحلف لي عليه ثم جاء بعد ذلك بسنين بالمال الذي كنت استودعته ايّاه فقال: هذا مالك فخذه وهذه أربعة آلاف درهم ربحتها في مالك فهي لك مع مالك واجعلني في حلّ فأخذت المال منه وأبيت ان آخذ الربح وأوقفت المال الذي كنت استودعته وأتيت حتى استطلع رأيك فما ترى؟

266

قال فقال خذ الربح واعطه النصف وأحلّه انّ هذا رجل تائب والله يحب التوابين(1)وسند الشيخ إلى هذا الحديث فيه الحسن بن عمارة عن أبيه ولم يثبت توثيقهما ولكن سند الصدوق إليه عبارة عن سنده إلى مسمع أبي سيار وهو ما يلي: الصدوق (رحمه الله) عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمّد عن ابان عن مسمع والمقصود بالقاسم بن محمّد هو الجوهري بقرينة رواية الحسين بن سعيد عنه وهو ثقة عندنا لرواية بعض الثلاثة عنه، وثِقة عند السيد الخوئي لوقوعه في أسانيد كامل الزيارات، ومسمع أيضاً ثقة لرواية بعض الثلاثة عنه، ولما ورد في الكشي عن محمّد بن مسعود قال سألت أبا الحسن علي بن الحسن بن فضال عن مسمع كردين أبي سيار فقال هو ابن مالك من أهل البصرة وكان ثقة. وذكر السيد الخوئي(2) انّ هذا التوثيق هو الموافق لأكثر النسخ ولكن نسخة العلاّمة وابن داود كانت خالية عنه ولذلك لم يذكراه، والمظنون قوياً صحّة ما في بقية النسخ إذ من البعيد جداً انّ سؤال محمّد ابن مسعود كان عن غير مسألة الوثاقة كي يكتفي ابن فضال في الجواب بانّه ابن مالك من أهل البصرة، فانّ مسمع كردين كان رجلاً معروفاً ويبعد من مثل محمّد ابن مسعود ان لا يطلع عليه فالسؤال لا محالة كان عن جهة الوثاقة وقد سأل محمّد بن مسعود علي بن فضال عن مثل ذلك كثيراً فأجابه ابن فضال ببيان الحال من الوثاقة وعدمها.

والسيد الخوئي يضيف إلى ما عرفته عن الكشي وجهاً آخر لتوثيق مسمع حسب مبناه وهو وروده في إسناد كامل الزيارات.


(1) الوسائل 13: 235، الباب 10 من أبواب الوديعة.

(2) في معجم رجال الحديث 18: 159.

267

وعلى أي حال فقد اتضح انّ ما في مصباح الفقاهة(1) من تضعيف هذاالحديث سنداً خطأ أو غفلة عن السند الثاني.

وأمّا من حيث الدلالة فقد ناقش في مصباح الفقاهة(2) فيها بانّ الاستدلال بها يتوقّف على وقوع المعاملة على عين الوديعة إمّا بنحو المعاطاة أو بالعقد اللفظي، ولكن لا قرينة في الرواية على ذلك.

أقول: كأنّ المقصود انّ من المحتمل ان الربح الذي أعطاه الغاصب إيّاه لم يكن لأجل كون الاتجار بعين ماله بل كان الاتجار بالكليّ في الذمّة وكان التطبيق في الأداء بمال الأمانة فالربح كان ملكاً للغاصب وإن فعل حراماً في تصرّفه في الأمانة ومن المتعارف التعبير عن ذلك بالربح في هذا المال فانّه تعبير عرفي يقال في ما إذا كان الأداء بهذا المال ولو كانت المعاملة بالكليّ في الذمّة فقوله: (هذه أربعة آلاف درهم ربحتها في مالك) ليس دليلاً على أنّ المبادلة كانت منصبّة على عين المال، وقوله: «فهي لك مع مالك» لم يثبت أن يكون إخباراً عن ملكيته لهذا الربح كي يكون ذلك شاهداً على كون التعامل بعين المال، فلعلّه إنشاء للتمليك حالاً بهدف استرضائه والتحلّل منه فكأنّه يقول: خذ منيّ هذا الربح استدراكاً لما صدر منيّ من الظلم بالنسبة لك واجعلني في حلّ، وبهذا البيان اتضح أيضاً انّه لا يردّ على ذلك الإشكال بانّه لو كان التعامل بالكليّ وكان الربح للغاصب فكيف أجاز الإمام عليه لهذا الشخص بتملّك الربح؟! وكيف علّل إرجاع نصف الربح إلى الغاصب بانّه تائب والله يحبّ التوابين؟! على أنّ هذا التعليل قد يكون تعليلاً لتحليله فقط، لا لإرجاع النصف إليه.


(1) و (2) مصباح الفقاهة 4: 77.