109

الشرطين ويكون الشرطان شرطين مستقلين في عرض واحد كما احتمله أو استظهره صاحب الجواهر، والأوّل أولى بدليل دخول فاء الجزاء على قوله: ﴿إن آنستم منهم رشدا﴾ولو كان الشرطان عرضيين لكن المناسب العطف بالواو بأن يقول: حتى إذا بلغوا النكاح وآنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم.

وعلى أيّة حال فإذا فرضنا انّ دفع المال إليهم مشروط بالبلوغ أو أنّ دفع المال بشرط الرشد مشروط بالبلوغ فقد ثبت المطلوب من الحجر على أموال الأطفال.

وأورد صاحب الجواهر (رحمه الله) على هذا التقريب إشكالاً وهو إبداء احتمال ان لا تكون إذا في المقام أداة ظرف وبالتالي لا تكون أداة شرط فيكون معنى الآية: ابتلوا اليتامى إلى حين بلوغهم وتكون حتى للغاية، وقد فرّع على هذا الابتلاء دفع المال إليهم متى ما ظهر رشدهم، وهذا يعني جواز دفع المال إليهم قبل البلوغ لدى ظهور الرشد، لأنّه ليس المفروض استمرار الابتلاء إلى حين البلوغ حتى مع ظهور الرشد في أوائل الأيّام وانّما الابتلاء يكون لمعرفة الرشد، فان عرف الرشد انقطع الابتلاء إذن فالآية تدلّ على عدم اشتراط البلوغ في دفع المال لا على اشتراطه.

وأجاب على ذلك بوجوه:

أوّلاً ـ انّ خروج إذا عن الظرفية ان سلّم وروده في لغة العرف فهو نادر جدّاً لا يحمل عليه التنزيل ومقصوده (رحمه الله) بهذا إمّا الإشارة إلى انّ حمل إذا هنا على هذا الاستعمال النادر بعد فرض صحّة هذا الاستعمال حمل على استعمال غير فصيح، أو الإشارة إلى انّه خلاف الظاهر.

وثانياً ـ انّ هذا يعني أنّ إيناس الرشد قبل البلوغ هو الشرط في دفع المال لانّ قوله: ﴿فإن آنستم منهم رشدا﴾ إشارة عندئذ إلى نفس الرشد المستفاد من

110

الابتلاء المذكور في صدر الآية، فلو بلغ واُونس منه الرشد بعد البلوغ لا قبله لا يدفع إليه المال وهذا واضح البطلان.

وثالثاً ـ انّنا لو أوّلنا الشرط في قوله: إن آنستم منهم رشداً على الرشد المستفاد من الابتلاء قبل البلوغ فأمّا إن يحمل على إيناس الرشد مطلقاً، أو على إيناسه بعد البلوغ، فإن حمل على إيناس الرشد مطلقاً كان معنى ذلك انّ إ يناس الرشد شرط في دفع المال حتى في البالغين، ولكن الابتلاء مغيّى بالبلوغ ومعنى ذلك انّ الصبي يجب اختباره حتى يدفع إليه المال لو ثبت رشده، وأمّا البالغ فلا يجب اختباره ولكن لو ثبت رشده ولو من دون اختبار وجب دفع المال إليه، وهذا يعني انّ البالغ أسوء حالاً من الصبي فيجوز إهماله وعدم اختباره إلى أن يظهر رشده بنفسه وإن طال الزمان وسهل الاختبار، وهو غير محتمل.

وإن حمل على إيناس الرشد بعد البلوغ فهذا أوّلاً لا يبطل الاستدلال بالآية لانّ هذا ينتج عندئذ أنّ دفع المال مشروط بإيناس الرشد بعد البلوغ فلا يجوز دفع مال اليتيم إليه قبل البلوغ وهو المطلوب.

وثانياً يرد عليه نفس ما شرحناه من انّه يلزم من ذلك جواز إهمال البالغ وعدم اختباره فما دام صغيراً يجب اختباره بأمل أن يدفع إليه المال في أوّل البلوغ، أمّا إذا بلغ ولم يختبر، أو لم يكن الاختبار الذي حصل قبل البلوغ كافياً، أو ثبت عدم رشده قبل البلوغ فبمجرّد البلوغ يجوز إهماله إلى أن يظهر الرشد بنفسه وهذا غير محتمل.

ثمّ أبدى (رحمه الله) احتمالاً آخر في الآية وهو: حمل (إذا) على الظرفية من دون أن تكون شرطاً، فهي ليست متعلّقة بما بعد (الفاء) وانّما هي متعلّقة بعامل محذوف تقديره مثلاً أن يقال: وابتلوا اليتامى حتى تنظروا إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم

111

رشداً فادفعوا إليهم أموالهم.

وكأنّه أبدى (رحمه الله) هذا الاحتمال في المقام لعلاج كل الإشكالات الثلاثة التي مضت: فالإشكال الأوّل وهو ندرة أو استبعاد خروج (إذا) عن الظرفية لا يرد هنا لانّنا لم نفرض خروجها عن الظرفية، وخروجها عن الشرطية ليس نادراً، وأمّا الإشكال الثاني والثالث وهما كون قوله ﴿فإن آنستم منهم رشداً﴾ متفرّعاً على الابتلاء قبل البلوغ، فإمّا أن يلزم منه عدم دفع المال إلى البالغ إن رشد بعد البلوغ، أو يلزم منه إهمال البالغ وعدم ابتلائه إلى أن يظهر رشده فأيضاً لا يردان في المقام لوضوح ان قوله فإن آنستم ـ إلى آخره ـ متفرّع عندئذ على تنظروا إذا بلغوا النكاح لا على ابتلوا اليتامى.

ولكنّه يقول (رحمه الله): إنّ هذا الاحتمال خلاف الظاهر لحاجته إلى التقدير على انّ هذا الاحتمال هو في صالح الاستدلال، وكأنّ نظره في كون هذا الاحتمال في صالح الاستدلال إلى ما أشرنا إليه من وضوح كون قوله فإن آنستم منهم رشداً ـ الى آخره ـ متفرعاً عندئذ على حتى تنظروا إذا بلغوا النكاح، إذن فالشرط في قوله: إن آنستم منهم رشداً يكون بمعنى إن آنستم منهم رشداً وهم بالغوا النكاح، وهذا يعني انّ البلوغ شرط في دفع أموالهم إليهم.

وهـذا الذي ذكرناه لا يفرّق فيه بين افتراض كلمة حتى عندئذ للغاية أو للتعليل.

بقي الكلام في الوجوه الثلاثة التي استدلّ بها على كون إذا في المقام للظرفية فنقول:

أمّا الوجه الأوّل وهو كون خروج إذا عن الظرفية إن صحّ نادراً لا يحمل عليه التنزيل فقد أجاب عليه السيّد الإمام (رحمه الله) بانّ ندرة استعمال (إذا) في غير

112

الظرفية ما لم تكن مخلّة بالفصاحة لا توجب عدم حمل التنزيل عليه وذلك لوجود قرينة توجب ظهور الكلام في إرادة هذا المعنى النادر وهو (حتى) الغائية فإنّ العرف يفهم من الآية انّ (حتى) للغاية ولا يستقيم ذلك إلّا بخروج (إذا) عن الظرفية وبهذا يثبت ظهور الآية في إرادة غير الظرفية.

أقول: إن سلّمت صحّة وفصاحة استعمال (إذا) في غير الظرف فلا شكّ في انّ ندرته توجب ظهور (إذا) في الظرفية فإن فرض لـ (حتّى) ظهور في الغائية أقوى من هذا الظهور ثبت ما قاله السيّد الإمام من ظهور الآية في غير الظرفية، لانّ ظهور (حتى) في الغاية غلب على ظهور (إذا) في الظرفية ولكن لا أدري انّ مقصوده (رحمه الله)هو ادّعاء ظهور (حتى) بشكل عام في الغاية مهما أمكن حملها على معنى الغاية أو انّ مقصوده هو ادّعاء ظهورها في الغاية في خصوص هذه الآية المباركة؟ فإن كان المقصود هو الثاني فهو بحاجة إلى فرض قرينة خلقت هذا الظهور ونحن لا نعرفها.

وإن كان المقصود هو الأوّل فنحن نسلّم ظهور (حتى) في الغاية إن كان ما يقابلها هو العطف لانّ العطف نادر ولكن لا نسلّم ظهورها في الغاية حينما يكون الاحتمال الآخر هو التعليل فانّ هذا الاستعمال أيضاً رائج في كلمة (حتى) كرواج استعمالها في الغاية.

وأمّا الوجه الثاني وهو انّه لو فرض خروج (إذا) عن معنى الظرفية وكون (حتى) للغاية إذن فقوله: إن آنستم منهم رشداً إشارة إلى نفس الرشد المستفاد بواسطة الابتلاء قبل البلوغ وهذا يعني انّه لو بلغ ثم اُونس منه الرشد لم يدفع إليه ماله وهذا واضح البطلان فقد يجاب عليه: بانّ الارتكاز العرفي ومناسبات الحكم والموضوع يوجبان التجاوز عن هذا الإشكال والتعدّي القطعي من إيناس الرشد

113

قبل البلوغ إلى إيناسه بعد البلوغ.

ولكن لا يخفى انّه لو فرض أحد يستظهر من الآية ان (حتى) للغاية وإن كلمة (إذا) خارجة عن الظرفية ويريد ان يصرّ على الالتزام بانّ مفاد الآية إذن هو انّه يشترط في دفع المال إلى صاحبه إيناس الرشد منه قبل البلوغ، ولا يكفي إيناسه بعد البلوغ.

ورد على هذا الشخص هذا الجواب الذي ذكرناه فيقال له: كيف تفسّر الآية بهكذا تفسير مع انّ التعدّي من إيناس الرشد قبل البلوغ إلى إيناسه بعد البلوغ قطعيّ بالارتكاز ومناسبات الحكم والموضوع.

ولكنّني لا أظنّ انّ مقصود صاحب الجواهر هو انّه لو كان يعتقد انّ (حتى) للغاية وإن كلمة (إذا) خرجت عن الظرفية لكان يعتقد بظهور الآية في اشتراط إ يناس الرشد قبل البلوغ وعدم كفاية إ يناسه بعد البلوغ.

ولعلّ مقصوده هو انّ كون مقتضى الحاقّ الاوّلي لمفاد الكلام على تقدير خروج (إذا) عن الظرفية هو اشتراط خصوص الإيناس قبل البلوغ منضماً إلى الارتكاز والمناسبة المانعين عن ذلك أوجب ظهور (إذا) في المقام في الظرفية.

وبكلمة اُخرى: إذا دار الأمر بين الأخذ بمفاد حاقّ اللفظ أو مفاد الارتكاز والمناسبات الخارج عن حاق اللفظ قدّم الثاني على الأوّل، لانّ المفاد الأصلي لحاق اللفظ ليس هو كلّ شيء، والارتكاز والمناسبات يغيّران الظهور اللفظي لكن إذا لم يدر الأمر بينهما وكان هناك وجه آخر للكلام يلتئم فيه مفاد حاقّ اللفظ مع الارتكاز والمناسبات، فالتضارب الموجود في المعنى الأوّل بين مفاد حاقّ اللفظ والارتكاز أو المناسبات يكون قرينة على ذلك الوجه الآخر أو المعنى الآخر للكلام.

114

وما نحن فيه من هذا القبيل فالتضارب الموجود بين الأمرين على معنى غائية (حتى) وخروج (إذا) عن الظرفية يشكل قرينة على كون (حتى) ابتدائية غير غائية وكون (إذا) ظرفية.

وأمّا الوجه الثالث وهو انّه لو فرض خروج (إذا) عن الظرفية وحمل (حتى) على الغاية وفرض انّ المقصود بإيناس الرشد مطلق إيناس الرشد أو خصوص ما بعد البلوغ فهذا يعني انّ إ يناس الرشد شرط في دفع المال بعد البلوغ ولكن الابتلاء قد انقطع بحصول الغاية وهو البلوغ ومعنى ذلك انّ اليتيم إذا بلغ سقط وجوب ابتلائه ويوكّل الأمر إلى حصول إيناس الرشد ولو صدفة وهو غير محتمل.

فقد أورد عليه السيّد الإمام (رحمه الله) بانّ الارتكاز العرفي والمناسبة يمنعان عن فهم سقوط وجوب الابتلاء بالبلوغ إذا لم يظهر الرشد قبل البلوغ وبهذا يسقط مفهوم الغاية في المقام بل لا مفهوم للغاية في المقام من أساسها لانّ الآية ليست بصدد بيان حدود الابتلاء بحسب الغاية وانّما هي بصدد بيان حدوده بحسب الابتداء، فذكر البلوغ جاء لتوضيح انّه لا بدّ أن يبتدأ بالاختبار من زمان بحيث يضمن عادة ظهور الحال إلى زمان البلوغ كي لا يتأخّر تسليم المال إليه من أوّل البلوغ إن كان رشيداً، أمّا لو لم يظهر الحال إلى أوّل البلوغ لأيّ سبب من الأسباب أو لم يكن رشيداً فالابتلاء لا ينقطع وذلك بحكم الارتكاز ومناسبات الحكم والموضوع.

أمّا لو أغفلنا الاستفادة من هذا الارتكاز والمناسبة فالإشكال الذي ذكره صاحب الجواهر وهو لزوم عدم وجوب الابتلاء وجواز الإهمال بعد البلوغ مشترك الورود بينما لو حملنا (حتى) على الغاية وإذا على غير الظرف أو حملنا (حتى) على الابتداء والتعليل و (إذا) على الظرفية والشرطية فـ (حتى) على

115

الثاني نقول: إنّ الابتلاء في الآية مختص باليتيم، لانّه الموضوع الذي أخذ في الحكم به، وقوله إذا بلغوا النكاح ـ إلى آخره ـ لو فرض كونه جملة شرطية على ما رامه، لكن لا شبهة في عدم انقطاعه عن الجملة السابقة وتفرّعه عليها فأيضاً يكون ما يتفرّع عليه الحكم هو الابتلاء قبل البلوغ والآية ساكتة عن الابتلاء بعد البلوغ فلا يجب.

ويمكن الجواب على هذا الإشكال الأخير بان فرض سكوت الآية عن الابتلاء بعد البلوغ شيء، وفرض اقتضائها لسقوط حكم الابتلاء بمفهوم الغاية شيء آخر، فمجرّد فرض السكوت لا يجعل مفاد حاقّ اللفظ في مقابل عدم احتمال انتهاء حكم الابتلاء بالبلوغ عند عدم ظهور الرشد، لكن فرض كون (حتى) للغاية يجعل حاقّ اللفظ في مقابل ذلك.

أمّا عدم دلالة الغاية هنا على المفهوم لعدم كونه بصدد البيان إلّا بلحاظ الابتداء دون الانتهاء فلو سلّم فانّما يسلّم بلحاظ نفي سنخ الحكم بناء على كونه مستفاداً من الإطلاق، ولا يسلّم بلحاظ نفي شخص الحكم الذي هو بظهور وضعي لا بالإطلاق فلا يتقوّم بمقدمة كون المولى في مقام البيان وقد مضت الإشارة آنفاً إلى انّ نفي الشخص هنا يساوق نفي السنخ لعدم احتمال وجود شخصين للحكم عرفاً وعقلائياً ففرق بين مجرّد افتراض انّ اليتيم جعل موضوعاً للابتلاء فقيل: ابتلوا اليتامى وبين الإتيان بأداة الغاية بأن يقال مثلاً: ابتلوا اليتامى إلى البلوغ ففي الفرض الأوّل يأتي احتمال انّ اليتيم ليس هو الموضوع حتى لشخص الحكم بل الموضوع يشمل البالغ الذي لم يثبت رشده أيضاً وانّما الذي صحّح عرفاً ذكر قيد اليتيم في المقام هو انّ توهّم رافعية الحجر المطلق لوجوب الابتلاء مختص باليتيم، ولا يأتي في البالغ فلعلّ الآية كانت بصدد بيان انّ اليتيم رغم ثبوت الحجر

116

عليه حتى على تقدير الرشد لا بدّ من اختباره حذراً من تأخّر دفع المال إليه عن أوّل البلوغ لو كان رشيداً.

أمّا في الفرض الثاني فالإتيان بأداة الغاية ظاهر لا محالة في كون البلوغ غاية ـ على الأقل ـ لشخص الحكم.

على انّ دعوى كون الآية بصدد بيان ابتداء الحكم فحسب دون انتهائه لا قرينة عليها، فانّ مقصود المتكلّم لو كان هو تحديد الابتداء فحسب دون الانتهاء كان ا لمناسب ان لا يذكر حرف الانتهاء ويقول مثلاً: وابتلوا اليتامى فإن آنستم منهم رشداً وقد بلغوا النكاح فادفعوا إليهم أموالهم.

وأمّا الإشكال الأوّل وهو انّ الارتكاز والمناسبة يمنعان عن تخصيص حكم الابتلاء بما قبل البلوغ، فجوابه يظهر ممّا تقدّم فمن المحتمل أن يكون مقصود صاحب الجواهر انّ مناقضة الارتكاز والمناسبة لمفاد حاقّ اللفظ على أحد الوجهين تكون قرينة عرفاً للوجه الثاني وهو كون (حتى) للابتداء و (إذا) للظرفية نعم لو انحصر الأمر بالوجه الأوّل وهو كون (حتى) للغاية و (إذا) لغير الظرف تجاوزنا ما يفهم من حاقّ اللفظ ببركة الارتكاز والمناسبة المؤثرين على ظهور الألفاظ.

وقد تحصل بكل ما ذكرناه انّ الاستظهار الذي ذهب إليه صاحب الجواهر (رحمه الله) من كون (حتى) للابتداء و (إذا) للظرف والشرط لا بأس به في المقام وانّ الوجوه التي استشهد بها على ظرفية (إذا) قابلة للقبول.

نعم هناك نكتة بلحاظ الوجه الثالث وهو انّنا لو بنينا على انّ المقصود بإيناس الرشد هو مطلق إيناس الرشد أو خصوص ما بعد البلوغ كما هو مبنى الوجه الثالث دون خصوص ما قبل البلوغ فهنا لا ثمرة لفرض كون (إذا) ظرفية

117

وعدمه، وفرض كون (حتى) للابتداء أو للغاية فإنّ فرض شمول إيناس الرشد لمابعد البلوغ قرينة عرفاً على كون قوله ان آنستم منهم رشداً فادفعوا ـ إلى آخره ـ تفريع على المغيّى والغاية أي الابتلاء والبلوغ لا على الابتلاء فحسب وبناء على هذا يتمّ الاستدلال بالآية على تقدير الحمل على الغائية فلا تبقى ثمرة بين الفرضين.

وقد تحصل حتى الآن ان هناك مسلكين لاستفادة المقصود من الآية:

أحدهما: حمل (حتى) على الغاية مع افتراض انّ المغيّى وهو الابتلاء مشرب بمعنى الحجر عن التصرّف حتى مع الرشد أو قل افتراض كون قوله فإن آنستم ـ إلى آخره ـ تفريعاً على المغيّى والغاية لا على المغيّى، فحسب، فعندئذ يستفاد استمرار الحجر إلى البلوغ.

والثاني حمل حتى على الابتداء والتعليل وافتراض ان (إذا) للشرط فيستفاد بمفهوم الشرط الحجر على غير البالغ.

وقد يقال: إنّ المسلك الثاني يتوقّف على الإيمان بمفهوم الشرط حتى في مثل كلمة إذا كما هو مختار صاحب الجواهر (رحمه الله)، فبناء على ما اخترناه في علم الاُصول من إنكار مفهوم الشرط مطلقاً أو على التفصيل بين المتمحّض في الشرطية كـ (إن) فيتم فيه المفهوم والأسماء كـ (إذا) فلا يتم فيها يبطل المسلك الثاني، وإذا ضممنا ذلك إلى استظهار كون (حتى) للابتداء لا للغاية وكون (إذا) للظرف والشرط بطل الاستدلال بالآية على المقصود.

ولكن الواقع انّ إنكارنا لمفهوم الشرط بشكل عام في علم الاُصول لا يضر بالاستدلال في المقام، فانّنا لئن لم نقبل دلالة الشرط على انتفاء سنخ الحكم بانتفائه فلا إشكال في دلالته على انتفاء شخص الحكم بانتفائه فإذا ضممنا ذلك إلى ارتكازية انّ وجوب دفع المال إلى صاحبه الرشيد بعد البلوغ مع وجوبه قبل

118

البلوغ لو قلنا به ليسا بجعلين، وانّما هما بجعل واحد فانتفاء شخص الحكم يلازم انتفاء سنخ الحكم في المقام وبه يثبت المطلوب.

هذا. ولعلّك اقتنصت من كل البحث في المقام انّنا نؤمن أوّلاً بما أفاده صاحب الجواهر (رحمه الله) من كون إذا في المقام أداة ظرف وشرط وحتى للابتداء وبتمامية دلالة الآية على المقصود عن هذا الطريق.

وثانياً بانّه لو تنزلّنا عن ذلك وحملنا حتى على الغاية وإذا على غير الظرف والشرط فأيضاً تتم دلالة الآية على المقصود لانّنا نستظهر على هذا الفرض كون قوله: فإن آنستم ـ الى آخره ـ تفريعاً على المغيّى والغاية معاً وهذا يوجب إشراب المغيّى بمعنى الحجر الثابت حتى مع الرشد فيكون هذا الحجر مستمراً إلى زمان حصول الغاية وهي البلوغ.

بقي في الآية احتمال آخر وهو أن يقصد بالابتلاء اختبار البلوغ أي الفحص عنه لا الرشد وعندئذ فتكون الآية ظاهرة جداً في كون (حتى) للابتداء و (إذا) للظرف إذ لا معنى لكون البلوغ غاية للابتلاء بهذا المعنى كما نبّه عليه السيّد الإمام (رحمه الله)(1)، وانّما الذي يعقل أن يكون غاية له هو تبين البلوغ والعلم به.

وعلى هذا الاحتمال تكون دلالة الآية على شرط البلوغ أوضح لانّها امرت باختبار البلوغ كي يدفع إليهم المال إن كانوا بالغين.

إلّا انّ هذا الاحتمال خلاف الظاهر جداً فانّ ما يترقّب تحقيقه للكشف عن البلوغ انّما هو الفحص لا الابتلاء بمعنى الاختبار والتعبير عن ذلك بالابتلاء أو الاختبار تعبير مسامحي.

 


(1) في كتاب البيع 2: 11 ـ 12.

119

وعلى أيّة حال فقد تحصلت من كل ما ذكرناه تمامية دلالة الآية على المقصود.

أمّا إذا لم يقتنع أحد بكل ذلك وافترض الإجمال في الآية ولم يفده أيضاً ما قد يقال من إجماع الإمامية باستثناء النادر على شرط البلوغ، وذلك بدعوى احتمال مدركيّته، فأمامَنا باب آخر نستطيع سلوكه لإثبات المقصود من شرط البلوغ وهو التمسّك بالروايات في المقام، ولعلّ عمدتها في المقام ما يلي:

دلالة السنّة على اشتراط البلوغ:

1 ـ ما عن حمران قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) قلت له: متى يجب على الغلام أن يؤخذ بالحدود التامة ويقام عليه ويؤخذ بها؟ قال إذا خرج عنه اليتم وأدرك قلت: فلذلك حد يعرف به؟ فقال: إذا احتلم أو بلغ خمس عشرة سنة أو أشعر أو انبت قبل ذلك اقيمت عليه الحدود التامّة وأخذ بها وأخذت له قلت: فالجارية متى تجب عليها الحدود التامّة وتؤخذ بها ويؤخذ لها؟ قال: إنّ الجارية ليست مثل الغلام انّ الجارية إذا تزوّجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع إليها مالها وجاز أمرها في الشراء والبيع واقيمت عليها الحدود التامّة وأخذ لها وبها قال: والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمسة عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك(1) وسند الحديث ضعيف بعبد العزيز العبدي.

ويبدو من هذا الحديث انّ بلوغ سن اليتيمة إلى تسع سنين غير كاف لانتهاء اليتم وحصول سنّ التكليف إلّا إذا تزوّجت ودخل بها والبحث عن ذلك وإن كان


(1) الوسائل 1: 30، الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 2.

120

خارجاً عن عهدة هذا المقام، لانّنا لسنا بصدد بحث البلوغ وعلائمه ولكن لا بأس باستطراد بحث السنّ فحسب كي نرى هل من الصحيح هذا الفاصل الكبير بين البنت والغلام في البلوغ السنّي أو لا؟ وهذا الحديث الذي ربط بلوغ البنت التي اتت عليها تسع سنين بالزواج وإن كان ضعيفاً سنداً ولكن يوجد ما يشابهه وهو تام سنداً وهو ما رواه العيص بن القاسم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن اليتيمة متى يدفع إليها مالها؟ قال: إذا علمت انّها لا تفسد ولا تضيّع فسألته إن كانت قد تزوّجت فقال: إذا تزوّجت فقد انقطع ملك الوصي عنها(1).

ولو حمل التزويج هنا على الدخول طابقت هذه الرواية الرواية السابقة.

وتؤيّد هاتين الروايتين رواية يزيد الكناسي في أحد نقليها وهو النقل الذي نقله الشيخ الطوسي (رحمه الله) فقط دون الكليني وهو وارد ضمن حديث مفصّل يقول فيه: قلت: أفتقام عليها الحدود وتؤخذ بها وهي في تلك الحال وانّما لها تسع سنين ولم تدرك مدرك النساء في الحيض؟ قال: نعم إذا دخلت على زوجها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع إليها مالها واقيمت الحدود التامّة عليها ولها...(2)فان فرض قوله: «دخلت على زوجها» كناية عن الدخول بها طابقت الرواية الرواية الاُولى.

ولعل هذه الروايات تشير إلى أحد أمرين:

إمّا إلى كون زواجها أمارة ولو نوعاً على انّها ادركت ونضجت وفي غير هذه الحال كان المترقّب ان لا تتزوج.


(1) الوسائل 13: 432، الباب 45 من أبواب كتاب الوصايا، الحديث 1.

(2) الوسائل 14: 209، الباب 6 من عقد النكاح، الحديث 9.

121

وإمّا إلى افتراض انّ نفس زواجها والدخول بها له أثر في الإسراع بدركها ونضجها.

وتؤيّد هذه الروايات أيضاً رواية جعلت الحدّ السنّي للبلوغ في البنت ثلاث عشرة سنة وهي موثقة عمّار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ قال: إذا اتى عليه ثلاث عشرة سنة فان احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم والجارية مثل ذلك إن أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة وجرى عليها القلم(1)فبضم هذا الحديث إلى الأحاديث السابقة يستفاد انّ البنت تبلغ إذا أتى لها ثلاثة عشرة سنة إلّا إذا حاضت قبل ذلك أو تزوّجت ولم يكن عمرها أقل من تسع سنين وهذه الرواية تخالف المشهور أيضاً في تعيين سنّ بلوغ الغلام.

وممّا يؤيّد أيضاً عدم بلوغ البنت بمجرّد وصول سنّها إلى تسع سنين ما عن عبد الرحمان بن الحجّاج قال: سألت أبا ابراهيم (عليه السلام) عن الجارية التي لم تدرك متى ينبغي لها ان تغطّي رأسها ممّن ليس بينها وبينه محرم؟ ومتى يجب عليها ان تقنّع رأسها للصلاة؟ قال: لا تغطّي رأسها حتى تحرم عليها الصلاة(2) بناء على الملازمة بين تغطية الرأس وباقي التكاليف ولا يقبل الحديث التقييد بما قبل تسع سنين لانّ البنت لا تحيض قبل تسع سنين ولا التقييد بمَن شكّت في مبلغ عمرها فلا تدري هل أكملت التسع سنين أو لا ثم حاضت فنجعل الحيض علامة على إكمال التسع سنين فانّ هذا تقييد بفرض نادر.


(1) الوسائل 1: 32، الباب 4 من مقدمة العبادات، الحديث 12.

(2) الوسائل 14: 169، الباب 126 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 2.

122

وبهذا ظهر وجه الاستدلال بكل رواية علّقت بعض التكاليف في البنت على الحيض من قبيل ما ورد بسند تام عن اسحاق بن عمّار قال سألت أبا الحسن (عليه السلام)عن ابن عشر سنين يحج قال عليه حجّة الإسلام إذا احتلم وكذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت(1) بل لعلّ هذا الحديث صريح في عدم كفاية إكماله تسع سنين في بلوغ البنت لانّ سؤال السائل كان عن ابن عشر سنين والإمام (عليه السلام) عطف عليه في الجواب الجارية وهذا يعني الجارية بنت عشر سنين.

وفي مقابل هذه الروايات روايات تدلّ على كفاية بلوغها تسع سنين من دون شرط الزواج في جري قلم التكليف عليها وهي ما يلي:

1 ـ موثّقة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة وكتبت عليه السيئة وعوقب وإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك وذلك انّها تحيض لتسع سنين(2). وفي السند آدم بيّاع اللؤلؤ وبناء على اتحاده مع آدم بن المتوكّل أبي الحسين بياع اللؤلؤ فهو ثقة لشهادة النجاشي بتوثيقه.

إلّا انّ صدر الحديث مشتمل بظاهره على ما لا يفتي به مشهور الأصحاب من كون سن البلوغ للغلام ثلاث عشرة سنة.

2 ـ ما عن الحسن بن راشد عن العسكري (عليه السلام)قال: إذا بلغ الغلام ثمان سنين فجائز أمره في ماله وقد وجب عليه الفرائض والحدود وإذا تمّ للجارية تسع فكذلك.


(1) الوسائل 8: 30، الباب 12 من أبواب وجوب الحج، الحديث 1.

(2) الوسائل 13: 431، الباب 44 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث 12.

123

هذا على ما ورد في الجواهر الطبعة الحديثة(1) أمّا على ما ورد في الوسائل الطبعة الحديثة(2) وكذلك في التهذيب الطبعة الحديثة(3) فالمتن هكذا... وإذا تمّ للجارية سبع سنين فكذلك. وعندئذ يكون متروكاً قطعاً كما هو الحال بالنسبة لتحديده ثمان سنين لبلوغ الغلام، وامّا سنده ففيه العبدي على ما ورد في الوسائل الطبعة الحديثة، وكذلك التهذيب الطبعة الحديثة.

ولكن الظاهر انّ الصحيح هو العبيدي كما نقله السيّد الخوئي(4) عن بعض نسخ التهذيب وهو محمّد بن عيسى بن عبيد فبناء على موثوقيته يكون السند تامّاً.

3 ـ مرسلة الفقيه قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا بلغت الجارية تسع سنين دفع إليها مالها وجاز أمرها في مالها واقيمت الحدود التامّة لها وعليها(5). ولعلّ نقل الصدوق (رحمه الله) لهذا الحديث عن الصادق (عليه السلام) إشارة إلى ما يأتي من حديث يزيد الكناسي.

4 ـ رواية يزيد الكناسي في نقلها الآخر غير النقل الذي مضى وهو ما نقله الكليني والشيخ معاً عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم وزوّجت واقيمت عليها الحدود التامّة لها وعليها...(6).


(1) الجواهر 26: 37.

(2) الوسائل 13: 322، الباب 15 من أبواب الوقوف والصدقات، الحديث 4.

(3) التهذيب 9: 183، الحديث 736.

(4) في تفصيل طبقات الرواة الملحق بمعجم الرجال 4: 511، حسب الطبعة الثالثة.

(5) الوسائل 13: 433، الباب 45 من أبواب الوصايا، الحديث 4.

(6) الوسائل 18: 314، الباب 6 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1 و 1: 31، الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 3.

124

وسند الحديث تام بناء على فرض يزيد أبي خالد الكناسي متحداً مع يزيد أبي خالد القماط الكوفي الثقة، كما يشهد لذلك كون كناسة محلّة بالكوفة وأنّ الشيخ اقتصر في رجاله على ذكر يزيد أبي خالد الكناسي ولم يذكر يزيد أبا خالد القماط، مع انّه اعترف ضمن ترجمة (كنكر) بانّ أبا خالد القماط له كتاب.

إلّا انّ البرقي ذكر أبا خالد الكناسي ويزيد أبا خالد القماط كلاً من العنوانين في أصحاب الصادق (عليه السلام) ممّا يشعر بالتعدّد.

وعلى أيّة حال فلو تمّ سند الحديث في المقام فمتنه مضطرب بين النقلين اللّذين عرفتهما والظاهر انّهما حديث واحد كما تشهد له وحدة السند ووحدة الإمام المنقول عنه ووحدة المضمون باستثناء شرط الزواج.

5 ـ ما ورد في الخصال للشيخ الصدوق (رحمه الله) عن أبيه عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: حدّ بلوغ المرأة تسع سنين(1).

ويمكن تفسيره في مقام الجمع بينه وبين ما دلّ على اشتراط البلوغ لدى تسع سنين بالزواج بمعنى بيان الحدّ الذي لا يمكن ان تبلغ المرأة من حيث السنّ قبله فهذا لا ينافي اشتراطه بالزواج.

وإذا استحكم التعارض بين الطائفتين ووصلت النوبة إلى الترجيح فقد ترجّح الطائفة الثانية على الطائفة الاُولى، لاقتراب الطائفة الاُولى إلى فتاوى العامّة وابتعاد الثانية عنها، إذ يبدو انّ العامّة لا يفتون بالبلوغ في البنت باكتمال التسع سنين، بل يتراوح سنّ البلوغ في البنت في آرائهم بين الخمس عشرة سنة


(1) الوسائل 14: 72، الباب 45 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 10.

125

إلى سبع أو تسع عشرة سنة(1). وبعضهم ينكر تعلّق البلوغ بالسن في الغلمان والبنات، في حين انّه يوجد لدى الإمامية الإجماع أو ما يشبه الإجماع على انّ البلوغ السنّي في البنت يكون باكتمال التسع سنين.

وقد ترجّح الطائفة الاُولى على الثانية بموافقة الكتاب التي يكون الترجيح بها قبل الترجيح بمخالفة العامّة، ففي الكتاب آيتان قد تشهدان بالإطلاق على انّ المقياس هو بلوغ النكاح أو الحلم والبنت البالغ عمرها تسع سنين ليست غالباً مدركة للإحساس الجنسي ولا بالغة للحلم:

الاُولى ـ قوله تعالى: ﴿وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح...﴾(2).

والثانية ـ قوله تعالى: ﴿يا أيّها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت ايمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم...﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليسأذنوا...﴾(3) ولا يصدق غالباً على البنت البالغ عمرها تسع سنين انّها بلغت الحلم أو بلغت النكاح إلّا إذا تزوّجت ودخل بها فعندئذ يصدق ذلك إمّا حقيقة أو بمسامحة مقبولة.

ولكنّني احتمل انّ الحالم يطلق على الرجل ولا يطلق على المرأة فإن صحّ ذلك فالآية الثانية اجنبية عن المقام.

وقد يشهد لاختصاص الآية بالغلمان ما عن زرارة بسند فيه أبو جميلة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تبارك وتعالى ﴿الذين ملكت ايمانكم﴾ قال: هي


(1) راجع الخلاف للشيخ الطوسي 2: 120، وفقه السنّة 3: 576 ـ 577.

(2) النساء: 6.

(3) النور: 58 ـ 59.

126

خاصّة في الرجال دون النساء قلت: فالنساء يستأذن في هذه الثلاث ساعات؟ قال: لا ولكن يدخلن ويخرجن...(1).

إلّا انّ هذا راجع إلى ما ملكت الايمان ولا علاقة له بالأولاد، واحتمال الفرق وارد، ولذا ترى انّ الاذن في ما ملكت الايمان خص بالأوقات الثلاثة، في حين انّ الأطفال الذين بلغوا الحلم امروا بالاذن في كل زمان.

على انّ في حديث آخر(2) تام السند عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله (عليه السلام)عمّم المملوكين للرجال والنساء(3).

هذا وقد يقال: إنّ هذه الآية ليست دليلاً أصلاً على كون بلوغ الحلم مقياساً للتكليف، فلعلّ هذا مقياس للاستئذان باعتبار انّ بلوغ الحلم هو الذي تثبت به الشهوة فهو المناسب للاستئذان وانْ فرض بلوغه سن التكليف قبل ذلك من دون شهوة.

وأمّا الآية الاُولى فافتراض موافقتها للطائفة الاُولى يبتني على تفسير بلوغ


(1) الوسائل 14: 160، الباب 121 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 4.

(2) الوسائل 14: 160، الباب 121 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 2.

(3) لا يخفى انّ حديث فضيل بن يسار صريح في اختصاص الآية بالغلمان حيث ورد فيه... قال هم المملوكون من الرّجال والنساء والصبيان الذين لم يبلغوا الحلم يستأذنون عليكم عند هذه الثلاث عورات من بعد صلاة العشاء وهي العتمة وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة وقبل صلاة الفجر ويدخل مملوككم وغلمانكم من بعد هذه الثلاث عورات بغير إذن ان شاؤوا فان كلمة: «وغلمانكم» صريحة فيما قلناه بل قد يحتمل ان يكون الصبيان أيضاً مخصوصاً بالذكور كالفتيان والغلمان أي انّه ملحق بالجوامد لا بالمشتقات فلا يستعمل للجامع بين المذكر والمؤنث.

127

النكاح بما يطابق بلوغ الحلم ولكن بالإمكان أن يقال: إنّ بلوغ النكاح في الغلام يطابق بلوغ الحلم، وليس كذلك في البنت لانّ بلوغ النكاح في الغلام يعني قابليته لأن يَنكح (بالصيغة المبنية للفاعل)، وهذا يطابق بلوغ الحلم وفي البنت يعني قابليتها لأن تُنكح (بالصيغة المبنية للمفعول) وهذا يطابق بلوغها حوالي تسع سنين. وقد حدّد في ضرورة من الفقه مدعمة بالروايات الكثيرة(1) بخصوص التسع.

إذن فالترجيح بموافقة الكتاب يكون في صالح الطائفة الثانية.

ولا يقال: إنّ هناك آية قرآنية اُخرى تؤيّد بإطلاقها الطائفة الاُولى وهي قوله تعالى: ﴿ولا تقربوا مال اليتيم إلّا بالتي هي أحسن حتى يبلغ اشدّه﴾(2)بدعوى انّ بلوغ الأشد يعني بلوغ الحلم.

فانّه يقال: إنّ كون بلوغ الأشد بمعنى بلوغ الحلم في المقام غير معلوم، وانّما معنى بلوغ الأشد اكتمال القوى، ولعلّ المقصود به في المقام بلوغ حدّ التكليف زائداً الرشد من دون أن يكون ناظراً إلى بيان ما هو حدّ التكليف.

أمّا الاستعانة بما ورد في بعض الروايات من تفسير الأشد في هذه الآية بالاحتلام فخروج عن الترجيح بالكتاب.

على انّ الاحتلام ينصرف إلى الغلمان، لانّ النص بصدد إعطاء المقياس والمقياس لا يناسب فرض الندرة، والاحتلام إن كان في النساء فنادر.

ولو فرضنا: انّ هذه الآية تؤيّد الطائفة الاُولى، والآية الاُولى تؤيّد الطائفة


(1) راجع الوسائل 14: 70 ـ 72، الباب 45 من أبواب مقدّمات النكاح.

(2) الأنعام: 152، والإسراء: 34.

128

الثانية إذن لا بدّ من مراجعة المرجح الثاني وهي مخالفة العامّة وهي في صالح الطائفة الثانية.

ثمّ انّ إجماع الإمامية على كون سنّ التكليف في البنت عبارة عن تسع سنين وإن كان يناقش فيه بمدركيته، أو احتمال مدركيته ولكن قد يقال: إنّ اختلاف الروايات في الحكم بشكل متكافىء تقريباً يؤدّي بنا إلى الاطمئنان بانّ هذا الإجماع لم يكن مستنداً إلى الروايات محضاً، بل إمّا كان على أساس الترجيح بموافقة الكتاب أو مخالفة العامّة، وهذا يؤيّد الطريق الذي سلكناه أو كان على أساس تلقّي الحكم جيلاً بعد جيل من الأئمة (عليهم السلام) وهذا يعني كون الإجماع تعبّديّاً.

ولنعد الآن إلى روايات شرط البلوغ في انتهاء الحجر:

2 ـ ما ورد في الخصال عن أبيه عن سعد عن أحمد بن محمّد عن ابن أبي نصر عن أبي الحسين الخادم بياع اللؤلؤ عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأله أبي وأنا حاضر عن اليتيم متى يجوز أمره؟ قال حتى يبلغ اشدّه قال: وما أشدّه؟ قال احتلامه قال: قلت قد يكون الغلام ابن ثمان عشرة سنة أو أقل أو أكثر ولم يحتلم قال: إذا بلغ وكتب عليه الشيء جاز عليه أمره إلّا أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً(1).

والراوي المباشر على ما ورد في الوسائل الطبعة الحديثة هو أبو الحسين الخادم بياع اللؤلؤ، ولكن ما ورد في كتاب الخصال الواصل إلينا هو نقل أبي الحسين الخادم الحديث بواسطة عبد الله بن سنان، واظنّ انّ هذا هو الصحيح كي يطابق ما مضى من موثقة عبد الله بن سنان المروية عن عبد الله بن سنان بواسطة


(1) الوسائل 13: 143، الباب 2 من أبواب الحجر، الحديث 5.

129

آدم بياع اللؤلؤ، وكي يطابق أيضاً ما رواه الشيخ بسند له عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأله أبي وأنا حاضر عن قول الله عزّ وجل ﴿حتى إذا بلغ(1)اشدّه﴾ قال: الاحتلام قال فقال: يحتلم في ست عشرة وسبع عشرة ونحوها فقال: لا إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنات وكتبت عليه السيئآت وجاز أمره إلّا أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً قال: وما الضعيف؟ قال: الأبله(2).

فمن البعيد افتراض انّه تارة كان عبد الله بن سنان بخدمة الإمام وأبوه أيضاً بخدمته فسأل أبوه الإمام عن هذه المسألة وهو حاضر واُخرى حدث لآدم بياع اللؤلؤ نفس الحادث.

وعلى أيّة حال فوجود عبد الله بن سنان وعدمه لا يؤثر شيئاً في الحساب لأنّه ثقة، وانّما الكلام في أبي الحسين الخادم بياع اللؤلؤ فإن كان هو آدم بن المتوكّل فهو ثقة وهذا هو المفهوم من قول النجاشي: آدم بن المتوكّل أبو الحسين بياع اللؤلؤ كوفي ثقة روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) ذكره أصحاب الرجال له أصل... ولكن يظهر من الشيخ الطوسي التعدد حيث ذكر في الفهرست تارَة آدم بياع اللؤلؤ وقال: كوفي له كتاب...، واُخرى آدم بن المتوكّل وقال: له كتاب...، وثالثة آدم


(1) هكذا في نسخة الوسائل الحديثة والظاهر انّ هذا غلط وانّ الصحيح هو التعبير الوارد في الحديث الأوّل المنقول عن الخصال من قوله: ﴿حتى يبلغ أشدّه﴾ فانّ هذه الآية* هي الآية المرتبطة بما نحن فيه دون آية ﴿حتى إذا بلغ اشدّه﴾**.


(*) الأنعام: 152.

(**) الأحقاف: 15.

(2) الوسائل 13: 430، الباب 44 من أبواب الوصايا، الحديث 8.

130

بن المتوكّل بن الحسين (ولعلّ الصحيح أبو الحسين) وقال: روى عن الصادق (عليه السلام)وهذا الثالث تكرار للثاني حتماً. وأمّا في رجاله فلم يذكر إلّا اسماً واحداً وهو آدم بياع اللؤلؤ الكوفي ذكره في أصحاب الصادق 7، والظاهر انّ احتمال الوحدة أقوى.

وعلى أيّة حال فحتى لو لم تثبت وثاقته عن هذا الطريق يكفينا انّ الراوي عنه الحديث الذي نقلناه هو ابن أبي نصر وهو أحد الثلاثة الذين لا يروون إلّا عن ثقة، وأمّا سند الشيخ الطوسي (رحمه الله) الذي قلنا: إنّه ينتهي إلى عبد الله بن سنان ففيه سنده إلى علي بن الحسن بن فضال.

ويحتمل أن تكون روايات الباب الواردة عن عبد الله بن سنان كلها حاكية عن حديث واحد وهي الروايات الماضية(1) زائداً رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذابلغ أشدّه ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب على المسلمين احتلم أو لم يحتلم وكتبت عليه السيئات وكتبت له الحسنات وجاز له كلّ شيء إلّا أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً(2)، والسند تام والقاسم المشترك بينها جميعاً عدا النص المنقول عن الخصال هو انّها ترى انّ البلوغ السنيّ في الذكور يكون ببلوغ ثلاث عشرة سنة وتؤيدها موثقة عمّار الساباطي(3) التي مضت.


(1) اعني: الرواية الاُولى من الروايات التي نقلناها في كفاية بلوغ البنت تسع سنين من دون شرط الزواج لجري قلم التكليف عليها. والرواية الثانية من الروايات التي نقلناها في اشتراط البلوغ لانتهاء الحجر، وهي رواية الخصال. والرواية الأخيرة التي نقلناها في ذيل رواية الخصال.

(2) الوسائل 13: 431، الباب 44 من أبواب الوصايا، الحديث 11، و 12: 268، الباب 14 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث 3.

(3) الوسائل 1: 32، الباب 4 من أبواب مقدّمة العبادات، الحديث 12.

131

ولكن يوجد في مقابل ذلك ما مضى من حديث حمران(1) فانّه دلّ على انّ المقياس السنيّ في الغلام هو البلوغ خمس عشرة سنة، وكذلك ما مضى من حديث يزيد الكناسي في بعض نقوله فقد مضى انّه نقل بشكلين أحدهما ضمن نص مفصّل رواه الشيخ الطوسي ولم يروه الكليني، والثاني ما رواه الكليني والطوسي معاً.

أمّا ما رواه الشيخ الطوسي وحده ففيه: ... قال (يعني أبا جعفر (عليه السلام)): يا أبا خالد انّ الغلام إذا زوّجه أبوه ولم يدرك كان بالخيار إذا أدرك وبلغ خمس عشرة سنة أو يشعر في وجهه أو ينبت في عانته...(2).

وأمّا ما روياه معاً فقد اختلف نقلهما على حدّ ما يرويه صاحب الوسائل في جملة واحدة حيث جاء في نقل الكليني: قلت الغلام إذا زوّجه أبوه ودخل بأهله وهو غير مدرك أتقام عليه الحدود على تلك الحال؟ قال: أمّا الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا ولكن يجلد في الحدود كلها على مبلغ سنّه...(3). وزاد هنا في نقل الطوسي «فيؤخذ بذلك ما بينه وبين خمس عشرة سنة» ولكن نسخة الكافي المطبوعة بالطبعة الحديثة مشتملة أيضاً على هذه الزيادة.

وتوجد أيضاً روايات اُخرى تدلّ على انّ المقياس في بلوغ الغلام من حيث السن هو بلوغ خمس عشرة سنة، وبعضها تام سنداً من قبيل ما ورد على


(1) الوسائل 1: 30، الباب 4 من أبواب مقدّمة العبادات، الحديث 2.

(2) الوسائل 14: 209، الباب 6 من أبواب عقد النكاح، الحديث 9.

(3) الوسائل 18: 314 ـ 315، الباب 6 من أبواب مقدّمات الحدود، وراجع أيضاً الكافي 7: 198، باب حدّ الغلام والجارية اللذين يجب عليهما الحد تامّاً، الحديث 2، والتهذيب 10: 38، الحديث 133.

132

معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) في كم يؤخذ الصبي بالصيام؟ قال ما بينه وبين خمس عشرة سنة واربع عشرة سنة فان هو صام قبل ذلك فدعه(1).

أمّا ما قد يوهم كون المقياس ست عشرة سنة فضعيف سنداً وهو ما عن العباس بن عامر عمّن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال يؤدّب الصبي على الصوم ما بين خمس عشرة سنة إلى ست عشرة سنة(2).

على انّه يمكن حمله جمعاً على إرادة ما بين أوّل خمس عشرة سنة إلى أوّل ست عشرة سنة فيعود مفاده مرة اُخرى إلى انّ المقياس هو تمام الخمس عشرة.

هذا. وهناك رواية اُخرى ردّدت المقياس بين ثلاث عشرة واربع عشرة سنة وهي ما ورد عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: في كم تجري الأحكام على الصبيان؟ قال: في ثلاثة عشرة وأربع عشرة قلت: فإنّه لم يحتلم فيها قال: وإن كان لم يحتلم فانّ الأحكام تجري عليه(3).

والسند ضعيف بـ (يحيى) بن المبارك الذي لا دليل على توثيقه إلّا على مبنى كفاية وروده في أسانيد تفسير علي بن ابراهيم.

وامّا من حيث الدلالة فقد يقال: إنّ الترديد بين وقتين شاهد على النظر إلى إمكانية البلوغ وترقبها في هذه الفترة بعلامة اُخرى دون أن يكون البلوغ بالسنّ وإلّا لما كان الترديد معقولاً.

وعلى أيّة حال فإن لم يمكن الجمع العرفي بين ما دلّ على الثلاث عشرة


(1) الوسائل 7: 167، الباب 29 من أبواب مَن يصحّ منه الصوم، الحديث 1.

(2) الوسائل 7: 170، الباب 29 من أبواب مّن يصحّ منه الصوم، الحديث 13.

(3) الوسائل 13: 432، الباب 45 من كتاب الوصايا، الحديث 3.

133

سنة وما دلّ على الخمس عشرة سنة، ففي رأي من يؤمن بانّ المخصص إذا ابتلى بالتعارض وسقطا رجعنا إلى العام أمكن ان يقال هنا بانّ مقتضى إطلاق أدلّة شرط الاحتلام عدم حصول البلوغ قبل الاحتلام خرج منه يقيناً ابن الخمس عشرة سنة، أمّا ابن الثلاث عشرة سنة فما دلّ على خروجه ابتلى بالمعارض فنرجع فيه إلى إطلاق دليل اشتراط الاحتلام.

أمّا إن لم نقبل هذه القاعدة فبالإمكان الرجوع في المقام إلى إطلاق الكتاب كمرجح لأحد المتعارضين وهو آية بلوغ النكاح وآية بلوغ الحلم فمقتضى إطلاقهما انّ البالغ ثلاث عشرة سنة ليس بالغاً حدّ التكليف ما لم يحتلم، ولو ناقشنا في دلالة آية بلوغ الحلم لعدم وضوح دلالتها على كون بلوغ الحلم حدّاً للتكليف كفتنا آية بلوغ النكاح.

على انّ استصحاب عدم التكليف أيضاً يؤدي إلى نفس النتيجة.

3 ـ رواية هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام وهو اشدّه وإن احتلم ولم يؤنس منه رشده وكان سفيهاً أو ضعيفاً فليمسك عنه وليه ماله(1). والسند تام.

4 ـ ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن يتيم قد قرأ القرآن وليس بعقله بأس وله مال على يد رجل فأراد الذي عنده المال أن يعمل به مضاربة فاذن له الغلام فقال لا يصلح له أن يعمل به حتى يحتلم ويدفع إليه ماله


(1) الوسائل 12: 268، الباب 14 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث 2، و 13: 430، الباب 44 من كتاب الوصايا، الحديث 9، والصفحة 141، الباب 1 من كتاب الحجر، الحديث 1.