256

لكونها بنفسها بياناً، ولكن لا تغنينا عن المقدّمة الاُخرى وهي عدم ورود القيد؛لأنّ ذلك مأخوذ في موضوع استفادة العموم.

وامتياز هذا المسلك عن المسلك الأوّل هو: أنّ إشكال لغويّة العموم لو احتاج إلى مقدّمات الحكمة ـ التي لو تمّت لم نحتج إلى العموم، ولو لم تتمّ لم يثبت العموم ـ لو اعترفنا بوروده على القول باحتياج العموم إلى الإطلاق فبطل بذلك مسلك الشيخ النائينيّ(رحمه الله)، لا يرد على هذا المسلك؛ لأنّ فائدة العموم ستكون هي الاستغناء عن إحدى مقدّمتي الحكمة.

وعلى أيّ حال فبناءً على هذا الوجه أيضاً لا إشكال في رجوع التخصيص إلى التخصّص.

ولكن هذا الوجه أيضاً غير صحيح، فإنّ أداة العموم تدلّ على استيعاب أفراد المراد الاستعماليّ مطلقاً، لا استيعاب خصوص الأفراد غير الخارجة بالتخصيص(1).

على أنّه لو قيل باختصاص استيعاب الأداة بالفرد غير الخارج بالتخصيص ففي الحقيقة إمّا أنّه لم ينحلّ الإشكال أو توجّه إشكال آخر.

وتوضيحه: أنّه لو قيل باختصاص استيعاب الأداة بالفرد غير الخارج بالتخصيص، فإمّا أن يراد بالتخصيص مطلق التخصيص، أو يراد به خصوص التخصيص الواصل إلى الكلّ، أو التخصيص الواصل ولو إلى بعض:

فلو اُريد الأوّل: لزم أنّه مهما شكّ في ورود التخصيص لا يجوز التمسّك بالعامّ؛



(1) على ما مضى بيانه من عدم احتياج أداة العموم في شمولها إلى مقدّمات الحكمة؛ إذ لا فرق فيما مضى من إشكال بين أن تحتاج إلى كلتا مقدّمتي الحكمة أو إلى واحدة منهما.

257

لأنّ عدم ورود التخصيص مأخوذ في موضوع العموم على الفرض، فمع الشكّ في التخصيص يشكّ في الدلالة على العموم.

ولو اُريد الثاني: تكلّمنا في التخصيص الواصل إلينا غير الواصل إلى الكلّ، ونقول: ما هو الوجه في حجّيّة العامّ في الباقي بعد وصول التخصيص إلينا مع فرض عدم الوصول إلى الكلّ في حين أنّ هذا كان تخصيصاً ولم يرجع إلى التخصّص؟

ولو اُريد الثالث: لزم أنّه مهما شكّ في تخصيص مع احتمال أنّ ذاك التخصيص ـ على فرض ثبوته ـ قد وصل إلى بعض الأشخاص كزرارة وأمثاله لا يجوز التمسّك بالعامّ؛ لأنّ عدم ورود تخصيص واصل إلى البعض مأخوذ في موضوع العموم.

الوجه الثاني: ما ذهب إليه المحقّق الخراسانيّ(قدس سره) وأوضحه السيّد الاُستاذ دامت بركاته، بيانه: أنّ للكلام ظهورين طوليّين:

الأوّل: ظهوره في أنّ مقصود المتكلّم بكلّ واحد من أجزاء الكلام تفهيم السامع لمعناه الحقيقيّ الموضوع له دون معنى آخر، وحجّيّة هذا الظهور هي المسمّاة بأصالة الحقيقة.

الثاني: ظهوره بحسب الغلبة في أنّ المتكلّم إنّما هو في مقام الجدّ وأنّ كلّ ما أراد تفهيمه للسامع كان مطابقاً لما هو الثابت في عالم نفسه من الحكم أو الحكاية مثلا، ولم يكن بداع آخر كالاستهزاء وغيره. وحجّيّة هذا الظهور هي المسمّاة بأصالة تطابق عالم الثبوت والإثبات.

وكلّ واحد من هذين الظهورين ما لم يحصل العلم بخلافه يكون حجّة عند العقلاء. وبورود التخصيص لا يحصل العلم بخلاف الظهور الأوّل، بل يحتمل مع

258

ذلك أنّ مراد المتكلّم كان هو تفهيم نفس المعاني الوضعيّة لما قاله من الألفاظ فنتمسّك بأصالة الحقيقة. نعم، حصل العلم بأنّ بعض ما فهمه السامع من المعنى الوضعيّ لم يكن مراداً جدّيّاً، فمثلا حينما قال: (أكرم كلّ عالم)، وقال بعد ذلك: (لا تكرم الفسّاق من العلماء) علمنا من ذلك أنّ خصوص العالم الفاسق لم يكن مراداً في عالم الجدّ، وأمّا بالنسبة للباقي فلا نعلم بالخلاف فنتمسّك ـ بالنسبة للباقي ـ بأصالة التطابق.

والخلاصة: أنّ الظهور الثاني إنّما يسقط عن الحجّيّة بخصوص المقدار منه الذي ثبت خلافه بالدليل الأقوى وهو الخاصّ، وأمّا الباقي فلا وجه لسقوطه عن الحجّيّة. وقد عرفت أنّه ليس في البين مجازيّة، وأساس الإشكال كان هو المجازيّة. هذا هو الجواب الذي ذهب إليه المحقّق الخراسانيّ والسيّد الاُستاذ وغيرهما(1).

أقول: إن أرادوا بذلك إثبات المقصود على الطرح الأوّل من البحث ورفع الشكّ في الحجّيّة بهذا التقريب ـ كما هو الظاهر من عباراتهم بل المنصوص في عبارات بعضهم، وهو الذي يقتضيه ذكرهم لذلك في قبال مَن قال بعدم الحجّيّة لا فيما بين أنفسهم القائلين بالحجّيّة ـ ورد عليهم:

أوّلا: أنّ ما ذكروه من التبعيض في حجّيّة ظهور الكلام في المراد الجدّيّ أمر لابدّ أن يثبت بسيرة العقلاء، ولا تظهر سيرة العقلاء إلّا من عملهم، ولا يتّفق هذا



(1) راجع الكفاية، ج 1، ص 336 بحسب طبعة المشكينيّ، وراجع أجود التقريرات، ج 1 بحسب الطبعة المشتملة على تعاليق السيّد الخوئيّ(رحمه الله)، تحت الخطّ، ص 446 ـ 448، وص 452. وراجع المحاضرات للفيّاض، ج 5، ص 168 ـ 172.

259

التبعيض إلّا في باب تخصيص العامّ وما اُلحق به، فإن اُريد إثبات ذلك بسيرة العقلاء المنكشفة من عملهم في هذا الباب فمعناه هو إحراز عمل العقلاء بالعامّ بعد التخصيص في الباقي، ومع فرض إحراز ذلك قد ثبت المطلوب بلا حاجة إلى هذا الإتعاب(1).

وثانياً: أنّ أصالة الحقيقة إنّما ثبتت بسيرة العقلاء فيما لو كان إثبات إرادة الحقيقة بحسب عالم المدلول الاستعماليّ مقدّمة لإثبات كون ذلك مراداً جدّيّاً، وأمّا فيما نحن فيه فالمفروض هو العلم بعدم كونه مراداً جدّيّاً، ومع هذا الفرض لم تثبت أصالة الحقيقة من سيرة العقلاء؛ لأنّ كشفها من سيرتهم يتوقّف على ثبوت ثمرة لذلك حتّى تستكشف من عملهم بتلك الثمرة، ولا ثمرة لذلك إلّا مسألة حجّيّة العامّ المخصّص للباقي التي هي لازم أعمّ؛ لإمكان كون نكتتها غير هذا الوجه، فلعلّ أصالة الحقيقة غير جارية في المقام عندهم، ويبقى احتمال كون التخصيص موجباً لمجاز العموم مُثَبّتاً ومع ذلك يتمسّكون بالعامّ في الباقي لنكتة اُخرى كما سيأتي إن شاء الله.

وإن أرادوا بذلك ذكر نكتة لحجّيّة العامّ في تمام الباقي وتصوير وجه فنّيّ لما



(1) كأنّ المقصود: أنّ هناك فرقاً بين أصالة الجدّ ومقدّمات الحكمة، وهو: أنّ مقدّمات الحكمة لا تختصّ بباب العموم ونحوه بل لها عرضها العريض في موارد الإطلاق، فبالإمكان أن يقال: إنّنا جرّبنا العقلاء في باب الإطلاق فرأيناهم يفكّكون بين القيود المختلفة، فمقدّمات الحكمة تنفي كلّ قيد من القيود على حدة ولو فرض ثبوت قيد آخر بمقيّد منفصل. وأمّا أصالة الجدّ فلا مورد لها إلّا نفس موارد أصالة العموم أو أصالة الحقيقة، أي: أنّ موارد فرض التبعيض في أصالة الجدّ هي نفس موارد تعدّد المجازات واختلافها في القرب والبعد من الحقيقة لا غير، إذن فعطف النظر إلى ذلك لا يصنع لنا شيئاً.

260

هو مسلّم عندهم وعند العرف من الحجّيّة فما أوردناه من الإشكالين لا يرد عليهم، ولكن يبقى عليهم:

أوّلا: أنّ الوجه الآتي الذي هو للشيخ الأعظم(قدس سره) أيضاً وجه يصلح للقيام بهذه الوظيفة، أعني: تصوير وجه فنّيّ لما هو مسلّم عند العرف من الحجّيّة، فلماذا أشكلوا عليه؟

وثانياً: أنّ هذا لا يتمّ في العامّ المجموعيّ، وتوضيح الأمر: أنّهم قد فرضوا أنّ التخصيص يخدش أصالة الجدّ ولا يخدش العموم أو استعماله في معناه الحقيقيّ والموضوع له، معتقدين بأنّه لو كان يخدش في العموم واستعماله في معناه الحقيقيّ لم يكن هناك وجه فنّيّ للحجّيّة في تمام الباقي؛ لأنّ العموم معنىً وحدانيّ قد انخدش ولا نكتة للتبعيض فيه، أو قل: إنّ أصالة الحقيقيّة قد انخرمت ولا نكتة لتعيين أقرب المجازات كمّيّةً، أمّا أصالة الجدّ فإذا انخدشت كان الوجه الفنّيّ لحجّيّة العموم في تمام الباقي هو افتراض أنّها أصل انحلاليّ انخدشت في جزء وبقيت في الباقي.

وأنت ترى أنّ هذا الكلام لو تمّ في العامّ الاستغراقيّ لا يتمّ في العامّ المجموعيّ؛ لأنّه في العامّ المجموعيّ يكون كلّ واحد من الأفراد مدلولاً ضمنيّاً مقيّداً بالباقي، أي: أنّ الموضوع ليس هو مطلق وجود هذا الفرد وذاك الفرد بل وجوده المنضمّ إلى باقي الأجزاء، وبعد التخصيص يتبدّل الموضوع ولم نعرف نكتة للحمل على تمام الباقي، وانقلب الأمر إلى المغايرة بين الموضوع في مرحلة المدلول الاستعماليّ والموضوع في مرحلة المراد الجدّيّ، فكيف تبعّضت حجّيّة الظهور في الإرادة الجدّيّة؟

الوجه الثالث: ما ذهب إليه الشيخ الأعظم(قدس سره) على ما في تقريرات بحثه،

261

وهو: أنّ العامّ له دلالة ضمنيّة بالنسبة إلى كلّ فرد من الأفراد، كما أنّه له دلالة مطابقيّة بالنسبة إلى الجميع، وقد علمت المجازيّة وظهر خلاف الدلالة المطابقيّة والدلالة التضمّنيّة بالنسبة لبعض الأفراد، لكن بقيت الدلالة التضمّنيّة بالنسبة للباقي.

وقد أورد عليه في الكفاية: بأنّ الدلالة التضمّنيّة كانت في ضمن الدلالة المطابقيّة المفروض انتفاؤها(1).

أقول: إن كان المراد تصوير وجه فنّيّ لما هو مسلّم عند العرف من حجّيّة العامّ في الباقي فلا بأس بهذا الوجه، وهذا في الحقيقة تصوير للتبعيض في حجّيّة الظهور الأوّل، أعني: الظهور في كون المدلول الاستعماليّ المعنى الحقيقيّ، كما أنّ الوجه الذي ذهب إليه صاحب الكفاية كان عبارة عن التبعيض في حجّيّة الظهور الثاني، أعني: الظهور في التطابق بين المدلول الاستعماليّ والمراد الجدّيّ.

والخلاصة: إنّا نرى أنّ العقلاء يحكمون بحجّيّة العامّ في الباقي، فلا محالة نعلم أنّ النكتة هي صحّة التبعيض عندهم في مورد من الموارد، لكنّه هل هو التبعيض في حجّيّة الظهور الأوّل، أو التبعيض في حجّيّة الظهور الثاني، أو التبعيض في غير ذلك، فغير معلوم.

وممّا ذكرنا ظهر: أنّ هذا البحث ساقط رأساً؛ إذ لو كان المراد الاستدلال على الحجّيّة فليس الدليل عليه إلّا سيرة العقلاء، ولو كان المراد بيان نكتة فنّيّة لما عليه سيرة العقلاء فالتبعيض يتصوّر بوجوه عديدة(2).



(1) راجع الكفاية، ج 1، ص 338 بحسب الطبعة المعروفة بطبعة المشكينيّ.

(2) ولعلّ منها افتراض ظهورات طوليّة بعدد المجازات، الأقرب فالأقرب.

262

 

تنبيهان:

وأخيراً ينبغي التنبيه على أمرين:

الأمر الأوّل: أنّ ما ذكرناه إلى الآن إنّما كان في المخصّص المنفصل، وأمّا المخصّص المتّصل فلا يوجب التبعيض في شيء أصلاً؛ لوضوح أنّ التخصيص بالمتّصل يرجع إلى التخصّص سواء كان بطريق تضييق المدخول بالتوصيف ونحوه كقوله: (أكرم كلّ عالم عادل)، أو كان بغير ذلك كما لو أتى بجملة على حدة كقوله: (أكرم كلّ عالم ولا تكرم الفسّاق منهم)، أو أتى بأداة الاستثناء كقوله: (أكرم كلّ عالم إلّا الفسّاق):

أمّا القسم الأوّل: فرجوع التخصيص فيه إلى التخصّص واضح؛ إذ العموم عبارة عن استيعاب المدخول، والمفروض تضييق دائرة المدخول.

وأمّا القسم الثاني ـ بكلا شكليه ـ : فيمكن أن يدّعى فيه عدم رجوع التخصيص إلى التخصّص؛ لأنّ المدخول لم يضيّق فاستوعب العموم جميع أفراده ثُمّ خرج بعض بالتخصيص.

لكنّ التحقيق أنّ هناك احتمالين:

الأوّل: أنّ أداة العموم وضعت لاستيعاب ما يستفاد من المدلول الاستعماليّ من مجموع الكلام الذي بعده، أو قل: إنّ أداة العموم وضعت لاستيعاب أفراد المدخول غير الخارجة بالتخصيص المتّصل، فكلمة (كلّ) في قولنا مثلاً: (أكرم كلّ عالم إلّا زيداً) لا تستوعب بحسب المدلول الاستعماليّ إلّا غير زيد من العلماء، وذلك بأن يقال: إنّه لا يشترط في صحّة الاستثناء الشمول الفعليّ حتّى يكون الاستثناء في الرتبة المتأخّرة عن دخول (كلّ)، بل تكفي للاستثناء القابليّة للانطباق على

263

الأفراد، ولذا يصحّ الاستثناء من المطلق كقولك: (أكرم العالم إلّا زيداً)، مع أنّ المطلق لا يرى به إلّا الطبيعة وليس شاملاً للأفراد.

والثاني: أنّ أداة العموم وضعت لاستيعاب أفراد المدلول الاستعماليّ من المدخول، لكنّ الحكم المذكور في الكلام لا يشمل ابتداءً سوى الأفراد غير الخارجة بالتخصيص المتّصل، فنقول مثلاً: إنّ الهيئة في قولنا: (أكرم كلّ عالم إلّا الفسّاق) إنّما وضعت لإفادة النسبة الإضافيّة بين الإكرام وكلّ فرد من الأفراد المتحصّل من مجموعة ما بعد الصيغة.

والبرهان على تعيّن أحد هذين الاحتمالين: أنّه لولاهما للزم الإحساس بمؤونة المجاز أو مؤونة عدم كون تمام المراد الاستعماليّ مراداً جدّاً، في حين أنّنا لا نحسّ في مثل هذه الأمثلة بمؤونة من هذا القبيل.

مضافاً إلى ما يرد على الأخير ـ أعني: فرضيّة التبعيض في المراد الجدّيّ في استثناءات من هذا القبيل ـ: من النقض بموارد الهزل التي تصحّ فيها هكذا استثناءات مع أنّه لم يكن فيها مراد جدّيّ أصلاً، حتّى يخرّج الاستثناء بالتبعيض في المراد الجدّيّ.

الأمر الثاني: أنّ مقصودنا ممّا مضى من كلمة: (ما اُلحق بالعامّ) هو ما وضع لمفهوم مركّب ذي أجزاء، كأسماء الأعداد وكسائر المركّبات كالكاتب والدار وغيرهما.

ونقول هنا: لو ورد في باب المركّبات ما يشبه العامّ والخاصّ المتقابلين، كما لو قال: (أكرم هؤلاء العشرة)، وورد: (لا تكرم زيداً) وكان زيد أحد العشرة فهل يخصّص الأوّل بالثاني ويكون الأوّل حجّة في الباقي، بناءً على أنّ العامّ يخصّص بالخاصّ ويكون حجّة في الباقي أو يتعارضان؟ مقتضى الفهم العرفيّ هو

264

التعارض؛ لاستهجان مثل هذا التخصيص عرفاً.

ولكن مقتضى الاستدلال على حجّيّة العامّ في الباقي بمسألة التبعيض في الظهور الثاني القول هنا بالتخصيص والحجّيّة في الباقي، فإنّ عين ذاك التقريب يأتي هنا.

وأمّا الاستدلال بالتبعيض في الظهور الأوّل أو برجوع التخصيص إلى التخصّص فلا يأتيان هنا، كما أنّه بناءً على ما هو المختار في الدليل على حجّيّة العامّ في الباقي ـ وهو سيرة العقلاء ـ يكون فرق واضح بين المقامين يظهر من ملاحظة السيرة ومراجعة الوجدان.

 

265

 

هل العامّ حجّة فيما لم يُعلم دخوله في المخصّص المجمل؟

الجهة الثانية: في أنّه لو خصّص العامّ بمخصّص مجمل فهل يكون العامّ حجّة فيما لم يعلم دخوله في المخصّص أو لا؟

والكلام يقع في مقامين؛ لأنّ المخصّص إمّا مجمل مفهوماً أو مصداقاً:

 

الكلام في حجّيّة العامّ المخصَّص بالمجمل مفهوماً

المقام الأوّل: في العامّ المخصّص بالمجمل مفهوماً، وذلك على أربعة أقسام: لأنّ المخصّص إمّا أن يكون متّصلاً أو منفصلاً، وعلى كلا التقديرين إمّا أنيكون مفهومه مردّداً بين الأقلّ والأكثر أو بين المتباينين، فيقع الكلام فيمسائل أربع:

المسألة الاُولى: في المخصّص المتّصل المردّد مفهوماً بين الأقلّ والأكثر، فهل يجوز التمسّك فيه بالعامّ فيما شكّ في دخوله في الخاصّ وعدمه أو لا؟

والتحقيق: عدم جواز التمسّك بالعامّ سواء قيل بأنّ أصالة العموم أو أصالة الحقيقة أصل برأسه في مقابل حجّيّة الظهور، أو قيل بأنّ حجّيّتهما ليست إلّا من باب حجّيّة الظهور.

أمّا على الثاني: فالأمر واضح؛ لأنّ الإجمال قد سرى من المخصّص المتّصل إلى العامّ ولم يبق ظهور تصديقيّ للكلام في مورد الشكّ.

وأمّا على الأوّل: فالمحقّق العراقيّ(رحمه الله) بنى على جواز التمسّك بالعامّ لو قيل بهذا المبنى؛ إذ المفروض عدم العلم بخروج الأكثر، ففي المشكوك نتمسّك بأصالة العموم والحقيقة وإن كان الظهور منتفياً؛ وذلك لأنّ المفروض أنّه أصل برأسه في

266

قبال حجّيّة الظهور(1).

ويرد عليه: أنّ أداة العموم إنّما تدلّ على استيعاب المدخول، والمخصّص المتّصل يضيّق المدخول، فأصل كون العموم والحقيقة بعد ثبوته شاملاً لما شكّ في دخوله في المخصّص غير معلوم، فكيف يتمسّك بأصالة العموم والحقيقة؟

وبكلمة اُخرى: إنّ أصالة العموم إنّما يتمسّك بها على فرض أنّه لو ثبت العموم والحقيقة لكان شاملاً للمشكوك وقد وقع شكّنا في إرادة العموم، أمّا فيما نحن فيه فحتّى مع فرض القطع بالعموم نشكّ في شموله للمشكوك.

هذا فيما لو كان التخصيص بالتوصيف ونحوه. أمّا لو كان بالاستثناء مثلاً، كـ (أكرم العلماء إلّا الفسّاق منهم) فقد مضى في آخر الجهة الاُولى في التنبيه الأوّل من التنبيهين اللذين ختمنا بهما بحث الجهة الاُولى أنّ هناك احتمالين:

أحدهما: كون أداة العموم دالّةً على استيعاب أفراد المراد الاستعماليّ المستفاد من مجموع ما بعدها. وعلى هذا فمن الواضح أيضاً أنّ الشكّ في أصل العموم.

وثانيهما: أنّ أداة العموم وإن وضعت لأفراد المراد الاستعماليّ من نفس المدخول، لكنّ الحكم لا يثبت ابتداءً إلّا لأفراد المراد الاستعماليّ من مجموع متعلّقه ومتعلّقات متعلّقه كالاستثناء ونحوه، فالاستثناء مثلاً ليس موجباً للمجاز ولا لعدم كون المراد الجدّيّ مطابقاً للمراد الاستعماليّ حتّى يرجع إلى أصالة الحقيقة أو أصالة الجدّ، بل هو اقتطاع من الموضوع بلحاظ الحكم ومانع عن عروض النسبة الإضافيّة على ما استثني.



(1) راجع المقالات، ج 1، المقالة: 31، ص 438 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلاميّ، قال(رحمه الله): لو بنينا على مرجعيّة أصالة العموم والحقيقة تعبّداً بلا انتهائهما إلى الظهور أصلاً كان للتمسّك بالعموم بالنسبة إلى الزائد المشكوك وجهٌ.

267

المسألة الثانية: في المخصّص المتّصل المردّد مفهوماً بين المتباينين، كما لو قال: (أكرم العلماء إلّا زيداً) وكان فردان من العلماء مسمّيين بزيد، ولم نعرف مَن هو المقصود منهما بالاستثناء.

ولا إشكال في أنّه لا يمكن التمسّك بالعامّ في إثبات الحكم لهذا الفرد بالخصوص ولا لذاك الفرد بالخصوص، لا بالتمسّك بالظهور ولا بأصالة العموم والحقيقة لو فرض أصلاً برأسه.

أمّا الأوّل: فلعين ما مرّ بالنسبة للمسألة الاُولى من مضرّيّة احتمال قرينيّة المتّصل.

وأمّا الثاني: فلعين ما مرّ أيضاً في المسألة الاُولى من الشكّ في أصل كون العموم ـ بعد فرض القطع بثبوته ـ مقتضياً لثبوت الحكم لهذا الفرد.

هذا مضافاً إلى أنّ البرهان الذي سنبيّنه ـ إن شاء الله ـ في المسألة الثالثة لعدم صحّة التمسّك بالعامّ يأتي في هذه المسألة أيضاً.

يبقى في المقام شيء، وهو: أنّه هل يمكن أن يثبت بالعامّ أنّ غير ذاك الفرد الواحد داخل في العموم حتّى يتشكّل علم إجماليّ بدخول أحد الفردين في العموم أو لا؟ ونوكل تحقيق ذلك إلى ما سيأتي ـ إن شاء الله ـ في المسألة الثالثة.

المسألة الثالثة: فيما لوكان المخصّص منفصلاً مردّداً بين المتباينين.

ولا إشكال في هذا الفرض أيضاً في عدم صحّة التمسّك لإثبات شمول هذا الفرد بالخصوص أو ذاك بالخصوص، لا بحجّيّة الظهور ولا بأصالة العموم أو الحقيقة بناءً على كونهما أصلاً مستقلاًّ عن حجّيّة الظهور.

وذلك لأنّه لو اُريد بذلك إثبات وجوب إكرام كليهما، بأن يتمسّك في خصوص كلّ واحد من الفردين بالظهور أو العموم والحقيقة فهذا محال؛ لفرض العلم بعدم

268

وجوب إكرام كليهما. وإن اُريد إثبات وجوب إكرام خصوص واحد منهما دون الآخر كان ترجيحاً بلا مرجّح.

نعم، بقي في البين أنّه هل يمكن أن يثبت بالعامّ أنّ غير الفرد المعلوم إجمالاً عدم وجوب إكرامه يجب إكرامه، فيتشكّل علم اجماليّ بوجوب إكرام أحد الزيدين، أو لا؟ وهذا البحث يأتي في المسألة السابقة أيضاً.

وقد ذهب المحقّق العراقيّ(قدس سره) في المقام بالنسبة إلى كلّ من المسألتين إلى تفصيل بيانه:

أنّ الحكم الثابت في العامّ تارةً يكون طلبيّاً، واُخرى لا يكون طلبيّاً:

فإن كان طلبيّاً صحّ التمسّك بالعامّ لإثبات وجوب إكرام الفرد الآخر غير المعلوم إجمالاً خروجه، أو استحبابه مثلاً إن كان الحكم استحبابيّاً، وأثره هو أنّ العبد يمتثل ذلك الطلب لزوماً أو رجحاناً بإكرام كلا طرفي العلم الإجماليّ.

وإن كان غير طلبيّ كما لو قال المولى: (لا يجب إكرام عالم إلّا زيداً)، وكان هناك عالمان مسمّيان بزيد، فلا يصحّ التمسّك بالعامّ لإثبات عدم وجوب إكرام الفرد الآخر غير الفرد المعلوم بالإجمال خروجه تخصيصاً؛ وذلك لعدم ترتّب أثر عليه، فإنّ إثبات إباحة شيء مردّد لا يكون مثمراً لثمرة وليس كإثبات إباحة شيء معيّن المثمر لتوسعة للعبد في مقام العمل من ناحيته، فلا يصحّ القول بحجّيّة العامّ؛ لعدم الأثر(1).

أقول: إنّ في موارد الأحكام غير الطلبيّة أيضاً ربما يتّفق ترتّب الثمرة على التمسّك بالعامّ، وذلك كما في قوله: «كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر» بناءً على



(1) راجع المقالات، ج 1، المقالة: 31، ص 439 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلاميّ.

269

أنّ الغاية تشمل العلم الإجماليّ، فإذا علمنا إجمالاً بنجاسة أحد ثوبين كانت نتيجة التمسّك بالعامّ لإثبات عدم نجاسة الثوب الآخر جواز الاكتفاء بالصلاة مرّتين، مرّة في هذا الثوب ومرّة اُخرى في الثوب الآخر(1).

وتحقيق الكلام في هذا المقام: أن يقال: إنّه لو لم يترتّب أثر على حجّيّة العامّ في إثبات الحكم للفرد الآخر فلا معنى للحجّيّة، ولو ترتّب عليها الأثر فهنا تفصيل حاصله أنّه:

لو فرض القطع بعدم خروج الفرد الآخر عن الحكم بمخصّص آخر فلا كلام لنا في المسألة ولا معنى للتمسّك بأصالة العموم؛ لأنّ الحكم مقطوع به.

ولو فرض عدم القطع بذلك، كما لو احتملنا صدور مخصّص آخر لم يصلنا فعندئذ لو عرفنا أنّ المعلوم خروجه بالإجمال له تعيّن في متن الواقع بنحو من أنحاء التعيّن، كما لو ورد التخصيص في رواية ونحن نعلم أنّ ما ينطبق عليه علمنا الإجماليّ هو زيد المذكور في هذه الرواية وهو معيّن عند الله، فهنا سيكون زيد الآخر ـ غير المنطبق عليه علمنا الإجماليّ ـ أيضاً معيّناً في متن الواقع، ولا مانع من إثبات الحكم لذلك الفرد المعيّن في متن الواقع بالعامّ وإن لم يكن معيّناً عندنا.

وأمّا لو احتمل عدم تعيّن المعلوم بالإجمال في الواقع، كما لو ثبت التخصيص



(1) وأيضاً لو قال: (لا يجب إكرام أيّ عالم إلّا زيداً) وترك إكرامهما معاً، وكان في الواقع إكرام كلّ منهما واجباً فهل يستحقّ عقابين أو لا؟ فهنا لا إشكال في أنّ عموم العامّ للفرد الآخر ينفي عنه استحقاق العقاب.

ولا يقال: لا حاجة إلى ذلك؛ لكفاية البراءة، فإنّه يقال: إنّ هذا وارد حتّى في موارد إثبات إباحة شيء معيّن، والواقع أنّ تعدّد المؤمّن لا يعني اللغويّة المسقطة للحجّيّة، وإنّما الأمن عندئذ يستند إلى مجموعهما أو إلى الحاكم منهما على الآخر لو كان.

270

بقيام الإجماع على أنّه لا يجب إكرام كلا هذين المسمّيين بزيد، أو قامت قرينة اُخرى على ذلك سواء كانت تعدّ متّصلة أو منفصلة، فاحتمل أن لا يكون علمنا الإجماليّ منطبقاً على أحد الشخصين بالخصوص حتّى في متن الواقع وفي علم الله، بأن يكون كلاهما في الحقيقة خارجين عن الحكم، وكان انطباق علمنا الإجماليّ على أحدهما دون الآخر ترجيحاً بلا مرجّح، وعلى كليهما غير ممكن، فعندئذ نقول: كما لا يكون تعيّن للفرد المعلوم بالإجمال حتّى في متن الواقع، فلا محالة لا يكون تعيّن للفرد الآخر غير المعلوم بالإجمال في متن الواقع حتّى يثبت له الحكم بالتمسّك بالعامّ، وإثبات الحكم لفرد ليس له تعيّن في متن الواقع غير معقول(1).

فتحقّق ممّا ذكرناه: أنّ ما أفاده المحقّق العراقيّ(قدس سره): من إثبات الحكم بالعامّ للفرد الآخر غير معقول في فرض احتمال عدم تعيّن للمعلوم بالإجمال خروجه ولذلك الفرد الآخر في الواقع.

نعم، يمكن إثبات العلم الإجماليّ بوجوب إكرام أحد الشخصين مع احتمال عدم تعيّن ما علم خروجه من قوله: (أكرم كلّ عالم) ولا الفرد الآخر في متن الواقع بتقريب آخر، وهو: أن يقال: إنّ كلّ واحد من الفردين يلحظ بحالين؛ إذ تارةً يلحظ على تقدير خروج الفرد الآخر عن تحت العامّ، واُخرى يلحظ على تقدير عدم خروج الفرد الآخر عن تحت العامّ، ويتمسّك بالعامّ لإثبات دخول كلّ واحد



(1) قد يقال: هذا تدقيق عقليّ لا يعتني به العرف، فتثبت في نظر العرف نتيجة شمول العامّ لأحدهما، أي: يتعامل معه معاملة العلم الإجماليّ بوجوب إكرام أحدهما، وليس هذا محالاً.

271

من الفردين بالخصوص على تقدير خروج الآخر، فتثبت بذلك قضيّتان شرطيّتان: الاُولى: أنّ الفرد الأوّل داخل على تقدير خروج الثاني. والثانية: أنّ الفرد الثاني داخل على تقدير خروج الأوّل. وموضوع كلتا القضيّتين معيّن، فلا يرد على هذا التقريب ما ورد على التقريب السابق، ونحن نعلم إجمالاً بتحقّق شرط إحدى القضيّتين، فنعلم إجمالاً بتحقّق جزاء إحدى القضيّتين فيثبت وجوب إكرام أحد الفردين.

 

تنبيهان:

بقي هنا التنبيه على أمرين:

الأمر الأوّل: قد عرفت أنّ المخصّص المجمل مفهوماً بين المتباينين إن كان متّصلاً أوجب انعدام ظهور العامّ رأساً بالنسبة لكلّ واحد من الفردين بالخصوص، وإن كان منفصلاً لم يوجب انعدام ذلك الظهور رأساً لكنّه يوجب سقوطه عن الحجّيّة؛ لأنّه إن بني على حجّيّة ذلك الظهور في كلا الفردين فقد قامت حجّة أقوى على خلافه على ما هو المفروض، وإن بني على حجّيّته في واحد منهما بالخصوص دون الآخر كان ترجيحاً بلا مرجّح، ففرض الاتّصال والانفصال لا يفترقان من حيث النتيجة، أعني: من حيث عدم إمكان التمسّك بذلك الظهور.

نعم، يظهر بالدقّة أنّهما يفترقان في ثمرة، وذلك أنّه لو اتّفق أن علمنا من الخارج ـ مضافاً إلى التخصيص المعلوم بالإجمال ـ بأنّه إمّا أن يكون زيد بن الحسن مثلاً الذي هو أحد الشخصين خارجاً عن هذا العموم، أو يكون عمرو خارجاً عن عموم آخر، فإن كان المخصّص المردّد بين زيدين متّصلاً لم يصلح العامّ الدالّ على وجوب إكرام العلماء إلّا زيداً مثلاً للمعارضة مع العامّ الآخر الذي نحتمل خروج عمرو منه؛ لأنّ العامّ الأوّل صار مجملاً بالمخصّص المتّصل، بل

272

عموم العامّ الآخر الدالّ على شمول عمرو يدلّ بالملازمة على خروج زيد بنالحسن من العامّ الأوّل. وإن كان منفصلاً وقعت المعارضة بين عموم العامّ الأوّل بالنسبة لزيد الأوّل وعمومه بالنسبة لزيد الثاني وعموم العامّ الآخر بالنسبة لعمرو، فهذا هو الفرق بين فرض الاتّصال والانفصال.

وقد طبّقنا هذا البحث على موارد عديدة، منها: ما إذا تعارض أصلان من سنخ واحد، كما لو تعارض استصحابان وتعارض أحد هذين الأصلين مع أصل آخر من سنخ آخر، فإن كان مخصّص السنخ الأوّل متّصلاً استراح الأصل الثالث عن المعارض، وإن كان منفصلاً وقع التعارض بين الاُصول الثلاثة.

الأمر الثاني: لو علمنا بالتخصيص وشككنا في كونه متّصلاً أو منفصلاً فهل يوجب ذلك إجمال العامّ كما لو علم بالاتّصال أو لا؟

هذا مبتن على بحث في باب الظهور، وهو: أنّ احتمال وجود القرينة المتّصلة هل هو كاحتمال قرينيّة الموجود أو لا؟ فإنّهم صرّحوا بأنّ احتمال قرينيّة الموجود يوجب الإجمال، أي: أنّ احتمال كون ما قرنه بالكلام قد جاء به لتأويل الكلام الذي قرنه به يوجب الإجمال، ولهذا لم يجز التمسّك بالعامّ فيما شكّ دخوله في المخصّص المتّصل المردّد مفهوماً بين الأقلّ والأكثر، ولهذا أيضاً كان المخصّص المتّصل المردّد مفهوماً بين المتباينين موجباً لانعدام الظهور بالنسبة لكلّ واحد من الفردين بالخصوص.

وأمّا أنّ احتمال وجود القرينة المتّصلة هل يوجب الإجمال أو لا؟ فقد ذهب السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ إلى أنّه لا يوجب الإجمال، واخترنا في محلّه أنّه يوجب الإجمال على تحقيق وتفصيل يأتي في محلّه إن شاء الله، وعلى هذا فاحتمال كون المخصّص متّصلاً كاف في حصول الإجمال.

المسألة الرابعة: فيما لوكان المخصّص منفصلاً مردّداً مفهوماً بين الأقلّ والأكثر،

273

كما لو قال: (أكرم كلّ عالم) وقال: (لا تكرم فسّاق العلماء)، وكان هذا الكلام منفصلاً عن الكلام الأوّل وتردّد أمر الفاسق بين أن يكون مطلق فاعل الذنب أو خصوص فاعل الكبيرة، فنقول: لا إشكال في حجّيّة العامّ فيما شكّ في دخوله في المخصّص؛ وذلك لأنّ الظهور ـ على ما هو المفروض من عدم اتّصال المخصّص ـ محفوظ، فهو حجّة في غير ما قامت الحجّة الأقوى على خلافه، وإنّما قامت الحجّة الأقوى على خلافه في خصوص مرتكب الكبيرة، وأمّا مرتكب الصغيرة فلم تقم حجّة أقوى على خلافه؛ إذ المفروض عدم معلوميّة دخوله في قوله: (لا تكرم فسّاق العلماء)، فقوله: (لا تكرم فسّاق العلماء) ليس حجّة بالنسبة إليه.

إن قلت: إنّ ظهور العامّ وإن كان محفوظاً بالنسبة لمرتكب الصغيرة، بل بالنسبة لمرتكب الكبيرة أيضاً، لكن بعد أن قامت حجّة أقوى على عدم وجوب إكرام فسّاق العلماء ينقسم ظهور العامّ إلى قسمين: قسم منه حجّة وهو ظهوره بالنسبة لغير الفسّاق، وقسم منه غير حجّة وهو ظهوره بالنسبة للفسّاق؛ لأنّ هذا القسم هو مورد الحجّة الأقوى، وعلى هذا فنقول: إنّ مرتكب الصغيرة وإن كان داخلاً في ظهور العامّ قطعاً، لكنّا لا ندري هل يكون داخلاً في القسم الذي يكون حجّة منه وهو ظهوره بالنسبة إلى غير الفسّاق، أو يكون داخلاً في القسم الذي ليس حجّة منه وهو ظهوره بالنسبة للفسّاق، فلا مجال للتمسّك بالعامّ.

قلت: إنّ المتكلّم إذا قال: (لا تكرم فسّاق العلماء) فتارةً: يكون مقصوده النهي عن إكرام كلّ مَن يسمّى بفاسق بما أنّه يسمّى بفاسق، بحيث يكون العنوان الملحوظ في موضوع الحكم عنوان مَن يكون مسمّى بفاسق ومدلولاً عليه بفاسق، واُخرى: يكون مقصوده النهي عن إكرام الفاسق، لا بما أنّه مسمّى بفاسق ومدلول له بل بما أنّه واقع الفاسق، فيكون العنوان الملحوظ في موضوع الحكم واقع الفاسق لا ما هو مدلول له بما هو كذلك:

274

فإن كان مراده الأوّل أصبحت الشبهة مصداقيّة لا مفهوميّة؛ إذ العنوان الذي يكون موضوع الحكم هو نفس (ما يكون مدلولاً لفاسق) بما هو كذلك، ومفهوم هذا الكلام واضح، فإنّه لا شكّ في معنى الموصول ولا في معنى صلته، فهذا الفرض خارج عمّا نحن فيه.

وإن كان مراده الثاني فواقع الفاسق ـ لا محالة ـ مردّد بين مرتكب الكبيرة ومطلق المذنب على الفرض، فالحجّة الأقوى في الحقيقة لم تقم على خلاف العامّ إلّا في خصوص مرتكب الكبيرة، فما صار من ظهور العامّ غير حجّة هو ظهوره بالنسبة لمرتكب الكبيرة، وأمّا بالنسبة لمرتكب الصغيرة فلم يسقط عن الحجّيّة؛ لعدم حجّة أقوى في قباله، والمفروض أنّ نفس عنوان كون الشخص مسمّى بفاسق ومدلولاً له من حيث هو ليس خارجاً بالتخصيص حتّى تكون الحجّة الأقوى ثابتة بالنسبة لكلّ مَن هو فاسق، ويقع الشكّ في أنّ مرتكب الصغيرة هل هو داخل في الظهور المزاحم بحجّة أقوى أو في الظهور غير المزاحم بذلك.

نعم، بناءً على أنّ العموم بحاجة إلى مقدّمات الحكمة في المدخول، وعلى أنّ إحدى المقدّمات عبارة عن عدم ورود القرينة ولو منفصلة يتوجّه هنا تفصيل، وهو: أنّه إذا كان ترديد الشخص في مفهوم الفاسق ـ الذي هو الخارج بالتخصيص ـ من باب اعترافه بأنّه مجمل عند العرف أمكنه التمسّك بالعموم فيما شكّ في دخوله في المخصّص؛ لأنّ القرينة لم ترد يقيناً، باعتبار أنّ المجمل ليس قرينة(1). وأمّا لو احتمل أنّ الفاسق يكون ظاهراً عند العرف في مطلق المذنب،



(1) لو قلنا بأنّ المنفصل كالمتّصل في هدم الإطلاق ومقدّمات الحكمة أمكن القول بأنّ المجمل كما يهدم الإطلاق لدى اتّصاله ـ لأنّه وإن لم يكن قرينة بالفعل لكنّه صالح للقرينيّة ـ كذلك يهدمه لدى انفصاله.

275

وأن يكون مختصّاً بمرتكب الكبيرة فعندئذ لا مجال للتمسّك بالعامّ؛ لأنّ المفروض توقّف العموم على مقدّمات الحكمة التي إحداها عدم ورود القرينة ولو منفصلةً، وهذه المقدّمة لم تحرز؛ إذ من المحتمل كون قوله: (لا تكرم فسّاق العلماء) قرينة عند العرف على عدم وجوب إكرام مرتكب الصغيرة، غاية الأمر أنّ القرينة لم تصله؛ لعدم إحرازه لظهور الفاسق في مطلق المذنب.

بل حتّى في هذا الفرض أيضاً بالإمكان أن يقال بجواز التمسّك بالعامّ؛ وذلك لاستصحاب عدم ورود القرينة(1)، وهذا نظير استصحاب وثاقة الراوي.

هذا تمام الكلام في المخصّص المجمل مفهوماً للعامّ، ويأتي نظير ما ذكرناه في المخصّص للعامّ بالنسبة للمقيّد المجمل مفهوماً بالقياس إلى مطلقه:

فإن كان متّصلاً لم يصحّ التمسّك بالمطلق، سواءً كان مردّداً بين الأقلّ والأكثر أو مردّداً بين المتباينين؛ لأنّه مادام متّصلاً فقد هدم أصل الظهور الإطلاقيّ.

وإن كان منفصلاً مردّداً بين المتباينين فرفعه لأصل الظهور الإطلاقيّ أو لحجّيّته مبتن على كون قوام الإطلاق بعدم القرينة المنفصلة أو بخصوص عدم القرينة المتّصلة.

وإن كان منفصلاً مردّداً بين الأقلّ والأكثر، فإن قلنا بأنّ قوام الإطلاق بعدم القرينة ولو المنفصلة فيأتي ما مضى من صحّة التمسّك بالإطلاق رأساً على تقدير، والاحتياج إلى استصحاب عدم القرينة على تقدير آخر(2).



(1) لا يخفى أنّه بناءً على أنّ أصالة العموم ترجع إلى أصالة الظهور قد يقال: إنّ استصحاب عدم القرينة لا يثبت الظهور إلّا على مبنى الاعتماد على الأصل المثبت. نعم، لو كان الخاصّ متأخّراً زماناً وافترضنا أنّه ينهدم ظهور العامّ من حين صدور الخاصّ أمكن استصحاب الظهور.

(2) وتأتي هنا أيضاً الملاحظتان اللتان بيّنّاهما في التعليقين السابقين.

276

 

الكلام في حجّيّة العامّ المخصَّص بالمجمل مصداقاً

المقام الثاني: في العامّ المخصّص بالمجمل من حيث المصداق، وهذا أيضاً على أربعة أقسام كأقسام المخصّص المجمل مفهوماً، وقد عرفت في المقام الأوّل أنّ العامّ ليس حجّة في الفرد المشكوك إلّا في القسم الرابع، وقد يقال في هذا المقام: إنّ المخصّص المجمل مصداقاً ليس أحسن حالاً من المخصّص المجمل مفهوماً؛ لأنّ القسم الرابع الذي كان العامّ فيه حجّة في المشكوك في المقام الأوّل قد اختير في هذا المقام عدم حجّيّته، فكيف بباقي الأقسام؟

فنحن نتكلّم أوّلاً في هذا المقام في القسم الرابع وهو المخصّص المنفصل المردّد مصداقاً بين الأقلّ والأكثر، فإن ثبت عدم حجّيّة العامّ في المشكوك فلا يبقى مجال لتوهّم حجّيّته في باقي الأقسام. وإن ثبتت حجّيّته فيه انفتح باب احتمال حجّيّته في باقي الأقسام فيقع الكلام في باقي الأقسام، فنقول:

إذا خصّص العامّ بمخصّص منفصل مردّد مصداقاً بين الأقلّ والأكثر، كما لو ورد: (أكرم كلّ عالم)، وورد: (لا تكرم فسّاق العلماء) وعلمنا أنّ الفاسق هو مطلق مرتكب الذنب مثلاً، وشككنا في أنّ زيداً العالم هل هو مرتكب للذنب أو لا، فهل يجوز التمسّك بالعامّ فيما شكّ دخوله في المخصّص، أو لا؟

قد ذكر المحقّق العراقيّ(قدس سره): أنّ هذا النزاع مختصّ ببحث العموم والخصوص، وأمّا في بحث المطلق والمقيّد فهم متّفقون على عدم جواز التمسّك بالمطلق في الشبهات المصداقيّة للمقيّد(1).



(1) راجع المقالات، ج 1، المقالة: 31، ص 441 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلاميّ بقم، ونهاية الأفكار، ج 1 ـ 2، ص 520 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم.

277

وأورد عليه السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ بمنع اختصاص هذا النزاع ببحث العموم والخصوص، نعم، بما أنّهم ذكروا ذلك في بحث العموم والخصوص ونقّحوه لم يحتاجوا في بحث المطلق والمقيّد إلى ذكره مرّة اُخرى(1).

أقول: الحقّ هو ما ذكر المحقّق العراقيّ(قدس سره)، فإنّه في بحث المطلق والمقيّد لا مجال لهذا النزاع؛ وذلك لأنّ الإطلاق ليس عبارة عن لحاظ الخصوصيّات وإثبات الحكم على كلّ فرد فرد رأساً، بل هو عبارة عن رفض جميع الخصوصيّات ولحاظ ذات الطبيعة بلا أيّ خصوصيّة، فالحكم أوّلاً وبالذات إنّما ثبت على ذات الطبيعة لا على الأفراد، وإنّما يسري إلى الأفراد بعد ذلك بحكم العقل، وليس الموضوع في الكلام المطلق إلّا ذات الطبيعة وبعدم ثبوت القيد يثبت ـ بحكم العقل ـ انطباق الحكم على الأفراد الفاقدة لذلك القيد.



(1) لم أجده بوضوح في الكلمات المنقولة عن السيّد الخوئيّ(رحمه الله)، لكنّه مفهوم ممّا قاله السيّد الخوئيّ(رحمه الله)ـ على ما ورد في محاضرات الشيخ الفيّاض، ج 5، ص 210 ـ 211 بحسب طبعة صدر بقم ـ: من مناقشة كلام الشيخ العراقيّ(رحمه الله) الذي ذكره في بيان الفرق بين التخصيص والتقييد، من أنّ التقييد يقلب عنوان الموضوع من كونه تمام الموضوع إلى كونه جزء الموضوع، أمّا التخصيص فهو بمنزلة انعدام بعض الأفراد أو الأصناف بموت ونحوه، فكما أنّ خروج مَن مات لا يوجب تعنون الأفراد الباقية بعنوان وجوديّ أو سلبيّ كذلك التخصيص (نهاية الأفكار، ج 1 ـ 2، ص 519 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم). وهنا شرح السيّد الخوئيّ(رحمه الله) الفرق بين الموت والذي ليس تخصيصاً أصلاً، وإنّما هو فناء لفرد من أفراد القضيّة الحقيقيّة المجعولة على الموضوع المقدّر الوجود، والتخصيص الذي يقيّد موضوع الحكم ـ لا محالة ـ بقيد، فيكون انتفاء الحكم من باب السالبة بانتفاء المحمول لا السالبة بانتفاء الموضوع كما في الموت.

278

فمثلاً لو قال: (أكرم العالم) ولم يقيّد الحكم بشيء عُرف أنّ الحكم لذات الطبيعة بإطلاقها، فلا محالة يثبت للعادل والفاسق. وإذا ورد بعد ذلك: (لا تكرم الفسّاق من العلماء) علمنا أنّ الحكم ليس ثابتاً للطبيعة بإطلاقها، فإذا شكّ في أنّ زيداً العالم فاسق أو لا بنحو الشبهة المصداقيّة لم يجز التمسّك بالمطلق؛ لفرض العلم بأنّ الحكم ليس ثابتاً لطبيعة العالم بإطلاقها حتّى يحكم العقل بثبوت الحكم لهذا الفرد، فإنّ ثبوت الحكم للفرد يكون في طول إلغاء الخصوصيّة، ومع فرض قيام الدليل على أخذ خصوصيّة في الطبيعة يحتمل فقدان الفرد لها لا يبقى دليل على شمول الحكم للفرد المشكوك حاله.

نعم، لو كان قوله: (أكرم العالم) بنفسه دالّاً على ثبوت الحكم لكلّ فرد فرد أمكن أن يقال: إنّ زيداً موضوع لهذا الحكم بمقتضى قوله: (أكرم العالم)، ولم تقم حجّة أقوى على خلافه فنقول بوجوب إكرامه، لكن قد قلنا: إنّ الإطلاق عبارة عن رفض الخصوصيّات وإثبات الحكم لأصل الطبيعة، فقوله: (أكرم العالم) لا يدلّ على وجوب إكرام هذا الفرد من أفراد العالم من حيث هو حتّى يتمسّك به لعدم قيام حجّة أقوى على خلافه، وإنّما يدلّ على وجوب إكرام طبيعة العالم بإطلاقها المنطبقة على هذا الفرد، والمفروض العلم بخلاف ذلك.

هذا بالنسبة للمطلق والمقيّد. وأمّا العامّ فهو يدلّ على ثبوت الحكم لكلّ فرد فرد ابتداءً، فإنّ أداة العموم تتكفّل لإثبات الحكم على الأفراد رأساً، فيمكن أن يقال: إنّ هذا الفرد داخل في العامّ وقد شككنا في خروجه عن الحكم بالتخصيص فنتمسّك بالعموم.

وبكلمة اُخرى: إنّ الفرق بين المطلق والعامّ هو أنّ المطلق أثبت الحكم على الطبيعة، فلو اُريد التمسّك به في الشبهة المصداقيّة للمقيّد، كما لو شكّ في فسق زيد

279

وقد قيّد قول المولى: (أكرم العالم) بقوله: (لا تكرم فسّاق العلماء) وقع السؤال عن أنّ التمسّك لإثبات الحكم هل هو بثبوت الموضوع المفهوم من ظاهر قوله: (أكرم العالم)، أو بثبوت الموضوع الذي علمناه موضوعاً للحكم بعد التقييد؟ فإن كان الأوّل، أي: الموضوع المفهوم من ظاهر المطلق، فقد علمنا كذبه، فكيف نتمسّك به؟ وإن كان الثاني، أي: موضوع الحكم الحقيقيّ، فنحن لم نحرز انطباقه على الفرد المشكوك فسقه.

وأمّا العامّ فلو طرح علينا فيه نفس السؤال لقلنا: إنّنا نتمسّك بنفس ما يكون العامّ ظاهراً فيه، وهو ثبوت الحكم على هذا الفرد مباشرةً؛ لأنّنا لم نعلم بكذبه؛ إذ نحتمل بقاء هذا الفرد تحت العامّ ولو بسبب أنّه ليس في علم الله فاسقاً، ولا حجّة أقوى على خلاف ذلك(1).

هذا، ولعلّ ما ذكره السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ هنا ناش من مبنى عدم تفرقته بين العموم والإطلاق من هذه الناحية، أعني: أنّ العموم استيعاب للأفراد، والإطلاق رفض لخصوصيّة الأفراد وباقي الخصوصيّات عن الطبيعة(2).

وبعد هذا نقول: إنّ غالب الأمثلة التي يذكرونها في هذا المقام خارج عن المقام وداخل في باب الإطلاق والتقييد، فمثلاً يذكرون في مقام المثال: (أكرم كلّ عالم) و(لا تكرم فسّاق العلماء)، مع أنّ قوله: (أكرم كلّ عالم) لا يدلّ بالعموم على شمول الفسّاق حتّى يكون قوله: (لا تكرم فسّاق العلماء) تخصيصاً له.

وتوضيح ذلك: أنّ الحقّ في أداة العموم أنّها تدلّ على استيعاب الأفراد الجزئيّة



(1) ولا يخفى أنّ هذا الوجه للاستدلال غير الوجه الذي نقلناه.

(2) فكأنّ الفرق بينهما عبارة فقط عن أنّ العموم لفظيّ والإطلاق حكميّ.

280

لا على استيعاب الأصناف، سواءً كانت أداة العموم مثل كلمة (كلّ)، أم كانت لام الجمع بناءً على دلالتها على العموم لتعيينها للجمع في المرتبة الأخيرة:

أمّا الثاني: فواضح، فإنّ المرتبة الأخيرة تستوعب تمام الأفراد الجزئيّة، فإنّ الجمع جمع للأفراد لا للأصناف، فلو قيل: (أكرم ثلاثة رجال) كان معناه: أكرم ثلاثة أفراد من الرجال، لا: أكرم ثلاثة أصناف من الرجال.

وأمّا الأوّل: فليس لنا برهان فنّيّ على أنّ أداة العموم تدلّ على استيعاب الأفراد الجزئيّة لا الأصناف، كما كان لنا ذلك في خصوص لام الجمع، لكن نقول ـ بحسب الفهم العرفيّ ـ: إنّ الظاهر من قوله: (أكرم كلّ عالم) هو إرادة كلّ فرد فرد من الأفراد الشخصيّة، ولا يرى العرف فرقاً بين إفادة العموم بكلمة (كلّ) وإفادته بلام الجمع.

والخلاصة: أنّ أداة العموم إنّما تكون ظاهرة في استيعاب الأفراد لا الأصناف إلّا إذا عدّ الصنف فرداً، فعندئذ تدلّ على استيعاب الأصناف من باب أنّه ـ على الفرض ـ استيعاب للأفراد.

إذا ظهر لك ذلك تبيّن لك أنّ قوله: (أكرم كلّ عالم) إنّما يدلّ بالعموم على أنّ موضوع الحكم ليس هو هذا الفرد بالخصوص أو ذاك الفرد بالخصوص، بل كلّ فرد من أفراد العلماء يكون موضوعاً لهذا الحكم حتّى لو كان فاسقاً. نعم، يدلّ بالإطلاق على أنّ حالة العدالة والفسق ليست دخيلة في الحكم ولا يدلّ بالوضع على عموم أحواله، فإنّه لم يقل: (أكرم كلّ عالم في كلّ حال)، وإنّما قال: (أكرم كلّ عالم)، فإذا ورد بعد ذلك: (لا تكرم فسّاق العلماء) فليس ذلك تخصيصاً للعامّ وإنّما هو تقييد للمطلق؛ لأنّ هذا الكلام لا يخرج فرداً من الأفراد حتّى الفاسق منهم بما هو عن تحت العموم، بحيث لا يكون ذاك الفاسق بعدُ موضوعاً للحكم،