كما لو قال: (أكرم كلّ عالم) وقال: (لا تكرم فسّاق العلماء)، وكان هذا الكلام منفصلاً عن الكلام الأوّل وتردّد أمر الفاسق بين أن يكون مطلق فاعل الذنب أو خصوص فاعل الكبيرة، فنقول: لا إشكال في حجّيّة العامّ فيما شكّ في دخوله في المخصّص؛ وذلك لأنّ الظهور ـ على ما هو المفروض من عدم اتّصال المخصّص ـ محفوظ، فهو حجّة في غير ما قامت الحجّة الأقوى على خلافه، وإنّما قامت الحجّة الأقوى على خلافه في خصوص مرتكب الكبيرة، وأمّا مرتكب الصغيرة فلم تقم حجّة أقوى على خلافه؛ إذ المفروض عدم معلوميّة دخوله في قوله: (لا تكرم فسّاق العلماء)، فقوله: (لا تكرم فسّاق العلماء) ليس حجّة بالنسبة إليه.
إن قلت: إنّ ظهور العامّ وإن كان محفوظاً بالنسبة لمرتكب الصغيرة، بل بالنسبة لمرتكب الكبيرة أيضاً، لكن بعد أن قامت حجّة أقوى على عدم وجوب إكرام فسّاق العلماء ينقسم ظهور العامّ إلى قسمين: قسم منه حجّة وهو ظهوره بالنسبة لغير الفسّاق، وقسم منه غير حجّة وهو ظهوره بالنسبة للفسّاق؛ لأنّ هذا القسم هو مورد الحجّة الأقوى، وعلى هذا فنقول: إنّ مرتكب الصغيرة وإن كان داخلاً في ظهور العامّ قطعاً، لكنّا لا ندري هل يكون داخلاً في القسم الذي يكون حجّة منه وهو ظهوره بالنسبة إلى غير الفسّاق، أو يكون داخلاً في القسم الذي ليس حجّة منه وهو ظهوره بالنسبة للفسّاق، فلا مجال للتمسّك بالعامّ.
قلت: إنّ المتكلّم إذا قال: (لا تكرم فسّاق العلماء) فتارةً: يكون مقصوده النهي عن إكرام كلّ مَن يسمّى بفاسق بما أنّه يسمّى بفاسق، بحيث يكون العنوان الملحوظ في موضوع الحكم عنوان مَن يكون مسمّى بفاسق ومدلولاً عليه بفاسق، واُخرى: يكون مقصوده النهي عن إكرام الفاسق، لا بما أنّه مسمّى بفاسق ومدلول له بل بما أنّه واقع الفاسق، فيكون العنوان الملحوظ في موضوع الحكم واقع الفاسق لا ما هو مدلول له بما هو كذلك: