357

127 ـ والثالث: كلّ أرض لا ربّ لها (1).


عدّتا الأرض الخربة من الفيء. ومن الواضح: أنّ الفيء هو الذي يفيء إلى المسلمين من الكفّار.

وموثّقة سماعة(1) قرنت كلّ أرض خربة بشيء يكون للملوك، فينصرف إلى ما اُخذ من الكفّار.

ولا بأس بدعوى الإطلاق في مرسلة حمّاد(2)، وموثّقة إسحاق(3)، وصحيحة حفص(4).

والسؤال الثالث: أنّ الأرض التي قد خربت، ولكن لها مالك معلوم هل تصبح بمجرّد الخراب من الأنفال بمقتضى إطلاق صحيحة حفص(5)، أو موثّقة سماعة(6)، أو لا؟

والجواب: أنّ إطلاق هذين الحديثين مقيّد بموثّقة إسحاق التي قالت: «القرى التي قد خربت وانجلى أهلها»(7) وهذا يعني: عدم بقاء مالك معلوم لها.

(1) والثالث من الأنفال: «كلّ أرض لا ربّ لها».

وهذا العنوان وارد في موثّقة إسحاق، ويشمل حتّى المحياة إحياءً طبيعيّاً، كالمراتع والغابات والأجمات، ولا يختصّ بالخراب، ولهذا جعلها الإمام(عليه السلام) في هذه الموثّقة في مقابل القرى التي قد خربت وانجلى عنها أهلها(8).


(1) ح 8 من نفس الباب.

(2) ح 4 من الباب.

(3) ح 20 من الباب.

(4) ح 1 من الباب.

(5) ح 1 من الباب.

(6) ح 8 من نفس الباب.

(7) ح 20 من الباب.

(8) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 20.

358

128 ـ والرابع: رقبة الأرض (1). ومن أحياها من الشيعة بل ومن المسلمين في


(1) والرابع من الأنفال: رقبة الأرض. لصحيحة أبي سيّار عن الصادق(عليه السلام): «... يا أبا سيّار، الأرض كلّها لنا...»(1)، وصحيحة الكابلي عن أبي جعفر(عليه السلام): «وجدنا في كتاب عليّ(عليه السلام): ﴿إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ أنا وأهل بيتي الذين اُورثنا الأرض، ونحن المتّقون، والأرض كلّها لنا...»(2).

نعم، لا إشكال في أنّ الشيعيّ لو أحيى أرضاً، أو انتقلت إليه الأرض المحياة بإرث، أو شراء، أو غير ذلك، كانت له ولو بمعنى حقّ الاختصاص، بل وكذلك غير الشيعيّ من المسلمين ما لم يظهر الحجّة عجّل الله فرجه على ما دلّت على ذلك صحيحة الكابلي; إذ قال في ذيلها: «فمن أحيى أرضاً من المسلمين فليعمّرها، وليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، وله ما أكل منها، فإن تركها وأخربها، فأخذها رجل من المسلمين من بعده، فعمّرها وأحياها، فهو أحقّ بها من الذي تركها، فليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها حتّى يظهر القائم(عليه السلام)من أهل بيتي بالسيف، فيحويها ويمنعها، ويخرجهم منها كما حواها رسول الله(صلى الله عليه وآله)ومنعها، إلّا ما كان في أيدي شيعتنا، فإنّه يقاطعهم على ما في أيديهم، ويترك الأرض في أيديهم»(3).

إلّا أنّ صحيحة أبي سيّار دلّت على أنّ كسب العامّة من الأرض قبل ظهور القائم حرام وإن كانوا يُقرّون في ظاهر الإسلام على عملهم في الأرض قبل قيام القائم; إذ قال في آخر الصحيحة: «فإنّ كسبهم من الأرض حرام عليهم حتّى يقوم قائمنا، فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم منها صغرة»(4).


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 12 وبحسب طبعة آل البيت ج 9، ص 548.

(2) الوسائل، ب 3 من إحياء الموات، ح 2 وبحسب طبعة آل البيت ج 25، ص 414 ـ 415.

(3) الوسائل، ج 25، ب 3 من إحياء الموات، ح 2، ص 415.

(4) ويمكن الجمع بين الصحيحتين بأنّ صحيحة الكابلي جارية على ما نحن مأمورون به في ظاهر الإسلام مادام الإمام غائباً، وصحيحة أبي سيّار جارية على ما سيحاسبون عليه في يوم القيامة.

وهناك جمع آخر أقوى من هذا الجمع، وهو: أنّ المقصود هو حرمة كسبهم من الأرض; لأنّهم لايؤدّون الطسق الذي لم يحلّل في عصر ما قبل قيام القائم إلّا للشيعة.

359


وعلى كلّ حال، فلا إشكال لدى أصحابنا في أنّ التعامل معهم في كلّ شيء قبل ظهور القائم هو عين التعامل مع الشيعة، فكلّهم مسلمون، وكلّهم مشتركون في: «أنّ من أحيى أرضاً فهي له».

ومن هنا يقع الكلام في أنّه لو خربت الأرض التي كانت ملكاً للشيعي، أو مختصّة به، أو لمسلم غير شيعي في زمن الغيبة، فخربت واُهملت، فهل تخرج الأرض بذلك إلى حالتها الأوّليّة، أي: أنّها تصبح من الأنفال التي لم يتعلّق بها ملك، أو اختصاص، أو لا؟

وندرس هذه المسألة ضمن حالات ثلاث:

الاُولى: لو كانت ملكاً لشخص وخربت واُهملت.

والثانية: لو كانت وقفاً عامّاً كالوقف على الزوّار، فخربت واُهملت.

والثالثة: لو كانت من الأرض الخراجيّة، فكانت ملكاً للمسلمين، فخربت.

الحالة الاُولى: وهي ما لو كانت ملكاً لشخص فخربت واُهملت، ولنفترض: أنّه لم يُعرض عن ملكيّة الأرض حتّى لا يدّعى أنّ الإعراض عن ملكيّتها أسقط ملكيّتها، فرجعت إلى حالتها الاُولى. ولا شكّ: أنّ إهمالها وعدم تعمير خرابها أعمّ من الإعراض عن ملكيّتها.

وفي هذه الحالة نقول: بالإمكان الاستدلال على خروج الأرض عن ملكه أو اختصاصه، ورجوعها إلى حالتها الاُولى بروايتين تامّتين سنداً:

الاُولى: صحيحة معاوية بن وهب قال: «سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول: أيّما رجل أتى خربةً بائرة فاستخرجها وكرى أنهارها وعمّرها، فإنّ عليه فيها الصدقة، فإن كانت أرضاً لرجل قبله، فغاب عنها وتركها فأخربها، ثُمّ جاء بعد يطلبها، فإنّ الأرض لله ولمن عمّرها»(1).


(1) الوسائل، كتاب إحياء الموات، ب 3، ح 1، وبحسب طبعة آل البيت ج 25، ص 414.

360


والثانية: صحيحة أبي خالد الكابليّ التي أشرنا إليها عن أبي جعفر(عليه السلام)قال: «وجدنا في كتاب عليّ(عليه السلام): ﴿إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ أنا وأهل بيتي الذين اُورثنا الأرض، ونحن المتّقون، والأرض كلّها لنا، فمن أحيى أرضاً من المسلمين فليعمّرها وليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، وله ما أكل منها، فإن تركها وأخربها، فأخذها رجل من المسلمين من بعده، فعمّرها وأحياها، فهو أحقّ بها من الذي تركها، فليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها حتّى يظهر القائم(عليه السلام) من أهل بيتي بالسيف، فيحويها ويمنعها، ويخرجهم منها كما حواها رسول الله(صلى الله عليه وآله) ومنعها، إلّا ما كان في أيدي شيعتنا، فإنّه يقاطعهم على ما في أيديهم، ويترك الأرض في أيديهم»(1).

إلّا أنّه قد تعارض هاتان الروايتان بصحيحتي سليمان بن خالد والحلبي: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام)عن الرجل يأتي الأرض الخربة، فيستخرجها، ويجري أنهارها، ويعمّرها ويزرعها، ماذا عليه؟ قال: الصدقة، قلت: فإن كان يعرف صاحبها؟ قال: فليؤدّ إليه حقّه»(2).

ومعنى أداء حقّه إليه إعطاؤه اُجرة الأرض، وهذا يعني: أنّ الأرض إذن لم تخرج عن ملك المالك الأوّل أو اختصاصه، في حين أنّ الصحيحتين الاُوليين دلّتا على خروجها عن ملك المالك الأوّل أو اختصاصه.

والصحيح: إمّا هو الجمع بين الروايات الثلاث بالإطلاق والتقييد، وإمّا عدم التعارض رأساً فيما بينها.

وتوضيح الأمر: أنّنا لو فسّرنا قوله في الرواية الثالثة: «فإن كان يعرف صاحبها» بمعنى: إن كان يعرف من كان قبلاً صاحبها، فهذه الرواية مطلقة تعمّ فرض تعمّد الأوّل في


(1) المصدر نفسه، ح 2، ص 414 ـ 415.

(2) المصدر نفسه، ح 3، ص 415.

361


الإعراض عن التعمير ولو بسبب ضعفه المالي، وفرض مانع تكويني عن التعمير، من مرض أو سجن أو غياب أوجب العجز التكويني، ونحو ذلك، والاُوليان مختصّتان بتعمّد ترك التعمير، فإنّ هذا هو المفهوم من كلمة «أخربها» الواردة في كلتا الروايتين الاُوليين، فإنّ نسبة الخراب إليه لا تصدق في فرض العجز التكويني عن رعاية الأرض، فتقدّم الاُوليان على الأخيرة بالتقييد والتخصيص.

ولو فسّرنا قوله في الرواية الثالثة: «فإن كان يعرف صاحبها» بمعنى معرفة صاحبها الشرعيّ الفعليّ، فهذه الرواية لم تتعرّض لمسألة: أنّ الرجل الأوّل متى يعتبر صاحب الأرض فعلاً ومتى لا يعتبر؟ والروايتان الاُوليان صريحتان في أنّه متى صدق عنوان الإخراب والإهمال لم يكن الرجل الأوّل صاحب الأرض الفعلي، فلا تعارض بين الروايات أصلاً.

وعلى أيّ التقديرين، فالنتيجة هي: التفصيل بين فرض الإهمال والإعراض العمدي عن الرعاية والتعمير ولو بسبب ضعفه المالي عن ذلك، وفرض العجز التكويني عن ذلك، ففي الثاني لا يكون الخراب وترك الإعمار مخرجاً للأرض عن ملك المالك الأوّل أو اختصاصه، وفي الأوّل يكون ذلك مُخرجاً للأرض عن ملكه، فتدخل في الأنفال الخارجة من حقّ الاختصاص.

الحالة الثانية: لو كانت وقفاً عامّاً، كالوقف على الزوّار، فخربت واُهملت، فهل ترجع الأرض إلى حالتها الاُولى، أو لا؟

يمكن الاستدلال على رجوعها إلى حالتها الاُولى بوجوه:

الوجه الأوّل: التمسّك بروايات «كلّ أرض خربة».

ويرد عليه ما عرفته من اختصاص بعضها بالأراضي المأخوذة خربة من الكفّار، في حين أنّ المفروض في موردنا أنّه أعمرها المسلم، وجعلها وقفاً عامّا، واختصاص بعضها

362


مباشرة أو بالتقييد بما انجلى أهلها، وهذا لا يشمل الأرض الموقوقة.

الوجه الثاني: التمسّك برواية «كلّ أرض لا ربّ لها» فإنّ ربّ الأرض يعني المربّي لها والراعي لعمرانها، والمفروض أنّه مفقود.

ولكن هذا الإطلاق عيبه أنّه مقيّد بما مضى من صحيحتي سليمان بن خالد والحلبي الدالّتين على أنّه مع وجود مالك سابق لها لم يسقط حقّه: إمّا مطلقاً أو في بعض الحالات.

هذا، لو لم نفسّر «لا ربّ لها» بمعنى: لا مالك لها، وإلّا قلنا: إنّ الموقوف عليهم هم الملاّك.

الوجه الثالث: التمسّك بإطلاق ما ورد في صحيحتي أبي سيّار والكابلي: «الأرض كلّها لنا» فإنّ هذا الإطلاق والعموم يدلّ على أنّ الأرض لم تخرج أصلاً من كونها أنفالاً، وإنّما اُعطي للمحيي أو من يحلّ محلّه حقّ الاختصاص الناتج من الحياة والعمران، والمنتفي بانتفائهما، وانتفاء الرعاية والإعمار.

وهذا الوجه عيبه هو عيب الوجه السابق من تقييد الإطلاق بصحيحتي سليمان بن خالد والحلبي.

الوجه الرابع: التمسّك بنفس صحيحتي معاوية بن وهب(1) وأبي خالد الكابلي(2); لأنّهما رخّصتا في إعمار الرجل الثاني لدى إهمال المحيي الأوّل، أو من يحلّ محلّه من مشتر، أو وارث، أو موهوب له، أو موقوف عليهم، أو المتولّي الشرعيّ. فإن آمنّا بهكذا إطلاق عرفي للصحيحتين، ولم نخصّصهما بموردهما من فرض كون المُهمِل هو الشخص المحيي أو الشخص المالك، فهذا الإطلاق يقتضي رجوع الأرض في المقام إلى حالتها الاُولى.


(1) الوسائل، ج 25 بحسب طبعة آل البيت، ب 3 من إحياء الموات، ح 1، ص 414، وقد مضت في هذا الكتاب، ص 359.

(2) المصدر السابق، ح 2، ص 414 ـ 415، وقد مضت في هذا الكتاب، ص 360.

363


نعم، هذا الوجه لا يشمل فرض عدم الإهمال، كما لو هدّمت حكومة غاصبة الوقف ومنعت عن إعماره.

فالنتيجة هي: أنّ الأرض الموقوفة لو خربت، وأهملها الموقوف عليهم والمتولّي الشرعيّ، رجعت إلى ما كانت من الأنفال من دون بقائها تحت حقّ الاختصاص، ولو لم يكن هناك إهمال، كما لو هدّمتها حكومة غاصبة مانعة عن الإعمار، فهي باقية تحت حقّ الوقف.

الحالة الثالثة: لو كانت الأرض من الأراضي الخراجيّة التي هي ملك للمسلمين، فخربت.

وهنا قد يدّعى: أنّ صحيحة محمّد الحلبي دلّت على أنّها لا تخرج بالخراب عن ملك المسلمين، والنصّ ما يلي: قال: «سئل أبو عبدالله(عليه السلام) عن السواد ما منزلته؟ قال: هو لجميع المسلمين: لمن هو اليوم، ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم، ولمن لم يخلق بعد. قلت: الشراء من الدهاقين؟ قال: لا يصلح، إلّا أنّ تشتري منهم على أن يصيّرها للمسلمين، فإذا شاء وليّ الأمر أن يأخذها أخذها. قلت: فإن أخذها منه؟ قال: يردّ عليه رأس ماله، وله ما أكل من غلّتها بما عمل»(1).

ووجه الاستدلال بهذه الصحيحة صراحتها في أنّ أرض السواد تبقى أرضاً خراجيّةً لجميع المسلمين: لمن هو اليوم، ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم، ولمن لم يخلق بعد وإلى الأبد، في حين أنّه من الواضح: أنّ أرض السواد قد يعرض عليها الخراب في المستقبل بالأنحاء المختلفة من الخراب.

ولعلّ الشيخ المنتظري الذي يصرّ على أنّ ملكيّة الإمام وملكيّة المسلمين شيء واحد; لأنّ الإمام لا يريدها لشخصه وإنّما يريدها للمسلمين، فنتيجة أحد الأمرين عين الآخر، حينما نراه احتمل أو قوّى استثناء ملكيّة المسلمين لأرض الخراج عن هذا الكلام، كان ينظر إلى مثل هذه الصحيحة، فقال ما نصّه:


(1) الوسائل، ج 17 بحسب طبعة آل البيت، ب 21 من عقد البيع وشروطه، ح 4، ص 369.

364


«نعم، يمكن اعتبار فرق ما بين ما ينسب إلى الإمام وما ينسب إلى المسلمين في بعض الموارد، فإنّ ما للإمام يجوز له أن يتصرّف أيّ تصرّف صالح ولو بالبيع والهبة، ويصرف حاصلها فيما يراه صالحاً ولو لشخص خاصّ من الاُمّة. وأمّا ما للمسلمين بما هم مسلمون كالأراضي المفتوحة، فيمكن أن يقال بعدم جواز بيع رقبتها أو هبتها، فإنّها تكون بمنزلة الوقف على المسلمين، ولا يصرف حاصلها إلّا فيما يرى صلاحاً للمجتمع والاُمّة بوصف الاجتماع، لا لشخص خاصّ، فتدبّر. والتحقيق موكول إلى محلّه»(1).

وكلامه هذا في غاية المتانة، فأرض الخراج للمسلمين عامّة، لا للإمام.

هذا، ويمكن دعم صحيحة محمّد الحلبي التي ذكرناها ـ وهي شبه الصريحة في أنّ أرض الخراج لا تخرج بالخراب عن كونها أرض خراج ـ بمطلقات روايات الخراج الشاملة بإطلاقها لما بعد فرض الخراب، من قبيل:

1 ـ رواية أبي الربيع الشامي عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «لا تشترِ من أرض السواد شيئاً (وفي الفقيه: لا يشتري من أراضي أهل السواد شيئاً) إلّا من كانت له ذمّة، فإنّما هي فيء للمسلمين»(2).

وسند الشيخ عبارة عن إسناده عن الحسين بن سعيد، عن الحسن بن محبوب، عن خالد بن جرير، عن أبي الربيع الشامي، عن أبي عبدالله(عليه السلام).

وخالد بن جرير قد روى الكَشّيّ عن العيّاشي، عن عليّ بن الحسن: أنّه كان من بجيلة، وكان صالحاً.

وأبو الربيع الشامي لا نصّ على توثيقه، إلّا أنّه روى البزنطي عن أبي الربيع ـ والظاهر


(1) راجع ولاية الفقيه، ج 4، ص 22.

(2) الوسائل، ج 17، ب 21 من عقد البيع وشروطه، ح 5.

365


أنّه الشاميّ ـ في علل الشرائع(1).

2 ـ خبر محمّد بن شريح قال: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن شراء الأرض من أرض الخراج، فكرهه، وقال: إنّما أرض الخراج للمسلمين، فقالوا له: فإنّه يشتريها الرجل وعليه خراجها، فقال: لا بأس، إلّا أن يستحيي من عيب ذلك»(2).

وفي السند بكار بن أبي بكر، ولا دليل على وثاقته.

3 ـ رواية أبي بردة بن رجا، قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال: ومن يبيع ذلك؟! هي أرض المسلمين. قال: قلت: يبيعها الذي هي في يده. قال: ويصنع بخراج المسلمين ماذا؟ ثُمّ قال: لا بأس، اشترى حقّه منها، ويحوّل حقّ المسلمين عليه، ولعلّه يكون أقوى عليها وأملأ بخراجهم منه»(3).

ولا توثيق لأبي بردة بن رجا، ولكن يكفيه: أنّ الرواي عنه هذه الرواية هو صفوان بن يحيى، فسند الحديث تامّ.

4 ـ صحيحة محمّد بن مسلم، قال: «سألته عن شراء أرضهم، فقال: لا بأس أن تشتريها فتكون إذا كان ذلك بمنزلتهم، تؤدّي فيها كما يؤدّون فيها»(4).

5 ـ صحيحة محمّد بن مسلم الاُخرى عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «سألته عن شراء أرض أهل الذمّة، فقال: لا بأس بها، فتكون إذا كان ذلك بمنزلتهم تؤدّي عنها كما يؤدّون...»(5).


(1) ج 1، ب 77، ح 7 من منشورات المكتبة الحيدريّة في النجف، الطبعة الثانية.

(2) الوسائل، ج 17، ب 21 من عقد البيع وشروطه، ح 9.

(3) الوسائل، ج 15، ب 71 من جهاد العدوّ، ح 1.

(4) الوسائل، ب 21 من عقد البيع وشروطه، ح 7، ج 17، ص 370.

(5) المصدر نفسه، ح 8.

366


6 ـ رواية محمّد بن مسلم قال: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الشراء من أرض اليهود والنصارى، فقال: ليس به بأس، قد ظهر رسول الله(صلى الله عليه وآله)على أهل خيبر فخارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملونها ويعمرونها، فلا أرى بها بأساً لو أ نّك اشتريت منها شيئاً، وأيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض وعملوها فهم أحقّ بها، وهي لهم»(1).

والسند الوارد في الوسائل هنا وإن كان مشتملاً على سند الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن فضّال، لكن ذكر له سندين آخرين سالمين عن هذا العيب: أحدهما عن الصدوق، والثاني عن الشيخ في موضع آخر من التهذيب. والفرق بين هذين النقلين والنقل الأوّل هو: أنّ النقل الأوّل ليس مضمراً، بل ورد فيه التصريح باسم أبي عبدالله(عليه السلام)، ولكنّه مبتلى بسند الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن فضّال، في حين أنّه في النقلين الآخرين لا يوجد هذا العيب في السند، ولكن الحديث مضمر، ولا بأس بذلك، وبالتالي فسند الحديث تامّ.

7 ـ صحيحة حريز عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السلام). وعن الساباطي، وعن زرارة عن أبي عبدالله(عليه السلام) «أنّهم سألوهما عن شراء أرض الدهاقين من أرض الجزية، فقال: إنّه إذا كان ذلك انتزعت منك، أو تؤدّي عنها ما عليها من الخراج.

قال عمّار (يعني عمّار الساباطيّ): ثُمّ أقبل عليّ فقال: اشترها، فإنّ لك من الحقّ ما هو أكثر من ذلك»(2).

وذكر محققّ الكافي تحت الخطّ ما يلي:

«قوله: فقال له: إذا كان ذلك» أي إذا وقع أن تشتريها، فإمّا أن يأخذ منك المخالفون، أو


(1) الوسائل، ج 15، ب 71 من جهاد العدوّ، ح 2، ص 156.

(2) الوسائل، ج 17، ب 21 من عقد البيع وشروطه، ح 1. والكافي، ج 5 باب شراء أرض الخراج، ح 3، ص 282 بحسب طبعة الآخونديّ.

367


يبقون في يدك بشرط أن تؤدّي عنها ما عليها من الخراج كما يفعلون بأهل الجزية ـ مجلسيّ(رحمه الله) ـ (كذا في هامش المطبوع). وفي المرآة: قوله: «إذا كان ذلك»، أي: ظهور الحقّ وقيام القائم(عليه السلام)، وقال: ثُمّ جوّز(عليه السلام)له شراءها; لأنّ له الولاية عليها، وعلّل بأنّ لك من الحقّ في الأرض بعد ظهور دولة الحقّ في الأرض أكثر من ذلك، فلذلك جوّزنا لك. انتهى كلام ذاك المحقّق.

أقول: تستطيع أن تراجع كلام المجلسيّ في المرآة في المجلد 19، ص 377 بحسب طبعة الآخوندي.

أمّا ما ذكره المجلسيّ(قدس سره) في المرآة من أنّ تجويزه(عليه السلام) لعمّار الساباطي كان باعتبار أنّ له(عليه السلام)الولاية، فلو صحّ فلا أظنّه خاصّاً بعمّار; وذلك بقرينة التعليل بأنّ لك من الحقّ ما هو أكثر من ذلك.

نكتفي بذكر هذا المقدار من روايات الباب.

وهذه المطلقات تؤيّد ما يكون صحيح محمّد الحلبي كالصريح فيه، من أنّ عروض الخراب على أرض الخراج لا يخرجها من كونها أرض خراج(1).

ولو كنّا نحن وتلك المطلقات وبغضّ النظر عن صحيح الحلبي الذي هو كالصريح في المقصود، لأمكن إيقاع المعارضة بينها وبين الطوائف التي ذكرناها في الحالة الثانية، ويكون الجواب نفس الجواب.

وعلى كلّ حال، فصحيحة محمّد الحلبيّ قد حلّت الإشكال في المقام من الأساس.

بقي في المقام شيء، وهو: أنّه هل الشيعيّ مرخَّص في الاستفادة من أرض الخراج في عصر الغيبة في ظلّ الحكومات الغاصبة، وخاصّة بعد عصر الخلافة الإسلاميّة، أو لا؟


(1) الوسائل، ج 17، ب 21 من عقد البيع وشروطه، ح 4.

368


يمكن الاستدلال على هذا الترخيص بعدّة روايات:

الاُولى: صحيحة أبي سيّار: «يا أبا سيّار، الأرض كلّها لنا... وكلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون، ومحلّل لهم إلى أن يقوم قائمنا...»(1) بدعوى: أنّ هذه تتقدّم على روايات أرض الخراج بالنظر إلى أحكام تلك الأراضي، وتأجيلها إلى زمان الحجّة عجّل الله فرجه خصوصاً لو قلنا بأنّ أرض البحرين من الخراج.

والثانية: ما مضى في صحيحة حريز عن محمّد بن مسلم، والساباطيّ وزرارة، وفي ذيلها: قال الساباطيّ: «ثُمّ أقبل عليّ، فقال: اشترها فإنّ لك من الحقّ ما هو أكثر من ذلك»(2).

والثالثة: رواية زرارة ـ وفي السند معلّى بن محمّد ـ قال: «قال: لا بأس بأن يشتري أرض أهل الذمّة إذا عملوها وأحيوها، فهي لهم»(3).

والرابعة: صحيحة محمّد الحلبيّ الماضية «سئل أبو عبدالله(عليه السلام) عن السواد ما منزلته؟ فقال: هو لجميع المسلمين: لمن هو اليوم، ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم، ولمن لم يخلق بعد، فقلت: الشراء من الدهاقين؟ قال: لا يصلح، إلّا أن تشتري منهم على أن يصيّرها للمسلمين، فإذا شاء وليّ الأمر أن يأخذها أخذها، قلت: فإن أخذها منه؟ قال: يردّ عليه رأس ماله، وله ما أكل من غلّتها بما عمل»(4).

والخامسة: حديث إسماعيل بن فضل الهاشميّ (الذي روى الكشّيّ عن العيّاشيّ عن


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 12.

(2) الوسائل، ج 17، ب 21 من عقد البيع وشروطه، ح 1.

(3) الوسائل، ج 17، ب 21 من عقد البيع وشروطه، ح 3.

(4) المصدر نفسه، ح 4.

369


عليّ بن الحسين بن عليّ بن فضّال توثيقه) قال: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل اشترى أرضاً من أرض أهل الذمّة من الخراج وأهلها كارهون، وإنّما يقبلها من السلطان لعجز أهلها عنها، أو غير عجز، فقال: إذا عجز أربابها عنها، فلك أن تأخذها، إلّا أن يضارّوا، وإن أعطيتهم شيئاً فسَخَت أنفس أهلها لكم، فخذوها. قال: وسألته عن رجل اشترى أرضاً من أرض الخراج، فبنى بها أو لم يبنِ، غير أنّ اُناساً من أهل الذمّة نزلوها، له أن يأخذ منهم اُجرة البيوت إذا أدّوا جزية رؤوسهم؟ قال: يشارطهم، فما أخذ بعد الشرط فهو حلال»(1).

وسند الحديث عبارة عن الشيخ بسنده عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن غير واحد، عن أبان بن عثمان، عن إسماعيل بن الفضل الهاشميّ، ولا أظنّك تعترض على هذا السند بالإرسال بواسطة كلمة «عن غير واحد»; إذ لا نظنّ بالحسن بن محمّد بن سماعة أن ينقل بعنوان «غير واحد» ممّا يعطي معنى «عن جماعة» وأقلّهم ثلاثة، ويكون كلّهم غير ثقاة.

وممّا عدّ من الأنفال بطون الأودية، ويكفيه صحيح حفص(2) إلّا أنّ الظاهر: دخوله في عنوان «كلّ أرض لا ربّ لها» وليس عنواناً مستقلاًّ.

وممّا عدّ أيضاً من الأنفال رؤوس الجبال، والظاهر عدم وروده في حديث تامّ السند وإن ورد في مرسلة حمّاد، وبعض المراسيل الاُخرى.

وعلى أيّ حال، فالظاهر: أنّه ليس عنواناً مستقلاًّ، فإنّه داخل في كلّ أرض ميّتة، أو كلّ أرض لا ربّ لها.

وممّا عدّ أيضاً منها الآجام، وقد وردت في مرسلة حمّاد(3)، وبعض المراسيل


(1) المصدر نفسه، ح 10.

(2) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 1.

(3) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 4.

370

زمن الغيبة، فله حقّ الاختصاص، فلو خربت وأهملها خرجت عن اختصاصه حتّى ولو كان إهماله بسبب فقره الماليّ، أمّا لو كان إهماله بعجز تكوينيٍّ منه كغياب لا يستطيع قطعه حتّى يحضر لإعمار الأرض، أو غصبِ حاكم ظالم، أو رجل جائر، أو سجن، أو نحو ذلك، لم يسقط حقّه.

129 ـ ولو كانت الأرض وقفاً فاُهملت بعد الخراب بإهمال المتولّي الشرعيّ، فقد رجعت الأرض إلى حالتها الاُولى، أمّا لو اُهملت بمثل تحطيم الحكومة الغاصبة، فهي باقية على وقفيّتها.

130 ـ ولو كانت الأرض خراجيّة لم تخرج بالخراب عن كونها أرض خراج. نعم، هي محلّلة للشيعة في عصر الغيبة في ظلّ الحكومات الجائرة خاصّة بعد عصر الخلافة الإسلاميّة.

131 ـ والخامس: قطائع الملوك وصفاياهم (1).


الاُخرى. والظاهر: أنّه ليس عنواناً مستقلاًّ، بل هو داخل في كلّ أرض لا ربّ لها.

وعدّ منها أيضاً سيف البحار، أي: سواحلها، ولم يرد في نصّ، وإنّما ورد في الشرائع بعنوان أحد أمثلة أرض الموات، فالظاهر: أنّه مصداق لأرض الموات، أو لكلّ أرض لا ربّ لها، سواء كانت مواتاً أو محياة بفعل الطبيعة.

(1) والخامس من الأنفال: قطائع الملوك وصفاياهم، والظاهر: أنّه لا خلاف في ذلك بين الأصحاب، وتدلّ عليه أخبار كثيرة، والتامّ سنداً منها ما يلي:

1 ـ صحيحة داود بن فرقد، قال: «قال أبو عبدالله(عليه السلام): قطائع الملوك كلّها للإمام وليس للناس فيها شيء»(1).

2 ـ موثّقة سماعة: «سألته عن الأنفال، فقال: كلّ أرض خربة، أو شيء يكون للملوك،


(1) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 6.

371


فهو خالص للإمام، وليس للناس فيها سهم...»(1).

3 ـ موثّقة إسحاق بن عمّار، وفيها: «وما كان للملوك فهو للإمام»(2).

وتدعمها الروايات غير التامّة سنداً، وعلى رأسها مرسلة حمّاد; إذ جاء فيها: «وله صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب; لأنّ الغصب كلّه مردود»(3).

والظاهر: أنّ المقصود بالصفايا أو الصوافي هي: الأراضي التي اصطفاها الملوك لأنفسهم، ولا تشمل الأشياء الثمينة المنقولة.

وقد نقل الشيخ المنتظريّ عن نهاية ابن الأثير قوله: «الصوافي: الأملاك والأراضي التي جلا عنها أهلها، أو ماتوا ولا وارث لها، واحدها صافية، قال الأزهريّ: يقال للضياع التي يستخلصها السلطان لخاصّته: الصوافي».

وأيضاً نقل الشيخ المنتظريّ عن نهج البلاغة عن كتاب الإمام(عليه السلام) لمالك الأشتر في وصيّته للطبقة السُفلى: «واجعل لهم قسماً من بيت مالك، وقسماً من غلاّت صوافي الإسلام في كلّ بلد»(4).

نعم، لو أردنا إدخال الأشياء الثمينة المنقولة التي اصطفاها الملوك لأنفهسم، أمكن التمسّك بإطلاق ما نقلناه من موثّقتي سماعة وإسحاق; إذ ورد في الاُولى: «أو شيء يكون للملوك» وفي الثانية: «وما كان للملوك».

إلّا أنّ الظاهر عدم تماميّة الإطلاق فيهما; لأنّ كلمة «أو شيء يكون للملوك» في موثّقة سماعة اُردفت بكلّ أرض خربة، وجملة «وما كان للملوك فهو للإمام» في موثّقة


(1) المصدر نفسه، ح 8.

(2) المصدر نفسه، ح 20.

(3) المصدر نفسه، ح 4.

(4) راجع الجزء الرابع من ولاية الفقيه للشيخ المنتظريّ، ص 53.

372

132 ـ والسادس: صفو الغنيمة، أي: ما يصطفيه الإمام منها قبل القسمة (1).


إسحاق أيضاً عطفت بجملة: «هي القرى التي خربت...» فإن لم نجزم بانصراف ذلك إلى الأرض، فلا أقلّ من الإجمال; وذلك لأنّ كلمة «شيء» في الموثقة الاُولى وكلمة «ما» في الموثقة الثانية من الأسماء المبهمة والتي تتلوّن بلون ما ترتبط بها.

ثُمّ إنّ استثناء قطائع الملوك أو الصوافي في هذه الروايات شاهد على ما قلناه، من أنّ أراضي الخراج للمسلمين بالمعنى المقابل لكونها للإمام; وذلك لأنّ هذا استثناء من ملك المسلمين لا من ملك المقاتلين; إذ ليس في الأراضي الثابتة شيء للمقاتلين، فلو كان امتلاك المسلمين للخراج مع امتلاك الإمام بمعنىً واحد، فما معنى استثناء هذه القطائع وجعلها للإمام، وأنّه ليس للناس فيها شيء؟!

(1) والسادس: صفايا الغنيمة، أي: ما يصطفيه الإمام منها قبل القسمة، وهذا ما دلّت عليه الروايات، وفيها صحيحتان:

الاُولى: صحيحة ربعي عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه، وكان ذلك له...»(1).

والثانية: صحيحة أبي الصباح الكنانيّ «قال أبو عبدالله(عليه السلام): نحن قوم فرض الله طاعتنا، لنا الأنفال، ولنا صفو المال»(2).


(1) الوسائل، ب 1 من قسمة الخمس، ح 3.

(2) وهذه الرواية رويت في الوسائل، ب 2 من الأنفال، ح 2، عن الكلينيّ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن أبي عمير، عن سيف بن عميرة، عن أبي الصباح الكنانيّ. ومحلّها في الكافي: الجزء الأوّل، كتاب الحجّة، باب فرض طاعة الأئمّة، ح 6، ص 186 بحسب طبعة الآخونديّ. ورواها الكلينيّ في الكافي أيضاً بسند تامّ غير هذا السند في كتاب الحجّة، باب الفيء والأنفال، ح 17، ص 546 بحسب طبعة الآخونديّ. والسند الآخر ما يلي: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن شعيب، عن أبي الصباح.

373

133 ـ والسابع: الغنائم المنقولة في حرب الكفّار ابتداءً بغير إذن الإمام أو نائبه(1).


وتدعم هاتين الروايتين روايات اُخرى غير تامّة سنداً، من قبيل مرسلة حمّاد: «وللإمام صفو المال أن يأخذ من هذه الأموال صفوها: الجارية الفارهة، والدابّة الفارهة، والثوب، والمتاع بما يحبّ أو يشتهي، فذلك له قبل القسمة، وقبل إخراج الخمس...»(1).

ورواية أبي بصير (وفي السند أحمد بن هلال) عن أبي عبدالله(عليه السلام) «سألته عن صفو المال، قال: الإمام يأخذ الجارية الروقة (وهي ـ كما عن الصحاح ـ: الجميلة الحسناء)، والمركب الفاره، والسيف القاطع، والدرع قبل أن تقسّم الغنيمة. فهذا صفو المال»(2).

وكانت قطائع الملوك استثناءً من ملك المسلمين، وهذه الصفايا استثناء من ملك المقاتلين.

(1) والسابع: الغنائم المنقولة في حرب الكفّار ابتداءً بغير إذن الإمام أو نائبه.

وهذا هو المشهور بين أصحابنا، والمدّعى عليه الإجماع.

وهناك روايتان يمكن الاستدلال بهما على ذلك، وهما:

1 ـ صحيحة معاوية بن وهب الماضية: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): السريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم، كيف يقسّم؟قال: إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم، اُخرج منها الخمس لله وللرسول، وقسّم بينهم أربعة أخماس، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين، كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ»(3).

وكلمة «أربعة أخماس» أخذناها من مصدر الحديث، وهو الكافي من كتاب الجهاد، وباب قسمة الغنيمة، ح 1، ص 43 بحسب طبعة الآخونديّ من المجلّد الخامس، ولعلّه


(1) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 4.

(2) المصدر نفسه، ح 15.

(3) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 3، وب 41 من جهاد العدوّ، ح 1.

374


هو الصحيح، لا ما ورد في الوسائل من كلمة «ثلاثة أخماس».

وقد كتب محقّق تلك الطبعة من الكافي «علي أكبر الغفّاري» تحت الخط على كلمة «أربعة أخماس» ما يلي: «كذا في نسخة المطبوع بطهران، وفي الوافي وأكثر نسخ الكتاب والمرآة: [ثلاثة أخماس] وقال المجلسي: هذا نادر، لم يقل به أحد، ولعلّه كان مذهب بعض المخالفين صدر ذلك تقيّةً منهم، ورواية الكافي له غريب، وعدّه الفيض(رحمه الله)من الشواذّ والمتشابهات».

وعلى أيّ حال، فللاستدلال بهذا الحديث على المقصود وجهان:

الأوّل: فرض تسليط أداة الشرط في الحديث على جملتين: إحداهما: «إن قاتلوا عليها» والثانية: «مع أمير أمّره الإمام عليهم» فللحديث مفهومان; لأنّ فيه شرطين ذكرا بصدد التحديد، وقد صرّح الإمام(عليه السلام) في آخر الحديث بالمفهوم الثاني، ولم يصرّح بالمفهوم الأوّل. وعدم تصريحه به لا يضرّ بالدلالة.

والثاني: لو فرض تسليط الشرط على «قاتلوا» فحسب ـ ولو بنكتة: أنّ بعث الإمام فرضٌ موجود في أصل سؤال السائل ـ فلا يبقى عندئذ وجه لاستفادة المطلوب من الحديث، إلّا التمسّك بمفهوم القيد، وهو قيد «مع أمير أمّره الإمام عليهم»، فمفهومه هو: أنّه إن لم يكن بإذن الإمام ومع أمير أمّره الإمام، فكلّ الغنيمة للإمام.

ولكن لا يخفى عليك ضعف هذا المفهوم.

2 ـ مرسلة الورّاق عن رجل سمّاه عن أبي عبدالله(عليه السلام) (وهي غير تامّة سنداً حتّى لولا الإرسال) قال: «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا، كانت الغنيمة كلّها للإمام. وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا، كان للإمام الخمس»(1).


(1) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 16.

375


وهذه واضحة الدلالة على المقصود، إلّا أنّها ساقطة سنداً.

وفي المقابل توجد روايات قد تدلّ على خلاف المقصود:

الاُولى: رواية الحلبيّ عن أبي عبدالله(عليه السلام) «في الرجل من أصحابنا يكون في أوانهم (لوائهم خَ لَ) فيكون معهم فيصيب غنيمة، قال: يؤدّي خمساً (وفي التهذيب خمسها) ويطيب له»(1).

والسند هو: الشيخ بإسناده إلى سعد، عن عليّ بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن عبدالله بن مسكان، عن الحلبيّ.

والظاهر: أنّ عليّ بن إسماعيل هو عليّ بن إسماعيل بن عيسى، ولا دليل على وثاقته عدا وقوعه في أسانيد كامل الزيارات، ولا عبرة بذلك.

والثانية: صحيحة عليّ بن مهزيار الطويلة: «فأمّا الغنائم والفوائد، فهي واجبة عليهم في كلّ عام. قال الله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم...﴾والغنائم والفوائد ـ يرحمك الله ـ فهي الغنيمة يغنمها المرء، والفائدة يفيدها، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن، ومثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله...»(2).

والعيب الدلالي في هذه الرواية هو أنّها غير واردة في موضوع الحرب والفتح.

والثالثة: صحيح حفص عن أبي عبدالله(عليه السلام): «قال: خذ مال الناصب حيثما وجدته، وادفع إلينا الخمس»(3).

ووجه الاستدلال بهذا الحديث هو استظهار: أنّ المقصود بذكر الناصب لم يكن فرض


(1) الوسائل، كتاب الخمس، ب 2 ممّا يجب فيه الخمس، ح 8.

(2) الوسائل، كتاب الخمس، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 5.

(3) الوسائل، كتاب الخمس، ب 2 ممّا يجب فيه الخمس، ح 6.

376


خصوصيّة له في مقابل الكافر، بل كان هو إلحاقه بالكافر في الحكم.

والعيب الدلالي في هذه الرواية هو أنّها غير واردة في موضوع الحرب والفتح.

ولنا مناقشة عامّة في كلّ هذه الروايات، وهي: أنّها جميعاً تنسجم مع افتراض كون المال المفروض فيها من الأنفال، ومع افتراض عدم كونها من الأنفال; وذلك لأنّه بعد وضوح أنّ المقصود هي الأموال المنقولة لا الأراضي الثابتة، فأمرها دائر بين أن تكون من الأنفال أو تكون للغانمين، وعلى الثاني يكون الأمر بالتخميس أمراً طبيعيّاً، وعلى الأوّل يكون سماح الإمام ـ الذي كان المال جميعاً له ـ للغانمين بالاكتفاء بالتخميس أمراً طبيعيّاً مادام الإمام غير مبسوط اليد أو غائباً، كما قد يقال في باب المعادن: إنّ تخميسه لا يعني عدم كون الغنائم من الأنفال، وإنّما يعني سماح صاحب الأنفال وهو الإمام بذلك، ومتى ما ظهرت دولة الحقّ وأرادت كلّ المعدن سلّم له.

إذن فلو تمّت دلالة ما مضى من صحيحة معاوية بن وهب، أو تمّ سند مرسلة الورّاق، فهذه الروايات لا تعارضها.

فالمهمّ في عدم إثبات المقصود ـ وهو كون ذلك من الأنفال ـ ضعف دلالة الصحيحة وضعف سند المرسلة.

ويمكن إثبات كون الغنائم المنقولة إذا كانت الحرب بغير إذن الإمام من الأنفال بالتمسّك بآية الأنفال التي جعلت غنائم وقعة بدر من الأنفال، والتي كانت بإشراف رسول الله(صلى الله عليه وآله)فكيف بالحرب التي تكون بغير إذن، وبغير أمير أمّره الإمام؟!

نعم، الكلام في كون هذا أنفالاً بالمعنى المصطلح في لغة الروايات وعدمه يرجع في روحه إلى أنّه هل دخل ذلك في آية التخميس فلا نسمّيه أنفالاً، ونقول: إنّ ما عدا الخمس للمقاتلين، أو لم يدخل في آية التخميس فنسمّيه أنفالاً، أي: لا يكون للمقاتلين شيء، ويكون كلّه للإمام؟

377

134 ـ والثامن: المعادن (1). والاكتفاء بتخميسها الذي مضى سابقاً إنّما هو حكم


والصحيح: هو الثاني، لأنّه لا شكّ في أنّ قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِنْ شَيء...﴾ناظر إلى الحرب المشروعة، لا الحرب المحرّمة. ولا شكّ: أنّ الحرب تحرم إلّا بإذن الإمام، أو نائبه في عصر الغيبة بناءً على ولاية الفقيه، أو بأن تكون الحرب دفاعيّة، و في غير ذلك لا يحتمل تملّك المقاتلين للغنيمة بسبب الحرب المحرّمة عليهم.

(1) والثامن: المعادن.

وفي أصل كون المعادن من الأنفال وعدمه، وفي حدود ما هو منها من الأنفال اختلاف كثير. فلنَرَ أوّلاً: ما هو الأصل في عدّها من الأنفال، حتّى نستطيع أن نبحث أصل الإيمان بكون المعادن من الأنفال وحدود ذلك، لو آمنّا به؟

والأصل في ذلك أحد اُمور ثلاثة:

الأوّل: موثّقة إسحاق بن عمّار: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الأنفال، فقال: هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها، فهي لله وللرسول، وما كان للملوك فهو للإمام، وما كان من أرض الجزية لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وكلّ أرض لا ربّ لها، والمعادن منها، ومن مات وليس له مولىً فماله من الأنفال»(1).

وفي التعبير بــ «أرض الجزية» اتّبعنا المصدر، وهو تفسير عليّ بن إبراهيم، ولم نتّبع الوسائل.

أمّا جملة: «والمعادن منها» فربّما تُقرأ: «والمعادن فيها»، إلّا أنّه قال الشيخ المنتظريّ: «الموجود في مطبوعين من التفسير ـ يعني تفسير عليّ بن إبراهيم الذي هو الأصل في هذا الحديث ـ كلمة «منها»، ولم أعثر على: «فيها»»(2).


(1) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 20.

(2) المجلّد 4 من ولاية الفقيه، ص 73.

378


والثاني: صحيحة أبي سيّار: «وما لنا من الأرض وما أخرج الله منها إلّا الخمس؟! يا أبا سيّار، الأرض كلّها لنا، فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا...»(1).

والثالث: دعوى: أنّ المفهوم من عناوين: كلّ أرض خربة، وبطون الأودية، وكلّ أرض لا ربّ لها أنّ هذه أنفال بما هي مصاديق للنفل في كلّ مجتمع ما، ولا إشكال في أنّ المعادن كذلك.

أمّا استظهار: أنّ هذه مصاديق للنفل في كلّ مجتمع ما، فله تقريبان:

التقريب الأوّل: أنّ الجمع بين اُمور من هذا القبيل، وهي: كلّ أرض خربة، وبطون الأودية، وكلّ أرض لا ربّ لها يوجب انتزاع العرف منها القاسم المشترك، واستظهار كون ذاك هو الأنفال، وهو كلّ ما يعدّ نفلاً وثانويّاً في حياة أيّ مجتمع اعتياديّ، أو ما يعدّ عادة في الحكومات المختلفة ملكاً للحكومات، ولا شكّ في أنّ المعادن من هذا القبيل.

فإن كان هذا الفهم إلى حدّ القطع فقد ثبت المطلوب، وإن كان هذا الفهم إلى حدّ الاستظهار، فقد يقال: لا قيمة لهذا الاستظهار; لأنّ العناوين الثلاثة ذكرت متفرقّة، فاثنان منها وردا في صحيحة حفص(2)، وواحد منها وهو: «كلّ أرض لا ربّ لها» ورد في موثّقة إسحاق(3)، واستظهار إرادة الجامع يكون نتيجة اتّصال بعضها ببعض.

وموثّقة إسحاق وإن اشتملت على كلمة «والمعادن منها» ولكن ليس المفروض بنا فعلاً قبول الاستدلال بهذه الكلمة على أنفاليّة المعدن; لأنّ هذا رجوع إلى الدليل الأوّل.

وربما يقال: يكفي اتّصال اثنين منها أحدهما بالآخر في هذا الانتزاع والاستظهار


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 12.

(2) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 1.

(3) المصدر نفسه، ح 20.

379


العرفيّ، وذلك واقع في صحيحة حفص.

التقريب الثاني: أن يقال: لا حاجة إلى جمع بعض هذه العناوين ببعض في هذا الانتزاع والاستظهار; وذلك لأنّ النفل له معنىً عرفيّ، وهو الثانويّة، كما تسمّى الصلوات المستحبّة بالنوافل بالقياس إلى الواجبة، ويسمّى الحفيد بالنفل بالقياس إلى الولد. ونكتة تسمية الأنفال بالأنفال قد تكون نفليّة ما اُخذ من الكفّار بالقياس إلى المسلمين، كما هو الحال في آية الأنفال بحسب نزولها وبغضّ النظر عن الإطلاق المفترض لها فيما سيأتي في روايات ميراث من لا وراث له. وهذا بعيد عن روايات هذه العناوين، واُخرى تكون نفليّتها بالقياس إلى الناس في كلّ مجتمع اعتياديّ. وهذا هو المقصود من العناوين الواردة في هذه الروايات، من الأرض الخربة، أو بطون الأودية، أو كلّ أرض لا ربّ لها; وذلك بدليل: أنّه لم يفرض فيها الانتقال من الكفّار إلى المسلمين. إذن فتنفيلها لا يكون إلّا بمعنى: أنّه بالنسبة للناس الاعتياديّين في أيّ مجتمع ما يكون نفلاً، ولا شكّ: أنّ المعادن تكون كذلك.

ولا بدّ أن يقع البحث هنا في عدّة اُمور:

الأمر الأوّل: في أصل كون المعادن من الأنفال ولو في الجملة; لأنّ البعض أنكر ذلك وإن كان أصل كونها في الجملة من الأنفال هو المشهور عندنا.

وقد نقل عن العامّة: أنّ الناس فيها شرع سواء(1).

وهذا رأي نادر عندنا نقل عن النافع، والبيان، والدروس، واللمعة(2).

ولعلّ الوجه في إنكار ذلك ثبوت الخمس فيه، فلو كان المعدن أنفالاً لكان كلّه للإمام،


(1) ولاية الفقيه للشيخ المنتظريّ، ج 4، ص 71.

(2) المصدر نفسه، ص 68 ـ 69.

380


ولا معنى لثبوت الخمس فيه.

إلّا أنّ هذا الوجه لو كان مقصوداً فهو غير وجيه; لأنّه قد يكون ثبوت الخمس فيه بمعنى سماح الإمام بتلك الأربعة أخماس لمن دفع الخمس، ويظهر الأثر العملي لكونه من الأنفال أنّه متى ما رأى الإمام أو رئيس الحكومة الإسلاميّة المنع عن تملّك شيء من الأنفال كان له ذلك.

والحقّ هو: الاعتراف بكون المعدن في الجملة أنفالاً; وذلك للوجوه التي شرحناها.

الأمر الثاني: قيل بالتفصيل بين المعدن الذي يكون في أرض الأنفال فهو من الأنفال، والذي يكون في الملك الشخصيّ فهو ملك شخصيّ، وما يكون في الأرض المفتوحة عنوة فهو أيضاً يتبع أرضه، ويكون لعموم المسلمين، كما في السرائر، والمعتبر، والمنتهى، والروضة، وعن التحرير أيضاً(1).

ولعلّ وجهه: قاعدة: تبعيّة ما في الأرض للأرض عقلائيّاً.

إلّا أنّ هذا لا يقف أمام الإطلاق المستفاد من الأدلّة الماضية، ومجرّد دعوى: ارتكاز تبعيّة ما في الأرض للأرض عقلائيّاً ليست بمستوىً يوجب انصراف الإطلاق، بل ربّما يدّعى: أنّ الاعتبار العقلائيّ يناسب كون أمثال هذه الاُمور للسلطان، كما هو المتعارف في جميع الدول والحكومات الدارجة(2).

ولعلّه يستدلّ أيضا لهذا الرأي، أو لخصوص: أنّ المعدن الذي يكون من الأنفال هو المعدن الواقع في أرض الأنفال بما مضى من موثّقة إسحاق بن عمّار، حيث ورد فيها: «والمعادن منها»(3) فيفسّر ذلك بمعنى: المعادن من أرض الأنفال، بل وبناءً على نسخة


(1) ولاية الفقيه للشيخ المنتظريّ، ج 4، ص 69.

(2) راجع المصدر السابق، ص 74.

(3) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 20.

381


«والمعادن فيها» يكون رجوع الضمير إلى أرض الأنفال أوضح.

إلّا أنّ هذا الوجه أيضاً ليس وجيهاً، فقد عرفت: أنّ نسخة «والمعادن فيها» غير ثابتة، وإنّما الثابت نسخة «والمعادن منها». وعليه نقول: إنّ تفسير ذلك بالمعادن من أرض الخراج خلاف الظاهر. نعم، لو قال: «ومعادنها» كان هذا ظاهراً في رجوع الضمير إلى أرض الأنفال، ولكن الظاهر من هذه العبارة رجوع الضمير إلى الأنفال، فيكون المعنى: «والمعادن تكون من الأنفال». فهذه من المطلقات التي نتمسّك بها، وليست ممّا تشهد لعدم الإطلاق.

الأمر الثالث: وقيل بالتفصيل بين المعادن الظاهرة والمعادن الباطنة، فالظاهرة يكون الناس فيها شرعاً سواء، والباطنة تكون للإمام على كلام في معنى الظاهرة والباطنة، فقد يفسّر ذلك بمعنى: أنّ ما يكون جاهزاً تحت الأرض، ولا يحتاج إلى العلاج بالتصفية والتحليل من أعماق التراب، كالقير والنفط والكبريت، فهي الظاهرة، وما يحتاج إلى الاستخراج بالتصفية والتحليل، كالحديد والذهب والفضّة، فهي الباطنة، وقد يفسّر بمعنى: أنّ ما كان في ظاهر الأرض أو قريباً من الظاهر فهي الظاهرة، وما كان في أغوار الأرض فهي باطنة.

وقد روى الشيخ المنتظريّ عن الشهيد في المسالك في تفسير المعادن الظاهرة والباطنة:

«الظاهرة هي التي يبدو جوهرها من غير عمل، وإنّما السعي والعمل لتحصيله، ثُمّ تحصيله قد يسهل وقد يلحقه تعب، وذلك كالنفط، وأحجار الرحى، والبرمة ـ وهي الأحجار التي كانت تصنع منها القُدور ـ والكبريت، والقار. والباطنة هي التي لا يظهر جوهرها إلّا بالعمل والمعالجة، كالذهب، والفضّة، والفيروزج، والياقوت، والرصاص، والنحاس، والحديد، وسائر الجواهر المبثوثة في طبقات الأرض، سواء كانت موجودة في