103

85 ـ والأحوط وجوباً تخصيص زكاة الفطرة بالفقراء والمساكين دون باقي أقسام المستحقّين لزكاة المال.

86 ـ ويشترط في من تدفع إليه الفطرة الإيمان.

نعم، لو لم يقدر على المؤمن في البلد جاز إعطاؤها إلى المستضعف غير المؤمن، ولكن لا يجوز إعطاؤها إلى الناصب.

87 ـ ولا يجوز دفعها إلى الهاشميّ إلّا إذا كان المزكّي أيضاً هاشميّاً.

88 ـ والظاهر جواز الدفع إلى المستحقّ أقلّ من صاع، بأن يقسّم الصاع الواحد مثلاً على شخصين.

نعم، الأحوط استحباباً أن لا يفعل ذلك.

 

105

 

 

الخـمـس

 

 

 

 

 

107

 

 

 

 

89 ـ كانت الزكاة مثالاً للقسم الأوّل من الأموال العامّة: وهو ما يكون مملوكاً لجهة عامّة، وليست لعموم المسلمين ولا للدولة الإسلاميّة.

إلّا أنّه مضى أنّ صرفها بيد الدولة الإسلاميّة لدى بسط اليد للحاكم الشرعيّ، فإذن هي تعتبر من ميزانيّة الدولة بمعنى من المعاني.

أمّا الخمس فهو مثال للقسم الثاني من تلك الأقسام: وهو ما يكون ملكاً للدولة الإسلاميّة مباشرةً، أو قل: لمنصب الإمامة (1)، والأقوى عندنا ثبوت هذا الحكم


(1) ويدلّ على ذلك:

قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ...﴾(1).

ولهذه الآية تفسيران:

الأوّل: تقسيم الخمس إلى أقسام لعدّة جهات، فكلّ جهة تملك جزءاً منه. وبناءً على هذا التفسير يصبح حال الخمس هو حال الزكاة الماضية، ولا يكون حقّاً وحدانيّاً للدولة أو لمنصب الإمامة، إلّا سهم الله ورسوله وذي القربى، وهذا ما يعبّر عنه في مصطلح الفقهاء بسهم الإمام.

ويشهد لهذا التفسير عدّة روايات (راجع الوسائل، ب 1 من قسمة الخمس، ح 1 و2 و3 و8 و9 و10 و12 و16 و19). وقد ورد في متن الحديث 12 ما قد يخالف التقسيم


(1) سورة الأنفال، الآية: 41.

108


وهو عدّ الخمس من وجه الإمارة(1)، ولكنّني لم أجد فيها ما يتمّ سنداً إلّا صحيح ربعي ـ وهو الحديث الثالث من ذلك الباب ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: «كان رسول الله(صلى الله عليه وآله)إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له، ثُمّ يقسّم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خمسه، ثُمّ يقسّم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه، ثُمّ قسّم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس يأخذ خمس الله ـ عزّ وجلّ ـ لنفسه...»، فلولا أنّ المقصود بالآية الشريفة تقسيم الخمس إلى عدّة أقسام لم يكن معنى لقوله(عليه السلام): «يأخذ خمس الله ـ عزّ وجلّ ـ لنفسه».

والثاني: أنّ المسألة ليست مسألة تقسيم، بل هي مسألة مراتب، فالخمس كلّه لله، وما كان لله فللرسول، وما كان للرسول بما هو رسول ينتهي بعده إلى ذي القربى، وهو الإمام، وذكر الجهات الثلاث الاُخرى لم يكن إلّا من باب ذكر المصرف.

وظاهر الآية ينسجم مع التفسير الثاني أكثر منها مع التفسير الأوّل، فلا نفهم معنىً معقولاً لجعل حصّة الله. وآية الزكاة(2) إنّما حصّصت الزكاة لأنّها فرضت الحصص كلّها بين الناس، فالظاهر: أنّ المقصود: أنّ الخمس كلّه لله، وأنّ ما لله يرجع بالمرتبة الثانية للرسول، وأنّ ما للرسول يرجع بالمرتبة الثالثة للإمام. وهذه هي النكتة البلاغية لتكرار حرف اللام على كلمة «الله» و «الرسول» و «ذي القربى»; إذ لو كان المقصود هو التقسيم السداسي لم يكن المناسب تكرار اللام على كلمة «الرسول» وكلمة «القربى» أبداً; لأنّ الخمس للمجموع أو قل: للجميع بالشركة، فالمفروض أن تذكر لام واحدة واردة على الكلّ كما هو الحال في آية الزكاة(3)، خصوصاً بناءً على عدم وجوب استيعاب الأقسام، وعليه فتكرار اللام يعني: أنّ الخمس كلّه لله وكلّه للرسول


(1) الوسائل، ب 2 ممّا يجب فيه الخمس، ح 12.

(2) سورة التوبة، الآية: 60.

(3) سورة التوبة، الآية: 60.

109


وكلّه لذي القربى، في حين أنّه لم يكرّر اللام في ظاهر اللفظ على الأقسام الثلاثة الاُخرى.

ويشهد لذلك: أنّ نفس اللحن ورد في القرآن في آية الفيء، حيث قال: ﴿وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَلاَ رِكَاب وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ * مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاَْغْنِيَاء مِنكُمْ...﴾(1) ولا إشكال فقهيّاً في أنّ الفيء كلّه للإمام، وهو من الأنفال(2).

وتدلّ على التفسير الثاني ـ وهو التفسير الذي اختاره الشيخ المنتظري(3)ـ روايات عديدة فيها ما هو تامّ سنداً من قبيل:

1 ـ صحيحة أبي عليّ بن راشد «قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقّك، فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: وأيّ شيء حقّه؟ فلم أدر ما اُجيبه، فقال: يجب عليهم الخمس، فقلت: ففي أيّ شيء؟ فقال: في أمتعتهم وصنائعهم، قلت: والتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال: إذا أمكنهم بعد مؤونتهم»(4).

2 ـ صحيحة معاوية بن وهب «قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): السريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف يقسّم؟ قال: إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم اُخرج منها الخمس لله وللرسول، وقسّم بينهم ثلاثة أخماس (في نسخة الكافي(5) «أربعة أخماس»


(1) سورة الحشر، الآية: 6 ـ 7.

(2) الوسائل، ب 1 من الأنفال.

(3) ولاية الفقيه للشيخ المنتظريّ، ج 3، ص 110 ـ 115.

(4) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 3.

(5) الكافي، طبعة الآخونديّ، ج 5، ص 43، باب قسم الغنيمة، ح 1.

110


وكأنّه الصحيح) وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ»(1).

3 ـ أخبار التحليل جميعاً، وفيها عدد تامّ السند بناءً على أنّ ظاهر تحليله(عليه السلام)للشيعة: أنّه تحليل مالكيّ ولائي، أي: أنّه يحلّل ما يملكه منصبه الولائي (ولكن يحتمل أن يكون التحليل عملاً ولائيّاً له من باب إعمال الولاية على الفقراء والمساكين وابن السبيل، أو من باب عدم وجوب استيعاب الأقسام).

4 ـ لو قبلنا موثوقيّة النوفلي تمّ أيضاً سند ما رواه الصدوق بسنده عن السكوني، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه(عليهم السلام)«قال: قال عليّ(عليه السلام): الوصيّة بالخمس; لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قد رضي لنفسه بالخمس»(2)(3).

ولو فرضنا وقوع التعارض بين هذه الطائفة التي دلّت على أنّ الخمس كلّه للإمام والطائفة السابقة التي جعلت النصف للإمام والباقي لليتامى والمساكين وابن السبيل، فهذه الطائفة ترجّح على الطائفة الاُولى لمطابقتها لظاهر الآية على ما أشرنا إليه من ظهور الآية في التفسير الثاني.

والذي يهوّن الخطب: أنّه لا أثر عملي مهمّ بين فرض الخمس ملكاً للجهات أو ملكاً وحدانيّاً لمنصب الإمامة; وذلك لأنّه لا إشكال في عدم وجوب الاستيعاب كما صرّح بذلك صحيح البزنطيّ عن الرضا(عليه السلام)«قال: سُئل عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا


(1) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 3.

(2) الوسائل، ب 9 من كتاب الوصايا، ح 3.

(3) راجع روايات وحدانيّة حقّ الخمس للإمام في ولاية الفقيه للشيخ المنتظريّ، ج 3، ص 111 ـ 114.

111

ـ أي: كونه لمنصب الإمامة ـ حتّى فيما يسمّى في المصطلح الفقهيّ عادة بسهمالسادة. نعم، لا شكّ في أنّ من مهامّ الأئمّة(عليهم السلام) مراعاة الحاجات الاقتصاديّة لأولاد الرسول(صلى الله عليه وآله).

 

ما يتعلّق به الخمس

وقد جعلوه سبعة:

90 ـ الأوّل: الغنائم المأخوذة في القتال:

وقد فصّلوا بين القتال بإذن الإمام، فتكون الغنائم عندئذ ملكاً للمقاتلين الذين


غَنِمْتُم مِّن شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾(1) فقيل له: فما كان لله فلمن هو؟ فقال: لرسول الله(صلى الله عليه وآله)وما كان لرسول الله(صلى الله عليه وآله)فهو للإمام. فقيل له: أفرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر وصنف أقلّ ما يصنع به؟ قال: ذاك إلى الإمام، أرأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله)كيف يصنع، أليس إنّما كان يعطي على ما يرى؟ كذلك الإمام»(2). وعليه فللإمام(عليه السلام)أن يتصرّف بجميع الخمس كحقّ وحدانيّ للإمام. وهذا الكلام لم يكن يمكن أن نقوله في باب الزكاة; لأن الأقسام الستّة لم يكن شيء منها للإمام، ففرض عدم وجوب الاستيعاب لم يكن يؤدّي إلى نتيجة أن يكون الجميع للإمام، في حين أنّ الخمس لا إشكال في أنّ نصفه للإمام، فإن لم يجب الاستيعاب صحّ له أن يتصرّف في الكلّ بوصفه حقّاً وحدانيّاً لمنصب الإمامة.

فعلى تقدير أن يكون التقسيم في الآية سداسيّاً في عرض واحد ولم يكن تعدّد اللام بمعنى تعدّد المرتبة، فلتحمل الطائفة الدالّة على كون الخمس حقّاً وحدانيّاً للإمام على هذا المعنى.


(1) سورة الأنفال، الآية: 41.

(2) الوسائل، ب 2 من قسمة الخمس، ح 1

112

قاتلوا الكفّار بعد أخذ صفو المال للإمام، وأخذ الخمس من الباقي له(1)، فما يتبقّى يقسّم على المقاتلين بشرح راجع إلى محلّه، وما يكون قتالاً وغزواً لهم ابتداءً من قِبَل المسلمين من دون أمير أمّره الإمام(عليه السلام) وإذن لهم، فيكون عندئذ كلّ ما غنموه للإمام.

91 ـ وهذا الذي ذكرناه إنّما هو في المنقولات. وأمّا مثل الأراضي المفتوحة عَنْوةً التي هي ملك للمسلمين عامّة، فلا يتعلّق بها الخمس (2).


(1) لا إشكال في ذلك; فإنّ غنيمة الحرب هي المتيقّنة من آية الخمس: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم...﴾(1) سواء أخذنا بالتفسير السنّي للغنيمة وهي غنيمة الحرب أو بالتفسير الشيعي وهو مطلق الفائدة، فإنّ الأوّل قدر متيقّن بلا إشكال، وقد وردت الآية ضمن آيات الجهاد، بل في داخل نفس الآية ما هو شاهد على النظر إلى الحرب، وهو قوله تعالى: ﴿إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ﴾.

(2) المسألة ذات قولين بين أصحابنا(رحمهم الله) ولكنّنا نرى عدم تعلّق الخمس بالأراضي المفتوحة عنوة والتي يكون المتيقّن عندهم العامرة بشريّاً حين الفتح، ويدلّ على ذلك عدد من الروايات بعضها بما يشبه العموم وبعضها بالإطلاق.

أمّا ما يشبه العموم فكصحيح محمّد الحلبي «قال: سئل أبو عبدالله(عليه السلام) عن السواد ما منزلته؟ فقال: هو لجميع المسلمين: لمن هو اليوم، ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم، ولمن لم يخلق بعد...»(2)، والمقصود بالسواد أرض العراق أو المخضّر منها بالذات، سمّيت بذلك; لأنّ الجيش حينما دخلها بالفتح في زمن عمر بن الخطّاب رأوا هذه الأرض


(1) سورة الأنفال، الآية: 41.

(2) الوسائل، ب 21 من عقد البيع وشروطه، ح 4.

113


والتفاف شجرها سمّوها السواد(1)، إذن فهذه الكلمة كالعَلَم لأرض محدّدة بحدودها المشخّصة، فدلالتها على أنّها بكامل أجزائها للمسلمين تكون بما يشبه العموم.

ونحوه صحيح أبي الربيع الشامي عن أبي عبدالله(عليه السلام) «لا تشتر من أرض السواد شيئاً إلّا من كانت له ذمّة، فإنّما هو فيء للمسلمين»(2)، وأبو الربيع ممّن روى عنه البزنطي فنحكم بوثاقته، ولا يهمّنا فعلاً فهم معنى جملة: «إلّامن كانت له ذمّة» هل تعني: (إلّا لمن تقبّل الخراج على ذمّته)، أو تعني: (أنّ أهل الذمّة كانت تترك أراضيهم لهم لقبولهم الجزية، فيجوز شراؤها منهم)، أو تعني غير ذلك؟

وأمّا ما يكون بالإطلاق فمن قبيل:

1 ـ رواية أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن أحمد بن أشيم (وقال الشيخ عنه: مجهول) عن صفوان بن يحيى وأحمد بن محمّد بن أبي نصر جميعاً قالا: «ذكرنا له الكوفة وما وضع عليها من الخراج وما سار فيها أهل بيته، فقال: من أسلم طوعاً تركت أرضه في يده واُخذ منه العشر ممّا سقي بالسماء والأنهار، ونصف العشر ممّا كان بالرشا فيما عمّروه منها، وما لم يعمّروه منها أخذه الإمام فقبّله ممّن يعمّره، وكان للمسلمين، وعلى المتقبّلين في حصصهم العشر ونصف العشر، وليس في أقلّ من خمسة أوساق شيء من الزكاة، وما اُخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله بالذي يرى كما صنع رسول الله(صلى الله عليه وآله) بخيبر، قبّل سوادها وبياضها ـ يعني: أرضها ونخلها ـ والناس يقولون: لا تصلح قبالة الأرض والنخل، وقد قبّل رسول الله(صلى الله عليه وآله) خيبر، قال: وعلى المتقبّلين سوى قبالة الأرض العشر ونصف العشر في حصصهم...»(3).


(1) ولاية الفقيه للمنتظريّ، ج 3 ص 187 ـ 188.

(2) المصدر نفسه، ح 5.

(3) الوسائل، ب 72 من جهاد العدوّ، ح 1.

114


وسند الحديث وإن كان مجهولاً بعليّ بن أحمد بن أشيم ولكن ورد نفس المضمون أيضاً بسند الشيخ إلى أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: «ذكرت لأبي الحسن الرضا(عليه السلام) الخراج وما سار به أهله...»(1)، فلو احتملنا تعدّد الرواية بأن افترضنا أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى تارةً رواها بواسطة عليّ بن أحمد بن أشيم عن صفوان بن يحيى وأحمد بن محمّد بن أبي نصر جميعاً، فالسند الثاني تامّ، أمّا لو حدسنا وحدة الروايتين بقرينة وحدة السند والمضمون فكأنّه سقط عليّ بن أحمد بن أشيم من النقل الثاني خطأً، فالثاني أيضاً يسقط سنداً.

2 ـ ورواية محمّد بن شريح المجهولة سنداً بعليّ بن الحارث وبكار بن أبي بكر قال: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن شراء الأرض من أرض الخراج؟ فكرهه، وقال: إنّما أرض الخراج للمسلمين، فقالوا له: فإنّه يشتريها الرجل وعليه خراجها؟ فقال: لا بأس، إلّا أن يستحيي من عيب ذلك»(2).

3 ـ صحيحة صفوان بن يحيى عن أبي بردة بن رجا (يكفي في وثاقته أنّ الراوي عنه صفوان بن يحيى) قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال: ومن يبيع ذلك؟! هي أرض المسلمين قال: قلت: يبيعها الذي هي في يده قال: ويصنع بخراج المسلمين ماذا؟ ثُمّ قال: لا بأس، اشترى حقّه منها، ويحوّل حقّ المسلمين عليه، ولعلّه يكون أقوى عليها وأملأ بخراجهم منه»(3).

فهذه الروايات ونحوها يكون مقتضى إطلاقها أو عمومها عدم الخمس في الأراضي


(1) المصدر نفسه، ح 2.

(2) الوسائل، ب 21 من عقد البيع وشروطه، ح 9.

(3) الوسائل، ب 71 من جهاد العدوّ، ح 1.

115


المفتوحة عنوة.

إلّا أنّه تجب المقايسة بينها وبين أدلّة الخمس في الغنائم.

فنقول: إنّ أدلّة خمس الغنائم على قسمين:

القسم الأوّل: ما يكون من الواضح اختصاصه بالمنقولات; بدليل أنّه ذكر إخراج الخمس ثُمّ تقسيم الباقي بين المقاتلين، وهذا لا يشمل ما يكون ملكاً لعنوان المسلمين; لوضوح أنّه لا يقسّم بين المقاتلين، فلا يشمل الأرض الخراجيّة يقيناً، وذلك من قبيل صحيح معاوية بن وهب «قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): السريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم، كيف تقسّم؟ فقال: إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم اُخرج منها الخمس لله وللرسول، وقسّم بينهم أربعة أخماس...»(1).

ونحوه مرسلة حمّاد(2)، وردت في الكافي بتفصيلها الكامل (ج 1 كتاب الحجّة، باب الفيء والأنفال، ح 4، صفحة 539 ـ 543 بحسب طبعة الآخوندي)، وفي التهذيب (ج 4 بحسب طبعة الآخوندي ح 366)، وصحيح هشام بن سالم(3)، وصحيح ربعي(4)، ورواية عبدالله بن سنان(5).

والقسم الثاني: ما يمكن دعوى شموله للأرضين، وذلك: إمّا بالعموم، وهو رواية أبي بصير عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «كلّ شيء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله فإنّ لنا خمسه...»(6). وسند الرواية ضعيف بعليّ بن أبي حمزة البطائني.


(1) الوسائل، ب 41 من جهاد العدوّ، ح 1.

(2) المصدر نفسه، ح 2.

(3) المصدر نفسه، ح 5.

(4) الوسائل، ب 1 من قسمة الخمس، ح 3.

(5) الوسائل، ب 2 ممّا يجب فيه الخمس، ح 10.

(6) الوسائل، ب 2 ممّا يجب فيه الخمس، ح 5.

116


أو بالإطلاق، وهي الآية المباركة: ﴿وَاعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُم مِنْ شَيء...﴾(1) وعدد من الروايات وهي:

1 ـ صحيح عبدالله بن سنان قال: «سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول: ليس الخمس إلّا في الغنائم خاصّة»(2).

2 ـ مرسلة أحمد بن محمّد: «حدّثنا بعض أصحابنا رفع الحديث قال: الخمس من خمسة أشياء: من الكنوز والمعادن والغوص والمغنم الذي يقاتل عليه، ولم يحفظ الخامس»(3). والسند في غاية السقوط بالإرسال، والرفع، وعدم الانتهاء إلى المعصوم. والظاهر: أنّ الخامس هو الملاحة، بقرينة مرسلة حمّاد(4).

3 ـ مرسلة العيّاشي، عن سماعة عن أبي عبدالله وأبي الحسن(عليهما السلام) «قال: سألت أحدهما عن الخمس؟ فقال: ليس الخمس إلّا في الغنائم»(5). وهذه أيضاً ساقطة بالإرسال.

أمّا وجه المقايسة بين هذه النصوص أو قل: وجه العلاج، فيمكن أن يبيّن بعدّة وجوه، نقتصر على ذكر أهمّها:

الوجه الأوّل: ترجيح أدلّة الخمس; لأنّ فيها الكتاب. وأوّل مرجّح للأخبار المتعارضة هو موافقة الكتاب.


(1) سورة الأنفال، الآية: 41.

(2) الوسائل، ب 2 ممّا يجب فيه الخمس، ح 1.

(3) الوسائل، ب 2 ممّا يجب فيه الخمس، ح 11.

(4) المصدر نفسه، ح 4 و 9.

(5) المصدر نفسه، ح 15.

117


إلّا أنّه لو تمّ أيّ جمع دلاليٍّ من الوجوه الآتية فسيقدّم على هذا الوجه; لأنّ الترجيح بالكتاب يكون بعد فرض استحكام التعارض وعدم الجمع العرفي.

الوجه الثاني: ترجيح أدلّة الخمس أيضاً; وذلك لاشتمالها على العموم، وهو رواية أبي بصير: «كلّ شيء قوتل عليه...»(1)، فإنّ الأرض أيضاً شيء قوتل عليه، فهي داخلة في هذا العموم، فيتقدّم على كلّ المطلقات النافية للخمس.

وهذا الوجه إمّا مشتمل على الغفلة، أو على عدم قبول ما قلنا من أنّ استعمال العلَم أو ما يشبه العلَم في بعض الروايات الدالّة على نفي الخمس بعنوان «أرض السواد» المشيرة إلى أرض العراق يكون بمنزلة العموم.

ونحن نرفض هذا الوجه: أوّلاً لإيماننا بأنّ ما مضى من حديثي أرض السواد(2)يشبهان العموم، وثانياً لما قلناه من أنّ رواية أبي بصير ساقطة سنداً بعليّ بن أبي حمزة.

والوجه الثالث: يكون في صالح ترجيح نفي الخمس، وهو ما يظهر من بعض عبائر صاحب الحدائق من أنّ روايات تقسيم الغنيمة بعد التخميس على المقاتلين تدلّ على نفي الخمس في غير ما يقسّم، وهذا مقدّم على مجرّد الإطلاق في الآية المباركة(3).

ولنعم ما أورد عليه في الجواهر من أنّ غاية ما يقال في تلك النصوص: إنّها لم تدلّ على أكثر من تخميس ما يقسّم لا الدلالة على الاختصاص بما يقسّم، فيكفي إطلاق الآية المباركة الذي اعترف به للتخميس(4).


(1) الوسائل، ب 2 ممّا يجب فيه الخمس، ح 5.

(2) مضيا في صفحة 112 وأوّل صفحة 113.

(3) الحدائق، ج 12 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم، ص 324 ـ 325.

(4) مستند العروة الوثقى، كتاب الخمس، ج1، ص11، طبعة المطبعة العلميّة بقم نقلاً عن الجواهر.

118


نعم، كان بإمكان صاحب الحدائق(رحمه الله) أن يقتصر من بين روايات التقسيم على مرسلة حمّاد، عن بعض أصحابه، عن أبي الحسن(عليه السلام): «يؤخذ الخمس من الغنائم، فيجعل لمن جعله الله له ويقسّم أربعة أخماس بين من قاتل عليه وولي ذلك... والأرضون التي اُخذت عنوة بخيل أو ركاب فهي موقوفة متروكة في يدي من يعمّرها ويحيها...»(1).

ووجه الاستدلال بهذا الحديث هو: أنّ التقسيم قاطع للشركة، فهذا الحديث كالصريح في عدم الخمس فيما لا يقسّم بين المقاتلين.

إلّا أنّ عيب هذا الحديث إرساله.

الوجه الرابع: أنّ الدليل تامّ السند على إطلاق ثبوت الخمس للأرضين منحصر في الآية الشريفة وفي صحيح عبدالله بن سنان: «ليس الخمس إلّا في الغنائم خاصّة»(2).

أمّا الآية الشريفة وهي قوله: ﴿وَاعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ...﴾(3) فيمكن المناقشة في دلالتها بأنّ ظاهر الخطاب هو توجّهه إلى الشخصيّات الحقيقيّة وهم نفس المقاتلين، أو قل: المسلمون، لا الحقوقيّة وهي عنوان المسلمين، وهذا يوجب على الأقلّ احتمال أن يكون المقصود بالغنيمة ما يملكه الشخصيّات الحقيقيّة. أمّا الأرض التي هي ملك للمسلمين فلم يعلم دخولها في هذا الإطلاق.

وأمّا صحيح عبدالله بن سنان فلا ترد فيه المناقشة التي أشرنا إليها في الآية المباركة; لأنّه ليس بصيغة الخطاب، فقد يقال: إنّ كلمة «الغنائم» مطلقة تشمل الأرضين، إلّا أنّه يرد على الاستدلال به أمران:


(1) الوسائل، ب 41 من جهاد العدوّ، ح 2.

(2) الوسائل، ب 2 ممّا يجب فيه الخمس، ح 1.

(3) سورة الأنفال، الآية: 41.

119


أحدهما: أنّ الرواية بصدد حصر الخمس في الغنائم، أي: نفيه عن غير غنائم الحرب، أو على الأقلّ عن أرباح المكاسب، والذي هو رأيٌ سُنّيّ، وليس رأياً شيعيّاً، وليس بصدد بيان حدود الغنيمة التي يتعلّق بها الخمس كي يتمّ الإطلاق.

وبكلمة اُخرى: أنّ ظاهر الرواية هو التركيز على عقد السلب وهو نفي الخمس عمّا عدا الغنيمة دون عقد الإيجاب، ففرض الإطلاق لها قابل للتأمّل.

والثاني: ما أشرنا إليه ضمن الأوّل: من أنّ مفاد الرواية رأيٌ سنّيّ. والرواية ساقطة في مقابل النصوص الصريحة في ثبوت الخمس في أرباح المكاسب; لترجيح تلك النصوص بمخالفة العامّة.

ولو فرضنا تعارضهما وتساقطهما سنداً للتباين بينهما، لم يبقَ دليل على ثبوت الخمس في الأرضين، فنرجع إلى إطلاقات كون الأراضي المفتوحة عنوةً للمسلمين، وننفي الخمس عنها.

الوجه الخامس: ـ عكس الوجه الثاني ـ ويثبت به تقديم دليل نفي الخمس; وذلك لأنّ أدلّة الخمس كلّها بالإطلاق ما عدا رواية أبي بصير الضعيفة بعليّ بن أبي حمزة البطائني، في حين أنّ أدلّة نفي الخمس فيها ما يكون بحكم العموم، وهي صحيحة محمّد الحلبي وصحيحة أبي ربيع الشامي الحاكمتان بأنّ أرض السواد للمسلمين(1)، حيث مضى: أنّ أرض السواد عَلَم أو كالعَلَم لأرض العراق، وشمول العلم لأجزائه يكون كالعموم، والعموم مقدّم بالأقوائيّة على الإطلاق، فتنفي بذلك الخمس من الأراضي المفتوحة عنوة.

الوجه السادس: أنّ الارتكاز العقلائي أو المتشرّعي أو هما معاً قائم على أنّ الضرائب إنّما تجعل على الأموال الخاصّة، ولا تجعل على الأموال العامّة، كالأوقاف العامّة. نعم،


(1) الوسائل، ب 21 من عقد البيع وشروطه، ح 4 و5.

120


مَن ملك ثمرة من ثمار الوقف العامّ تعلّقت به الضريبة، وهذا الارتكاز أو هذان الارتكازان كالقرينة المتّصلة الصارفة لإطلاق دليل الخمس عمّا يكون من الأموال العامّة، وعندئذ تصبح أدلّة ملكيّة المسلمين عموماً لتلك الأرضين حاكمة أو واردة على إطلاقات الخمس، وعلى عمومه لو كان.

نعم، لو استغلّ شخص قطعة من تلك الأرض بترخيص شرعيّ أو بتقبّلها من قبل الوالي بخراج، فملك الأثمار، تعلّق به زائداً على الزكاة الخمس لو زاد ما ملكه عن مؤونة السنة، وهذا خارج عن البحث.

بقي الكلام في عدّة اُمور:

الأمر الأوّل: هل إنّ ما ينتقل إلى المقاتلين ويتعلّق به الخمس هو جميع المنقولات، أو يختصّ بما حواه العسكر؟

هناك روايتان صريحتان باختصاص الحكم بما حواه العسكر:

الاُولى: مرسلة حمّاد: «وليس لمن قاتل شيء من الأرضين، ولا ما غلبوا عليه إلّا ما احتوى عليه العسكر»(1).

والثانية: رواية جميل بن درّاج عن أبي عبدالله(عليه السلام) «قال: إنّما تضرب السهام على ما حوى العسكر»(2).

والرواية الاُولى عيبها إرسالها.

والرواية الثانية ضعيفة بجعفر بن محمّد بن حكيم، وبمشكلة سند الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن فضّال، ولا دليل على وثاقة جعفر بن محمّد بن حكم عدا وروده في كامل


(1) الوسائل، كتاب الجهاد، ب 41، ح 2.

(2) المصدر نفسه، ح 7.

121

92 ـ ويشترط في امتلاك المقاتلين أن يكون القتال بإذن الإمام (1).


الزيارات والذي لا نبني على دلالته على الوثاقة.

والمهمّ بحدود ما يرجع إلى بحثنا: أنّه إن كانت المنقولات من غير ما حواه العسكر للإمام، فلا معنى لتخميسه، وإن كانت للمقاتلين تخمّس; لأدلّة خمس الغنيمة، فلا يبقى شيء من البحث عدا أنّها هل هي للإمام أو للمقاتلين؟ وهذا راجع إلى بحث الجهاد.

ولا بأس هنا بالإشارة إلى ما يمكن أن يقال من التفصيل بين ما إذا كانت الحرب دفاعيّة بحتاً، ثُمّ بعد أن انكسر العدوّ بدا لوليّ الأمر حينما رأى انتهاء قوّة العدوّ وكسر شوكته أن يستولي على بلد العدوّ وما فيه، فاستولى عليها من دون حرب اُخرى، فهنا يكون ما في البلد من الأنفال التي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، فكلّها للإمام.

وما إذا كانت الحرب لفتح البلد، أو كانت في أصلها دفاعيّة، لكنّها انتهت إلى الحرب بين البلدين، ففتح المسلمون البلد، فكلّ الأموال المنقولة تكون عندئذ من الغنيمة وتخمّس، ويُوزَّع الباقي على المقاتلين من دون فرق بين ما حواه العسكر وما لم يحوِه; لإطلاق الآية المباركة وصحيحة ربعي(1) وصحيحة معاوية بن وهب(2).

(1) الأمر الثاني: هل يشترط في الحكم إذن الإمام، أو لا؟

وهنا أيضاً يمكن الاقتصار بقدر ما يرجع إلى بحث الخمس على القول بأنّه لو كانت الغنيمة في الحرب من دون إذن الإمام للإمام، فلا معنى للخمس، وإلّا فهي داخلة في أدلّة خمس الغنيمة. أمّا أنّه هل يشترط في الحرب الموجب لامتلاك المقاتلين إذن الإمام، أو لا؟ فهذا موكول إلى بحث الجهاد.

ولكن هنا أيضاً يمكن أن يقال على سبيل الإجمال: إنّ الدليل على شرط إذن الإمام


(1) الوسائل، ب 1 من قسمة الخمس، ح 3.

(2) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 3.

122


صحيح معاوية بن وهب: «السريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف يقسّم؟ قال: إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم اُخرج منها الخمس لله وللرسول، وقسّم بينهم ثلاثة (أربعة خَ لَ) أخماس، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين، كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ»(1).

ومرسلة الورّاق(2) صريحة في المقصود، إلّا أنّها ساقطة سنداً بالإرسال، مضافاً إلى جهالة الحسن بن أحمد بن يسار أو بشار.

والمهمّ هو ما عرفته من صحيح معاوية بن وهب. وللاستدلال به طريقان:

الأوّل: الاستدلال بمفهوم الشرط الوارد في صدر الحديث، وهو قوله: «إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام اُخرج منها الخمس...» ومفهومه: أنّه إن لم يكن مع أمير أمّره الإمام فكلّه للإمام.

وقد يعترض على ذلك بمعارضته لمفهوم الشرط الوارد في ذيل الحديث، وهو قوله: «وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام...» ومفهومه: أنّه إن قاتلوا عليها المشركين ليس كلّه للإمام بل كانت للمقاتلين حصصهم، وهذا بإطلاقه يشمل فرض القتال بلا إذن.

والجواب: أنّ الإذن كان مفروضاً في سؤال السائل، حيث فرض أنّ السريّة بعثها الإمام، فليس مفهوم الشرطيّة الثانية شاملاً لفرض القتال من دون إذن الإمام.

إلّا أنّ الإشكال الوارد على هذا الطريق من الاستدلال إشكال مبنائي من ناحية عدم إيماننا بمفهوم الشرط.


(1) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 3.

(2) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 16.

123


والثاني: الاستفادة من نكتة مفهوم الوصف، وهي ظهور القيد في الاحتراز، بل نصوصيّته في ذلك حينما لا تتصوّر نكتة اُخرى لذكر القيد.

ولا يرد على ذلك ما يقال من أنّ انتفاء الوصف يوجب انتفاء شخص الحكم دون سنخه، فإنّ هذا إنّما يرد في مثل: ماء الكرّ معتصم ممّا يحتمل فيه وجود شخص ثان للحكم، وهو اعتصام ماء المطر، أو الماء الجاري، أو ماء البئر ونحو ذلك. أمّا فيما نحن فيه فالأمر دائر لدى عدم الإذن بين أن تكون الغنيمة كلّها للإمام مطلقاً وأن يكون خمسها للإمام مطلقاً، فلو فرض عدم دخل للإذن في الحكم كان أخذه في لسان الإمام لغواً، ولو فرض دخله في الحكم ارتفع سنخ الحكم ـ لا محالة ـ بزوال الإذن، فالرواية شبه صريحة في المقصود.

ولكنّ الإشكال في المقام يأتي من ناحية ابتلاء الحديث بالمعارض، وهو حديث الحلبي وقسم من أخبار التحليل.

أمّا حديث الحلبي فهو ما رواه الشيخ بإسناده عن سعد، عن عليّ بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن عبدالله بن مسكان، عن الحلبي، عن أبي عبدالله(عليه السلام)«في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة، قال: يؤدّي خمسها ويطيب له»(1)، فهذا الحديث دلّ على أنّ الغنيمة ليس عليها إلّا الخمس للإمام على رغم أنّ الحرب كانت تحت لوائهم، ولم تكن بإذن الإمام.

والعيب الموجود في سند الحديث هو في عليّ بن إسماعيل، فلو كان المقصود به الميثمي نبني على صحّته; لأنّ صفوان بن يحيى راو لكتابه، ولو كان المقصود به الدغشي فأيضاً روى عنه صفوان، ولو كان المقصود به عليّ بن إسماعيل بن عمّار فهو ثقة، ولكنّنا


(1) الوسائل، ب 2 ممّا يجب فيه الخمس، ح 8.

124


نحتمل أن يكون المقصود به عليّ بن إسماعيل بن عيسى، ولا دليل على وثاقته إلّا وروده في كامل الزيارات، وهذا غير كاف عندنا في التوثيق.

وادّعى السيّد الخوئيّ(رحمه الله)(1) أنّ عليّ بن إسماعيل في هذه الطبقة ينصرف إلى عليّ بن إسماعيل بن عيسى، وذكر على ذلك قرينتين:

القرينة الاُولى: أنّ الصدوق(قدس سره) ذكر في مشيخته سنده إلى حريز مرّتين: مرّة في ذيل ذكر سنده إلى زرارة، وهو: أبي، عن عبدالله بن جعفر الحميري، عن محمّد بن عيسى بن عبيد والحسن بن ظريف وعليّ بن إسماعيل بن عيسى كلّهم، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، ومرّة اُخرى مستقلاًّ عن سنده إلى زرارة، وهو: أبي ومحمّد بن الحسن ومحمّد بن موسى المتوكّل، عن عبدالله بن جعفر الحميري، عن عليّ بن إسماعيل ومحمّد بن عيسى ويعقوب بن يزيد والحسن بن ظريف، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز. وهذا كما نرى يستخلص منه نفس السند المذكور في ذيل سنده إلى زرارة مع التعبير عن عليّ بن إسماعيل بن عيسى بعليّ بن إسماعيل من دون التصريح بكلمة ابن عيسى ممّا يشهد على أنّ مطلقه في هذه الطبقة منصرف إلى ابن عيسى.

والقرينة الثانية: أنّه ذكر الصدوق في المشيخة سنده إلى إسحاق بن عمّار وهو: أبي، عن عبدالله بن جعفر الحميري، عن عليّ بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمّار. فبقرينة وحدة الراوي عنه في كلا الموردين وهو عبدالله بن جعفر الحميري نفهم أنّ مقصوده من عليّ بن إسماعيل وعليّ بن إسماعيل بن عيسى واحد. فيبدو أنّ المطلق في هذه الطبقة ينصرف إلى عليّ بن إسماعيل بن عيسى.

وأمّا أخبار التحليل فنقصد منها هنا ذاك القسم الناظر إلى غنائم الحرب: إمّا بقرينة ذكر


(1) راجع معجم الرجال، ترجمة عليّ بن إسماعيل بن عيسى.

125


تزكية الولادة وعدم خبثها كتعليل لتحليل الخمس ممّا يشهد للنظر إلى الجواري المسبيّات في الحرب، من قبيل بعض روايات الباب الرابع من الأنفال من الوسائل(1). وإمّا بقرينة ذكر صفو المال كما في الحديث 14 من نفس الباب، فلو لا أنّ باقي الغنيمة للمقاتلين وأنّ المقدار الذي لهم هو الخمس لم يكن يكفي تحليل الخمس، وهذا يدلّ على أنّ حكم الغنيمة فيما إذا كانت الحرب بإذن الإمام أو بلا إذنه واحد.

والسيّد الخوئيّ(رحمه الله) لم يلتفت إلى نكتة جعل أخبار التحليل معارضة لدليل شرط الإذن، ولكنّه التفت إلى معارضة رواية الحلبي الماضية لذلك، وبما أنّه كان بانياً على وثاقة عليّ بن إسماعيل بن عيسى لوروده في كامل الزيارات، فلم يمكنه النقاش في سند الحديث، فاحتاج في الجواب عن هذه الرواية إلى النقاش الدلالي.

وذكر لذلك نقاشين(2):

أحدهما: ما نقله عن صاحب الجواهر من حمل الرواية على تحليل ما عدا الخمس من الغنيمة التي أصابها في لوائهم رغم أنّها جميعاً له(عليه السلام)، فالرواية لا تدلّ على عدم شرط الإذن كي تعارض دليل شرط الإذن.

وأورد السيّد الخوئيّ على ذلك بأنّ هذا يعني حمل الرواية على التحليل الولائي، وهذا خلاف ظاهر كلام الشارع في كونه حكماً تشريعيّاً، لا ولائيّاً.

أقول: بما أنّه(عليه السلام) يكون متقمّصاً كلا القميصين، أعني: قميص الشرع وقميص الولاية، فلا نستطيع أن ندّعي على العموم: أنّ كلامه(عليه السلام)ظاهر في الحكم الشرعي ما لم تقم قرينة على كونه حكماً ولائيّاً، بل إنّ الأمر يختلف باختلاف المناسبات التي تتحكّم في الظهور،


(1) الحديث 3 و5 و10 و15 و16 و19 و20.

(2) راجع مستند العروة الوثقى، ج 1، ص 20 بحسب طبعة المطبعة العلميّة بقم.

126


فلو كانت المناسبة أو القرينة تقتضي الحمل على الحكم الولائي حمل عليه.

ولو كانت القرينة أو المناسبة تقتضي الحمل على الحكم الشرعي حمل عليه، كما لو كان السؤال راجعاً إلى أحكام الصلاة والصوم، فإنّ المناسبات تحكم بأنّ جوابه(عليه السلام) حكم شرعيّ، أو أنّ السؤال رغم أنّه كان راجعاً إلى الجانب الماليّ المناسب للحكم الولائي أيضاً، لكنّ الجواب كان ظاهراً في قضيّة كلّيّة عامّة غير محدودة بزمان ولا مكان، هذه المناسبة تقتضي أيضاً أن يكون ظاهر الجواب هو الحكم الشرعي; لأنّ الحكم الولائي لا يمكن أن يكون على شكل القضيّة الحقيقيّة العامّة الشاملة لكلّ زمان ومكان; لأنّه يدور مدار المصالح الوقتيّة، وهي تختلف من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان.

وما نحن فيه لا يكون من قبيل المثال الأوّل أو الثاني، فالسؤال يكون عن قضيّة ماليّة منسجمة للحكم الولائي كانسجامها للحكم الشرعيّ، والجواب لم يكن بصيغة القضيّة الحقيقيّة الشاملة لكلّ زمان ومكان، وإنّما قال: يؤدّي ـ يعني: هذا العامل في لوائهم ـ خمساً ويطيب له الباقي، فلعلّ هذا حكم من يأخذ الغنيمة من خلفاء الجور في زمن عدم بسط يد الإمام، وهذا يناسب أن يكون حكماً ولائيّاً بتحليل الأربعة أخماس له على رغم كون الغنيمة كلّها للإمام، كما يناسب أن يكون حكماً تشريعيّاً، وبما أنّ الإمام(عليه السلام) متقمّص بكلا القميصين فلا نرى نكتة لظهور الكلام في كونه حكماً تشريعيّاً، وبالتالي لا تثبت المعارضة مع دليل اشتراط الإذن، فيبقى دليل اشتراط الإذن ثابتاً على حجيّته. نعم، لو كنّا ونسخة الوسائل التي ورد فيها «يؤدّي خمسنا» كان هذا ظاهره أنّ خمس الغنيمة لهم وليس كلّ الغنيمة، فيدلّ على أنّ باقي الغنيمة شرعاً للمقاتلين، ولكنّ الموجود في التهذيب(1): «يؤدّي خمسها».


(1) ج 4، ح 357، ص 124 بحسب طبعة الآخوندي.

127

93 ـ وإذن الوليّ الفقيه في عصر الغيبة يحلّ محلّ إذن الإمام في عصر


وعلى أيّ حال، فهذا الجواب إن صحّ عن خبر الحلبي، فهو كما ترى لا يمكن إسراؤه إلى أخبار تحليل خمس الغنيمة; لأنّ تلك الأخبار ظاهرها: أنّ المشكلة كانت في الخمس، فحلّله الإمام، ولو كان الحكم الشرعي عبارة عن أنّ غنيمة الحرب غير المأذونة كلّها للإمام كان المفروض به(عليه السلام)أن يحلّل أصل الغنيمة لا خمسها.

وثانيهما: هو الجواب الذي اختاره السيّد الخوئيّ(قدس سره) في المقام من أنّ الإذن لعلّه كان أمراً مفروغاً عنه; لما ثبت من إمضائهم(عليهم السلام) ما كان يصدر من خلفاء الجور في عصرهم من الغزو والجهاد مع الكفّار، وإذنهم العامّ في ذلك.

أقول: وتشهد لذلك القصّة المعروفة من اشتراك الحسن(عليه السلام) مع بعض خلفاء الجور في الحرب بأمر أبيه أمير المؤمنين(عليه السلام).

وهذا الجواب يمكن إسراؤه إلى أخبار التحليل.

الأمر الثالث: في حكم غنائم الحرب في عصر الغيبة.

والحرب التي تفترض مع الكفّار يمكن أن تفترض بإحدى فرضيّات ثلاث:

الفرضيّة الاُولى: أن نفترضها غير مشروعة كما لو كانت الحرب ابتدائيّة من قبل المسلمين لأجل فتح البلاد للإسلام مع فرض الإيمان بعدم جواز ذلك في عصر الغيبة.

الفرضيّة الثانية: أن نؤمن بمبدأ ولاية الفقيه، وتكون الحرب بقيادته، وتكون مشروعة سواء كانت شرعيّتها نتيجة كونها حرباً دفاعيّةً مثلاً أو نتيجة إيماننا حتّى بالحرب الابتدائيّة في عصر الغيبة.

الفرضيّة الثالثة: أن تكون الحرب مشروعة كالحرب الدفاعيّة، ولكن من دون قيادة الوليّ الفقيه سواء كان ذلك لأجل عدم الإيمان بولاية الفقيه أو لأجل أنّ الفقيه لم يتصدّ لذلك، ولكن المؤمنين اضطرّوا إلى الدفاع.

أمّا الفرضيّة الاُولى: وهي فرضيّة عدم مشروعيّة الحرب، فالحكم فيها واضح; فإنّ هذه هي الحرب بغير إذن الإمام يقيناً، وقد مضى: أنّ الغنيمة كلّها تعتبر من الأنفال، وتكون للإمام، وليست للمقاتلين.