79

ثانياً: إذا خرج في إحدى الحالتين السابقتين: النسيان، أو رؤية النجاسة في الأثناء، ولم يكن قد أكمل الشوط الرابع، فالأحوط أن لايكتفي بتكميل ما أتى به عند الرجوع، ويكفيه أن يستأنف طوافاً جديداً(1)، هذا مع عدم فقد الموالاة، أمّا مع فقدها فلا شكّ في عدم الاكتفاء بتكميل ما أتى به.

ثالثاً: إذا خرج في غير هاتين الحالتين قبل إكمال الشوط الرابع، لم يعتدّ بما أتى به، واستأنف طوافاً جديداً(2).

رابعاً: إذا خرج في غير الحالتين المذكورتين بعد إكمال الشوط الرابع لأجل طروّ حدث أو حيض بالنسبة إلى المرأة أو مرض مفاجئ ونحو ذلك من الأعذار، لم يعتدّ بما أتى به، ويستأنف طوافاً



(1) السبب في هذا الاحتياط هو مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا ـ على نسخة الكافي ـ أو عن جميل عن بعض أصحابنا ـ على نسخة الشيخ ـ عن أحدهما(عليهما السلام): «في الرجل يحدث في طواف الفريضة وقد طاف بعضه. قال: يخرج ويتوضّأ، فإن كان جاز النصف بنى على طوافه، وإن كان أقلّ من النصف أعاد» ـ الوسائل 13 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، الباب 40 من الطواف، الصفحة: 378 ـ مع احتمال إلحاق ما نحن فيه به.

(2) لصحيح أبان بن تغلب عن أبي عبدالله(عليه السلام): «في رجل طاف شوطاً أو شوطين ثمّ خرج مع رجل في حاجته. قال: إن كان طواف نافلة بنى عليه، وإن كان طواف فريضة لم يبن». الوسائل 13 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، الباب 41 من الطواف، الحديث 5، الصفحة: 380.

80

جديداً لدى فقد الموالاة، كما في حالة الحيض، وكذلك كلّ موردفقدت فيه الموالاة، أمّا مع انحفاظ الموالاة فلا دليل على بطلان ما مضى منه، فيجوز له البناء على ما سبق والتكميل من دون إعادة، وإن كان الأحوط استحباباً الإتيان بطواف كامل بنيّة ما عليه من التمام أو الإتمام.

كما أنّ الأحوط استحباباً في حالات المرض المفاجئ من هذه الصورة أن يستنيب في نفس الوقت لإكمال الطواف من دون أن يكتفي بذلك.

خامساً: إذا خرج عامداً من دون عذر لم يعتدّ بما مضى لو لم يكن قد أكمل الشوط الرابع، واستأنف طوافاً جديداً، أمّا لو كان قد أكمل الشوط الرابع فمع فقد الموالاة يستأنف ـ أيضاً ـ طوافاً جديداً، أمّا مع عدم فقد الموالاة فيجوز له البناء على ما سبق، والتكميل من دون إعادة، وإن كان الأحوط استحباباً الإتيان بطواف كامل بنيّة ما عليه من التمام أو الإتمام.

سادساً: يجوز للطائف في الطواف المستحبّ أن يقطع الطواف، ويخرج لقضاء حاجة أخيه المؤمن، ثُمّ يرجع ويبني على ما تقدّم منه فيكمله ويصحّ طوافه، أمّا لو خرج اشتهاءً أو لقضاء حاجة نفسه فمع عدم فقد الموالاة جاز له الإتمام بعد ذلك، ومع فقدها يعيد.

ولايعتبر الطائف بخروجه عن المطاف في طواف الفريضة آثماً، بل يجوز له ذلك حتّى ولو تحتّم عليه استئناف الطواف. ويجوز له الجلوس في أثناء الطواف للاستراحة، ولايضرّ ذلك بطوافه ما لم تطل المدّة إلى المقدار الذي تختلّ به الموالاة.

81

94 ـ الثاني عشر: أن لايزيد في طوافه عامداً؛ إذ عرفنا سابقاً أنّ الطواف مكوّن من سبعة أشواط، فلو قصد أن يجعله أكثر من ذلك بطل طوافه، سواء قصد ذلك من البداية: بأن طاف قاصداً جعل طوافه أكثر من سبعة أشواط، أو تجدّد له في الأثناء القصد إلى أن يزيد في طوافه. ولايفرّق في البطلان بالزيادة بين العالم بحكم المسألة وغيره.

وأمّا إذا طاف سبعة أشواط، ثُمّ طاف شوطاً آخر من دون أن يقصد ضمّه إلى طوافه الأوّل وكونه جزءاً منه، بل كعمل مستقلّ، فلايضرّ بصحّة طوافه المتقدّم.

أمّا إذا زاد في طوافه سهواً: بأن خُيّل له أنّه لم يستوف سبعة أشواط، فطاف شوطاً آخر، ثُمّ ظهر له أنّها أصبحت ثمانية مثلاً، فإن كانت الزيادة لاتزيد على شوط واحد كان مخيرّاً بين الإعادة وبين إكمال اُسبوع ثان يكون هو الفريضة والأوّل نافلة، وإن زادت الزيادة على شوط واحد تعيّنت عليه الإعادة.

 

ج ـ آداب الطواف ومستحبّاته

95 ـ منها: على ما جاء في بعض الروايات أن يطوف حافياً مقصّراً في خطواته، مشغولاً بالذكر والدعاء وقراءة القرآن، تاركاً ألوان اللغو والعبث.

ومنها: أن يستلم الحجر الأسود، ويقبّله في ابتداء الطواف وانتهائه وفي نهاية كلّ شوط إن أمكنه ذلك من دون أن يؤذي أحداً، وينتزعه منه بالقوّة.

82

ومنها: أن يدعو حال الطواف بهذا الدعاء: «اللّهمّ، إنّي أسألُكَ باسْمِكَ الّذي يُمْشى به على طَللِ الماءِ كما يُمْشى به على جُددِ الأرضِ، أسألُكَ باسْمِكَ الّذي يَهْتزُّ له عَرْشُكَ، وأسألُكَ باسْمِكِ الّذي تَهْتزُّ له أقدامُ ملائكَتِكَ، وأسألُكَ باسْمِكَ الّذي دَعاكَ به مُوسى مِنْ جانِبِ الطّورِ الأيْمَنِ، فاسْتَجَبْتَ لهُ، وألْقيتَ عَلَيْهِ مَحَبّةً مِنكَ، وأسألُكَ باسْمِكَ الّذي غَفَرتَ بِهِ لُمحمَّد(صلى الله عليه وآله) ما تَقدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وما تأخَّرَ، وأتممتَ عَلَيه نِعمَتَكَ». ثُمّ يطلب حاجته.

ويقول في الطواف أيضاً: «اللّهمّ، إنّي إليكَ فقيرٌ، وإنّي خائِفٌ مُستَجيرٌ، فلا تُغيِّر جسْمي، ولا تُبدّلْ اسمي».

وهناك أدعية وآداب ترتبط بمواضع معيّنة من الكعبة الشريفة يصل إليها الطائف تباعاً في طوافه، ومعرفتها تتطلّب الإحاطة بوضع الكعبة وأركانها وتحديد تلك المواضع منها.

وقد علمنا سابقاً أنّ الطواف في كلّ شوط يبدأ من الحجر الأسود الواقع في ركن من أركان الكعبة الشريفة. وهذا الركن في الجهة الشرقيّة، وحينما يبدأ الطائف طوافه منه واضعاً الكعبة على يساره يمرّ بعد مسافة قصيرة جدّاً في نفس خط الحجر الأسود بباب الكعبة، ثُمّ يواصل سيره إلى أن يصل إلى الركن الآخر للكعبة الشريفة. ويسمّى بــ (الركن العراقيّ)، ويقع في الجهة الشماليّة، وفي هذه الجهة يوجد حِجر إسماعيل، وللكعبة ميزاب مطلّ عليه، ثُمّ يصل الطائف في طوافه إلى الركن الثالث. ويسمّى بــ (الركن الشاميّ)، ويقع في الجهة الغربيّة، ومنه يسير الطائف نحو الركن

83

الرابع والأخير المسمّى بــ (الركن اليمانيّ) الواقع في الجهة الجنوبيّة وقبيل أن يصل إلى الركن اليمانيّ موضع للكعبة الشريفة يسمّى بــ (المستجار)، وهو يكون في النقطة المقابلة لباب الكعبة، فالحجر الأسود والركن اليمانيّ متقابلان، وباب الكعبة والمستجار متقابلان، وعند وصول الطائف إلى المستجار يكون قد وصل إلى مؤخّر الكعبة، ويسير الطائف بعد ذلك من الركن اليمانيّ إلى الحجر الأسود؛ لينهي بذلك شوطاً كاملاً من الطواف.

هذه فكرة توضيحيّة عن النقاط التي يمرّ بها الطائف في سيره حول الكعبة الشريفة في كلّ شوط، وعلى ضوئها تعيّن مواضع الأدعية والآداب التالية.

إذا سار الطائف من الحجر الأسود، ووصل إلى باب الكعبة في كلّ شوط، صلّى على محمّد وآل محمّد، وإذا بلغ حجر إسماعيل قبيل الميزاب رفع رأسه وقال وهو ينظر إلى الميزاب: «اللّهُمَّ، أدْخِلْنِي الجَنّة بِرَحْمَتِكَ، وَأجِرْنِي بِرَحْمَتِكَ مِنَ النّارِ، وَعافِني مِنَ السُقمِ، وَأوْسِعْ عَلَيّ مِنَ الرِزْقِ الحَلال، وَادْرَأ عَنّي شَرَّ فَسَقَة الجِنّ وَالإنْس وَشَرَّ فَسَقَة العَرَب وَالْعَجَم».

وإذا جاز حجر إسماعيل، وانتهى إلى مؤخّر الكعبة قال: «يَا ذَا المَنّ وَالطَوْل وَالجُود وَالْكَرَم، إنّ عَمَلِي ضَعِيف فَضَاعِفْهُ لِي، وَتَقَبَّلْهُ مِنّي إنّكَ أنْتَ السَمِيع العَلِيم».

وفي رواية أنّه إذا صار بحذاء الركن اليمانيّ أقام فرفع يديه، ثُمّ قال: «يَا الله، يَا وَلِيّ العَافِيَة، وَخَالِق العَافِيَة، وَرَازِق العَافِيَة، وَالمُنْعِم

84

بِالعَافِيَة، وَالمَنّان بِالْعَافِيَة، وَالمُتَفَضِّل بِالْعَافِيَة عَلَيّ وَعَلَى جَمِيعخَلْقِكَ، يَارَحْمنَ الدُنْيا وَالآخِرَة وَرَحِيْمَهُمَا، صَلِّ عَلَى مُحَمّد وَآل مُحَمَّد، وَارْزُقْنَا الْعَافِيَة، وَدَوام العَافِيَة وَشُكْرَ العَافِيَة فِي الدُنْيَا وَالآخِرَة بِرَحْمَتِكَ يَا أرْحَمَ الرَاحِمِين».

ويستحبّ للطائف في كلّ شوط أن يستلم الأركان كلّها، وأن يقول عند استلام الحجر الأسود: «أمَانَتِي أدّيْتها، وَمِيْثَاقِي تَعَاهَدْته؛ لِتَشْهَدَ لِي بِالمُوافَاة».

فإذا فرغ من طوافه ذهب إلى مؤخّر الكعبة بحذاء المستجار دون الركن اليمانيّ بقليل، وبسط يديه على البيت، وألصق بدنه وخدّه به، وقال: «اللّهُمَّ، الْبَيْتُ بَيْتُكَ، وَالعَبْدُ عَبْدُكَ، وَهَذا مَكَانُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ النّارِ» ثُمّ أقرّ لربّه بما عمله ـ ففي الرواية الصحيحة أنّه ليس من عبد مؤمن يقرّ لربّه بذنوبه في هذا المكان إلّا غفر الله له إن شاء الله ـ وقال: «اللّهُمَّ، مِنْ قِبَلكَ الرَوْحُ وَالْفَرَجُ وَالْعَافِيَةُ. اللّهُمَّ، إنَّ عَمَلي ضَعِيفٌ فَضَاعِفْهُ لِي، وَاغْفِرْ لِي مَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنّي وَخَفِيَ عَلَى خَلْقِكَ».

ثُمّ واصل الطائف دعاءه وتضرّعه واستجارته من النار بما أحبّ من أساليب التعبير المناسبة لذلك المقام.

 

د ـ أحكام الطواف

96 ـ عرفنا أنّ الطواف هو الواجب الثاني من عمرة التمتّع، فإذا تركه الشخص فلذلك صور:

85

الصورة الاُولى: أن يتركه اختياراً مع علمه بوجوبه وتعمّده في الترك ولو لأجل التبرّم بالزحام وكثرة الناس في المطاف، فلايكون معذوراً، ولايصحّ منه السعي وما بعده من الأعمال لو ترك الطواف وتوجّه إلى السعي، بل يجب عليه أن يطوف، ثُمّ يسعى، ثُمّ يقصّر بحسب تسلسل أعمال العمرة مادام في الوقت متّسع، فإذا لم يبق وقت يتّسع لذلك ولإدراك الوقوف بعرفات، بطلت عمرته، وبطل إحرامه.

الصورة الثانية: أن يتركه لعدم علمه بأنّه واجب والحكم فيه كما تقدّم في الصورة السابقة.

الصورة الثالثة: أن يتركه نسياناً وغفلة، وهذا لايبطل عمرته، بل إن تذكّر وفي الوقت متّسع للتدارك وإدراك عرفات تداركه، وأتى بالطواف وبما بعده من أعمال العمرة، وإذا كان وقت العمرة قد فات فعليه قضاء الطواف، وإذا لم يتمكّن من القضاء ـ أيضاً ـ لرجوعه إلى بلده مثلاً، وجب عليه أن يستنيب شخصاً ليطوف عنه.

الصورة الرابعة: أن يترك المحرم الطواف ماشياً لعدم تمكّنه من المشي؛ لسبب مرض أو كسر أو نحو ذلك، ولايكلّف في هذه الحالة بما لايطيق، فإن تمكّن من الطواف بالاستعانة بالغير ولو بأن يطوف محمولاً، وجب ذلك، وإلّا كفاه أن يستنيب شخصاً يطوف عنه. وأمّا بالنسبة إلى ركعتي الطواف فإن كان قادراً على إتيانها، أتى بها بعد طواف النائب، وإلّا أتى بها الطائف نيابة عنه.

86

 

 

الواجب الثالث: صلاة الطواف

 

97 ـوبعد أن يفرغ المعتمر من طوافه تجب عليه ركعتا الطواف. وتسمّى بــ (صلاة الطواف)، وهي الواجب الثالث من واجبات عمرة التمتّع. وصورتها كصلاة الفجر، ولكنّه مخيّر في قراءتها بين الجهر والإخفات.

وتجب فيها النيّة، وصورتها مثلاً: اُصلّي ركعتي الطواف لعمرة التمتّع لحجّ الإسلام قربة إلى الله تعالى، وإذا كان نائباً ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان الحجّ مستحبّاً أسقط كلمة (حجّ الإسلام).

98 ـ ويجب من الناحية المكانيّة الإتيان بها قريباً من مقام إبراهيم(عليه السلام) بنحو تكون الصلاة خلف المقام، والمقام هو: الحجر الذي كان إبراهيم(عليه السلام) يقف عليه وقت بناء الكعبة، ويقع الآن على مقربة من البيت الشريف، فإن تعذّر الحصول على مكان خلف المقام حاول أن يجد مكاناً قريباً منه من أيّ جانب ويصلّي فيه، وإن تعذّر هذا ـ أيضاً ـ صلّى في أيّ مكان من المسجد.

ولايخفى أنّ عنواني القرب والخلف يتأثّران عرفاً سعة وضيقاً بمدى كثرة الزحام وقلّته.

87

ومن كان يطوف طوافاً مستحبّاً فله أن يصلّي ركعتيه في أيّ موضع أحبّ من المسجد.

ويجب من الناحية الزمانيّة الإتيان بصلاة الطواف عقيبه أو بفاصل قصير، فلايجوز الفصل بينهما بفترة طويلة.

99 ـ وإذا ترك الطائف صلاة الطواف عالماً عامداً بطل حجّه مالم يكن بإمكانه أن يتدارك قبل انتهاء وقت العمرة.

وإذا تركها ناسياً أو جاهلاً، والتفت بعد ذلك، فإن كان التفاته في أثناء السعي قطعه وصلّى في محلّها، ثُمّ رجع وأكمل سعيه، وإن كان بعد السعي صلّى في محلّها، ولاتجب عليه إعادة السعي، وإن كان التفاته بعد فوات الوقت أو الخروج من مكّة، رجع إلى المسجد الحرام، وقضاها في محلّها، وإذا لم يتمكّن من ذلك صلاّها في أيّ موضع ذكرها فيه.

ولابدّ للطائف أن يكون مطمئنّاً بصحّة صلاته وقراءته، وأن يصحّح قراءته إذا كان فيها خطأ، فإن لم يتمكّن وتماهل حتّى ضاق الوقت عن تصحيحها، فالأحوط أن يأتي بصلاة الطواف بحسب إمكانه، وأن يصلّيها مأموماً، ويستنيب لها أيضاً.

وإذا كان في قراءة الإنسان خطأ وهو لايعلم، بل يرى قراءته صحيحة جهلاً منه، فصلّى على ما يرى، صحّت صلاته، ولاتجب عليه الإعادة.

88

آداب صلاة الطواف

100 ـ يستحبّ في صلاة الطواف أن يقرأ بعد الفاتحة سورة التوحيد في الركعة الاُولى وسورة الجحد في الركعة الثانية، فإذا فرغ من صلاته حمد الله وأثنى عليه، وصلّى على محمّد وآل محمّد، وطلب من الله أن يتقبّل منه.

ومن المأثور أن يسجد بعد الصلاة، ويقول في سجوده: «سَجَدَ وَجْهِي لَكَ تَعَبُّداً وَرِقّاً، لا إله إلّا أنْتَ حَقّاً حَقّاً، الأوّل قَبْلَ كُلّ شَيء، وَالآخِر بَعْدَ كُلّ شَيء، وَهَا أنَا ذا بَيْن يَدَيْكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، وَاغْفِرْ لِي إنَّهُ لايَغْفِرُ الذنْبَ العَظيمَ غَيْرُكَ، فَاغْفِرْ لي؛ فَإنّي مُقرٌّ بِذنُوبي عَلَى نَفْسِي، وَلايَدْفَعُ الذّنْبَ العَظِيمَ غَيْرُكَ».

ويستحبّ أن يقول ـ أيضاً ـ بعد الفراغ من صلاة الطواف: «اللّهُمَّ، ارحَمْني بِطَوَاعِيَتي إيّاكَ وَطَواعِيَتي رَسولَك صَلّى الله عَليه وآله. اللّهُمَّ، جَنِّبْني أنْ أتعدّى حُدودَكَ، وَاجْعَلْني مِمّنْ يُحِبُّكَ ويُحبُّ رَسُولَكَ وَمَلائِكَتَكَ وَعِبادَكَ الصالِحين».

 

 

89

 

 

الواجب الرابع: السعي

 

101 ـ وبعد إنهاء ركعتي الطواف يتّجه المعتمر إلى الصفا والمروة للسعي، وهو الواجب الرابع من واجبات عمرة التمتّع. والصفا والمروة يقعان إلى جانب المسجد الشريف، وهما مرتفعان، بينهما مساحة يقدّر طولها بما يقارب أربع مئة متر، ويجب السعي بينهما بمعنى: السير من أحدهما إلى الآخر.

ولايشترط في السعي شيء من الشروط الأربعة التي تقدّم اعتبارها في الطواف: من الطهارة من الحدث، والطهارة من الخبث، والختان، وستر العورة.

102 ـ ويجب أن يؤتى بالسعي على الكيفيّة التالية:

أوّلاً: يجب في السعي النيّة، وصورتها مثلاً: أسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط لعمرة التمتّع لحجّ الإسلام قربة إلى الله تعالى. وإذا كان نائباً ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان الحجّ مستحبّاً أسقط كلمة (حجّ الإسلام).

ثانياً: يجب أن يبدأ بالسعي من أوّل جزء من الصفا متّجهاً نحو المروة، فإذا وصل إلى المروة اعتبر ذلك شوطاً، ثُمّ يبدأ من المروة

90

متّجهاً نحو الصفا، فإذا وصل إلى الصفا اعتبر ذلك شوطاً آخر،وهكذا يصنع إلى سبعة أشواط، ويكون ختام سعيه بالمروة، ولايجب الصعود إلى السلّم الذي يمثّل الصفا من جانب، ولا إلى السلّم الذي كان يمثّل المروة سابقاً من جانب آخر، أمّا في زماننا هذا فالسلّم الثاني غير موجود، فلايجب طيّ المكان الذي كان سابقاً مشتملاً على السلّم وإن كان أحوط وأحسن.

وكما يجزي السعي بين الصفا والمروة على الأرض كذلك يجزي السعي بينهما في الطابق العلويّ المبني حديثاً.

ثالثاً: يجب أن يستقبل المروة عند الذهاب إليها، كما يجب استقبال الصفا عند الرجوع من المروة إليه، فلو استدبر المروة عند الذهاب إليها، أو استدبر الصفا عند الإياب من المروة، ومشى القهقرى، لم يجزئه ذلك، ولابأس بالالتفات إلى اليمين أو اليسار أو الخلف عند الذهاب أو الإياب.

رابعاً: يجب أن لايزيد في سعيه عن علم وعمد، فلو زاد على سبعة أشواط عالماً عامداً بطل سعيه، ولوزاد جاهلاً أو ناسياً لم يبطل. ونقصد بالزيادة هنا نظير ماتقدّم في الطواف: بأن يأتي بالزائد بوصفه جزءاً من ذلك السعي، فلو أتى به كعمل مستقلّ لم يضرّ ولو وقع عقيب السعي(لاحظ الفقرة رقم 94).

91

خامساً: يجب أن لايؤخّر السعي عن الطواف إلى الغد اختياراً(1)، بل يحتمل أن يكون الأفضل استحباباً أن لايؤخّره عنه فترة طويلة من نفس اليوم أيضاً.

سادساً: يجب أن يباشر السعي بنفسه، ولايجوز له أن يستنيب مع التمكّن من المباشرة، ويمكنه السعي ماشياً أو راكباً، فإذا عجز عن ذلك سعى محمولاً، وإذا عجز حتّى عن السعي محمولاً استناب غيره للسعي.

سابعاً: لايجب عليه أن يوالي بين الأشواط في السعي كما كان يجب عليه في الطواف. ويجوز له الجلوس على الصفا أو المروة أو بينهما للاستراحة في أثناء السعي.

ثامناً: يجب أن يضبط العدد، فلوشكّ في عدد أشواط السعي بطل سعيه، إلّا في حالتين:

الاُولى: أن يكون شكّه بعد التقصير.

الثانية: أن يكون شكّه في الزيادة فقط وقد حدث وهو على المروة، كما إذا شكّ في أنّ الشوط الذي انتهى منه فعلاً هل هو السابع أو التاسع؟



(1) لصحيح علاء بن رزين، الوسائل ج 13 بحسب طبعة آل البيت، الباب 60 من الطواف، الحديث: 3، صفحة: 411.

92

آداب السعي:

103 ـ ينبغي أن يكون عند السعي على طهارة وأن يؤثر المشي في السعي على الركوب.

وجاء في الروايات الترغيب في إطالة الوقوف على الصفا.

ويستحبّ له أن يصعد على الصفا بنحو ينظر إلى البيت لو لم يكن حاجب، أمّا مع وجود الحاجب كما في زماننا هذا فينظر إلى ذاك الجانب رجاءً، ويتوجّه إلى الركن الذي فيه الحجر الأسود، ويحمد الله ويُثني عليه، ويتذكّر آلاء الله ونعمه، ثُمّ يقول: «الله أكبر» سبع مرّات، «الحمد لله» سبع مرّات، «لا إلهَ إلّا الله» سبع مرّات، ويقول ثلاث مرّات: «لا إلهَ إلّا اللهُ وَحْدهُ لاشَريكَ لَهُ، لَهُ الملكُ ولَهُ الحمدُ، يُحيي وَيُمِيتُ وَهوَ حَيٌّ لايَموتُ، بِيدِه الخَيرُ وَهوَ عَلى كُلِّ شيء قَدير» ثُمّ يصلّي على محمّد وآل محمّد، ثُمّ يقول ثلاث مرّات: «اللهُ أكبر عَلى ماهَدانا، وَالحَمدُ للهِ عَلى مَا أوْلانا، وَالحَمدُ لله الحيِّ القيّومِ، وَالحَمدُ للهِ الدائِمِ».

ثُمّ يقول ثلاث مرّات: «أشهدُ أنْ لا إله إلّا اللهُ، وأشهدُ أنَّ محمّداً عَبْدُه وَرَسُولُه، لانَعبدُ إلّا إيّاهُ مُخلِصينَ لَهُ الدّيْنَ وَلو كَرِه المشرِكُونَ».

ثُمّ يقول ثلاث مرّات: «اللّهُمَّ، إنّي أسألُكَ العَفْوَ وَالعافِيةَ وَاليَقِينَ في الدنيا وَالآخرةِ».

93

ثُمّ يقول: «الله أكبر» مئة مرّة، «لا إلهَ إلّا الله» مئة مرّة، «الحمد لله» مئة مرّة، «سبحان الله» مئة مرّة.

ثُمّ يقول: «لا إلهَ إلّا اللهُ وَحدَهُ وَحدَهُ، أنْجزَ وَعْدَهُ، وَنَصرَ عَبْدَهُ، وَغَلَبَ الأحزابَ وَحدَهُ، فَلَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ وَحْدَهُ وَحْدَهُ. اللّهُمَّ، بارِكْ لي في الموتِ وَفيما بَعدَ الموتِ. اللّهُمَّ، إنّي أعوذُ بِكَ مِنْ ظُلْمِة القبر وَوَحشَتِهِ. اللّهُمَّ، أظلَّني في ظلِّ عرشكَ يَومَ لاظِلَّ إلّا ظِلُّكَ».

ويستودع الله دينه ونفسه وأهله كثيراً، ثُمّ يقول: «أسْتَودعُ اللهَ الرّحمنَ الرّحيمَ الّذي لاتَضيعُ ودائعه ديني ونفْسِي وأهلِي. اللّهمّ، اسْتَعمِلني على كِتابكَ وسُنّةِ نبيّك، وتَوفّني على مِلَّتِه، وَأعذني مِن الفِتنِة».

ثُمّ يقول: «الله أكبر» ثلات مرّات، ثُمّ يعيدها مرّتين، ثُمّ يكبّر واحدة، ثُمّ يعيدها، فإن لم يستطع هذا فبعضه.

وعن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه كان إذا صعد الصفا استقبل الكعبة، ثُمّ رفع يديه، ثُمّ قال: «اللّهمّ، اغفِرْلي كلَّ ذَنب أذْنَبتُه قطّ، فإن عدتُ فعُدْ عليّ بالمَغْفِرةِ؛ فإنّك أنت الغَفُورُ الرّحيمُ. اللّهمّ، افعَلْ بي ما أنتَ أهْلُه؛ فإنّك إن تَفعَلْ بِي ما أنتَ أهْلُه تَرحَمْني، وإن تُعذّبْني فأنت غَنيٌّ عن عَذابِي، وأنا مُحتاجٌ إلى رحمَتِكَ، فيامَنْ أنا مُحتاجٌ إلى رَحْمَتِه، ارحَمْني. اللّهُمَّ، لاتَفعلْ بي ما أنا أهلُه؛ فإنّك إن تَفْعل بي ما أنا أهْلُه تُعذّبني وَلمْ تَظلِمْني، أصْبَحتُ أتَّقي عدْلَك ولاأخَافُ جَوْرَكَ، فيامَنْ هو عَدلٌ لايَجُورَ، ارحَمْني».

94

وعن أبي عبدالله(عليه السلام): «إن أردت أن يكثر مالك فأكثِر من الوقوف على الصفا».

ويستحبّ أن يسعى ماشياً، وأن يمشي على سكينة ووقار حتّى يأتي محلّ المنارة الاُولى، فيهرول إلى محلّ المنارة الاُخرى، ثُمّ يمشي على سكينة ووقار حتّى يصعد على المروة، فيصنع عليها كما صنع على الصفا، ويرجع من المروة إلى الصفا على هذا المنهج أيضاً.

 

أحكام السعي:

104 ـإذا ترك السعي عامداً، أي: من دون نسيان أو غفلة حتّى مضى الوقت بفوات الوقوف بعرفات عليه، بطلت عمرته وإحرامه، وبالتالي بطل حجّه، سواء كان عالماً بوجوب السعي أو جاهلاً بذلك.

وإذا نقص من أشواط السعي عامداً كان كمن ترك السعي عامداً.

وإذا ترك السعي نسياناً أتى به عند التذكّر حتّى لو كان ذلك بعدالفراغ من الحجّ، وإن لم يتمكّن منه مباشرة ولو للحرج والمشقّة لزمته الاستنابة.

وإذا نقص من أشواط السعي نسياناً تدارك ذلك متى تذكّر بإكمال السعي وتكميل نقصانه، ولايجب استئناف سعي كامل وإن كان هو الأحوط استحباباً في حالة عدم صدور أربعة أشواط كاملة عنه في سعيه السابق.

95

 

 

الواجب الخامس: التقصير

 

105 ـوهو الواجب الخامس والأخير في عمرة التمتّع، ومعناه: أخذ شيء من ظفر يده أو رجله أو شعر رأسه أو لحيته أو شاربه، ولا يكفي النتف عن التقصير، ولا يجزئ حلق الرأس، بل يحرم عليه الحلق. وتجب فيه النيّة، وصورتها مثلا: اُقصّر للإحلال من عمرة التمتّع قربة إلى الله تعالى.

106 ـ وموضعه بعد الفراغ من السعي، ولكن لاتجب المبادرة إليه بعد السعي، ويجوز في أيّ مكان شاء، سواء كان في المسعى أو في منزله أوفي غيرهما.

 

107 ـ حكمه وأثره:

وحكمه: أنّ من ترك التقصير عمداً، أي: من دون نسيان فأحرم للحجّ بطلت عمرته، وتحوّل حجّه من حجّ التمتّع إلى حجّ الإفراد، ولو كان حجّه حجّة الإسلام فقد حصل العلم الإجمالي إمّا بتبدّل وظيفته في حجّة الإسلام إلى الإفراد، أو أنّ تعمّده في ترك التقصير لم يقلب وظيفته في حجّة الإسلام إلى الإفراد، وإنّما قلب حجّه هذا إلى الإفراد، فيجب عليه عملاً بالعلم الإجماليّ أن يأتي بعمرة مفردة بعد الحجّ ـ والأحوط وجوباً أن تكون العمرة المفردة بعد

96

أيّام الشريق ـ ويعيد حجّ التمتّع في السنة القادمة.

ومن ترك التقصير نسياناً فأحرم للحجّ صحّت عمرته، والأحوط التكفير عن ذلك بشاة.

وأثره: أنّه يوجب تحليل جميع ما كان يحرم على المعتمر بسبب إحرامه من محرّمات الإحرام المتقدّمة عدا الحلق، فإنّ الأحوط للمعتمر أن لايحلق ولو أحلّ بالتقصير خلال شهر ذي القعدة وما بعده إلى حين الإحرام للحجّ، وإذا حلق عامداً عالماً كفّر بشاة.

وإذا انتهى المعتمر من التقصير فرغ من عمرة التمتّع، واستمتع فترة التحلّل.

ويحرم عليه على الأحوط الخروج من مكّة، إلّا لحاجة مهمّة، فإذا كانت له حاجة مهمّة تقتضي الخروج كالذهاب إلى منى لترتيب اُمور الحجّاج أو الاشتراك في جلسة ضروريّة هامّة أو نحو ذلك، وجب أن يكون خروجه مع الوثوق بالرجوع وإدراك الحجّ؛ لأنّه مرتهن بالحجّ، فلو لم يثق بذلك لم يجز له الخروج.

وقد ألفتنا النظر في آخر الفقرة (20) إلى أنّه لو خرج من الحرم بعد عمرة التمتّع ورجع في غير الشهر الهلاليّ الذي اعتمر فيه فلا بدّ لكي يصحّ حجّه تمتّعاً أن يعيد عمرة التمتّع ولو بالإتيان بعمرة مفردة وقلبها بعد إتمامها إلى عمرة التمتّع(1).



(1) وذلك لصحيح حمّاد بن عيسى الوارد في الوسائل 11 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، الباب 22 من أقسام الحجّ، الحديث 6، الصفحة: 303.

97

الفصل الثاني

1

 

 

حجّ التمتّع

 

 

○ أعمال الحجّ ( حجّ التمتّع )

○ إحرام الحجّ.

○ الوقوف بعرفات.

○ الوقوف بالمشعر (المزدلفة).

○ واجبات يوم العيد وبعض مستحبّاته.

○ رمي جمرة العقبة.

○ الذبح أو النحر في منى.

○ الحلق أو التقصير.

○ طواف الحجّ وصلاته والسعي.

○ طواف النساء وصلاته.

○ واجبات منى بعد نهار العيد وبعض المستحبّات.

○ المبيت في منى.

○ رمي الجمار.

 

 

 

98

 

 

 

إحرام الحجّ

 

108 ـ الإحرام للحجّ هو الواجب الأوّل من واجبات حجّ التمتّع، وإليك خصائصه:

أوّلاً: مكانه، يجب أن يكون الإحرام لحجّ التمتّع من مكّة من أيّ موضع شاء، ويُستحبّ أن يكون من المسجد الحرام في مقام إبراهيم أو حجر إسماعيل. ويراد بمكّة هنا: البلد على امتداده، فالأحياء الجديدة التي تشكّل الامتداد الحديث لمكّة وتعتبر جزءاً منها عرفاً يجوز الإحرام فيها، ولا يجوز الإحرام في بلدة أو قرية اُخرى لها عنوانها المتميّز، وإن اتّصلت بمكّة عن طريق توسّع العمران. نعم الأحوط وجوباً أن لا يكون إحرامه من امتدادات مكّة الواقعة اليوم خارج الحرم.

ثانياً: زمانه، يجب عليه أن يحرم قبل ظهر اليوم التاسع من ذي الحجّة على نحو يتمكّن من إدراك الوقوف الواجب بعرفات، والأفضل أن يحرم في اليوم الثامن، ويمكنه أن يحرم قبل اليوم الثامن بيوم أو يومين أو ثلاثة، بل قبل ذلك أيضاً، وإن كان الأحوط

99

استحباباً عدم التقديم على اليوم الثامن بأكثر من ثلاثة أيّام.

ثالثاً: نيّـته، وصورتها مثلاً: اُحرم لحجّ التمتّع من حجّة الإسلام قربة إلى الله تعالى. وإذا كان نائباً ذكر اسم المنوب عنه، وإن كانت الحجّة مستحبّة أسقط كلمة (حجّة الإسلام).

رابعاً: كيفيّـته، يتّحد إحرام الحجّ مع إحرام عمرة التمتّع في الكيفيّة والشرائط والعناصر التي يجب توفرها فيه، والتي تقدّم توضيحها في الفقرة ( 42 ) و ( 43 ) وما بعدهما، ولااختلاف بين الإحرامين إلّا في النيّة.

والأحوط لمن أحرم لحجّ التمتّع أن لا يطوف طوافاً مستحبّاً قبل الخروج إلى عرفات، فلو طاف جدّد التلبية بعد الطواف رجاءً.

خامساً: حكمه، من تركه عالماً عامداً لزمه التدارك، فإن لم يتمكّن من التدارك قبل الوقوف بعرفات فسد حجّه.

ومن تركه جاهلا بوجوبه، وأتى ببقيّة المناسك، فإن لم يعلم إلّا بعد الفراغ من الحجّ، صحّ حجّه، وإن علم في أثناء الحجّ فمع إمكان الرجوع إلى مكّة والإحرام منها، يجب، ومع عدم الإمكان لضيق الوقت أو لعذر آخر يحرم من الموضع الذي هو فيه.

ومن تركه نسياناً وتذكّر رجع مع الإمكان، وإلّا أحرم في موضعه إذا كان لم يتجاوز عرفات، وإن تجاوزها أحرم من موضعه أيضاً، لكن صحّة حجّه ـ حينئذ ـ لا تَخلو من إشكال.

100

آداب إحرام الحجّ

109 ـ إحرام الحجّ يشارك إحرام العمرة فيما له من آداب ومستحبّات، وقد تقدّم ذكرها في إحرام العمرة الفقرة (56) ويُستحبّ أن يكون الإحرام للحجّ من المسجد الحرام، وأن يكون في اليوم الثامن من ذي الحجّة، ويُستحبّ له المبيت في منى ليلة عرفة، والتوفّر في تلك الليلة على العبادة وعلى الصلاة في مسجد الخيف والتعبد فيه، فإذا قضى ليلة هناك، وطلع الفجر صلّى صلاة الصبح في منى، وعقّب إلى طلوع الشمس، ثُمّ اتّجه إلى عرفات مارّاً بمنطقة في حدود منى تسمّى بــ (وادي محسّر) ولا بأس بأن يخرج من منى قبل طلوع الشمس، ولكن ينبغي أن لا يتجاوز وادي محسّر قبل طلوع الشمس، ولا إثم عليه لو تجاوز، ولو شاء أن يخرج من منى قبل طلوع الفجر فلا إثم عليه أيضاً، غير أنّ ذلك مكروه. كلّ هذا فيما لو اتّجه من مكّة إلى منى، وأمّا إذا سلك إلى عرفات طريقاً آخر لا يمرّ بمنى، كما هو الغالب في الطريق العامّ للحجّاج في الفترة المعاصرة، فلا إثم عليه.

وعلى أيّ حال، فإذا توجّه الحاجّ إلى عرفات قال: «اللّهمّ، إليكَ صَمَدْتُ، وإيّاك اعتمَدتُ، ووجهَكَ أردْتُ، فأسألك أن تُباركَ لي في رِحْلَتي، وأن تَقْضِي لي حاجَتي، وأن تَجعَلنِي مِمّن تُباهي بِه اليوم مَن هو أفْضلُ منِّي».

ويُستحبّ أن يكرّر التلبية إلى أن يصل إلى عرفات.

101

 

 

الوقوف بعرفات

 

110 ـ الواجب الثاني من واجبات حجّ التمتّع الوقوف بعرفات. والمراد به التواجد بعرفات من دون فرق بين أن يكون راكباً أو راجلا واقفاً أو قاعداً أو على أيّ حالة اُخرى.

111 ـ مكانه: يجب أن يكون الوقوف بعرفات.وكانت عرفات تبعد عن مكّة مسافة شرعيّة، فكان السفر إليها يوجب قصر الصلاة، وهي أبعد النقاط ـ التي يجب على الحاجّ أن يقصدها في حجّه ـ عن مكّة، ثُمّ يأخذ بعد ذلك بالاقتراب من مكّة، بالانتقال من عرفات إلى المشعر ومنه إلى منى، كما سيأتي إن شاء الله تفصيله.

وقد أصبح اليوم الفاصل بين مكّة وعرفات أقلّ من المسافة الشرعيّة باعتبار اتّساع مكّة، فلو نوى المسافر الإقامة بمكّة عشرة أيّام، ثُمّ سافر إلى عرفات، لم تقصر صلاته، نعم لو كانت نيّـته للإقامة بلحاظ مجموع أيّام مكّة وعرفات والمشعر ومنى، فهذه لاتعتبر إقامة؛ لتعدّد المكان(1).

 



(1) وقد يتّفق أنّ الحاجّ يقيم بمكّة قبل الأعمال عشرة أيّام، فيتمّ في

102

وعرفات: فسحة كبيرة من الأرض تعتبر خارج الحرم، وتتّصل حدودها به، ويفصل بينها وبين المشعر الحرام منطقة تسمى بـ (المأزمين).

ولعرفات حدود، وقد جاء في الأحاديث ذكر بعض الأماكن التي كان لها أسماء معروفة وقتئذ، كحدود لموقف عرفات، وهي: (بطن عرنة) و (ثويّة) و (نمرة) و (ذو المجاز).

وجملة من هذه الأسماء لا تزال أسماء لمسمّيات معروفة في



عرفات كما قلنا، ولكن يشكل أمره من حين التحرّك من عرفات حتّى رجوعه إلى مكّة حيث لاينوي المُقام عشرة أيّام بعد الأعمال بمكّة، فهل يقصّر من حين التحرّك من عرفات إلى الرجوع؛ لأنّ المشعر ومنى ومكّة كلّها واقعة في طريق رجوعه إلى بلده، فقد أصبح مسافراً، وعليه التقصير، أو يتمّ؛ لأنّه بدأ يرجع إلى محلّ إقامته، وليس الفاصل بينه وبين محلّ إقامته وهو مكّة بمقدار المسافة الشرعيّة، فعليه التمام؟

لاإشكال في أنّ مقتضى الاحتياط هو الجمع بين القصر والتمام.

ولكن الظاهر: أنّ الصحيح هو التفصيل بين ما لو أراد المرور بمكّة بوصفها في طريقه إلى بلده فحسب، أو أراد الرجوع إلى مكّة كرجوع المسافر إلى محلّ إقامته برغم علمه بأنّه لن يقيم مرّة اُخرى بمكّة وسوف تكون مكّة عملاً طريقاً له في رجوعه إلى بلده، ففي الفرض الأوّل يجب عليه القصر، وفي الفرض الثاني يجب عليه التمام.

103

الواقع المعاش ومنعكسة في الخرائط المختصّة، ولايزال مسجد نمرة متميّزاً حتّى الآن وقائماً، وبعضها غير واضح فعلا، وإن كان الموقف لايزال واضحاً في حدوده وعلاماته المنصوبة في أطرافه. ولايجوز الوقوف بتلك الأماكن والنقاط المحادّة للموقف، بل لابدّ أن يكون الوقوف فيما تحوطه تلك النقاط من مساحة، من دون فرق بين جبلها وسهلها، وإن كان الأفضل الوقوف في السفح في ميسرة الجبل.

112 ـ زمانه ونيّـته: الأحوط للحاجّ ـ في حالة الاختيار ـ أن يقف في عرفات من أوّل ظهر اليوم التاسع من ذي الحجّة إلى الغروب، ولكن الأظهر جواز البدء بالوقوف بعد الظهر بساعة إلى الغروب. والوقوف في تمام هذا الوقت واجب يأثم المكلّف بتركه، ولكن لايبطل الحجّ لو اقتصر على الوقوف برهة قصيرة خلال هذا الوقت وإن اعتبر آثماً؛ لعدم استيعاب المدّة، ويسمّى هذا بـ (الوقوف الاختياريّ).

ولايجوز للحاجّ الإفاضة من عرفات، أي: الخروج منها قبل غروب الشمس عالماً عامداً، وإذا خرج كذلك لم يفسد حجّه، ولكن عليه الرجوع، فإذا ندم ورجع فلا شيء عليه، وإلّا كانت عليه كفّارة جمل أكمل الخامسة ينحره في منى يوم العيد، وإذا خرج من عرفات قبل الغروب جاهلا أو ناسياً، وجب عليه الرجوع عند العلم أو التذكّر، فلو لم يرجع كانت عليه ـ على الأحوط ـ كفّارة أيضاً كما في العالم العامد في حالة عدم رجوعه. ولو لم يتمكّن الحاجّ أن