186

والعمرة المفردة مشروعة مستحبّة في كلّ شهر، وأفضل أوقاتها شهر رجب، والأحوط عدم الإتيان بها في أيّام التشريق ـ أيّام منى ـ التي تنتهي بنهاية اليوم الثالث عشر، ولايعتبر فاصل زمنيّ بين عمرتين، وإنّما لابدّ أن تكون إحداهما في شهر هلاليّ، والاُخرى في شهر هلاليّ آخر.

ويجوز الإتيان بالعمرة المفردة في الوقت الذي تشرع فيه عمرة التمتّع، أي: في أشهر الحجّ، ولو أتى بعمرة مفردة في هذا الوقت قبل أوان الحجّ، وبقي في مكّة إلى حينه، جاز له أن يجعلها عمرة تمتّع، ويأتي بالحجّ، ويعتبر ـ حينئذ ـ حجّ التمتّع، سواء كان حجّ التمتّع واجباً عليه أو مستحبّاً.

2 ـ يحرم على الإنسان ولو كان محلاًّ الصيدُ في الحرم، وقلع ما



إلى المدينة وإلى ذات عرق، أو إلى بعض المعادن؟ قال: يرجع إلى مكّة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتّع فيه؛ لأنّ لكلّ شهر عمرة وهو مرتهن بالحجّ. قلت: فإنّه دخل في الشهر الذي خرج فيه. قال: كان أبي مجاوراً هاهنا فخرج يتلقّى بعض هؤلاء، فلمّا رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحجّ ودخل وهو محرم بالحجّ». نفس المصدر، الحديث 8، ص 303 ـ 304.

فهذه الرواية كما ترى ناظرة إلى الإحرام في نفس الشهر الهلاليّ الذي خرج فيه بقرينة قوله: «لكلّ شهر عمرة»، فلا محيص عن حمل هذا الحديث على الاستحباب.

187

ينبت فيه أو قطعه، وقد تقدّم ذلك في محرّمات الإحرام مع بعض استثناءاته، فلاحظ فقرة (72).

3 ـ يكره كراهة شديدة التقاط الإنسان اللقطة في الحرم، وقال جماعة من الفقهاء بحرمة ذلك، فينبغي للحاجّ إذا وجد مالا ضائعاً في الحرم أن لا يمدّ يده إليه، وإذا أخذه لا يجوز له تملّكه ولو عرّف به، بل يجب عليه التعريف وبعد انتهاء أمد التعريف وعدم وجدان المالك يتصدّق به على الأحوط(1)، ويضمن المال لصاحبه.

4 ـ من جنى في غير الحرم ما يوجب عقاباً معيّناً من حدّ أو تعزير أو قصاص، والتجأ إلى الحرم، لم يؤخذ مادام فيه، ولكن



(1) الوجه في ذلك صحيح إبراهيم بن عمر اليمانيّ عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: «اللقطة لقطتان: لقطة الحرم، وتعرّف سنة، فإن وجدت صاحبها، وإلّا تصدّقت بها، ولقطة غيرها تعرّف سنة، فإن لم تجد صاحبها فهي كسبيل مالك». الوسائل، الباب 28 من مقدّمات الطواف، الحديث 4.

وإنّما تنزّلنا من الفتوى إلى الاحتياط لما ورد في صحيح ابن أبي عمير عن فضيل بن غزوان من الرخصة في تملّك ما وجده الطيّار من دينار في الطواف قد انسحقت كتابته (المصدر السابق، الحديث 6)، ونظيره عن فضيل بن غزوان في الوسائل، الباب 17 من اللقطة، الحديث 1، والباب 5 منها، الحديث 4.

ويحتمل التفصيل بين ما لايوجد صاحبه عادة لسعة دائرة الجهالة، كدينار وجده في الطواف الذي يقصده الناس من جميع أنحاء العالم، فيجوز تملّكه، وبين اللقطة الاعتياديّة في الحرم القابلة للتعريف سنة.

188

يُضيّق عليه بمقاطعته؛ لإلجائه إلى الخروج.

5 ـ الطواف حول الكعبة الشريفة جزء من العمرة وجزء من الحجّ كما مرّ بنا، وهو ـ إضافةً إلى ذلك ـ عبادة مستقلّة يمكن للإنسان أن يؤدّيها، فيطوف دون أن يضمّ إلى ذلك شيئاً آخر من أعمال الحجّ.

وإذا طاف طوافاً مستحبّاً فليس عليه أن يكون متوضِّئاً حال الطواف، ولكن لابدّ أن يكون متوضِّئاً عند أداء صلاة ذلك الطواف المستحبّ؛ إذ «لاصلاة إلّا بطهور»(1).

ويعتبر الطواف بالنسبة إلى المسافر أفضل من الصلاة المستحبّة، خلافاً لأهل مكّة أنفسهم؛ فإنّ الصلاة بالنسبة إليهم أفضل.

6 ـ إنّ شرف مكّة وعظيم حرمتها يجعل أصغر الذنوب كبيراً فيها في عقابه عند الله سبحانه وتعالى، قال الله عزّوجلّ: ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَاد بِظُلْم نُذِقْهُ مِنْ عَذَاب أَلِيم﴾(2).

وقد جاء في سند معتبر عن الحلبيّ قال: «سألت أبا عبدالله الصادق(عليه السلام) عن ذلك، فقال: كلّ الظلم فيه إلحاد حتّى لو ضربت خادمك بغير ذنب ظلماً خشيت أن يكون إلحاداً»(3)، وفي بعض



(1) وسائل الشيعة، الباب 2 من أبواب الوضوء، الحديث 3.

(2) سورة الحجّ، الآية: 25.

(3) الوسائل، الباب 16 من مقدّمات الطواف، الحديث 1.

189

الأخبار: «أنّ أدناه الكبر»(1) فلابدّ لإخواننا المؤمنين أن ينتبهوا إلى ذلك، ويدركوا عظمة المسؤوليّة الشرعيّة، ويتّقوا العذاب الأليم، وقد كان جملة من الأخيار يخشون من استيطان مكّة المكرّمة وسكناها مخافة ذلك.

7 ـ قال كثير من الفقهاء قدّس الله أسرارهم: إنّ المسافر غير المقيم مخيّر في مكّة بين القصر والتمام؛ لأنّه أحد المواضع التي يتخيّر فيها المسافر، ولكن الأحوط وجوباً عندنا عدم الاكتفاء بصلاة التمام لمن لم يقصد الإقامة.

8 ـ هناك أماكن شريفة في مكّة المكرّمة وما حولها توحي بذكريات دينيّة عالية لمن يتفقّدها:

منها: غار حراء، وهو الغار الذي كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يتعبّد فيه قبل النبوّة، ونزل عليه الوحي فيه.

ومنها: المكان الذي دُفن فيه أبوطالب وخديجة اُمّ المؤمنين رضوان الله عليهما، وهناك ـ أيضاً ـ قبر اُمّ النبيّ آمنة وقبر جدّه عبدالمطلب رضوان الله عليهما.

ومنها: منزل خديجة اُمّ المؤمنين الذي كان النبيّ(صلى الله عليه وآله)يسكنه معها بعد زواجه منها، وفيه ولدت الصدّيقة فاطمة الزهراء(عليها السلام)، وهو الآن مسجد.



(1) اُصول الكافي 2، كتاب الإيمان والكفر، باب الكبر، الحديث 1.

190

9 ـ يُستحبّ للمسافر إذا أراد الخروج من مكّة أن يُودّع البيت الحرام، ويطوف حوله سبعة أشواط. ويُسمّى هذا الطواف بـ (طواف الوداع)، ويستلم الحجر الأسود، ويحمد الله ويُثني عليه، ويُصلّي على محمّد وآله، ثُمّ يقول: «اللّهمَّ، صَلِّ على مُحمّد عَبدِكَ ورَسُولِكَ، ونَبِيِّكَ وأَمِينِكَ، وحَبِيبِكَ ونَجِيِّكَ، وخيرتِكَ مِن خَلْقِكَ. اللّهمَّ، كَما بَلّغَ رسالاتِكَ، وجَاهَدَ فِي سَبِيلِكَ، وصَدَعَ بِأمرِكَ، واُوذِيَ فِي جَنِبكَ، وعَبَدَكَ حتّى أتاهُ اليَقِينُ. اللّهمَّ، اقلِبْنِي مُفْلِحاً مُنجحاً مُستجاباً لي بأفْضَلِ ما يَرجِعُ بِه أحدٌ مِن وفدِكَ مِن المَغفِرَةِ والبَرَكَةِ والرَّحمَةِ والرِّضوانِ والعافِيَةِ. اللّهمَّ، إن أمتَّني فاغفِرْ لي، وإن أحيَيتَنِي فارزُقنِيهِ من قابل. اللّهمَّ، لا تَجْعَلهُ آخرَ العَهدِ مِن بيتِكَ. اللّهمَّ، إنّي عبدُكَ وابنُ عبدِكَ وابنُ أَمَتِكَ أدْخَلْتَنِي حَرَمَكَ وأَمنَكَ، وقد كانَ فِي حُسنِ ظَنِّي بِكَ أنْ تَغْفِر لِي ذُنُوبِي، فَإنْ كُنْتَ قَد غَفَرْتَ لِي ذُنُوبِي فازدَد عَنِّي رضاً، وَقَرِّبْنِي إِلَيْكَ زُلفى، وإنْ كُنْتَ لَم تَغْفِرْ لِي فَمِن الآن فاغْفِر لِي قَبْلَ أَنْ تَنأى عَن بَيْتِكَ دارِي، وهذا أوانُ انصرافي إنْ كُنْتَ أذِنْتَ لِي غَيرَ راغِب عَنْكَ، وَلا عَن بَيْتِكَ، وَلا مُستَبْدِل بِكَ وَلا بِهِ. اللّهمَّ، احْفَظْنِي مِن بَيْنِ يَدَيَّ وَمِن خَلْفِي وعَن يَمِينِي وعَن شِمالِي حتّى تُبَلِّغَنِي أهلِي، واكْفِنِي مَؤونَةَ عِبادِكَ وعِيالِي؛ فَإنَّكَ وَليُّ ذلِكَ مِن خَلْقِكَ ومِنِّي».

191

 

3 ـ بعض الأدعية والزيارات

 

208 ـ ومن أهمّ المستحبّات التي تُطلب من الحاجّ الذهابُ إلى المدينة المنوّرة ابتداءً قبل الحجّ أو انتهاءً بعد الفراغ من الحجّ؛ لزيارة الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله)، والإكثار من الصلاة والدعاء، والعبادة في مسجده الشريف، وزيارة الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء(عليها السلام)والأئمّة الأربعة: الحسن المجتبى، وعليّ بن الحسين السجّاد، ومحمّد بن عليّ الباقر، وجعفر بن محمّد الصادق(عليهم السلام).

والأقرب في قبر الصدّيقة(عليها السلام) أنّه في بيتها الذي دخل في المسجد بعد توسعته، وأكبر الظنّ أنّه داخل في ضمن الشبّاك المنصوب فعلا على القبر الشريف. وأمّا قبور الأئمّة الأربعة(عليهم السلام)فهي في البقيع.

وفي المدينة وحواليها وعلى الطريق إليها مساجد ومشاهد وقبور شريفة ينبغي زيارتها:

منها: مسجد الغدير الواقع في الطريق إلى المدينة، وهو قائم في الموضع الذي نصب فيه رسول الله(صلى الله عليه وآله) عليّاً(عليه السلام) خليفة من بعده.

ومنها: قبور الشهداء في اُحد الواقعة على بُعد يناهز أربع كيلومترات عن المدينة، وفي الرواية أنّ النبيّ كان إذا أتى قبور الشهداء قال: «السلام عليكم بما صبرتم، فنعم عُقبَى الدار».

192

ومنها: مساجد قبا والفضيخ وغير ذلك، وقد جاء بسند صحيح عن معاويّة بن عمّار عن الصادق(عليه السلام)أنّه قال: «لا تدع إتيان المشاهد كلّها، ومسجد قبا؛ فإنّه المسجد الذي اُسّس على التقوى من أوّل يوم، ومشربة اُم إبراهيم، ومسجد الفضيخ، وقبور الشهداء، ومسجد الأحزاب، وهو: مسجد الفتح».

وفيمايلي نذكر بعض الأدعية وبعض ما ينبغي أن يُزار به الرسول(صلى الله عليه وآله) والصدّيقة(عليها السلام) وأئمّة البقيع الطاهرون:

 

أ ـ دعاء الحسين(عليه السلام) يوم عرفة

روي عن بشر وبشير ولدي غالب الأسديّ أنّهما قالا: لمّا كان عصر عرفة في عرفات، وكنّا عند أبي عبدالله الحسين(عليه السلام)، فخرج(عليه السلام) من خيمته مع جماعة من أهل بيته وأولاده وشيعته بحال التذلّل والخشوع والاستكانة، فوقف في الجانب الأيسر من الجبل، وتوجّه إلى الكعبة، ورفع يديه قبالة وجهه كمسكين يطلب طعاماً، وقرأ هذا الدّعاء:

«الحَمْدُ لِلّه الَّذِي لَيْسَ لِقَضائِهِ دافِعٌ، وَلا لِعَطائِهِ مانِعٌ، وَلا كَصُنْعِهِ صُنْعُ صانِع، وَهُوَ الجَوادُ الواسِعُ، فَطَرَ أجْناسَ البَدَائِعِ، وَأتْقَنَ بِحِكْمَتِهِ الصَّنائِعَ، لا تَخْفى عَلَيْهِ الطَّلائِعُ، وَلا تَضِيعُ عِنْدَهُ الوَدائِعُ، جازِي كُلِّ صانِع، وَرايِشُ كُلِّ قانِع، وَراحِمُ كُلِّ ضارِ ع، مُنْزِلُ المَنافِعِ وَالكِتابِ الجامِعِ بِالنُّورِ السَّاطِعِ، وَهُوَ لِلدَّعَواتِ سامِعٌ، وَلِلْكُرُباتِ دافِعٌ، وَلِلدَّرَجاتِ رافِعٌ، وَلِلْجَبابِرَةِ قامِعٌ، فَلا إلهَ غَيْرُهُ، وَلا شَيْءَ يَعْدِلُهُ،

193

وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ.

اللّهُمَّ، إنِّي أرْغَبُ إلَيْكَ، وَأشْهَدُ بِالرُّبُوبِيَّةِ لَكَ، مُقرّاً بِأنَّكَ رَبِّي، وَأنَّ إلَيْكَ مَرَدِّي، ابْتَدَأتَنِي بِنِعْمَتِكَ قَبْلَ أنْ أكُونَ شَيْئاً مَذْكُوراً، وَخَلَقْتَنِي مِنَ التُّرابِ، ثُمَّ أسْكَنْتَنِي الأصْلابَ آمِناً لِرَيْبِ المَنُونِ وَاخْتِلافِ الدُّهُورِ وَالسِّنِينَ، فَلَم أزَلْ ظاعِناً مِنْ صُلْب إلَى رَحِم فِي تَقادُم مِنَ الأيَّامِ الماضِيَة وَالقُرُونِ الخالِيَةِ، لَمْ تُخْرِجْنِي لِرَأفَتِكَ بِي وَلُطْفِكَ لِي وَإحْسانِكَ إلَيَّ فِي دَوْلَةِ أئِمَّةِ الكُفْرِ الَّذِينَ نَقَضُوا عَهْدَكَ وَكَذَّبُوا رُسُلَكَ، لكِنَّكَ أخْرَجْتَنِي لِلَّذِي سَبَقَ لِي مِنَ الهُدَى الَّذِي لَهُ يَسَّرْتَنِي وَفِيهِ أنْشَأْتَنِي، وَمِنْ قَبْلِ ذلِكَ رَؤُفْتَ بِي بِجَمِيلِ صُنْعِكَ وَسَوَابِغِ نِعَمِكَ، فَابْتَدَعْتَ خَلْقِي مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى، وَأسْكَنْتَنِي فِي ظُلمات ثَلاث بَيْنَ لَحْم وَدَم وَجِلْد، لَمْ تُشْهِدْنِي خَلْقِي، وَلَمْ تَجْعَلْ إلَيَّ شَيْئاً مِنْ أمْرِي، ثُمَّ أخْرَجْتَنِي لِلَّذِي سَبَقَ لِي مِنَ الهُدى إلى الدُّنْيا تامّاً سَويّاً، وَحَفِظْتَنِي فِي المَهْدِ طِفْلا صَبِيّاً، وَرَزَقْتَنِي مِنَ الغذاءِ لَبَناً مَرِيّاً، وَعَطَفْتَ عَلَيَّ قُلُوبَ الحَواضِنِ، وَكَفَّلْتَنِي الأُمَّهاتِ الرَّواحِمَ، وَكَلأتَنِي مِنْ طَوارِقِ الجانِّ، وَسَلَّمْتَنِي مِنَ الزِّيادَةِ وَالنُّقْصانِ، فَتَعالَيْتَ يا رَحِيمُ يا رَحْمانُ، حَتَّى إذَا اسْتَهْلَلْتُ ناطِقاً بِالكَلامِ أتْمَمْتَ عَلَيَّ سَوابِغَ الإنْعامِ، وَرَبَّيْتَنِي زَائِداً فِي كُلِّ عام، حَتَّى إذَا اكْتَمَلَتْ فِطْرَتِي، وَاعْتَدَلَتْ مِرَّتِي أوْجَبْتَ عَلَيَّ حُجَّتَكَ: بِأنْ ألهَمْتَنِي مَعْرِفَتَكَ، وَرَوَّعْتَنِي بِعَجائِبِ حِكْمَتِكَ، وَأيَقْظَتْنَىِ لِما ذَرَأتَ فِي سَمائِكَ وَأرْضِكَ مِنْ بَدائِعِ خَلْقِكَ، وَنَبَّهْتَنِي لِشُكْرِكَ وَذِكْرِكَ، وَأوْجَبْتَ عَلَيَّ طاَعَتَك َوِعبادَتَكَ، وَفَهَّمْتَنِي ما جاءَتْ بِهِ رُسُلُكَ، وَيَسَّرْتَ لِي تَقَبُّلَ مَرْضاتِكَ، وَمَنَنْتَ عَلَيَّ فِي جَمِيعِ ذلِكَ بِعَوْ نِكَ وَلُطْفِكَ.

ثُمَّ إذْ خَلَقْتَنِي مِنْ خَيْرِ الثَّرَى لَمْ تَرْضَ لِي يا إلهِي نِعْمَةً دُونَ اُخْرَى، وَرَزَقْتَنِي مِنْ أنْواعِ المَعاشِ وَصُنُوفِ الرِّياشِ بِمَنِّكَ العَظِيمِ الأعْظَمِ عَلَيَّ وَإحْسانِكَ القَدِيمِ

194

إلَيَّ، حَتّى إذا أتْمَمْتَ عَلَيَّ جَمِيعَ النِّعَمِ، وَصَرَفْتَ عَنِّي كُلَّ النِّقَمِ، لَمْ يَمْنَعْكَ جَهْلِي وَجُرْأتِي عَلَيْكَ أنْ دَلَلْتَنِي إلَى ما يُقَرِّبُنِي إلَيْكَ، وَوَفَّقْتَنِي لِما يُزْلِفُنِي لَدَيْكَ، فَإنْ دَعَوْتُكَ أجَبْتَنِي، وَإنْ سَألتُكَ أعْطَيْتَنِي، وَإنْ أطَعْتُكَ شَكَرْتَنِي، وَإنْ شَكَرْتُكَ زِدْتَنِي، كُلُّ ذلِكَ إكْمالا لاِنْعُمِكَ عَلَيَّ وَإحْسانِكَ إلَيَّ، فَسُبْحانَكَ سبحانك مِنْ مُبْدئ مُعِيد حَمِيد مَجِيد، وَتَقَدَّسَتْ أسْماؤُكَ، وَعَظُمَتْ آلاؤُكَ، فَأيَّ نِعَمِكَ يا إلهِي اُحْصِي عَدَداً وَذِكْراً؟! أمْ أيُّ عَطاياكَ؟! أقُومُ بِها شُكْراً، وَهِيَ يا رَبِّ أكْثَرُ مِنْ أنْ يُحْصِيهَا العادُّونَ، أوْ يَبْلُغَ عِلْماً بِها الحافِظُونَ ثُمَّ ما صَرَفْتَ وَدَرَأتَ عَنِّي اللّهُمَّ مِنَ الضُّرِّ وَالضَّرَّاءِ أكْثَرُ مِمَّا ظَهَرَ لِي مِنَ العافِيَةِ وَالسَّرَّاءِ.

وَأنَا أشْهَدُ يا إلهِي بِحَقِيقَةِ إيْمانِي، وَعَقْدِ عَزَماتِ يَقِينِي، وَخالِصِ صَرِيحِ تَوْحِيدِي، وَباطِنِ مَكْنُونِ ضَمِيرِي، وَعَلائِقِ مَجارِي نُورِ بَصَرِي، وَأسارِيرِ صَفْحَةِ جَبِينِي، وَخُرْقِ مَسَارِبِ نَفْسِي، وَخَذارِيفِ مارِنِ عِرْ نِينِي، وَمَسارِبِ سِمَاخِ سَمْعِي، وَما ضُمَّتْ وَأطْبَقَتْ عَلَيْهِ شَفَتايَ، وَحَرَكاتِ لَفْظِ لِسانِي، وَمَغْرَزِ حَنَكِ فَمِي وَفَكّي، وَمَنابِتِ أضْراسِي، وَمَساغِ مَطْعَمِي وَمَشْرَبِي، وَحِمالَةِ اُمِّ رَأسِي، وَبَلُوعِ فارِغِ حَبائلِ عُنُقِي، وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ تامُورُ صَدْرِي، وَحَمائِلِ حَبْلِ وَتِينِي، وَنِياطِ حِجابِ قَلْبِي، وَأفْلاذِ حَواشِي كَبِدِي، وَما حَوَتْهُ شَراسِيفُ أضْلاعِي وَحِقاقُ مَفاصِلِي وَقَبْضُ عَوامِلِي وَأطْرافُ أنامِلِي وَلَحْمِي وَدَمِي وَشَعْرِي وَبَشَرِي وَعَصَبِي وَقَصَبِي وَعِظامِي وَمُخّي وَعُرُوقِي وَجَمِيعُ جَوارِحِي، وَما انْتَسَجَ عَلَى ذلِكَ أيَّام رِضاعِي، وَما أقَلَّتِ الأرْضُ مِنّي وَنَوْمِي وَيَقَظَتِي وَسُكُونِي وَحَرَكاتِ رُكُوعِي وَسُجُودِي، أن لَو حاوَلتُ وَاجْتَهَدْتُ مَدَى الأعْصارِ وَالأحْقابِ لَوْ عُمِّرْتُها أنْ اُؤَدِّيَ شُكْرَ واحِدَة مِنْ أنْعُمِكَ، مَا اسْتَطَعْتُ ذلِكَ إلَّا بِمَنِّكَ المُوجَبِ عَلَيَّ بِهِ شُكْرُكَ أبَداً جَديداً وَثَناءً طارِفاً عَتِيداً.

195

أجَلْ، وَلَوْ حَرَصْتُ أنَا وَالعادُّونَ مِنْ أنامِكَ أن نُحْصِيَ مَدى إنعامِكَ سالِفِهِ وَآنِفِهِ، ما حَصَرْناهُ عَدَداً، وَلا أحْصَيْناهُ أمَداً، هَيْهَاتَ أنّى ذلِكَ وَأنْتَ المُخْبِرُ فِي كِتابِكَ النَّاطِقِ وَالنَّبَأِ الصَّادِقِ: ﴿وَإنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّهِ لا تُحْصُوها﴾ صَدَقَ كِتابُكَ اللّهُمَّ وَإنْباؤُكَ. وَبَلَّغَتْ أنْبِياؤُكَ وَرُسُلُكَ ما أنْزَلتَ عَلَيْهِمْ مِنْ وَحْيكَ، وَشَرَعْتَ لَهُمْ وَبِهِمْ مِنْ دِينِكَ، غَيْرَ أنِّي يا إلهِي أشْهَدُ بِجُهْدِي وَجِدّي وَمَبْلَغِ طَاقَتِي وَوُسْعِي، وَأقُولُ مُؤْمِناً مُوقِناً: الحَمْدُ للّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً فَيَكُونَ مَوْرُوثاً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي مُلْكِهِ فَيُضادَّهُ فِيما ابْتَدَعَ، وَلا وَ لِيٌّ مِنَ الذُّلِّ فَيُرْفِدَهُ فِيما صَنَعَ، فَسُبْحانَهُ سُبْحانَهُ لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إلَّا اللّهُ لَفَسَدَتا وَتَفَطَّرَتا، سُبْحانَ اللّهِ الواحِدِ الأحَدِ الصَّمَدِ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحَدٌ، الحَمْدُ للّهِ حَمْداً يُعادِلُ حَمْدَ مَلائِكَتِهِ المُقَرَّبِينَ وَأنْبِيائِهِ المُرْسَلِينَ، وَصَلَّى اللّهُ عَلَى خِيَرَتِهِ مُحَمَّد خاتَمِ النَّبِيِّينَ وَآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ المُخْلَصِينَ وَسَلَّمَ».

فشرع(عليه السلام) في السؤال، واهتمّ في الدعاء ودموعه تنحدر على خدّيه، ثُمّ قال:

اللّهُمّ، اجْعَلْنِي أخْشاكَ كَأنِّي أراكَ، وَأسْعِدْنِي بِتَقْواكَ وَلا تُشْقِنِي بِمَعْصِيَتِكَ، وَخِرْ لِي فِي قَضائِكَ، وَبارِكْ لِي فِي قَدَرِكَ حَتَّى لا اُحِبَّ تَعْجِيلَ ما أخَّرْتَ، وَلا تَأْخِيرَ ما عَجَّلْتَ.

اللّهُمّ، اجْعَلْ غِنايَ فِي نَفْسِي، وَاليَقِينَ فِي قَلْبِي، وَالإخْلاصَ فِي عَمَلِي، وَالنورَ فِي بَصَرِي، وَالبَصِيرَةَ فِي دِينِي، وَمَتِّعْنِي بِجَوارِحِي، وَاجْعَلْ سَمْعِي وَبَصَرِي الوارِثَيْنِ مِنّي، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي، وَأرِنِي فِيهِ ثارِي وَمَآرِبِي، وَأقِرَّ بِذلِكَ عَيْنِي.

اللّهُمَّ، اكْشِفْ كُرْبَتِي، وَاسْتُرْ عَوْرَتِي، وَاغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي، وَاخْسَأ شَيْطانِي،

196

وَفُكَّ رِهانِي، وَاجْعَلْ لِي يا إلهِي الدَّرَجَةَ العُلْيا فِي الآخِرَةِ وَالأُوْلَى.

اللّهُمَّ، لَكَ الحَمْدُ كَما خَلَقْتَنِي، فَجَعَلْتَنِي سَمِيعاً بَصِيراً، وَلَكَ الحَمْدُ كَما خَلَقْتَنِي، فَجَعَلْتَنِي خَلْقاً سويّاً رَحْمَةً بِي وَقَدْ كُنْتَ عَنْ خَلْقِي غَنِيّاً، رَبِّ، بِما بَرَأتَنِي فَعَدَّلتَ فِطْرَتِي، رَبِّ، بِما أنْشَأْتَنِي فَأحْسَنْتَ صُورَتِي، رَبِّ، بِما أحْسَنْتَ إلَيَّ وَفِي نَفْسِي عافَيْتَنِي، رَبِّ، بِما كَلأتَنِي وَوَفَّقْتَنِي، رَبِّ، بِما أنْعَمْتَ عَلَيَّ فَهَدَيْتَنِي، رَبِّ، بِما أوْلَيْتَنِي وَمِنْ كُلِّ خَيْر أعْطَيْتَنِي، رَبِّ، بِما أطْعَمْتَنِي وَسَقَيْتَنِي، رَبِّ، بِما أغْنَيْتَنِي وَأقْنيْتَنِي، رَبِّ، بِما أعَنْتَنِي وَأعْزَزْتَنِي، رَبِّ، بِما ألبَسْتَنِي مِنْ سِتْرِكَ الصَّافِي، وَيَسَّرْتَ لِي مِنْ صُنْعِكَ الكافِي، صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَأعِنِّي عَلَى بَوائِقِ الدُّهُورِ وَصُرُوفِ اللَّيالِي وَالأيَّامِ، وَنَجِّنِي مِنْ أهْوالِ الدُّنْيا وَكُرُباتِ الآخِرَةِ، وَاكْفِنِي شَرَّ ما يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ فِي الأرْضِ.

اللّهُمّ، ما أخافُ فَاكْفِنِي، وَما أحْذَرُ فَقِنِي، وَفِي نَفْسِي وَدِينِي فَاحْرُسْنِي، وَفِي سَفَرِي فَاحْفَظْنِي، وَفِي أهْلِي وَمالِي فَاخْلُفْنِي، وَفِيما رَزَقْتَنِي فَباِرْك لِي، وَفِي نَفْسِي فَذَلِّلْنِي، وَفِي أعْيُنِ النَّاسِ فَعَظِّمْنِي، وَمِنْ شَرِّ الجِنِّ وَالإنْسِ فَسَلِّمْنِي، وَبِذُنُوبِي فَلا تَفْضَحْنِي، وَبِسَرِيرَتِي فَلا تُخْزِنِي، وَبِعَمَلِي فَلا تَبْتَلِني، وَنِعَمَكَ فَلا تَسْلُبْنِي، وَإلَى غَيْرِكَ فَلا تَكِلْنِي.

إلهِي، إلَى مَنْ تَكِلُنِي إلَى قَرِيب فَيَقْطَعُنِي، أمْ إلَى بَعِيد فَيَتَجَهَّمُنِي، أمْ إلَى المُسْتَضْعِفِينَ لِي وَأنْتَ رَبِّي وَمَلِيكُ أمْرِي؟ أشْكُو إلَيْكَ غُرْبَتِي وَبُعْدَ دارِي وَهَوانِي عَلَى مَنْ مَلَّكْتَهُ أمْرِي.

إلهِي، فَلا تُحْلِلْ عَلَيَّ غَضَبَكَ، فَإنْ لَمْ تَكُنْ غَضِبْتَ عَلَيَّ فَلا اُبالِي سِواكَ سُبْحانَكَ، غَيْرَ أنَّ عافِيَتَكَ أوْسَعُ لِي، فَأسْأ لُكَ يا رَبِّ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أشْرَقَتْ لَهُ الأرْضُ وَالسَّماوَاتُ، وَكُشِفَتْ بِهِ الظُّلُماتُ، وَصَلُحَ بِهِ أمْرُ الأوَّ لِينَ وَالآخِرِينَ أنْ لا تُمِيتَنِي عَلَى

197

غَضَبِكَ، وَلا تُنْزِلَ بِي سَخَطَكَ، لَكَ الَعُتْبى لَكَ العُتْبى حَتّى تَرْضى قَبْلَ ذلِكَ.

لا إلهَ إلَّا أنْتَ رَبَّ البَلَدِ الحَرامِ، وَالمَشْعَرِ الحَرامِ، وَالبَيْتِ العَتِيقِ الَّذِي أحْلَلْتَهُ البَرَكَةَ، وَجَعَلْتَهُ لِلنَّاسِ أمْناً، يا مَنْ عَفا عَنْ عَظِيمِ الذُّنُوبِ بِحِلْمِهِ، يا مَنْ أسْبَغَ النَّعْماءَ بِفَضْلِهِ، يا مَنْ أعْطَى الجَزِيلَ بِكَرَمِهِ، يا عُدَّتِي فِي شِدَّتِي، يا صاِحِبي فِي وَحْدَتِي، يا غِياثِي فِي كُرْبَتِي، يا وَلِيّي فِي نِعْمَتِي، يا إلهِي وَإلهَ آبائِي إبْراهِيمَ وَإسْماعِيْلَ وَإسْحاقَ وَيَعْقُوبَ، وَرَبَّ جَبْرائِيلَ وَمِيكائِيلَ وَإسْرافِيلَ، وَرَبَّ مُحَمَّد خاتِمِ النَّبِيِّينَ وَآلهِ المُنْتَجَبِينَ، وَمُنْزِلَ التَّوْراةِ وَالإنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالفُرْقانِ، وَمُنَزِّلَ كهيعص وَطه وَيس وَالقُرْآنِ الحَكِيمِ، أنْتَ كَهْفِي حِينَ تُعْيِينِي المَذاهِبُ فِي سَعَتِها، وَتَضِيقُ بِيَ الأرْضُ بِرُحْبِها، وَلَوْلا رَحْمَتُكَ لَكُنْتُ مِنَ الهالِكِينَ، وَأنْتَ مُقِيلُ عَثْرَتِي، وَلَوْلا سَتْرُكَ إيَّايَ لَكُنْتُ مِنَ المَفْضُوحِينَ، وَأنْتَ مُؤَيِّدِي بِالنَّصْرِ عَلَى أعْدائِي، وَلَوْلا نَصْرُكَ إيَّايَ لَكُنْتُ مِنَ المَغْلُوبِينَ، يا مَنْ خَصَّ نَفْسَهُ بِالسُّمُوِّ وَالرِّفْعَةِ، فَأوْلِياؤُهُ بِعِزِّهِ يَعْتَزُّونَ، يا مَن جَعَلَتْ لَهُ المُلُوكُ نِيرَ المَذَلَّةِ عَلَى أعْناقِهِمْ، فَهُمْ مِنْ سَطَواتِهِ خائِفُونَ، يَعْلَمُ خائِنَةَ الأعْيُنِ، وَما تُخْفِي الصُّدُورُ، وَغَيْبَ ما تَأْتِي بِهِ الأزْمِنَةُ وَالدُّهُورُ.

يا مَنْ لا يَعْلَمُ كَيْفَ هُوَ إلَّا هُوَ، يا مَنْ لا يَعْلَمُ ما هُوَ إلَّا هُوَ، يا مَنْ لا يَعْلَمُ ما يَعْلَمُهُ إلَّا هوَ، يا مَنْ كَبَسَ الأرْضَ عَلَى الماءِ، وَسَدَّ الهَواءَ بِالسَّماءِ، يا مَنْ لَهُ أكْرَمُ الأسْماءِ، يا ذَا المَعْرُوفِ الَّذِي لا يَنْقَطِعُ أبَداً، يا مُقَيِّضَ الرَّكْبِ لِيُوسُفَ فِي البَلَدِ القَفْرِ، وَمُخْرِجَهُ مِنَ الجُبِّ، وَجاعِلَهُ بَعْدَ العُبُودِيَّةِ مَلِكاً، يا رادَّهُ عَلَى يَعْقُوبَ بَعْدَ أن ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ، يا كاشِفَ الضُّرِّ وَالبَلْوى عَنْ أيُّوبَ، وَمُمْسِكَ يَدَيْ إبْراهِيمَ عَنْ ذَبْحِ ابْنِهِ بَعْدَ كِبَرِ سِنَّهِ وَفَناءِ عُمُرِهِ، يا مَنِ اسْتَجابَ لِزَكَرِيَّا، فَوَهَبَ لَهُ يَحْيَى، وَلَمْ يَدَعْهُ فَرْداً وَحِيداً، يا مَنْ أخْرَجَ يُونُسَ مِنْ بَطْنِ الحُوتِ، يا مَنْ فَلَق

198

البَحْرَ لِبَنِي إسْرائِيلَ فَأنْجاهُمْ، وَجَعَلَ فِرْعَوْنَ وَجُنُودَهُ مِنَ المُغْرَقِينَ، يا مَنْ أرْسَلَ الرِّياحَ مُبَشِّرات بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ، يا مَن لَمْ يَعْجَلْ عَلَى مَنْ عَصاهُ مِنْ خَلْقِهِ، يا مَن اسْتَنْقَذَ السَّحَرَةَ مِنْ بَعْدِ طُولِ الجُحُودِ، وَقَدْ غَدَوْا فِي نِعْمَتِهِ يَأْكُلُونَ رِزْقَهُ، وَيَعْبُدُونَ غَيْرَهُ، وَقَدْ حادُّوهُ وَنادُّوهُ وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ. يا اللّهُ يا اللّه، يا بَدِيءُ يا بَدِيعُ لا نِدَّ لَكَ، يا دائِمُ لا نَفادَ لَكَ، يا حَيُّ حِينَ لا حَيَّ، يا مُحْيِيَ المَوْتى، يا مَنْ هُوَ قائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْس بِما كَسَبَتْ، يا مَنْ قَلَّ لَهُ شُكْرِي فَلَمْ يَحْرِمْنِي، وَعَظُمَتْ خَطِيئَتِي فَلَمْ يَفْضَحْنِي، وَرَآنِي عَلَى المَعاصِي فَلَمْ يَشْهَرْنِي، يا مَنْ حَفِظَنِي فِي صِغَرِي، يا مَن رَزَقَنِي فِي كِبَرِي، يا مَنْ أيادِيهِ عِنْدِي لا تُحْصى، وَنِعَمُهُ لا تُجَازى، يا مَنْ عارَضَنِي بِالخَيْرِ وَالإحْسانِ، وَعارَضْتُهُ بِالإساءَةِ وَالعِصْيانِ، يا مَنْ هَدانِي لِلإيْمانِ مِنْ قَبْلِ أنْ أعْرِفَ شُكْرَ الامْتِنانِ، يا مَنْ دَعَوْتُهُ مَرِيضاً فَشَفانِي، وَعُرْياناً فَكَسانِي، وَجائِعاً فَأشْبَعَنِي، وَعَطْشانَ فَأرْوانِي، وَذَلِيلا فَأعَزَّنِي، وَجاهِلا فَعَرَّفَنِي، وَوَحِيداً فَكَثَّرَنِي، وَغائِباً فَرَدَّنِي، وَمُقِلاّ فَأغْنانِي، وَمُنْتَصِراً فَنَصَرَنِي، وَغَنِيّاً فَلَمْ يَسْلُبْنِي، وَأمْسَكْتُ عَنْ جَمِيعِ ذلِكَ فَابْتَدَأنِي، فَلَكَ الحَمْدُ وَالشُّكْرُ، يا مَنْ أقالَ عَثْرَتِي، وَنَفَّسَ كُرْبَتِي، وَأجابَ دَعْوَتِي، وَسَتَرَ عَوْرَتِي، وَغَفَرَ ذُنُوبِي، وَبَلَّغَنِي طَلِبَتِي، وَنَصَرَنِي عَلَى عَدُوّي، وَإنْ أعُدَّ نِعَمَكَ وَمِنَنَكَ وَكَرائِمَ مِنَحِكَ لا اُحْصِيها.

يا مَوْلايَ، أنْتَ الَّذِي مَنَنْتَ، أنْتَ الَّذِي أنْعَمْتَ، أنْتَ الَّذِي أحْسَنْتَ، أنْتَ الَّذِي أجْمَلْتَ، أنْتَ الَّذِي أفْضَلْتَ، أنْتَ الَّذِي أكْمَلْتَ، أنْتَ الَّذِي رَزَقْتَ، أنْتَ الَّذِي وَفَّقْتَ، أنْتَ الَّذِي أعْطَيْتَ، أنْتَ الَّذِي أغْنَيْتَ، أنْتَ الَّذِي أقْنَيْتَ، أنْتَ الَّذِي آوَيْتَ، أنْتَ الَّذِي كَفَيْتَ، أنْتَ الَّذِي هَدَيْتَ، أنْتَ الَّذِي عَصَمْتَ، أنْتَ الَّذِي سَتَرْتَ، أنْتَ الَّذِي غَفَرْتَ، أنْتَ الَّذِي أقَلْتَ، أنْتَ الَّذِي مَكَّنْتَ، أنْتَ الَّذِي أعْزَزْتَ، أنْتَ الَّذِي أعَنْتَ، أنْتَ الَّذِي عَضَدْتَ، أنْتَ الَّذِي أيَّدْتَ، أنْتَ الَّذِي نَصَرْتَ، أنْتَ الَّذِي شَفَيْتَ، أنْتَ الَّذِي عافَيْتَ، أنْتَ الَّذِي أكْرَمْتَ،

199

تَبارَكْتَ وَتَعالَيْتَ، فَلَكَ الحَمْدُ دائِماً، وَلَكَ الشُّكْرُ واصِباً أبَداً.

ثُمَّ أنا يا إلهِي المُعْتَرِفُ بِذُنُوبِي فَاغْفِرها لِي، أنَا الَّذِي أسَأْتُ، أنا الَّذِي أخْطَأْتُ أنَا الَّذِي هَمَمْتُ، أنَا الَّذِي جَهِلْتُ، أنَا الَّذِي غَفَلْتُ، أنَا الَّذِي سَهَوْتُ، أنَا الَّذِي اعْتَمَدْتُ، أنَا الَّذِي تَعَمَّدْتُ، أنَا الَّذِي وَعَدْتُ، وَأنَا الَّذِي أخْلَفْتُ، أنَا الَّذِي نَكَثْتُ، أنَا الَّذِي أقْرَرْتُ، أنَا الَّذِي اعْتَرَفْتُ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَعِنْدِي، وَأبُوءُ بِذُنُوبِي فَاغْفِرْها لِي، يا مَن لا تَضُرُّهُ ذُنُوبُ عِبادِهِ وَهُوَ الغَنِيُّ عَنْ طاعَتِهِمْ، وَالمُوَفِّقُ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْهُمْ بِمَعُونَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، فَلَكَ الحَمْدُ.

إلهِي وَسَيِّدِي، إلهِي، أمَرْتَنِي فَعَصَيْتُكَ، وَنَهَيْتَنِي فَارْتَكَبْتُ نَهْيَكَ، فَأصْبَحْتُ لا ذا بَرَاءَة لِي فَأعْتَذِرُ، وَلا ذا قُوَّة فَأنْتَصِرُ، فَبِأيِّ شَيْء أسْتَقْبِلُكَ يا مَوْلايَ؟ أبِسَمْعِي أمْ بِبَصَرِي أمْ بِلِسانِي أمْ بِيَدِي أمْ بِرِجْلِي، ألَيْسَ كُلُّها نِعَمَكَ عِنْدِي وَبِكُلِّها عَصَيْتُكَ.

يا مَوْلايَ، فَلَكَ الحُجَّةُ وَالسَّبِيلُ عَلَيَّ، يا مَنْ سَتَرَنِي مِنَ الآباءِ وَالأُمَّهاتِ أنْ يَزْجُرُونِي، وَمِنَ العَشائِرِ وَالإخْوانِ أنْ يُعَيِّرُونِي، وَمِنَ السَّلاطِينِ أنْ يُعاقِبُونِي، وَلَوِ اطَّلَعُوا يا مَوْلايَ عَلَى ما اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنِّي إذن مَا أنْظَرُونِي، وَلَرَفَضُونِي وَقَطَعُونِي، فَها أنَا ذا يا إلهِي بَيْنَ يَدَيْكَ يا سَيِّدِي: خاضِعٌ ذَلِيلٌ حَصِيرٌ حَقِيرٌ، لا ذُو بَرَاءَة فَأعْتَذِرُ، وَلا ذُو قُوَّة فَأنْتَصِرُ، وَلا ذو حُجَّة فَأحْتَجَّ بِها، وَلا قائِلٌ لَمْ أجْتَرِحْ وَلَمْ أعْمَلْ سُوءاً، وَما عَسَى الجُحُودُ وَلَوْ جَحَدْتُ يا مَوْلايَ يَنْفَعُنِي؟! كَيْفَ وَأنَّى ذلِكَ؟! وَجَوارِحِي كُلُّها شاهِدَةٌ عَلَيَّ بِما قَدْ عَمِلْتُ وَعَلِمْتُ يَقِيناً غَيْرَ ذِي شَكٍّ أنَّكَ سائِلِي عِنْ عَظائِمِ الأُمُورِ، وَأنَّكَ الحَكَمُ العَدْلُ الَّذِي لا تَجُورُ، وَعَدْلُكَ مُهْلِكِي، وَمِنْ كُلِّ عَدْلِكَ مَهْرَبِي، فَإنْ تُعَذِّبْنِي يا إلهِي فَبِذُنُوبِي بَعْدَ حُجَّتِكَ عَلَيَّ، وَإنْ تَعْفُ عَنِّي فَبِحِلْمِكَ وُجُودِكَ وَكَرَمِكَ.

200

لا إلهَ إلَّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ المُسْتَغْفِرِينَ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ المُوَحِّدِينَ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الخائِفِينَ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الوَجِلِينَ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الرَّاجِينَ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الرَّاغِبِينَ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ المُهَلِّلِينَ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ السَّائِلِينَ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ المُسَبِّحِينَ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ المُكَبِّرِينَ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ سُبْحانَكَ رَبِّي وَرَبُّ آبائِيَ الأوَّلِينَ.

اللَّهُمَّ، هذا ثَنائِي عَلَيْكَ مُمَجِّداً، وَإخْلاصِي لِذِكْرِكَ مُوَحِّداً، وَإقْرارِي بِآلائِكَ مُعَدِّداً، وَإنْ كُنْتُ مُقِرّاً أنِّي لَمْ اُحْصِها لِكَثْرَتِها وَسُبُوغِها وَتَظاهُرِها وَتَقادُمِها إلَى حادِث ما لَمْ تَزَلْ تَتَعَهَّدُنِي بِهِ مَعَها مُنْذُ خَلَقْتَنِي وَبَرَأتَنِي مِنْ أوَّل العُمْرِ مِنَ الإغناءِ مِنَ الفَقْرِ وَكَشْفِ الضُّرِّ وَتَسْبِيبِ اليُسْرِ وَدَفْعِ العُسْرِ وَتَفْرِيجِ الكَرْبِ وَالعافِيَةِ فِي البَدَن وَالسَّلامَةِ فِي الدِّينِ، وَلَوْ رَفَدَنِي عَلَى قَدْرِ ذِكْرِ نِعْمَتِكَ جَمِيعُ العالَمِينَ مِنَ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، ما قَدَرْتُ وَلا هُمْ عَلَى ذلِكَ تَقَدَّسْتَ وَتَعالَيْتَ مِنْ رَبٍّ كَرِيم عَظِيم رَحِيم لا تُحْصَى آلاؤُكَ، وَلا يُبْلَغُ ثَناؤُكَ، وَلا تُكافى نَعْماؤُكَ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَأتْمِمْ عَلَيْنا نِعَمَكَ، وَأسْعِدْنا بِطاعَتِكَ، سُبْحانَكَ لا إلهَ إلَّا أنْتَ.

اللَّهُمَّ، إنَّكَ تُجِيبُ المُضْطَرَّ، وَتَكْشِفُ السُّوءَ، وَتُغِيثُ المَكْرُوبَ، وَتَشْفِي السَّقِيمَ، وَتُغْنِي الفَقِيرَ، وَتَجْبُرُ الكَسِيرَ، وَتَرْحَمُ الصَّغِيرَ، وَتُعِينُ الكَبِيرَ، وَلَيْسَ دُونَكَ ظَهِيرٌ، وَلا فَوْقَكَ قَدِيرٌ، وَأنْتَ العَلِيُّ الكَبِيرٌ، يا مُطْلِقَ المُكَبَّلِ الأسِيرِ، يا رازِقَ الطِّفْلِ الصَّغِيرِ، يا عِصْمَةَ الخائِفِ المُسْتَجِيرِ، يا مَن لا شَرِيكَ لَهُ وَلا وَزِيرَ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَأعْطِنِي فِي هذِهِ العَشِيَّةِ أفْضَلَ ما أعْطَيْتَ وَأنَلْتَ أحَداً مِنْ

201

عِبادِكَ مِن نِعْمَة تُولِيها، وَآلاء تُجَدِّدُها، وَبَلِيَّة تَصْرِفُها، وَكُرْبَة تَكْشِفُها، وَدَعْوَة تَسْمَعُها، وَحَسَنَة تَتَقَبَّلُها، وَسَيِّئَة تَتَغَمَّدُها، إنَّكَ لَطِيفٌ بِما تَشاءُ، خَبِيرٌ وَعَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ.

اللَّهُمَّ، إنَّكَ أقْرَبُ مَنْ دُعِيَ، وَأسْرَعُ مَنْ أجابَ، وَأكْرَمُ مَنْ عَفا، وَأوْسَعُ مَنْ أعْطى، وَأسْمَعُ مَنْ سُئِلَ، يا رَحْمانَ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَرَحِيمَهما، لَيْسَ كَمِثْلِكَ مَسْؤُولٌ، وَلا سِواكَ مَأْمُولٌ، دَعَوْتُكَ فَأجَبْتَنِي، وَسَألتُكَ فَأعْطَيْتَنِي، وَرَغِبْتُ إلَيْكَ فَرَحِمْتَنِي، وَوَثِقْتُ بِكَ فَنَجَّيْتَنِي، وَفَزِعْتُ إلَيْكَ فَكَفَيْتَنِي. اللَّهُمَّ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد عَبْدِكَ وَرَسُو لِكَ وَنَبِيِّكَ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ أجْمَعِينَ، وَتَمِّمْ لَنا نَعْماءَكَ، وَهَنِّئْنا عَطاءَكَ، وَاكْتُبْنا لَكَ شاكِرِينَ وَلاِلائِكَ ذاكِرِينَ، آمِينَ آمِينَ رَبَّ العالَمِينَ.

اللَّهُمَّ، يا مَن مَلَكَ فَقَدَرَ، وَقَدَرَ فَقَهَرَ، وَعُصِيَ فَسَتَرَ، وَاسْتُغْفِرَ فَغَفَرَ، يا غايَةَ الطَّالِبِينَ الرَّاغِبِينَ، وَمُنْتَهى أمَلِ الرَّاجِينَ، يا مَنْ أحاطَ بِكُلِّ شَيْء عِلْماً، وَوَسِعَ المُسْتَقِيلِينَ رَأفَةً وَرَحْمَةً وَحِلْماً. اللَّهُمَّ، إنَّا نَتَوَجَّهُ إلَيْكَ فِي هذِهِ العَشِيَّةِ الَّتِي شَرَّفْتَها وَعَظَّمْتَها بِمُحَمَّد نَبِيِّكَ وَرَسُو لِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ، وَأمِينِكَ عَلَى وَحْيِكَ، البَشِيرِ النَّذِيرِ، السِّراجِ المُنِيرِ الَّذِي أنْعَمْتَ بِهِ عَلَى المُسْلِمِينَ، وَجَعَلْتَهُ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ. اللَّهُمَّ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد كَما مُحَمَّدٌ أهْلٌ لِذلِكَ مِنْكَ يا عَظِيمُ، فَصَلِّ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ المُنْتَجَبِينَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ أجْمَعِينَ، وَتَغَمَّدْنا بِعَفْوِكَ عَنَّا، فَإلَيْكَ عَجَّتِ الأصْواتُ بصُنُوفِ اللُّغاتِ، فَاجْعَلْ لَنا اللَّهُمَّ فِي هذِهِ الَعَشِيَّةِ نَصِيباً مِنْ كُلِّ خَيْر تَقْسِمُهُ بَيْنَ عِبادِكَ، وَنُور تَهْدِي بِهِ، وَرَحْمَة تَنْشُرُها، وَبَرَكَة تُنْزِلُها، وَعافِيَة تُجلِّلُها، وَرِزْق تَبْسُطُهُ يا أرْحم الرَّاحِمِينَ.

اللَّهُمَّ، اقْلِبْنا فِي هذَا الوقْتِ مُنْجِحِينَ مُفْلِحِينَ مَبْرُورِينَ غانِمِينَ، وَلا تَجْعَلْنا مِنَ القانِطِينَ، وَلا تُخْلِنا مِن رَحْمَتِكَ، وَلا تَحْرِمْنا ما نُؤَمِّلُهُ مِنْ فَضْلِكَ، وَلا تَجْعَلْنا

202

مِنْ رَحْمَتِكَ مَحْرُومِينَ، وَلا لِفَضْلِ ما نُؤَمِّلُهُ مِنْ عَطائِكَ قانِطِينَ، وَلا تَرُدَّنا خائِبِينَ، وَلا مِنْ بَابِكَ مَطْرُودِينَ، يا أجْوَدَ الأجْوَدِينَ، وَأكْرَمَ الأكْرَمِينَ، إلَيْكَ أقْبَلْنا مُوقِنِينَ، وَ لِبَيْتِكَ الحَرامِ آمِّينَ قاصِدِينَ، فَأعِنَّا عَلَى مَناسِكِنا، وَأكْمِلْ لَنا حَجَّنا، وَاعْفُ عَنَّا وَعافِنا، فَقَدْ مَدَدْنا إلَيْكَ أيْدِينا فَهِيَ بِذِلَّةِ الاعْتِرافِ مَوْسُومَةٌ.

اللَّهُمَّ، فَأعْطِنا فِي هذِهِ العَشِيَّةِ ما سَألناكَ، وَاكْفِنا ما اسْتَكْفَيْناكَ، فَلا كافِيَ لَنا سِواكَ، وَلا رَبَّ لَنا غَيْرُكَ، نافِذٌ فِينا حُكْمُكَ، مُحِيطٌ بِنا عِلْمُكَ، عَدْلٌ فِينا قَضَاؤُكَ، اقْضِ لَنا الخَيْرَ، وَاجْعَلْنا مِنْ أهْلِ الخَيْرِ.

اللَّهُمَّ، أوْجِبْ لَنا بِجُودِكَ عَظِيمَ الأجْرِ وَكَرِيمَ الذُّخْرِ وَدَوامَ اليُسْرِ، وَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا أجْمَعِينَ، وَلا تُهْلِكْنا مَعَ الهالِكِينَ، وَلا تَصْرِفْ عَنا رَأفَتَكَ وَرَحْمَتَكَ، يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللَّهُمَّ، اجْعَلْنا فِي هذَا الوَقْتِ مِمَّنْ سَألَكَ فَأعْطَيْتَهُ، وَشَكَرَكَ فَزِدْتَهُ، وَتابَ إلَيْكَ فَقَبِلْتَهُ، وَتَنَصَّلَ إلَيْكَ مِنْ ذُنُوبِهِ كُلِّها فَغَفَرْتَها لَهُ، يا ذا الجَلالِ وَالإكْرامِ.

اللَّهُمَّ، وفِّقْنَا وَسَدِّدْنا وَاقْبَلْ تَضَرُّعَنا، يا خَيْرَ مَنْ سُئِلَ، وَيا أرْحَمَ مَنِ اسْتُرْحِمَ.

يا مَن لا يَخْفى عَلَيْهِ إغْماضُ الجُفُونِ، وَلا لَحْظُ العُيُونِ، وَلا ما اسْتَقَرَّ فِي المَكْنُونِ، وَلا ما انْطَوَتْ عَلَيْهِ مُضْمَراتُ القُلُوبِ، ألا كُلُّ ذلِكَ قَدْ أحْصاهُ عِلْمُكَ، وَوَسِعَهُ حِلْمُكَ، سُبْحانَكَ وَتَعالَيْتَ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوّاً كَبِيراً، تُسَبِّحُ لَكَ السَّماوَاتُ السَّبْعُ وَالأرَضُونَ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإن مِنْ شَيْء إلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ، فَلَكَ الحَمْدُ وَالَمجْدُ وَعُلُوُّ الجَدِّ.

يا ذَا الجَلالِ وَالإكْرامِ، وَالفَضْلِ وَالإنْعامِ، وَالأيادِي الجِسامِ، وَأنْتَ الجَوادُ الكَرِيمُ الرَّؤُوفُ الرَّحِيمُ. اللَّهُمَّ، أوْسِعْ عَلَيَّ مِنْ رِزْقِكَ الَحَلالِ، وَعافِنِي فِي بَدَنِي وَدِينِي، وَآمِنْ خَوْفِي، وَأعْتِقْ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ. اللَّهُمَّ، لا تَمْكُرْ بِي، وَلا

203

تَسْتَدْرِجْنِي، وَلا تَخْدَعْنِي، وَادْرَأ عَنِّي شَرَّ فَسَقَةِ الجِنِّ وَالإنْسِ».

ثُمّ رفع سلام الله عليه رأسه وعينيه إلى السماء، وكان الدمع ينزل من عينيه كقربتين، وكان يقول بصوت رفيع: «يا أَسْمَعَ السّامِعِينَ، يا أَبْصَرَ النّاظِرِينَ، وَيا أَسْرَعَ الْحاسِبِينَ، وَيا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ، صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد السّادَةِ الْمَيامِينَ، وَأَسْئَلُكَ اللّهُمَّ حَاجَتِيَ الَّتِي إنْ أَعْطَيْتَنِيها لَمْ يَضُرَّنِي مَا مَنَعْتَنِي، وَإن مَنَعْتَنِيها لَمْ يَنْفَعْنِي مَا أَعْطَيْتَني: أَسْئَلُكَ فَكَاكَ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ، لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ وَحْدَكَ لا شَرِيْكَ لَكَ، لَكَ الْمُلْكُ، وَلَكَ الْحَمْدُ، وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ، يَارَبِّ ياَرَبِّ» فكان(عليه السلام) يكرّر كلمة (ياربّ)، والذين كانوا من حوله كانوا مكتفين بالإصغاء إلى دعائه وقولهم: آمين، فارتفعت أصواتهم معه(عليه السلام) بالبكاء إلى غروب الشمس، ثُمّ حملوا الأثاث إلى جانب مشعر الحرام.

والسيّد بن طاووس(رحمه الله) روى بعد جملة: «يَارَبِّ يَارَبِّ يَارَبِّ» هذا الدعاء: «إِلهي، أَنَا الْفَقيرُ في غِنايَ فَكَيْفَ لا أَكُونُ فَقيراً في فَقْري؟! إِلهي، أَنَا الْجاهِلُ في عِلْمي فَكَيْفَ لا أَكُونُ جَهُولاً في جَهْلي؟! إِلهي، اِنَّ اخْتِلافَ تَدْبيرِكَ وَسُرْعَةَ طَوآءِ مَقاديرِكَ مَنَعا عِبادَكَ الْعارِفينَ بِكَ عَنِ السُّكُونِ إِلى عَطآء وَالْيَأْسِ مِنْكَ في بَلاء. إِلهي، مِنّي ما يَليقُ بِلُؤْمي وَمِنْكَ ما يَليقُ بِكَرَمِكَ. إِلهي، وَصَفْتَ نَفْسَكَ بِاللُّطْفِ وَالرَّأْفَةِ لي قَبْلَ وُجُودِ ضَعْفي أَفَتَمْنَعُني مِنْهُما بَعْدَ وُجُودِ ضَعْفي. إِلهي، اِنْ ظَهَرَتِ الْمَحاسِنُ مِنّي فَبِفَضْلِكَ، وَلَكَ الْمِنَّةُ عَلَيَّ، وَإِنْ ظَهَرَتِ الْمَساوي مِنّي فَبِعَدْلِكَ، وَلَكَ الْحُجَّةُ عَلَيَّ. إِلهي، كَيْفَ تَكِلُني وَقَدْ تَكَفَّلْتَ لي، وَكَيْفَ اُضامُ وَأَنْتَ النّاصِرُ لي، أَمْ كَيْفَ أَخيبُ وَأَنْتَ الْحَفِيُّ بي، ها أَنَا أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِفَقْري إِلَيْكَ، وَكَيْفَ أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِما هُوَ مَحالٌ أَن يَصِلَ إِلَيْكَ، أَمْ كَيْفَ أَشْكوُ إِلَيْكَ حالي وَهُوَ لا

204

يَخْفى عَلَيْكَ، أَمْ كَيْفَ اُتَرْجِمُ بِمَقالي وَهُوَ مِنَكَ بَرَزٌ إِلَيْكَ، أَمْ كَيْفَ تُخَيِّبُ آمالي وَهِيَ قَدْ وَفَدَتْ إِلَيْكَ، أَمْ كَيْفَ لا تُحْسِنُ أَحْوالي وَبِكَ قامَتْ؟! إِلهي، ما أَلْطَفَكَ بي مَعَ عَظيمِ جَهْلي، وَما أَرْحَمَكَ بي مَعَ قَبيحِ فِعْلي. إِلهي، ما أَقْرَبَكَ مِنّي وَأَبْعَدَني عَنْكَ، وَما أَرْاَفَكَ بي، فَمَا الَّذي يَحْجُبُني عَنْكَ. إِلهي، عَلِمْتُ بِاخْتِلافِ الآثارِ وَتَنقُّلاتِ الاْطْوارِ أَنَّ مُرادَكَ مِنّي أَنْ تَتَعَرَّفَ إِلَيَّ في كُلِّ شَيء حَتّى لا أَجْهَلَكَ في شَيْ. إِلهي، كُلَّما أَخْرَسَني لُؤْمي أَنْطَقَني كَرَمُكَ، وَكُلَّما آيَسَتْني أَوْصافي أَطْمَعَتْني مِنَنُكَ. إِلهي، مَنْ كانَتْ مَحاسِنُهُ مَساوِيَ فَكَيْفَ لا تَكُونُ مَساويهِ مَساوِيَ، وَمَنْ كانَتْ حَقايِقُهُ دَعاوِيَ فَكَيْفَ لا تَكُونُ دَعاويهِ دَعاوِيَ؟! إِلهي، حُكْمُكَالنّافِذُ وَمَشِيَّتُكَ الْقاهِرَةُ لَمْ يَتْرُكا لِذي مَقال مَقالاً، وَلا لِذى حال حالاً. إِلهي، كَمْ مِنْ طاعَة بَنَيْتُها، وَحالَة شَيَّدْتُها هَدَمَ اعْتِمادي عَلَيْها عَدْلُكَ؟ بَلْ أَقالَني مِنْها فَضْلُكَ. إِلهي، إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنّي وَإِنْ لَمْ تَدُمِ الطّاعَةُ مِنّي فِعْلاً جَزْماً فَقَدْ دامَتْ مَحَبَّةً وَعَزْماً. إِلهي، كَيْفَ أَعْزِمُ وَأَنْتَ الْقاهِرُ، وَكَيْفَ لا أَعْزِمُ وَأَنْتَ الاْمِرُ؟! إِلهي، تَرَدُّدي فِي الاْثارِ يُوجِبُ بُعْدَ الْمَزارِ، فَاجْمَعْني عَلَيْكَ بِخِدْمَة تُوصِلُني إِلَيْكَ، كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِما هُوَ في وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ إِلَيْكَ، أَيَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهُورِ ما لَيْسَ لَكَ حَتّى يَكُونَ هُوَ الْمُظْهِرَ لَكَ، مَتى غِبْتَ حَتّى تَحْتاجَ إِلى دَليل يَدُلُّ عَليْكَ، وَمَتى بَعُدْتَ حَتّى تَكُونَ الآثارُ هِيَ الَّتي تُوصِلُ إِلَيْكَ؟! عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَراكَ عَلَيْها رَقيباً، وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْد لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصيباً. إِلهي، أَمَرْتَ بِالرُّجُوعِ إِلَى الآثارِ فَارْجِعْني إِلَيْكَ بِكِسْوَةِ الاْنْوَارِ وَهِدايَةِ الاْسْتِبصارِ حَتّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ مِنْها كَما دَخَلْتُ إِلَيْكَ مِنْها: مَصُونَ السِّرِّ عَنِ النَّظَرِ إِلَيْها، وَمَرْفُوعَ الْهِمَّةِ عَنِ الاْعْتِمادِ عَلَيْها، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيء قَديرٌ. إِلهي، هذا ذُلّي ظاهِرٌ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَهذا حالي لا يَخْفى عَلَيْكَ، مِنْكَ أَطْلُبُ الْوُصُولَ، إِلَيْكَ وَبِكَ أَسْتَدِلُّ عَلَيْكَ، فَاهْدِني بِنُورِكَ إِلَيْكَ،

205

وَأَقِمْني بِصِدْقِ الْعُبُودِيَّةِ بَيْنَ يَدَيْكَ. إِلهي، عَلِّمْني مِنْ عِلْمِكَ الْمَخْزُونِ، وَصُنّي بِسِتْرِكَ الْمَصُونِ، إِلهي، حَقِّقْني بِحَقائِقِ أَهْلِ الْقُرْبِ، وَاسْلُكْ بي مَسْلَكَ أَهْلِ الْجَذْبِ. إِلهي، أَغْنِني بِتَدْبيرِكَ لي عَنْ تَدْبيري، وَبِاخْتِيارِكَ عَنِ اخْتِياري، وَأَوْقِفْني عَلى مَراكِزِ اضْطِراري. إِلهي، أَخْرِجْني مِنْ ذُلِّ نَفْسي، وَطَهِّرْني مِنْ شَكّي وَشِرْكي قَبْلَ حُلُولِ رَمْسي، بِكَ أَنْتَصِرُ فَانْصُرْني، وَعَلَيْكَ أَتَوَكَّلُ فَلا تَكِلْني، وَإِيّاكَ أَسْئَلُ فَلا تُخَيِّبْني، وَفي فَضْلِكَ أَرْغَبُ فَلا تَحْرِمْني، وَبِجَنابِكَ أَنْتَسِبُ فَلا تُبْعِدْني، وَبِبابِكَ أَقِفُ فَلا تَطْرُدْني. إِلهي، تَقَدَّسَ رِضاكَ أَن يَكُونَ لَهُ عِلَّةٌ مِنْكَ فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ عِلَّةٌ مِنّي؟! إِلهي، أَنْتَ الْغَنِيُّ بِذاتِكَ أَن يَصِلَ إِلَيْكَ النَّفْعُ مِنْكَ فَكَيْفَ لا تَكُونُ غَنِيّاً عَنّي؟! إِلهي، إِنَّ الْقَضآءَ وَالْقَدَرَ يُمَنّيني، وَإِنَّ الْهَوى بِوَثائِقِ الشَّهْوَةِ أَسَرَني، فَكُنْ أَنْتَ النَّصيرَ لي حَتّى تَنْصُرَني وَتُبَصِّرَني، وَاغْنِني بِفَضْلِكَ حَتّى أَسْتَغْنِيَ بِكَ عَنْ طَلَبي. أَنْتَ الَّذي أَشْرَقْتَ الاَْنْوارَ في قُلُوبِ أَوْلِيآئِكَ حَتّى عَرَفُوكَ وَوَحَّدُوكَ، وَأَنْتَ الَّذي أَزَلْتَ الاْغْيارَ عَنْ قُلُوبِ أَحِبّائِكَ حَتّى لَمْ يُحِبُّوا سِواكَ وَلَمْ يَلْجَئُوا اِلى غَيْرِكَ. أَنْتَ الْمُؤنِسُ لَهُمْ حَيْثُ أَوْحَشَتْهُمُ الْعَوالِمُ، وَأَنْتَ الَّذي هَدَيْتَهُمْ حَيْثُ اسْتَبانَتْ لَهُمُ الْمَعالِمُ، ماذا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ، وَمَا الَّذي فَقَدَ مَن وَجَدَكَ؟! لَقَدْ خابَ مَن رَضِيَ دُونَكَ بَدَلاً، وَلَقَدْ خَسِرَ مَنْ بَغى عَنْكَ مُتَحَوِّلاً. كَيْفَ يُرْجى سِواكَ وَأَنْتَ ما قَطَعْتَ الاِْحْسانَ، وَكَيْفَ يُطْلَبُ مِنْ غَيْرِكَ وَأَنْتَ ما بَدَّلْتَ عادَةَ الاْمْتِنانِ؟! يا مَنْ أَذاقَ أَحِبّاءَهُ حَلاوَةَ الْمُؤانَسَةِ فَقامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَمَلِّقينَ، وَيا مَنْ أَلْبَسَ أَوْلِيائَهُ مَلابِسَ هَيْبَتِهِ فَقامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مُسْتَغْفِرينَ. أَنْتَ الذّاكِرُ قَبْلَ الذّاكِرينَ، وَأَنْتَ الْبادي بِالاِْحسانِ قَبْلَ تَوَجُّهِ الْعابِدينَ، وَأَنْتَ الْجَوادُ بِالْعَطآءِ قَبْلَ طَلَبِ الطّالِبينَ، وَأَنْتَ الْوَهّابُ، ثُمَّ لِما وَهَبْتَ لَنا مِنَ الْمُسْتَقْرِضينَ. إِلهي، اطْلُبْني بِرَحْمَتِكَ حَتّى أَصِلَ إِلَيْكَ، وَاجْذِبْني بِمَنِّكَ حَتّى اُقْبِلَ عَلَيْكَ. إِلهي، اِنَّ رَجآئي لا

206

يَنْقَطِعُ عَنْكَ وَإِنْ عَصَيْتُكَ، كَما أَنَّ خَوْفي لا يُزايِلُني وَإِنْ أَطَعْتُكَ، فَقَدْ دَفَعَتْنِي الْعَوالِمُ إِلَيْكَ، وَقَدْ أَوْقَعَني عِلْمي بِكَرَمِكَ عَلَيْكَ. إِلهي، كَيْفَ أَخيبُ وَأَنْتَ أَمَلي، أَمْ كَيْفَ اُهانُ وَعَلَيْكَ مُتَّكَلي؟! إِلهي، كَيْفَ أَسْتَعِزُّ وَفِي الذِّلَّةِ أَرْكَزْتَني، أَمْ كَيْفَ لا أَسْتَعِزُّ وَإِلَيْكَ نَسَبْتَني؟! إِلهي، كَيْفَ لا أَفْتَقِرُ وَأَنْتَ الَّذي فِي الْفُقَرآءِ أَقَمْتَني، أَمْ كَيْفَ أَفْتَقِرُ وَأَنْتَ الَّذي بِجُودِكَ أَغْنَيْتَني؟! وَأَنْتَ الَّذي لا إِلهَ غَيْرُكَ تَعَرَّفْتَ لِكُلِّ شَيء فَما جَهِلَكَ شَيءٌ، وَأَنْتَ الَّذي تَعَرَّفْتَ إِلَيَّ في كُلِّ شَيء، فَرَأَيْتُكَ ظاهِراً في كُلِّ شَيء، وَأَنْتَ الظّاهِرُ لِكُلِّ شَيء. يا مَنِ اسْتَوى بِرَحْمانِيَّتِهِ فَصارَ الْعَرْشُ غَيْباً في ذاتِهِ، مَحَقْتَ الآثارَ بِالآثارِ، وَمَحَوْتَ الاْغْيارَ بِمُحيطاتِ أَفْلاكِ الاَْنْوارِ. يا مَنِ احْتَجَبَ في سُرادِقاتِ عَرْشِهِ عَنْ أَنْ تُدْرِكَهُ الاْبْصارُ. يا مَنْ تَجَلّى بِكَمالِ بَهآئِهِ فَتَحَقَّقَتْ عَظَمَتُهُ ]مِنَ[ الاْسْتِوآءَ. كَيْفَ تَخْفى وَأَنْتَ الظّاهِرُ، أَمْ كَيْفَ تَغيبُ وَأَنْتَ الرَّقيبُ الْحاضِرُ؟! إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيء قَديرٌ. وَالْحَمْدُ لِلّهِ وَحْدَهُ».

 

ب ـ دعاء عليّ بن الحسين(عليه السلام) يوم عرفة

«الحَمْدُ للّهِ رَبِّ العالَمِينَ. اللَّهُمَّ، لَكَ الحَمْدُ بَديعَ السَّمواتِ وَالأرْضِ، ذَا الجَلالِ وَالإكْرامِ، رَبَّ الأرْبابِ، وَإلهَ كُلِّ مَأْ لُوه، وَخالِقَ كُلِّ مَخْلُوق، وَوارِثَ كُلِّ شَيْء، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَلا يَعْزُبُ عَنْهُ عِلْمُ شَيْء، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْء مُحيطٌ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْء رَقيبٌ.

أنْتَ اللّهُ لا إلهَ إلّا أنْتَ الأحَدُ المُتَوَحِّدُ الفَرْدُ المُتَفَرِّدُ، وَأنْتَ اللّهُ لا إلهَ إلّا أنْتَ الكَرِيمُ المُتَكَرِّمُ العَظِيمُ المُتَعَظِّمُ الكَبِيرُ المُتَكَبِّرُ، وَأنْتَ اللّهُ لا إلهَ إلّا أنْتَ العَلِيُّ المُتَعالِ الشَّديدُ المِحالِ، وَأنْتَ اللّهُ لا إلهَ إلّا أنْتَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ العَلِيمُ الحَكِيمُ، وَأنْتَ اللّهُ لا إلهَ إلّا أنْتَ السَّميعُ البَصِيرُ القَدِيمُ الخَبِيرُ، وَأنْتَ اللّهُ لا إلهَ إلّا أنْتَ

207

الكَرِيمُ الأكْرَمُ الدّائِمُ الأدْوَمُ، وَأنْتَ اللّهُ لا إلهَ إلّا أنْتَ الأوَّلُ قَبْلَ كُلِّ أحَد وَالآخِرُ بَعْدَ كُلِّ عَدَد، وَأنْتَ اللّهُ لا إلهَ إلّا أنْتَ الداني في عُلُوهِ والعالي في دُنُوّه، وأنْتَ اللّهُ لا إلهَ إلّا أنْتَ ذو البهاءِ وَالمَجْدِ والكِبرياءِ والحَمدِ، وأنْتَ اللّهُ لا إلهَ إلّا أنْتَ الّذِي أنشأتَ الأشياءَ مِنْ غير سنخ، وصَوّرْتَ ما صوَّرتَ مِنْ غيرِ مِثال، وابَتَدعتَ المُبتدَعاتِ بلا احتذاء.

أنتَ الّذي قدَّرتَ كُلَّ شيء تَقْدِيراً، ويَسّرتَ كُلّ شَيء تيسيراً، ودَبّرتَ ما دُونَكَ تدبيراً، أنتَ الذي لَمْ يُعِنكَ على خَلْقِكَ شَرِيكٌ، وَلَمْ يُوازِرْكَ في أمْرِكَ وزِيرٌ، وَلَمْ يَكُنْ لَك مُشابهٌ ولا نظيرٌ، أنْتَ الذي أرَدْتَ فَكانَ حَتماً ما أرَدْتَ، وقَضيْتَ فكانَ عَدلا ما قضيت، وَحكَمْتَ فكانَ نَصَفاً ما حَكمْتَ، أنْتَ الّذِي لا يَحويكَ مَكانٌ، وَلَم يُقمْ لِسلطانِكَ سُلطانٌ، ولمْ يُعيكِ بُرهانٌ وَلا بَيانٌ، أنْتَ الّذِي أحصَيْتَ كُلَّ شيء عَدداً، وَجَعلْتَ لكل شيء أمداً، وَقدّرْتَ كلّ شيء تقديراً، أنت الّذِي قَصرتْ الأوهامُ عن ذاتيّتِكَ، وعَجزتْ الأفهامُ عن كَيفيّتِك، ولَمْ تُدرِكْ الأبصارُ موضعَ أيْنيّتكَ، أنْتَ الّذِي لا تُحدّ فتكونَ مَحْدُوداً، وَلَمْ تمثّلْ فَتكُونَ موجوداً، وَلَمْ تَلِدْ فتكونَ مولوداً، أنْتَ الَّذي لا ضِدَّ معك فَيُعاندُكَ، ولا عِدلَ فيُكاثِركَ، ولا ندّلكَ فَيُعارضكَ، أنْتَ الذي ابتدأ واخترعَ واستَحَدثَ وابتدَعَ وأحْسَنَ صُنع ما صَنعَ.

سُبحانكَ ما أجلَّ شأنكَ، وأسنى في الأمَاكِنَ مَكانكَ، وأصدعَ بالحقِّ فُرقانكَ، سُبحانكَ مِنْ لَطيف ما ألطَفَك، ورَؤُوف ما أرأفَكَ، وحَكيم ما أعرفَكَ، سُبحانك من مَليك ما أمنعَكَ، وجواد ما أوسَعَك، ورفيع ما أرفعكَ، ذو البهاءِ والمجدِ والكبرياءِ والحمْدِ، سُبحانَكَ بَسطتَ بالخَيراتِ يَدَكَ، وَعُرفتِ الهداية منْ عِنْدكَ، فَمَن التمسَكَ لدين أو دُنْيا وَجدكَ، سُبحانَكَ خَضعَ لَكَ من جرى في علمِكَ، وَخشعَ

208

لِعَظَمتِكَ ما دُونَ عَرشِكَ، وانقادَ لِلتسلِيم لك كُلُّ خَلقِكَ، سُبحانَكَ لا تُحسُّ وَلا تُجسُّ ولا تُمَسّ ولا تُكادُ ولا تُماطُ ولا تُنازعُ ولا تُجارى ولا تُمارى ولا تُخادعُ ولا تُماكر، سُبحانكَ سَبيلُك جَددٌ، وأمرُكَ رَشدٌ، وأنت حيٌّ صَمدٌ، سُبحانكَ قولُكَ حكيمٌ، وقضاؤكَ حَتمٌ، وإرادتُكَ عَزمٌ، سُبحانكَ لارادّ لمشيّتك، ولا مُبدّلَ لكلماتِكَ، سبحانكَ بَاهرَ الآياتِ، فاطِرَ السماواتِ، بارئ النَّسماتِ. لَكَ الحمدُ حَمْداً يَدُومُ بِدوامِكَ، وَلكَ الحمْدُ حَمْداً خالداً بِنعمتِك، ولك الحمد حمداً يُوازي صُنعك، ولَكَ الحمدُ حمداً يزيدُ على رضاك، ولَكَ الحمدُ حَمْداً مع حمدِ كُلّ حامد، وشُكراً يقصرُ عنهُ شُكرُ كلّ شاكِر، حَمْداً لا يَنْبَغي إلّا لَك، ولا يُتقرّبُ به إلّا إليك، حَمْداً يُستدامُ به الأوّلُ، ويستدعى به دَوامُ الآخِر، حمْداً يَتضاعَفُ على كُرُور الأزمِنةِ، ويتزايدُ أضعافاً مترادفةً، حَمْداً يَعجزُ عَنْ إحصائه الحَفَظةُ، ويزيدُ على ما أحصَتْهُ في كِتابِكَ الكَتَبَةُ، حَمْداً يوازنُ عرشَكَ المَجيدَ، ويُعادلُ كُرسيَّك الرَّفيعَ، حَمْداً يَكمُلُ لَدَيكَ ثَوابُهُ، وَيَستغرِقُ كلّ جزاء جزاؤهُ، حَمْداً ظاهِرُه وفقٌ لباطنه، وباطنُهُ وفقٌ لصدق النيّة، حَمْداً لَمْ يَحمَدْكَ خلقٌ مثْلهُ، ولا يَعرفُ أحدٌ سِواك فَضَلَه، حَمْداً يُعانُ من اجتهدَ في تَعديده، وَيُؤيّدُ مَنْ أغرقَ نزعاً في تَوفِيته، حَمْداً يَجْمعُ ما خَلقتَ من الحَمدِ، وينتظمُ ما أنتَ خالقهُ مِنْ بَعدُ، حَمْداً لا حَمْدَ أقربُ إلى قو لِكَ مِنهُ، ولا أحْمدَ مِمَّن يَحمدُكَ به، حَمْداً يُوجبُ بِكرمِكَ المَزيدَ بِوفورِه، وتصلُهُ بِمَزيد بَعدَ مَزيد طَولا منك، حَمْداً يَجبُ لِكرمِ وَجْهِكَ، ويُقابِلُ عزَّ جلالِك.

ربِّ، صَلِّ على مُحمِّد وآلِ مُحمِّد المنتجبِ المُصطفى المُكْرمِ المقرّبِ أفضلَ صلواتِكَ، وباركْ عليهِ أتمَّ بركاتِكَ، وَترحَّمْ عليهِ أمتعَ رحماتِكَ. ربِّ، صَلِّ على مُحمَّد وآله صَلاةً زاكيةً لا تَكُونُ صَلاةٌ أزكى منها، وَصلِّ عليه صَلاةً ناميةً لا تكُونُ صَلاةٌ أنمى مِنها، وَصلِّ عَليْهِ صَلاةً راضيةً لا تكُونُ صلاةٌ فَوقَها. رَبِّ،

209

صلِّ على مُحمَّد وآله صَلاةً تُرضيهِ وتَزيدُ على رِضاهُ، وَصلِّ عليه صَلاةً تُرْضيكَ تَزيدُ على رِضاكَ لهُ، وَصلِّ عليه صَلاةً لا تَرضى لهُ إلّا بها، ولا تَرى غَيْرهُ لها أهلا. رَبِّ، صَلِّ على مُحمَّد وآلهِ صَلاةً تُجاوزُ رِضوانَك، ويَتَّصلُ اتّصالُها بِبقائِكَ، وَلا يَنْفُدُ كما لا تَنْفدُ كلماتكَ. ربِّ، صَلِّ على مُحمَّد وآلهِ صَلاةً تَنتَظِمُ صَلواتِ ملائكَتكَ وأنبيائكَ ورُسُلِكَ وأهلِ طاعَتِكَ، وتَشْتملُ على صَلواتِ عِبادِكَ من جِنّكَ وإنسكَ وأهلِ إجابتِكَ، وَتَجتَمعُ على صَلاةِ كلِّ من ذرأتَ وَبَرأت من أصناف خَلقِكَ. رَبِّ، صَلِّ عليهِ وَآلِهِ صلاةً تُحيط بِكُلِّ صَلاةِ سَالِفة ومُستَأنفة، وَصَلِّ عليه وعلى آلِهِ صَلاةً مُرْضيةً لك ولِمنْ دُونَك، وتُنشئُ معَ ذلِكَ صَلَوات تُضاعفُ مَعها تِلك الصلواتِ عِندها، وتُزيدها على كُرُورِ الأيامِ زِيادَةً في تَضاعِيفَ لا يَعُدُّها غيرُك. رَبِّ، صَلِّ على أطايب أهلِ بيتِهِ الذينَ اختَرتَهُمْ لأمرِكَ، وَجَعلتَهمْ خَزَنةَ عِلمِكَ وحَفَظةَ دِينِكَ وخُلفاءَكَ في أرضِكَ وحُجَجَكَ عَلى عِبادِكَ وَطهّرتَهُم مِنَ الرِجس والدَنس تَطهِيراً بإرادَتِك، وجَعلَتهُمْ الوَسيلَةَ إليكَ والمسلكَ الى جنَّتِك. رَبِّ، صَلِّ على مُحمّد وَآلِهِ صَلاةً تُجزِلُ لهُمْ بها مِنْ نِحَلِك وكَرامتِكَ، وتُكملُ لهُم الأشياء مِنْ عَطاياكَ ونَوافِلك، وَتُوفِّرُ عَلَيهِم الحظّ مِن عوائدك. رَبِّ، صَلِّ عَليه وعَليهِم صَلاةً لا أمَدَ في أوّلِها، ولا غَايَة لأمَدِها، ولا نِهايةَ لآخِرها. رَبِّ، صَلِّ عَليهِم زِنَةَ عَرشِكَ وَما دُونَه، ومِلءَ سَماواتِكَ وَما فَوقَهُنّ، وعدَدَ أرضيكَ وَما تَحَتُهنّ وما بَينَهُنّ صَلاةً تُقرّبُهم مِنَك زُلفىً، وتَكونُ لَكَ وَلَهُمْ رِضىً ومتّصِلةً بنظائِرِهنّ أبداً.

اللّهمّ، أيّدتَ دِينَك فِي كلِّ أوان بإِمام أقمْتَهُ عَلماً لِعبادِك ومَناراً في بِلادِك بَعدَ أن وصَلْتَ حَبْلَهُ بِحَبْلِكَ، وجعلته الذريعةَ الى رِضوانِك، وافْتَرضتَ طَاعتَه، وحَذّرتَ مَعِصيَته، وأمرتَ بامتِثالِ أوامِرِه والانتهاءِ عندَ نهيهِ، وألاّ يَتَقدّمَهُ

210

مُتقدّمٌ، ولا يَتأخّرَ عَنهُ متأخِّرٌ، فهو عِصْمَةُ اللائِذينَ وكَهفُ المؤمِنينَ وعروةُ المُتَمسّكِينَ وبَهاءُ العالمينَ. اللّهمّ، فأوزِعْ لِوَليّكَ شُكَرَ ما أنعَمْتَ بِه عَليهِ، وأوزِعنا مِثْلَه فيهِ، وآتِهِ مِنْ لَدُنْكَ سُلطَاناً نَصِيراً، وافْتَحْ لَهُ فَتحاً يَسِيراً، وأعِنهُ بِركُنك الأعزّ، واشددْ أزرَه، وقُوِّ عَضِدَهُ، وراعِهِ بِعينِكَ، واحْمِهِ بحفظك، وانصرْه بملائكتك، وأمْدِدْه بِجُندِك الأغْلَب، وأقمْ به كِتابَك وحُدُودَكَ وشرائِعَك وسُنَنَ رَسُولِك صَلواتُك اللّهمّ عَلِيه وآله، وأحيي به مَا أماتَه الظالِمونَ مِنْ مَعالِمِ دِينِك، واجْلِ بِه صَداءَ الجورِ عَن طَريقِتك، وأبِنْ به الضرّاءَ من سبيلك، وأزل به الناكِبينَ عن صِراطِك، وامْحَقْ به بُغاةَ قصدك عوجاً، وألِنْ جانِبَه لأولِيائك، وابسطْ يَدَه على أعدائِكَ، وهَبْ لَنا رأفَتَه ورَحمَتَه وتَعطُّفَه وتَحنّنَه، واجْعَلنا له سامِعينَ مُطِيعِينَ، وفي رِضاهُ سَاعينَ، وإلى نَصرتِه والمُدافَعةِ عنهُ مكنِفين، وإليكَ وإلى رَسولِكَ صَلواتُك اللّهمّ عليه وآله بذلك مُتقرّبينَ.

اللّهمّ، وَصلِّ على أوليائِهمْ ـ المُعَترِفِينَ بِمَقامِهِم المتّبِعينَ مَنهَجَهُم المقتَفِينَ آثارَهم المُسَتمسِكينَ بِعُروَتِهم المُتمسّكِينَ بِولايتِهم المُؤتّمينَ بإمامَتهم المُسلّمِينَ لأمْرِهم المُجَتهِدِينَ في طَاعتِهم المُنتَظِرينَ أيّامهم المادّينَ إليهم أعيُنَهم ـ الصّلواتِ المُباركَاتِ الزاكِياتِ النامِياتِ الغادِياتِ الرايحاتِ، وسلّم عليهم وعلى أرواحِهم، واجمَعْ على التقوى أمرَهم، وأصلِحْ لَهم شُؤونَهم، وتُبْ عَلِيهم؛ إنّك أنْت التّوابُ الرحيمُ، وخَيرُ الغَافِرينَ واجْعَلْنا مَعَهُم فِي دارِ السّلامِ بِرحمَتِك يَا أرحَمَ الراحِمينَ.

اللّهمّ، و هذا يَومُ عَرَفةَ يَومٌ شَرَّفْتَه وَكرّمتَه وعَظّمتَه، نَشرتَ فِيهِ رَحْمَتك، ومَنَنتَ فيه بِعفْوِك، وأجْزَلت فيه عَطيَّتَك، وتَفضّلتَ بِه على عِبادك. اللّهمَّ، وأنا عَبدُك الذي أنعَمتَ عَليه قَبل خَلقِكَ لَهُ وبَعْدَ خَلْقِكَ إيّاه، فَجَعلتَهُ ممّن هَدَيتَه