338

[ الأعيان النجسة:]

(2) الأول والثاني: البول والعذرة، كلّ ما يطلق عليه اسم البول أو الغائط (أردأ الفضلات التي تخرج من الإنسان وغيره من الحيوانات بسبب الطعام والشراب) فهو نجس عيناً، ولا يطهر بحال، ولا فرق في النجاسة بين ما إذا خرجت هاتان الفضلتان من القبل والدبر، أو من غيرهما، بصورة اعتيادية أو بصورة غير اعتيادية، فإنّهما نجستان على أيّ حال، ويستثنى منه ما يلي:

(3)أوّلا: فضلات الطير بأقسامه فإنّها طاهرة، سواء كان لحم الطير ممّا يسوغ أكله شرعاً كالحمام، أو ممّا لا يؤكل كالبازي.

(4)ثانياً: فضلات كلّ حيوان يسوغ أكل لحمه شرعاً، سواء كان طيراً أو من سائر أصناف الحيوانات، كالغنم والبقر والإبل والدوابّ والخيل والبغال والدجاج وغير ذلك، شريطة أن لا يعيش الحيوان على العذرة أمداً حتّى يشتدّ لحمه، وإلّا حرم من أجل ذلك، وكانت فضلاته نجسةً ما دام على هذا النحو.

(5) ثالثاً: فضلات الحيوانات التي ليس لها لحم عرفاً فإنّها طاهرة، حتّى ولو لم يكن أكلها سائغاً شرعاً، كفضلات العقرب والخنفساء (1).

(6) إذا أصابت الثوب فضلة ولم نعلم بأنّها نجسة، أو من الأنواع المستثناة


(1) وهناك قسم رابع، وهو فضلات حيوان ذي لحم غير ذي نفس سائلة كالسمك، فإن كان محلّل الأكل فقد دخل في القسم الثاني فلا إشكال في طهارة فضلاته، وإن كان محرّم الأكل كالسمك الذي لا فلس له فلا إشكال في طهارة خرئه، وكذلك لا إشكال في طهارة بوله لو لم يكن له وجود متميّز عن الخرء بأن كان بوله يندفع كرطوبات مع الخرء ولا يتميّز في إحساسنا عنه، أمّا لو كان له بول مستقلّ عن الخرء ومتميّز عنه فمقتضى الاحتياط الاجتناب عنه، وعلى أيّ حال فأصل وجود شيء من هذا القبيل غير واضح.
339

فهناك حالات:

الاُولى: أن يكون المكلّف على يقين بأنّها فضلة حيوان لا يسوغ أكل لحمه، ولكن لا يدري هل هو من نوع الطيور أو من أصناف الحيوانات الاُخرى (1)؟ وفي هذه الحالة يحكم بنجاستها شرعاً.

الثانية: أن لا يعلم بأنّ هذه الفضلة هل هي لحيوان يسوغ أكل لحمه أو لحيوان لا يؤكل لحمه شرعاً؟ وفي هذه الحالة الحكم هو الطهارة.

الثالثة: أن لا يعلم بأنّ هذه الفضلة هل هي لحيوان ليس له لحم أو لحيوان لهلحم؟ وفي هذه الحالة الحكم هو الطهارة أيضاً.

(7) الثالث: المني نجس من الإنسان ومن كلّ حيوان، سواء كان ممّا يسوغ أكل لحمه، أم لا. ويستثنى من ذلك: الحيوانات التي لا يجري دمها من العروق بدفع وقّوة، وإنّما يجري رشحاً كالسمك والحشرات، فإنّ هذه الحيوانات إذا كان لها مني فهو طاهر، ويعرف عادةً أنّ دم الحيوان يجري بدفع وقوة أوْ لا حِين يذبح فيرى كيفية اندفاع الدم.

ومني الرجل واضح، وأمّا المرأة فقد سبق أنّه لا دليل على أنّ لها منياً، ولكنّها مع هذا تغتسل وتطهّر بدنها وثيابها من كلّ ماء تحتاط بالجمع بسببه بين غسل الجنابة والوضوء، على ما تقدم في الفقرة (34) من فصل الغسل (2).

 


(1) الظاهر أنّ مقصوده(رحمه الله): هو فرض تردّد فرد معيّن من الحيوان بين كونه طائراً وعدمه، أمّا لو كانت الفضلة مردّدةً بين انتمائها إلى ما نعلم كونه طائراً وانتمائها إلى ما نعلم عدم كونه طائراً فلا وجه للحكم بنجاستها.
(2) تقدّم منّا عدم وجوب الغسل عليها؛ بسبب خروج الرطوبات، ونقول هنا أيضاً: إنّه لا دليل على نجاسة تلك الرطوبات.
340

(8) وقد يخرج من قُبل الإنسان أشياء اُخر غير المني والبول، وهي: المذي والوذي والودي. وقد تقدم تفسيرها في الفقرة (80) من فصل الوضوء، وهذه الأشياء طاهرة، ولا يجب غسل الموضع منها.

(9) الرابع والخامس: الكلب والخنزير.

الكلب والخنزير نجسان عيناً وذاتاً بكلّ ما فيهما، حتّى العظم والشعر والسنّ والظفر، حيّين وميّتين، من غير فرق بين الكلب المسيّب والكلاب المستخدمة في الحراسة، أو المدرّبة على الصيد، أو الممرّنة على اكتشاف الجرائم، أو غير ذلك من الكلاب.

ولا تشمل النجاسة كلب البحر ولا خنزير البحر، وهما حيوانان بحريان يطلق عليهما اسم الكلب والخنزير تشبيهاً لهما بالكلب والخنزير البرّيّين.

(10) وما عدا الكلب والخنزير من الحيوانات طاهر على اختلاف أصنافها، حتّى الثعلب والأرنب والعقرب والفأرة.

(11) السادس: المِيتَة.

قد يكون الحيوان نجساً بالذات كالكلب والخنزير على ما تقدم، فإذا مات تضاعفت النجاسة وتعاضدت بتعدّد السبب.

والكلام هنا حول الحيوان الطاهر ما دام حياً، فإن مات تنجّس بالموت فقط. فكلّ حيوان طاهر إذا مات أصبح نجساً، ويسمّى بالميتة، ونقصد بالميتة أو الحيوان الميّت: ما مات بدون أن يذبح على الوجه الشرعي، من غير فرق بين أن يكون قد مات موتاً طبيعياً، أم قتلا، أم خنقاً، أم ذبحاً على غير الوجه الشرعي، أم غير ذلك. وأيضاً لا فرق بين أن يكون مأكول اللحم أم غير مأكول.

وأمّا ما ذبح على الطريقة الشرعية فهو طاهر، ويسمّى بالمذكّى.

(12) ويستثنى من نجاسة الميتة: الحيوان الذي تقدم أنّ منيّه طاهر، وهو

341

ما لا يجري دمه من عرقه بقوة ودفع، فإنّ ميتته طاهرة، ومنه السمك والذباب والعقرب، وغيرها من الحشرات.

(13) وإذا شككنا في أنّ هذا الزاحف على الأرض ـ مثلا ـ أو هذا الطائر بجناحيه أو أيّ حيوان آخر هل له دم يجري بقوة ودفع أو ليس له ذلك ؟ حكمنا بطهارة الميتة منه.

(14) والإنسان ينجس بالموت كالحيوان، ويطهر الميّت المسلم بتغسيله غسل الأموات، على الوجه المتقدّم في الفقرة (126) من فصل الغسل.

(15) الحمل إذا بلغ مرحلةً يتحّرك فيها ثمّ صار سقطاً فهو نجس بالموت، وإذا صار سقطاً قبل ذلك فاللازم احتياطاً اعتباره ميتةً أيضاً، وكذلك الفرخ في البيضة.

(16) النجس بالموت إنّما ينجس منه الأجزاء التي يجري فيها الدم وتدبّ فيها الحياة، وأمّا ما لا يجري فيها الدم فلا ينجس، ومن ذلك: الصوف والشعر والوبر والسنّ والعظم والريش والمنقار والظفر والقرن والمخلب، وغير ذلك. ولا فرق في طهارة هذه الأشياء من الميتة بين ميتة حيوان يسوغ أكله وميتة حيوان محرّم الأكل.

وما ذكرناه من عدم نجاسة هذه الأشياء بسبب الموت لا يعني أنّها لا تتنجّس بما في الميتة من رطوبات، فإذا لاقى شيء منها تلك الرطوبات يصبح متنجّساً.

(17) وكلّ جزء ينجس من الميتة ينجس أيضاً لو انفصل من الحيوان الحي، فلو قطعت ألية الغنم أو رجله كانت نجسة.

ولا بأس بما ينفصل من جسم الحيوان أو الإنسان ممّا يكون بالفضلات

342

أشبه، كالثؤلول(1)، وقشور الجرب، وقشرة الرأس تخرج بالتمشيط والحلق بالموس، وما يعلو الجرح والشفة عند البرء، وما يتّصل بالأظفار عند قصّها، وما ينفصل عن باطن القدم حين حَكّه بالحجر عند الاستحمام، وغير ذلك ممّا لا يعدّه العرف شيئاً ذا قيمة.

(18) وكما لا ينجس الريش في الميتة كذلك البيضة في جوف الطائر الميّت، فإنّها طاهرة إن اكتست القشر الأعلى حتّى ولو كان طريّاً، أمّا أكل البيضة فيجري عليه ما يجري على البائض تحليلا وتحريماً.

(19) وقد تسأل: هل الحليب الموجود في ضرع الحيوان الميّت تشمله نجاسة الميتة، أوْ لا ؟

والجواب: إن كان الحيوان المذكور مأكول اللحم ـ كالغنم ـ فالحليب الموجود في ضرعه عند موته طاهر، أمّا إذا كان غير مأكول اللحم ـ كالهرّة ـ فحليبه نجس.

(20) وقد تسأل عن فأرة المسك، وهي جلدة في الغزال فيها ما يشبه الدم طيّب الرائحة ؟

والجواب: أنّها طاهرة، سواء اُخذت من غزال حيّ أم ميّت.

(21) وقد تسأل أيضاً عن حكم أنفحة الميتة، فقد جرت العادة عند أصحاب المواشي إذا مات ابن العنزة حال ارتضاعه أن يستخرجوا معدته ويعصروها في شعرة مبتلّة باللبن فتجمد كالجبن، وتسمّى أنفحة ؟

والجواب: أنّها طاهرة تماماً، كصوف الحيوان الميّت وشعره.



(1) على وزن عُصْفُور، وهو حبّ صغير يخرج من الجسد، ويسمّى عرفاً بالفالول، أو الثألول.(منه (رحمه الله)).

343

(22) كلّما شككنا في لحم أو شحم أو جلد هل هو مأخوذ من حيوان ذبح على الوجه الشرعي (مذكّى) لكي يكون طاهراً، أو مأخوذ من حيوان مّيت لكي يكون نجساً ؟ كلّما شككنا في ذلك فهو طاهر شرعاً، سواء كان في حيازة مسلم أو كافر، ولا فرق بين حيازة المسلم وحيازة الكافر من هذه الناحية.

(23) وإنّما تختلفان من ناحية أحكام اُخرى، فإنّ الميتة كما تكون نجسةً شرعاً كذلك هي محرّمة، ولا يجوز الأكل من لحمها، ولا الصلاة في جلدها أو في شيء منها.

وعلى هذا الأساس فالمشكوك في أنّه مذكّىً ـ لحماً أو جلداً ـ إذا لم يكن في حيازة المسلم فلا يحلّ الأكل منه، ولا الصلاة فيه، على الرغم من طهارته. وإذا كان في حيازة المسلم وفي معرض استعماله على نحو يتعامل معه معاملةً تشعر بأنّه مذكّى ـ كالقصاب المسلم يعرض اللحم للبيع ـ فهو حلال، ويسوغ الأكل من اللحم حينئذ. كما يجوز لبس الجلد في الصلاة.

ويستثنى من ذلك حالة واحدة، وهي: أن نعلم بأنّ المسلم قد أخذه من يدِ كافر أخذاً عفويّاً بدون فحص وتحقيق ففي هذه الحالة يحرم. وسيأتي الحديث عن الحرمة مرّةً اُخرى في مواضعها من فصول الصلاة وفصول الأطعمة.

وأمّا إذا علمنا بأنّ هذا اللحم أو الشحم أو الجلد لم يذكّ على الوجه الشرعي فهو حرام ونجس معاً، سواء كان في حيازة كافر أو مسلم.

(24) السابع: الدم.

الدم نجس عيناً، سواء كان من إنسان أو حيوان، وسواء كان الحيوان ممّا يسوغ أكل لحمه شرعاً أو ممّا لا يؤكل لحمه.

ويستثنى من ذلك ما يلي:

(25) أوّلا: دم الحيوان الذي لا يجري دمه من العروق بقوة ودفع، كدم

344

السمك فإنّه طاهر.

(26) ثانياً: كلّ دم يبقى ويرسب في لحم الذبيحة أو كبدها وما أشبه، بعدما يخرج دمها المعتاد من محلّ الذبح أو النحر فهو طاهر، ويسمّى في عرف الفقهاء بالدم المتخلّف في الذبيحة.

(27) ثالثاً: الدم الذي يمتصّه البرغوث والقمّل ونحوهما من البعوض الذي ليس له دم أصلي، فإنّ ما تمتصّه هذه الحيوانات من الإنسان أو من الحيوانات ذات الدماء الأصلية يصبح طاهراً بامتصاصها له وامتزاجه بجسمها.

(28) رابعاً: قطرة الدم التي قد يتفّق وجودها في البيضة فهي طاهرة، وإن كان ابتلاعها حراماً.

وأمّا الذي قد يوجد في اللبن عند الحلب فهو نجس ومنجّس للبن، وكذلك الأمر في النطفة التي تصير مع الأيام قطعةً جامدةً من الدم، وتسمّى علقة، فإنّه إذا رشح من هذه العلقة شيء من الدم فهو نجس (1).

(29) وإذا شكّ المكلّف هل أنّ هذا الأحمر على ثوبه أو بدنه دم أم لا حكم بطهارته شرعاً، وكذلك إذا شكّ في سائل أصفر خرج من جرح في بدنه أو عند الحكّ ونحوه هل هو دم، أوْ لا ؟ فإنّه يبني على طهارته.

(30) وإذا علم بأنّ هذا الأحمر على ثوبه أو بدنه دم بلا ريب، ولكنه شكّ هل هو من دم الغنم ـ مثلا ـ كي يكون نجساً، أو من السمك الذي لا يجري دمه من عروقه كي يكون طاهراً ؟ فهو طاهر.

(31) وإذا علم بأنّ هذا الدم لا يخلو من أحد شيئين: إمّا هو من بدنه، وإمّا هو من بعوضة امتصّته منه، أو من إنسان آخر، أو من حيوان دماؤه تجري بدفع


(1) على الأحوط وجوباً.
345

وقوة ـ كما يحدث ذلك في الأكثر الأغلب ـ فهو نجس يجب تطهير البدن أو الثوب منه.

(32) الثامن: المسكر المتّخذ من العنب (1).

المسكِرات تؤخذ من موادّ كثيرة، منها العنب، ومنها الشعير، ومنها غير ذلك من الأشياء التي تشتمل على موادّ سكّرية قابلة للتحوّل إلى كحول وتوليد المسكر، كما في العنب. أو على موادّ نشوية تتحوّل بدورها إلى موادّ سكّرية ثمّ إلى كحول، كما في الشعير.

وكلّ المسكِرات محرّمة يحرم شربها وبيعها وشراؤها، سواء كانت مائعةً كالخمر، أو جامدةً كالحشيشة.

وأمّا النجاسة فلا تثبت للمسكر الجامد بدون شكّ، فالحشيشة طاهرة باتّفاق الفقهاء على الرغم من حرمتها.

وأمّا المسكرات المائعة فالنجاسة فيها تختصّ ـ في رأينا ـ بالمسكر المتّخذ من العنب وهو الخمر. وأمّا غيره من المسكرات السائلة والمائعة المأخوذة من غير العنب فهي محرّمة وطاهرة، ولا فرق من حيث الحرمة والطهارة بينها وبين


(1) المسكر المائع بالأصالة سواء كان متخذاً من العنب أم من غيره يحمل من آثار النجاسة إفساد الطعام والشراب بالملاقاة المباشرة وبملاقاة ما لاقاه، كالآنية التي شرب فيها الخمر أو غيره من المسكرات، فالطعام أو الشراب الذي يلقى في تلك الآنية قبل تطهيرها يحرم أكله أو شربه، وأمّا باقي آثار النجاسة كحرمة الصلاة في ثوب لاقى خمراً أو مسكراً فغير ثابتة لا في الخمر ولا في غيره من المسكرات، وأمّا المسكر الجامد بالأصالة كالحشيش فإسكاره نوع آخر من الإسكار، ولا دليل على نجاسته وإن كان حراماً. وبهذا البيان ظهر تعليقنا على ما في هذا البند وإلى آخر البند (35) فلا نعيد.
346

المسكر الجامد بالأصل كالحشيشة.

(33) وكذلك الحكم في العصير العنبي إذا غلى بالنار واشتدّ ولم يذهب ثلثاه فإنّه احتياطاً يحرم بالغليان، ولكنّه طاهر، فإذا ذهب ثلثاه بسبب الغليان يصير حلالا بالإضافة إلى طهارته.

(34) وأمّا إذا غلى العصير العنبي أو تهيّأ للغليان بالنشيش(1) ولكن بدون نار فهو نجس وحرام بدون شكّ؛ لأنّه خمر مأخوذ من العنب، فإنّ استخراج المسكر من العنب يتمّ بهذه الطريقة، فهناك فرق إذن بين العصير العنبي الذي يحدث فيه الغليان بالنار، والعصير العنبي الذي يحدث فيه الغليان بصورة تلقائية وبتدّرج طبيعي، فالأول حرام وليس بنجس، والثاني حرام ونجس.

(35) وعصير التمر والزبيب والحصرم طاهر على أيّ حال، سواء غلى بالنار أو بدون نار، وحلال أيضاً إذا غلى بالنار أو نحوها. وأمّا إذا غلى بدون ذلك وبمرور الزمن فهو حرام، إذ يصبح بذلك مسكراً وإن ظلّ على طهارته.

وعلى ضوء ما ذكرناه يعرف حكم الفقاع، أو ما يسمّى بـ « البيرة » فإنّه حرام محرّم؛ لأنّه ممّا يُسكِر، ولكنّه ليس نجساً؛ لأنّه غير مأخوذ من العنب، بل من الشعير عادةً.

(36) التاسع: الكافر.

من آمن بوحدانية الله ورسالة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) واليوم الآخر فهو مسلم طاهر، من أيّة فرقة أو طائفة، أو أيّ مذهب كان من المذاهب الإسلامية.

وكلّ إنسان أعلن الشهادتين (الشهادة لله بالتوحيد وللنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)


(1) الغليان: هو تحرّك أجزاء السائل وتصاعدها بالحرارة، والنشيش: صوت يسبق الغليان عادةً.(منه (رحمه الله)).
347

بالرسالة) فهو مسلم عملياً وطاهر، حتى ولو عُلِمَ بأنّه غير منطو في قلبه على الإيمان بمدلول الشهادتين ما دام هو نفسه قد أعلن الشهادتين ولم يعلن بعد ذلك تكذيبه لهما، أو اعتقادات دينية اُخرى تتعارض معها بصورة صريحة لا تقبلالتأويل.

وكلّ من ولد عن أبوين مسلمين فهو مسلم عملياً وطاهر ما لم يعلن تكذيبه للشهادتين. أو اعتقاده بعقائد اُخرى تتعارض معهما كذلك.

وغير هذا وذاك يعتبر كافراً. وكلّ كافر نجس (1)، ويستثنى من نجاسة الكافر قسمان من الكفّار:

(37) أحدهما: أهل الكتاب، وهم الكفّار الذين ينسبون أنفسهم إلى ديانات سماوية صحيحة مبدئياً ولكنّها نسخت، كاليهود والنصارى، بل وكذلك المجوس أيضاً.

(38) والآخر: من ينسب نفسه إلى الإسلام ويعلن في نفس الوقت عقائد دينيةً اُخرى تتعارض مع شروط الإسلام شرعاً، وذلك كالغُلاة الذين يشهدون الشهادتين ولكنّهم يُغالون في بعض الأنبياء أو الأولياء من أهل البيت (عليهم السلام)أو غيرهم غلوّاً يتعارض مع الإسلام، وكذلك النواصب الذين ينصبون العداء لأهل البيت (عليهم السلام) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فإنّ هؤلاء الغُلاة والنواصب كفّار، ولكنّهم طاهرون شرعاً ما داموا ينسبون أنفسهم إلى الإسلام.

(39) العرق:

العرق الذي ينضح به بدن الإنسان الطاهر وأبدان الحيوانات الطاهرة طاهر في جميع الحالات، حتّى عرق الجنب وعرق الحائض، ولكن في الفقهاء من حكم


(1) هذا حكم احتياطي.
348

بنجاسة العرق في حالتين:

(40)الاُولى: من أجنب بسبب الحرام ـ كالزنا ـ ورشح بدنه بالعرق فقد قال بعض الفقهاء بأنّه نجس(1)، ولكنّ الصحيح أنّه طاهر، ولا فرق بينه وبين عرقالجنب بسبب الحلال.

(41) الثانية: إذا أصبح الحيوان معتاداً على العذرة في غذائه ـ ويسمّى بالحيوان الجلاّل ـ ورشح بدنه بالعرق فقد قال بعض الفقهاء بأنّ عرقه هذا نجس كنجاسة بوله، وبخاصّة في الإبل(2)، والأجدر احتياطاً ووجوباً العمل على أساس هذا القول (3).

وكلّ حكم يثبت للحيوان الجلاّل ـ كنجاسة عرقه، أو حرمة الأكل من لحمه، ونجاسة فضلاته ـ يستمرّ إلى أن يستبرأ؛ وذلك بأن يمنع عن أكل العذرة فترةً من الزمن حتّى يقلع عن عادته ويعود إلى الطبيعة.

الأشياء المتنجّسة:

قد يتنجّس الماء الطاهر بسبب الأعيان النجسة، وقد فصّلنا الكلام حول ذلك في فصل أحكام الماء، راجع الفقرة (8) وما بعدها.

وأمّا غير الماء من الأشياء الطاهرة فهي تكتسب نجاسةً بسبب تلك الأعيان النجسة في حالة حدوث الملاقاة والمماسة بين الشيء الطاهر وإحدى تلك


(1) منهم الشيخ الطوسي في النهاية: 53، والقاضي في المهذّب 1: 51.
(2) منهم الشيخ المفيد في المقنعة: 71، والشيخ الطوسي في النهاية: 53.
(3) في خصوص الإبل على الأقوى، وفي غيره على الأحوط وجوباً، ويلحق بالعرق سائر الفضلات كالبصاق.
349

الأعيان النجسة، على التفصيل التالي:

(42) ـ 1 ـ إذا كانت عين النجس مائعةً ـ كقطرة بول أو دم ـ ولاقت جسماً جامداً ـ كالثوب والبدن والأرض ـ سرت النجاسة إلى هذا الجسم الجامد الملاقي؛ وتنجّس منه خصوص المحلّ الذي لاقته قطرة الدم أو البول دون غيره من أطراف الملاقي وأجزائه.

(43) ـ 2 ـ إذا كانت عين النجس مائعةً ـ كما في الحالة السابقة ـ ولاقت شيئاً مائعاً طاهراً ـ كالحليب تقع فيه قطرة دم ـ سرت النجاسة إلى الطاهر المائع وتنجس كلّه، ولم تختصّ النجاسة بموضع منه دون موضع.

وبالمقارنة بين هذه الحالة والحالة السابقة نعرف الفرق بين الأشياء الطاهرة الجامدة والأشياء الطاهرة المائعة في كيفية سراية النجاسة وامتدادها إليها، فإنّ الاُولى يتنجّس منها محلّ الملاقاة المباشر خاصّةً، والثانية تتنجّس كلّها بالملاقاة(1).

وليس الفارق بين المائع والجامد في سعة الرقعة أو المساحة التي تتنجّس من المائع بالملاقاة فحسب، بل في عمق النجاسة أيضاً، فإنّ النجاسة التي تسري إلى الجامد تنجِّس سطحه الذي مسّته مباشرةً. وكما لا تشمل النقاط المجاورة من سطحه كذلك لا تسري في عمقه ما لم تنفذ العين النجسة في داخله. وأمّا النجاسة التي تسري إلى المائع فهي تنجِّس موضع الملاقاة وغيره على السواء، وتسري



(1) ينبغي أن يلاحظ بهذا الصدد: أنّ المائع إذا كان يجري بدفع وقوة من أعلى إلى أسفل كالإبريق يصبّ منه الماء، أو من أسفل إلى أعلى كالفوارة، أو من نقطة من الأرض إلى نقطة موازية فلا ينجس بملاقاته لعين النجس إلّا موضع الملاقاة، كما تقدم في الفقرة (4) و (9) من فصل أحكام الماء.(منه (رحمه الله)).

350

إلى عمقه في الوقت نفسه.

وقد يتّفق أنّ شيئاً واحداً يكون في حالة مائعاً وفي حالة اُخرى جامداً كالدهن والعسل، فإذا لاقى النجس وهو جامد انطبق عليه حكم الحالة الاُولى، وإذا لاقاه وهو مائع انطبق عليه حكم الحالة الثانية (1).

ونريد بالمائع الذي يتنجّس كلّه بالملاقاة ما توفّر فيه أمران:

أوّلا: أن يكون مَيعانه على نحو يجعل فيه رطوبة كرطوبة الماء (2)، فليس منه قِطَع الذهب أو الحديد التي تذوب بتسليط الحرارة عليها حتى تصبح سائلةً وتتحوّل من حالة الانجماد إلى حالة السيولة، فالذهب المذاب إذا لاقى نجساً فهو


(1) وإن كان جامداً حين التنجّس بالملاقاة ثمّ ماع سرت النجاسة إلى الكلّ بعد الميعان.
(2) المقصود بذلك: الرطوبة المسرية التي توجب التلوّث عرفاً، سواءً كانت مائيةً أو ما يشبهها كالنفطية والزيتية ونحوهما، وهذا بخلاف الميعان الذي لا يوجب سريان التلوّث عرفاً، ومَثّل له بميعان الذهب والحديد عن طريق تسليط الحرارة عليهما فهذا حاله حال الجامد.
أقول: إن كان الواقع الخارجي شاهداً على ذلك فهذا الكلام إنّما يصحّ في ملاقاة المائع للنجس الجامد، فيقال: إنّ المائع الذي يتلوّث بالنجس الجامد ـ وهو المائع المائي ـ يتنجّس به، والمائع الذي لا يتلوّث به ـ كالمائع الزئبقي أو الذهبي ـ لا يتنجّس به، ولا يصحّ في ملاقاة المائع للنجس المائع ميعاناً مائياً فإنّه بعد أن فرض تلوّث السطح الملاقي للمائع الزئبقي بالنجس لميعانه المائي فالمقياس في سريان النجاسة إلى كلّ المائع وعدمه يكون شيئاً آخر غير كون المائع مائياً أو زئبقياً، وهو نفوذ أجزاء المائع بعضهافي البعض وعدمه، إلّا إذا فرض استلزام الأوّل للثاني، أي أنّ الرقّة في الميعان المائي تستلزم تنافذ الأجزاء وتداخلها، والميعان الزئبقي يستلزم عدم تنافذها وتداخلها مهما كان المائع رقيقاً. فإن صحّ ذلك أمكنك إرجاع كلا الشرطين الواردين في المتن إلى شرط واحد وهو الميعان بشكل تكون أجزاؤه ممّا ينفذ بعضها في البعض.
351

كالجامد إذا لاقى نجساً، أي كالثوب والخشب والفراش، فإذا وقعت قطرة دم على ذهب مذاب تنجّس منه موضع الملاقاة خاصّة.

وثانياً: أن تكون درجة الكثافة في المائع ضئيلةً بدرجة لو اُخذ منه شيء لمَا بقي موضعه خالياً حين الأخذ، بل يمتلئ فوراً وفي نفس اللحظة. وأمّا إذا كانت درجة الكثافة أكبر من ذلك على نحو لو اُخذ من المائع شيء يبقى موضعه خالياً حين الأخذ وإن امتلأ بعد ذلك فهو جامد، وحكمه حكم الثوب والفراش إذا لاقى نجساً، فإذا أصابه دم ـ مثلا ـ تنجّس منه موضع الملاقاة خاصّة.

(44) ـ 3 ـ إذا كانت عين النجس جامدةً ـ كالدم اليابس أو شعر الخنزير ـ ولاقت المائع بالمعنى الذي تقدم في الحالة السابقة فيتنجّس كلّه بالملاقاة، كما مرّ في تلك الحالة.

(45) ـ 4 ـ إذا كانت عين النجس جامدةً ولاقت شيئاً جامداً، كالثوب والفراش والبدن أو الذهب المذاب أو الدبس المتماسك الذي لا يملأ الفراغ فوراً إذا اُخذ منه شيء فالحكم في هذه الحالة يرتبط بمدى الجفاف والرطوبة، فإذا كان النجس والشيء الطاهر الملاقي له كلاهما جافّين فلا ينجس الطاهر بالملاقاة، وإذا كانا ندِيّين، أو كان أحدهما نديّاً ولكن بنداوة لا تنتقل بالملاقاة من أحد الجسمين إلى الآخر فلا ينجس الطاهر أيضاً بالملاقاة، وإذا كان كلاهما أو أحدهما نديّاً ومرطوباً برطوبة قابلة للانتقال والامتداد إلى الجسم الملاقي سرت النجاسة بالملاقاة، وتنجّس من الشيء الطاهر موضع الملاقاة خاصّة.

وعلى ضوء ما تقدم يتّضح: أنّ سراية النجاسة من العين النجسة إلى جسم آخر يتوقّف على أمرين أساسيين: أحدهما الملاقاة، والآخر توفّر الرطوبة، بأن يكون أحدهما على الأقلّ مائعاً أو مرطوباً برطوبة قابلة للانتقال بالملاقاة من جسم إلى آخر.

352

(46) ونريد بالملاقاة: أن يمسّ الجسم الطاهر عين النجس وجرمها، ولا يكفي أن يتسرّب أثرها ويبدو على الشيء الطاهر. وعلى هذا الأساس إذا سرت الرطوبة والعفونة من بالوعة الفضلات والنجاسات ـ مثلا ـ إلى شيء طاهر(1) ومجاور كالفراش والأثاث وأرض الغرفة وحائطها فلا يتنجّس هذا الطاهر المجاور بذلك؛ لأنّ ذلك لا يحقّق عرفاً الملاقاة بينه وبين عين النجس.

وعلى أيّ حال فإذا تحقّقت الملاقاة بين جسم طاهر وعين النجس وتوفّرت الرطوبة أصبح الجسم الطاهر نجساً، ونجاسة الجسم الطاهر هذه لا ترتبط بالتصاق شيء من عين النجس بالجسم الطاهر، بل تحصل بسبب الملاقاة بين عين النجس وذلك الجسم، حتّى ولو لم يلتصق منها شيء فيه.

 


(1) سراية الريح لا توجب النجاسة حتماً حتّى مع الملاقاة، وأمّا سراية الرطوبة فإن كانت بالتشرّب كما لو كان أساس الجدار في بالوعة النجاسات والفضولات فوصلت رطوبة البول والنجاسات إلى الجدار على أساس تشرّب الجدار ذلك عن طريق أساسه المباشر لتلك النجاسات وكانت الرطوبة بمقدار لو سرت عن طريق الملاقاة لحكمنا بالنجاسة، فالحكم بالطهارة هنا في غاية الإشكال، فإنّ الارتكاز العرفي لا يفرّق في استقذاره بين حصول الرطوبة عن طريق الملاقاة لنفس الجدار وحصولها عن طريق التشرّب بواسطة الأساس الملاقي للنجاسة.
وأمّا إن كانت بالمجاورة فحَسب بأن تبخّرت رطوبة النجاسات في الهواء ثمّ برز البخار في الشيء المجاور من فراش ونحوه على شكل الرطوبة: فإن كان هذا التبخّر مساوقاً لتخلّص الرطوبة العائدة بعد البخار عن تلوّث النجاسات أصبح ذلك من سنخ الاستحالة المطهِّرة فلا يتنجّس بذلك الشيء المجاور، واحتمال التخلّص عن تلوّث النجاسات كاف في الحكم بالطهارة، أمّا مع فرض عدم التخلّص عن تلوّثها فأيضاً تقبّل العرف التفكيك في التقذّر بين سريان الرطوبة عن هذا الطريق وسريانها عن طريق الملاقاة في غاية الإشكال.
353

ويستثنى من ذلك بعض الحالات، كما يلي:

(47) أوّلا: إذا كان الجسم الطاهر الملاقي لعين النجس بدن الحيوان فإنّه لا يصبح نجساً بالملاقاة، فإذا لم يلتصق به شيء من عين النجس فهو طاهر، وليس فيه شيء يوجب الاجتناب عنه. وإذا التصق به شيء من عين النجس فهذا الملتصق هو النجس دون بدن الحيوان، فإذا اُزيل ذلك الجزء من عين النجس عن بدن الحيوان لم يعد هناك شيء يدعو إلى الاجتناب عن بدنه.

وعلى هذا الأساس فإنّ ولَد الحيوان الملطّخ بالدم بسبب الولادة، ومنقار الدجاجة الملوّث بالعذرة، وفم الهرّة تأكل الميتة ويبقى على فمها شيء منها ليس هناك ما يدعو إلى الاجتناب عنه إذا زالت عين النجاسة عن المحلّ بأيّ طريق كان.

(48) ثانياً: إذا كان الجسم الطاهر الملاقي لعين النجس من بواطن الإنسان (ونريد ببواطن الإنسان: كلّ ما لم يبدُ ويظهر من الإنسان، كلسانه مثلا، وداخل أنفه، وباطن اُذنيه وأمعائه) فإنّ كلّ ذلك لا يكسب نجاسةً بالملاقاة، كبدن الحيوان تماماً، فإذا وقع دم على لسانك، أو وضعتَ لقمةً نجسةً أو متنجّسةً في فمك لا يجب عليك أن تغسل اللسان أو داخل الفم، وإنّما يكفي إزالة تلك العين النجسة أو المتنجّسة؛ لأنّ باطن الإنسان لا ينجس بالملاقاة.

(49) ثالثاً: إذا كانت عين النجس لا تزال في داخل الإنسان ولاقاها جسم طاهر اُوصل إليها من خارج جسم الإنسان فإنّه لا ينجس.

ومثال ذلك: أن يحقن الشخص بماء طاهر فيلاقي الماء النجاسة في أمعائه، ثمّ يخرج صافياً لا يحمل معه أيّ شيء من النجاسة فيبقى الماء على طهارته،

354

وكذلك إذا زرق الطبيب إبرةً في بدن المريض فلاقت دمه في داخل جسمه وخرجت نقيةً فإنّها طاهرة.

(50) إذا تنجّس الشيء الطاهر بعين النجس ـ وفقاً لما تقدّم من حالات ـ ثمّ لاقى هذا المتنجّس شيئاً طاهراً فهل ينجّسه أيضاً ؟

وهل تظلّ النجاسة تنتقل هكذا من شيء إلى آخر فيتنجّس الشيء بعين النجس، وينجّس هذا الشيء بدوره شيئاً ثانياً بالملاقاة، وينجّس الثاني شيئاً ثالثاً كذلك وهكذا ؟

والجواب: أنّ الشيء الطاهر يتنجّس إذا لاقى برطوبة عين النجس، أو كان بينه وبينها واسطة واحدة فقط، وأمّا إذا كان بينه وبينها واسطتان فلا يتنجّس.

ومثال ذلك: أن تمسّ بيدك شعر الكلب وهو مبتلّ، ثمّ تضع يدك وهي مرطوبة على ثوبك فإنّ يدك تتنجّس بعين النجس، ويتنجّس الثوب كذلك؛ لأنّ بينه وبين عين النجس واسطة واحدة، ولكنّ شيئاً آخر إذا لاقى الثوب برطوبة لا يتنجّس به، إذ يكون بينه وبين النجس واسطتان، وهذا معنى قولنا: إنّ المتنجّس الأول ينجِّس، وإنّ المتنجّس الثاني لا ينجِّس.

ونريد بالمتنجِّس الأول: ما كان متنجِّساً بعين النجس مباشرة.

ونريد بالمتنجِّس الثاني: ما كان بينه وبين عين النجس واسطة واحدة، فلا ينجِّس ما يلاقيه وإن كان نجساً؛ لأنّ هذا الملاقي له يفصل حينئذ بينه وبين عين النجس واسطتان.

ولكن يجب أن يعلم بهذا الصدد: أنّ الواسطة إذا كانت مائعاً متنجّساً بعين النجس لم تحسب كواسطة، واعتبر الشيء المتنجّس بها كأنّه تنجّس بعين النجس

355

مباشرةً، بل الواجب الاحتياط بتعميم هذه على كلّ واسطة مائعة، سواء تنجّس بعين النجس مباشرةً أو بالمتنجِّس بعين النجس (1). وهكذا نحسب دائماً عدد الوسائط التي تفصل بين الشيء وعين النجس، ونسقط منها كلّ واسطة مائعة، فإن بقي أكثر من واسطة لم يتنجّس ذلك الشيء، وإلّا تنجّس.

وفي ما يلي توضيح ذلك في أمثلة:

تنجّست أرض الغرفة بعين النجس، ثمّ تنجّست قدمك بالمشي على تلك الأرض وهي نديّة رطبة، وأصابت قدمك ـ وهي رطبة أيضاً ـ الفراش، فالقدم متنجّسة بواسطة واحدة تفصلها عن عين النجس وهي الأرض، وأمّا الفراش فبينه وبين عين النجس واسطتان. وهما الأرض والقدم، وليس أحدهما مائعاً، فلا ينجس الفراش.

اُريق مائع متنجّس بعين النجس على الأرض، ثمّ أصابت قدمك الأرض وهي رطبة، فالأرض هنا متنجّسة بواسطة واحدة تفصلها عن عين النجس وهي المائع المتنجّس. والقدم تفصلها واسطتان، وهما المائع أوّلا والأرض ثانياً، ولكن على الرغم من وجود واسطتين تنجس القدم؛ لأنّ إحدى الواسطتين من المائعات، فتسقط من الحساب، فلا يبقى إلّا واسطة واحدة.

تنجّست الأرض بمرور الكلب عليها وهو رطب، واُريق شاي على الأرض فطفرت إلى ثوبك قطرة من ذلك الشاي، فالشاي هنا يتنجّس؛ لأنّ بينه وبين عين



(1) نستثني من ذلك الماء المطلق القليل، فإنّنا نعتقد أنّه يتنجّس بملاقاة المتنجّس الأوّل لكنّه لا يُنجّس الجامد، نعم لو كان المتنجّس الأوّل قد زال البول عنه ـ مثلاً ـ بمجرّد الجفاف لا بالإزالة كان الماء القليل الملاقي له منجّساً.

356

النجس واسطة واحدة وهي الأرض، وأمّا الثوب فبينه وبين عين النجس واسطتان، وهما الأرض أوّلا والشاي ثانياً، ولكنّه يتنجّس على الرغم من ذلك؛ لأنّ الواسطة الثانية لا تحسب؛ لأنّها من المائعات، فكان بين الثوب وعين النجس واسطة واحدة فتسري النجاسة، أي تمتدّ إلى الملاقي.

أحكام الشكّ في السراية:

(51) قد يشكّ في سراية النجاسة إلى جسم طاهر، إذ لا يعلم بأنّه لاقى نجساً أوْ لا، والحكم عندئذ هو طهارته ما لم يثبت بإحدى وسائل الإثبات الشرعية أنّه قد لاقى النجس وتنجّس به، وهي كما يلي:

أوّلا: إخبار البيّنة عن ذلك.

ثانياً: إخبار الثقة (1)، سواء كان هذا الشيء الطاهر في حيازته، أوْ لا.

ثالثاً: قول من يكون الشيء في حيازته وتصرّفه، فيسمّى بصاحب اليد، فإذا أخبر بنجاسة الشيء ثبتت نجاسته، ولا فرق في ذلك بين أن يكون صاحب اليد قد حاز ذلك الشيء بملك أو إجارة أو أمانة أو إعارة أو وكالة أو بغصب، بالغاً كان صاحب اليد أو مقارباً للبلوغ، حتّى لو لم يكن ثقة.

(52) وقد يعلم المكلّف بأنّ هذا الشيء الطاهر لاقى نجساً، ولكنّه يشكّ فيوجود الرطوبة القابلة للانتقال التي هي شرط في سراية النجاسة، ففي مثل ذلك يبني على الطهارة، وعدم تنجّس الملاقي، حتّى ولو كان على علم بأنّ الملاقي أو النجس كان مرطوباً سابقاً واحتمل الجفاف عند الملاقاة، فلا يحكم بنجاسة


(1) في حجيّة خبر الثقة في الموضوعات ما لم يورث الاطمئنان عندنا إشكال.
357

الملاقي إلّا إذا تأكّد المكلّف بالحسّ والمشاهدة أو بدليل شرعيّ من أنّ الرطوبة كانت موجودةً عند الملاقاة.

(53) وفي الحالات التي يشكّ فيها الإنسان في حدوث النجاسة لا يجب عليه أن يفحص ويسأل ويدقّق، بل يبني على الطهارة حتّى تتوفّر لديه إحدى وسائل الإثبات المتقدّمة. وإذا لم تتوفّر إحدى هذه الوسائل ولكن حصل لديه ظنّ بحدوث النجاسة لم يأخذ بهذا الظنّ، بل يبقى على الحكم بالطهارة ما لم يحصل اليقين بالعكس.

أحكام تتعلّق بالنجاسة والطهارة منها:

توجد أحكام شرعية تتعلّق بالنجاسة والطهارة منها، وهي كما يلي:

1 ـ الطهارة شرط في الصلاة:

(54) وأهمّ تلك الأحكام: أنّ طهارة البدن حتّى الشعر والظفر، وطهارة الثياب حتى غير ما يستر العورة شرط أساسي في صحة الصلاة الواجبة والمندوبة وركعات الاحتياط والأجزاء المنسية من الصلاة. أمّا سجدتا السهو والتعقيب بعد الصلاة والأذان والإقامة قبلها فلا تشترط الطهارة في صحة شيء منها.

وهناك استثناءات تسوغ بموجبها الصلاة بالنجاسة يأتي استعراضها في الفقرة (78) وما بعدها.

وعلى هذا الأساس إذا تنجّس شيء من بدن المكلّف أو ثيابه وجب عليه لكي يصلّي أن يطهّر بدنه، ويطهّر الموضع المتنجّس من ثوبه، أو يستبدله بثوب طاهر، أو يخلعه بدون بديل إذا كان عليه لباس آخر طاهر يستر عورته حال الصلاة.

358

(55) وإذا كان بدنه متنجّساً ولم تتهيّأ له وسائل التطهير صلّى مع النجاسة، فإنّ الصلاة لا تسقط بحال، ولكن إذا أمكنه تطهير بعض المواضع لوجود ماء قليل يكفي لذلك وإن لم يفِ بتطهير الجميع وجب عليه أن يطهرّ ما أمكنه تطهيره من البدن.

وإذا كان ثوبه متنجّساً ولا يتمكّن من تطهيره ولا ساتر لديه سواه صلّى فيه (1)، وإذا أمكنه غسل بعضه وجب، كما مرّ بالنسبة إلى البدن.

(56) وإذا كان شيء من النجاسة على بدنك وشيء منها على ثوبك ولا ماء يفي بتطهيرهما معاً فالبدن أحقّ بالتطهير (2).

(57) وإن كانت النجاسة في مكانين من ثوبك أو بدنك ولم يفِ الماء بتطهيرهما معاً وكان بالإمكان تطهير أحدهما فقط طهَّرت أوسعهما مساحةً وأشدّهما نجاسة، وإن كانتا في مستوى واحد فالخيار لك.

(58) ومن كان عنده ماء بقدر ما يتوضّأ به فقط وكان على بدنه نجاسة فله أن يزيل النجاسة بما لديه من الماء ويتيمّم للصلاة، وبإمكانه أن يتوضّأ بالماء ويصلّي وبدنه نجس، كما تقدم في الفقرة (11) من فصل التيمّم.

(59) ومن كان عنده ثوبان طاهران وتنجّس أحدهما وتعذّر التمييز بين


(1) الصلاة فيه مجزية إن شاء الله.
(2) إلّا إذا كانت نجاسة الثوب أشدّ فيتخيّر، أو كانت رقعة النجاسة في الثوب أوسع منها في البدن ولم يمكن الجمع بين تطهير الزيادة وتطهير البدن فيتخيّر أيضاً، أو كانت نجاسة الثوب عينيّةً ونجاسة البدن حكميّةً فيتخيّر أيضاً. والظاهر أنّ كلّ هذه الفروض خارجة عن منظور الماتن(رحمه الله).
359

النجس والطاهر فماذا يصنع ؟

الجواب: لا يسوغ له أن يكتفي بالصلاة بأحدهما فقط إلّا بعد تطهيره، ويمكنه أن يكرّر الصلاة مرّتين: مرّةً بهذا ومرّةً بذاك.

(60) ومن صلّى بالنجاسة عالماً ـ لا جاهلا بوجودها ـ متعمّداً ـ لا غافلا ـ بطلت صلاته، سواء كان عالماً بأنّ الصلاة يشترط فيها طهارة البدن والثياب منها أوْ لا.

فمثلا: إذا كان على ثوب المصلّي دم وهو يعلم بذلك وملتفت إليه حين الصلاة ولكنّه لا يعلم أنّ الدم نجس، أو لا يعلم بأنّ المصلّي يجب عليه التنزّه عنه وتطهير ملابسه من نجاسته فهذا المصلّي صلاته باطلة، فضلا عمّا إذا كان عالماً بأنّ الدم نجس وأنّ الصلاة مع النجاسة لا تصحّ.

(61) من صلّى بالنجاسة وهو معتقد للطهارة، وبعد الصلاة علم بمكان النجاسة وأنّه قد صلّى بها يقيناً فلا شيء عليه، حتّى ولو كان وقت الصلاة قائماً ولم يمضِ بعد، ولا فرق في ذلك بين أن يكون اعتقاده بالطهارة نتيجةً ليقينه بأنّ بدنه وثوبه لم يلاقِ النجس، أو يسلِّم بأنّه لاقى النجس ولكنّه يعتقد بأنّه طهّره.

ومن كان شاكّاً في حصول النجاسة في ثوبه أو بدنه فبنى على الطهارة ـ وفقاً لما تقدم في الفقرة (53) ـ وصلّى، ثمّ انكشف له بعد الصلاة بصورة جازمة أنّه كان نجساً فلا شيء عليه، كالسابق تماماً.

(62) ومن علم بأنّ على ثوبه أو بدنه نجاسةً ثمّ ذهل عنها وصلّى فصلاته باطلة، وجودها وعدمها بمنزلة سواء، فإن تنبّه وتذكّر قبل مضي وقت الصلاة أقامها في وقتها المؤقّت، وإلّا أتى بها بعد الوقت وفاءً لما مضى وانقضى.

360

(63) من تذكّر ـ وهو يقيم الصلاة ـ أنّ ثوبه هذا الذي يصلّي فيه الآن نجس من قبل أن يبدأ بالصلاة، ولكن قد ذهل عن نجاسته فصلاته باطلة، وعليه أن يقطعها ويطهِّر ثوبه ويصلّي من جديد.

ومن علم ـ وهو يقيم الصلاة ـ أنّ ثوبه نجس من قبل أن يبدأ بالصلاة ولكنّه كان جاهلا بذلك حين دخل في صلاته فحكمه هو الحكم السابق، إذ تبطل الصلاة.

(64) وهذا الذي تذكّرَ أو علم في أثناء الصلاة بأنّ ثوبه نجس منذ البداية، إذا كان الوقت لا يتّسع بالنسبة إليه للإعادة مع الطهارة ولا لركعة واحدة: فإن أمكنه أن يطهّر ثوبه أو يستبدله في أثناء الصلاة مع الحفاظ على واجبات الصلاة فعل وأكمل صلاته، وإلّا واصل صلاته في النجس، وفي كلتا الحالتين يجب ـ احتياطاً ـ القضاء.

(65) ومن كان يصلّي فأصابت النجاسة ثوبه أو بدنه وعلم بذلك فوراً حين إصابتها طهّر بدنه أو ثوبه من النجاسة، أو خلع الثوب النجس عنه إذا كان هناك ما يتستّر به وواصل صلاته، وإن لم يتمكّن من التطهير أو الخلع في أثناء الصلاة، بأن كان ذلك يؤدّي به إلى ممارسة ما تبطل الصلاة به ـ كالتكلّم أو الفصل الطويل ونحو ذلك ـ قطعها وأصلح حاله، وأعاد الصلاة، وإذا كان لا يتمكّن من التطهير أو النزع في أثناء الصلاة ولا من إعادتها لضيق الوقت حتّى عن ركعة(1)



(1) ومعنى هذا: أنّ الوقت لو كان يتّسع للتطهير أو التبديل مع ركعة واحدة وجب عليه أن يقطع صلاته، ويطهّر أو يبدّل ويعيد الصلاة، فتقع ركعة منها في الوقت والباقي خارج الوقت، ويكفي ذلك في صحة الصلاة.(منه (رحمه الله)).

361

واصل صلاته بالنجاسة ولا شيء عليه.

(66) ونفس الشيء نقوله في حالة شعور المصلّي وإحساسه بالنجاسة أثناء الصلاة ولم يعلم بأنّها قد طرأت عليه الآن، أو كانت موجودةً سابقاً فإنّه يبني على أنّها قد أصابته الآن، ويعمل كما تقدم.

2 ـ الطهارة شرط في موضع السجود:

(67) الطهارة شرط في موضع السجود (1)، بمعنى أنّ الشيء الذي يسجد عليه المصلّي من تراب أو ورق أو خشب أو غير ذلك يجب أن يكون الحدّ الأدنى الذي يكتفي بالسجود عليه وإصابة الجبهة له طاهراً، ولا يلزم أن يكون كلّ التراب أو كلّ الخشبة طاهراً.

(68) وإذا تعذّر السجود على موضع طاهر سجد على غيره.

(69) وإذا سجد على النجس جاهلا أو ناسياً، وبعد أن فرغ علم بذلك أو التفت صحّت صلاته ولا إعادة عليه، وكذلك الحال إذا علم أو التفت بعد انتهاء السجدة مباشرةً ورفع رأسه.

3 ـ استعمال النجس:

(70) لا يسوغ أكل الأشياء المتنجّسة، ولا شربها، كما يأتي في موضعه من أحكام الطعام والشراب، ويسوغ التصرّف والانتفاع بها في غير الصلاة والطعام والشراب.

 


(1) على الأحوط وجوباً.
362

4 ـ بيع النجس:

(71) يأتي في موضعه من فصول البيع: أنّ المائع المتنجّس يجوز بيعه وشراؤه ما دامت له منفعة سائغة شرعاً وعرفاً، كالزيت يداوى به إنسان أو حيوان بالتدهين، أو يصنع منه صابوناً أو غير ذلك. وأمّا الجامد المتنجّس فهو نظراً إلى إمكان تطهيره عادةً لا شكّ في جواز بيعه على أيّ حال.

أمّا الأعيان النجسة فلا يجوز بيع الخمر ولا الخنزير بحال، ولا الكلب إلّا إذا كان نافعاً في الصيد ومتمرّساً عليه. ويجوز بيع ما سوى ذلك إذا كانت له منفعة سائغة.

5 ـ حرمة تنجيس المساجد:

(72) لا يسوغ تنجيس المسجد، أيّ مسجد كان، وتجب إزالة النجاسة منه(1) وجوباً كفائياً وفورياً(2)، ومن رآها في المسجد وعجز عن إزالتها فعليه أن يعلم سواه بها.

وأيضاً لا يسوغ إدخال نجس العين إلى المسجد إذا كان ذلك موجباً لهتك حرمته وهدر كرامته، كإدخال الكلب ونحوه.

(73) وحرمة تنجيس المسجد تشمل أرضه وجدرانه وسائر موادّ بنائه من


(1) حرمة التنجيس ووجوب التطهير لدى صدق الهتك لا شكّ فيهما، ولدى عدم صدق الهتك حكمان احتياطيّان.
(2) الوجوب الكفائي يعني: أنّه واجب على سبيل الكفاية، وقد تقدم معنى ذلك في بداية أحكام الأموات. والوجوب الفوري هنا معناه: أنّ الواجب الإسراع بالتطهير، فلا يجوز التماهل والتأجيل.(منه (رحمه الله)).