174

والأجير(1)، فلا يجوز إجارتها بالأكثر حينئذ، والأحوط إلحاق الرحى والسفينة والأرض بها، وإن كان الأقوى الجواز على كراهة، ولا يجوز أن يؤجر بعض أحد هذه الأربعة بأزيد من الاُجرة، كما إذا استأجر داراً بعشرة دراهم فسكن بعضها وآجر البعض الآخر بأكثر من عشرة دراهم إلّا أن يحدث فيها حدثاً، وأ مّا إذا آجره بأقلّ من العشرة فلا إشكال، والأقوى الجواز بالعشرة أيضاً.

(مسألة: 53) إذا استؤجر على عمل من غير اشتراط المباشرة ولا مع الانصراف إليها يجوز أن يستأجر غيره لذلك العمل بتلك الاُجرة أو الأكثر،ولا يجوز بالأقلّ إلّا إذا أتى ببعض العمل ولو قليلا، كما إذا تقبّل خياطةثوب بدرهمين ففصله أو خاط منه شيئاً ولو قليلا، فإنّه يجوز أن يستأجر غيره على خياطته بدرهم، بل لا يبعد الاكتفاء في جواز الأقلّ بشراء الخيوط والإبرة(2).

(مسألة: 54) في الموارد التي يتوقّف العمل المستأجَر عليه على تسليم العين إلى الأجير إذا جاز للأجير أن يستأجر غيره على العمل الذي استؤجر



(1) الظاهر: أنّ المقصود من حرمة فضل الأجير الواردة في الروايات ـ ب 20 من الإجارة من الوسائل ـ هو استيجار الأجير غيره بقيمة أقلّ، فليس هذا شيئاً آخر غير ما يأتي في المسألة رقم (53) في المتن.

(2) هذا خلاف الاحتياط(1).


(1) لأنّ ما في المتن كأنّه تعدٍّ ممّا في النصوص، وهو الاشتراك بشيء من العمل، وهذا لا يخلو من إشكال وتأمُّل.

175

عليه جاز له أن يسلِّم العين إلى الأجير الثاني، نظير ما تقدّم في تسليم العين المستأجَرة إلى المستأجر الثاني(1).

(مسألة: 55) إذا استؤجر للعمل بنفسه مباشرةً ففعله غيره بطلت الإجارة، ولم يستحقَّ العامل ولا الأجير الاُجرة، وإذا استؤجر على عمل في ذمّته لا بقيد المباشرة ففعله غيره بقصد التبرّع عنه كان أداءً للعمل المستأجَر عليه واستحقّ الأجير الاُجرة، وإن فعله غيره لا بقصد التبرّع عنه بطلت الإجارة، ولم يستحقَّ الأجير ولا العامل الاُجرة كما في الصورة الاُولى.

(مسألة: 56) إجارة الأجير تكون على قسمين:

الأوّل: أن تكون الإجارة واقعةً على منفعته الخارجيّة من دون اشتغال ذمّته بشيء، نظير إجارة الدابّة والدار ونحوهما من الأعيان المملوكة.

الثاني: أن تكون الإجارة واقعةً على عمل في الذمّة، فيكون العمل المستأجَر عليه ديناً في ذمّته كسائر الديون.



(1) بل لا يجوز له ذلك إلّا بإذن صاحب العين التي يُعمل فيها. والفرق بين الموردين: أنّ شمول الإجارة الاُولى للحصّة الملازمة لتسليم العين المستأجرة إلى المستأجر الثاني يعني إعطاء المستأجر الأوّل حقّ تسليم العين إلى المستأجر الثاني، ولكن اكتفاء صاحب العمل بالعمل غير المباشر لا يعني إعطاء حقّ تسليم العين إلى الأجير الثاني، فلا يجوز ذلك إلّا بإذن صاحب العمل(1).


(1) وسرّ الفرق بينهما: أنّ الأوّل كان تمليكاً من قبل مالك الدار لمجموع الحصّتين من منفعة الدار للمستأجر الأوّل، في حين أنّ الثاني كان استيجاراً للجامع بين العمل المباشر والتسبّب إلى العمل غير المباشر، وتحقيق الجامع لم يكن يلازم تسليم العين التي يُعمل فيها إلى الأجير الثاني، فعليه الاستئذان من المالك في تسليم العين ـ التي هي أمانة عنده ـ إلى الأجير الثاني.

176

فإن كانت على النحو الأوّل فقد تكون الإجارة على جميع منافعه في مدّة معيّنة، وحينئذ لا يجوز له في تلك المدّة العمل لنفسه ولا لغيره، لا تبرّعاً، ولا بإجارة، ولا بجعالة. نعم، لا بأس ببعض الأعمال التي انصرفت عنها الإجارة ولم تشملها ولا تكون منافيةً لما شملته، كما أنّه إذا كان مورد الإجارة أو منصرفها الاشتغال بالنهار ـ مثلا ـ فلا مانع من الاشتغال ببعض الأعمال في الليل له أو لغيره تبرّعاً أو بإجارة أو جعالة، إلّا إذا أدّى إلى ضعفه في النهار عن القيام بما استؤجر عليه.

فإذا عمل في المدّة المضروبة في الإجارة بعض الأعمال المشمولة لها: فإن كان العمل لنفسه تخيّر المستأجر بين فسخ الإجارة واسترجاع تمام الاُجرة، وبين إمضاء الإجارة ومطالبته بقيمة العمل الذي عمله لنفسه(1)، وكذا إذا عمل لغيره تبرّعاً. نعم، يحتمل أنّ له أيضاً حينئذ مطالبة غيره بقيمة العمل الذي استوفاه، فيتخيّر بين اُمور ثلاثة، ولا يخلو من وجه(2).

وأ مّا إذا عمل لغيره بعنوان الإجارة أو الجعالة فله الخيار بين الأمرين المذكورين أوّلا، وبين إمضاء الإجارة أو الجعالة وأخذ الاُجرة أو الجعل المسمّى فيها، ويحتمل قريباً أنّ له مطالبة غيره ـ كما عرفت(3) ـ فتخيّر بين اُمور أربعة.



(1) بل بقيمة العمل الفائت بمقدار اُجرة المثل لأجير من قبيل أجيره.

(2) الصحيح: أنّه لو لم يكن المستوفي مسبِّباً لما وقع، فلا رجوع له عليه، ولو كان مسبّباً لذلك، فله الرجوع عليه باُجرة المثل التي كان له الرجوع إلى الأجير بها.

(3) ونحن نقول: يحتمل قريباً أنّ له مطالبة قيمة المثل الفائت عليه من ذلك الغير؛ لأنّه أصبح مسبّباً تسبّباً معامليّاً لامتصاص حقّ المستأجر الأوّل.

177

ثمّ إذا اختار المستأجر فسخ الإجارة الاُولى في جميع الصور المذكورة ورجع بالاُجرة المسمّاة فيها وكان قد عمل الأجير بعض العمل للمستأجر كان له عليه اُجرة المثل.

هذا إذا كانت الإجارة واقعةً على جميع منافعه.

أ مّا إذا كانت على خصوص عمل بعينه كالخياطة فليس له أن يعمل ذلك العمل لنفسه ولا لغيره، لا تبرّعاً، ولا بالإجارة، ولا بالجعالة، فإذا خالف وعمل لنفسه تخيّر بين الأمرين السابقين(1)، وإن عمل لغيره تبرّعاً تخيّر بين الاُمور الثلاثة(2)، وإن عمل لغيره بالإجارة أو الجعالة تخيّر بين الاُمور الأربعة كما في الصورة السابقة.

وفي هذه الصورة لا مانع من أن يعمل لنفسه أو لغيره بإجارة أو جعالة غير ذلك العمل إذا لم يكن منافياً له، فإذا آجر نفسه في يوم معيَّن للصوم عن زيد جاز له أن يخيط لنفسه أو لغيره بإجارة أو جعالة، وله الأجر أو الجعل المسمّى، أ مّا إذا كان منافياً له كما إذا آجر نفسه للخياطة فاشتغل بالكتابة تخيّر المستأجر بين فسخ الإجارة والمطالبة بقيمة العمل المستأجَر عليه(3) الذي فوّته على المستأجر.



(1) بالشكل الذي اخترناه هناك. هذا إذا كانت الإجارة واقعة على ما ينطبق على ما فعل ولكنّه طبّقه على غير المصداق الذي يطلبه المستأجر، أمّا إذا كان مورد الإجارة خياطة ثوب المستأجر مثلاً فخاط ثوبه أو ثوب ثالث، فالإجارة قد انفسخت بتفويت الأجير العمل المستأجر عليه.

(2) قد عرفت تعليقنا على الثالث منها في تعليقنا السابق على قول المصنّف(رحمه الله) في هذه المسألة: «فيتخيّر بين اُمور ثلاثة، ولا يخلو من وجه».

(3) بل انفسخت الإجارة بتفويت الأجير العمل المستأجر عليه كما مضى في

178

وإذا كانت الإجارة على النحو الثاني الذي يكون العمل المستأجَر عليه في الذمّة: فتارةً تؤخذ المباشرة قيداً على نحو وحدة المطلوب، وتارةً على نحو تعدّد



التعليق على قول المصنّف(رحمه الله)في هذه المسألة: «فإذا خالف وعمل لنفسه، تخيّر بين الأمرين السابقين»(1).


(1) والوجه في ذلك أنّ هذا هو مقتضى الفهم أو الارتكاز العقلائيّ الممضى شرعاً ولوبلا ضرر.

أمّا لو قيل بأنّ امتناع الأجير عن العمل المستأجر عليه إلى أن يفوت وقته لا يوجب الانفساخ القهري فقد أفاد اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): أنّه تخيّر المستأجر بين الفسخ والتضمين.

فإن اختار التضمين لا الفسخ، كان له خياران في طريق التضمين:

الأوّل: أن يضمّن أجيره قيمة المثل للخياطة من دون أن يضمّن المستوفي زيادة قيمة الكتابة على قيمة الخياطة لو كانت الكتابة أغلى من الخياطة، وإنّما تكون هذه الزيادة للأجير.

والثاني: أن يضمّن المستوفي قيمة المثل لأقلّ الأمرين. من قيمة الخياطة والكتابة من دون أن يضمّن أجيره شيئاً، وزيادة قيمة الكتابة ـ لو كانت ـ فهي للأجير.

وإن اختار الفسخ، استرجع المسمّى من أجيره، وعندئذ يحقّ لأجيره أن يُجيز ما صدر من نفسه من الإجارة الثانية؛ لأنّها تكون من قبيل من باع شيئاً ثمّ ملك، فإن لم يُجزها كانت له اُجرة المثل للكتابة على من استوفى الكتابة.

وإن اختار المستأجر الأوّل تضمين الأجير، كان أيضاً للأجير أن يُجيز ما صدر من نفسه من الإجارة الثانية، أو أن يطالب المستوفي للكتابة باُجرة المثل. انتهى ما أفاده اُستاذنا الشهيد(رحمه الله).

أقول: ولعلّ مقصود اُستاذنا من مطالبة الأجير اُجرة المثل من مستوفي الكتابة هو فرض ما إذا لم تكن اُجرة المثل أكبر من الاُجرة المسمّاة؛ إذ لو كانت أكبر، فالأجير هو الذي أهدر مال نفسه في مقدار الزيادة.

179

المطلوب.

فإن كان على النحو الأوّل جاز له كلّ عمل لا ينافي الوفاء بالإجارة، ولا يجوز له ما ينافيه، سواء أكان من نوع العمل المستأجَر عليه أم من غيره، وإذا عمل ما ينافيه تخيّر المستأجر بين فسخ الإجارة والمطالبة بقيمة العمل الفائت المستأجَر عليه. وإذا آجر نفسه لما ينافيه توقّفت صحّة الإجارة الثانية على إجازة المستأجر الأوّل(1)، فإن لم يجز بطلت واستحقّ الأجير على من عمل له اُجرة المثل(2)، كما أنّ المستأجر الأوّل يتخيّر ـ كما تقدّم ـ بين فسخ الإجارة الاُولى والمطالبة بقيمة العمل الفائت، وإن أجاز صحّت الإجارة الثانية(3)، واستحقّ الأجير على كلٍّ من المستأجر الأوّل والثاني الاُجرة المسمّاة في



(1) يعني: لو أنّ المستأجر الأوّل لم يفسخ الإجارة، توقّفت صحّة الإجارة الثانية على إجازة المستأجر الأوّل.

أقول: الظاهر: أنّ إجازة المستأجر الأوّل لا تصحّح الإجارة الثانية؛ لأنّ الإجارة الثانية وقعت على ما لا يملكه المستأجر الأوّل، والمستأجر الأوّل مخيّر في إجارته بين اُمور ثلاثة:

الأوّل: أن يفسخ ويسترجع الاُجرة المسمّاة.

والثاني: أن لا يفسخ ويغرّم الأجير قيمة الخياطة.

والثالث: أن لا يفسخ ويغرّم المستوفي للعمل الآخر اُجرة المثل لأقلّ العملين.

(2) متى ما بطلت الإجارة الثانية فإنّما تكون للأجير اُجرة المثل على من عمل له لو لم تكن أكثر من الاُجرة المسمّاة، وإلّا فهو قد أهدر على نفسه الزيادة.

(3) قلنا في التعليق على قول المصنّف(رحمه الله): «وإذا آجر نفسه لما ينافيه توقّفت صحّة الإجارة الثانية على إجازة المستأجر الأوّل»: إنّ الإجازة لا تصحّح الإجارة الثانية.

نعم، لو تنازل المستأجر الأوّل عن حقّه، ولم يفسخ، ولم يغرّم الأجير ولا المستوفي للعمل، كانت للأجير على مستوفي العمل الاُجرة المسمّاة.

180

الإجارتين وبرئت ذمّته من العمل الذي استؤجر عليه أوّلاً.

وإن كانت الإجارة على نحو تعدّد المطلوب(1) فالحكم كذلك. نعم، يسقط



(1) كون الإجارة على نحو تعدّد المطلوب يتصوّر بشكلين:

الشكل الأوّل: كون نفس الإجارة الاُولى منشقّة إلى شقّين من الإجارة:

الشقّ الأوّل: جعل في ذمّة الأجير جامع الإتيان بالعمل بالمباشرة والتسبّب.

والشقّ الثاني: جعل في ذمّته المباشرة.

والأجير لم يسلّم لا هذا ولا ذاك.

وبعد فرض عدم تسليمه للشقّ الأوّل لا يزيد عدم تسليمه للشقّ الثاني في الطين بلّة، فإنّه أمر مستبطن في داخل عدم تسليمه للشقّ الأوّل، ويبقى حال عدم تسليمه للشقّ الأوّل هو حال ما مضى في المسألة السابقة، وهو مسألة أن تكون في ذمّته العمل المقيّد بالمباشرة ولم يسلّمه، وقد مضى حكمه في التعليق على قول المصنّف: «وإذا آجر نفسه لما ينافيه توقّفت صحّة الإجارة الثانية على إجازة المستأجر الأوّل».

والشكل الثاني: كون الإجارة قد جعلت على ذمّة الأجير جامع الإتيان بالعمل بالمباشرة والتسبّب، وكون المباشرة شرطاً في ضمن العقد.

وحينئذ فالمستأجر الثاني الذي استثمر الأجير لنفسه لم يكن استثماره مضادّاً لأصل العمل بالإجارة الاُولى، وإنّما كان مضادّاً للشرط، وكان بإمكان الأجير أن يعطي المستأجر الأوّل ما ملكه عليه من جامع العمل المباشر والتسبّب، ويخالف الشرط فحسب، ومخالفة الشرط لا توجب هنا ضماناً: إمّا لأنّ مخالفة الشرط لا توجب إلّا الخيار في جميع الموارد كما هو أحد الرأيين، وإمّا لأنّ الشرط هنا ليست له ماليّة زائدة.

وعليه، فليس للمستأجر الأوّل لدى عدم وفاء الأجير بالإجارة إلّا أحد أمرين:

إمّا الفسخ والرجوع على الأجير بالاُجرة المسمّاة، أو الإمضاء والرجوع على الأجير باُجرة المثل.

181

العمل المستأجَر عليه عن ذمّة الأجير بمجرّد الإجازة للإجارة الواقعة علىماينافيه، بل يسقط شرط المباشرة، ويجب على الأجير العمل للمستأجر الأوّل لا بنحو المباشرة، والعمل للمستأجر الثاني بنحو المباشرة، لكنّ فرض تعدّد المطلوب في الذمّيّات لا يخلو من شبهة(1).

 

فصل في مسائل [متفرّقة]:

(مسألة: 57) لا تجوز إجارة الأرض للزرع بما يحصل منها حنطةً أو شعيراً مقداراً معيناً، وتجوز إجارتها بالحصّة من زرعها مشاعةً ربعاً أو نصفاً، والأحوط عدم إجارتها بالحنطة أو الشعير في الذمّة إذا كان من جنس ما يزرع فيها(2)، وأ مّا



والأجير لو أفتينا ببطلان إجارة نفسه للشخص الثاني حتّى على تقدير عصيانه للإجارة الاُولى، كان له الرجوع على المستأجر الثاني باُجرة المثل إن لم تكن أكثر من اُجرة المسمّاة؛ إذ لو كانت أكثر فهو الذي أهدر كرامة ماله في مقدار الزيادة. والإفتاء ببطلان إجارته الثانية على تقدير عصيانه للاُولى مشكل.

(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): ليست فيه شبهة ثبوتاً، وإنّما هو خلاف الظاهر إثباتاً؛ لأنّ الظاهر في الذمّيّات التقييد. ونِعْم ما أفاد.

(2) إيجار الأرض بمقدار معيّن من الحنطة والشعير لا بنسبة مشاعة كالربع أو النصف يتصوّر بأحد أنحاء ثلاثة:

الأوّل: إجارتها بمقدار معيّن من حنطة نفس الأرض وشعيرها الذين سوف ينبتان.

والثاني: إجارتها بحنطة خارجيّة أو شعير خارجيّ، لا بما سوف ينبت من الأرض.

والثالث: إجارتها بحنطة أو شعير في الذمّة حتّى يمكنه بعد ذلك تطبيق ما في الذمّة على ما ينبت من الأرض لو أراد.

182


والمتيقّن من عدم الجواز هو الأوّل.

أمّا الثاني فجائز.

وأمّا الثالث فهو خلاف الاحتياط الاستحبابيّ(1). نعم، الأحوط وجوباً ترك اشتراط دفع ما في الذمّة من حاصل الأرض.


(1) وتوضيح ذلك استدلاليّاً على سبيل الاختصار هو: أنّ روايات المنع وردت عادةً في المقدار المعيّن من حنطة نفس الأرض أو شعيرها بقرينة ما في بعضها من استثناء النسبة المشاعة، وما في بعضها من التقييد بما إذا كان من طعامها، وما في بعضها من التفصيل بين الإيجار بالذهب والفضّة فيجوز، والإيجار بالحنطة والشعير فلا يجوز معلّلاً بأنّ الفضّة والذهب مضمون وهذا غير مضمون. راجع الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 16 من المزراعة، وب 26 من الإجارة.

نعم، نستثني من ذلك روايتين:

الاُولى: رواية يونس بن عبد الرحمن عن غير واحد عن أبي جعفر وأبي عبدالله(عليهما السلام) «أنّهما سُئلا: ما العلّة التي من أجلها لا يجوز أن تؤاجر الأرض بالطعام، وتؤاجرها بالذهب والفضّة؟ قال: العلّة في ذلك أنّ الذي يخرج منها حنطة وشعير، ولا تجوز إجارة حنطة بحنطة، ولا شعير بشعير». الوسائل، ج 19 بحسب تلك الطبعة، ب 16 من المزارعة، ح 11، ص 56. فهذه واضحة في عدم الفرق بين حنطة الأرض أو شعيرها، وحنطة غير الأرض أو شعيرها، وأنّ المقياس إنّما هو رجوع الأمر إلى مبادلة حنطة أو شعير بحنطة أو شعير. وسند الرواية ضعيف بإسماعيلبن مرار.

والثانية: صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) «قال: لا تستأجر الأرض بالحنطة، ثمّ

183

إجارتها بغير الحنطة والشعير من الحبوب فالظاهر جوازه وإن كان الأحوط تركه.

(مسألة: 58) تجوز إجارة الحصّة مشاعةً من أرض معيَّنة، كما تجوز إجارة حصّة منها على نحو الكلّيّ في المعيَّن.

(مسألة: 59) لا تجوز إجارة الأرض مدّةً طويلةً لِتُوقَف مسجداً، ولايترتّب


تزرعها حنطة». نفس المصدر، ح 3، ص 54. فمقتضى إطلاقها عدم الفرق بين المؤاجرة بحنطة نفس الأرض وغيرها.

إلّا أنّه لا بدّ من تقييد إطلاقها أو طرحها، وكذلك طرح رواية يونس حتّى لو فرضناها صحيحة السند؛ وذلك لأنّه من شبه المسلّمات أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد قبّل خيبراً اليهود على النسبة المشاعة ـ راجع الوسائل، ج 18 من تلك الطبعة، ب 10 من بيع الثمار ـ ولا يحتمل عدم اشتمال خيبر على الحنطة والشعير. أمّا السبب في الاحتياط في القسم الثالث وهو إيجارها بحنطة أو شعير في الذمّة فهو: أنّ ذلك يمكّنه من تطبيق ما في الذمّة على نفس حنطة الأرض أو شعيرها.

إلّا أنّ هذا لا يقتضي أكثر من الاحتياط الاستحبابيّ. نعم، في باب شراء الأرض ورد صحيح الوشّاء دالّاً على عدم جواز شرائها بكيل معيّن من الحنطة منها، وجواز شرائها بكيل معلوم بحنطة من غيرها: «قال: سألت أباالحسن(عليه السلام) عن رجل اشترى أرضاً جُرباناً معلومة بمئة كرّ على أن يعطيه من الأرض؟ فقال: حرام. قلت: جعلت فداك فإنّي أشتري منه الأرض بكيل معلوم وحنطة من غيرها؟ قال: لا بأس بذلك». الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 12 من بيع الثمار، ح 2، ص 237 ـ 238.

وهذا أوّلاً: يؤيّد فكرة جواز الإيجار بحنطة غير الحنطة المترقّب حصولها من الأرض.

وثانياً: أوجب احتياط اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) وجوباً في باب الإيجار بترك إيجار الأرض بحنطة في الذمّة مع اشتراط أن تدفع من حاصل الأرض على نحو تسقط مع عدم الحاصل لاحتمال شمول هذه الرواية لذلك.

184

آثار المسجد عليها. نعم، تجوز إجارتها لتعمل مصلّىً يصلّى فيه، أويتعبّد فيه، أو نحو ذلك من أنواع الانتفاع، ولا يترتّب أيضاً عليها أحكام المسجد.

(مسألة: 60) يجوز استئجار الشجرة لفائدة الاستظلال(1) ونحوه كربط الدوابّ، ونشر الثياب، ويجوز استئجار البستان لفائدة التنزّه.

(مسألة: 61) يجوز استئجار الإنسان للاحتطاب والاحتشاش والاستقاء ونحوها، فإن كانت الإجارة واقعةً على المنفعة الخاصّة وحدها أو مع غيرها ملك المستأجر العين المحازة وإن قصد الأجير نفسه أو شخصاً آخر(2) غير المستأجر، وإن كانت واقعةً على العمل في الذمّة: فإن قصد الأجير تطبيق العمل المملوك عليه على فعله الخاصّ بأن كان في مقام الوفاء بعقد الإجارة ملك المستأجر المحاز(3)



(1) كأنّ المقصود من استيجار الشجرة لفائدة الاستظلال استيجار الشجرة في بستان؛ إذ لو كان أحد يمتلك شجرة في صحراء مباحة جاز الاستظلال بها لمن أراد من دون استيجار.

(2) لولم يقصد الأجير الحيازة للمستأجر، لم يملك المستأجر العين المحازة، فلو قصد الأجير الحيازة لنفسه مثلاً، كان المحاز له، وانفسخت الإجارة، وإن كانت الإجارة واقعة على طبيعيّ الحيازة كما لو كان المستأجر يستفيد فائدة اُخرى من الحيازة غير امتلاك العين المحازة، فاستأجره لنفس الحيازة وحازها الأجير لنفسه، ملك العين المحازة، واستحقّ الاُجرة المسمّاة أيضاً كما أفاده اُستاذنا الشهيد(رحمه الله).

(3) هذا إذا كان ما في الذمّة هو الحيازة للمستأجر، وحاز الأجير بهذا القصد كما أفاد ذلك اُستاذنا الشهيد(رحمه الله).

أمّا إذا كان ما في الذمّة هو ذات الحيازة فحازها لنفسه، فقد ملك الأجير المحاز، واستحقّ الاُجرة المسمّاة على حيازته كما مضى في البند السابق.

وأمّا إذا كانت في ذمّته الحيازة للمستأجر وحاز لنفسه، فالمستأجر مخيّر بين الفسخ

185

أيضاً، وإن لم يقصد ذلك بل قصد الحيازة لنفسه أو غيره كان المحاز ملكاً لمن قصد الحيازة له(1)، وكان للمستأجر الفسخ والرجوع بالاُجرة المسمّاة، وفي الإمضاء والرجوع بقيمة العمل المملوك له بالإجارة الذي فوّته عليه إشكال قويّ.

(مسألة: 62) يجوز استئجار المرأة للإرضاع، بل للرضاع أيضاً، بمعنى ارتضاع اللبن وإن لم يكن بفعل منها أصلا مدّةً معيّنة، ولا بدّ من معرفة الصبيّ الذي استؤجرت لإرضاعه ولو بالوصف على نحو يرتفع الغرر، كما لا بدّ من معرفة المرضِعة كذلك، كما لا بدّ أيضاً من معرفة مكان الرضاع وزمانه إذا كان تختلف الماليّة باختلافهما.

(مسألة: 63) في جواز استئجار الشاة والمرأة للّبن والشجرة للثمرة والبئر للاستقاء إشكال، بل المنع أظهر(2).



واسترجاع الاُجرة المسمّاة، وبين عدم الفسخ ومطالبته باُجرة المثل، خلافاً لما ورد في المتن في آخر المسألة من قوله: «وفي الإمضاء والرجوع بقيمة العمل المملوك له بالإجارة الذي فوّته عليه إشكال قويّ»، فنحن نقول: لا إشكال في ذلك.

(1) لو قصد الحيازة لنفسه فلا إشكال في كون المحاز له. أمّا لو قصد الأجير الحيازة لغيره، فإن كان ذلك بتسبيب من الغير وطلبه، فلا إشكال أيضاً في كون المحاز لذلك الغير، وأمّا لو كان قصده للحيازة للغير من تلقاء نفسه ومن دون توافق سابق مع ذلك الغير، ففي صيرورة المحاز ملكاً للغير بمجرّد ذلك إشكال. نعم، له أن يحوزه من يد الحائز الأوّل بقصد التملّك فيملكه، ولكن للحائز الأوّل قبل أن يقبضه الثاني للتملّك أن يعدل عن رأيه، فيتملّكه أو يملّكه لشخص آخر.

وما دام الحائز الأوّل باقياً على حاله ـ أي: لم يملّكه للثاني، ولا لشخص آخر، ولم يعرض عنه ـ فلا يجوز لثالث أن يزاحم الحائز الأوّل بأخذ المحاز من يده وتملّكه.

(2) الإشكال في كلّ هذه هو عين الإشكال في استيجار المرأة للرضاع أو الإرضاع،

186

(مسألة: 64) تجوز الإجارة لكنس المسجد، والمشهد، ونحوهما، وإشعال سراجهما، ونحو ذلك.

(مسألة: 65) لا تجوز الإجارة عن الحيِّ في العبادات الواجبة(1)، وتجوز في المستحبّات(2)، كما تجوز الإجارة عن الميّت في الواجبات والمستحبّات،



وهو: أنّ الإيجار لا يملّك العين التي يقتطفها من لبن أو ثمرة أو ماء، وإنّما الإيجار يملّك المنفعة غير العينيّة كسكنى الدار.

والحلّ فيها جميعاً واحد، وهو: أنّ الإيجار يصدق بالنسبة لما يتجدّد من لبن أو ثمرة أو ماء، فإنّها جميعاً قبل التكوّن تعتبر منفعة للمرأة أو الشاة أو الشجرة أو عين الماء، ولا تعتبر عيناً مستقلّة عمّا اُجّر(1).

(1) نعم، قد يستثنى نادراً بعض الواجبات كالحجّ عن الحيّ الذي تجب عليه الاستنابة فيه.

(2) لا أظنّ أحداً يفتي بإطلاق ذلك حتّى السيّد الماتن(رحمه الله)، فمثلاً لا أظنّ أحداً يفتي بالاستنابة في نوافل الفرائض، فلا أظنّ الإطلاق مقصوداً من المتن، وإنّما المقصود ما لا تشترط فيه المباشرة، وأساساً في الاستنابة عن الحيّ في مثل الصلاة والصوم إشكال، ولا بأس بها بعنوان الرجاء.


(1) لا يخفى أنّ هذا بحث عقيم، فإنّ أصل جواز النتيجة في كلّ هذا ممّا لا إشكال فيه، وقد ورد في القرآن الكريم بالنسبة لإرضاع المرأة أو رضاعها قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوف وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى﴾ ـ سورة 65، الطلاق،الآية: 6 ـ ونحوها روايات أجر رضاع الصبيّ ـ راجع الوسائل، ج 21 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 72 من أحكام الأولاد ـ فلا يبقى الكلام إلّا في افتراض ذلك إيجاراً، أو مركّباً من إيجار وبيع، أو معاملة اُخرى مستقلّة من قبيل الإباحة بعوض.

187

وتجوز أيضاً الإجارة على أن يعمل الأجير عن نفسه ويهدي ثواب عمله إلى غيره.

(مسألة: 66) إذا أمر غيره بإتيان عمل فعمله المأمور: فإن قصد المأمور التبرّع لم يستحقّ اُجرة وإن كان من قصد الآمر دفع الاُجرة، وإن قصد الاُجرة استحقّ الاُجرة وإن كان من قصد الآمر التبرّع، إلّا أن تكون قرينة على قصد المجّانيّة، كما إذا جرت العادة على فعله مجّاناً، أو كان المأمور ممّن ليس من شأنه فعله باُجرة، أو نحو ذلك ممّا يوجب ظهور الطلب في المجّانيّة.

(مسألة: 67) إذا آجره على الكتابة أو الخياطة فمع إطلاق الإجارة يكون المداد والخيوط على الأجير، وكذا الحكم في جميع الأعمال المتوقّفة على بذل عين فإنّها لا يجب بذلها على المستأجر، إلّا أن يشترط كونها عليه أو تقوم القرينة على ذلك.

(مسألة: 68) يجوز استئجار الشخص للقيام بكلّ ما يراد منه ممّا يكون مقدوراً له ويتعارف قيامه به، والأقوى أنّ نفقته على نفسه لا على المستأجر، إلّا مع الشرط أو قيام القرينة ولو كانت العادة.

(مسألة: 69) يجوز أن يستعمل العامل ويأمره بالعمل من دون تعيين اُجرة، ولكنّه مكروه، ويكون له اُجرة المثل لاستيفاء عمل العامل، وليس من باب الإجارة.

(مسألة: 70) إذا استأجر أرضاً مدّةً معيّنةً فغرس فيها أو زرع ما يبقى بعدانقضاء تلك المدّة فإذا انقضت المدّة جاز للمالك أن يأمره بقلعه، وكذا إذا استأجرها لخصوص الزرع أو الغرس، وليس له الإبقاء بدون رضا المالك وإن بذلالاُجرة، كما أنّه ليس له المطالبة بالأرش إذا نقصت بالقلع، أ مّا إذا غرس مالا يبقى فاتّفق بقاؤه لبعض الطوارئ فالظاهر وجوب الصبر عليه مع الاُجرة،

188

إلّاأن يتضرّر المالك فيجب على المستأجر قلعه.

(مسألة: 71) خراج الأرض المستأجرة إذا كانت خراجيّةً على المالك(1). نعم، إذا شرط أن تكون على المستأجر صحّ على الأقوى.

(مسألة: 72) لا بأس بأخذ الاُجرة على ذكر مصيبة سيّد الشهداء(عليه السلام) وفضائل أهل البيت(عليهم السلام) والخطب المشتملة على المواعظ ونحو ذلك ممّا له فائدة عقلائيّة دينيّة أو دنيويّة.

(مسألة: 73) يجوز الاستئجار للنيابة عن الأحياء والأموات في العبادات التي تشرع فيها النيابة دون ما لا تشرع فيه، كالواجبات العباديّة مثل الصلاة والصيام عن الأحياء، وتجوز عن الأموات، وكذا لا تجوز الإجارة على تعليم الحلال والحرام وتعليم الواجبات مثل الصلاة والصيام وغيرهما ممّا كان محلّ الابتلاء، أ مّا إذا لم يكن محلّ الابتلاء ففيه إشكال، وكذا لا يجوز أخذ الاُجرة على تغسيل الأموات وتكفينهم ودفنهم. نعم، الظاهر أنّه لا بأس بأخذ الاُجرة على حفر القبر على نحو خاصٍّ من طوله وعرضه وعمقه، أ مّا أخذ الاُجرة على مسمّى حفر القبر اللازم فلا يجوز ولا تصحّ الإجارة عليه(2).

(مسألة: 74) إذا بقيت اُصول الزرع في الأرض المستأجرة للزراعة فنبتت: فإن أعرض المالك عنها فهي لمن سبق إليها، بلا فرق بين مالك الأرض وغيره. نعم، لا يجوز الدخول في الأرض إلّا بإذنه. وإن لم يعرض عنها فهي له.



(1) لعلّ المراد بالمالك من اُعطي الحقّ في منافع الأرض الخراجيّة من قبل وليّ الأمر، أو الذي تسيطر على قطعة خراجيّة في عصر الغيبة بحكم أخبار التحليل.

(2) نحن نرى صحّة الإجارة في جميع هذه الواجبات الكفائيّة من قبل المنتفع، ويُصبح العمل بالنسبة للأجير واجباً عينيّاً زائداً على الوجوب الكفائي الثابت على الكلّ.

189

(مسألة: 75) إذا استأجر شخصاً لذبح حيوان فذبحه على غير الوجه الشرعيّ فصار حراماً ضمن، وكذا لو تبرّع بلا إجارة فذبحه كذلك.

(مسألة: 76) إذا استأجر شخصاً لخياطة ثوب معيَّن لا بقيد المباشرة جاز لغيره التبرّع عنه فيه، وحينئذ يستحقّ الأجير الاُجرة المسمّاة لا العامل(1)، وإذا خاطه غيره لا بقصد النيابة عنه بطلت الإجارة(2) واستحقّ الخائط على المالك اُجرة المثل إن خاط بأمره، وكذا إذا كان قد استأجره ثانياً للخياطة فإنّ الإجارة الثانيةباطلة ويكون للخائط اُجرة المثل(3)، وإن خاط بغير أمره ولا إجازته لم يستحقَّ



(1) هذا إذا كان مورد الإجارة العمل في الذمّة.

وأمّا إذا كان مورد الإجارة العمل الخارجيّ، فقد انفسخت الإجارة بعدم صدور ذلك العمل الخارجيّ منه، وكذلك إذا كان مورد الإجارة العمل الخارجيّ ولكن بنحو لا يختصّ بالمباشرة، ويشمل التسبيب، فلم تصدر منه المباشرة ولا التسبّب.

(2) إلّا إذا استند عمل الغير إلى المالك بأمر أو إجارة؛ لأنّ هذا يعدّ استيفاءً للعمل المستأجر عليه؛ إذ كانت الإجارة لا بقيد المباشرة، فللأجير الاُجرة المسمّاة.

فإن لم يكن ذلك بتسبّب من المالك، انفسخت الإجارة بتلف العمل المستأجر عليه قبل قبضه. هذا إذا كان مورد الإجارة العمل الخارجيّ.

أمّا إذا كان مورد الإجارة العمل في الذمّة، فلا معنى للانفساخ.

وعندئذ فلو كانت الخياطة بتسبيب من المالك، جاء ما قلناه أيضاً: من أنّ هذا استيفاء، فالأجير يستحقّ الاُجرة المسمّاة.

ولو لم تكن بتسبّب من المالك ولا من الأجير، انفسخت الإجارة بتلف العمل المستأجر عليه كما قلناه.

ولو كانت بتسبيب من الأجير، فللمستأجر خيار الفسخ، فإن فسخ رجعت إليه الاُجرة المسمّاة، وإن لم يفسخ ضمّن الأجير اُجرة المثل، فلو أعطاها للمستأجر استحقّ على المستأجر المسمّاة.

(3) بل الإجارة الثانية صحيحة، وللخائط الاُجرة المسمّاة كما أفاده اُستاذنا الشهيد(رحمه الله).

190

عليه شيئاً وإن اعتقد أنّ المالك أمره بذلك.

(مسألة: 77) إذا استأجره ليوصل متاعه إلى بلد كذا في مدّة معيّنة فسافربالمتاع وفي أثناء الطريق حصل مانع عن الوصول بطلت الإجارة، وإذاكان المستأجر عليه نفس إيصال المتاع لم يستحقَّ شيئاً، وإن كان مجموعالسفر وإيصال المتاع على نحو تعدّد المطلوب استحقّ من الاُجرة بنسبة ما حصل من قطع المسافة إلى مجموع المستأجر عليه(1)، أ مّا إذا كان على نحو وحدة المطلوب فالأظهر استحقاقه شيئاً، لكنّ في صحّة الفرض نظراً(2).

(مسألة: 78) إذا كان للأجير الخيار في الفسخ لغبن أو تخلّفِ شرط أو وجودِ عيب أو غيرها: فإن فسخ قبل الشروع في العمل فلا شيء له، وإن كان بعد تمام العمل كان له اُجرة المثل، وإن كان في أثنائه استحقّ بمقدار ما أتى به من اُجرة المثل، إلّا إذا كان مجموع العمل ملحوظاً بنحو وحدة المطلوب كما إذا استأجره على الصلاة أو الصيام، فإنّه لو فسخ في الأثناء لم يكن له شيء، وكذا إذا كان الخيار للمستأجر ويحتمل أنّه إذا كان المستأجر عليه ـ وهو المجموع ـ على نحو وحدة المطلوب ففسخ المستأجر في الأثناء، كما إذا استأجره على الصلاة ففسخفي أثنائها يستحقّ بمقدار ما عمل من اُجرة المثل(3).



(1) هذا لو فرض انحلال الغرض المعامليّ بلحاظ جميع أجزاء السفر.

(2) الصحيح: ما أفاده اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): من أنّه كلّما كان اجتماع أبعاض العمل وتلاحق أجزائه مقوّماً للغرض المعامليّ منه لم يكن ما وقع من البعض مضموناً، لا بجزء من المسمّى ولا باُجرة المثل، وهذا هو معنى وحدة المطلوب.

(3) لم أهتدِ إلى دليل معقول لهذا الاستحقاق.

نعم، لو كان برغم وقوع الاستيجار ـ على نحو وحدة المطلوب ـ قد استفاد المستأجر من العمل بقدره، كان ضمان اُجرة المثل بمقدار العمل أمراً معقولاً.

191

(مسألة: 79) إذا استأجر عيناً مدّةً معيّنةً ثمّ اشتراها في أثناء المدّة فالإجارة باقية على صحّتها، وإذا باعها في أثناء المدّة ففي تبعيّة المنفعة للعين وجهان، أقواهما ذلك(1).

(مسألة: 80) تجوز إجارة الأرض مدّةً معيّنةً بتعميرها داراً أو تعميرها بستاناً بكري الأنهار، وتنقية الآبار، وغرس الأشجار، ونحو ذلك، ولا بدّ من تعيين مقدار التعمير كمّاً وكيفاً.

(مسألة: 81) تجوز الإجارة على الطبابة ومعالجة المرضى، سواء أكانت بمجرّد وصف العلاج أم بالمباشرة، كجبر الكسير، وتضميد القروح والجروح، ونحو ذلك، وتجوز المقاطعة عليه بقيد البرء إذا كانت العادة تقتضي ذلك، كما في سائر موارد الإجارة على الأعمال الموقوفة على مقدّمات غير اختياريّة للأجير وكانت توجد عادةً عند إرادة العمل(2).

(مسألة: 82) إذا أسقط المستأجر حقّه من العين المستأجرة لم يسقط وبقيت المنفعة على ملكه(3).

(مسألة: 83) لا يجوز في الاستئجار للحجِّ البلديّ أن يستأجر شخصاًمن بلد



(1) أي: أنّه لو استأجر عيناً مدّة معيّنة ثمّ اشتراها في أثناء المدّة وبعد ذلك باعها في أثناء المدّة، فالأقوى تبعيّة المنفعة للعين؛ لأنّ امتلاكه للمنفعة قبل امتلاكه للعين لا يعني عدم تبعيّة المنفعة للعين في الانتقال إلى المشتري.

(2) وإلّا خرج العمل المستأجر عليه عن تحت القدرة.

(3) لو كان مورد الإجارة المنفعة الخارجيّة ـ كما هو ظاهر العبارة ـ فإسقاط المنفعة الخارجيّة وإن كان لا معنى له، لكن يمكنه هبتها إلى المؤجر، فإن قلنا باشتراط الهبة بالقبض، أمكن قبضها بقبض العين، فيرجع المستأجر العين إلى المؤجر، أمّا لو كان مورد الإجارة المنفعة في الذمّة، فقابليّة ما في الذمّة للإسقاط واضح.

192

الميّت إلى النجف مثلا، وآخر من النجف إلى المدينة، وثالثاً منالمدينة إلى مكّة، بل لا بدّ من أن يستأجر من يسافر من البلد بقصد الحجّ إلىأن يحجّ.

(مسألة: 84) إذا استؤجر للصلاة عن الحيِّ أو الميّت فنقص بعض الأجزاء أو الشرائط غير الركنيّة: فإن كانت الإجارة على الصلاة الصحيحة كما هو الظاهر عند الإطلاق استحقّ تمام الاُجرة، وكذا إن كانت على نفس الأعمال المخصوصة وكان النقص على النحو المتعارف، وإن كان على خلاف المتعارف نقص من الاُجرة بمقداره.

(مسألة: 85) إذا استؤجر لختم القرآن الشريف فالأحوط الترتيب بين السور، بل الظاهر لزوم الترتيب بين آيات السور وكلماتها، وإذا قرأ بعض الكلمات غلطاً والتفت إلى ذلك بعد الفراغ من السورة أو الختم: فإن كان بالمقدار المتعارف لم ينقص من الاُجرة شيء، وإن كان بالمقدار الغير المتعارف ففي إمكان تداركه بقراءة تلك الكلمة صحيحةً إشكال، والأحوط للأجير أن يُرجِع من الاُجرة بمقدار الغلط(1).

(مسألة: 86) إذا استؤجر للصلاة عن زيد فاشتبه وصلّى عن عمرو: فإن كان على نحو الخطأ في التطبيق بأن كان مقصوده الصلاة عمّن استؤجر للصلاة عنه فأخطأ في اعتقاده أنّه عمرو(2) صحَّ عن زيد واستحقّ الاُجرة، وإن كان على نحو آخر لم يستحقَّ الاُجرة ولم يصحَّ عن زيد.

(مسألة: 87) الموارد التي يجوز فيها استئجار البالغ للنيابة في العبادات يجوز فيها أيضاً استئجار الصبيّ(3)، والله سبحانه العالم.



(1) إن رضي المستأجر بذلك، وإلّا فالأحوط للأجير إعادة القراءة من محلّ الغلط إلى آخر القرآن.

(2) التعبير الصحيح أن يقال: فأخطأ في تسميته بعمرو.

(3) كفاية ذلك خلاف الاحتياط.

193

المعاملات

4

 

 

 

كتاب

المزارعة والمساقاة

 

 

○  المزارعة.

○  المساقاة.

195

 

 

 

 

 

وهما عقدان لازمان(1) لا يبطلان إلّا بالتقايل، أو بفسخ أحدهما إن كان



(1) لا ينبغي الإشكال في أنّ المزارعة والمساقاة بالمعنى المألوف لدى الفقهاء عقدان لازمان.

نعم، لو صدر من مالك الأرض مجرّد إذن للعامل بالزرع أو السقي قابل للعدول، وضمن له ـ على تقدير العمل ـ حصّة من الزرع أو الثمرة، ثمّ عدل عن ذلك قبل شروع العامل في العمل، فقد انتهى الإذن، ولا شيء عليه.

ولو جعلها إذنيّة حتّى بالنسبة لما بعد الشروع وكان له العدول في أثناء العمل، فعدل في الأثناء: فلوكان جُعله انحلاليّاً، استحقّ الجُعل المسمّى بنسبة مقدار عمله، ولو كان مجموعيّاً استحقّ المثل بمقدار عمله بشرط أن لا يكون المثل أكثر من المسمّى، وإلّا فالعامل هو الذي أهدر قيمة عمله بمقدار الزيادة.

أمّا لو عدل العامل عن عمله في أثناء العمل وكان الجُعل مجعولاً بشكل مجموعيّ، لم يستحقّ العامل شيئاً.

ولو لم يعدل المالك، لا قبل العمل ولا في أثناء العمل، ولكنّه مات في أثناء العمل، فقد انتهى الإذن بموته، ورجع العامل إلى قيمة المثل بنسبة عمله، وأخذها من أصل التركه بشرط أن لا يكون المثل أكثر من المسمّى، وإلّا فقد أهدر هو الزيادة بإقدامه على المسمّى.

هذا. وأفاد اُستاذنا (رضوان الله عليه): أنّ المزارعة إذا كانت عقديّة لا إذنيّة، فلا تنفسخ

196

للفاسخ الخيار.

وفيه فصلان:

 

الفصل الأوّل في المزارعة:

ولا بدّ فيها من الإيجاب والقبول الدالَّين على المعاملة على الأرض بحصّة من حاصلها(1).



بموت أحدهما، فإذا مات مالك الأرض، قام الوارث مقامه، وإذا مات الزارع ولم تكن المزارعة مقيّدة بمباشرته للعمل، استؤجر من تركته من يكمل عمله، وما يوازي قيمة العمل يبقى ديناً على صاحب الأرض للزارع الميّت، وبإنجاز العمل من قبل وصيّ الميّت أو بإذن وليّه العامّ يستحقّ الحصّة، وتنتقل إلى وارثه.

أقول: كأنّ اُستاذنا الشهيد بان على أنّ حقيقة المزارعة عبارة عن إيجار صاحب الأرض أرضه للعامل بحصّة من حاصلها، ولذا لم يعلّق(رحمه الله) على ما ورد في المتن بعد أسطُر من قول الماتن: «لا بدّ فيها من الإيجاب والقبول الدالَّين على المعاملة على الأرض بحصّة من حاصلها»، فإنّ هذه العبارة ظاهرها أنّ الزارع قد استأجر الأرض بحصّة من حاصلها، ولم يعلّق اُستاذنا على هذا الظاهر بشيء. وطبعاً قد حُقِّق في محلّه أنّ الإجارة لا تبطل بموت المستأجر، وأمّا موت المؤجر فمقتضى القاعدة أنّه أيضاً لا يبطل الإجارة.

نعم، قد يستشكل في ذلك بسبب رواية إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ(1)، لكنّها لا تخلو من مناقشة سنداً ودلالةً.

(1) يصحّ أن يكون الإيجاب والقبول لفظيّين، ويصحّ أن يكونا فعليّين.


(1) الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 25 من الإجارة، ص 136 ـ 137.

197

 



ولا بأس بالحديث هنا عن حقيقة المزارعة، فنقول:

يمكن تفسير المزارعة باستيجار الأرض من قبل الزارع بحصّة من حاصلها، ويمكن تفسيرها بصيرورة الزارع أجيراً لمالك الأرض بحصّة من حاصلها، ويمكن تفسيرها بالمشاركة بينهما برأسي المال، فيشتركان في ناتج الأرض بالحصّة المتّفق عليها بينهما، من دون أن يكون أحدهما مستأجراً أو أجيراً، وكلّ هذه الأقسام عقلائيّة، فعلى الأقلّ يكفي إطلاق ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾لتصحيحها جميعاً.

فلو فرضنا أنّ الزارع أجير لصاحب الأرض، فمقتضى القاعدة انفساخ الإجارة بموت الأجير.

ولو فرضناها عبارة عن المشاركة في الحاصل برأسي المال، فإذا مات أحدهما ولم تدم المشاركة في رأس المال، فمقتضى القاعدة انفساخ المشاركة من حين انسحاب رأس المال من المشاركة.

ولو فرضناها عبارة عن استيجار الأرض من قبل الزارع، فقد قلنا: إنّه لا ينفسخ بموت أيّ واحد منهما.

أمّا ما هو الواقع في المصطلح الروائيّ للمزارعة؟ فيمكن القول بأنّه المشاركة برأسي المال للاشتراك في الحاصل بالنسبة المتّفق عليها، والاستشهاد لذلك بصحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبدالله(عليه السلام): «قال:... وسألته عن المزارعة، فقال: النفقة منك، والأرض لصاحبها، فما أخرج الله من شيء قسّم على الشطر، وكذلك أعطى رسول الله(صلى الله عليه وآله)خيبر حين أتوه، فأعطاهم إيّاها على أن يعمّروها ولهم النصف ممّا أخرجت»(1). وصحيحه


(1) الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 10 من المزارعة والمساقاة، ح 2، ص 45.

198

ويجب فيها اُمور(1):



الآخر: «قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام)عن المزارعة، فقال: النفقة منك والأرض لصاحبها، فما أخرج الله من شيء قسّم على الشرط، وكذلك قبّل رسول الله(صلى الله عليه وآله) خيبر ما أخرجت...»(1).

والصحيح: أنّ تفسير المزارعة بالمشاركة بالشكل الذي أشرنا إليه وإن كان هو الظاهر من هاتين الصحيحتين، ولكن هناك روايات صريحة في تفسيرها بإجارة الأرض من قبل الزارع مع التحصيص المفترض بينهما في الناتج، فيحمل الظاهر على الصريح.

لاحظ موثّقة أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام): «قال: لا تستأجر الأرض بالتمر، ولا بالحنطة، ولا بالشعير، ولا بالأربعاء، ولا بالنطاف. قلت: وما الأربعاء؟ قال: الشرب. والنطاف فضل الماء. ولكن تقبّلها بالذهب والفضّة، والنصف والثلث والربع»(2).

أمّا المساقاة فالمفهوم عرفاً منها أنّ الساقي عامل أجير لدى صاحب الأرض.

هذا. ومصداق المساقاة وارد في صحيح إبراهيم الكرخيّ(3)، وإنّما عبّرنا عنه بالصحيح؛ لأنّ إبراهيم الكرخيّ قد روى عنه الأزديّ والبجليّ، وفي صحيح يعقوب بن شعيب(4)، وفي روايات معاملة رسول الله(صلى الله عليه وآله) في أرض خيبر مزارعةً ومساقاةً مع الذين جعل الأرض تحت أيديهم(5).

(1) كما يجب اجتماع الشرائط الاُخرى المشتركة بين المعاملات المألوفة: من بيع


(1) الوسائل، ج 18 من تلك الطبعة، ب 10 من بيع الثمار، ح 5، ص 233.

(2) الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 26 من الإجارة، ص 138، وراجع أيضاً صحيح أبي المغرا، نفس المجلّد، ب 16 من المزارعة والمساقاة، ح 7، ص 55.

(3) الوسائل، ج 19 من تلك الطبعة، ب 10 من تلك الأبواب، ح 1، ص 45.

(4) نفس المجلّد، ب 9 من تلك الأبواب، ح 2، ص 44.

(5) راجع الوسائل، نفس المجلّد ب 8 و 9 و 10 من المزارعة والمساقاة.