116

مسألة 12: يجب تقليد الأعلم مع الإمكان على الأحوط ويجب الفحص عنه(1).


تقليد الأعلم

(1) نحن نفترض أوّلاً أنّ المقلَّد شَخَّصَ الأعلم وأنّه عرف الخلاف بينه وبين غير الأعلم فهل يجب عليه تقليد الأعلم أو لا؟

تارة نفترض أنّ المقلّد هو الذي يريد أن يشخّص وظيفته في التقليد باعتبار أنّ التقليد في أصل التقليد لا معنى له، وعندئذٍ إن قطع بجواز أصل التقليد له لأحدهما وتردّد بين التعيين والتخيير كان عليه _ إحرازاً لفراغ الذمّة _ أن يقلّد الأعلم في أصل جواز تقليد غير الأعلم، فإن سمح له الأعلم بذلك صحّ له أن يقلّد غير الأعلم إن شاء، وإن أوجب عليه تقليد الأعلم بقي على تقليد الأعلم في سائر أعماله. وإن لم يقطع بجواز ذلك واحتمل وجوب الاحتياط ولو بالأخذ بأحوط القولين احتاط أيضاً بتقليد الأعلم في أصل جواز تقليد الأعلم.

وأُخرى نفترض أنّ المقلّد رجع إلی مجتهد في وجوب تقليد الأعلم وعدمه وثوقاً به واعتماداً عليه، فعندئذٍ يقع على عاتق هذا المجتهد

117

تمييز ماذا ينبغي له أن يفتي به، هل يفتي بوجوب تقليد الأعلم أو لا؟

وهنا نقول: تارةً نبحث المسألة بناءً على أصالة التساقط في فرض التساوي، وأُخرى بناءً على التخيير في فرض التساوي.

أمّا بناءً على التساقط لدى التساوي فتارة نفترض أنّ دليلنا على أصل التقليد هو الارتكاز، وأُخرى نفترض أنّ دليلنا على أصل التقليد هو الدليل اللفظي.

أمّا بناءً على الارتكاز فبعد فرض التساقط في الارتكاز لدى التساوي لا يكون مجرّد الأعلمية ولو بمقدار ضئيل منجياً لفتواه عن التساقط في الارتكاز، وإنّما الذي ينجي فتواه عن التساقط في الارتكاز إذا كانت أعلميّته وترجيحه على غير الأعلم بفاصل كبير ملحوظ بحيث يفترض أنّه بتزاحم رأيه مع رأي غير الأعلم يكون رأي غير الأعلم هو الذي يسقط عن الكاشفية ورأي الأعلم يبقى على الكاشفية بالمستوى المألوف لأدنى درجات الاستنباط غير المبتلى بالمعارض؛ وذلك بأن يكون الفاصل في الفقه والفهم بين الأعلم وغير الأعلم بمقدار كاف لصدق الاجتهاد لو كان هذا الفاصل فحسب موجوداً في أحد.

وأمّا بناءً على الدليل اللفظي للتقليد، فإن آمنّا بالارتكاز أيضاً وكان للارتكاز جانب سلبي مانع عن التخيير لدى التساوي فهنا

118

يأتي عين ما شرحناه من أنّ الأعلمية المختصرة لا تنجي فتواه عن التساقط؛ لأنّ الارتكاز في هذا الفرض أيضاً يوجب التساقط، وظهور الدليل اللفظي أيضاً يكون محكوماً للارتكاز، وإنّما الذي يوجب إنقاذ فتواه من التساقط لدى الارتكاز العقلائي هو الفاصل الكبير في الفقه وفهم الأحكام.

أمّا إذا لم يفرض للارتكاز جانب سلبي أو لم نكن نؤمن بالارتكاز وكان دليلنا على التقليد هو الدليل اللفظي فحسب فهنا قد يتصوّر أنّ الفارق المختصر بين الأعلم وغيره كافٍ لوجوب تقليد الأعلم؛ وذلك لأنّ سقوط فتوى غير الأعلم قطعي على كلا الفرضين، أعني فرض التساقط وفرض ترجيح رأي الأعلم، فيصبح رأي الأعلم بمنجىً عن مشكلة التعارض، وهو غير مقطوع السقوط؛ لمكان احتمال الترجيح على الأقلّ، فنتمسّك لإثبات حجّيته بإطلاق الدليل.

إلّا أنّ الظاهر أنّ هذا البيان غير صحيح؛ فإنّ هذا التقريب المقتضب يجب أن يرجع إلى أحد بيانات ثلاث كلّها غير صحيحة:

البيان الأوّل: أن يفترض أنّ الدليل اللفظي قد انعقد له الظهور في الحجّية بالنسبة لكلتا الفتويين. وعندئذٍ نقول: إنّ ظهوره في الحجّية بالنسبة لفتوى الأعلم ساقط عن الحجّية يقيناً، وظهوره في الحجّية

119

بالنسبة لفتوى الأعلم غير معلوم السقوط فنأخذ في ذلك بقانون حجّية الظهور.

إلّا أنّ هذا البيان واضح البطلان؛ بداهة عدم انعقاد الظهور في الحجّية لكلا الرأيين المتضادّين؛ لأنّ عدم إمكان حجّية كلا الرأيين المتضادّين ارتكازي ارتكازاً كالمتّصل؛ وذلك مانع عن انعقاد الظهور.

البيان الثاني: أن يقال: إنّ أصل ظهور دليل التقليد لفتوى غير الأعلم مقطوع السقوط، سواء كان ذلك على فرض التعارض والتساقط أو على فرض ترجيح فتوى الأعلم، وعليه فظهور دليل التقليد في حجّية فتوى الأعلم قد نجی من المعارض الداخلي، فلا مبرّر لسقوطه، فيبقى دالّاً على حجّية فتوى الأعلم.

إلّا أنّ هذا البيان أيضاً غير صحيح؛ وذلك لأنّ سقوط ظهور الدليل بلحاظ فتوى غير الأعلم لم يكن بسبب وضوح نكتة تخصّها، بل كان بسبب وضوح الجامع بين ما يخصّها وهو مرجوحيّتها وما يعمّها ويعمّ الفتوى الأُخرى، وهو التمانع في الحجّية، وبما أنّ أحد فردي هذا الجامع يشمل فتوى الأعلم أيضاً فلا محالة يسري الإجمال إلى إطلاق الدليل لفتوى الأعلم أيضاً.

البيان الثالث: أن يقال: إنّ ظهور الدليل في حجّية كلّ من الفتويين

120

على الإطلاق وإن كان ساقطاً بالتعارض لكن ظهوره في حجّية كلّ واحدة من الفتويين على تقدير عدم حجّية الأُخرى ثابت على حاله، وبذلك تحصل لنا قضيّتان شرطيّتان:

الأُولى: أنّ فتوى زيد مثلاً حجّة على تقدير عدم حجّية فتوى عمرو.

والثانية: أنّ فتوى عمرو مثلاً حجّة على تقدير عدم حجّية فتوى زيد.

والشرط في القضية الشرطية بلحاظ الأعلم محرز؛ للقطع بعدم حجّية فتوى غير الأعلم إمّا لسقوطها وحدها أو لسقوط المتعارضين، فالمشروط أيضاً محرز، وهو حجّية فتوى الأعلم.

وهذا البيان أيضاً غير صحيح؛ وذلك لأنّ القضية الشرطية المستفادة في المقام ليست هي حجّية فتوى الأعلم على كلّ تقادير سقوط فتوى غير الأعلم حتّى تقدير سقوطه بالتمانع، بل هي حجّية فتوى الأعلم على تقدير مانع عن الحجّية خاصّ بفتوى غير الأعلم، وهذا التقدير غير محرز.

إذاً فحتّى بناءً على الدليل اللفظي أيضاً لا نستطيع أن نثبت حجّية رأي الأعلم على الإطلاق.

نعم، لو كان الفاصل بين الأعلم وغير الأعلم كبيراً بنحو كان يوجب

121

سقوط رأي غير الأعلم عن الكاشفية وعدم سقوط رأي الأعلم عن الكاشفية، وذلك بفرضيّة أنّ مقدار الترجيح كان بنفسه بقدر ملاك الاجتهاد الكامل، فعندئذٍ لا إشكال في أنّ دليل التقليد يكون منصرفاً إلى رأي الأعلم.

هذا كلّه بناءً على الإيمان بالتساقط لدى التساوي.

وأمّا بناءً على التخيير لدى التساوي، فإن كان دليل التخيير هو الارتكاز الممضى بعدم الردع أو المحقَّق لظهور الدليل اللفظي في التخيير فالظاهر أنّ هذا الارتكاز يشمل فرض الفاصل المختصر بين الأعلم وغير الأعلم. نعم، لا شكّ في أنّه لا يشمل فرض الفاصل الكبير بينهما الذي يوجب سقوط خصوص فتوى غير الأعلم عن الكاشفية دون الأعلم.

وإن كان دليل التخيير هو فرض الإطلاق البدلي للدليل اللفظي لحجّية فتوى الفقيه أو الدليل اللفظي الوارد في الأخبار العلاجية فأيضاً يكون هذا الدليل ثابتاً لدى فرض الفاصل المختصر بينهما، ويثبت التخيير عندئذٍ رغم الأعلمية المختصرة، أمّا مع الفاصل الكبير بالنحو الذي أشرنا إليه فالإطلاق منصرف عن فتوى غير الأعلم إلى فتوى الأعلم لا محالة.

122

ثم إنّ هناك طريقاً آخر لتعيين الأعلم للتقليد ولو كانت الأعلمية بدرجة مختصرة، إلّا أنّ هذا الطريق مبتن على مبان قد ظهر من بحثنا بطلانها، فيكون هذا الطريق في الحقيقة فرضاً في فرض. وحاصله أن يفترض أوّلاً: قيام دليل لبّي لدى التساوي على عدم التساقط من إجماع أو ارتكاز أو نحو ذلك، وثانياً عدم وجود دليل لفظي على التخيير لدى تعارض الفتويين، وثالثاً عدم وضوح الارتكاز على التخيير إمّا مطلقاً أو في خصوص ترجيح أحدهما في العلم، وبعد كلّ هذا يصبح الأمر لدى أعلميّة أحدهما دائراً بين التعيين والتخيير، وبما أنّ أصل التكاليف منجّزة سابقاً إمّا بالعلم الإجمالي أو بالشكّ قبل الفحص فالأصل هو التعيين، أعني وجوب تقليد الأعلم.

هذا تمام الكلام وفق القواعد في فرض معرفة الأعلم ومعرفة الاختلاف في الفتوى.

أمّا لو عرفنا الاختلاف في الفتوى ولم نعرف فرض الأعلمية فبناءً على التساقط لدى التساوي يجب الفحص عن الأعلم أو الأخذ بأحوط الأقوال؛ إذ بدون ذلك لا يحرز العمل بالحجّة، لأنّ المفروض هو التساقط لو كانوا متساوين.

وبناءً على التخيير يكون الشكّ في الأعلمية بدرجة توجب

123

الترجيح مساوقاً للشكّ في المعارض؛ لأنّ فتوى المساوي ليست معارضة في الحجّية، لأنّنا فرضنا التخيير وقد مضى أنّ الفحص عن المعارض في باب الأمارات لو لم يفترض علم إجمالي بوجود المعارض غير واجب.

وأمّا لو لم نعرف الاختلاف في الفتوى ولو بعلم إجمالي فحتّى لو عرفنا بوجود الأعلمية بالدرجة التي توجب الترجيح لدى الاختلاف بل وحتّى لو عرفنا الأعلم بالذات لم تسقط فتوى غير الأعلم عن الحجّية؛ لأنّ مجرّد احتمال المعارض لا يسقط الأمارة عن الحجّية.

هذا. وقد تحصّل بكلّ ما ذكرناه حتّى الآن: أوّلاً: أنّ الأعلمية إنّما يثبت لها الأثر في إبطال التساقط أو إبطال التخيير لو كانت بفاصل كبير ملحوظ، أمّا لو كانت بفاصل مختصر فلا أثر لها ما دمنا نمشي في البحث وفق القواعد العامّة. وثانياً: أنّه مع عدم معرفة وجود الأعلم أو عدم معرفة الاختلاف لا يجب الفحص. نعم، مع فرض معرفة الاختلاف والعلم الإجمالي بوجود الأعلمية بالمقدار الذي يوجب الترجيح يجب الفحص أو الاحتياط بالأخذ بأحوط الأقوال.

ولكن كلّ هذا إنّما أتممناه وفق القواعد العامّة.

وفي المقابل قد يدّعى ورود بعض النصوص الخاصّة الدالّة على

124

لزوم اتّباع الأعلم، فلو تمّ ذلك فقد يثبت به أوّلاً: أنّ الأعلمية المختصرة أيضاً واجبة الاتّباع؛ وذلك تمسّكاً بإطلاق دليل شرط الأعلمية. وثانياً: أنّ الفحص عنه واجب لدى الشكّ في الأعلمية؛ لأنّ الحجّية اختصّت به فيما بين المتعارضين. وإليك بعض تلك النصوص:

1_ مقبولة عمر بن حنظلة التي ورد فيها قوله(علیه السلام): «الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر».

2_ ما عن داود بن الحصين بسند تام عن الصادق(علیه السلام) وفيه: «ينظر إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا وأورعهما فينفذ حكمه ولا يلتفت إلى الآخر».

3_ ما عن موسى بن أكيل عن أبي عبدالله(علیه السلام) وفيه: «ينظر إلى أعدلهما وأفقههما في دين الله، فيمضي حكمه» . وفي السند ذبيان بن حكيم.

4_ ما في عهد الإمام(علیه السلام) إلى مالك الأشتر: «ثم اختر للحكم بين


(1) وسائل الشيعة، ج27، ص106، الباب9 من أبواب صفات القاضي، ح1.

(2) المصدر السابق، ص113، ح20.

(3) المصدر السابق، ص123، ح45.

125

الناس أفضل رعيّتك في نفسك».

5_ مرسلة الاختصاص قال رسول الله؟ص؟: «من تعلّم علماً ليماري به السفهاء، أو ليباهي به العلماء، أو يصرف به الناس إلی نفسه يقول: أنا رئيسكم فليتبوّء مقعده من النار، إنّ الرئاسة لا تصلح إلّا لأهلها، فمن دعا الناس إلى نفسه وفيهم من هو أعلم منه لم ينظر الله إليه يوم القيامة».

6_ مرسلة تحف العقول عن الصادق(علیه السلام): «من دعا الناس إلى نفسه وفيهم من هو أعلم منه فهو مبتدع ضالّ».

7_ ما روي عن رسول الله؟ص؟: «من تقدّم على قوم من المسلمين وهو يرى أنّ فيهم من هو أفضل منه فقد خان الله ورسوله والمسلمين».

8_ مرسلة عيون المعجزات عن الإمام الجواد(علیه السلام) مخاطباً لعمّه عبدالله بن موسى حينما أجاب على أسئلة القوم بغير الصحيح:


(1) نهج البلاغة، ص434، الرسالة 53.

(2) بحار الأنوار، ج2، ص110، الباب 15 من كتاب العلم، ح16.

(3) تحف العقول، ص375.

(4) تمهید الأوائل وتلخيص الدلائل، ص104.

126

«يا عمّ، عظيم عند الله أن تقف غداً بين يديه فيقول لك: لِمݧَ تفتي عبادي بما لم تعلم وفي الأُمّة من هو أعلم منك؟».

9_ ما روي عن أبي عمر زاذان من كلام للحسن(علیه السلام) جواباً لمعاوية وفيه: «وأُقسم بالله لو أنّ الناس بايعوا أبي حين فارقهم رسول الله؟ص؟ لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها، وما طمعتَ فيها يا معاوية، فلمّا خرجت من معدنها تنازعتها قريش بينها، فطمعت فيها الطلقاء وأبناء الطلقاء، أنت وأصحابك، وقد قال رسول الله(علیه السلام): ما ولّت أُمّة أمرها رجلاً وفيهم من هو أعلم منه إلّا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتّى يرجعوا إلى ما تركوا...».

وسند الحديث ما يلي: أمالي الطوسي عن جماعة عن أبي المفضّل عن عبدالرحمن بن محمد بن عبيدالله العرزمي عن أبيه عن عمّار أبي اليقظان عن أبي عمر زاذان قال: «لمّا وادع الحسن بن علي(علیه السلام): معاوية...»، وهذا السند ضعيف من عدّة جهات، فأبو المفضّل الشيباني مضعّف من قبل الأصحاب، ومحمد بن عبيدالله العرزمي لم يوثّق، وعمّار أبو اليقظان إن كان هو الأسدي فلا توثيق له، وإن كان هو الساباطي فهو موثّق.


(1) بحار الأنوار، ج50، ص100، الباب5 من أبواب تاریخ الإمام التاسع و...، ح12.

(2) المصدر السابق، ج44، ص63، الباب 19 من أبواب ما يختص بالإمام الزکي، ح12.

127

10_ ما عن علي(علیه السلام) في نهج البلاغة: «إنّ أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به...».

11_ ما عن علي(علیه السلام) في نهج البلاغة: «أيّها الناس إنّ أحقّ الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه...».

والظاهر أنّ هذه الروايات عدا الروايات الأربعة الأُولى راجعة إلى الإمامة أو الولاية، وإسراء مفادها إلى التقليد بما هو مجرّد الرجوع إلى أهل الخبرة في الفتاوى الفقهية لا مبرّر له.

والروايات الثلاث الأُولى واردة في الترافع لدى حاكمين واختلافهما في الحكم، فمن المحتمل أنّ الترجيح الوجوبي بالأعلمية مثلاً كان لأجل الوصول إلى فصل النزاع؛ إذ لولا هذا الترجيح لبقي النزاع قائماً، ولا مبرّر للتعدّي إلى المقام.

والرواية الرابعة واردة في القضاء، ولا أظنّ أنّ المقصود بأفضل الرعيّة أفضلهم في العلم بالفقه، بل الظاهر أنّ المقصود أفضلهم من حيث مجموع الكمالات المؤثّرة في باب القضاء، من العلم والموضوعية في القضاء، والصبر والحلم أمام مشاكل القضاء،


(1) نهج البلاغة، ص484، الحكمة 96.

(2) المصدر السابق، ص247، الخطبة 17.

128

والورع والتقوى ونحو ذلك. ومن المحتمل أن يكون إصدار هذا التكليف من قبل أمير المؤمنين(علیه السلام) إلى مالك الأشتر حكماً ولائيّاً عليه، لا إفتاءً فقهيّاً يتعدّى من مورده إلى باب التقليد بمثل دعوى عدم احتمال الفرق.

وفي ختام هذا البحث لا بأس بالإشارة إلى أمرين:

الأمر الأوّل: شورى الإفتاء

قد يقصد بشورى الإفتاء مجرّد التشاور والتباحث في الإفتاء؛ لأجل تلاقح الأفكار شبيهاً بما هو متعارف في زماننا ممّا يسمّى بجلسة الاستفتاء، ثم ينفصل أحدهم عن الآخر بالحصيلة التي اقتنع بها ويتّبعه مقلَّدوه، في حين أنّ المألوف في جلسة الاستفتاء المتعارفة اليوم هو أنّ المقلَّد واحد والآخرون أقمار له يساعدونه على تهيئة الفتاوى.

والشورى بهذا المعنى ليست بحاجة إلى بحث جديد.

وقد يقصد بشورى الإفتاء تحقيق الفتاوى وكتب الرسالة العملية مثلاً على شكل تسجيل رأي الأكثريّة، وهذا يبدو أنّه ليس أمراً واجباً؛ فإنّ أدلّة التقليد أثبتت الحجّية لرأي الفقيه الفرد بوصفه من أهل

129

الخبرة، ولكن يقع الكلام في جواز ذلك وعدم جوازه، أي هل يكفي التقليد من هيئة شورويّة من هذا القبيل أو لا؟

الإشكال الذي يخطر بالبال في مقام إبطال ذلك هو ما قد يقال: من أنّ دليل التقليد إنّما ثبّت الحجّية لرأي الفقيه، وهيئة الفقهاء ليست فقيهاً من الفقهاء.

وهذه الإشكال لا مورد له لو كان دليلنا على التقليد هو الارتكاز؛ لأنّ ارتكاز الرجوع إلى أهل الخبرة لا يأبى عن الرجوع إلى هيئة الخبراء، بل يراه أقوى وأفضل كما هو مألوف اليوم في الأُمور الهامّة، سواء في قضايا الطبّ أو الاقتصاد أو الحرب أو غيرها من الأُمور التخصّصية.

وأمّا لو كان دليلنا على التقليد عبارة عن الأدلّة اللفظية فهنا قد يكون الإشكال أقوى، لكنّه مع ذلك يوجد عليه جوابان:

أحدهما: دعوى تعدّي العرف من الفرد إلى الهيئة خاصّة بناءً على الإيمان بوجود ارتكاز عقلائي على مراجعة الهيئات التخصّصية مؤثَّر على ظواهر الأدلّة اللفظية.

والثاني: أنّ التقليد لأكثريّة الهيئة تشتمل لا محالة على تقليد الأفراد الذين يشكّلون تلك الأكثريّة، ولا يكون الأمر خارجاً عن المفاد اللفظي

130

الثابت حسب الفرض لأدلّة التقليد اللفظية وهو الأخذ برأي الفرد المتخصّص، وغاية ما يلزم من ذلك هو التبعيض في التقليد في المسائل حيث إنّ الأفراد الذين يشكّلون الأكثريّة يختلفون من مسألة إلى مسألة، ولا بأس بهذا التبعيض في التقليد بعد الإيمان بأصل التخيير في الفتاوى المتعارضة للفقهاء المتساوين أو شبه المتساوين، أمّا لو آمنّا بالتساقط فليس يبطل فقط الرجوع إلى الهيئة لدى الاختلاف، بل يبطل الرجوع إلى الفرد أيضاً ويتعيّن الأخذ بأحوط الأقوال.

وقد اتّضح بذلك أنّ تشكيل شورى الفقهاء بمعنى تسجيل رأي الأكثريّة في كلّ مسألة مسألة _ لا بمعنى مجرّد التباحث لتلاقح الأفكار _ أمر معقول بعد البناء على التخيير في المتساوين أو مع الفارق القليل فيما بينهم في درجة التفقّه.

نعم، ينبغي أن نلتفت إلى أنّه لو كان أحد الفقهاء أعلم من الآخرين بمستوى ملحوظ، وهو المستوى الذي قلنا أنّه يعيّنه للتقليد فهنا عادةً لا يجوز تبديل تقليده بتقليد الشورى الراجع إلى تقليد الأكثريّة؛ لأنّ هذا الأعلم يفوق رأيه عادةً على رأي الأكثريّة في الإحكام والإتقان بدرجة كبيرة. نعم، لا بأس بتشاوره مع الباقين، فإنّ الشخص مهما كان عبقريّاً لا يخلو التشاور وتلاقح الأفكار من فائدة له، لكن هذا رجوع إلى الشورى بالمعنى الأوّل.

131

الأمر الثاني: تقسيم الفقه إلى تخصّصات

فيتخصّص أحد لفقه العبادات والآخر لفقه العقود وما شابه ذلك من التقسيمات كما هو مألوف اليوم في سائر الفنون كالطبّ وغيره.

وهذا في خصوص باب الفقه يواجه ملاحظة، وهي أنّ جميع أبواب الفقه مشتركة في عمدة الأسس التي لابدّ للفقيه من إتقانها، وهي الأُصول والرجال بالمعنى الشامل لجانبي التراجم والدراية، ومعرفة اللغة العربيّة التي هي لغة أدلّة الفقه اللفظية، هذا إضافة إلى التشابكات الأُخرى والاشتراكات الأُخرى فيما بين الأبواب، وربّ نكتة تراها في الديات تؤثّر على رأيك في الطهارة والعكس، وحتّى أنّ ما يقال من أنّ فقه المعاملات يغلب عليها الاعتماد على الارتكازات، وفقه العبادات يغلب عليها الاعتماد على النصوص وإن كان صحيحاً، بمعنى أنّ النسبة المئويّة للاعتماد على الارتكازات في المعاملات أكثر منها في العبادات، وكذلك العكس في النصوص، ولكن من الواضح أنّ كلا من الأمرين له أثره الواضح في كلا البابين، ومن تخصّص في كلّ الأُمور المشتركة التي لابدّ منها في كلّ أبواب الفقه لا أظنّه يصعب عليه

132

التخصّص في تمام أبواب الفقه.

نعم، التخصّص في شتّى شعب المعارف الإسلامية، والتي يعتبر الفقه واحدة منها أكثر ضرورة وأكثر إمكاناً.

وعلى أيّ فلو أُعمل نظام التخصّص في الفقه بأن فرض أنّ عدّة من الفقهاء المتخصّصين في كلّ المبادئ التي سبقت الإشارة إليها أو غيرها تخصّص كلّ واحد منهم في الاستنباط بقسم من الفقه دون ما تخصّص الآخر به لم يكن في ذلك محذور، ولو ألّفوا رسالة عمليّة واحدة مؤتلفة من المسائل المأخوذة من هؤلاء العلماء كلّ وفق تخصّصه لم يكن بأس بتقليد العوام بأخذهم بهذه الرسالة، وقد يفرض أنّهم يشكّلون مجلس شورى فيما بينهم لتلاحق الأفكار ثم يؤلّفون رسالة عمليّة مع أخذ الرأي من كلّ واحدٍ منهم في مورد اختصاصه، فلو فعلوا ذلك لم يشكل مشكلة بالنسبة للعامّي _ وقد يسمّى هذا بنظام الشور في الفتوى _ إلّا أنّنا نقول: لا حاجة مهمّة إلى هذا العمل؛ لأنّ من تخصّص في كلّ تلك المبادئ التي شرحناها يستطيع أن يتخصّص بكلّ الفقه من دون مشكلة في طريقه، وقياسه إلى الطبّ مثلاً قياس مع الفارق.

133

مسألة 13: إذا كان هناك مجتهدان متساويان في الفضيلة يتخيّر بينهما إلّا إذا كان أحدهما أورع فيختار الأورع(1).

مسألة 14: إذا لم يكن للأعلم فتوى في مسألة من المسائل يجوز في تلك المسألة الأخذ من غير الأعلم وإن أمكن الاحتياط(2).


(1) أمّا بحث التخيير فقد مضى منّا فلا نعيده، وأمّا بحث تعين الأورع فيمكن إثباته ببيان مضى نظيره في ترجيح الأعلم؛ وذلك بأن نفترض الإجماع على عدم التساقط، وفي نفس الوقت نفترض عدم الدليل على التخيير إلّا في مورد نقطع فيه بعدم الترجيح، وعندئذٍ يكون احتمال الترجيح بالأورعيّة كافياً في دوران الأمر بين التعيين والتخيير، والأصل يقتضي التعيين.

إلّا أنّ هذا كما قلنا هناك أيضاً فرض في فرض ولم نؤمن بمبانيه.

إذا لم يکن للأعلم فتوی في المسألة

(2) هذا الأمر إجمالاً لا إشكال فيه؛ لأنّ فتوى غير الأعلم في ذاتها كانت واجدة لشرائط الحجّية، وإنّما تسقط عن الحجّية بوجود حجّة أقوى على خلافها، وهي فتوى الأعلم، وقد فرضنا أنّ الأعلم لا فتوى له.

134

ولا فرق بين أن يفتي الأعلم بالحكم الواقعي أو يفتي بالحكم الظاهري، بمعنى أن يرى باب الوصول إلى الحكم الواقعي منسدّاً بأن يخطّئ من يفتي في المقام بالحكم الواقعي، فيرى انتهاء الأمر إلى الحكم الظاهري فيفتي به من براءة أو احتياط مثلاً، فعندئذٍ لا يجوز الرجوع إلى غير الأعلم في إفتائه بخلاف ذلك، سواء أفتى بحكم ظاهري مخالف لما أفتى به الأوّل أو أفتى بالحكم الواقعي؛ لأنّ الأعلم قد خطّأه على كلّ حال، وهذا بخلاف ما لو كان الأعلم فاقداً للإفتاء بخطأ غير الأعلم إمّا من باب عدم تكميله للفحص أو من باب تحرّج نفسي عن الإفتاء بما أفتى به غير الأعلم من غير جزم بخطأ غير الأعلم في فتواه أو في مدركه، فعندئذٍ يجوز للمقلَّد الرجوع في تقليده إلى غير الأعلم.

وكأنّ هذا هو مقصود أُستاذنا الشهيد(رحمه الله) حينما كان يفصّل في احتياطاته هو بين ما لو كان احتياطاً في الفتوى أو فتوى بالاحتياط، فكان يجوّز الرجوع إلى غير الأعلم في الأوّل دون الثاني.

إلّا أنّه كان المترقّب في بادئ النظر هو أن يقول في موارد الاحتياط في الفتوى بالرجوع إلى غير الأعلم مع قيد الأعلم

135

فالأعلم؛ لأنّ من هو أعلم في المرتبة الثانية لو كانت له فتوى فهي تمنع عن حجّية فتوى من هو في المرتبة الثالثة لدى التخالف بين الفتويين، في حين أنّه(رحمه الله) كان يجوّز في موارد احتياطه في الفتوى الرجوع إلى غير الأعلم من دون ملاحظة هذا القيد، فلو كان الأعلم في المرتبة الثانية يفتي مثلاً بالحرمة ولكن الفقيه الذي هو في المرتبة الثالثة كان يفتي بالترخيص، كان يجوّز شهيدنا الصدر(رحمه الله) لمقلّديه الرجوع إلى الفقيه الثالث. وهذا يعني أنّ احتياطاته في الفتوى لم تكن نتيجة عدم الفحص، وأنّه(رحمه الله) لم يكن يفتي بخطأ مدرك القول بالترخيص، وكان يفتي بخطأ مدرك الإفتاء بالإلزام وإن كان يتحرّج نفسيّاً من الإفتاء بالترخيص أو من الجزم بصحّته، فكانت النتيجة هي الإجازة لمقلَّديه في الرجوع إلى من يفتي بالترخيص.

أمّا لو كان الاحتياط في الفتوى نتيجة عدم تكميل الفحص أو كان لا يجزم بخطأ مدرك الإفتاء بالإلزام فلابدّ من الالتزام في الرجوع في التقليد إلى الغير بقيد الأعلم فالأعلم. 

136

مسألة 15: إذا قلّد مجتهداً كان يجوّز البقاء على تقليد الميّت فمات ذلك المجتهد لا يجوز البقاء على تقليده في هذه المسألة بل يجب الرجوع إلى الحيّ الأعلم في جواز البقاء وعدمه(1).


ولو شكّ المقلَّد في أنّ الاحتياط في الفتوى من أيّ النمط ولم تكن في كلام الأعلم قرينة على جزمه بخطأ مدرك المفتي بالإلزام وجب عليه في الرجوع إلى الغير التقيد بقيد الأعلم فالأعلم.

ولو شكّ المقلَّد في أصل أنّ الاحتياط هل هو احتياط في الفتوى أو فتوى بالاحتياط، ولم تكن في كلام الأعلم قرينة على أحد الأمرين جاز له الرجوع إلى غير الأعلم؛ لعدم إحرازه للمزاحم لحجّية فتوى غير الأعلم.

البقاء علی تقليد الميّت بفتوی الأعلم

(1) الوجه في ذلك هو ما يقال: من أنّ فتوى الميّت بجواز البقاء لا يمكن أن تكون حجّة في ذاتها في جواز البقاء؛ لأنّ حجّية نفس هذه الفتوى أيضاً أوّل الكلام، ولا يمكن إثبات حجّية نفسها بنفسها، كما أنّه لو حرّم الميّت البقاء على تقليد الميّت لم يؤثّر ذلك في إثبات

137

التحريم؛ لأنّ حجّية هذه الفتوى أوّل الكلام، فلابدّ إذاً من الرجوع في مسألة البقاء إلى أعلم الأحياء، وصحيح أنّه لو رجع إلى صاحب العروة(رحمه الله) لأفتاه بجواز البقاء كما مضى منه، ولكن هذا لا ينافي أن يقول هنا: إنّ المقلّد لا يمكنه أن يعتمد ابتداءً على رأي الميّت في البقاء، بل هو مضطرّ إلى الرجوع إلى أعلم الأحياء في ذلك.

وتحقيق الكلام في ذلك يقع في أمرين:

الأمر الأوّل: في أنّنا لو سلّمنا هذا المبنى _ وهو أنّ المعتمد الأوّل في مسألة البقاء هو رأي أعلم الأحياء بالبيان الذي عرفت _ فما هي النتائج التي يجب تسجيلها في فروع متعدّدة لهذه المسألة؟

والأمر الثاني: في أنّ أصل هذا المبنى هل هو صحيح أو لا؟ وما هي النتيجة التي تسجّل على تقدير عدم صحّته.

أمّا الأمر الأوّل: فقد يفترض أنّ الحيّ يحرّم البقاء، وهنا النتيجة واضحة، وهي ضرورة العدول إليه على كلّ تقدير؛ إذ لا قيمة لرأي الميّت في ذاته في البقاء أيّاً كان على ما هو المفروض في المبنى، ورأي الحيّ هو الذي يحمل الحجّية على ما هو المفروض في المبنى.

وأُخرى يفترض أنّ الحيّ يجوّز البقاء ولكن تجويزه للبقاء مقيّد بقيد غير موجود في فتوى الميّت في البقاء، كما لو كان تجويز الحيّ

138

للبقاء مشروطاً بالعمل بالفتوى التي يبقى المقلَّد عليها ولم يكن المقلَّد عاملاً فيما سبق بهذه الفتوى، أو كان تجويز الحيّ للبقاء مشروطاً بالتعلّم ولم يكن المقلَّد متعلّماً لفتوى الميّت في مسألة البقاء، ونحو ذلك من الأمثلة. وهنا أيضاً تكون النتيجة واضحة، وهي ضرورة الاعتماد للمقلَّد في هذه المسألة على رأي الحيّ من الجواز بالمعنى الأخصّ أو الوجوب، فيجوز له أو يجب البقاء على تقليد الميّت في سائر المسائل التي عمل بها أو تعلّمها مثلاً رغم أنّ الميّت يفتي بحرمة البقاء، فإنّ هذه الفتوى بالخصوص لا حجّية لها حسب الفرض.

وثالثة يفترض أنّ الحيّ يجوّز البقاء ولا يكون تجويزه هذا مشروطاً بشيء أو كان مشروطاً بشرط موجود في فتوى الميّت بالبقاء.

وعلى هذا الفرض الثالث تارة يفترض أنّ الميّت أيضاً يجوّز البقاء في نفس دائرة تجويز الحيّ، وأُخرى يفترض أنّ الميّت يجوّز البقاء في دائرة أوسع من دائرة تجويز الحيّ، وثالثة يفترض أنّ الميّت يجوّز البقاء في دائرة أضيق من تلك الدائرة أو يحرّم البقاء نهائيّاً، فهذه فروض ثلاثه:

الفرض الأوّل: أن يتّفق الميّت مع الحيّ في دائرة تجويز البقاء، وهنا لا إشكال على المبنى الماضي في جواز اعتماد المقلَّد في البقاء على رأي الحيّ، وإنّما الكلام يقع في جواز اعتماده على رأي الميّت

139

في البقاء بعد إضفاء الحجّية عليه ببركه فتوى الحيّ، وهذا البحث هنا لا أثر عملي له؛ لأنّ المفروض أنّ دائرتي التجويز متساويتان، فحجّية فتوى الميّت أو عدمها في البقاء سيّان من حيث النتيجة العملية، فيكون البحث في ذلك علميّاً بحتاً حيث يقال: إنّه هل أصبحت باقي فتاوى الميّت حجّة بدليلين: بدليل إفتاء الحيّ بحجّيتها، وبدليل إفتاء الميّت أيضاً بحجّيتها بعد أن أصبح هذا الإفتاء حجّة ببركة فتوى الحيّ أو أنّ فتوى الميّت في البقاء لا معنى لحجّيّتها ويكون الدليل على حجّية باقي فتاواه منحصراً بفتوى الحيّ؟

ذهب السيّد الخوئي(رحمه الله) إلى الثاني؛ لأنّ نفس فتوى الحيّ بجواز البقاء التي يفترض إضفائها للحجّية على فتوى الميّت بجواز البقاء قد أضفت الحجّية على باقي فتاوى الميّت في عرض إضفائها للحجّية على إفتائه بجواز البقاء، فافتراض إضفاء الحجّية عليها مرّة أُخرى بتوسيط إفتائه بالجواز تحصيل للحاصل.

ويرد عليه: أنّ حجّية باقي فتاوى الميّت المتولّدة من حجّية فتوى الحيّ بالبقاء وإن كانت في عرض حجّية إفتاء الميّت بالبقاء لكنّنا لا نؤمن بأنّ المتأخّر عن أحد العَرضيين رتبة يكون متأخّراً عن الآخر أو


(1) التنقيح، ج1، ص181 _ 182.

140

أنّ ما مع المتقدّم متقدّم حتّى يلزم من ذلك كون حجّية باقي فتاوى الميّت المتولّدة من حجّية إفتائه بجواز البقاء في طول حجّيتها المتولّدة من حجّية فتوى الحيّ كي يلزم تحصيل الحاصل، وغاية ما يلزم في المقام هو اجتماع دليلين على حجّية باقي فتاوى الميّت، أحدهما فتوى الحيّ بحجّيتها، والثاني فتوى الميّت بذلك بعد إضفاء الحجّية على هذه الفتوى ببركة فتوى الحيّ، ولا محذور في ذلك.

ويمكن أن يقرّب الإشكال بتعبيرٍ آخر وهو أن يقال: إنّ حجّية فتاوى الميّت في سائر المسائل غير مسألة البقاء كانت في عرض ما قد يفترض من حجّية فتواه في البقاء؛ لأنّهما معاً وليدتان لحجّية رأي الحيّ في البقاء، فلو كانت حجّية فتوى الميّت في مسألة البقاء تخلق حجّيةً لباقي فتاوى الميّت لكانت هذه الحجّية في طول حجّية فتواه في البقاء، وهذه الحجّية الثانية لباقي فتاواه لو فرضت مندكّة في الحجّية الأُولى لتلك الفتوى فهو غير ممكن؛ لأنّه يلزم من ذلك أن تكون حجّية باقي الفتاوى في عرض حجّية فتواه في البقاء وفي طولها في وقت واحد، ولو لم تفرض مندكّة في تلك الحجّية لزم اجتماع حجّيّتين على شيء واحد، وهذا غير ممكن.

ولعلّ هذا هو مقصود السيّد الخوئي(رحمه الله) وإن كان هذا الإشكال