431

الاحترام فانّ احترام المالية يعني تداركها ولا يعني عدم تلفها فنجمع بين وجوب الإتلاف واحترام المال بما هو مال بضرورة إتلاف العين بالإرسال مع ضرورة تدارك المالية بدفع القيمة.

ثم أبطل (رحمه الله) هذا الوجه بانّ قاعدة احترام مال المسلم بعد تسليمها انّما تدلّ على وجوب تدارك المال بعد الإتلاف والتلف، ووجوب التدارك بعد الإتلاف في المقام لا كلام فيه حتى مع قطع النظر عن قاعدة الاحترام، وامّا وجوب التدارك بعد التلف فنفس التسليط الصادر من المالك الذي أسقط هذا الاحترام على تقدير صحّة العارية يكون هو المسقط له أيضاً على تقدير فساد العارية(1)، ولعلّ مقصوده (رحمه الله)من التعبير بانّ «قاعدة الاحترام بعد تسليمها...» إشارة إلى ما يقال من أنّ دليل حرمة مال المسلم كحرمة دمه لا يدلّ على أكثر من الحرمة التكليفية.

وذكر الشيخ النائيني (رحمه الله)(2): انّ المحرم يضمن الصيد بمجرّد أخذه من المحلّ لا لما قاله الشيخ الانصاري (رحمه الله) من أنّ وجوب الإتلاف أوجب الضمان فانّ الضمان انّما يكون نتيجة الإتلاف الفعلي لا نتيجة وجوب الإتلاف بل لانّه قد أتلفه بنفس أخذه من المحلّ، لانّ المستفاد من الأدلّة ليس وجوب الإرسال وجوباً تكليفياً فحسب بل خروجه من الملك وصيرورته حرّاً بمجرّد وقوعه تحت يد المحرم فأخذه إتلاف للملكية، ولا فرق في الإتلاف الموجب للضمان بين إتلاف العين كما لو أحرق الفراش مثلاً أو إتلاف ماليتها كما لو حوّل الخلّ خمراً أو إتلاف ملكيتها كما في ما نحن فيه.


(1) راجع تعليقة الشيخ الاصفهاني على المكاسب 1: 83.

(2) راجع تقرير الشيخ الآملي 1: 313 ـ 316، ومنية الطالب 1: 124 ـ 126.

432

وقال (رحمه الله): إنّه لو كان المحلّ عالماً بانّ المستعير محرم وان أخذه ايّاه يخرجه من الملك لم يشفع ذلك لعدم الضمان وذلك لانّ سبب سقوط الضمان إمّا هو استناد الإتلاف إلى نفس المالك لتسليمه الصيد ايّاه، وإمّا هو كون إتلاف المحرم للصيد بموافقة المالك من قبيل ما لو أمر المالك شخصاً بإلقاء ماله في البحر أو إحراقه مثلاً، وكلا السببين غير تام في المقام.

امّا الأوّل فلانّ المسبب انّما يعتبر مسبباً توليدياً ويسند إلى من استفاد من السبب حينما لا يتوسّط بينهما فاعل بالاختيار كما لو ألقى شيئاً في النار فاحترق، فالإتلاف هنا يسند إلى الملقي في النار حقيقة لانّ الوسيط وهي النار ليس فاعلاً بالاختيار، امّا في المقام فالوسيط فاعل بالاختيار فسبب التلف هو الأخذ وقد قام به المحرم الذي هو فاعل بالاختيار فالإتلاف لا يسند إلى المعطي.

وامّا الثاني فلأنّ الإتلاف باذن المالك أو بأمره انّما لا يوجب الضمان إذا كان جائزاً شرعاً «وعلّل في منية الطالب عدم الضمان عندئذ بثبوت الوكالة إذ قد ناب عن المالك في ما جاز للمالك فعله» عندئذ وفي المقام لم يكن الإتلاف جائزاً فهو من قبيل ما لو أمر أحد صاحبه بإلقاء متاع الآمر في البحر من دون مبرّر شرعي فانّه لو ألقاه عندئذ كان ضامناً، نعم لو كانا في السفينة واشرفت السفينة على الغرق فأمر صاحبه بإلقاء متاعه في البحر كي تخفّ السفينة وتنجو من الغرق لم يكن ضامناً.

وقال (رحمه الله): انّه لو أرجع الصيد إلى المعير لم يخرج من الضمان لانّ المعير يملكه بحيازة جديدة شأن أيّ إنسان آخر يستطيع أن يملكه بالحيازة لانّه أصبح من المباحات الأصليّة وبه يظهر الفرق بين الخلّ لو غصبه وصيّره خمراً ثم رجع خلاً وأرجعه إلى صاحبه حيث نقول هنا بانتفاء الضمان ولا نقول به في المقام، والفرق هو: انّ ملكية صاحبه في مثال الخلّ ليست بحيازة جديدة وانّما الملكية

433

السابقة تحوّلت بالخمرية إلى حقّ الاختصاص ثم تحوّل حقّ الاختصاص مرّة اُخرى إلى الملكية ولم يصبح الخلّ بتبدله إلى الخمر من المباحات الأصلية التي يجوز لكل أحد حيازتها وهذا بخلاف المقام.

أقول: لو سلّمنا الضمان في فرض جهل المعير بالحال وبالحكم فالقول بالضمان في فرض العلم غريب.

وما أوردهما على كلا وجهي الضمان في المقام غير صحيح:

أمّا ما ذكره من أنّ من أمر شخصاً بإتلاف ماله حراماً ضمن المتلف ماله فنحن لا ندري لماذا يضمن ماله في فرض الحرمة ولا يضمنه في فرض الإباحة هل لمجرّد الفرق بالحرمة والحلّ، أو لما ورد في منية الطالب من أنّ الوكالة لا تثبت إلّا في فرض الحلّ والوكالة هي التي ترفع الضمان لانّ يد الوكيل تعتبر يداً للموكل؟

فإن كان النظر إلى مجرّد التفريق بالحرمة والحلّ فمن الواضح انّ الحرمة تكليفية في المقام ونحن كلامنا في الضمان الوضعي، ولا نفهم نكتة عقلائية في دخل الحرمة والحل التكليفيين في الضمان وعدمه في المقام.

وإن كان النظر إلى مسألة الوكالة ولنفترض انّ المقصود ليست هي الوكالة التي يختص صدقها بباب التصرّفات القانونية من العقود والإيقاعات بل المقصود هو معنى أعم يصدق في كل فعل كان بإمكان الشخص ان يفعله فأوكله إلى غيره قلنا: إنّ صدق الوكالة ليس مشروطاً بحلّية العمل فمقياس صدقها ان صدقت في غير التصرّفات القانونية انّما هو معقولية صدور ذاك الفعل من الموكل في ذاته لا معقوليته شرعاً بمعنى الجواز كما انّه في التصرفات القانونية أيضاً ليس المقياس في صدق الوكالة حلّية ذاك التصرّف فلو أوكل شخصاً في بيع داره وكان بيع داره حراماً عليه لنذر أو لنهي الوالد أو غير ذلك فالوكالة صادقة في المقام قطعاً.

 

434

ثم لا أدري هل يلتزم الشيخ النائيني (رحمه الله) بالضمان فيما لو أجاز المالك أحداً في أكل طعامه فأكله بنكتة أنّ الوكالة في الأكل لا معنى لها فما دامت الوكالة غير صادقة فالأكل الذي هو إتلاف للمال يوجب الضمان رغم اذن المالك؟! ولو فرضنا صدق الوكالة حتى هنا فهل يقول: إنّه لو حرم عليه الأكل لكونه مريضاً وكون هذا الطعام مضرّاً بحاله مثلاً ثبت الضمان؟!

وأمّا ما ذكره من أنّ الإتلاف لا يستند إلى المعير لتوسّط الفاعل بالاختيار وهو المستعير فيرد عليه: أنّ المسألة اجنبية عن باب توسّط الفاعل بالاختيار أو بغير الاختيار فانّ هذه المسألة موردها مورد وجود وسيط بين الشخص والفعل في إسناد الفعل إلى الشخص كالنار فيما إذا ألقى الورق فيها فاحترق، فالإحراق مستند أوّلاً وبالذات إلى النار ثم هو مستند بواسطة فعل النار الذي كان بلا اختيار إلى الشخص وهذا الإسناد حقيقي، وإذا أمر شخصاً آخر بإتلاف المال فاتلفه كان الإتلاف مستنداً أوّلاً وبالذات إلى المأمور ثم هو مستند بواسطة فعل المأمور إلى الآمر لكن هذا الإسناد مجازي لانّ الوسيط وهو الآمر فاعل بالاختيار، وأمّا في ما نحن فيه فالمستعير ليس وسيطاً بين المعير واستيلاء المستعير على الصيد بل هذا الاستيلاء مستند إليهما في عرض واحد عرفاً إن لم يكن عقلاً فان الآخذ والمعطي يحقّقان شيئاً واحداً تكون نسبته إلى أحدهما نسبة الإعطاء ونسبته إلى الآخر نسبة الأخذ.

فان قيل: إنّ الموضوع لتلف الصيد انّما هو ذاك الشيء بوصفه اخذاً لا بوصفه إعطاءً.

قلنا: إنّ هذا التدقيق لا يؤثّر في فرض الآخذ والمعطي عرفاً في عرض واحد بالنسبة للإتلاف فهما معاً متلفان وإذا اسند الإتلاف إليهما معاً فالمعير هو

435

الذي هدر كرامة ماله ولا ضمان على المستعير هذا كله في فرض علم المعير بالحال.

أمّا إذا كان جاهلاً بإحرام المستعير أو بكون ذلك موجباً لتلف المال فالوجه الثاني من وجهي عدم الضمان وهو اذنه في الإتلاف لا يأتي في المقام كما هو واضح. وأمّا الوجه الأوّل وهو استناد الإتلاف إليه فقد يتراءى للذهن أنّه يأتي في المقام لانّ العلم والجهل لا دخل لهما في صدق الإتلاف فقد يتلف الإنسان مالاً بعمل كان يجهل كون هذا العمل موجباً للتلف كما لو أوقع ظرفاً على الأرض جاهلاً بانّ هذا يوجب كسره فانكسر، بل قد يتحقّق الإتلاف مع الغفلة الكاملة كما في النائم الذي يسقط الكوز بتحريك رجله فيسقط وينكسر فالمعير هنا وإن كان جاهلاً بالحال ولكنه قد أتلف صيده بتسليمه إلى المستعير المحرم، نعم قد يقال برجوعه إلى المستعير من باب رجوع المغرور إلى من غرّه لو كان المستعير عالماً بانّ أخذه للصيد يؤدّي إلى إتلافه.

ولكن الواقع انّ الوجه الأوّل أيضاً لا يأتي في المقام وذلك لانّ المفروض كما قلنا انّ الإتلاف مستند إليهما معاً واستناد الإتلاف إلى المستعير مقتض للضمان، وأمّا استناده إلى المعير فهو ليس مانعاً عن الضمان إلّا حينما يكون هدراً لكرامة ماله ولا يكون كذلك إلّا في فرض علمه بالحال، امّا مع الجهل فلم يكن هدر من قبل المالك لكرامة ماله فيثبت الضمان على المستعير ولو بمقدار النصف لا الكل باعتبار كون المالك المعير أيضاً سهيماً في الإتلاف.

إلّا انّ هذا كله فرع كون استيلاء المستعير على الصيد موجباً لخروجه من ملك المالك ورجوعه إلى الإباحة الأصلية وهذا أوّل الكلام، فلو سلّمنا ان دليل وجوب الإرسال على المحرم يدل بالدلالة الالتزامية العرفية على خروج الصيد

436

من ملك المحرم لو ملكه قبل الإحرام فلا نسلّم دلالته على خروجه من ملك غيره فليجب عليه الإرسال وليكن المال في نفس الوقت باقياً في ملك الغير وأثره الضمان على تقدير الإرسال.

وقد اتضح بكل ما ذكرناه انّ الظاهر عدم ضمان المستعير المحرم للصيد إلّا بعد إتلافه بإرسال أو غير ذلك أمّا لو تلف في يده فلا ضمان عليه لمكان التسليط من قبل المالك.

ومنها ـ انّ منافع العين المشتراة بالبيع الفاسد هل تكون مضمونة أو لا؟

وهذا البحث أيضاً طرح بعنوان النقض على قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده وأدّى ذلك إلى وقوع سلسلة من البحث:

فقد يقال: إنّ هذا نقض على القاعدة لانّ المبيع بالبيع الصحيح لا تضمن منافعه في حين انّه في البيع الفاسد يقال بضمانها(1).

وقد يردّ على ذلك بانّ المنافع مضمونة في البيع الصحيح ضمن ضمان العين لانّ المنافع ومقدار قابلية العين لهما تؤثّر في قيمة العين(2).

وقد يجاب على هذا الرد بانّ هذا ليس هو الضمان المصطلح فانّ المنافع لا تقابل بالمال وتأثيرها على القيمة انّما هو بنحو الحيثية التقييدية من دون تقسيط للقيمة عليها(3).

وقد يردّ النقض أيضاً بانّ المنافع في باب البيع خارجة عن تحت قاعدة ما لا يضمن وقاعدة ما يضمن لانّ العقد لم يقع عليها وانّما وقع على العين(4).


(1) و (2) و (3) راجع المكاسب 1: 103، بحسب طبعة الشهيدي.

(4) راجع منية الطالب 1: 126.

437

وقد يجاب على هذا الردّ بانّه لو كانت المنافع خارجة عن تحت البيع فكذلك هي خارجة عن تحت الهبة فما هو السرّ في أنّها تضمن في البيع الفاسد ولا تضمن في الهبة الفاسدة؟!(1).

وعلى أيّة حال فأصل هذا التسلسل من البحث لا أساس له باعتبار انّ أصل القاعدة كقاعدة ما يضمن لا أساس لها.

وانّما المهم ملاحظة المسألة بحدّ ذاتها لكي نرى انّ مقتضى القواعد فيها الضمان أو عدم الضمان؟

فنقول: إنّ المقتضي للضمان في فرض استيفاء المنفعة موجود والمانع مفقود أمّا وجود المقتضي في فرض استيفاء المنفعة فمّما لا إشكال فيه فانّنا حتى لو قلنا بانّ تفويت المنفعة من دون استيفاء لا يوجب الضمان فكون الاستيفاء بذاته موجباً للضمان واضح عقلائياً ولذا نرى انّهم اختلفوا في ضمان الغاصب للمنافع غير المستوفاة ولم يختلفوا في ضمانه للمنافع المستوفاة.

وأمّا لو لم يستوف المشتري المنافع فالظاهر عدم تمامية المقتضى للضمان إلّا إذا كان المشتري غارّاً للبائع لانّنا حتى لو قلنا في باب الغصب بضمان الغاصب للمنافع غير المستوفاة وذلك بتفويته لها أو بتلفها تحت يده نقول: ما نحن فيه أنّ المالك يكون سهيماً مع المشتري في التفويت وفي هذا الفرض لا موجب للضمان إن لم يكن المشتري غارّاً للبائع اذن فمقتضى الضمان منحصر في المقام في فرض الاستيفاء أو التغرير.

وأمّا عدم المانع فلأنّ المانع عبارة عن التسليط المجاني ولا تسليط مجاني في المقام.

 


(1) راجع المحاضرات 2: 160، ومصباح الفقاهة 3: 109.

438

وما قد يتصوّر من ثبوت التسليط المجاني لانّه انّما كان الثمن في مقابل العين لا في مقابل المنفعة يمكن الجواب عليه بأحد وجهين إمّا لا يتم مطلقاً أو لا يتم إلّا في خصوص فرض علم البائع بالفساد.

أمّا الوجه في أنّه لا يتم إلّا في خصوص علم البائع بالفساد فهو أن يقال: إنّه إن قصد بالتسليط المجاني التسليط المعاملي فالتسليط المعاملي إمّا هو على العين فقط لانّ البيع والشراء يتعلّقان بالعين، وإمّا هو على المنفعة أيضاً بالتبع فتكون المنفعة مضمونة ضماناً تبعيّاً بنفس ثمن العين وعلى كل تقدير لا يوجد تسليط معاملي مجاني على المنفعة، وان قصد به التسليط الخارجي فالتسليط الخارجي عن المنفعة مجاناً ان صدق فانّما يصدق مع علم البائع بالفساد، امّا مع جهله فانّما قصد البائع تسليط المشتري على منفعة ماله المملوكة له لا على منفعة مال البائع المملوكة للبائع.

وامّا الوجه في عدم تمامية المانع عن الضمان مطلقاً حتى في صورة علم البائع بالفساد فهو دعوى انّ المنفعة دائماً ضمانها مندكّة في ضمان العين وتابعة له كاندكاك نفس المنفعة تكويناً في العين وتبعيتها لها إلّا في صورتين:

الاُولى ـ تعمّد الفصل بين العين والمنفعة في ضمان معاملي بتخصيص الضمان المعاملي بالمنفعة دون العين كما في باب الإيجار أو بالعين دون المنفعة كما في بيع العين مسلوبة المنفعة مدّة من الزمان.

والثانية ـ الفصل التكويني بينها في ضمان اليد أو الإتلاف كما لو أتلف المنفعة بغلق باب الدار والمنع عن استيفاء مالكها لمنفعتها من دون غصب نفس الدار وكما لو غصب الدار وفوّت منفعتها مع بقاء العين أو استوفى منفعتها في فترة من الزمن، أمّا إذا أوقع عقد البيع على العين من دون سلب المنفعة أو أتلف العين

439

فضمان منفعتها المعاملي في الأوّل أو ضمانها بالإتلاف في الثاني مندك في ضمان العين وتابع له باندكاك نفس المنفعة في العين وتبعيتها لها، وعليه نقول في ما نحن فيه: إنّ الضمان المعاملي للمنفعة في باب البيع الفاسد مندك في منظار هذا البيع في نفس ضمان العين فالبائع لم يسلّط المشتري على المنفعة مجاناً حتى ولو كان عالماً بالفساد، وانّما سلّطه عليها في مقابل كون العين مقابلة بالثمن وليس هذا هو التسليط المجاني الذي يسقط الضمان عقلائياً.

وبعد فانّنا تارة نفترض انّ العين لم تتلف في يد المشترى إلى ان تراجعا عن البيع الفاسد.

واُخرى نفترض انّه تلفت العين قبل التراجع وعلى كل حال نفترض كما عرفت انّ المشترى قد استوفى منفعة العين خلال تواجدها عنده أو انّ المشتري كان غارّاً للبائع وإلّا لم يكن ضامناً للمنافع فان تلفت العين قبل التراجع.

قلنا: إنّه ليس للبائع ان يطالب المشتري بأكثر من ثمن المسمّى إن كان ثمن المثل للعين أو مجموع ثمن المثل للعين واجرة المنفعة مدّة بقاء العين أكثر من المسمّى الذي جعل في العقد الفاسد مقابلاً للعين وذلك لانّه هو الذي هدر كرامة العين وكذلك كرامة المنفعة ضمن هدر كرامة العين في ما هو ازيد من ثمن المثل.

أمّا إذا كان المسمّى أكثر فتارة يكون أكثر من ثمن المثل للعين واُخرى يكون أكثر من مجموع ثمن المثل للعين واجرة المنفعة مدة بقاء العين ولنفترض الآن انّ الثمن لا زال غير تالف فنقول:

أمّا ما يزيد على مجموع ثمن المثل للعين واجرة المثل للمنفعة فيجب عليه إرجاعه إلى المشترى لانّ المشتري ليس ضامناً لأكثر من ثمن المثل لانّ ضمان المسمّى انّما يكون بالعقد وقد كان العقد باطلاً.

440

وامّا ما يزيد على ثمن المثل للعين ولا يزيد على مجموع الثمن والاجرة فالظاهر انّه لا يجب عليه إرجاعه إلى المشتري لانّ المشتري كما يكون ضامناً لثمن مثل العين كذلك يكون ضامناً لاجرة المثل للمنفعة بمقدار ما هو مندك في ثمن المسمّى وليس ضمان اليد في المنفعة مندكاً في ثمن المثل لانّه وقع الانفصال بين العين والمنفعة بتلف المنفعة دون العين وهذا أحد السببين اللذين ذكرنا انّهما يوجبان تمييز المنفعة عن العين في الضمان ولم يهدر البائع كرامة المنفعة إلّا فيما يزيد على ثمن المسمى.

وأمّا إذا كان الثمن أيضاً تالفاً فليس على البائع ضمان حتى ولو كان المسمّى أكثر من مجموع ثمن المثل للعين واجرة المنفعة وذلك لانّ المشترى قد هدر كرامة ماله في ما هو أكثر ممّا استلمه من العين والمنفعة فالضمان من كلا الطرفين يستقر في الحقيقة على المسمّى كما مضى التنبيه على ذلك في بحث ما يضمن بصحيحه لدى شرح ما يلزم من مبنى استاذنا الشهيد (رحمه الله) من ضمان أقل الأمرين.

أمّا إذا لم تتلف العين إلى ان تراجعا عن البيع الفاسد فإن كان الثمن تالفاً وكان أكثر من ثمن المثل للعين أو مساوياً له لم يكن البائع ضامناً لأكثر من العين لانّه حتى لو كان المسمى أكثر من ثمن المثل فالمشتري هو الذي هدر كرامة الزيادة ولم يكن المشتري ضامناً للمنفعة بأكثر من الضمان المندك في ثمن المسمّى والمفروض انّه قد دفع المسمى إلى البائع وتلف عنده.

وأمّا إن كان الثمن التالف أقل من ثمن المثل للعين فمن حق البائع استرجاع العين ودفع مقدار الثمن التالف ناقصاً مقدار الاجرة فان استوعب مقدار الاجرة تمام الثمن استرجع العين من دون دفع شيء من الثمن، وإن زاد مقدار الاجرة

441

على الثمن التالف لم يكن للمشترى دفع الزيادة لانّ البائع كان قد هدر كل كرامة للمنفعة زائدة على الضمان المندك في الثمن المسمّى للعين.

وأمّا إن كان الثمن باقياً كما كانت العين باقية وقد حصل التراجع في العينين فعلى المشتري دفع اجرة العين للفترة التي كانت تحت يده على أن لا تزيد الاجرة على ثمن المسمى للعين، فان زادت عليه فهو لا يضمن الزيادة لانّ البائع قد هدر كل كرامة للمنفعة غير مندكة في ثمن المسمى.

ومنها ـ حمل المبيع حيث يقال بضمانه على المشترى في البيع الفاسد مع أنّه غير مضمون مثلاً في البيع الصحيح.

والواقع انّ الحمل إمّا ان يفرض جزءً من المبيع مضموناً بجزء من الثمن في البيع الصحيح ومضموناً باليد في البيع الفاسد بنفس المقياس الذي مضى في ضمان المبيع بالبيع الفاسد.

وإمّا ان لا يكون داخلاً في البيع لا جزءً ولا شرطاً فهو أمانة عند المشترى في كلا فرضي صحّة البيع وفساده.

وإمّا أن يكون داخلاً في البيع على وجه الشرط لا الجزء فيكون حاله حال المنفعة في أنّ ضمانه العقدي تبعي لضمان العين من دون تقسيط الثمن عليه ولا يعدّ تسليط المشترى عليه تسليطاً مجانياً مسقطاً للضمان فإذا تلف في البيع الفاسد تحت يد المشترى كان مضموناً بالتفصيل الذي مضى في ضمان المنفعة المستوفاة.

 

وجوب الردّ إلى المالك وعدمه:

الثالث(1): وجوب الردّ إلى المالك وعدمه بعد فرض حرمة التصرّف.


(1) وقد مرّ البحث الثاني في الصفحة 918.

442

وقد عمّم الحكم بوجوب الردّ على القول به لما لا يضمن بصحيحه كالهبة إلّا انّ هذا التعميم لمثل الهبة ممّا تكون الفحوى عادة شاهدة على التسليط المجاني حتى على تقدير البطلان يجب أن يكون بفرض عدم هذه الفحوى.

وعلى أية حال ففي المسألة قولان: وجوب الردّ وكفاية تخلية الوضع عن المانع الذي يحول بين المالك وأخذه للمال.

وما قد يصلح دليلاً على وجوب الردّ الذي ذهب إليه الشيخ الانصاري والشيخ النائيني والسيد اليزدي وغيرهم وجوه:

الوجه الأوّل ـ حرمة الإمساك المستفادة من حديث سماعة وزيد الشحّام عن الصادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يحل دم امرىء مسلم ولا ماله إلّا بطيبة نفسه(1) والتوقيع عن الإمام صاحب الزمان ـ عجّل الله فرجه ـ: لا يحل لأحد ان يتصرّف في مال غيره بغير اذنه(2).

وجعل الشيخ الانصاري (رحمه الله) دلالة الرواية الاُولى على المقصود أقوى من الثانية حيث انّه لو نوقش في دلالة الثانية بمنع صدق التصرّف على الإمساك فالاُولى تدلّ بسبب نسبة الحرمة إلى المال الخارجي على تحريم جميع الأفعال المتعلّقة به التي منها كونه في يده(3) ولكن الشيخ الآخوند جعل دلالة الرواية الاُولى أضعف من دلالة الرواية الثانية(4) ولعله لأجل أنّ حذف المتعلّق إذا كان


(1) الوسائل 3: 424، الباب 3 من أبواب مكان المصليّ، الحديث 1، و 19: 3، الباب 1 من القصاص في النفس، الحديث 3.

(2) الوسائل 6: 377، الباب 3 من أبواب الأنفال، الحديث 6.

(3) المكاسب 1: 104، بحسب طبعة الشهيدي.

(4) راجع تعليق الآخوند على المكاسب: 33.

443

هناك شيء بارز يناسب تقديره لا يفيد العموم فكما ان تحريم الامهات ينصرف إلى الوطء وتحريم الخمر ينصرف إلى الشرب مثلاً، كذلك تحريم المال ينصرف إلى الأكل بالمعنى الواسع لا بخصوص معنى الازدراد ولا يشمل مثل مجرّد الإمساك.

وذكر الشيخ النائيني (رحمه الله): انّ الإمساك يكون تصرّفاً لانّه عبارة عن استدامة الأخذ والأخذ تصرّف، واستدامة التصرّف تصرّف لا محالة(1).

أقول: إنّ التشكيك في كون الإمساك تصرّفاً إمّا أن يكون في مطلق الإمساك بدعوى انّ التصرّف مأخوذ من الصرف بمعنى القلب والتقلّب وعندئذ من الواضح انّ الأخذ تصرّف باعتباره قلباً للمال ونقلاً له من يد المالك مثلاً إلى يده ولكن الإمساك ليس استدامة للأخذ وانّما هو مجرّد استدامة لكون المال عنده وهذا ليس قلباً وتقلّباً في المال. وإمّا أن يكون في خصوص الإمساك غير السلطوي بمعنى إبقائه عنده مع التخلية بينه وبين المالك وانتظار مجيء المالك كي يسلّم المال إليه ومن الواضح ان هذا لا يعدّ تصرّفاً وليس حاله حال الأخذ.

وعلى أي حال فخير اعتراض على الاستدلال بهاتين الروايتين هو التشكيك في صدق التصرّف الوارد في احدى الروايتين على الإمساك خصوصاً غير السلطوي والتشكيك في إطلاق الرواية الاُخرى التي حذف المتعلّق فيها ودعوى انصرافها إلى حرمة الأكل أو احتمال الانصراف على أقل تقدير.

وقد اعترض الشيخ الآخوند (رحمه الله) في المقام باعتراض آخر وهو انّ حرمة الإمساك لا توجب وجوب الردّ تعييناً ولو على القول بمقدمية الضد فانّ الإمساك


(1) راجع منية الطالب 1: 131، وتقرير الشيخ الآملي 1: 325.

444

والردّ ضدّان لهما ثالث وهو التخلية بين المال وبين مالكه فلا يجب عليه على هذاالقول إلّا احدهما ثم أمر بالفهم(1).

أقول: إنّ هذا الكلام كما ترى ينحلّ إلى إشكالين:

احدهما ـ انّ الردّ والإمساك ضدان لهما ثالث وهو التخلية فتحريم الإمساك لا يقتضى وجوب الرد بالخصوص.

والجواب: انّ الإبقاء تحت اليد بالمعنى الثابت لدى التخلية وانتظار المالك ان قلنا بعدم تحريمه لعدم دخوله في إطلاق الروايتين فقد رجعنا إلى الوجه السابق، وإن قلنا بتحريمه فقد وجب الرد لا محالة لانّ التخلية لا تنافي الإمساك حينما يقصد به مطلق الإبقاء تحت اليد ولو غير السلطوي الذي يجتمع لا محالة مع التخلية فليست التخلية ضداً ثالثاً.

والثاني ـ انّ الضد ليس مقدمة لنفي ضده فحتى لو حرم الإمساك وكان الرد ضدّه الوحيد لم يثبت وجوبه.

أقول: إنّني لا أظن انّ من يقول بوجوب الرد يقصد أكثر من لابدّية الردّ ولو لكونه ملازماً لواجب مقدمي، ومن الواضح انّه لو حرم الإمساك حتى بمعناه المجتمع مع التخلية فلا بدّ له من الردّ ما دام أنّه لا ثالث لهما ولا حاجة بنا إلى التكلّم بمصطلحات مقدمية الضد وعدم مقدميته.

ولو أصررنا على التكلّم بهذه اللغة قلنا: إنّ الضد وإن لم يكن مقدمة لنفي ضده لكن علّة الضد مقدمة لنفي ضده فضدّ الإمساك إمّا هو إمساك المالك مثلاً والردّ علّة لإمساك المالك فهو مقدّمة لنفي إمساك هذا الشخص، أو انّ الردّ بنفسه ضدّ للإمساك فله علّة تكون مقدمة لنفي الإمساك فتجب وهي قصد الردّ مثلاً.


(1) تعليق الآخوند على المكاسب: 33.

445

والوجه الثاني ـ رواية على اليد ما أخذت حتى تؤدّي بعد فرض ثبوتها بالشهرة والاستفاضة مثلاً أو بالانجبار أو فرض غضّ النظر عن ضعف سندها.

وقد قرّب الاستدلال بهذه الرواية على وجوب الردّ بعدّة وجوه:

الأوّل ـ ما في منية الطالب(1) من أنّ الضمان بلا وجوب الردّ لغو فإن لم يجب ردّ العين ثم لم يجب بعد التلف ردّ العوض فما فائدة الضمان؟! فقوله: على اليد الدال بالمطابقة على الضمان يدلّ بالالتزام على وجوب الرد.

وأجاب السيد الخوئي على ذلك بانّه يكفي في نفي اللغوية وجوب التخلية بين المال والمالك(2).

والثاني ـ ما في تقرير الشيخ الآملي (رحمه الله)(3) لبحث الشيخ النائيني (قدس سره) من تقريب الدلالة الالتزامية لحديث على اليد بوجه آخر يختلف عمّا نقل عنه في منية الطالب وهو انّ جعل الأداء رافعاً للضمان يدلّ بالالتزام على مطلوبية الأداء وبضم ذلك إلى علمنا بانّ مطلوبية الأداء إن كانت فهي وجوبية نفهم الوجوب، بل يمكن استظهار نفس الوجوب ابتداء من جعل الأداء رافعاً للضمان دون مطلق المطلوبية.

أقول: لم نعرف منشأً لاستظهار المطلوبية أو الوجوب من جعل الأداء غاية للضمان، وما مضى عن منية الطالب أكثر فنيّة ممّا ورد في تقرير الشيخ الآملي.

هذا. وجاء في منية الطالب(4): انّ الاستدلال بحديث على اليد لإثبات


(1) منيّة الطالب 1: 131.

(2) راجع المحاضرات 2: 166، ومصباح الفقاهة 3: 123.

(3) تقريرات الشيخ الآملي 1: 326.

(4) منيّة الطالب 1: 131.

446

وجوب الرد يشمل حتى مثل الهبة والعارية الفاسدتين فانّ الضمان فيهما وإن لم يكن ثابتاً لأجل التسليط المجاني لكن مورد التسليط المجاني ليس خارجاً من حديث على اليد بالتخصص وانّما خرج منه بالتخصيص، والتخصيص انّما ثبت بلحاظ المدلول المطابقي وهو الضمان دون الالتزامي وهو وجوب الرد.

أقول: إنّ هذا الكلام لا يتم.

أوّلاً ـ لانّ التسليط المجاني مانع ارتكازي كالمتصل عن الضمان فيرجع الأمر إلى التخصّص.

وثانياً ـ لتبعية الدلالة الالتزامية للمطابقية في الحجية.

والثالث ـ ما هو منقول عن الشيخ الايرواني (رحمه الله)(1) من ان حديث على اليد ان لم يختص بالحكم التكليفي وهو وجوب الردّ فلا أقل من أن يعمّ الوضع والتكليف ببيان ان مؤدّاه وجوب دفع العين مع قيامها ودفع البدل مع التلف.

وأورد عليه السيد الخوئي.

(أوّلاً) بانّه لو حمل الحديث على الحكم الوضعي لم يكن في ذلك تقدير ولو حمل على الحكم التكليفي فلا بد من تقدير أي على اليد ردّ ما أخذت لانّ الحكم التكليفي انّما يتعلّق بالأفعال لا بالأعيان ولا يمكن الجمع بين التقدير وعدمه.

(وثانياً) بانّ الغاية المذكورة في الحديث وهي قوله حتى تؤدّي انّما تناسب الحكم الوضعي ولا تناسب الحكم التكليفي وإلّا لكان معناه جعل العمل بالواجب غاية للوجوب من قبيل أن نقول: يجب عليك ان تصليّ حتى تصليّ وهذا يعني تفسير الحديث بمعنى: على اليد ان تؤدّي حتى تؤدّي.

 


(1) راجع مصباح الفقاهة 3: 123.

447

أقول: إنّ تصوير إطلاق حديث على اليد للحكم الوضعي والتكليفي معاًلا ينحصر بفرض الجمع بين التقدير وعدم التقدير بل يمكن تصوير ذلك من دون تقدير إذ كما انّ المال حينما يكون دركه على الشخص بمعنى انّه لو تلف دخل في ذمّته يمكن ان يعتبر انّ لهذا المال ثقلاً على الشخص وفي طول ملاحظة هذا الاعتبار يصح استعمال كلمة «على»، كذلك حينما يجب تكليفاً ردّه إلى المالك على الشخص يمكن أن يعتبر انّ لهذا المال ثقلاً على الشخص وفي طول ملاحظة هذا الاعتبار يصحّ استعمال كلمة «على» وكذلك حينما يجب تكليفاً رفع الحاجز أو التخلية بين المال ومالكه يمكن أن يعتبر انّ لهذا المال ثقلاً على الشخص وفي طول ملاحظة هذا الاعتبار يصح استعمال كلمة «على». ولعل مقصود الشيخ الايرواني (رحمه الله) من التردّد بين ان يختص الحديث بالحكم التكليفي أو يعمّ على الأقل الوضع والتكليف هو انّ افتراض المال على الشخص لا معنى له إلّا بأحد وجهين:

الأوّل التقدير كي يكون الثابت على الشخص عملاً من الأعمال لا عيناً خارجية.

والثاني اعتبار ثقل واستعلاء للمال على الشخص كي يصحّ في طول هذا الاعتبار نسبة العلوّ إلى نفس العين فانْ استظهر الوجه الأوّل اختص الحديث بالحكم التكليفي، وإن فرض الوجه الثاني فمقتضى الإطلاق شمول الحديث للحكم التكليفي والوضعي وذلك لا بمعنى انّ الحديث دلّ على الحكم التكليفي بالمطابقة كي يقول السيد الخوئي بانّ الحكم التكليفي يتعلّق بالعمل لا بالعين بل بمعنى انّ الحديث دلّ على اعتبار العلوّ للمال على الشخص بكل اعتباراته ومنها الاعتبار المناسب للحكم التكليفي لما قلنا من أنّه إذا وجب ردّ المال صحّ ان يعتبر ان للمال ثقلاً على الشخص وإذا كان هذا هو مقصود الشيخ الايرواني (رحمه الله) لم يرد عليه أيضاً الإشكال الثاني للسيد الخوئي وهو عدم مناسبة قوله حتى تؤدّي لكونه

448

غاية للحكم التكليفي، إذ يكون معنى ذلك: على اليد أن تؤدّي حتى تؤدّي فانّ المعنى عندئذ يكون أنّ الثقل الاعتبار للمال على الشخص ينتهي بكل معانيه بالأداء.

نعم أثر هذا الإشكال الثاني يكون عبارة عن إبطال استظهار التقدير وتثبيت استظهار اعتبار نوع من الثقل والعلوّ للمال على الإنسان لانّه لو بنى على التقدير وبالتالي تخصيص الحديث بالحكم التكليفي لأصبح معنى الحديث: على اليد ان تؤدّي حتى تؤدّي وهو كلام غير منسجم فيتعين القول بانّ الحديث يعمّ الحكم الوضعي والتكليفي معاً.

وعلى أيّة حال فإن كان هذا هو مقصود الشيخ الايرواني (رحمه الله) ورد عليه: ما حقّق في محله من الاُصول من أنّ الإطلاق انّما يتمّ للكلام بالنسبة للأفراد أو الأقسام الحقيقية غير المتوقفة على فرض الاعتبار من قبل المتكلّم، امّا ما تكون فرديته في طول الاعتبار فالإطلاق انّما يتم في طول ان نعرف انّ المتكلّم لاحظ واعتبر جميع تلك الاعتبارات ولا يمكن ان نثبت بالإطلاق ان المتكلّم قد لاحظها واعتبرها جميعاً بالفعل، اذن فيكون القدر المتيقن من بينها أبرزها عرفاً وأبرز ما يعتبر ثقلاً للمال على الشخص ويعتبر علوّاً له عليه هو كون دركه عليه وانشغال ذمّته به لو تلف فحديث على اليد لا يدلّ على وجوب الردّ وجوباً تكليفياً.

ثمّ انّنا لو استظهرنا من حديث على اليد التقدير وحملناه على هذا الأساس على الحكم التكليفي يدخل الحديث عندئذ ضمن نصوص الوجه الثالث الدالة التي تنصّ على وجوب الأداء فلو أورد على دلالتها إيراد سيكون ذلك مشترك الورود بينها وبين حديث على اليد.

الوجه الثالث ـ نصوص الرد والأداء من قبيل:

 

449

1 ـ قوله تعالى: ﴿إنّ الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها﴾(1).

2 ـ ﴿فان أمن بعضكم بعضاً فليؤد الذي ائتمن أمانته﴾(2).

3 ـ رواية زريق وفيها: تردّ المعيشة إلى صاحبها وتخرج يدك عنها(3)والسند غير تام.

4 ـ رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر بسند تام قال سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الرجل يصيد الطير الذي يسوى دراهم كثيرة وهو مستوى الجناحين وهو يعرف صاحبه ايحلّ له إمساكه؟ فقال: إذا عـرف صـاحبه ردّه عليه وإن لم يكن يعرفه وملك جناحه فهو له وإن جاءك طالب لا تتهمه ردّه عليه(4).

5 ـ صدر ما مضى من حديث لا يحل دم امرىء مسلم ولا ماله وهي الرواية المروية عن زيد الشحام وعن سماعة عن الصادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها فانّه لا يحل دم امرىء مسلم ولا ماله إلّا بطيبة نفسه(5) وقد مضى الحديث عن ذيل الرواية في الوجه الأوّل والآن يكون النظر إلى صدرها.

6 ـ مرسلة حماد بن عيسى عن العبد الصالح (عليه السلام) وفيها: وله صوافي الملوك


(1) النساء: 58.

(2) البقرة: 283.

(3) الوسائل 12: 253، الباب 3 من عقد البيع وشروطه، الحديث الوحيد في الباب.

(4) الوسائل 17: 366، الباب 15 من أبواب اللقطة، الحديث 1.

(5) الوسائل 3: 424، الباب 3 من أبواب مكان المصليّ، الحديث 1، و 19: 3، الباب 1 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3.

450

ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب لانّ الغصب كله مردود(1).

وهذه النصوص التي جمعتها ما يكون منها راجعاً إلى الغصب أو يكون موردها أبعد أمانيّة من مورد المقبوض بالعقد الفاسد قد يصعب التعدّي منها إلى المقام وكذلك الآية الثانية واردة في القرض فقد يقال أيضاً بعدم التعدّي منها إلى المورد.

وعلى أيّة حال فالشيخ الاصفهاني (رحمه الله) قد أشار إلى نصوص الردّ دون نصوص الأداء وأبدى فيها احتمال المناقشة بتفسير الردّ بالتخلية بين المال والمالك دون الإرجاع الخارجي المادي.

أقول: يمكن توجيه ذلك بنحو يشمل أيضاً نصوص الأداء بان أمثال هذه الكلمات المستعملة في فقه المعاملات والأموال من قبيل الردّ والأداء والنقل والانتقال والتبادل وما شابه ذلك لا تحمل عادة على الردّ والنقل من مكان إلى مكان بل تحمل على الردّ والنقل من سلطة إلى سلطة إمّا سلطة قانونية كما في تعريف البيع بانّه تبديل عين بمال، أو سلطة واقعية كما في ردّ الغصب أو ردّ المقبوض بالبيع الفاسد وهذا لا يدلّ على أكثر من التخلية بين المال والمالك.

ثم انّ السيد الخوئي فصّل في المقام بين الردّ إلى نفس المالك في بيته مثلاً وبين الردّ إلى البلد الذي أخذ فيه هذا المتاع فذكر: انّ الأوّل غير واجب إذ لا دليل عليه ولكن الثاني واجب إذا أراده المالك لانّ المالك له المطالبة بإرجاع السلطنة على العين بكل خصوصيات السلطنة الدخيلة في الرغبة والقيمة ومن الواضح انّ


(1) الوسائل 6: 365، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 4، و 17: 309، الباب 1 من كتاب الغصب، الحديث 3.

451

المتاع تختلف مقدار الرغبة فيه وقيمته السوقية باختلاف البلاد فلو طالب المالك بهذه الخصوصية لا بدّ من توفيرها له نعم لو انتقل المالك إلى بلد آخر قبل إرجاع العين وطالب بردّ المال إليه في بلده الجديد لم تجب على الآخذ استجابته، لانّ هذه الخصوصية وهي خصوصية كون العين في البلد الجديد لم تكن ثابتة منذ البدء كي يجب عليه توفيرها وانّما عليه إرجاع المال إلى بلد الآخذ بطلب المالك إن كان قد أخرجه من ذلك البلد، والتخلية بينه وبين الملك في ذلك البلد سواء أكان المالك هناك أو كان منتقلاً إلى مكان آخر، ومؤونة الردّ إلى البلد تكون على الآخذ لانّه هو الذي أعدم هذه الخصوصية فعليه مؤونة إرجاعها، أمّا الردّ إلى بيت المالك مثلاً لو قلنا بوجوبه عليه بدليل مّا فليست مؤونته عليه لانّ خصوصية كونه عند المالك أو في بيت المالك لم تكن دخيلة في الرغبة والقيمة السوقية كي تكون مضمونة عليه، غاية الأمر فرض قيام دليل على وجوبه عليه لكن بمؤونة المالك الذي رغب في تحقيق هذه الخصوصية، أمّا كون مؤونة ذلك على الآخذ فهو ضرر عليه منفيّ بلا ضرر.

وتخيّل عدم جريان لا ضرر هنا لانّ الردّ بطبيعته ضرري وبحاجة إلى مؤونة والحكم الضرري بطبعه لا ينفى بلا ضرر إلّا في مورد اتفقت حاجة الردّ إلى مؤونة أكثر من المتعارف فالزيادة تنفى عنه بلا ضرر غير صحيح، لانّ الردّ ليس بطبيعته ضررياً إذ ما أكثر الردّ الذي لا مؤونة فيه كردّ فصّ من خاتم مثلاً فلا ضرر انّما ينفي إطلاق الحكم لا أصله(1).

أقول: إنّ هذا الكلام يمكن أن يثار حوله عديد من التساؤلات:

 


(1) راجع المحاضرات 2: 167 ـ 168، وراجع أيضاً مصباح الفقاهة 3: 124 ـ 126، مع بعض الفوارق في هذا الكتاب.

452

منها ـ انّه لو اتفق انّه لم تكن لخصوصية كون العين في بلد الاخذ أثر في الرغبة أو القيمة السوقيتين أو كانت الرغبة والقيمة في البلد الذي نقل الآخذ العين إليه أقوى منها في بلد الآخذ فهل يجب هنا الرد إلى بلد الآخذ لو رغب المالك في ذلك لانّ خصوصية البلد عادة لها دخل في مقدار الرغبة والقيمة أو لا يجب ذلك لانّ هذه ا لخصوصية بالفعل لا دخل لها في الرغبة والقيمة؟

ومنها ـ انّه لم لا نقول أيضاً بضمان خصوصيات السلطنة التي للمالك رغبة شخصية فيها ولو لم تكن دخيلة في الرغبة والقيمة السوقيتين؟! كما هو الحال في أوصاف العين فلو انّ الغاصب غيّر لون العين المغصوبة من البياض إلى الإحمرار مثلاً ولم يكن تبدل اللون مؤثراً في الرغبة والقيمة السوقيتين لكن للمالك رغبة شخصية في الوصف المتغيّر فلا إشكال في أنّ على الغاصب إعادة اللون مع الإمكان وإن لم يكن عليه ضمان مالي لدى العجز عن إعادة اللون لانّنا فرضنا عدم دخله في القيمة السوقية أفلا يكون ما نحن فيه من هذا القبيل؟!

ومنها ـ انّه لم لا نقول: إنّ خصوصيات السلطنة غير مضمونة في المقام وإن كانت مضمونة في باب الغصب؟! لانّ المالك دخيل في إعدامها بإعدام أصل السلطنة حينما سلّم العين إلى الآخذ فهذا نظير تفويت المنافع غير المستوفاة التي قلنا بعدم ضمانها لكون المالك دخيلاً في ذلك وانّما دلّ الدليل على وجوب التخلية بين المالك والمال والمفروض قيام الآخذ بذلك ولا دليل على أكثر من ذلك، لما عرفت من المناقشة في وجوه وجوب الردّ وهذا بخلاف باب الغصب لانّ الغاصب هو الذي أزال سلطنة المالك على المال فيجب عليه إرجاعها بالنحو الذي كان قبل الإزالة ولو بردّه إلى بيت المالك.

وأمّا باب الدَين فهو يختلف عمّا نحن فيه وعن باب الغصب فالمفروض ان

453

تُرسى حدود وجوب الردّ أو التخلية فيه على أساس المرتكزات العرفية المختلفة من عرف إلى عرف باختلاف الأزمنة والأمكنة والتي تولّد شرطاً ارتكازياً ضمنياً في عقد القرض يجب الوفاء به.

 

ضمان المنافع:

الرابع: ممّا ذكره الأصحاب من أحكام المقبوض بالعقد الفاسد هو ضمان المنافع المستوفاة أو مطلقاً وقد بحثنا ذلك مفصلاً لدى تعرّضنا للفروع التي ذكروها كنقض على قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده حيث تعرّضوا هناك أيضاً لهذه المسألة باعتبار انّ منافع المبيع بالبيع الصحيح لا تضمن بصحيحه فكيف تضمن بفاسده؟! ونحن بما انّنا فصّلنا الكلام هناك فهنا نجمل الكلام إلّا من ناحية ما أوردوه من بحث الخراج بالضمان وما أورده السيد الخوئي من دعوى القاعدة المتصيدة باسم قاعدة من أتلف مال الغير فهو له ضامن.

المنافع المستوفاة:

وقد اختار السيد الخوئي في المقام ـ في فرض استيفاء المنفعة ـ الضمان، وذكر: انّ عمدة الدليل عليه السيرة العقلائية وقاعدة (من أتلف مال الغير فهو له ضامن) ولا يقصد بالقاعدة قاعدة عقلائية كي يرجع الأمر مرّة اُخرى إلى السيرة ولا يقصد بها نصاً خاصاً بهذا المضمون حتى يقال: لم نجد نصاً خاصاً بذلك بل يقصد بها قاعدة متصيدة من النصوص الواردة في الموارد المختلفة والمستظهر منها كون موردها من باب المثال لا لخصوصية فيها(1).


(1) راجع المحاضرات 2: 177 ـ 181، وراجع مصباح الفقاهة 3: 130 ـ 132، وراجع ذيل الصفحة 131، المثبّت فيها بعض الروايات التي يدعى تصيد هذه القاعدة منها.

454

وقد نقل عن الوسيلة لابن حمزة القول بعدم الضمان محتجاً بانّ الخراج بالضمان كما في النبوي(1).

ونحن هنا نتكلّم تارة في أنّه هل يمكن إثبات قاعدة من أتلف مال الغير فهو له ضامن عن طريق الروايات وبقطع النظر عن السيرة العقلائية أو لا؟ واُخرى في قاعدة الخراج بالضمان:

أمّا قاعدة من أتلف مال الغير فهو له ضامن فقد ادّعى السيد الخوئي كما مضى إمكانية استفادتها بالتصيد من الروايات المختلفة الواردة في أبواب متشتتة من قبيل روايات الرهن والعارية والمضاربة والإجارة والوديعة وغير ذلك(2).

أقول: إنّ الروايات التي يمكن أن تستفاد منها هذه القاعدة في موارد مختلفة كثيرة(3) ولو كانت كلّها مخصوصة بالعين لا بالمنافع فلعلّه كان بالإمكان أن يقال باحتمال الفرق ولكن فيها ما ورد في منافع الجارية المسروقة المشتراة(4)والكلام في أنّه هل يمكن ان تستفاد منها قاعدة عامّة لكل موارد الإتلاف أو لا؟

وهناك طريقان لاستفادة القاعدة العامّة من الروايات:

 


(1) راجع المكاسب للشيخ الأنصاري 1: 104، حسب طبعة الشهيدي.

(2) راجع مصباح الفقاهة 3: 131.

(3) راجع الوسائل 13: 125، الباب 5 من كتاب الرهن، و 128، الباب 7 منه أيضاً، و 240، الباب 4 من العارية، و 180، الباب 1 من المضاربة، و 229، الباب 5 من الوديعة، و 254، الباب 16 و 271، الباب 29 و 276، الباب 30 و 281، الباب 32 من الإجارة وإن كان بعضها مربوطاً بباب التلف يمكن ان يتعدّى منه إلى الإتلاف بالأولوية وراجع الجزء 18، الباب 11 من أبواب الشهادات وإن كان ذاك مختصاً بشهادة الزور التي ليست إتلافاً مباشرة أمكن التعدّي إلى الإتلاف المباشر بالأولوية.

(4) راجع الوسائل 14: 591 ـ 592، الباب 88 من نكاح العبيد والإماء.

455

الأوّل ـ استفادتها من نصّ من النصوص.

والثاني ـ تصيّدها من مجموعة النصوص.

أمّا الطريق الأوّل ـ فلعلّ النص الذي قد تستظهر منه هذه القاعدة على الإطلاق منحصر بنص واحد وهو ما عن اسحاق بن عمّار بسند تام قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الرجل يرهن الرهن بمأة درهم وهو يسوى ثلاثمأة درهم فيهلك أعلى الرجل أن يردّ على صاحبه مأتي درهم؟ قال: نعم لانّه أخذ رهناً فيه فضل وضيّعه(1) فقد يقال: إنّ مقتضى عموم التعليل ثبوت الضمان في كل مورد ضيّع شخص مال شخص آخر.

وأمّا الطريق الثاني ـ فهو موقوف على أحد أمرين:

الأوّل ـ دعوى انّ الروايات المتفرقة في الأبواب المتفرقة تبعث في النفس بالوثوق والإطمئنان بالقاعدة العامّة.

والثاني ـ دعوى انّ الروايات المتفرقة يجب ان نتعامل معها معاملة العبائر المتصل بعضها ببعض مع دعوى ان هذه الروايات لو ضمّ بعضها إلى بعض لاستظهرت منها إرادة إفهام القاعدة العامّة وأن مواردها ليست عدا مجرّد أمثلة لا خصوصية لها.

إلّا انّ قاعدة التعامل مع المنفصلات في الشريعة معاملة المتصلات لو قبلت فانّما تقبل في النصوص المتعارضة كالعام والخاص أو المطلق والمقيد حيث يقال: إنّ هذا التعارض نشأ من الإنفصال أمّا مع فرض الاتصال فتتم القرينية وذو القرينية بين مثل العام والخاص أو المطلق والمقيد وبما انّ دأب الشريعة جرى


(1) الوسائل 13: 129، الباب 7 من أبواب الرهن، الحديث 2.