94

يوسف(عليه السلام) ينتزع الاعتراف ببراءته:

قوله تعالى: ﴿قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ...﴾من حكمته(عليه السلام) أنّه حينما جاء الرسول قاصداً إخراجه من السجن لم يقبل


يذكرهنّ أيضاً بسوء إلاّ بأمر يظهر بالتحقيق فيه براءته و نزاهته من أيّ مراودة وفحشاء تنسب إليه، ولم يذكرهنّ بشيء من المكروه إلاّ ما في قوله: ﴿إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ﴾ وليس إلاّ نوعاً من بثّ الشكوى إلى ربّه.

﴿قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ... الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ﴾الخطب: الأمر العظيم الذي يكثر فيه التخاطب. وحصحص الحقّ، أي: وضح، وذلك بانكشاف ما يظهره. وقوله: ﴿قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ﴾ جواب عن سؤال مقدّر على ما في الكلام من حذف وإضمار إيجازاً، والتقدير: كأنّ سائلا يسأل، فيقول: فما الذي كان بعد ذلك؟ وما فعل الملك؟ فقيل: رجع الرسول إلى الملك، وبلّغه ما قاله يوسف، وسأله من القضاء، فأحضر النسوة، وسألهنّ عمّا يهمّ من شأنهنّ في مراودتهنّ ليوسف: ما خطبكنّ إذ راودتنّ يوسف عن نفسه؟ قلن: حاش لله ما علمنا عليه من سوء. فنزّهنه عن كلّ سوء، وشهدن أنّهنّ لم يظهر لهنّ منه ما يسوء فيما راودنه عن نفسه. فعند ذلك تكلّمت امرأة العزيز وهي الأصل في هذه الفتنة، واعترفت بذنبها، وصدّقت يوسف(عليه السلام) فيما كان يدّعيه من البراءة، قالت: الآن حصحص ووضح الحقّ، وهو: أنّه أنا راودته عن نفسه، وأنّه لمن الصادقين.

95

هو بذلك؛ لأنّ هذا كان يعني: أنّ يوسف غلام مجرم قد أدخله الجرم السجن، ثُمّ عفا عنه الملك وأفرج عنه، فأراد يوسف(عليه السلام) أن يأخذ منهم الاعتراف ببراءته، فامتنع من ترك السجن إلى أن يحقّقوا مع النسوة اللاتي قطّعن أيدهنّ: ما بالهنّ في كيدهنّ؟

ويبدو أنّ من أدبه ـ سلام الله عليه ـ أنّه لم يعرّض بزليخا امرأة العزيز، وإنّما عرّض بتلك النسوة برغم أنّ الأساس والأصل في سجنه طوال سنين كانت هي زليخا؛ وذلك لأنّها كانت ربّة البيت، واعتنت به على أحسن ما يكون في بيتها عدداً من السنين، وأكرمت مثواه، فكأنّها استحقّت عنده عدم التعريض المباشر بها برغم كلّ الجفاء والإيذاء بعد ذلك.

وحينما استنطقهنّ الملك اعترفن بطهارة يوسف ونزاهته، وحينما رأت امرأة العزيز ذلك قالت: ﴿الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾.

* * *

96

 

 

 

﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ * وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾(1).

 



(1) الآية: 52 ـ 53.

﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ...﴾أي: إنّ اعترافي على نفسي بذلك ليعلم يوسف أنّي لم أخنه بالغيب؛ لأنّ العزيز سألها ولم يكن يوسف حاضراً. والخيانة: مخالفة الحقّ بنقض العهد في السرّ. والكيد: الاحتيال في إيصال الضرر إلى صاحبه، واللام في قوله ﴿لِيَعْلَمَ﴾ لام (كي)، ومعناها تعليق ما دخلت عليه بالفعل الذي قبله، بمعنى: أنّه وقع من أجله، وقوله: ﴿وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾أي: لا يدعوهم إليها، ولا يرغّبهم فيها، وإنّما يفعلونها بسوء اختيارهم، فبناءً على أنّ الجملة هذه من كلام امرأة العزيز ـ كما يقتضيه ظاهر العبارة ـ فإنّها من أجل اعترافها الصريح بنزاهة يوسف، وما أخطأته في حقّه تقيم دليلين:

الأوّل: أنّ وجدانها ـ ويحتمل بقايا علاقتها بيوسف ـ لا يسمح لها أن

97

الآيتان من كلام يوسف(عليه السلام) أو امرأة العزيز؟

ذهب السيّد الطباطبائيّ(رحمه الله) في الميزان(1) إلى أنّ هاتين الآيتين هما من كلام يوسف الذي أرسله من السجن إلى المِلك، وعليه فالمعنى: أنّ يوسف(عليه السلام) طلب في ضمن ما أرسله: أنّكم قوموا بالفحص؛ ليعلم العزيز أنّي لم أخنه بالغيب في امرأته، وليس مقصودي بذلك تنزيه النفس، وإنّما ذلك منسوب إلى لطف الله بي؛ فإنّ النفس بحدّ ذاتها أمّارة بالسوء إلاّ ما رحم ربّي، فقوله: ﴿أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾ لمّا لم يكن يخلو


تستر الحقّ أكثر من هذا.

الثاني: أنّه من مشاهدة الدروس المليئة بالعبر على مرور الزمن تجلّت لها هذه الحقيقة: وهي أنّ الله يرعى الصالحين، ولا يوفّق الخائنين في مرادهم أبداً؛ ولهذا بدأت الحجب تنقشع عن عينيها شيئاً فشيئاً، وتلمس الحقيقة، فلا عجب أن تعترف بهذا الاعتراف الصريح.

وتواصل امرأة العزيز القول: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي﴾والتبرئة: إزالة الشيء عمّا كان لازماً له؛ لأنّ النفس أمّارة بالسوء، أي: تنزع إلى السوء، فلست اُبرّئ نفسي من ذلك، والأمّارة: الكثيرة الأمر بالشيء.


(1) ج 11 من طبعة إسماعيليان، ص 196 ـ 199.

98

من شائبة دعوى الحول والقوّة، في حين أنّه هو من المخلَصين المتوغّلين في التوحيد الذين لا يرون لغيره تعالى حولاً ولا قوّة، بادر إلى نفي الحول والقوّة عن نفسه، ونسبةِ ما ظهر منه من عمل صالح وصفة جميلة إلى رحمة ربّه.

واستدلّ على هذا التفسير بوجوه، مهمّها وجه واحد، وهو: أنّ جملة﴿إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾تشتمل على معارف جليلة توحيديّة لا تصدر إلاّ عن بيوت الأ نبياء، ومَن في خطّ الأنبياء، لا عن بيوت المشركات وامرأة محاطة بها الأهواء.

ولكن الشيخ ناصر مكارم ـ حفظه الله ـ أصرّ(1) على أنّ هذا الكلام كلام امرأة العزيز.

وعليه فالمعنى: أنّ امرأة العزيز اعترفت بالحقّ قائلةً: إنّني أقول ذلك ليعلم يوسف أنّي لم أخنه بالغيب، وما اُبرّئ نفسي ممّا صدر عنّي من المراودة عن نفسه؛ فإنّ النفس لأمّارة بالسوء إلاّ ما رحم ربّي.

وخلاصة ما أفاده ـ حفظه الله ـ في المقام مايلي:

ذكر بعض من المفسّرين: أنّ الآيتين الأخيرتين من كلام يوسف



(1) تفسر الأمثل، ج 7، ص 230.

99

ذكره في السجن لرسول الملك، فهو يقول: إنّي أطلب أن تحقّقوا مع النسوة؛ كي يعلم العزيز أنّي لم أخنه بالغيب في امرأته، وفي نفس الوقت لا اُبرّئ نفسي، فالنفس بحدّ ذاتها أمّارة بالسوء إلاّ ما رحم ربّي.

قال حفظه الله: والظاهر: أنّ الدافع لهؤلاء إلى هذا التفسير هو: أنّهم لم يريدوا أن ينسبوا هذا المستوى من التنبّه والمعرفة إلى امرأة العزيز، في حين أنّه لا يبعد أن يصبح الإخفاق والانصدام لشخص في مقابل أهوائه وطيشه سبباً لتحقّق حالة الصحو والإحساس بالذنب والخجل(1)، وقد شوهد كثيراً أنّ الإخفاق في العشق المجازيّ أدّى إلى الانتهاء إلى التعشّق الحقيقيّ، وهو تعشّق الله سبحانه وتعالى، ويشهد لحصول هذا التنبّه لزليخا عدد من الروايات الواردة في حكاية حالها في السنين المتأخّرة من حياتها(2).



(1) خاصّة أنّه لم يثبت أنّها لم تكن تؤمن بالله تعالى، فلعلّها كانت تؤمن به، وكانت تعبد الأصنام بتخيّل أنّها تقرّبها إلى الله زلفى. (من المؤلّف دام ظلّه).

(2) من قبيل ما روي في الأماليّ عن الإمام الباقر(عليه السلام) من قول امرأة العزيزليوسف: «الحمد لله الذي جعل العبيد ملوكاً بطاعته، وجعل الملوك عبيداً بمعصيته». راجع الأماليّ للشيخ الطوسي(رحمه الله)، ص 456، بحسب نشر دار الثقافة بقم. وراجع البحار، ج 12، ص 269. (من المؤلّف دام ظلّه).

100

وقال حفظه الله: إنّ ربط هاتين الآيتين بكلام يوسف في السجن خلاف الظاهر، وبعيد غاية البعد، ولا يلائم أيّ معيار من معايير الفصاحة والبلاغة القرآنيّة:

فأوّلاً: قد ابتدأت الآية بكلمة ﴿ذَلِكَ﴾ وهي إشارة إلى كلام سابق لتعليله بعلّته، والكلام السابق هو كلام امرأة العزيز، و يكون إرجاعها إلى كلام يوسف الوارد مع الفاصل الكبير عجيباً وبعيداً غاية البعد.

وثانياً: كيف تلائم جملة: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾كلام يوسف الذي هو بصدد إثبات براءة نفسه، وإنّما يناسب هذا الكلام مَن يكون قد صدرت عنه أقلّ زلّة، ونحن نعلم أنّ يوسف(عليه السلام)لم تصدر عنه أقلّ زلّة(1).

ومن طريف ما يحكى في التحوّل من التعشّق المجازيّ بعد الإخفاق في هذا الطريق قصّة الشاعر الأديب البارع الإيرانيّ المعروف بشهريار(رحمه الله).

والمحكيّ مايلي: إنّه(رحمه الله) كان في عنفوان شبابه يتعشّق بنتاً، ويريد الزواج بها، لا أنّه(رحمه الله) كان يقصد الفجور لا سمح الله، ولكن أهلها امتنعوا عن تزويجها إيّاه إلى أن زوّجوها من شخص آخر، فانصدم شهريار، وترك هذه الحالة، وبعدها أنشأ القصيدة الاُولى، أو



(1) وستأتي تتمّة كلام سماحة الشيخ ناصر مكارم حفظه الله بعد نقل قصّة شهريار.

101

القصيدتين المعروفتين بشأن عليّ(عليه السلام):

إحداهما: القصيدة الرائعة المعروفة المبدوّة بقوله:

على اى هماى رحمت تو چه آيتى خدا را
كه به ما سوا فكندى همه سايه ى هما را(1)

والثانية: قصيدته الرائعة المعروفة الاُخرى المبدوّة بقوله:

على اى شير خدا شاه عرب
الفتى داشته با اين دل شب
شب ز اسرار على آگاه است
دل شب محرم سرّ الله است(2)



(1) راجع المجلّد الأوّل من ديوانه، ص 98.

والشاعر في هذا البيت يصف عليّاً(عليه السلام) بأنّه (هماى رحمت) و (هما) تعني: طائر السعد، وكان يعتقد القدماء بأنّ من يقع ظلّ هذا الطائر على رأسه فسيكون سعيداً، وكان مضرب المثل في الـيُمن والسعادة.

فالشاعر يخاطب عليّاً(عليه السلام):

يا عليّ يا طائر الرحمة أيّ آية أنت من آيات الله
حيث أظللت جميع الخلائق بظلّك

(2) راجع نفس المصدر، ص 615. ←

102

وإنّي أعتقد أنّ هذا المرحوم لو فرض غارقاً في الذنوب، فإنّ الله تعالى قد غفرها له بسبب هاتين القصيدتين.

و تشهد لذلك قصّة غريبة تنقل عن المرحوم آية الله العظمى السيّد المرعشيّ النجفيّ(رحمه الله)، والناقل للقصّة هو نجل السيّد المرعشيّ، أعني: سماحة السيّد محمود المرعشيّ حفظه الله، فإنّ له مقالاً منشوراً في مجلّة (شهاب) الفصليّة(1) الصادرة عن مكتبة المرحوم آية الله المرعشيّ النجفيّ، وترجمته باللغة العربيّة ما يلي:

كان يقول سماحة آية الله العظمى المرعشيّ النجفيّ(رحمه الله)مراراً وتكراراً: إنّني توسّلت إلى الله في ليلة من الليالي أن أرى وليّاً من أولياء الله، فرأيت في تلك الليلة في عالم الرؤيا: أنّي جالس في مسجد الكوفة


وإليك معنى البيتين:

يا عليّ ـ يا أسد الله وملك العرب ـ
إنّ لك اُلفة مع جوف الليل
الليل مطّلع على أسرار عليّ
وجوف الليل مَحْرم سرّ الله

(1) العدد 11، ص 59 ـ 60.

103

و فيه مولانا أميرالمؤمنين(عليه السلام) مع ثلّة من الناس، فأمر أميرالمؤمنين(عليه السلام)بإحضار شعراء أهل البيت، فأحضروا عدداً من شعراء العرب، فأمر(عليه السلام)بإحضار شعراء الفرس، فأحضروا الشاعر الإيراني (محتشم) و عدداً آخر، فقال(عليه السلام): أين شهريارنا؟ فجاء شهريار، فقال(عليه السلام): أنشدنا شعرك، فأنشد شهريار:

على اى هماى رحمت توچه آيتى خدا را
كه به ما سوا فكندى همه سايه ى هما را...

إلى آخر الأبيات، ثُمّ قال سماحة آية الله العظمى المرعشيّ النجفيّ(رحمه الله): حينما تمّت أبيات شهريار استيقظت من النوم، ولمّا كنت لم أرَ ـ حتّى ذاك الوقت ـ شهريار، فسألت في اليوم التالي: من هو شهريار الشاعر؟ فقيل لي: هو شاعر يسكن (تبريز)، فقلت: ادعوه لي إلى قم. فدعوه وجاءني بعد عدّة أيّام، فرأيته هو الشخص الذي شاهدته في الرؤيا عند أمير المؤمنين(عليه السلام)، فسألته متى أنشأت أبيات «على اى هماى رحمت...»؟فسألني شهريار متعجّباً كيف عرفت بإنشائي لهذه الأبيات مع أنّيلم اُبرزها حتّى الآن لأحد، و لم أتحدّث عنها إلى أحد؟! فقال المرحومآية الله العظمى: رأيت في عالم الرؤيا قبل عدّة ليالي أميرالمؤمنين(عليه السلام)في مسجد الكوفة، فأحضر(عليه السلام)شعراء أهل البيت، فحضر عنده شعراء العرب، ثُمّ طلب(عليه السلام) حضور شعراء الفرس، فحضروا، فقال(عليه السلام): أين

104

شهريارنا؟ فحضرت أنت، فأمرك بإنشاد أبياتك، فأنشدتَ أنت أبياتاً أتذكّر مطْلَعها «على اى هماى رحمت...» فغمرت شهريار حالة الخشوع، و تقلَّب حاله بشكل عجيب، و قال: إنّي أنشأتها في الليلة الفلانيّة، وكما قلتُ لكم: إنّي لم اُخبر أحداً حتّى الآن بذلك.

قال المرحوم آية الله المرعشيّ: حينما عيّن لي شهريار تأريخ الأبيات وساعة إنشائها تبيّن لي أنّ رؤياي مقارنة بآخر مصراع من بيته.

قال السيّد محمود المرعشيّ ـ حفظه الله ـ في آخر مقاله: إنّ الوالد كان يقول مراراً وتكراراً بعد نقل هذه القصّة: إنّي متأكّد من أنّ شهريار اُلهم هذه الأبيات حتّى استطاع إنشاءَها بهذه المضامين الراقية، و هو من أولاد الزهراء أيضاً، سلام الله عليها(1).

 


(1) أقول: يعزّ عليّ أن يخلو هذا الكتاب من نقل هذه الأبيات:

على اى هماى رحمت تو چه آيتى خدا را
كه به ما سوا فكندى همه سايه ى هما را
دل اگر خدا شناسى همه در رخ على بين
به على شناختم من به خدا قسم خدا را
به خدا كه در دو عالم اثر از فنا نماند
چو على گرفته باشد سر چشمه ى بقا را ←
105


مگر اى سحاب رحمت تو ببارى ارنه دوزخ
بشرار قهر سوزد همه جان ما سوا را
برو اى گداى مسكين در خانه ى على زن
كه نگين پادشاهى دهد از كرم گدا را
به جز از على كه گويد به پسر كه قاتل من
چو اسير توست اكنون به اسير كن مدارا
به جز از على كه آرد پسرى ابو العجايب
كه علم كند به عالم شهداى كربلا را
چو به دوست عهد بندد زميان پاك بازان
چو على كه مى تواند كه به سر برد وفا را
نه خدا توانمش خواند نه بشر توانمش گفت
متحيّرم چه نامم شه ملك لا فتى را
به دو چشم خون فشانم هله اى نسيم رحمت
كه زكوى او غبارى به من آر توتيا را ←
106

ومن الطريف ما يحكى أيضاً من أنّ شهريار تمرّض بعد نأي من الزمن مرضاً شديداً، كان يعتقد أنّ هذا هو مَرَض الموت (ولكنّه شوفي بعد ذلك)، فتلك المرأة التي كان يعشقها في عنفوان شبابه اطّلعت على مرضه، فقرّرت زيارته، فحينما وصلت إلى محلّه، أراد شهريار أن يقوم لها فلم يستطع، وسقط على الأرض، فقام ثانيةً ولم يستطع، وسقط مرّةً


به اميد آن كه شايد برسد به خاك پايت
چه پيام ها سپردم همه سوز دل صبا را
چو تويى قضاى گردان به دعاى مستمندان
كه زجان ما بگردان ره آفت قضا را
چه زنم چو ناى هر دم زنواى شوق او دم
كه لسان غيب خوش تر بنوازد اين نوا را
همه شب در اين اميدم كه نسيم صبحگاهى
به پيام آشنايى بنوازد آشنا را
ز نواى مرغ ياحق بشنو كه در دل شب
غم دل به دوست گفتن چه خوش است شهريارا

(من المؤلّف دام ظلّه).

107

اُخرى على الأرض، فقام ثالثةً وسقط على الأرض أيضاً، فأنشأ بالبداهة المقطع الغزليّ الرائع المبدوّ بقوله:

آمدى جانم به قربانت ولى حالا چرا؟
بي وفا حالا كه من افتاده ام از پا چرا؟(1)

ولمّا كان يعتقد أنّ مرضه هذا سينتهي إلى الموت، ختم هذا المقطع بقوله:

شهريارا بى حبيب خود نمى كردى سفر
اين سفر راه قيامت مى روى تنها چرا؟(2)

نعم، كلّ واحد منّا سيلاقي ربّه لدى الموت وحده، ولا قرين له إلاّ عمله، قال قيس بن عاصم:

 



(1) المصدر السابق، ص 184.

وإليك معنى البيت:

قد أتيتِ، فداؤكِ نفسي، لكن لِمَ الآن؟
يا عديمة الوفاء، لِمَ الآن وقد هرمتُ؟

(2) وإليك معنى البيت:

يا (شهريار) لم تكن تسافر بلا حبيبك
فلماذا عزمت الرحيل رحيل القيامة وحيداً؟
108

تخيّرْ خليطاً من فعالِكَ إنّما
قرينُ الفتى في القبرِ ما كانَ يفعلُ
فإن كنتَ مشغولاً بشيء فلا تكنْ
بغيرِ الذي يرضى بهِ اللهُ تشغلُ
 

وثالثاً(1): ما معنى ﴿لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾؟ هل يعني ذلك: (ليعلم العزيز أنّي لم أخنه بالغيب)، في حين أنّ العزيز علم بذلك منذ أن شهد الشاهد من أهلها، ورأى أنّ القميص قُدَّ من دُبُر، وأمر زليخا بالاستغفار؟ أو يعني: (ليعلم الملِك أنّي لم أخنه بالغيب)، ويفترض: أنّه غير العزيز، في حين أنّ المسألة لا علاقة لها بخيانة الملِك؟

أقول: إنّ حجج الشيخ ناصر مكارم ـ حفظه الله ـ أقوى من حجج السيّد الطباطبائيّ(رحمه الله).

 

* * *

 


(1) هذه تتمّة كلام سماحة الشيخ ناصر مكارم حفظه الله.

109

 

 

 

﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ * قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ مَكَّنـَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الُْمحْسِنِينَ * وَلاََجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾(1).

 



(1) الآية: 54 ـ 57.

﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي...﴾يقال: استخلصه، أي: جعله خالصاً. والمكين: صاحب المكانة والمنزلة. والمعنى: وقال الملك: ائتوني بيوسف أجعله خالصاً لنفسي وخاصّة لي، فلمّا اُتي به إليه وكلّمه، قال له: إنّك اليوم ـ وقد ظهر من كمالك ما ظهر ـ لدينا ذو مكانة مطلقة وأمانة مطلقة، يمكّنك كمالك ذلك من كلّ ما تريد، ويأتمنك على جميع شؤون الملك.

﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ...﴾لمّا عهد الملك ليوسف: أنّك اليوم لدينا مكين أمين، سأله يوسف(عليه السلام) أن ينصبه على خزائن الأرض، ويفوّض إليه أمرها، والمراد بالأرض أرض مصر. ولم يسأله ذلك إلاّ ليتقلّد بنفسه إدارة

110

يوسف(عليه السلام) يتولّى خزائن الأرض:

ولمّا رأى الملك فراسة يوسف(عليه السلام) في تفسير الرؤيا، وحكمته العظيمة للتخطيط لخمس عشرة سنة الآتية من سنيّ مصر، وإثباته لبراءة نفسه بأفضل وجه، قال: ائتوني به أستخلصه لنفسي، فلمّا كلّمه ورآه في منتهى العقل والدراية والفطنة، قال: إنّك لدينا مكينٌ في الاُمور والتصرّفات، أمينٌ معتمدٌ في أمانتك.

 


أمر أرزاق الناس، فيجمعها ويدّخرها للسنين السبع الشداد التي سيستقبلها الناس، وتنزل عليهم جدبها ومجاعتها، ويقوم بنفسه لقسمة الأرزاق بين الناس وإعطاء كلّ منهم ما يستحقّه.

﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنـَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ...﴾التمكين: هو الإقدار. والتبوّء: أخذ المكان. والإشارة بقوله: كذلك إلى ما ساقه من القصّة بما انتهى إلى نيله(عليه السلام)عزّة مصر، وهو حديث السجن، وقد كانت امرأة العزيز هدّدته بالصغار بالسجن، فجعله الله سبباً للعزّة. وقوله: ﴿وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الُْمحْسِنِينَ﴾إشارة إلى أنّ هذا التمكين أجر اُوتيه يوسف(عليه السلام)، ووعد جميل للمحسنين جميعاً أنّ الله لا يضيع أجرهم.

﴿وَلاََجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ...﴾ أي: لأولياء الله من عباده، فهو وعد جميل اُخرويّ لأوليائه تعالى خاصّة، وكان يوسف(عليه السلام)منهم.

111

قال يوسف(عليه السلام): ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ﴾ نقل فيكنز الدقائق(1) عن تفسير عليّ بن إبراهيم: يعني على الكناديج والأ نابير(2)﴿إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾.

وروي في كنز الدقائق(3) عن مجمع البيان، عن الرضا(عليه السلام): «وأقبل يوسف على بيع الطعام، فباعهم في السنة الاُولى بالدراهم والدنانير حتّى لم يبقَ بمصر وما حولها دينار ولا درهم إلاّ صار في ملكيّة يوسف، وباعهم في السنة الثانية بالحليّ والجواهر حتّى لم يبقَ بمصر وما حولها حليّ ولا جواهر إلاّ صار في ملكيّة يوسف، وباعهم في السنة الثالثة بالدوابّ والمواشي حتّى لم يبقَ بمصر وما حولها دابّة ولا ماشية إلاّ صارت في ملكيّة يوسف، وباعهم في السنة الرابعة بالعبيد والإماء حتّى لم يبقَ بمصر وما حولها عبد ولا أمة إلاّ صار في ملكيّةيوسف، وباعهم في السنة الخامسة بالدور والعقار حتّى لم يبقَ



(1) ج 6، ص 325.

(2) الكناديج: جمع الكندوج، شبه مخزن من تراب، أو خشب توضع فيه الحنطة. والأنابير: جمع أنبار، بيت التاجر الذي يجمع فيه المتاع والغِلال. (من المؤلّف دام ظلّه).

(3) ج 6، ص 330 ـ 331.

112

بمصر وما حولها دارٌ ولا عقار إلاّ صار في ملكيّة يوسف، وباعهمفي السنة السادسة بالمزارع والأ نهار حتّى لم يبقَ بمصر وما حولهانهر ولا مزرعة إلاّ صار في ملكيّة يوسف، وباعهم في السنة السابعة برقابهم حتّى لم يبقَ بمصر وما حولها عبد ولا حرّ إلاّ صار عبديوسف. فملك أحرارهم وعبيدهم وأموالهم. وقال الناس: ما رأيناولا سمعنا بملك أعطاه الله من الملك ما أعطى هذا الملك حكماًوعلماً وتدبيراً!

ثُمّ قال يوسف للملك: أيّها الملك، ما ترى فيما خوّلني ربّي من ملك مصر وأهلها؟ أشر علينا برأيك، فإنّي لم اُصلحهم لأفسدهم، ولم اُنجهم من البلاء لأكون بلاءً عليهم، ولكنّ الله نجّاهم على يدي، قال له الملك: الرأي رأيك.

قال يوسف: إنّي اُشهد الله واُشهِدك أيّها الملك، أنّي قد أعتقت أهل مصر كلّهم، ورددت إليهم أموالهم وعبيدهم، ورددت عليك أيّها الملك، خاتمك وسريرك و تاجك على أن لا تسير إلاّ بسيرتي، ولا تحكم إلاّ بحكمي.

قال له الملك: إنّ ذلك لشرفي وفخري أن لا أسير إلاّ بسيرتك، ولا أحكم إلاّ بحكمك، ولولاك ما قويت عليه، ولا اهتديت له، ولقد جعلت سلطاني عزيزاً لا يُرام، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده

113

لا شريك له، و أنّك رسوله. فأقم على ما وُلّيت؛ فإنّك لدينا مكين أمين».

انتهى ما أردنا نقله عن كنز الدقائق بشأن الملك.

 

مآل أمر زليخا:

أمّا زليخا حينما تقدّم سنّها فأروي بشأنها عن البحار الروايات التالية:

1 ـ عن الباقر(عليه السلام) قال: «لمّا أصابت امرأة العزيز الحاجة، قيل لها: لو أتيت يوسف بن يعقوب، فشاورت في ذلك، فقيل لها: إنّا نخافه عليك، قالت: كلاّ إنّي لا أخاف من يخاف الله، فلمّا دخلت عليه فرأته في ملكه، قالت: الحمد لله الذي جعل العبيد ملوكاً بطاعته، وجعل الملوك عبيداً بالمعصية. فتزوّجها فوجدها بكراً، فقال لها: أليس هذا أحسن؟! أليس هذا أجمل؟! فقالت: إنّي كنت بُليت منك بأربع خلال: كنتُأجمل أهل زماني، وكنتَ أجمل أهل زمانك، وكنتُ بِكراً، وكانزوجي عنّيناً»(1).

2 ـ عن الصادق(عليه السلام) قال: «استأذنت زليخا على يوسف، فقيل لها: يا زليخا، إنّا نكره أن نقدم بكِ عليه؛ لما كان منك إليه، قالت:



(1) البحار، ج 12، ص 269.

114

إنّي لا أخاف من يخاف الله. فلمّا دخلت قال لها: يا زليخا، مالي أراكِ قد تغيّر لونُك؟! قالت: الحمد لله الذي جعل الملوك بمعصيتهم عبيداً، وجعل العبيد بطاعتهم ملوكاً، قال لها: يا زليخا، ما الذي دعاك إلى ما كان منك؟! قالت: حسن وجهك يا يوسف، فقال: كيف لو رأيت نبيّاً يقال له محمّد يكون في آخر الزمان، أحسن منّي وجهاً، وأحسن منّي خُلُقاً، وأسمح منّي كفّاً؟ قالت: صدقت، قال: وكيف علمتِ أنّي صدقت؟ قالت: لأنّك حين ذكرته وقع حبّه في قلبي، فأوحى الله عز وجلإلى يوسف: أنّها قد صدقت، وأنّي قد أحببتها لحبّها محمّداً(صلى الله عليه وآله)، فأمره الله تعالى أن يتزوّجها»(1).

3 ـ روي في البحار عن تفسير عليّ بن إبراهيم «...لمّا مات العزيز، وذلك في السنين الجدبة، افتقرت امرأة العزيز، واحتاجت حتّى سألت الناس، فقالوا لها: ما يضرّكِ لو قعدتِ للعزيز؟ وكان يوسف يسمّى بالعزيز، فقالت: أستحيي منه، فلم يزالوا بها حتّى قعدت له، فأقبل يوسف في موكبه، فقامت إليه، وقالت: سبحان الذي جعل الملوك بالمعصية عبيداً، وجعل العبيد بالطاعة ملوكاً، فقال لها يوسف: أنت هاتيك؟! فقالت: نعم، وكان اسمها زليخا فأمر بها، وحوّلت إلى منزله،



(1) البحار، ج 12، ص 281 ـ 282.

115

وكانت هرمة، فقال لها يوسف: ألست فعلتِ بي كذا وكذا؟ فقالت: يا نبيّ الله، لا تلمني؛ فإنّي بُليت بثلاثة لم يُبلَ بها أحد، قال: وما هي؟ قالت: بُليت بحبّك ولم يخلق الله في الدنيا لك نظيراً، وبليت بأنّه لم يكن بمصر امرأة أجمل منّي، ولا أكثر مالاً منّي نُزِعَ عنّي (والثالث من الثلاثة التي بليت بها ساقط عن هذه الرواية، وهو: أنّ زوجها عنّين)، فقال لها يوسف: فما حاجتكِ؟ فقالت: تسأل الله أن يردّ عليّ شبابي، فسأل الله، فردّ عليها شبابها، فتزوّجها وهي بكر»(1).

 

* * *



(1) البحار، ج 12، ص 253، وراجع تفسير القمّي، ج 1، ص 337.

116

 

 

 

﴿وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ * وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ * فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ * قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ * وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾(1).

 


(1) الآية: 58 ـ 62.

﴿وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ...﴾في الكلام حذف كثير، وإنّما لم يقصّه لعدم تعلّق غرض هامّ به، وإنّما الغرض بيان لحوق أخي يوسف من اُمّه به، وإشراكه معه في النعمة والمنّ الإلهي، ثُمّ معرفتهم بيوسف ولحوق بيت يعقوب به.

وكان بين دخول إخوته وهم العصبة، وبين انتصابه على خزائن الأرض، وتقلّده عزّة مصر بعد الخروج من السجن أكثرُ من سبع سنين؛ فإنّهم إنّما جاؤوا إليه في بعض السنين المجدبة وقد خلت السبع السنون المخصبة، ولم يروه

117


منذ سلّموه إلى السيّارة يوم اُخرج من الجبّ وهو صبيّ، وقد مرّ عليه سنون في بيت العزيز، ولبث بضع سنين في السجن، وتولّى أمر الخزائن منذ أكثر من سبع سنين، وهو اليوم في زيّ عزيز مصر، لا يظنّ به أنّه رجل عبريّ من غير القبط، وهذا كلّه صرفهم عن أن يظنّوا به أنّه أخوهم ويعرفوه، لكنّه عرفهم بكياسته أو بفراسة النبوّة.

﴿وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ...﴾الجهاز: ما يعدّ من متاع وغيره، والتجهيز: حمل ذلك أو بعثه. فالمعنى: ولمّا حمّلهم ما أعدّ لهم من الجهاز والطعام الذي باعه منهم، أمرهم بأن يأتوا إليه بأخ لهم من أبيهم. وقوله: ﴿أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ﴾أي: لا أبخس فيه، ولا أظلمكم بالاتّكاء على قدرتي وعزّتي. وأنا خير المنزلين: اُكرم النازلين بي واُحسن مثواهم.

﴿فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ﴾ الكيل: بمعنى المكيل، وهو الطعام. ولا تقربون، أي: لا تقربوني بدخول أرضي والحضور عندي للامتيار واشتراء الطعام.

﴿قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ...﴾المراودة: هي الرجوع في أمر مرّة بعد مرّة بالإلحاح، ففي قولهم ليوسف(عليه السلام): ﴿سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ﴾دليل على أنّهم قصّوا عليه قصّته وأنّ أباهم يضنّ به، ولا يرضى بمفارقته له.

﴿وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا...﴾الفتيان: جمع الفتى، وهو الغلام. والبضاعة:

118

إخوة يوسف(عليه السلام) ينكرون يوسف:

دخل إخوة يوسف العشرة على يوسف فعرفهم وهم له منكرون.

ويمكن أن تكون هناك عدّة أسباب لعدم معرفتهم إيّاه، من قبيل:

1 ـ الفاصل الزمنيّ بين يوم ألقوه في غيابة الجبّ ويوم دخولهم عليه، هو ما بين ثلاثين وأربعين سنة.

2 ـ لم يكن يخطر في خلدهم احتمال أنّ يوسف أصبح عزيز مصر، فحتّى لو كان هناك شبه بين عزيز مصر ويوسف يحمل ذلك على المصادفة البحت.

3 ـ وثياب يوسف التي أصبحت ثياباً مصريّة كانت تُبعد الذهن عن الانتقال من لباسه إلى يوسف الذي كان له قميصه حين أرادوا إلقاءه في الجُبّ.

4 ـ ولعلّ احتمال بقاء يوسف حيّاً لم يكن يخطر ببالهم.

 


قطعة وافرة من المال تُقتنى للتجارة. والرحال: جمع رحل، وهو: الوعاء والأثاث. والانقلاب: الرجوع. ومعنى الآية: وقال يوسف(عليه السلام) لغلمانه: اجعلوا مالهم وبضاعتهم التي قدّموها ثمناً لما اشتروه من الطعام في أوعيتهم، لعلّهم يعرفونها إذا انقلبوا ورجعوا إلى أهلهم وفتحوا الأوعية، لعلّهم يرجعون إلينا ويأتون بأخيهم؛ فإنّ ذلك يقع في قلوبهم، ويطمعهم في الرجوع والتمتّع بالإكرام والإحسان.