44


منظورين في عصر النصوص بما هما نقد لكان المترقّب تعلّق الزكاة بالقاسم المشترك بينهما، وأن يكون كلّ واحد منهما مصداقاً لعنوان واحد من العناوين الزكويّة وهو النقد، وهذا يقتضي أنّه لو كان أحد يملك شيئاً من هذا وشيئاً من ذاك والمجموع يكون بقدر النصاب لكانت عليه زكاة، في حين أنّ النصوص تدلّ على أنّه لا ينكسر أحدهما على الآخر، وأنّ لكلّ واحد منهما حسابه الخاصّ، فلو كان كلّ واحد منهما أقلّ من النصاب لم يتعلّق بهما الزكاة برغم فرض بلوغ المجموع مبلغ النصاب، إلّا إذا كان ذلك بتبديل عمدي فراراً من الزكاة(1).

ويمكن الجواب على الاستبعاد الأوّل بأنّه ورد في الروايات ما يدلّ على أنّ الأصل في النقد في عصر النصّ فرض هو الدرهم، وأنّ جعل النصاب في الذهب عبارة عن عشرين مثقالاً ثُمّ أربعة دنانير إنّما كان بنكتة أنّ الدينار كان يساوي عادةً وقتئذ عشرة دراهم.

ففي صحيح الحلبي قال: «سئل أبو عبدالله(عليه السلام) عن الذهب والفضّة: ما أقلّ ما يكون فيه الزكاة؟ قال: مئتا درهم، وعدلها من الذهب». وفي صحيح محمّد بن مسلم قال: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الذهب كم فيه من الزكاة؟ قال: إذا بلغ قيمته مئتي درهم فعليه الزكاة»(2). وحملهما على أنّ الأصل في نصاب الذهب عشرون ديناراً، وإنّما عبّر بمئتي درهم لأنّ عشرين ديناراً كان يطابق مئتي درهم خلاف الظاهر، وإنّما الظاهر منها وبالأخصّ الأخير هو العكس، وهو أنّ الأصل في النصاب هو ما يساوي مئتي درهم، فإن عبّر في باقي الروايات بعشرين مثقالاً كان ذلك لأجل تساوي عشرين ديناراً لمئتي درهم.


(1) الوسائل، ب 5 من زكاة الذهب والفضّة، ح 1 و 3.

(2) الوسائل، ب 1 من زكاة الذهب والفضّة، ح 1 و 2.

45


وعليه فبعد استظهارنا من روايات كفاية واحد من الأربعين من النقد لإشباع الفقراء أنّ الزكاة تكون على كلّ نقد رائج في زمانه تصبح النتيجة: أنّ مقياس النصاب في ذاك النقد هو نصاب الدرهم، أي: قيمة مئتي درهم رائج في عصر النصّ.

ويمكن الجواب عن الاستبعاد الثاني بأنّه من المحتمل أنّ ما ورد عنهم(عليهم السلام) في عدم كسر الذهب على الفضّة، ولا العكس، وعدم التركيب منهما في النصاب إنّما كانت بنكتة: أنّ الذهب والفضّة لم يكونا متمحّضين في النقديّة البحت كما هو الحال في أوراق اليوم، بل كان كلّ منهما متاعاً أيضاً، فأمر أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) بأن لا يكسر أحدهما في تحقيق النصاب على الآخر، وأن يحسب لكلّ واحد منهما حسابه الخاصّ. ويؤيّد ذلك: أنّه في فرض التركيب على أساس التحايل على الزكاة أمرت موثّقة إسحاق بثبوت الزكاة(1). وأمّا أوراق اليوم فهي متمحّضة في النقديّة، وليست أمتعة في جنب ما لها من ماليّة، وعليها زكاة النقد المتمثّلة في واحد من أربعين في نصاب ما يساوي قيمة مئتي درهم أوّلاً، ثُمّ كلّما يساوي أربعين درهماً ثانياً وإلى الأخير.

هذا غاية ما يمكن أن يقال لتقوية فكرة تعلّق الزكاة بنفس التشريع الأوّلي للزكاة بالأوراق النقديّة المألوفة اليوم، إلّا أنّ هذا يكلّفنا ما هو خلاف شبه المسلّم الفقهي، فإنّ النتيجة انتهت إلى أنّ نصابي الزكاة والفضّة واحد وهو قيمة مئتي درهم ثمّ قيمة أربعين درهماً، وإنّما عبّر في الروايات عن نصاب الذهب بعشرين مثقالاً ثُمّ أربعة دنانير لتساويهما نصاب الدرهم، في حين أنّ من شبه القطعي لفقهنا كون ذلك هو النصاب الأصلي للذهب، وليكن تقارب القيمتين حكمةً في جعل نصاب الذهب ذلك، وليحمل صحيحا الحلبي ومحمّد بن مسلم على الحكمة، ومسألة صعود ونزول قيمة الذهب


(1) الوسائل، ب 5 من زكاة الذهب والفضّة، ح 3.

46


بالقياس إلى الدرهم وبالعكس، كان مألوفاً في عصر النصّ. والمظنون أنّ هذه كانت هي الحكمة في اشتراط بيع الصرف بالتقابض في المجلس، وكذلك الجودة والرداءة في الجنس كانت مألوفة وقتئذ، وكان هذا هو الداعي في تبديل الذهب بالذهب أو الفضّة بالفضّة مع الاختلاف في الوزن، فمنع الأئمّة(عليهم السلام) عن ذلك.

وبعد كلّ هذا نرجع مرّة اُخرى لنقول: لو كانت النقود الورقيّة اليوم مشمولة لوضع رسول الله(صلى الله عليه وآله) الزكاة على النقود لكان يجب: إمّا وضع نصاب لها، أو وضع نصاب واحد للنقدين; كي يعرف أنّ باقي النقود المستجدّة بالمستقبل تلحق بهما، أو تفرض زكاة مستقلّة لها بلا نصاب، وكلّ هذا لم يكن.

وهناك نقطة ضعف اُخرى في هذا الطرز من الاستدلال، وهو: أنّ فرض كفاية مجرّد زكاة النقدين في ذاك الزمان لحاجة الفقراء وقتئذ بعيد; لأنّ النقدين إنّما كان تجب الزكاة فيهما بعنوانهما بشرط حبسهما عن التجارة والتبادل، في حين أنّ هذا لم يكن يتحقّق إلّا من قبل من يريد أن يكتنز أو يدّخر النقد، وما كان أسهل في الغالب منع النقد عن تعلّق الزكاة به بعدم كنزه أو ادّخاره إلّا بأن يسبكه ويخرجه عن كونه منقوشاً أو نقداً رائجاً، وعليه فالظاهر أنّ النظر فيما مضى من صحيحي الحلبي ومحمّد بن مسلم إلى مجموع زكاة الذهب والفضّة وزكاة مال التجارة حيث تُقدّر زكاة مال التجارة أيضاً بواحد من أربعين، فالخارج من تلك الروايات ليس إلّا باقي الأعيان الزكويّة من الأنعام والغلاّت ممّا لا تُقدّر زكاتها بواحد من أربعين.

وإذا كان الأمر كذلك فالمفهوم من روايات تعليل تعيين الزكاة في واحد من أربعين بعلم الله بأنّ ذاك يكفي في إشباع الفقراء هو وجوب زكاة مال التجارة، وهذا ما لا تُفتي به الشيعة عادةً.

ولا أجد شيئاً يسكن إليه القلب أفضل من أن يقال: إنّ وضع الزكاة على النقود وكذلك

47


وضع الزكاة على مال التجارة كان مبدئيّاً بروح وضع ما يكفي لتأمين حال الفقراء، وقد شخّص الإسلام أنّ واحداً من أربعين يكفي بالشكل المعتاد للفقراء وترك أمر النقود المستجدّة، وكذلك أمر تصعيد حكم زكاة التجارة من الاستحباب إلى الوجوب لوليّ أمر المسلمين في كلّ حين.

وليس وضع الزكاة على شيء جديد بدعاً بعد أن صدر المؤشّر على ذلك من مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) بوضعه على الخيل العتاق الراعية في كلّ فرس في كلّ عام دينارين وجعل على البرازين (وهي التركية من الخيل وخلافها العراب) ديناراً(1).

بقي في المقام أمران آخران ينبغي إلفات النظر إليهما بسبب تعاليق اُستاذنا الشهيد(رحمه الله)على منهاج الصالحين للسيد الحكيم رضوان الله عليه:

الأمر الأوّل: ذكر اُستاذنا الشهيد(قدس سره) في تعليقة على منهاج الصالحين في زكاة النقدين: أنّ المناط في تعلّق الزكاة بالنقدين ليس هو كونهما مسكوكين بسكّة المعاملة، بل المناط اتّخاذهما نقداً رائجاً بأيّ نحو كان.

أقول: السبب في هذه الفتوى أحد أمرين:

الأوّل: خبر يونس بن عبدالرحمن عن عليّ بن يقطين عن موسى بن جعفر(عليهما السلام): «لا تجب الزكاة فيما سبك فراراً به من الزكاة، ألا ترى أنّ المنفعة قد ذهبت، فلذلك لا تجب الزكاة»(2). فهذا شاهد على أنّ النكتة في شرط السكّة أن تكون قابلة للانتفاع بها كنقد، فإذا ذهبت المنفعة سقطت الزكاة، وهذا دليل على أنّ المقياس كونه نقداً رائجاً وليس كونه مسكوكاً.


(1) الوسائل، ب 16 ممّا تجب فيه الزكاة، ح 1.

(2) الوسائل، ب 11 من زكاة الذهب والفضّة، ح 2 و 3.

48


إلّا أنّ الخبر ضعيف سنداً بإسماعيل بن مرار.

والثاني: مجرّد استظهار أنّ ذكر النقش أو نحوه في الرويات كان استطراقاً إلى كون الذهب والفضّة نقداً رائجاً.

الأمر الثاني: ذكر أيضاً اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) في تعليقه على منهاج الصالحين ما نصّه:

«هنا كلام في أنّ زكاة النقدين هل يختصّ بخصوص ما يسمّى بالنقود، أو أنّ المقصود من النقدين فيها كلّما تمحّض في الماليّة: إمّا بطبيعة النقود أو بعناية إعداده للتجارة كالسلع التجاريّة، ولكن يشترط في وجوبها في تلك السلع على القول به مضيّ الحول على السلعة بعينها؟».

أقول: الظاهر أنّه(رحمه الله) ينظر في كلامه هذا إلى روايات من هذا القبيل:

1 ـ صحيح إسماعيل بن عبدالخالق: «قال: سأله سعيد الأعرج وأنا أسمع فقال: إنّا نكبس الزيت والسمن نطلب به التجارة، فربما مكث عندنا السنة والسنتين هل عليه زكاة؟ قال: إن كنت تربح فيه شيئاً أو تجد رأس مالك فعليك زكاته، وإن كنت إنّما تربّص به لأ نّك لا تجد إلّا وضيعة فليس عليك زكاة حتّى يصير ذهباً أو فضّة، فإذا صار ذهباً أو فضّة فزكّه للسنة التي اتّجرت بها»(1).

2 ـ وصحيح محمّد بن مسلم قال: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل اشترى متاعاً فكسد عليه وقد زكّى ماله قبل أن يشتري المتاع متى يزكّيه؟ فقال: إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه زكاة، وإن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس المال، قال: وسألته عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها؟ فقال: إذا حال عليه الحول فليزكّها»(2).


(1) الوسائل، ب 13 ممّا تجب فيه الزكاة، ح 1.

(2) المصدر نفسه، ح 3.

49


3 ـ ورواية خالد بن الحجّاج الكرخي قال: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الزكاة، فقال: ما كان من تجارة في يدك فيها فضل ليس يمنعك من بيعها إلّا لتزداد فضلاً على فضلك فزكّه، وما كانت من تجارة في يدك فيها نقصان فذلك شيء آخر»(1).

4 ـ وموثّقة سماعة قال: «سألته عن الرجل يكون عنده المتاع موضوعاً فيمكث عنده السنة والسنتين وأكثر من ذلك، قال: ليس عليه زكاة حتّى يبيعه، إلّا أن يكون اُعطي به رأس ماله فيمنعه من ذلك التماس الفضل، فإذا هو فعل ذلك وجبت فيه الزكاة، وإن لم يكن اُعطي به رأس ماله فليس عليه زكاة حتّى يبيعه وإن حبسه ما حبسه، فإذا باعه فإنّما عليه زكاة واحدة»(2).

5 ـ ورواية أبي الربيع الشامي عن أبي عبدالله(عليه السلام) «في رجل اشترى متاعاً فكسد عليه متاعه وقد كان زكّى ماله قبل أن يشتري به هل عليه زكاة أو حتّى يبيعه؟ فقال: إن كان أمسكه التماس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة»(3).

6 ـ رواية أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «لا تأخذنّ مالاً مضاربةً إلّا مالاً تزكّيه أو يزكّيه صاحبه. وقال: إن كان عندك متاع في البيت موضوع فاُعطيت به رأس مالك فرغبت عنه فعليك زكاته»(4).

فكأنّ اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) احتمل في هذه الروايات أن يكون المقصود تعلّق الزكاة برأس المال الموضوع سنةً باعتبار افتراض توسعة في مفهوم النقد، فكأنّ هذا نقد


(1) المصدر نفسه، ح 5.

(2) المصدر نفسه، ح 6.

(3) المصدر نفسه، ح 4.

(4) صدره في ب 15 ممّا تجب فيه الزكاة من الوسائل، ح 3، وذيله في ب 13 منها، ح 7.

50


حبس سنة لكن بشرط حبس نفس السلعة بعينها سنة كما هو مفاد هذه الروايات، فلو قلنا في زكاة النقود أو الأنعام بأنّ تبديل العين بنفس الجنس لا يسقط الزكاة ففي هذه التوسعة لفكرة النقود لا يتم ذلك.

وعلى أيّ حال فلو كان مصدر هذا الاحتمال من قبل اُستاذنا الشهيد(قدس سره)عبارة عن هذه الروايات فهي خاصّة بفرض ما إذا كان ادّخار المال رغماً على أنّه كان يأتي له بالربح أو برأس المال لو كان يتّجر به، أمّا لو حبسه لأجل أنّه لم يكن يأتي له حتّى برأس المال فلا شيء عليه.

وعلى أيّة حال فاستظهار كون هذه الروايات توسعة في موضوع النقد في رأيي ضعيف، والأقوى استظهار كونها من روايات مال التجارة، الأمر الذي كان مألوفاً لدى السنّة فيلحقها حكم روايات مال التجارة المحمولة على الاستحباب.

هذا. والظاهر أنّ اُستاذنا الشهيد(قدس سره) جمع بين الاحتمالين اللذين طرحناهما من كون هذه الروايات موسّعة لعنوان زكاة النقدين، وكونها من روايات زكاة التجارة، فهو(قدس سره)يحتمل أنّ زكاة مال التجارة الواجبة في مذهب أهل البيت هي زكاة المال الذي حبس للاتّجار وبهدف الربح، لا بهدف الإتيان برأس المال وبقي سنة كاملة على هذه الحال، وفرض ذلك توسعة لزكاة النقد كي لا تنصدم هذه الروايات بروايات حصر رسول الله(صلى الله عليه وآله)الزكاة في تسع، والشاهد على ما أقول من أنّه(قدس سره)معترف بكونها ناظرة إلى زكاة مال التجارة، إلّا أنّه يفسّر مال التجارة بالمال المحبوس سنة للتجارة تعليقه(قدس سره) على منهاج الصالحين للسيّد الحكيم في المقصد الثاني من بحث الزكاة المرقّم برقم 13 والمرقّم برقم 23.

ويرد عليه: أنّه لم يكن تمام الموضوع في زكاة الذهب والفضّة نقديّتهما، بل كان لجنس الذهب وجنس الفضّة دخل في الحكم كما هو الحال في باقي الأعيان التسعة،

51

ثالثا: زكاة الغلاّت الأربع.

27 ـ تجب الزكاة في الغلاّت الأربع، وهي: الحنطة والشعير والتمر والزبيب.

28 ـ وقت تعلّق الزكاة بالغلاّت هو وقت بدوِّ الصلاح، أي: عند اشتداد الحبّ في الحنطة والشعير، وعند الاحمرار والاصفرار في ثمر النخيل، وعند انعقاده حِصْرماً في ثمر الكرم (1).

 


بدليل اختلاف نصاب أحدهما عن الآخر، وبدليل أنّ المجموع المركّب منهما لو بلغ النصاب لم يكن عليه شيء، فروايات حصر رسول الله(صلى الله عليه وآله) الزكاة في تسع تدلّ على حصرها في الأعيان التسع، ومال التجارة بما هو مال التجارة ليس منها.

(1) هذا هو الرأي المشهور. والرأي الآخر هو: أنّ وقت تعلّقها عبارة عن زمان صدق عنوان الحنطة، أو الشعير، أو التمر، أو الزبيب، وقيل: العنب، كما ورد في تعبير السيّد في العروة ولعلّ مدركه ورود التعبير بالعنب في بعض الروايات(1).

ولعلّ رأي المشهور والرأي الثاني يتّحدان في الحنطة والشعير; إذ لا يبعد أن يكون اشتداد الحبّ فيهما مع صدق عنواني الحنطة والشعير متّحدين في الزمان.

نعم، الفرق واضح في التمر والزبيب، فإنّ صدق هذين العنوانين يتأخّر لحين تيبّسهما.

ومدرك الرأي الثاني واضح، وهو أخذ العناوين الأربعة في كثير من روايات زكاة الغلاّت من قبيل ما ورد في الوسائل، ب 8 ممّا تجب فيه الزكاة، وب 1 من زكاة الغلاّت.

وخير مدرك للرأي الأوّل روايات الخرص(2) منضمّاً إلى ما ثبت في التأريخ من أنّ الخرص في زمن رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان لدى بدوّ الصلاح بهدف تضمين صاحب الزرع والأشجار لحصّة الزكاة، ولم يكن لذلك معنىً لولا تعلّق الزكاة من ذاك الوقت. ومسألة


(1) راجع الوسائل، ب 1 من زكاة الغلاّت، ح 1 و 7 و 11، وب 3، ح 3.

(2) الوسائل، ب 12 و19 من الغلاّت.

52

29 ـ ويشترط في وجوب الزكاة في الغلاّت الأربع زائداً على الشرائط العامّة الماضية شرطان:

الأوّل: النصاب، وهو عبارة عمّا يقارب ـ بحسب وزن الكيلو المتعارف في زماننا ـ ثمانمئة وثمانية وأربعين كيلو غرام تقريباً، وتحديده الدقيق بالكيلو متعذّر علينا. ويستثنى من التمر القسم الرديء الذي لا يُرغب فيه عادة، فلا تجب زكاته، ولا يدخل في النصاب.

وكذلك يستثنى من ذلك ما يتركه من التمر للحارس من عذق أو عذقين أو نحو


الخرص شبه المتّفق عليها بين الشيعة والسنّة ما عدا أبي حنيفة والثوري اللذين قالا بعدم جواز الخرص بحجّة أنّه رجم بالغيب(1).

وإذا دار الأمر بين دليل الرأي الثاني ـ وهي الروايات المشتملة على العناوين الأربعة للغلاّت ـ ودليل الرأي الأوّل وهو المشهور، تقدّم دليل الرأي الأوّل على دليل الرأي الثاني; لأنّ دليل الرأي الثاني وإن كان صريحاً في تعلّق الزكاة بالعناوين الأربعة لكنّه لا ينفي تقدّم تعلّق الزكاة بزمن سابق إلّا بالإطلاق، وهذا الإطلاق ينفى بدليل رأي المشهور، فإنّ دليل رأي المشهور لا يستفاد منه عدم تعلّق الزكاة بعنوان التمر أو الزبيب كي يقال: إنّ هذا خلاف ظاهر أخذ تلك العناوين; إذ بالإمكان افتراض أنّها في بدوّ صلاحها تكون الزكاة متعلّقة بها، وتبقى الزكاة متعلّقة بها بعناوينها الجديدة حينما يصدق عليها عنوان التمر والزبيب، والأثر العملي لذلك: أنّها لو كانت حين بدوّ الصلاح غير مملوكة كما لو كان مالكها الأصلي معرضاً عنها، وقلنا: إنّ الإعراض يسقط الملكيّة ثُمّ ملكت بالحيازة وهي قائمة على اُصولها تمراً أو زبيباً وجب على المالك الثاني زكاتها على رغم أنّه لم يكن مالكاً حين بدوّ الصلاح; وذلك لأنّ نفس هذين العنوانين موردان للزكاة.


(1) راجع كتاب الزكاة للشيخ المنتظريّ ج 1، ص 354 ـ 355.

53

ذلك (1)، وذلك حقّ استحبابيّ للحارس.

والثاني: أن يكون مالكاً لتلك الثمار والحبوب وهي قائمة على اُصولها.

وهذا غير شرط الملك الذي يعتبر من الشروط العامّة، فلو ملك إحدى الغلاّت بعد انقطاعها عن اُصولها بشراء أو غيره، وبلغت النصاب، لم يجب عليه شيء على رغم ثبوت الشرط العامّ، وهو الملك، وإنّما تجب عليه الزكاة لو ملكها في حين ارتباطها باُصولها، سواءٌ كان ذلك بسبب ملك الاُصول، أو بشرائه للثمار، أو بعنوان حِصّة المزارعة، أو بأيّ شكل آخر (2).

30 ـ وعلى أساس ما مضى: من أنّ وقت تعلّق الزكاة هو زمان بدوِّ الصلاح، أعني: اشتداد الحبّين، وانعقاد الحِصْرم، واصفرار أو احمرار ثمر النخل، فالزكاة ستكون على مالكها في هذا الزمان، ولو باعها بعد ذلك بطل البيع في حِصّة الزكاة، إلّا بإمضاء وليّ أمر الزكاة، ولم تكن على المشتري زكاة اُخرى ولو بلغت حِصّته النصاب.

 


(1) راجع الوسائل، ب 1 من زكاة الغلاّت، ح 3، وب 8 منها، ح 4.

(2) والدليل على هذا الشرط ما هو المفهوم عرفاً ومتشرّعيّاً من روايات التفصيل في العُشر ونصف العشر بين ما لو سقيت بمثل النواضح والدوالي فنصف العشر، أو بمجرّد وضع الطبيعة من مطر أو نهر أو عين ماء ونحوها فالعشر(1)، فإنّ هذه الفوارق تلحظ عرفاً في الأثمار القائمة على اُصولها دون الأثمار المجذوذة، وبعد الجذّ لا يفرّق بين تمر وتمر، أو زبيب وزبيب.

ويشهد لذلك أيضاً التعبير بالنخل الوارد في بعض الروايات، ثُمّ عطف العنب عليه(2).


(1) راجع الوسائل، ب 4 من زكاة الغلاّت.

(2) راجع الوسائل، ب 1 من زكاة الغلاّت، ح 7 و 11، وب 3 منها، ح 3.

54

أمّا لو فرضنا عدم وجود مالك لها حين بدوِّ الصلاح ; لإعراض من قِبَل المالك الأصليّ مثلاً، ثُمّ امتلكها شخص بعد ذلك والثمار قائمة على اُصولها، فقد ثبتت الزكاة على المالك الثاني (1).

31 ـ ونحن وإن قلنا: إنّ وقت تعلّق الزكاة هو زمان بدوّ الصلاح، فإنّ المقياس في النصاب إنّما هو اليابس منها، فلو كان الرطب بقدر النصاب لكن ينقُص منه حينما يصبح تمراً، وكذلك العنب كان بمقدار النصاب ولكنّه ينقُص منه حينما يصبح زبيباً، فلا زكاة فيهما (2).

32 ـ ومبلغ الزكاة فيما سقاه البشر بمثل الدلو والدلاء والنواضح ونحو ذلك هو نصف العُشْر، وفيما سقته الطبيعة بنهر أو عين ماء أو مطر أو امتصاص عرُوق الزرع والشجر من الأرض ونحو ذلك هو العُشْر.

أمّا لو اشترك الأمران فسقاه البشر حيناً وسقته الطبيعة اُخرى، فإن غلب أحدهما الآخر بشكل يستند عرفاً السقي إلى أحد الأمرين، فذاك هو المقياس في


(1) لأنّ إطلاقات تعلّق الزكاة بالعناوين الأربعة غير قاصرة عن إثبات الزكاة عليها، وإنّما خرج منها فرض تملّك الثمار بعد انفصالها عن اُصولها ولا مقيّد لها بأكثر من ذلك.

(2) وذلك لأنّه ورد التعبير عن نصاب الغلاّت في الروايات بعنوان خمسة أوساق(1)، والوسق اسم لحمل البعير ولم يعهد الحمل عليه إلّا في اليابس، هذا مضافاً إلى أنّ النصاب نسب في الروايات إلى تلك العناوين الأربعة، فهي التي يجب أن تصل إلى النصاب، وفي خصوص العنب قد ورد في صحيحة سليمان بن خالد: «والعنب مثل ذلك حتّى يكون خمسة أوساق زبيباً»(2).


(1) راجع الوسائل، ب 1 من زكاة الغلاّت.

(2) الوسائل، ب 1 من زكاة الغلاّت، ح 7.

55

الأمر، فلو كان سقيُ الطبيعة هو الذي يغطّي عرفاً سقيَ البشر، كان مبلغ الزكاة هو العُشْر، ولو كان العكس فمبلغ الزكاة هو نصف العُشْر، ولو اشتركا من دون مستوىً ملحوظ بهذا الشكل في أحد الجانبين، كانت الزكاة في نصف الغلاّت عُشْراً، وفي النصف الآخر نصفَ عُشْر (1).

33 ـ ولو زادت الغلّة على النصاب وجب إخراج الزكاة من الزيادة أيضاً، فلا نصاب ثان يعفى ما بينهما إلى حين الوصول إلى النصاب الثاني.

34 ـ وآخر وقت لوجوب إخراج الزكاة عبارة عن زمان تصفية الحنطة والشعير، واجتذاذ التمر، واقتطاف الزبيب إن لم يُؤخِّر المالك ذلك عن وقته الطبيعيّ.

وهذا في التمر والزبيب يكون لدى افتراض إبقائهما على الشجر إلى حين الجفاف، أمّا لو اقتطفا حينما يكونان رطباً وعنباً، واُريد بهما التشميس والتجفيف بعد الاجتذاذ، فيجوز عندئذ تأخير إخراج الزكاة إلى حين التشميس والتجفيف(2).


(1) وذلك لصحيح معاوية بن شريح(1)، ولا يوجد في سنده من يتوقّف لأجله عدا معاوية بن شريح والذي لم يرد نصّ بتوثيقه، ولكنّنا نعالح ذلك بكون الراوي عنه لهذه الرواية ابن أبي عمير، ولا فرق في النتيجة بين أن نفترض أنّ معاوية بن شريح هو معاوية بن ميسرة بن شريح القاضي كما حدسه الشيخ المنتظريّ(2)، أو نفترض التغاير بينهما كما جزم به السيّد الخوئيّ(قدس سره)في ترجمته للاسمين في معجم الرجال.

(2) والدليل على جواز تأخير الإخراج لهذا الزمان ـ على رغم أنّ وقت تعلّق الزكاة


(1) الوسائل، ب 6 من زكاة الغلاّت.

(2) الزكاة، ج 2، ص 25.

56

35 ـ في الأشجار التي تثمر في السنة مرّة واحدة يكون المقياس في كونها


هو زمان بدوّ الصلاح بغضّ النظر عن الإجماعات المدّعاة في المقام ـ اُمور بعضها أخصّ من المدّعى، وبعضها أو مجموعها يشمل كلّ المدّعى:

فمنها: أنّ إشراك مستحقّ الزكاة لا يدلّ على أكثر من كون حاله حال باقي الشركاء الاعتياديين الذين تعارف كون وقت التقسيم بينهم لدى التصفية أو الاجتذاذ.

ومنها: أنّ التعبير المتعارف في روايات بيان متعلّق الزكاة وهو التعبير بالتمر والزبيب يوحي إلى جواز هذا التأخير(1)، فبعد أن كان وقت التعلّق هو زمان الاشتداد وبدوّ الصلاح لا يكون مصحّح عرفي لهذا التعبير إلّا إذا جاز تأخير الأداء لحين صدق العنوانين.

ومنها: أنّ التعبير عن النصاب بالأوساق يوحي أيضاً إلى ذلك(2); لأنّ الوسق اسم لحمل البعير، ولم يعهد الحمل عليه إلّا في اليابس والمصفّى.

ومنها: رواية أبي مريم عن أبي عبدالله(عليه السلام) في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِه﴾قال: «تُعطي المسكين يوم حصادك الضغث، ثُمّ إذا وقع في البيدر، ثُمّ إذا وقع في الصاع العشر ونصف العشر»(3)، إلّا أنّ في سند الحديث معلّى بن محمّد.

ومنها: صحيح سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل تحلّ عليه الزكاة في السنة في ثلاثة أوقات أيؤخّرها حتّى يدفعها في وقت واحد؟ فقال: متى حلّت أخرجها، وعن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب متى يجب على صاحبها؟ قال: إذا صرم وإذا خرص»(4)، فترى أنّه ذكر وقتين لوجوب دفع الزكاة وكأنّهما أوّل الوقت وآخره، فأوّله زمان الخرص وآخره زمان الصرم.


(1) راجع الوسائل، ب 8 ممّا تجب فيه الزكاة، وب 1 من زكاة الغلاّت.

(2) الوسائل، ب 1 من زكاة الغلاّت.

(3) الوسائل، ب 13 من زكاة الغلاّت، ح 3.

(4) الوسائل، ب 52 من المستحقّين للزكاة، ح 1.

57

تسقى بفعل البشر أو بفعل الطبيعة سنةَ الإثمار، وليست السنين السابقة. أمّا لو كان الشجر يثمر مرّتين ولفصلين فالمقياس له هو فصل الإثمار، وليست الفصول السابقة. نعم، المقياس في النصاب مجموع ما في السنة.

36 ـ لو أخرج شخص الماء بالدوالي عبثاً أو لغرض آخر كالشرب، فسقى به آخر زرعه، فالأحوط استحباباً إخراج العُشْر.

وكذلك لو بدا له هو بعد إخراجه للماء عبثاً أو لمثل الشرب، فسقى به زرعه.

وكذلك لو أخرجه لزرع ثُمّ بدا له، فسقى به زرعاً آخر، أو زاد فسقى به غيره.

والأقوى في الجميع كفاية نصف العُشْر (1).

37 ـ لا تتكرّر الزكاة في الغلاّت بتكرّر السنين، فلو زكّى الحنطة أو أيّ واحدة اُخرى من الغلاّت، ثُمّ احتفظ بالباقي وبمقدار النصاب سنين عديدة، لم تجب عليه زكاة اُخرى (2).

38 ـ ما يأخذه السلطان الجائر باسم الحكم الإسلاميّ قد يكون اُجرةً على الأرض، واُخرى بعنوان المزارعة، فهو يدفع إليك الأرض على أن تكون لك حِصّة من الزرع والاُخرى له، وثالثة بعنوان زكاة المال.

ففي القسم الأوّل لا علاقة للاُجرة بالزكاة، فتزكّى الغلاّت الأربع بالشكل الذي مضى.


(1) إذ لو شككنا في إطلاق دليل نصف العشر ودليل العشر كانت البراءة لصالح نصف العشر، والاحتياط في الفرعين الأوّلين أقوى منه في الأخيرين; لأنّ أصل إخراج الماء لهدف السقي محفوظ في الأخيرين دون الأوّلين.

(2) وهذا ليس بحاجة إلى دليل; إذ يكفي عدم الدليل على وجوب زكاة اُخرى، ومع ذلك تدلّ عليه صحيحة زرارة وعبيد بن زرارة معاً عن أبي عبدالله(عليه السلام)(1).


(1) الوسائل، ب 11 من زكاة الغلاّت.

58

وفي القسم الثاني لا زكاة على الزارع إلّا في حِصّته لو بلغت النصاب.

وفي القسم الثالث ما يُجبره الظالم على الدفع بعنوان الزكاة يُحسب له من زكاته (1).

39 ـ المُؤَن المصروفة على الإثمار قبل أوان تعلّق الزكاة لا تستثنى من الزكاة (2). أمّا المُؤن المصروفة على مثل القطع والحمل والتجفيف ونحو ذلك، فإن كان مع الاستئذان من حاكم الشرع في الصرف، صحّ توزيعها على الزكاة وصاحب المال على وفق النسبة.

40 ـ يجوز دفع القيمة عن الزكاة على أن يكون الدفع بالنقود، وليس بجنس آخر، وإنّما الدفع بجنس آخر يتمّ بالتبادل بموافقة صاحب الحقّ، أو بموافقة الوليّ، أعني: الفقيه الجامع للشرائط الملاحِظ لمصلحة الفقير.

41 ـ لو اختلفت أنواع الغلّة الواحدة من حيث الجودة والرداءة، فالأحوط


(1) يدلّ على حكم القسم الأوّل مقتضى القاعدة.

وعلى حكم القسم الثاني صحيح أبي بصير ومحمّد بن مسلم(1). أمّا صحيح محمّد بن مسلم الآخر النافي للزكاة عليه(2)، فلم يُعمل به.

وتدلّ على حكم القسم الثالث روايات الباب 20 من المستحقّين للزكاة، بل وكذلك روايات باب 10 من زكاة الغلاّت بناءً على أنّ المقصود بالخراج فيها هو الزكاة.

وأمّا صحيح أبي اُسامة(3) الآمر بدفع الزكاة بحجّة أنّ السلطان غاصب ظالم، فلو أمكن حمله على الاستحباب فبها، وإلّا فليس العمل عليه.

(2) إذ لا دليل معتبر على الاستثناء.


(1) الوسائل، ب 7 من زكاة الغلاّت، ح 1.

(2) المصدر نفسه ح 5.

(3) الوسائل، ب 20 من المستحقّين للزكاة، ح 6.

59

وجوب دفع العُشْر أو نصف العُشْر بلحاظ مجموع ما في النصاب (1). والأفضل ـ طبعاً ـ دفع الكلّ من الأجود أو قيمته.

42 ـ يجوز خَرْصُ العنب والرطب وكذلك زروع الحنطة والشعير بعد بدوّ الصلاح وتعلّق الزكاة بتوافق بين المالك وحاكم الشرع بحدس يحتمل فيه الزيادة والنقصان، فإذا تمّ العقد على ذلك نفذ حتّى إذا تبيّن بعد الجذّ والكيل النقصان أو الزيادة، وبذلك جاز للمالك التصرّف في حِصّته (2).


(1) لاحتمال كون ذلك هو المفهوم من دليل تعلّق الزكاة بها كما هو مقتضى الإشاعة ولو في الماليّة، ولقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ﴾(سورة البقرة، الآية: 267).

(2) ذكر اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) (في تعليقه على منهاج الصالحين على المسألة 40 في مبحث زكاة الغلاّت الأربع): أنّ المهمّ في فائدة الخرص كونه طريقاً لتعيين الكمّيّة ومقدار الزكاة بلاحاجة إلى كيل أو وزن، أمّا جواز التصرّف بعد تعلّق الزكاة فيدور مدار إخراج زكاة ما يتصرّف فيه، وليست له علاقة بالخرص.

أقول: كأنّ ذلك بسبب أنّ روايات الخرص(1) لم تذكر شيئاً عن جواز التصرّف قبل التزكية.

ولكنّنا نقول: إنّ المفهوم عرفاً من روايات ترك أحد الشريكين حصّته لشريكه في مقابل ما يعيَّن بالخرص هو تخويله في التصرّف مع تضمينه لحفظ المقدار الذي شخّص بالخرص(2)، وهي وإن كانت واردة في خصوص النخل لكنّها توضّح لنا ـ على أيّ حال ـ الخرص وأثره.


(1) الوسائل، ب 12 و19 من زكاة الغلاّت.

(2) الوسائل، ب 10 من أبواب بيع الثمار.

60

 

ما تستحبّ تزكيته

 

43 ـ تستحب تزكية مال التجارة بنسبة واحد من أربعين، وبنصاب يساوي أقلّ الأمرين من نصاب النقدين، أعني: العشرين ديناراً، أو مئتي درهم (1).


(1) الروايات الواردة في تزكية مال التجارة كثيرة وافرة، كروايات الباب 13 ممّا تجب فيه الزكاة من الوسائل، وروايات زكاة مال الصغير في الباب 2 ممّن تجب عليهم الزكاة، وروايات زكاة مال المجنون في الباب 3 منها.

إلّا أنّه لا شكّ في عدم وجوب زكاة مال التجارة كما هو المشهور لدى الشيعة; لكثرة الروايات النافية للوجوب كروايات الباب 14 ممّا تجب فيه الزكاة من الوسائل، أضف إليها روايات حصر الرسول(صلى الله عليه وآله) الزكاة في تسع(1).

فيدور أمر روايات زكاة التجارة بين الحمل على الاستحباب والحمل على التقيّة; لأنّ مشهور السنّة أفتوا بوجوبها، ويمكن ترجيح الحمل على الاستحباب على الحمل على التقيّة بوجوه:

الأوّل: ما اشتهر بين أصحابنا من أنّ الحمل على التقيّة يكون من بعد استحكام التعارض بعدم وجود جمع عرفيّ، في حين أنّ حمل الأمر على الاستحباب في مقابل الترخيص في الخلاف حمل عرفيّ، فلا تصل النوبة إلى الحمل على التقيّة.

وقد يناقش في ذلك بدعوى كون الحمل على التقيّة أيضاً نوع جمع عرفيّ.

والثاني: الاستفادة من صحيح زرارة قال: «كنت قاعداً عند أبي جعفر(عليه السلام)وليس عنده غير ابنه جعفر(عليه السلام)، فقال: يا زرارة، إنّ أباذر وعثمان تنازعا على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فقال عثمان: كلّ مال من ذهب أو فضّة يُدار به ويُعمل به ويتّجر به ففيه الزكاة إذا حال


(1) راجع الوسائل، ب 8 ممّا تجب فيه الزكاة.

61


عليه الحول، فقال أبوذر: أمّا ما يتّجر به أو دِيرَ وعُمل به فليس فيه زكاة، إنّما الزكاة فيه إذا كان ركازاً كنزاً موضوعاً، فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة، فاختصما في ذلك إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)قال: فقال: القول ما قال أبوذر، فقال أبو عبدالله(عليه السلام) لأبيه: ما تريد إلّا أن يخرج مثل هذا فيكفّ الناس أن يعطوا فقراءهم ومساكينهم؟! فقال أبوه: إليك عنّي لا أجد منها بدّاً»(1)، فلو كانت زكاة التجارة غير مشروعة من أساسها فلا معنى لهذا الحوار بين الصادق وأبيه(عليهما السلام)، فيبدو أنّها مشروعة ومستحبّة على أقلّ تقدير حتّى يرد الكلام في أنّه هل يُبرَز عدم الوجوب أو يُترَك ذلك مراعاة لحال الفقراء والمساكين؟

والثالث: كثرة روايات مشروعيّة زكاة التجارة، أو الأمر بها بشكل وافر وكثير كما أشرنا إليه، وبشكل أكثر من روايات نفي الوجوب. وهذا ليس من شأن الروايات الواردة تقيّة كما هو واضح.

أمّا موضوع النصاب فحدّ النصاب المتيقّن ثبوته بالارتكاز المتشرّعيّ الذي لا ريب فيه هو مقدار جامع النصابين، أعني: نصاب الذهب والفضّة، ولا نعلم هل هناك حدّ أضيق من ذلك وهو خصوص نصاب الذهب، أو خصوص نصاب الفضّة مثلاً، أو لا؟ فنقول: لو كان هناك حدّ أضيق من ذلك لوصلنا ليس بمجرّد رواية واحدة جعلت الأصل في المال الدراهم، وهي رواية إسحاق بن عمّار(2)، وفي سندها إسماعيل بن مرار، وهي مشتملة على مطلب مخالف لإجماع الأصحاب، وهو: أنّه إذا اجتمع الذهب والفضّة فبلغ ذلك مئتي درهم ففيها الزكاة، فينعقد بذلك إطلاق مقامي أو حالي لروايات زكاة مال التجارة يرفع أيّ حدّ للنصاب غير الحدّ المقطوع به.

وإنّما تمسّكنا بالإطلاق المقامي أو قل: الحالي، وليس الإطلاق الحَكَمي أو قل: اللفظي; لما يمكن أن يقال من أنّ روايات زكاة مال التجارة لم تكن بصدد بيان حدّ النصاب، وإنّما هي واردة جميعاً مورد بيان حكم آخر.


(1) الوسائل، ب 14 ممّا تجب فيه الزكاة، ح 1.

(2) الوسائل، ب 1 من زكاة الذهب والفضّة، ح 7.

62

44 ـ تستحب تزكية الخيل الاُناث بشرط السوم ومرور الحول، وعلى كلّ واحدة منها ديناران شرعيّان لو كانت من الخيل العتاق، وإلّا فدينار واحد (1).


(1) ورد في صحيحة محمّد بن مسلم وزرارة عنهما(عليهما السلام) جميعاً: «أنّهما قالا: وضع أمير المؤمنين(عليه السلام) على الخيل العتاق (يعني ما كان أبواه عربيّين) الراعية في كلّ فرس في كلّ عام دينارين، وجعل على البراذين ديناراً»(1). وهذا ظاهره الحكم الولائي وليس الحكم الاستحبابي. ولكن ورد في صحيحة زرارة الاُخرى قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): هل في البغال شيء؟ فقال: لا، فقلت: فكيف صار على الخيل ولم يَصِرْ على البغال؟ فقال: لأنّ البغال لا تلقح والخيل الاُناث ينتجن، وليس على الخيل الذكور شيء، قال: قلت: فما في الحمير؟ قال: ليس فيها شيء، قال: قلت: هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبهما شيء؟ فقال: لا، ليس على ما يعلف شيء، إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل. فأمّا ما سوى ذلك فليس فيه شيء»(2).

والظاهر أنّ هذه الروايات ناظرة لإبقاء نفس المبلغ الذي عُهد من وضع إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام) على الخيل، وإلّا لكان على الإمام(عليه السلام)أن يبيّن مبلغ الزكاة في حين أنّه لم يبيّنه. وعليه فالمبلغ هو نفس المبلغ المعهود من الدينار والدينارين.

ويبدو: أنّ هذا الحكم ليس ولائيّاً، أو على الأقلّ لم يثبت كونه ولائيّاً; إذ لا دلالة في هذه الصحيحة على الولائيّة، ولم يعرف أنّ الحكم الولائيّ لعليّ(عليه السلام)كان ناظراً لزمان الأولياء الآخرين(عليهم السلام)من بعده حتّى يثبت وجوبه، واحتمال الوجوب الإلهي غير موجود بعد أن كان الخيل حيواناً آخر غير الأنعام الثلاث التي حصر رسول الله(صلى الله عليه وآله) الزكاة فيها، فالمتيقّن إذن هو الفضيلة والاستحباب.

كما أنّ الحمل على التقيّة غير وارد بعد ظهورها في كونه نوع تمديد لما نظر إليه أمير


(1) الوسائل، ب 16 ممّا تجب فيه الزكاة، ح 1.

(2) المصدر نفسه، ح 3.

63


المؤمنين(عليه السلام)، على أنّ عصر أبي حنيفة متأخّر عن عصر الإمام الباقر(عليه السلام)، وغيره لم يكونوا يقولون بالزكاة في الخيل(1).

ثُمّ إنّ التقييد بالاُناث غير وارد في الصحيحة الاُولى الحاكية لوضع أمير المؤمنين(عليه السلام)الزكاة على الخيل. فهذه الصحيحة الثانية: إمّا أنّها تفسّر الاُولى باختصاصها بالاُناث، أو أنّها نوع تمديد للحكم بلحاظ الاُناث فحسب وليس مطلقاً.

ومن موارد استحباب الزكاة: الرقيق بمقدار صاع من تمر على كلّ رأس. ويشهد لذلك صحيح زرارة ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبدالله(عليهما السلام): «أنّهما سئلا عمّا في الرقيق؟ فقالا: ليس في الرأس شيء أكثر من صاع من تمر إذا حال عليه الحول، وليس في ثمنه شيء حتّى يحول عليه الحول»(2)، وهذا محمول على الاستحباب قطعاً; إذ لم تر من يقول بالوجوب لا من الشيعة ولا من السنّة، على أنّ موثّقة سماعة صريحة في نفي الزكاة عن الرقيق(3).

وممّا يقال باستحباب تزكيته: باقي الحبوب التي تنبت من الأرض غير الحنطة والشعير; وذلك للروايات التي أثبتت الزكاة فيها(4)، والتي تحمل على الاستحباب بسبب روايات حصر الزكاة في التسع، أو حصر زكاة الحبوب في الشعير والحنطة(5).

إلّا أنّه ليس من الواضح عندي: كون حمل روايات الزكاة على الاستحباب أولى من حملها على التقيّة; لأنّ الحمل على التقيّة أيضاً يمكن أن يعتبر نوعاً من الجمع العرفيّ.


(1) راجع زكاة المنتظريّ، ج 2، ص 267.

(2) الوسائل، ب 17 ممّا تجب فيه الزكاة، ح 1.

(3) المصدر نفسه، ح 2.

(4) راجع الوسائل، ب 9 ممّا تجب فيه الزكاة.

(5) راجع الوسائل، ب 8 ممّا تجب فيه الزكاة.

64

 

مستحقّو الزكاة

 

45 ـ موارد صرف الزكاة ثمانية، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾(1).

46 ـ الأوّل والثاني: الفقراء والمساكين.

والفقير: هو الذي لا يوجد له وضع معيشيّ مستقرّ ولو كحرفة، أو صناعة، أو عمل، أو قدرة تكفيه لمؤونته ومؤونة عياله.

وعنوان المسكين حينما يجتمع مع عنوان الفقير يقصد به من هو أشدّ حالاً منه(2).

47 ـ ولإعطاء الزكاة للفقير طرق ثلاثة يختار الوالي ما رأى فيه الصلاح:

الطريقة الاُولى: إعطاء المال إيّاه للصرف، وهذا محدّد بمؤونة السنة.

الطريقة الثانية: إغناؤه بمعنى إعطائه ما يوصله إلى الاكتفاء الذاتيّ بحيث يستطيع أن يعيش دوماً على ذاك المال وعلى أرباحه، فيسقط عنه اسم الفقير عرفاً.

الطريقة الثالثة: إبقاؤه على ما يملكه هو من رأس المال الذي لا تكفيه أرباحه، فيكمّل مصرفه من الزكاة بتكفّل نقص الربح، وهذا يحدّد بمقدار تكميل


(1) سورة التوبة، الآية: 60.

(2) راجع الوسائل، ب 1 من المستحقّين للزكاة، ح 2 و 3. صحيحة محمّد بن مسلم وصحيحة أبي بصير.

65

مؤونة السنة ; لأنّه رجع مرّة اُخرى إلى إعطاء المال للصرف دون إعطائه للاكتفاء الذاتيّ بأرباحه (1).

48 ـ ولا يوجد حدّ محدود لأقلّ ما يعطى الفقيرُ والمسكينُ (2).


(1) الدليل على تحديد الإعطاء للصرف بمؤونة السنة صحيحة أبي بصير: «ولا يأخذها إلّا أن يكون إذا اعتمد على السبعمئة أنفذها في أقلّ من سنة»(1)، وصحيحة صفوان بن يحيى عن عليّ بن إسماعيل الدغشي «قال: سألت أبا الحسن(عليه السلام)عن السائل وعنده قوت يوم أيحلّ له أن يسأل؟ وإن اُعطي شيئاً من قبل أن يسأل يحلّ له أن يقبله؟ قال: يأخذ وعنده قوت شهر ما يكفيه لسنته من الزكاة; لأنّها إنّما هي من سنة إلى سنة»(2).

ويدلّ على حدّ الإغناء روايات الباب 24 من المستحقّين للزكاة.

ويدلّ على تكميل المصرف الفعلي للربح الناقص: صحيح معاوية بن وهب «قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يكون له ثلاثمئة أو أربعمئة درهم وله عيال وهو يحترف فلا يصيب نفقته فيها أيكبّ فيأكلها ولا يأخذ الزكاة، أو يأخذ الزكاة؟ قال: لا، بل ينظر إلى فضلها فيقوت بها نفسه ومن وسعه ذلك من عياله، ويأخذ البقيّة من الزكاة، ويتصرّف بهذه لا ينفقها»(3).

ونقيّد كلمة: البقيّة ببقيّة مصرف السنة بدليل روايات السنة.

(2) ورد في الروايات ما حدّد ذلك في طرف القلّة بخمسة دراهم شرعيّة كصحيح أبي ولاّد الحنّاط عن أبي عبدالله(عليه السلام): «قال: سمعته يقول: لا يعطى أحد من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم، وهو أقلّ ما فرض الله ـ عزّ وجلّ ـ من الزكاة في أموال المسلمين، فلا تعطوا أحداً من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم فصاعداً»(4).


(1) الوسائل، ب 8 من المستحقّين للزكاة، ح 1.

(2) المصدر نفسه، ح 7.

(3) ب 12 من تلك الأبواب، ح 1.

(4) الوسائل، ب 23 من المستحقّين للزكاة، ح 2.

66

49 ـ طالب العلم لو وجب عليه طلب العلم فمنعه ذلك من التكسّب، أصبح مصداقاً للفقير، وجاز له أخذ الزكاة من سهم الفقراء، وإلّا أشكل أخذه من سهم


ولكنّ هذا معارَض بصريح صحيح محمّد بن عبدالجبّار: «أنّ بعض أصحابنا كتب على يدي أحمد بن إسحاق إلى عليّ بن محمّد العسكري(عليه السلام): أعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين والثلاثة؟ فكتب: افعل إن شاء الله تعالى»(1) وإطلاق صحيح عبدالكريم بن عتبة وفيه: «ليس عليه في ذلك شيء موقِّت موظّف»(2).

ويمكن الجمع بين الطائفتين بحمل الأمر بعدم كون المبلغ أقلّ من خمسة دراهم على الاستحباب في مقابل ما عرفت من تصريح صحيح محمّد بن عبدالجبّار بجواز دفع الأقلّ من هذا المبلغ.

فإن قيل: ويمكن حمل صحيح محمّد بن عبدالجبّار على التقيّة; لأنّ السنّة لم يقولوا بالتحديد، والحمل على التقيّة أيضاً نوع جمع عرفيّ.

قلنا: مع دوران الأمر بين الحملين لا يثبت التحديد، فنرجع إلى البراءة عنه.

وقد يقال: إنّ خبر معاوية بن عمّار وعبدالله بن بكير عن أبي عبدالله(عليه السلام)غير قابل للحمل على الاستحباب، حيث قال: «لا يجوز أن يدفع الزكاة أقلّ من خمسة دراهم; فإنّها أقلّ الزكاة»(3) وذلك بدعوى أنّ كلمة: (لا يجوز) لا تحمل على استحباب دفع الخمسة دراهم أو أكثر، فيتعيّن حمل صحيح محمّد بن عبدالجبّار على التقيّة.

والجواب عليهم: أنّ هذا الخبر ضعيف سنداً; لأنّه ورد في سنده إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم الذي ضعّفه النجاشي بقوله: «كان ضعيفاً في حديثه متهوماً». وضعّفه الشيخ بقوله: «كان ضعيفاً في حديثه متهوماً في دينه».


(1) الوسائل، ب 23 من المستحقّين للزكاة، ح 1.

(2) الوسائل، ب 28 من المستحقّين للزكاة، ح 1.

(3) المصدر نفسه، ح 4.

67

الفقراء. نعم، لو كان يخدم الإسلام بطلبه للعلم جاز له الأخذ من سهم سبيل الله (1).


(1) لو وجب عليه طلب العلم ومنعه ذلك عن التكسّب، فلا إشكال في جواز أخذه للزكاة من سهم الفقراء مادام فقيراً.

أمّا لو لم يجب عليه ذلك، فقد صرّح السيّد الحكيم في المستمسك بعدم جواز أخذه للزكاة من سهم الفقراء مادام قادراً على تعيّش نفسه ولو بترك طلب العلم; لأنّ وجوب طلب العلم هو الذي يعجّزه ولو شرعاً عن التكسّب، بخلاف الاستحباب أو الجواز(1).

وفصّل صاحب العروة بين فرض ما لو كان طلب العلم مستحبّاً له فقد جاز له أخذ الزكاة، أو مباحاً فهذا لا يجوّز له الأخذ. وعلّل ذلك في المستمسك بأنّه مع الاستحباب توجّه إليه الأمر بطلب العلم ولو استحباباً، وذلك يستلزم الأمر بترك التكسّب، فيكون بذلك عاجزاً عن التكسّب. وعلّق عليه في المستمسك بأنّه مضافاً إلى أنّ الاستلزام ممنوع ـ كما حقّق في مسألة الضدّ ـ لا يصلحالأمر المذكور لتقييد ما دلّ على عدم جواز أخذ القادر على كفّ نفسه عن الزكاة ولا الورود عليها،بخلاف الأمر الوجوبي، فإنّه وارد على ذلك; لأنّه يوجب سلب القدرة المأخوذة موضوعاً للمنع(2).

ويستفاد من كلام الفقيه الهمدانيّ في المصباح(3) ومن كلام الشيخ المنتظريّ في زكاته(4)جواز أخذه للزكاة حتّى ولو كان طلبه للعلم مباحاً; لأنّ معنى الفقر والغنى هو العجز عن تحصيل المؤونة أو القدرة عليه وفق مالديه ويستذوقه من حرفة معقولة عرفيّة.

وذكر السيّد الحكيم في منهاج الصالحين(5) فيما إذا لم يكن طلب العلم واجباً عليه: إن


(1) راجع المستمسك، ج9، ص327 بحسب الطبعة الثالثة، مطبعة الآداب في النجف الأشرف.

(2) راجع المصدر نفسه.

(3) مجلّد الزكاة، ص505 بحسب طبعة مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم.

(4) ج 2، ص 353 ـ 355.

(5) ج 2، ص 432 بحسب الطبعة المشتملة على تعليقات اُستاذنا الشهيد بدار التعارف للمطبوعات، بيروت، لسنة 1410 هـ.

68

50 ـ الثالث: العاملون عليها: وهم المنصوبون من قِبَل حاكم الشرع لأخذ الزكاة وضبطها وحسابها وإيصالها إلى حاكم الشرع أو مستحقّها.

وليس لما يُعطَى العاملُ حدٌّ مشخّص، وإنّما تحديده بيد حاكم الشرع على


كان قادراً على الاكتساب وكان يليق بشأ نه، لم يجز له أخذ الزكاة.

ويحمل كلامه هذا بقرينة ما مضى عن مستمسكه على قدرته على الاكتساب ولو بديلاً عن طلب العلم، لا جمعاً بينه وبين طلب العلم.

ولكنّ اُستاذنا الشهيد(قدس سره) علّق على هذا الكلام تحت الخطّ بقوله:

«هذا إذا كان متمكّناً من الاكتساب مع مواصلته لطلب العلم. وأمّا مع التعارض بحيث لا يمكنه أن يستحصل مؤونته إلّا برفع اليد عن العمل الذي اتّخذه لنفسه وهو طلب العلم، فعدم جواز أخذ الزكاة له مبنيّ على الاحتياط».

وهذا الكلام منه(رحمه الله) يعني: أنّه يميل إلى صحّة كلام الفقيه الهمدانيّ والشيخ المنتظريّ، ولكنّه يحتاط في الفتوى.

وبعد، فنحن يقرب في ذهننا عدم جواز أخذ الزكاة إلّا في صورتين:

الاُولى: أن يكون بعمله هذا خادماً للإسلام، فيجوز له الأخذ وفق مقاييس سهم سبيل الله وليس وفق مقاييس الفقر.

والثانية: لو كان تبديله لحرفة طلب العلم باحتراف تكسّب يدرّ عليه مؤونته متوقّفاً على فترة زمنيّة ملحوظة، ففي تلك الفترة يجوز له أخذ الزكاة، فإذا لم يفعل ذلك تكرّرت نفس المشكلة للفترة الثانية، وجاز له أخذ الزكاة وهكذا. وليست هناك حرمة لما يفعله; لأنّ من حقّه أن يبقى مشتغلاً بطلب العلم ويتحمّل الفقر، فإن فعل ذلك صدق عليه الفقر في الفترة الاُولى ثُمّ الثانية ثُمّ الثالثة وهكذا، نظير من توقّف درّ الصنعة التي يستطيع أن يتعلّمها بمؤونة عليه على فترة التعلّم، فهو لا يتعلّم ويبقى فقيراً.