327


الخمس نصّت على أنّ أربعة أخماس منها للمقاتلين، وخمساً منها لله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، أي: أنّ خمساً منها للحكومة الإسلاميّة تُصرف في تلك المصارف، ومن هنا قيل: إنّ آية الخمس نسخت آية الأنفال، أو قل: نسخت إطلاقها لتمام المال.

واُجيب على ذلك بأنّ آية الأنفال الدالّة على أنّ الغنيمة كلّها للحكومة الإسلاميّة باقية على قوّتها، وأنّ آية الخمس بيان لكيفيّة تعامل الحكومة الإسلاميّة بتلك الأموال، وكيفيّة تقسيمها، ولا تنافي بينهما(1).

والخلاصة: أنّه بالإمكان أن يقال: إنّ الخلاف الذي وقع بين الأصحاب الوارد في نقل ابن عبّاس عالجه وأبطله بالحكم بكون جميع الغنيمة لله وللرسول، ثُمّ أنزل بعد ذلك في آية الغنيمة (أعني آية: 41 من الأنفال) طريقة تصرّف الرسول في ذلك، وهي: أنّه مع إمكان استغناء منصب الإمامة ممّا عدا الخمس أخذ الرسول الخمس وقسّم الباقي على أهل الحرب بكلا قسميهم على حدّ سواء، أعني: الذين اشتركوا في القتال والذين بقوا تحت الرايات عند رسول الله(صلى الله عليه وآله)، من دون أن يكون هذا نسخاً لذاك.

وقد ورد في تحف العقول ما ملخّصه: وأمّا الغنائم لمّا كان يوم بدر قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): من قتل قتيلاً فله كذا وكذا، ومن أسّر أسيراً فله من غنائم القوم كذا وكذا، فلمّا هزم الله المشركين وجمعت غنائمهم قام رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله، إنّي قتلت قتيلين لي بذلك البيّنة، وأسّرت أسيراً، فأعطنا ما أوجبت على نفسك يا رسول الله، ثُمّ جلس، فقام سعد بن عبادة فقال: يا رسول الله، ما منعنا أن نصيب مثل ما أصابوا جبن عن العدوّ، ولا زهادة في الآخرة والمغنم، ولكنّا تخوّفنا إن بعد مكاننا منك فيميل إليك من جند


(1) راجع تفسير الأمثل، ج 5 أوّل تفسير سورة الأنفال، ص 355.

328


المشركين، أو يصيبوا منك ضيعة، وإنّك إن تعط هؤلاء القوم ما طلبوا، يرجع سائر المسلمين ليس لهم من الغنيمة شيء، ثُمّ جلس، فقام الأنصاري فقال مثل مقالته ثُمّ جلس، يقول ذلك كلّ واحد منهما ثلاث مرّات فصدّ النبيّ(صلى الله عليه وآله)بوجهه، فأنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ﴾، والأنفال اسم جامع لما أصابوا يومئذ مثل قوله: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾ومثل قوله: ﴿أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء﴾ثُمّ قال: ﴿قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ﴾فاختلجها الله من أيديهم فجعلها لله ولرسوله... فلمّا قدم رسول الله(صلى الله عليه وآله)المدينة أنزل الله عليه: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء...﴾ فهذا يوم بدر وهذا سبيل الغنائم التي اُخذت بالسيف(1).

هذا، ويؤيّد عدم النسخ أمران:

الأمر الأوّل: أنّه لا فاصل كبير بين نزول الآيتين على ما يقال من: أنّ آية الأنفال نزلت بعد النزاع في قصّة بدر، وآية التخميس نزلت بعد الرجوع إلى المدينة وقبل التصرّف بالغنيمة. فلو كانت آية الخمس نسخاً لكان نسخاً قبل العمل بالمنسوخ ولو مرّة واحدة، وهذا بعيد.

والأمر الثاني: أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله) قد تصرّف في بعض الحروب بكلّ الغنيمة بتقسيم غير التقسيم على كلّ المقاتلين بعد نزول الآيتين بسنين كثيرة، حسب ما يحدّثنا التأريخ، فواقعة بدر هي من أحداث السنة الثانية من الهجرة، ونزلت آية الأنفال التي حسبت كلّ الغنيمة للرسول بعد الواقعة مباشرة، ونزلت آية الخمس التي جعلت الخمس من الغنيمة للرسول بعد الرجوع إلى المدينة مباشرة وقبل التصرّف بالغنيمة، في حين أنّ واقعة فتح مكّة وواقعة حنين كانتا في السنة الثامنة من الهجرة.


(1) أخذنا هذا المقطع من كتاب ولاية الفقيه للشيخ المنتظري، ج 3، ص 134.

329


وفي فتح مكّة لم يأخذ شيئاً من أموالهم، ولم يأسرهم، بل قال لهم: يا معشر قريش ما ترون أ نّي فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»(1).

يبقى الكلام في أنّ فتح مكّة هل كان بالحرب أو كان بالسلم؟ لا شكّ في أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يخطّط لفتح مكّة من دون إراقة الدماء، ولكن الذي وقع حسب ما يحدّثنا التأريخ هو إراقة الدماء الجزئيّة، فقد روى الشيخ السبحانيّ في «فروغ أبديّت»(2) عن مغازي الواقدي: أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قسّم جيشه إلى عدّة أقسام حسب الفرق المختلفة لدخول مكّة، ودخل أكثرهم مكّة بلا حرب، ما عدا القسم الذي كان بقيادة خالد بن الوليد حيث واجه حرباً مع جماعة حرّكهم عكرمة وصفوان وسهيل ضدّ المسلمين، ولكن جماعة الكفّار انكسروا بقتل ثمانية وعشرين منهم، وهروب الباقين.

وروى الشيخ المنتظري في ولاية الفقيه(3) عن المغازي للواقدي ما نصّه:

«وقد كان صفوان بن اُميّة وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عَمرو قد دعوا إلى قتال رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وضوى إليهم ناس من بني بكر وهذيل وتلبّسوا السلاح ويقسمون بالله لا يدخلها محمّد عنوة أبداً... فمنعوه الدخول، وشهروا السلاح، ورموا بالنبل، وقالوا: لا تدخلها عنوة أبداً، فصاح خالد بن الوليد في أصحابه، وقاتلهم، فقتل منهم أربعة وعشرين رجلاً من قريش، وأربعة من هذيل، وانهزموا أقبح الانهزام حتّى قتلوا بالحزورة وهم مولّون في كلّ وجه، وانطلقت طائفة منهم فوق رؤوس الجبال، وأتبعهم المسلمون،


(1) راجع ولاية الفقيه للشيخ المنتظري، ج 3، ص 143.

(2) ج 2، ص 725.

(3) ج 3، ص 143.

330


فجعل أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام يصيحان: يا معشر قريش على مَ تقتلون أنفسكم؟! من دخل داره فهو آمن ومن وضع السلاح فهو آمن...».

قال الشيخ المنتظري: «الحزورة سوق مكّة وقد دخلت في المسجد لمّا زيد فيه». وأيضاً قال الشيخ المنتظري بعد روايته لهذا الرواية عن مغازي الواقدي: «وروى نحو ذلك ابن هشام في السيرة».

فهذا المقدار من الحرب لو كفى في صدق عنوان فتح مكّة بالحرب فبها (ولا أقلّ من كفاية ذلك بالنسبة لجيش خالد بن الوليد بمقدار حصّتهم)، ولو لم يكف في ذلك، أو قلنا: إنّ ما في مكّة لم يكن ممّا حواه العسكر، ولهذا لم يقسّم بناءً على اختصاص التقسيم على المقاتلين بما حواه العسكر، ننتقل إلى الإشارة إلى واقعة حنين التي وقعت بعد فتح مكّة: قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَة وَيَوْمَ حُنَيْن إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * ثُمَّ يَتُوبُ اللّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾(1)، والذي يفهم من التأريخ هو: أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)لم يعطِ من غنائم حنين الأنصار شيئاً رغم اشتراكهم في الحرب، فقد نقل الشيخ المنتظري عن سيرة ابن هشام وغيرها من كتب السيرة والحديث أنّهم رووا ما محصّله: «ولمّا فرغ رسول الله(صلى الله عليه وآله)من ردّ سبايا حنين إلى أهلها... أعطى رسول الله(صلى الله عليه وآله) المؤلّفة قلوبهم وكانوا أشرافاً من أشراف الناس يتأ لّفهم ويتأ لّف بهم قومهم، فأعطى أبا سفيان، وابنه معاوية، وحكيم بن حزام، والحارث بن كلدة، والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، وحويط بن عبد العزّى، والعلاء بن جارية،


(1) سورة التوبة، الآية: 25 ـ 27.

331


وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، ومالك بن عوف النصري، وصفوان بن اُميّة كلّ واحد منهم مئة بعير، وأعطى دون المئة رجالاً من قريش منهم مخرمة بن نوفل، وعمير بن وهب، وهشام بن عمرو...

ولمّا أعطى رسول الله(صلى الله عليه وآله) ما أعطى من تلك العطايا في قريش وفي قبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء، وجد هذا الحيّ من الأنصار في أنفسهم حتّى كثرت منهم القالة، حتّى قال قائلهم: لقي والله رسول الله قومه، فدخل عليه سعد بن عبادة، فقال: يا رسول الله، إنّ هذا الحيّ من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قال: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ قال: يا رسول الله ما أنا إلّا من قومي، قال: فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة. فخرج سعد، فجمع الأنصار، فأتاهم رسول الله(صلى الله عليه وآله)فحمد الله وأثنى عليه، ثُمّ قال: يا معشر الأنصار، ما قالة بلغتني عنكم، وجُدة وجدتموها عليّ في أنفسكم؟ ألم آتكم ضلاّلاً فهداكم الله، وعالةً فأغناكم الله، وأعداء فألّف الله بين قلوبكم؟ قالوا: بلى، الله ورسوله أمَنّ وأفضل، ثُمّ قال:... ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم؟ فو الذي نفس محمّد بيده لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار... فبكى القوم حتّى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول الله قسماً وحظّاً. ثُمّ انصرف رسول الله(صلى الله عليه وآله)وتفرّقوا»(1).

وقد ورد في صحيح زرارة قال: «الإمام يجري وينفل ويعطي ما شاء قبل أن تقع السهام، وقد قاتل رسول الله(صلى الله عليه وآله) بقوم لم يجعل لهم في الفيء نصيباً وإن شاء قسّم ذلك بينهم»(2).


(1) راجع ولاية الفقيه للشيخ المنتظري، ج 3، ص 144 ـ 145.

(2) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 2، ج 9، ص 523 بحسب طبعة آل البيت.

332


وهذا الحديث وإن لم ينته إلى الإمام، وإنّما هذا الكلام كلام زرارة، لكنّه(رحمه الله) قد استشهد بمقطع تأريخيّ أو بمقاطع تأريخيّة من حروب رسول الله(صلى الله عليه وآله)، والظاهر: أنّه منها ما أشرنا إليه من واقعتي مكّة وحنين، أو واقعة حنين بالخصوص.

ثُمّ إنّ بعضهم طبّق التنافي المُتراءى بين آية الأنفال وآية الخمس والذي بحثناه حتّى الآن على آية الفيء الواردة في سورة الحشر وآية الخمس.

وتوضيح الأمر: أنّ الفيء يختلف معناه عن معنى الأنفال ولو فرضناه مصداقاً من مصاديق الأنفال، فكلمة «الأنفال» تعطي معنى النافلة والزيادة والأمر الثانوي، كما مضى فيما سبق، وكلمة «الفيء» تعطي معنى الرجوع، وكأنّ إطلاق ذلك على الغنيمة يكون بمناسبة أنّ الأرض وما فيها للمسلمين، فما يغنمونه من الكفّار كأنّه رجع إلى الملاّك الأصليين.

ونقل الشيخ مرتضى البروجرديّ(قدس سره) عن المرحوم والده(قدس سره): أنّه تسالم الأصحاب على أنّ ما يؤخذ من غير أن يوجف عليه بخيل ولا ركاب فهو من الفيء والأنفال، وهو لله ولرسوله، وبعده للقرابة، والمال المأخوذ من بني النضير حسب حكاية الكتاب في سورة الحشر وهو قوله تعالى: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُم...﴾ لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فهو لله ورسوله، ولا يشاركه شركاؤه في الخمس، مع أنّ الآية المتّصلة بهذه الآية صرّحت بعين ما صرّحت به آية الخمس من التقسيم السداسيّ مطبّقة ذلك على كلّ الغنيمة لا على الخمس، ومحصّل الشبهة: أنّ الآية الاُولى ساكتة عن بيان المصرف وتعيين من له المال، ومقتصرة على بيان: أنّه ما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب، ولكنّ الله يسلّط رسله على من يشاء، فإن كانت الثانية مبيّنة لإجمال الاُولى فيُنافيه ما هو المسلّم من أنّ المأخوذ بلا خيل ولا ركاب من الأنفال ليس فيه ذلك التقسيم السداسيّ وإن كانت مساوقة لآية الغنيمة: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم﴾ (الواقعة في سورة الأنفال)

333


فلا يوافق ما هو المسلّم أيضاً من أنّ المأخوذ بالقتال يخمّس، وخمسه يقسّم بين الطوائف المذكورة، وليس كلّه، وإن كانت متعرّضة لعنوان ثالث وكبرى اُخرى غير الفيء والغنيمة، فنحن لم نعرف تلك الكبرى التي لم يعنونها الفقهاء في كتب الاستدلال(1).

قال الشيخ مرتضى البروجرديّ(قدس سره) نقلاً عن اُستاذه السيّد الخوئيّ(قدس سره): أنّ الآية الاُولى موضوعها لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وهو الراجع إلى النبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله) والآية المباركة ظاهرة في ذلك، والروايات صريحة في ذلك، ولا خلاف في المسألة. وأمّا الآية الثانية فموضوعها ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى، والمراد به ما يؤخذ منهم بالقتال وبعد الغلبة عليهم ودخول قراهم، بقرينة المقابلة مع الآية الاُولى، ولم يذكر فيها أنّ ما يرجع إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله) أيّ مقدار ممّا غنمه المسلمون، إلّا أنّ آية الغنيمة قد كشفت القناع عنه وبيّنت أنّ ما يغنمه المسلمون فخمسه يرجع إليه(صلى الله عليه وآله) كما وبيّن أيضاً مصرفه في كلتا الآيتين، وهو التقسيم السداسيّ(2).

أقول: الظاهر: أنّ مقصوده(قدس سره) من قرينة المقابلة بين آيتي الفيء هي: أنّ الاُولى جعلت الكلّ للرسول(صلى الله عليه وآله) في حين أنّ الثانية بيّنت التقسيم السداسي، فهما متقابلتان، فالاُولى تحمل على ما أفاء الله على رسوله من دون قتال، كما هو واضح من الآية، والروايات صريحة في أنّه جميعاً لله والرسول، والثانية تحمل على فرض القتال; إذ لا يمكن أن يكون الحكمان المختلفان لموضوع واحد، إلّا أنّ الآية الثانية لم توضّح طريقة التقسيم السداسي، ولكن آية الغنيمة وضّحت طريقة التقسيم.


(1) راجع المستند، كتاب الخمس، أوّل بحث الأنفال، تحت الخطّ، ص 350 ـ 351 بحسب طبعة لطفي.

(2) راجع المصدر السابق، ص 352.

334


أقول: إنّ هذا الكلام غريب; فإنّ آية الغنيمة جعلت التقسيم السداسي للخمس، وهذا يعني أنّ الباقي للمقاتلين، في حين أنّ الآية الثانية للفيء جعلت التقسيم السداسي لكلّ الفيء، فلو اُريد حملها على إرادة الخمس فمن الواضح أنّ حمل ما أفاء الله على خمس ما أفاء الله حمل ركيك، وليس عرفيّاً، وإن اُريد شيء آخر فلم نفهم مقصوده(رحمه الله).

على أنّ الآية الثانية للفيء لم تشر إطلاقاً من قريب أو بعيد إلى فرض وقوع القتال، والتأريخ لا يؤيّد ذلك، فإنّ قلاع بني النضير كانت قريبة من المدينة، وقيل: إنّ الفاصل بينها وبين المدينة ميلان، أي: أقلّ من أربع كيلومترات والمسلمون ذهبوا إليها مشياً لا بخيل وركاب، وليس من الثابت وقوع قتل في البين(1).

ولك أن تقول: إنّ الأمر دائر بين حمل الآية الثانية للفيء على نفس المشهد الذي تنظر إليه الآية الاُولى للفيء، وأنّه انتهى المشهد بالغلبة على تلك القرى من دون أن يوجف عليها بخيل ولا ركاب، ولا هراقة الدم، أو حملها على فرض القتال، ثُمّ حمل ما أفاء الله على مقدار الخمس بقرينة آية الغنيمة، أو حمل آية الغنيمة على نسخ إطلاق آية الفيء، والمتعيّن من الاحتمالات الثلاثة هو الأوّل; لأنّ الثاني يوجب الرِكّة في التعبير وعدم عرفيّته، والثالث وهو النسخ غير محتمل أصلاً; لأنّ ناسخيّة آية الخمس لآية الأنفال لو كانت محتملة فناسخيّتها لآية الفيء غير محتملة; لأنّ قصّة قلاع بني النضير من حوادث السنة الثالثة أو الرابعة من الهجرة، في حين أنّ قصّة بدر ونزول آية خمس الغنيمة من حوادث السنة الثانية، ولا يمكن أن يكون النسخ قبل نزول المنسوخ.

إذن فأفضل ما يمكن أن يقال بشأن آية الفيء هو: إنّ الله تعالى بعد أن جعل الفيء المأخوذ بغير قتال للرسول(صلى الله عليه وآله) لا للجيش الذي لم يقاتل أرشده إلى طريقة صرفه للمال


(1) راجع تفسير نمونه، ج 23، ص 503 ـ 504.

335


بنحو لا يصبح دولة بين الأغنياء، وهو التقسيم السداسي.

نعم يشهد لانفصال آيتي الحشر إحداهما عن الاُخرى ما رواه الشيخ بسنده إلى عليّ بن الحسن بن فضّال، عن سندي بن محمّد، عن علاء عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال: «سمعته يقول: الفيء والأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة الدماء، وقوم صولحوا وأعطوا بأيديهم، وما كان من أرض خربة، أو بطون أودية فهو كلّه من الفيء، فهذا لله ولرسوله، فما كان لله فهو لرسوله يضعه حيث يشاء، وهو للإمام بعد الرسول. وأمّا قوله: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَلاَ رِكَاب﴾قال: ألا ترى هو هذا؟ وأمّا قوله: ﴿مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾فهذا بمنزلة المغنم، كان أبي يقول ذلك، وليس لنا فيه غير سهمين: سهم الرسول وسهم القربى، ثُمّ نحن شركاء الناس فيما بقي»(1).

وعيب السند هو العيب الموجود في سند الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن فضّال.

ورِكّة عبارة الحديث أيضاً بادية.

ولو غضضنا النظر عن العيب السندي، وقلنا: إنّ رِكّة العبارة أيضاً لا تضرّ; لأنّه ما أكثر الرِكّة في عبائر الروايات نتيجة النقل بالمعنى، كفانا أن نقول: إنّ الرواية ساقطة مضموناً; لأنّها خلاف الآية المباركة بعد ما شرحنا من أنّه لا محيص عن حمل الآية الثانية من الفيء على تكميل نفس الآية الاُولى.

بقي علينا ـ قبل البدء ببحث عدد الأنفال حسب مصطلح أئمّتنا(عليهم السلام) ـ الكلام في معنى كون الأنفال للإمام، فهل هذا يعني: أنّه لشخص الإمام؟ أو يعني: أنّه لمقام الإمامة ولمنصب الحكومة؟


(1) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 12، ج 9، ص 527 ـ 528 بحسب طبعة آل البيت.

336


قد يقال: إنّ الصحيح هو الثاني، وتشهد لذلك بعض الروايات من قبيل:

1 ـ صحيحة أبي ولاّد الحنّاط «قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل مسلم قتل رجلاً مسلماً عمداً، فلم يكن للمقتول أولياء من المسلمين، إلّا أولياء من أهل الذمّة من قرابته، فقال: على الإمام أن يعرض على قرابته من أهل بيته (دينه خَ لَ) الإسلام، فمن أسلم منهم فهو وليُّه يدفع القاتل إليه، فإن شاء قتل، وإن شاء عفا، وإن شاء أخذ الدية. فإن لم يسلم أحد كان الإمام وليّ أمره، فإن شاء قتل، وإن شاء أخذ الدية فجعلها في بيت مال المسلمين; لأنّ جناية المقتول كانت على الإمام، فكذلك تكون ديته لإمام المسلمين. قلت: فإن عفا عنه الإمام؟ قال: فقال: إنّما هو حقّ جميع المسلمين، وإنّما على الإمام أن يقتل أو يأخذ الدية، وليس له أن يعفو»(1).

ووجه الاستدلال: أنّه لا إشكال في أنّ هذه الدية إرث من لا وارث له، وهو أحد مفردات الأنفال المصرّح به في الروايات التي ستأتي إن شاء الله في بيان تعداد الأنفال، وهو للإمام بلا إشكال، ولو كان لشخص الإمام لكان له العفو. إذن، فهو لمنصب الإمامة. ومقصوده بكونه للمسلمين ليس وجوب بقائه وقفاً على المسلمين كما في الأراضي الخراجيّة، أو وجوب صرفه في مصارف جميع المسلمين، أو تقسيمه عليهم كما في خراج الأرض الخراجيّة; لأنّه قد صرّح بكونه للإمام، ونحن نعلم أنّ الأنفال ليست لجميع المسلمين على نحو الشركة وإنّما يقصد: أنّ الإمام يصرفه وفق منصب إمامته فيما يكون من صالح المسلمين ولو بأن يصرفه لبعضهم، وليس المقصود ببيت مال المسلمين ما يكون من قبيل بيت الخراج، وإنّما المقصود بذلك بيت مال الإمامة بما لها من منصب، فإنّ مصارف ذلك عبارة عن مصارف المسلمين ومصالحهم.

ولعلّ السبب في قوله(عليه السلام): «ليس له أن يعفو» ـ مع علمنا بأنّ الإمام يعطي وينفل من


(1) الوسائل، ب 60 من القصاص في النفس، ح 1، ج 29، ص 124 بحسب طبعة آل البيت.

337


الأنفال لشخص واحد حينما يرى المصلحة الإسلاميّة في ذلك ـ هو: أنّه كان القاتل قاتلاً متعمّداً لمسلم، وعادةً لا توجد مصلحة إسلاميّة في عفوه عن الدية بمعنى المصالح الإسلاميّة التي يراها الإمام في هباته للأنفال، وليس في هذا العفو شيء من الفائدة عدا الفائدة الأخلاقيّة لشخص المظلوم من باب «أن تعفوا أقرب للتقوى».

وعليه، فلا داعي لحمل قوله: «فجعلها في بيت مال المسلمين» على التقيّة كما هو أحد احتمالات صاحب الجواهر(1)، وكيف نحمله على التقيّة مع تصريحه بكون ديته لإمام المسلمين؟! ممّا يوضّح: أنّ مقصوده ببيت مال المسلمين بيت مال الإمامة.

2 ـ صحيحة أبي ولاّد الاُخرى، قال: «قال أبو عبدالله(عليه السلام) في الرجل يقتل وليس له وليّ إلّا الإمام: إنّه ليس للإمام أن يعفو، وله أن يقتل أو يأخذ الدية فيجعلها في بيت مال المسلمين; لأنّ جناية المقتول كانت على الإمام، وكذلك تكون ديته لإمام المسلمين»(2).

ووجه الاستدلال هو ما عرفت، ويحتمل كونها عين الرواية الاُولى; لموافقتها معها في المضمون، وفي الإمام وهو الصادق(عليه السلام)، وفي الراوي وهو أبو ولاّد، وفي الراوي عن الراوي وهو الحسن بن محبوب.

3 ـ صحيحة عبدالله بن سنان، وموثّقة عبدالله بن بكير جميعاً عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: «قضى أمير المؤمنين(عليه السلام) في رجل وجد مقتولاً لا يدرى من قتله، قال: إن كان عرف له أولياء يطلبون ديته اُعطوا ديته من بيت المال، ولا يبطل دم امرئ مسلم; لأنّ ميراثه للإمام فكذلك تكون ديته على الإمام...»(3).


(1) راجع الجواهر، ج 39، ص 260.

(2) المصدر نفسه، ح 2، ص 125.

(3) الوسائل، ب6 من دعوى القتل وما يثبت به، ح1، ج29، ص145 بحسب طبعة آل البيت.

338


وجه الاستدلال تعليله إعطاء ديته من بيت مال المسلمين بكون ديته على الإمام، فليس المقصود ببيت مال المسلمين بيت الخراج، بل المقصود به بيت مال الإمامة.

4 ـ صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبدالله(عليه السلام) «في رجل مسلم قتل وله أب نصرانيّ لمن تكون ديته؟ قال: تؤخذ ديته فتجعل في بيت مال المسلمين; لأنّ جنايته على بيت مال المسلمين»(1).

ووجه الاستدلال حكمه(عليه السلام) بجعل ديته في بيت مال المسلمين مع وضوح كونه من الأنفال، فالمقصود ببيت مال المسلمين بيت مال الإمامة، على أنّه بالإمكان أن يقال: إنّ جميع الروايات المصرّحة بكون الأنفال للإمام ظاهرها العرفي كونه للإمام بما هو إمام.

بل فيها ما يكون شبه الصريح في إرادة منصب الإمامة، من قبيل صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، أو قوم صالحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم، وكلّ أرض خربة، وبطون الأودية، فهو لرسول الله(صلى الله عليه وآله)وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء(2).

ووجه الصراحة أو شبه الصراحة: أنّه لم يفرض حصول أنفال في زمن الإمام، وإنّما فرض: أنّ نفس الأنفال التي كانت باليد في زمن رسول الله(صلى الله عليه وآله)تكون للإمام من بعده يضعه حيث يشاء، وهذا لا يكون إلّا مع فرض كون الأنفال لمنصب الإمامة; إذ لو كانت


(1) الوسائل، ب 7 من ولاء ضمان الجريرة والإمامة، الحديث الوحيد في الباب، ج 26، ص 257 بحسب طبعة آل البيت. ورواه أيضاً عن الصدوق بسند يختلف أوّله عن سند الحديث الموجود في هذا الباب في ب 60 من أبواب القصاص في النفس، ح 3، ج 29، ص 125 بحسب طبعة آل البيت.

(2) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 1، وبحسب طبعة آل البيت ج 9، ص 523.

339


لشخص الرسول لانتقلت بوفاة الرسول(صلى الله عليه وآله) إلى الورثة لا إلى الإمام من بعده.

وتشبه هذه الصحيحة رواية محمّد بن مسلم، إلّا أنّ في سندها سند الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن فضّال(1).

وممّا يشهد للمقصود أيضاً ما رواه الصدوق بإسناده عن أبي عليّ بن راشد، قال: «قلت لأبي الحسن(عليه السلام): إنّا نؤتى بالشيء فيقال: هذا كان لأبي جعفر(عليه السلام) عندنا فكيف نصنع؟ فقال: ما كان لأبي بسبب الإمامة فهو لي، وما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب الله وسنّة نبيّه»(2).

إلّا أنّ سند الصدوق إلى أبي عليّ بن راشد وقع فيه حفيد أبي عليّ بن راشد، وهو القاسم بن يحيى، ولا دليل عليه وثاقته عدا أمرين:

أحدهما: ما كان يبني عليه السيّد الخوئيّ(رحمه الله) من أنّ وقوعه في أسانيد كامل الزيارات دليل على وثاقته، وقد عدل(قدس سره) عن ذلك أخيراً.

وثانيهما: ما ذكره السيّد الخوئيّ(رحمه الله) كمؤيّد لوثاقته، وهو حكم الصدوق(رحمه الله)بصحّة ما رواه في زيارة الحسين(عليه السلام) عن الحسن بن راشد، وفي طريقه إليه القاسم بن يحيى، بل ذكر: أنّ هذه الزيارة أصحّ الزيارات عنده من طريق الرواية(3).

ولعلّ الوجه في جعل السيّد الخوئيّ(رحمه الله) ذلك مؤيّداً لوثاقة القاسم بن يحيى لا دليلاً


(1) المصدر نفسه، ح 12، ص 527.

(2) الوسائل، ب 3 من الأنفال، ح 6 وبحسب طبعة آل البيت ج 9، ص 537.

(3) راجع معجم رجال الحديث، ج 14، ترجمة القاسم بن يحيى. وراجع الزيارة في الفقيه، ج 2، ح 1614. وراجع تصريحه بكون هذه الزيارة أصحّ الزيارات عنده من طريق الرواية نفس المجلّد من الفقيه في ذيل ح 1615.

340


لذلك هو: أنّه لم يعلم أنّ الشيخ الصدوق(رحمه الله)كان يعتمد في التصحيح الروائي فقط على التوثيقات بالمعنى المألوف لدى المتأخّرين، فلعلّه كان يفتي بأنّ الزيارة الفلانيّة أصحّ الزيارات رواية على أساس ما كان يطّلع عليه من قرائن اُخرى لم يكن بصدد شرحها.

وفي مقابل كلّ ما ذكرناه لإثبات كون الأنفال لمنصب الإمامة لا لشخصه يمكن أن يقال: إنّ قضيّة فدك دليل على أنّ الأنفال تكون ملكاً لشخص النبيّ والإمام كشخص لا كمنصب.

وتوضيح ذلك: أنّ من مسلّمات الشيعة أو شبه المسلّمات: أنّ الزهراء(عليها السلام)احتجّت على الخلافة وقتئذ بحجّتين: بالنحلة، وبالإرث على تقدير عدم النحلة. وشيء من هاتين الحجّتين لا يتمّ إلّا بناءً على كون فدك ملكاً لشخص الرسول(صلى الله عليه وآله)لا للمنصب، فلو كانت فدك ملكاً لمنصب الحكومة فما معنى نحلها لفاطمة(عليها السلام)؟ وما معنى إرثها إيّاها؟!

وطبعاً بحثنا هذا راجع إلى حدود مشكلتنا الفقهيّة، وهي: أنّ الأنفال هل هي ملك لمنصب الحكومة والإمامة أو لشخص الحاكم كشخص، وليس راجعاً حول فضح الخلافة، فلا ندخل في البحث عمّا يندى له جبين الخلافة من مطالبتها الزهراء بالبيّنة، مع أنّه لا معنى لمطالبة ذي اليد بالبيّنة(1).


(1) ويشهد لثبوت يدها أو قل: «يد أهل البيت (عليهم السلام)» على فدك قول عليّ(عليه السلام): «بلى كانت في أيدينا فدك، فشحّت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس قوم آخرين، ونعم الحكم الله، وما أصنع بفدك وغير فدك والنفس مظانّها في غد جدث، تنقطع في ظلمته آثارها، وتغيب أخبارها، وحفرة لو زيد في فسحتها وأوسعت يدا حافرها لأضغطها الحجر والمدر، وسدّ فُرجها التراب المتراكم، وإنّما هي نفسي أروّضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المنزلق...».

نهج البلاغة، الكتاب 45، ص 573 ـ 574 طبعة الدكتور صبحي الصالح بدار الاُسرة للطباعة والنشر التابعة لمنظّمة الأوقاف والاُمور الخيريّة.

341


والجواب على شهادة النحلة لكون الأنفال ملكاً لشخص الإمام لا لمنصب الإمامة ممكن بيانه بشكلين:

أوّلاً: أنّه لا شكّ في أنّه(صلى الله عليه وآله) فعل ذلك بأمر خاصّ من الله سبحانه وتعالى بقوله: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّه﴾(1)، وبغضّ النظر عن ذكر كلّ روايات الفريقين في تفسير الآية(2)نكتفي بالقول بأنّه أيّ قربىً كان أقرب إلى الرسول(صلى الله عليه وآله) من بنته فاطمة؟ أفهل يحتمل كون الزوجات من القربى؟!

وثانياً: أنّ نحلته لفدك إلى فاطمة(عليها السلام) كان فيها أقوى فائدة لمنصب الإمامة، وهي قرينة عليّ(عليه السلام)واُمّ الأئمّة الأطهار(عليهم السلام) وكان فيها أكبر خدمة وتقوية للإمامة الحقّة بعد الرسول(صلى الله عليه وآله) ولعين هذا السبب تماماً غصب الغاصبون فدكاً من الزهراء.

ولكن المشكلة الأقوى في المقام هي: أنّ استدلال الزهراء(عليها السلام) بمسألة الإرث يدلّ على أنّ الأنفال لشخص الرسول(صلى الله عليه وآله)لا لمنصب الإمامة والحكومة، وإلّا لم يكن معنىً لمطالبة الزهراء(عليها السلام) بفدك بعنوان الإرث.

بل إنّ خطبة الزهراء المرويّة في الاحتجاج لم يرد فيها إلّا الاستدلال بالإرث، وأمّا الاستدلال بالنحلة فهو غير وارد في هذه الخطبة(3).


(1) سورة الإسراء، الآية: 26.

(2) تعرّض الشيخ المنتظري ليسير منها في كتاب ولاية الفقيه، ج 3، ص 329 ـ 330. وتعرّض المجلسي لكثير منها في المجلّد 29 بحسب المجلّدات الجديدة، باب نزول الآيات في أمر فدك، ص 105 فصاعداً. وورد من قبل محقّق الطبعة تحت الخطّ ص 106 أسماء كتب كثيرة من الخاصّة والعامّة بهذا الصدد.

(3) راجع البحار، ج 29 بحسب طبعة دار الرضا بيروت ـ لبنان، ص 220 فصاعداً.

342


وفيها قولها(عليها السلام): «يا ابن أبي قحافة، أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟! لقد جئت شيئاً فريّاً... أفخصّكم الله بآية أخرج منها أبي؟! أم تقولون: أهل ملّتين لا يتوارثان؟! أو لستُ أنا وأبي من ملّة واحدة؟! أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي؟!...»(1)، وفي كلّ الخطبة المرويّة في الاحتجاج لا يوجد أثر من استدلالها بالنحلة.

نعم لا شكّ في أنّها(عليها السلام) استدلّت أيضاً بالنحلة، فإنّ استدلالها بذلك مستشهدة بشهادة عليّ(عليه السلام)وأُمّ أيمن، أو شخص آخر باسم رباح مثبّت في التأريخ(2).

ولعلّه يمكن الجواب بافتراض: أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) ملّك فدكاً أوّلاً لشخصه الكريم، باعتبار أنّ في تقوية شخصه تقوية للإسلام والمسلمين، ثُمّ اُمر من قبل ربّ العزّة بنحله فدكاً لفاطمة تقوية للإمامة من بعده.

ولولا كونه ملكاً لشخصه الكريم لما كانوا بحاجة لإبطال الإرث إلى اختراع الرواية الكاذبة، أعني رواية: «لا نورّث»(3).


(1) راجع المصدر، ص 226 ـ 227.

(2) راجع فيما تراجع فروغ أبديّت للشيخ السبحاني، ج 2، ص 673.

(3) وممّا وردت فيه هذه الرواية الكاذبة ما رواه في البحار فيما أشرنا إليه من ج 19، ص 111 ـ 112 عن كتاب العمدة لابن بطريق، بإسناده إلى البخاري من صحيحه بسند ينتهي إلى عائشة: «أنّ فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله(صلى الله عليه وآله)ممّا أفاء الله عليه بالمدينة وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إنّ رسول الله قال: لا نورّث، ما تركناه صدقة...»، ومحقّق هذا الجزء من البحار خرّج الحديث تحت الخط من صحيح البخاري.

343


وعلى أيّة حال فما بيدنا حتّى الآن هو جوابان عن مشكلة النحلة، وجواب واحد عن


وراجع أيضاً بشأن نزول: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّه﴾ في فدك نفس المجلّد من البحار، ص 105 ـ 106، فقد روى ذلك من عيون أخبار الرضا، ثُمّ قال المجلسي(قدس سره) في ص 106: نزول هذه الآية في فدك رواه كثير من المفسّرين، ووردت به الأخبار من طرق الخاصّة والعامّة. وخرّج مخرّج هذا الجزء من البحار مصادر ذلك تحت الخطّ برقم (5) و (6).

ومن طريف ما رأيته في البحار في نفس المجلّد بشأن قصّة فتح فدك في ص 110 ما يلي:

لمّا نزل جبرئيل(عليه السلام) على رسول الله(صلى الله عليه وآله) شدّ رسول الله سلاحه وأسرج دابّته، وشدّ عليّ(عليه السلام)سلاحه وأسرج دابّته، ثُمّ توجّها في جوف الليل وعليّ(عليه السلام) لا يعلم حيث يريد رسول الله(صلى الله عليه وآله)حتّى انتهيا إلى فدك، فقال له رسول الله(صلى الله عليه وآله): يا عليّ تحملني أو أحملك؟ فقال عليّ(عليه السلام): أحملك يا رسول الله، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): يا عليّ بل أنا أحملك لأ نّي أطول بك ولا تطول بي (وفسّر محقّق هذا الجلد تحت الخطّ هذه العبارة اعتماداً على قاموس المحيط بمعنى: أنا أقدر على حملك مع قيام صلبي)، فحمل عليّاً(عليه السلام) على كتفيه، ثُمّ قام، فلم يزل يطول به حتّى علا عليٌّ سور الحصن، فصعد عليّ على الحصن ومعه سيف رسول الله(صلى الله عليه وآله) فأذّن على الحصن وكبّر، فابتدر أهل الحصن إلى باب الحصن هراباً حتّى فتحوه وخرجوا منه، فاستقبلهم رسول الله(صلى الله عليه وآله)بجمعهم، ونزل عليٌّ إليهم فقتل عليّ(عليه السلام) ثمانية عشر من عظمائهم وكبرائهم، وأعطى الباقون بأيديهم، وساق رسول الله(صلى الله عليه وآله) ذراريهم ومن بقي منهم، وغنائمهم يحملونها على رقابهم إلى المدينة، فلم يوجف فيها غير رسول الله(صلى الله عليه وآله) فهي له ولذرّيّته خاصّة دون المؤمنين.

أقول: لو ثبتت رواية من هذا القبيل، فلا تؤثّر في معادلات بحثنا شيئاً، فإنّ غاية نتيجة القصّة: أنّ فدكاً لم تفتح بخيل أو ركاب أو رجال من الجيش، فهي من الأنفال.

344


مشكلة الميراث:

فمشكلة النحلة تُحلّ عن طريق أمر من الله بإعطاء فدك للزهراء، أو عن طريق: أنّ مصلحة الاُمّة اقتضت ذلك.

ومشكلة الميراث تحلّ عن طريق افتراض: أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) امتلك أوّلاً فدكاً لنفسه لتقوية الرسالة.

فلو ثبتت النحلة فبها ونعمت، ولو لم تثبت بسبب: أنّ عليّاً(عليه السلام)يجرّ النار إلى قرصه ـ نعوذ بالله من قولة كهذه ـ وأنّ اُمّ أيمن امرأة أعجميّة، وأنّ يد الزهراء ليست حجّة، فكلّ يد في العالم حجّة لثبوت دعوى الامتلاك إلّا يد الزهراء(عليها السلام)، وصلت النوبة عندئذ إلى دعوى الإرث.

وبعد، فإنّ لنا طريقاً آخر لتفسير الموقف نبرزه في المقام قبل الشروع في بحث تعديد الأنفال. وذاك التفسير ما يلي:

إنّ الأنفال على قسمين:

الأوّل: ما يعدّ من الأنفال في ذاته، أي: من الأموال الثانويّة في حياة الناس الاعتياديّين كالمعادن، ورقبة الأرض، وإرث من لا وارث له، وما إلى ذلك. وهذه كلّها لمقام الإمامة; بدليل الوجوه التي مرّت بنا لإثبات ذلك، فنحن نحمل تلك الوجوه على هذا القسم.

والثاني: ما كان ملكاً للناس الاعتياديّين، ولم يكن من الأنفال في ذاته، وإنّما عدّ من الأنفال بالنسبة للمسلمين; لانتقاله إليهم من ملكيّة الكفّار، فهو نفلٌ لهم، أي: أمر ثانوي رجع إليهم من الكفّار.

وهذا إن كان بقتال الجيش وبإذن من الإمام، فخمسه للإمام(1) والباقي للمقاتلين، وإن


(1) مع أشياء اُخرى لسنا الآن بصددها، كصفو المال الوارد في صحيحة أبي الصباح الكناني في الكافي، ج 1، باب الفيء والأنفال، ح 17، وفي صحيحة ربعي الواردة في الوسائل، ب 1 من قسمة الخمس، ح 3.

345


لم يكن كذلك فكلّه للإمام، وهو المسمّى بالفيء، والإمام مأمور بجعل قسم من ذلك في بيت مال الإمامة، ينتقل من إمام إلى إمام، والقسم الآخر يكون ملكاً للإمام ملكيّة شخصيّة تنتقل بالإرث إلى ورثته، وتكون الإمامة حيثيّة تعليليّة لهذا الملك.

وهذا هو السرّ في اشتراك آية الفيء وآية الخمس في مسألة التقسيم السداسي، قال الله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ﴾(1)، وقال الله تعالى: ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاَْغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾(2)، فكلتا الآيتين تعنيان تعيين حصّة الإمام، وهي في الفيء كلّ الغنيمة، وفي المأخوذ بالقتال خمس الغنيمة، وكلتاهما تجعل قسماً من حصّة الإمام في بيت مال الإمامة وقسماً منها لشخص الإمام.

فآية الخمس واضحة في أنّ ما لله وللرسول ولذي القربى في كفّة، واليتامى والمساكين وابن السبيل في كفّة اُخرى، وكان يفسّر ذلك لدى المشهور بأنّ الكفّة الاُولى هي سهم الإمام، والكفّة الثانية هي سهم السادة، ونحن بعد أن وضّحنا بطلان ذلك في بحث الخمس لا نفهم معنىً لهذا التقسيم بين الكفّتين، إلّا أن تكون الكفّة الثانية لمنصب الإمام وفي بيت مال الإمام، وتكون الكفّة الاُولى لشخص الإمام بحيثيّة تعليليّة وهي الإمامة.

وكذلك آية الفيء ورد فيها نفس التقسيم السداسي، وبنفس اللغة، إلّا أنّها في كلّ الفيء


(1) سورة الأنفال، الآية: 41.

(2) سورة الحشر، الآية: 7.

346


لا في الخمس، فنفهم أيضاً الفرق بين الكفّتين بكون الثانية لمنصب الإمامة، والاُولى لشخص الإمام بحيثيّة تعليليّة وهي الإمامة.

وممّا قد يشير إلى هذا الطرز من التفكير رواية محمّد بن مسلم قال: «سمعت أبا عبدالله(عليه السلام)يقول ـ وسئل عن الأنفال ـ فقال: كلّ قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها فهي نفل لله عزّ وجلّ، نصفها يقسّم بين الناس، ونصفها لرسول الله، فما كان لرسول الله فهو للإمام»(1)، وسند الرواية ضعيف بإسماعيل بن سهل.

ويشهد لهذا الأمر الذي شرحناه تصريحات الزهراء(عليها السلام) في الخطبة المعروفة، والتي نقلناها قبل صفحات: «أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟! لقد جئت شيئاً فريّاً... أفخصّكم الله بآية أخرج منها أبي؟! أم هل تقولون: أهل ملّتين لا يتوارثان؟!...»، فإنّه لو كانت المسألة مسألة: أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) تملّك فدكاً لمصحلة الرسالة، لا أنّها كانت ملكاً له لحيثيّة الإمامة حيثيّة تعليليّة لم تكن الملكيّة واضحة بالشكل الذي تستطيع الزهراء(عليها السلام)التهجّم عليهم بهكذا لغة صارخة، وواضحة في الصرخة والتهكّم; لأنّ فدكاً وإن كانت بيد الرسول(صلى الله عليه وآله)لكنّهم كانوا يستطيعون عندئذ أن يفترضوا أنّها كانت بيده بوصفه إماماً، وهذا بخلاف ما إذا كانت ملكاً له بصراحة الحكم الشرعيّ الأوّليّ، فهذا هو الذي يصحّح هذه الصرخة، وهذا هو الذي يلجؤهم إلى الكذبة المفضوحة، كذبة: «لا نورّث».

وهذا الذي استظهرناه لا يقف أمامه المتيقّن ممّا تدلّ عليه الوجوه الماضية لإثبات أنّ الأنفال لمنصب الإمامة، فإنّه يكفي إشباعاً لمتيقّنها كون ما عدا الفيء من أقسام الأنفال لمنصب الإمامة مع فرض كون الفيء للإمام بأخذ الإمامة حيثيّة تعليليّة لذلك.

وإليك المرور السريع بالوجوه الماضية:


(1) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 7، وبحسب طبعة آل البيت ج 9، ص 526.

347


فأكثر تلك الوجوه كانت عبارة عن روايات الإرث، وهو من الأنفال وليس من الفيء.

وكان الوجه الخامس عبارة عن ظهور نفس روايات كون الأنفال للإمام في كونها للإمام بما هو إمام، وهذا صحيح، إلّا أنّه أعمّ من كون الإمام حيثيّة تقييديّة أو تعليليّة.

وصحيحة أبي البختري هي عمدة ما عدّت: «ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب» من الأنفال، إلّا أنّ الضمير في قوله: «وهو للإمام من بعده» قابل للرجوع إلى كلّ أرض خربة وبطون الأودية، وهما بعنوانهما من الأنفال لا الفيء(1).

ورواية: «ما كان لأبي بسبب الإمامة فهو لي» قابلة للحمل على معنى ما كان لأبي بعنوان منصب الإمامة، وكون الفيء كذلك أوّل الكلام(2).

وأمّا رواية محمّد بن مسلم(3) التي فرضت الانفصال بين آيتي الفيء، فمن التشويشات الموجودة فيها أنّ ظاهر عبارتها بشأن آية الفيء الاُولى أنّها جميعاً لمنصب الإمامة، وظاهر عبارتها بشأن الآية الثانية، أعني: السابعة من الحشر أنّ سهم الرسول وذي القربى للإمام، وهم شركاء الناس فيما بقي. وهذا تفصيل غير مفهوم، إلّا بأن يكون القسم الأوّل لشخص الإمام والقسم الثاني للمنصب، فهم شركاء الناس في القسم الثاني.

وإن لم نقتنع بالبيان الذي شرحناه، فآخر ما يبقى عندنا هو دعوى: أنّ تصرّف الرسول(صلى الله عليه وآله)في الفيء كان واضحاً وصارخاً في تملّكه(صلى الله عليه وآله)لنفسه لدعم مقام الرسالة، فكان يعرفه المسلمون، ولم يكن أيّ غبار على ذلك، ولا أيّ غموض فيه، وكان هذا هو أرضيّة صرخة الزهراء(عليها السلام)المعلنة أمام المسلمين بذاك الوضوح والإعلان بشكل يفضح


(1) راجع الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 1.

(2) راجع المصدر نفسه، ح 6.

(3) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 12.

348

والأنفال الواردة في مصطلح أئمّتنا(عليهم السلام) أو تعابير فقهائنا ـ رضوان الله عليهم ـ اُمور عديدة، وما نعدُّ منها هنا ما يلي:

125 ـ الأوّل: كلّ ما يغنمه المسلمون من الكفّار بغير قتال (1).


الخلافة، ويجبرها على افتعال تلك الكذبة المفضوحة.

وممّا يشهد على وضوح الأمر لدى المسلمين عندئذ أنّهم رأوا إقطاع الرسول(صلى الله عليه وآله)لعديد من المسلمين على ما ورد في فتوح البُلدان للبلاذري، من أنّه(صلى الله عليه وآله) أقطع من أرض بني النضير أبا بكر، وعبدالرحمن بن عوف، وأبا دجانة وغيرهم، وأقطع الزبير بن العوام أرضاً من أرض بني النضير ذات نخل، وأقطع بلالاً أرضاً فيها جبل ومعدن، وقال مالك بن أنس: أقطع رسول الله(صلى الله عليه وآله) بلال بن الحارث معادن بناحية الفرع، ولا اختلاف في ذلك بين علمائنا...(1). فلو أمكن تفسير إقطاع فدك للزهراء(عليها السلام) بالتفسيرين الماضيين من أمر الله بقوله: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّه﴾وبكونه دعماً للإمامة، ولم نقل: إن نفس هذا الإقطاع أيضاً رغم ما فيه من الأمر ودعم الإمامة شاهد على تملّكه(صلى الله عليه وآله) لما كان لديه من الفيء، فلا أقلّ من أنّ هذه الإقطاعات دليل واضح على تملّكه(صلى الله عليه وآله).

وممّا يشهد للقاسم المشترك بين كون الفيء لشخص الرسول مع كون مقام الإمامة حيثيّة تعليليّة وبين أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله) كان يتملّك الفيء صحيحة الفضيل عن أبي عبدالله(عليه السلام): «... قال: قال أمير المؤمنين(عليه السلام) لفاطمة(عليها السلام): أحلّي نصيبك من الفيء لآباء شيعتنا ليطيبوا...»(2).

(1) والآن حان لنا أن نبحث عن عدد الأنفال وفق ماجرى عليه مصطلح أئمّتنا(عليهم السلام)أو وفق كلمات أصحابنا(رحمهم الله) وهي اُمور عديدة:


(1) راجع ولاية الفقيه للشيخ المنتظري، ج 3، ص 331.

(2) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 10، وبحسب طبعة آل البيت ج 9، ص 547.

349


الأوّل: كلّ ما يغنمه المسلمون من الكفّار بغير قتال: إمّا بصلح، أو بجلاء أهلها. وقد دلّت عليه جملة من الروايات يختصّ أكثرها بالأرض مع احتمال إرادة الأرض وما عليها من المنقولات، وبعضها صريح في شمول ذلك للمنقولات:

1 ـ رواية زرارة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «قلت له: ما يقول الله: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ﴾؟ قال: الأنفال لله وللرسول، وهي كلّ أرض جلا أهلها من غير أن يحمل عليها بخيل، ولا رجال، ولا ركاب فهي نفل لله وللرسول»(1). والمقصود بذلك ما انتقل من الكفّار إلى المسلمين بقرينة قوله: «من غير أن يحمل عليها بخيل ولا رجال...».

وعيب السند سند الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن فضّال.

2 ـ ورواية محمّد بن مسلم عن أبي عبدالله(عليه السلام): «أنّه سمعه يقول: إنّ الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم، أو قوم صولحوا وأعطوا بأيديهم...»(2).

وعيب السند نفس عيب سند الرواية السابقة.

3 ـ صحيحة معاوية بن وهب، قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): السريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم، كيف يقسّم؟ قال: إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم أخرج منه الخمس لله وللرسول، وقسّم بينهم أربعة أخماس. وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين، كان كلّ ما غنموا للإمام، يجعله حيث أحبّ»(3).

4 ـ موثّقة سماعة التي ورد فيها السؤال والجواب عن الأنفال، وقال في ذيلها: «ومنها


(1) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 9، ج 9، ص 526 بحسب طبعة آل البيت.

(2) المصدر نفسه، ح 10، ص 527.

(3) المصدر نفسه، ح 3، ص 524.

350


البحرين لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب»(1).

5 ـ صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، أو قوم صالحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم، وكلّ أرض خربة، وبطون الأودية، فهو لرسول الله(صلى الله عليه وآله) وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء»(2).

وروايات اُخرى غير تامّة سنداً(3)، لا داعي لنا إلى ذكرها هنا ما عدا أفضلها، وهو مرسلة حمّاد عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح(عليه السلام) «... وله بعد الخمس الأنفال، والأنفال: كلّ أرض خربة قد باد أهلها، وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، ولكن صالحوا صلحاً، وأعطوا بأيديهم على غير قتال، وله رؤوس الجبال، وبطون الأودية، والآجام، وكلّ أرض ميّتة لا ربّ لها، وله صوافي الملوك... والأنفال إلى الوالي، كلّ أرض فتحت أيّام النبيّ(صلى الله عليه وآله)إلى آخر الأبد...»(4).

هذا، وقد مضى منّا بيان: أنّ آية الأنفال نزلت في وقعة بدر، فشملت الحروب المسلّحة لرسول الله(صلى الله عليه وآله) ومن هنا جاءت فكرة افتراض آية الخمس في الغنيمة نسخاً لآية الأنفال، أو لإطلاقها، أو تخصيصاً لها. وهنا نقول: حتّى على تقدير صحّة المقاطع التأريخيّة التي دلّت على أنّ آية الأنفال نزلت في وقعة بدر، وحتّى على تقدير عدم النسخ وعدم


(1) المصدر نفسه، ح 8، ص 526.

(2) المصدر نفسه، ح 1، ص 523.

والبَختَري بفتح الباء والتاء على ما ضبطه المرحوم الطريحي صاحب مجمع البحرين في كتابه (ضوابط الأسماء واللواحق) ص 58 بحسب طبعة الحيدري.

(3) راجع الوسائل، ب 1 من الأنفال، وبحسب طبعة آل البيت ج 9.

(4) المصدر نفسه، ح 4، ص 524 ـ 525.

351

والحكم يشمل الغنائم المنقولة أيضاً، ولا يختصّ بالأراضي (1)، كما أنّ الحكم يشمل حتّى الأرض المحياة إحياءً بشريّاً(2).


التخصيص فالشيء المسلّم: أنّ مصطلح أئمّتنا(عليهم السلام)لم يجرِ على ذلك، أي: على عدّ كلّ الغنائم الحربيّة من الأنفال، ولعلّه بسبب: أنّه لا إشكال في أنّ ما استقرّ أخيراً في الشريعة هو تقسيم غنائم الحرب على المقاتلين، ما عدا الخمس وما عدا مستثنيات اُخرى كصفو المال.

والكلام يقع في ذلك في أمرين:

الأمر الأوّل: أنّ حكم الأنفال هل يختّص بالأراضي، أو يعمّ كلّ ما يغنمه المسلمون من الكفّار ولو كان غير الأراضي من الأدوات المنقولة، أو أنّ تلك الأدوات تعتبر من الغنائم، ويجب تخميسها؟

(1) قد يقال: إنّ المشهور بين الفقهاء هو اختصاص الحكم بالأراضي، حيث قيّد الموضوع في كلماتهم بالأراضي، ولكن الصحيح هو التعميم; لما مضى من صحيحة معاوية بن وهب حيث قال في أوّلها: السريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف تقسّم؟... فإنّ المتيقّن ممّا يمكن افتراض تقسيمه هو المنقولات، ولا يمكن تخصيص هذا السؤال بالأراضي، فحينما يفصّل الإمام(عليه السلام) بين فرض المقاتلة وعدم المقاتلة يكون هذا صريحاً في أنّه لدى فرض عدم المقاتلة تكون المنقولات أيضاً من الأنفال، وتؤكّد ذلك أداة العموم في قوله: «كان كلّ ما غنموا للإمام»، فلو فرض إشعار في بعض الروايات الاُخرى بالانحصار في الأرض رفع اليد عنه بصريح هذه الرواية.

وهذا الاستنباط يطابق إطلاق الآية المباركة: ﴿ما أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾. فلو فرض تعارض الروايات كان الموافق للكتاب هو ما دلّ على التعميم.

(2) والأمر الثاني: أنّ الأرض التي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب هل تختصّ بالأرض الخربة، أو تشمل المحياة إحياءً طبيعيّاً، أو تشمل حتّى الأرض المحياة إحياءً بشريّاً، أو العامرة بشريّاً؟