419

من قبل المالك على المال حيث تأتي شبهة انّ التسليط رفع الضمان، امّا في مورد هذه الروايات فالتسليط انّما كان من قبل السارق، ومن الواضح انّ هذا التسليط لا يوجب رفع الضمان ويثبت في ذلك الضمان حتى فيما لا يضمن بصحيحه كالهبة(1).

مقتضى القواعد العامّة:

وأمّا إثبات الضمان بمقتضى القواعد فعمدة ما يذكر في ذلك وجوه ثلاثة:

الأوّل ـ قاعدة اليد:

والمقصود بذلك إمّا هو الحديث النبوي: على اليد ما أخذت حتى تؤدّي(2)أو القاعدة التي عليها سيرة العقلاء وارتكازهم.

وقد أورد على الأوّل بضعفه سنداً وبعدم شموله للمنافع دلالة لانّ المنافع لا تؤخذ ولا تأتي تحت اليد وكذلك الأعمال المضمونة في الإجازة الفاسدة(3).

وأجاب الآخوند (رحمه الله) على إشكال خروج المنافع بانّ ضمان المنفعة لا نثبته بتطبيق رواية على اليد على المنفعة بل نثبته بتطبيقها على العين فضمان العين يعني ضمانها بمالها من شؤون ومنافعها من شؤونها، وبما انّ اليد قد ثبتت على العين فقد


(1) راجع مصباح الفقاهة 3: 90 والمحاضرات 2: 146.

(2) راجع سنن البيهقي 6: 9، كتاب العارية، وكنز العمال 5: 257، ومسند أحمد 5: 8، وصحيح الترمذي بشرح ابن العربي 6: 21، وسنن أبي داود السجستاني 3: 296، باب تضمين العارية، وفي محكي رواية البيهقي: «حتى تؤديه».

(3) الإشكال بعدم الشمول للمنافع والأعمال ورد في المكاسب 1: 103، بحسب طبعة الشهيدي، وإشكال ضعف السند أبطله الشيخ بالانجبار واقرّه السيد الخوئي في المحاضرات 2: 151، ومصباح الفقاهة 3: 87 ـ 88، باعتبار عدم إيمانه بمبنى الانجبار.

420

ثبت بحكم رواية على اليد ضمان منافعها لانّه داخل في ضمان العين وليس ضماناً آخر(1).

واعترض عليه الشيخ الاصفهاني (رحمه الله)(2) بانّه في مثل الإجارة ليست العين مضمونة ونحن نتكلّم في ضمان المنفعة فيها وعندئذ لا يمكن تفسير ضمان المنفعة بضمان العين لانّ المفروض عدم ضمانها.

أقول: من الممكن تفسير كلام الشيخ الآخوند (رحمه الله) بانّ اليد على العين هي التي تقتضي كل شُعَب ضمانها من تدارك تلفها لو تلفت وتدارك أوصافها لو تلفت الأوصاف وتدارك منافعها كذلك، وفي باب الإجارة تكون بعض هذه الشُعَب غير مضمونة وهي شعبة تدارك تلفها أو تلف أوصافها ولكن المنافع تبقى مضمونة لا باليد على المنافع حتى يقال باختصاص الجديد بالأعيان، بل باليد على العين فالمانع الذي منع عن تأثير اليد للضمان انّما منع عن بعض شُعَب الضمان لا عن تمامها.

وأمّا السيد الخوئي فقد ذكر في المحاضرات: انّ إشكال عدم صدق الأخذ وعدم دخول المنافع تحت اليد محلول بانّ دخول كل شيء تحت اليد بحسبه ودخول المنافع تحت اليد يكون بتبع دخول العين تحتها ولكن مع ذلك لا يشمل حديث على اليد المنافع وذلك لانّ كلمة حتى تؤدّي تختص بالعين دون المنفعة لانّ المنفعة غير قابلة لان تؤدّى بنفسها(3).

 


(1) تعليقة الآخوند على المكاسب: 31.

(2) في تعليقته على المكاسب 1: 79.

(3) المحاضرات 2: 151، ومصباح الفقاهة 3: 128، ثم ذكر في المحاضرات في الصفحة 184، عدم صدق عنوان أخذ المال على الاستيلاء على المنافع وهذا كما ترى يناقض ما ذكره هنا من صدق الأخذ على المنافع ونفس هذا التناقض موجود أيضاً في مصباح الفقاهة الجزء 3، بين ما في الصفحة 128 وما في الصفحة 140.

421

أقول: إن قصد بهذا الكـلام انّ المنفعة لا تؤدّى إلّا بواسطة أداء العين قلنا:لا فرق في ذلك بين الأخذ والأداء ولا وجه لافتراض انّ الأخذ يمكن ان يشمل بإطلاقه أخذ المنفعة لانّها تؤخذ ولو بواسطة أخذ العين ولكن الأداء لا يشمل بإطلاقه أداء المنفعة بواسطة أداء العين.

ولكن من المحتمل أن يكون مقصود السيد الخوئي بذلك: أنّ رواية على اليد تدلّ على أنّ اليد حينما تأخذ شيئاً يكون ذلك الشيء مضموناً عليه ما دام لم يؤدّه، ومعنى كونه مضموناً هي القضية الشرطية وهي انّه لو تلف لكان تداركه عليه والغاية لهذا الضمان هي أداء ذلك الشيء، والعين يمكن أداؤها بعد زمان لو لم تتلف وبذلك تحصل الغاية وينتهي الضمان، وأمّا المنفعة فهي باعتبار تصرمّها لا يمكن أداء المقدار الذي فات منها بمرور الزمان فلا تحصل الغاية بشأنها وتكون ذلك قرينة على خروج المنفعة من الإطلاق.

وهذا المعنى اتقن من المعنى الأوّل وهو المستفاد من المصباح(1) وإن كانت عبارة المحاضرات أظهر في المعنى الأوّل بقرينة عطفه للأعمال على المنافع وبقرينة تعبيره بعدم إمكان أداء المنفعة بنفسها ممّا يوحي إلى إمكان الأداء بالمعنى الذي يتم ضمن أداء العين لا بنفسها.

وأمّا تفسير قاعدة اليد على أساس السيرة والارتكاز فهو متّحد مع التفسير الثاني من تفسيري قاعدة الإقدام التي سنبحثها الآن.

والثاني ـ قاعدة الإقدام وهي أيضاً تفسّر بتفسيرين:

التفسير الأوّل ـ افتراض كون الإقدام على الضمان هو المقتضي للضمان


(1) مصباح الفقاهة 3: 128.

422

وبما انّ العقد كان صحيحه مشتملاً على الضمان وقد أقدم عليه العاقد اذن فحتىمع فرض البطلان يكون نفس إقدامه هذا كافياً في الضمان.

وقد أورد عليه الشيخ الانصاري (رحمه الله) على ذلك باُمور(1):

1 ـ انّ الإقدام كان على ضمان المسمّى ولم يتم وضمان المثل بحاجة إلى دليل آخر ولم يكن إقدام على جامع الضمان إلّا ضمن إقدامه على الفصل وهو خصوص المسمّى.

2 ـ انّه قد يثبت الإقدام من دون ثبوت الضمان كما في مورد التلف قبل القبض.

3 ـ انّه قد يثبت الضمان من دون الإقدام كما لو قال بعتك بلا ثمن أو آجرتك بلا اجرة.

وعبّر المحقّق الاصفهاني (رحمه الله)(2) عن هذا النقض بانّه لو قلنا في ذلك بالضمان انتقض كون الدليل هو الإقدام إذ لا إقدام في المقام ولو قلنا بعدم الضمان انتقضت قاعدة ما يضمن.

4 ـ وكذلك يثبت الضمان من دون الإقدام في ما لو اشترط ضمان المبيع على البائع.

وأضاف السيّد الخوئي على إشكالات قاعدة الإقدام بانّه أساساً لا وجه لفرض الإقدام على الضمان موجباً للضمان فلو أقدم أحد على أن يكون مال فلان مضموناً عليه من دون ان يضع يده عليه أو يعقد عليه بعقد البيع أو غيره أفهل يكون ذلك موجباً لضمانه؟!(3).


(1) راجع المكاسب 1: 102 ـ 103، بحسب طبعة الشهيدي.

(2) راجع تعليقته على المكاسب 1: 77.

(3) راجع المحاضرات 2: 150، ومصباح الفقاهة 3: 96.

423

والتفسير الثاني ـ انّ مقتضى الضمان هي اليد والمانع عنه التسليط المجانيّ من قبل المالك وقاعدة الإقدام تفيد انّه لم يكن في المقام تسليط مجانيّ فانّ صاحب اليد قد دخل في الأمر مبنياً على الضمان فالإقدام العقدي كان على الضمان لا على عدم الضمان.

وبهذا التفسير أبطل السيد الخوئي عديداً من الإشكالات الماضية فمن الواضح انّه بناء على هذا التفسير ينحل الإشكال الأوّل والثاني وكذا الإشكال الأخير الذي أورده السيّد الخوئي ولا يبقى إلّا الإشكال الثالث والرابع.

أمّا الإشكال الثالث فيجاب عليه بانّنا نسلّم في البيع بلا ثمن أو الإجارة بلا اجرة بعدم الضمان ونرى انّهما ليسا بيعاً وإجارة بل هبة وعارية ولا ضمان فيهما(1).

ويمكن ان يستخلص من كلام الشيخ الاصفهاني (رحمه الله) أو يستوحى منه(2) انّ قوله بعتك بلا ثمن أو آجرتك بلا اجرة إمّا هبة وعارية فلا ضمان فيهما أو تناقض في الكلام فلم يقع عقد أصلاً لا صحيح ولا باطل لكي يفرض انّ الإقدام العقدي كان على عدم الضمان ومع ذلك ثبت الضمان لانّ في صحيحه ضمان.

وأمّا الإشكال الرابع وهو النقض بما لو اشترى شيئاً بشرط ضمان البائع للمبيع فقد أجاب عليه في المصباح(3) بانّ ضمان المسمّى موجود إلّا انّه شرط ضماناً على البائع من دون سبب وسواء قلنا بنفوذ الشرط أو فساده بلا إفساد أو مع إفساد فالإقدام على الضمان ثابت.

 


(1) راجع المحاضرات 2: 150، ومصباح الفقاهة 3: 97.

(2) راجع تعليقة الشيخ الاصفهاني على المكاسب 1: 77 ـ 78.

(3) مصباح الفقاهة 3: 97.

424

هذا وقد ذكر استاذنا الشهيد (رحمه الله): انّ المأخوذ بالبيع الفاسد يكون مضموناً بأقلّ الأمرين من المسمّى والمثل، فلو كان المثل أقل لم يضمن الزائد لانّ سبب ضمان الزيادة هو العقد وقد كان باطلاً، ولو كان المسمى هو الأقل فسبب ضمان المثل وهي اليد وإن كان موجوداً ولكن الذي يمنع عن ضمان الزيادة هدر صاحب المال لماله بمقدار الزيادة برضاه بالمبادلة بما هو أقل.

أقول: لعلّه ليس مقصوده (رحمه الله) بذلك دعوى هدر المالك لكرامة ماله بمقدار الزيادة بمجرّد التسليط الخارجي، إذ من الواضح انّه على تقدير جهله بالبطلان ليس هذا هدرا لكرامة ماله بل يكون من قبيل ما لو سلطني على مال بعنوان ردّ الأمانة بتخيل انّه مالي ثم انكشف انّه كان ماله بل مقصوده (رحمه الله) هو الهدر بالرضا بالمعاملة وإيقاعها على ماله، فهذا وإن لم يكن يرفع الحرمة التكليفية في التصرّف لانّه رضا معاملي كالرضا بدفع ثمن الزنا إلى الزانية أو ثمن الخمر إلى بائعها وأمثال ذلك لكنّه يرفع الضمان.

ولازم ذلك هو القول بعدم الضمان في مثل باب الزنا أو بيع الخمر ونحو ذلك للثمن لو تلف وان وجب عليه ردّ العين مع بقائها.

ولا بأس بالالتزام بهذا اللازم كما نرى انّ المحقّق في الشرائع ذكر في المشترى الجاهل بالغصب فيما إذا جاءه صاحب العين المشتراة التالفة وأخذ منه القيمة: انّه يرجع على البائع بمقدار ما دفع من القيمة اي انّه لو كان أقل من المسمّى لم يكن البائع ضامناً للزيادة(1).

نعم لو ندم على ما أوقعه من البيع الفاسد ومع ذلك دفع العين مجبوراً أو من


(1) راجع الجواهر 37: 179.

425

باب الاعتقاد بلزوم المعاملة فهنا يشكل تأ تّي كلام استاذنا الشهيد (رحمه الله) من ضمان أقل الأمرين لانّه حين التسليط لم يكن الرضا المعاملي موجوداً.

ثم انّ لازم كلام استاذنا الشهيد (رحمه الله) هو ان نفصّل في باب الضمان بين ما لو كان أحدهما قد تسلّم ما انتقل إليه بالعقد الفاسد ولم يتسلّم الآخر، وما لو كانا قد تسلّما معاً، فإن كان قد تسلّم أحدهما فقط ما انتقل إليه وتلف في يده قبل إظهار الآخر للندم ومطالبته بإرجاع المال فهو ضامن بأقل الأمرين كما قاله استاذنا (رحمه الله)، فإن كان المسمى أقل لا يعطيه إلّا المسمى لانّ صاحبه قد هدر ماله بمقدار الزيادة على المسمى وإن كان المثل أقل لا يعطيه إلّا المثل لان تبدّل الضمان إلى المسمّى انّما هو نتيجة العقد والمفروض بطلانه، امّا لو كانا قد تسلّما معاً وتلفا معاً قبل إظهار أحدهما الندم والمطالبة بإرجاع المال فالنتيجة هي نتيجة ضمان المسمّى دون المثل فانّ العوضين لو لم يكونا متساويين بحسب السعر السوقي فحتماً يكون أحدهما قد أعطى ماله بأكثر من ثمن المثل، والآخر قد أعطى ماله بأقل من ثمن المثل فمن أعطى ماله بأقلّ من ثمن المثل فقد هدر هو كرامة ماله بمقدار زيادة المثل على المسمّى فلا يستحقّ إلّا المسمى وقد أخذه، ومن أعطى ماله بأكثر من ثمن المثل فصاحبه قد هدر كرامة ماله بمقدار زيادة المسمى على المثل فليست لصاحبه المطالبة بإرجاع الزيادة، نعم لو تلف أحدهما دون الآخر كان لمَن تلف ماله حقّ التراجع قبل تلف الآخر واسترجاع الزيادة إن كان التالف أقلّ قيمة من الباقي.

والثالث ـ قاعدة لا ضرر ولا نطيل الكلام في كيفية الاستدلال بها في المقام إلّا انّنا نشير إلى انّ تطبيق هذه القاعدة في المقام ينبغي أن يكون بمعنى انّ حقّ الضمان ثابت هنا عقلائياً فيكون نفيه ضرراً فقاعدة لا ضرر لا تنتج في المقام شيئاً

426

أكثر ممّا يُنتجه الارتكاز العقلائي والذي يعبّر عنه في ما مضى في شرح الوجهين الأوّلين بقاعدة اليد أو قاعدة الإقدام، وانّما يكون أثر قاعدة لا ضرر أنّه لولاها لكان الاستدلال بالارتكاز أو السيرة العقلائيين متوقّفاً على كشف إمضاء الشريعة عن طريق سكوتها عن الردع، وقاعدة لا ضرر تقوم مقام كشف الإمضاء بعدم وصول الردع فلو أن أحداً لم يقبل دلالة عدم وصول الردع على الإمضاء إمّا لمنع كون السكوت دليلاً للإمضاء أو لمنع دلالة عدم وصول الردع على عدم صدور الردع تكفيه في المقام قاعدة لا ضرر.

وقد اتضح بكل ما ذكرناه انّ قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده لا تتمّ إلّا بمقدار تمامية اليد في التأثير فلا تجري القاعدة في مثل المسابقة الفاسدة وبكلمة اُخرى ليس المهم الحديث عن عنوان ما يضمن بصحيحه فانّه لم يرد في آية أو رواية، وانّما المهم البحث عن موارد تأثير اليد وعدمه فمثلاً في ما مضى من مسألة بيع الخمر يكون المقدار المفيد من البحث ما اشرنا إليه من أنّ البائع لا يضمن الثمن لانّ المشتري هو الذي هدر كرامة ماله بجعله في مقابل الخمر، ولا فائدة في البحث عن أنّ عدم ضمان البائع لثمن الخمر هل هو نقض على قاعدة ما يضمن لانّ البيع الصحيح فيه ضمان أو ليس نقضاً عليها لانّ بيع الخمر لو صحّ لم يضمن فيه الثمن بغير نفس الخمر !

وفي ختام الحديث عن قاعدة ما يضمن نشير إلى أنّه إذا كان أحدهما عالماً بالفساد والآخر جاهلاً به فقد يقال: لا ضمان على الجاهل لانّ المغرور يرجع إلى مَن غرّه بل حتى لو كانا جاهلين وكان أحدهما هو المحرّك للآخر والمؤثّر عليه في الدخول في هذه المعاملة فقد يتصوّر أيضاً دخول المورد في قاعدة رجوع المغرور إلى من غرّه.

427

والجواب ـ كما افيد في المقام ـ: انّ الجاهل ليس جاهلاً بالضمان كي تطبق عليه هذه القاعدة لرفع الضمان وانّما هو جاهل بالفساد وهو مقدّم بالفعل على الضمان.

نعم لو كان المسمّى أقل من المثل فهو جاهل بضمان الفارق فيرجع فيه إلى الغارّ وهذا تأييد لجزء من الرأي الذي نقلناه عن استاذنا الشهيد (رحمه الله) من ضمان أقل الأمرين.

هذا تمام الكلام في قاعدة ما يضمن.

وأمّا قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده فقد اتضح ما ينبغي أن يكون مدركاً لها من تضاعيف بحثنا عن اختها وهو هدر المالك لكرامة ماله بأحد وجهين:

إمّا بالتسليط الخارجي لصاحبه عليه وهو يختصّ بفرض العلم بالفساد في مثل الهبة بناء على كونه تمليكاً لا اجازة للتملّك بالحيازة، أمّا لو كان جاهلاً بالفساد فالتسليط الخارجي انّما وقع في نظره على ما هو مملوك لصاحبه، وكذلك في تسليم العين المؤجرة إلى المستأجر فانّه أيضاً لدى العلم بالفساد يكون قد سلطه على العين بلا ضمان، أمّا مع الجهل فانّما سلّطه على العين بتخيّل صحّة الإيجار والشرط الضمني الذي يقتضي تسليم العين وليس هذا من نوع التسليط المجاني الذي يرفع الضمان.

وإمّا بالتسليط المعاملي وإيقاعه للمعاملة راضياً بها وهذا ما يشمل فرض الجهل أيضاً.

ولا داعي للبحث عن أنّ العين المؤجرة هل هي غير مربوطة بالقاعدة لانّ الإجارة وقعت على المنفعة لا على العين أو مربوطة بها لانّ الشرط الضمني

428

يقتضي تسليم العين وهذا كاف في كون العين داخلة في المقبوض بالعقد، أو لانّ الإجارة عقد تقع على العين وإن كان مفادها تمليك المنفعة أقول: لا داعي لهذا البحث بعد أن كانت القاعدة لم ترد في آية أو رواية.

هذا. ولا نقبل القاعدة إلّا في مورد يكون قرار المتعاملين على عدم الضمان أو لم تكن هناك يد.

بعض النقوض على قاعدة ما لا يضمن:

وقد ذكرت في المقام فروع للنقض على قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ونحن نتعرّض لها أو لبعضها لا كنقض على القاعدة لانّ القاعدة ليست مفاد آية أو رواية وانّما نحن ندور مدار ما عرفته من الدليل من الهدر أو التسليط المجاني بل لكونها في نفسها فروعاً قابلة للتعرّض والبحث:

فمنها ـ ما لو استعار المحرم الصيد من المحل فتلف الصيد في يده أمّا لو أرسله فلا إشكال في الضمان على الأقل للإتلاف الذي يوجب الضمان حتى في صحيح العارية.

وذكر السيد الإمام (رحمه الله): إنّ فرض فساد العارية كي يمكن أن يكون المورد مصداقاً لما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده يمكن إثباته بوجهين(1):

الوجه الأوّل ـ انّ النهي قد تعلّق بالصيد لا بمعنى الاصطياد بل بمعنى ذات الحيوان وهو عين خارجية لا معنى لتعلّق النهي به حقيقة فتعلّق النهي به يدلّ على النهي عن جميع التصرّفات والتقلّبات الراجعة إليه من اصطياده وأكله وبيعه وشرائه وغير ذلك كي يكون بمنزلة تعلّق النهي بذات العين باعتبار انّه إذا حرمت


(1) راجع كتاب البيع 1: 302 ـ 304.

429

جميع تقلّبات العين فكأنّما العين حرمت بتمام حقيقتها، وتحريم التصرّفات العملية كالاصطياد والعين ظاهر في الممنوعية النفسية أي الحرمة التكليفية، وتحريم التصرّفات القانونية كالبيع والشراء ظاهر في الممنوعية الوضعية أعني البطلان وليست الحرمة التكليفية والوضعية معنيين مختلفين كي يقال: لا جامع بينهما بل هما معاً بمعنى المنع غاية الأمر انّ المنع إذا كان نفسياً كان مساوقاً للحرمة التكليفية، وإذا كان وضعياً كان مساوقاً للبطلان.

أقول: إنّ التصرّفات القانونية تقبل التحريم النفسي والتحريم الوضعي وهما وإن كانا بمعنى المنع لكنّهما على أي حال فردان من المنع ولا يستفاد من إطلاق المنع الجمع بينهما لانّ الإطلاق ليس جمعاً بين القيود، نعم لو تعلّق المنع ابتداء في اللفظ بالتصرّفات القانونية انصرف بمناسبات الحكم والموضوع إلى المنع التكليفي، أمّا لو تعلّق بما يشمل التصرّفات القانونية والتصرّفات العملية فالقدر المتيقن من ذلك المنع النفسي لانّ التصرّفات العملية لا تقبل إلّا المنع النفسي ولا ينصرف بلحاظ حصّة من متعلّقه إلى المنع الوضعي.

الوجه الثاني ـ انّ قوام الاستعارة بجواز الانتفاع وقد حرم الانتفاع هنا لكون المستعير محرّماً فتكون الاستعارة باطلة لا محالة.

أقول: إنّ قوام الاستعارة يكون بزوال حرمة الانتفاع من ناحية كونه تصرّفاً في مال الغير امّا الحرمة الطارئة بنذر أو احرام أو كونه مضرّاً بصحّة مزاجه وسلامته مثلاً فلا تنفى صحّة الاستعارة.

وعلى أيّ حال فلا يهمنا الأمر في صحّة الاستعارة هنا وفسادها لانّنا لا نتكلّم في هذا الفرع بلحاظ النقض على قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده وانّما نتكلّم فيه بلحاظ أصل ثبوت الضمان وعدمه.

430

وقد ذكر الشيخ الانصاري (رحمه الله) وجهاً للضمان ونصّه ما يلي:

«إلّا ان يقال: إنّ وجه ضمانه بعد البناء على أنّه يجب على المحرم إرساله وأداء قيمته انّ المستقر عليه قهراً بعد العارية هي القيمة لا العين فوجوب دفع القيمة ثابت قبل التلف بسبب وجوب الإتلاف...»(1).

وذيل هذه العبارة صريح في أنّ الضمان يكون قبل الإتلاف بسبب نفس وجوب الإتلاف.

وقد أوردوا عليه بأنّه ليس أحد الموجبات للضمان هو وجوب الإتلاف بل هو نفس الإتلاف ووجوبه وجوب لأمر لو فعله لحصل الضمان أمّا لو لم يفعله وعصى الوجوب مثلاً فلا موجب للضمان فلو لم يرسل الصيد إلى أن خرج من الإحرام أرجع نفس العين إلى مالكها.

إلّا انّ الشيخ الاصفهاني (رحمه الله) احتمل في صدر عبارة الشيخ وهو قوله: «انّ المستقر عليه قهراً بعد العارية هي القيمة لا العين» معنى آخر معترفاً بانّه يناقض الذيل وهو دعوى انّ قاعدة احترام مال المسلم تقتضي دخول المالية في العهدة فشخص العين وإن لم تدخل في العهدة لوجوب إرسالها وامتناع أدائها لكن ماليتها دخلت في العهدة بدليل قاعدة احترام مال المسلم فيجب عليه تداركها لو تلفت.

ولا يقال: إنّ إسقاط احترام العين إسقاط لتلك الحصّة من المالية الثابتة ضمن العين لانّها تتلف بتلف العين ولا موجب للانتقال إلى حصّة اُخرى.

فانّه يقال: إنّ تلف المالية بتلف العين المأمور به شرعاً لا يعنى سقوطها عن


(1) المكاسب 1: 103، بحسب طبعة الشهيدي.

431

الاحترام فانّ احترام المالية يعني تداركها ولا يعني عدم تلفها فنجمع بين وجوب الإتلاف واحترام المال بما هو مال بضرورة إتلاف العين بالإرسال مع ضرورة تدارك المالية بدفع القيمة.

ثم أبطل (رحمه الله) هذا الوجه بانّ قاعدة احترام مال المسلم بعد تسليمها انّما تدلّ على وجوب تدارك المال بعد الإتلاف والتلف، ووجوب التدارك بعد الإتلاف في المقام لا كلام فيه حتى مع قطع النظر عن قاعدة الاحترام، وامّا وجوب التدارك بعد التلف فنفس التسليط الصادر من المالك الذي أسقط هذا الاحترام على تقدير صحّة العارية يكون هو المسقط له أيضاً على تقدير فساد العارية(1)، ولعلّ مقصوده (رحمه الله)من التعبير بانّ «قاعدة الاحترام بعد تسليمها...» إشارة إلى ما يقال من أنّ دليل حرمة مال المسلم كحرمة دمه لا يدلّ على أكثر من الحرمة التكليفية.

وذكر الشيخ النائيني (رحمه الله)(2): انّ المحرم يضمن الصيد بمجرّد أخذه من المحلّ لا لما قاله الشيخ الانصاري (رحمه الله) من أنّ وجوب الإتلاف أوجب الضمان فانّ الضمان انّما يكون نتيجة الإتلاف الفعلي لا نتيجة وجوب الإتلاف بل لانّه قد أتلفه بنفس أخذه من المحلّ، لانّ المستفاد من الأدلّة ليس وجوب الإرسال وجوباً تكليفياً فحسب بل خروجه من الملك وصيرورته حرّاً بمجرّد وقوعه تحت يد المحرم فأخذه إتلاف للملكية، ولا فرق في الإتلاف الموجب للضمان بين إتلاف العين كما لو أحرق الفراش مثلاً أو إتلاف ماليتها كما لو حوّل الخلّ خمراً أو إتلاف ملكيتها كما في ما نحن فيه.


(1) راجع تعليقة الشيخ الاصفهاني على المكاسب 1: 83.

(2) راجع تقرير الشيخ الآملي 1: 313 ـ 316، ومنية الطالب 1: 124 ـ 126.

432

وقال (رحمه الله): إنّه لو كان المحلّ عالماً بانّ المستعير محرم وان أخذه ايّاه يخرجه من الملك لم يشفع ذلك لعدم الضمان وذلك لانّ سبب سقوط الضمان إمّا هو استناد الإتلاف إلى نفس المالك لتسليمه الصيد ايّاه، وإمّا هو كون إتلاف المحرم للصيد بموافقة المالك من قبيل ما لو أمر المالك شخصاً بإلقاء ماله في البحر أو إحراقه مثلاً، وكلا السببين غير تام في المقام.

امّا الأوّل فلانّ المسبب انّما يعتبر مسبباً توليدياً ويسند إلى من استفاد من السبب حينما لا يتوسّط بينهما فاعل بالاختيار كما لو ألقى شيئاً في النار فاحترق، فالإتلاف هنا يسند إلى الملقي في النار حقيقة لانّ الوسيط وهي النار ليس فاعلاً بالاختيار، امّا في المقام فالوسيط فاعل بالاختيار فسبب التلف هو الأخذ وقد قام به المحرم الذي هو فاعل بالاختيار فالإتلاف لا يسند إلى المعطي.

وامّا الثاني فلأنّ الإتلاف باذن المالك أو بأمره انّما لا يوجب الضمان إذا كان جائزاً شرعاً «وعلّل في منية الطالب عدم الضمان عندئذ بثبوت الوكالة إذ قد ناب عن المالك في ما جاز للمالك فعله» عندئذ وفي المقام لم يكن الإتلاف جائزاً فهو من قبيل ما لو أمر أحد صاحبه بإلقاء متاع الآمر في البحر من دون مبرّر شرعي فانّه لو ألقاه عندئذ كان ضامناً، نعم لو كانا في السفينة واشرفت السفينة على الغرق فأمر صاحبه بإلقاء متاعه في البحر كي تخفّ السفينة وتنجو من الغرق لم يكن ضامناً.

وقال (رحمه الله): انّه لو أرجع الصيد إلى المعير لم يخرج من الضمان لانّ المعير يملكه بحيازة جديدة شأن أيّ إنسان آخر يستطيع أن يملكه بالحيازة لانّه أصبح من المباحات الأصليّة وبه يظهر الفرق بين الخلّ لو غصبه وصيّره خمراً ثم رجع خلاً وأرجعه إلى صاحبه حيث نقول هنا بانتفاء الضمان ولا نقول به في المقام، والفرق هو: انّ ملكية صاحبه في مثال الخلّ ليست بحيازة جديدة وانّما الملكية

433

السابقة تحوّلت بالخمرية إلى حقّ الاختصاص ثم تحوّل حقّ الاختصاص مرّة اُخرى إلى الملكية ولم يصبح الخلّ بتبدله إلى الخمر من المباحات الأصلية التي يجوز لكل أحد حيازتها وهذا بخلاف المقام.

أقول: لو سلّمنا الضمان في فرض جهل المعير بالحال وبالحكم فالقول بالضمان في فرض العلم غريب.

وما أوردهما على كلا وجهي الضمان في المقام غير صحيح:

أمّا ما ذكره من أنّ من أمر شخصاً بإتلاف ماله حراماً ضمن المتلف ماله فنحن لا ندري لماذا يضمن ماله في فرض الحرمة ولا يضمنه في فرض الإباحة هل لمجرّد الفرق بالحرمة والحلّ، أو لما ورد في منية الطالب من أنّ الوكالة لا تثبت إلّا في فرض الحلّ والوكالة هي التي ترفع الضمان لانّ يد الوكيل تعتبر يداً للموكل؟

فإن كان النظر إلى مجرّد التفريق بالحرمة والحلّ فمن الواضح انّ الحرمة تكليفية في المقام ونحن كلامنا في الضمان الوضعي، ولا نفهم نكتة عقلائية في دخل الحرمة والحل التكليفيين في الضمان وعدمه في المقام.

وإن كان النظر إلى مسألة الوكالة ولنفترض انّ المقصود ليست هي الوكالة التي يختص صدقها بباب التصرّفات القانونية من العقود والإيقاعات بل المقصود هو معنى أعم يصدق في كل فعل كان بإمكان الشخص ان يفعله فأوكله إلى غيره قلنا: إنّ صدق الوكالة ليس مشروطاً بحلّية العمل فمقياس صدقها ان صدقت في غير التصرّفات القانونية انّما هو معقولية صدور ذاك الفعل من الموكل في ذاته لا معقوليته شرعاً بمعنى الجواز كما انّه في التصرفات القانونية أيضاً ليس المقياس في صدق الوكالة حلّية ذاك التصرّف فلو أوكل شخصاً في بيع داره وكان بيع داره حراماً عليه لنذر أو لنهي الوالد أو غير ذلك فالوكالة صادقة في المقام قطعاً.

 

434

ثم لا أدري هل يلتزم الشيخ النائيني (رحمه الله) بالضمان فيما لو أجاز المالك أحداً في أكل طعامه فأكله بنكتة أنّ الوكالة في الأكل لا معنى لها فما دامت الوكالة غير صادقة فالأكل الذي هو إتلاف للمال يوجب الضمان رغم اذن المالك؟! ولو فرضنا صدق الوكالة حتى هنا فهل يقول: إنّه لو حرم عليه الأكل لكونه مريضاً وكون هذا الطعام مضرّاً بحاله مثلاً ثبت الضمان؟!

وأمّا ما ذكره من أنّ الإتلاف لا يستند إلى المعير لتوسّط الفاعل بالاختيار وهو المستعير فيرد عليه: أنّ المسألة اجنبية عن باب توسّط الفاعل بالاختيار أو بغير الاختيار فانّ هذه المسألة موردها مورد وجود وسيط بين الشخص والفعل في إسناد الفعل إلى الشخص كالنار فيما إذا ألقى الورق فيها فاحترق، فالإحراق مستند أوّلاً وبالذات إلى النار ثم هو مستند بواسطة فعل النار الذي كان بلا اختيار إلى الشخص وهذا الإسناد حقيقي، وإذا أمر شخصاً آخر بإتلاف المال فاتلفه كان الإتلاف مستنداً أوّلاً وبالذات إلى المأمور ثم هو مستند بواسطة فعل المأمور إلى الآمر لكن هذا الإسناد مجازي لانّ الوسيط وهو الآمر فاعل بالاختيار، وأمّا في ما نحن فيه فالمستعير ليس وسيطاً بين المعير واستيلاء المستعير على الصيد بل هذا الاستيلاء مستند إليهما في عرض واحد عرفاً إن لم يكن عقلاً فان الآخذ والمعطي يحقّقان شيئاً واحداً تكون نسبته إلى أحدهما نسبة الإعطاء ونسبته إلى الآخر نسبة الأخذ.

فان قيل: إنّ الموضوع لتلف الصيد انّما هو ذاك الشيء بوصفه اخذاً لا بوصفه إعطاءً.

قلنا: إنّ هذا التدقيق لا يؤثّر في فرض الآخذ والمعطي عرفاً في عرض واحد بالنسبة للإتلاف فهما معاً متلفان وإذا اسند الإتلاف إليهما معاً فالمعير هو

435

الذي هدر كرامة ماله ولا ضمان على المستعير هذا كله في فرض علم المعير بالحال.

أمّا إذا كان جاهلاً بإحرام المستعير أو بكون ذلك موجباً لتلف المال فالوجه الثاني من وجهي عدم الضمان وهو اذنه في الإتلاف لا يأتي في المقام كما هو واضح. وأمّا الوجه الأوّل وهو استناد الإتلاف إليه فقد يتراءى للذهن أنّه يأتي في المقام لانّ العلم والجهل لا دخل لهما في صدق الإتلاف فقد يتلف الإنسان مالاً بعمل كان يجهل كون هذا العمل موجباً للتلف كما لو أوقع ظرفاً على الأرض جاهلاً بانّ هذا يوجب كسره فانكسر، بل قد يتحقّق الإتلاف مع الغفلة الكاملة كما في النائم الذي يسقط الكوز بتحريك رجله فيسقط وينكسر فالمعير هنا وإن كان جاهلاً بالحال ولكنه قد أتلف صيده بتسليمه إلى المستعير المحرم، نعم قد يقال برجوعه إلى المستعير من باب رجوع المغرور إلى من غرّه لو كان المستعير عالماً بانّ أخذه للصيد يؤدّي إلى إتلافه.

ولكن الواقع انّ الوجه الأوّل أيضاً لا يأتي في المقام وذلك لانّ المفروض كما قلنا انّ الإتلاف مستند إليهما معاً واستناد الإتلاف إلى المستعير مقتض للضمان، وأمّا استناده إلى المعير فهو ليس مانعاً عن الضمان إلّا حينما يكون هدراً لكرامة ماله ولا يكون كذلك إلّا في فرض علمه بالحال، امّا مع الجهل فلم يكن هدر من قبل المالك لكرامة ماله فيثبت الضمان على المستعير ولو بمقدار النصف لا الكل باعتبار كون المالك المعير أيضاً سهيماً في الإتلاف.

إلّا انّ هذا كله فرع كون استيلاء المستعير على الصيد موجباً لخروجه من ملك المالك ورجوعه إلى الإباحة الأصلية وهذا أوّل الكلام، فلو سلّمنا ان دليل وجوب الإرسال على المحرم يدل بالدلالة الالتزامية العرفية على خروج الصيد

436

من ملك المحرم لو ملكه قبل الإحرام فلا نسلّم دلالته على خروجه من ملك غيره فليجب عليه الإرسال وليكن المال في نفس الوقت باقياً في ملك الغير وأثره الضمان على تقدير الإرسال.

وقد اتضح بكل ما ذكرناه انّ الظاهر عدم ضمان المستعير المحرم للصيد إلّا بعد إتلافه بإرسال أو غير ذلك أمّا لو تلف في يده فلا ضمان عليه لمكان التسليط من قبل المالك.

ومنها ـ انّ منافع العين المشتراة بالبيع الفاسد هل تكون مضمونة أو لا؟

وهذا البحث أيضاً طرح بعنوان النقض على قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده وأدّى ذلك إلى وقوع سلسلة من البحث:

فقد يقال: إنّ هذا نقض على القاعدة لانّ المبيع بالبيع الصحيح لا تضمن منافعه في حين انّه في البيع الفاسد يقال بضمانها(1).

وقد يردّ على ذلك بانّ المنافع مضمونة في البيع الصحيح ضمن ضمان العين لانّ المنافع ومقدار قابلية العين لهما تؤثّر في قيمة العين(2).

وقد يجاب على هذا الرد بانّ هذا ليس هو الضمان المصطلح فانّ المنافع لا تقابل بالمال وتأثيرها على القيمة انّما هو بنحو الحيثية التقييدية من دون تقسيط للقيمة عليها(3).

وقد يردّ النقض أيضاً بانّ المنافع في باب البيع خارجة عن تحت قاعدة ما لا يضمن وقاعدة ما يضمن لانّ العقد لم يقع عليها وانّما وقع على العين(4).


(1) و (2) و (3) راجع المكاسب 1: 103، بحسب طبعة الشهيدي.

(4) راجع منية الطالب 1: 126.

437

وقد يجاب على هذا الردّ بانّه لو كانت المنافع خارجة عن تحت البيع فكذلك هي خارجة عن تحت الهبة فما هو السرّ في أنّها تضمن في البيع الفاسد ولا تضمن في الهبة الفاسدة؟!(1).

وعلى أيّة حال فأصل هذا التسلسل من البحث لا أساس له باعتبار انّ أصل القاعدة كقاعدة ما يضمن لا أساس لها.

وانّما المهم ملاحظة المسألة بحدّ ذاتها لكي نرى انّ مقتضى القواعد فيها الضمان أو عدم الضمان؟

فنقول: إنّ المقتضي للضمان في فرض استيفاء المنفعة موجود والمانع مفقود أمّا وجود المقتضي في فرض استيفاء المنفعة فمّما لا إشكال فيه فانّنا حتى لو قلنا بانّ تفويت المنفعة من دون استيفاء لا يوجب الضمان فكون الاستيفاء بذاته موجباً للضمان واضح عقلائياً ولذا نرى انّهم اختلفوا في ضمان الغاصب للمنافع غير المستوفاة ولم يختلفوا في ضمانه للمنافع المستوفاة.

وأمّا لو لم يستوف المشتري المنافع فالظاهر عدم تمامية المقتضى للضمان إلّا إذا كان المشتري غارّاً للبائع لانّنا حتى لو قلنا في باب الغصب بضمان الغاصب للمنافع غير المستوفاة وذلك بتفويته لها أو بتلفها تحت يده نقول: ما نحن فيه أنّ المالك يكون سهيماً مع المشتري في التفويت وفي هذا الفرض لا موجب للضمان إن لم يكن المشتري غارّاً للبائع اذن فمقتضى الضمان منحصر في المقام في فرض الاستيفاء أو التغرير.

وأمّا عدم المانع فلأنّ المانع عبارة عن التسليط المجاني ولا تسليط مجاني في المقام.

 


(1) راجع المحاضرات 2: 160، ومصباح الفقاهة 3: 109.

438

وما قد يتصوّر من ثبوت التسليط المجاني لانّه انّما كان الثمن في مقابل العين لا في مقابل المنفعة يمكن الجواب عليه بأحد وجهين إمّا لا يتم مطلقاً أو لا يتم إلّا في خصوص فرض علم البائع بالفساد.

أمّا الوجه في أنّه لا يتم إلّا في خصوص علم البائع بالفساد فهو أن يقال: إنّه إن قصد بالتسليط المجاني التسليط المعاملي فالتسليط المعاملي إمّا هو على العين فقط لانّ البيع والشراء يتعلّقان بالعين، وإمّا هو على المنفعة أيضاً بالتبع فتكون المنفعة مضمونة ضماناً تبعيّاً بنفس ثمن العين وعلى كل تقدير لا يوجد تسليط معاملي مجاني على المنفعة، وان قصد به التسليط الخارجي فالتسليط الخارجي عن المنفعة مجاناً ان صدق فانّما يصدق مع علم البائع بالفساد، امّا مع جهله فانّما قصد البائع تسليط المشتري على منفعة ماله المملوكة له لا على منفعة مال البائع المملوكة للبائع.

وامّا الوجه في عدم تمامية المانع عن الضمان مطلقاً حتى في صورة علم البائع بالفساد فهو دعوى انّ المنفعة دائماً ضمانها مندكّة في ضمان العين وتابعة له كاندكاك نفس المنفعة تكويناً في العين وتبعيتها لها إلّا في صورتين:

الاُولى ـ تعمّد الفصل بين العين والمنفعة في ضمان معاملي بتخصيص الضمان المعاملي بالمنفعة دون العين كما في باب الإيجار أو بالعين دون المنفعة كما في بيع العين مسلوبة المنفعة مدّة من الزمان.

والثانية ـ الفصل التكويني بينها في ضمان اليد أو الإتلاف كما لو أتلف المنفعة بغلق باب الدار والمنع عن استيفاء مالكها لمنفعتها من دون غصب نفس الدار وكما لو غصب الدار وفوّت منفعتها مع بقاء العين أو استوفى منفعتها في فترة من الزمن، أمّا إذا أوقع عقد البيع على العين من دون سلب المنفعة أو أتلف العين

439

فضمان منفعتها المعاملي في الأوّل أو ضمانها بالإتلاف في الثاني مندك في ضمان العين وتابع له باندكاك نفس المنفعة في العين وتبعيتها لها، وعليه نقول في ما نحن فيه: إنّ الضمان المعاملي للمنفعة في باب البيع الفاسد مندك في منظار هذا البيع في نفس ضمان العين فالبائع لم يسلّط المشتري على المنفعة مجاناً حتى ولو كان عالماً بالفساد، وانّما سلّطه عليها في مقابل كون العين مقابلة بالثمن وليس هذا هو التسليط المجاني الذي يسقط الضمان عقلائياً.

وبعد فانّنا تارة نفترض انّ العين لم تتلف في يد المشترى إلى ان تراجعا عن البيع الفاسد.

واُخرى نفترض انّه تلفت العين قبل التراجع وعلى كل حال نفترض كما عرفت انّ المشترى قد استوفى منفعة العين خلال تواجدها عنده أو انّ المشتري كان غارّاً للبائع وإلّا لم يكن ضامناً للمنافع فان تلفت العين قبل التراجع.

قلنا: إنّه ليس للبائع ان يطالب المشتري بأكثر من ثمن المسمّى إن كان ثمن المثل للعين أو مجموع ثمن المثل للعين واجرة المنفعة مدّة بقاء العين أكثر من المسمّى الذي جعل في العقد الفاسد مقابلاً للعين وذلك لانّه هو الذي هدر كرامة العين وكذلك كرامة المنفعة ضمن هدر كرامة العين في ما هو ازيد من ثمن المثل.

أمّا إذا كان المسمّى أكثر فتارة يكون أكثر من ثمن المثل للعين واُخرى يكون أكثر من مجموع ثمن المثل للعين واجرة المنفعة مدة بقاء العين ولنفترض الآن انّ الثمن لا زال غير تالف فنقول:

أمّا ما يزيد على مجموع ثمن المثل للعين واجرة المثل للمنفعة فيجب عليه إرجاعه إلى المشترى لانّ المشتري ليس ضامناً لأكثر من ثمن المثل لانّ ضمان المسمّى انّما يكون بالعقد وقد كان العقد باطلاً.

440

وامّا ما يزيد على ثمن المثل للعين ولا يزيد على مجموع الثمن والاجرة فالظاهر انّه لا يجب عليه إرجاعه إلى المشتري لانّ المشتري كما يكون ضامناً لثمن مثل العين كذلك يكون ضامناً لاجرة المثل للمنفعة بمقدار ما هو مندك في ثمن المسمّى وليس ضمان اليد في المنفعة مندكاً في ثمن المثل لانّه وقع الانفصال بين العين والمنفعة بتلف المنفعة دون العين وهذا أحد السببين اللذين ذكرنا انّهما يوجبان تمييز المنفعة عن العين في الضمان ولم يهدر البائع كرامة المنفعة إلّا فيما يزيد على ثمن المسمى.

وأمّا إذا كان الثمن أيضاً تالفاً فليس على البائع ضمان حتى ولو كان المسمّى أكثر من مجموع ثمن المثل للعين واجرة المنفعة وذلك لانّ المشترى قد هدر كرامة ماله في ما هو أكثر ممّا استلمه من العين والمنفعة فالضمان من كلا الطرفين يستقر في الحقيقة على المسمّى كما مضى التنبيه على ذلك في بحث ما يضمن بصحيحه لدى شرح ما يلزم من مبنى استاذنا الشهيد (رحمه الله) من ضمان أقل الأمرين.

أمّا إذا لم تتلف العين إلى ان تراجعا عن البيع الفاسد فإن كان الثمن تالفاً وكان أكثر من ثمن المثل للعين أو مساوياً له لم يكن البائع ضامناً لأكثر من العين لانّه حتى لو كان المسمى أكثر من ثمن المثل فالمشتري هو الذي هدر كرامة الزيادة ولم يكن المشتري ضامناً للمنفعة بأكثر من الضمان المندك في ثمن المسمّى والمفروض انّه قد دفع المسمى إلى البائع وتلف عنده.

وأمّا إن كان الثمن التالف أقل من ثمن المثل للعين فمن حق البائع استرجاع العين ودفع مقدار الثمن التالف ناقصاً مقدار الاجرة فان استوعب مقدار الاجرة تمام الثمن استرجع العين من دون دفع شيء من الثمن، وإن زاد مقدار الاجرة

441

على الثمن التالف لم يكن للمشترى دفع الزيادة لانّ البائع كان قد هدر كل كرامة للمنفعة زائدة على الضمان المندك في الثمن المسمّى للعين.

وأمّا إن كان الثمن باقياً كما كانت العين باقية وقد حصل التراجع في العينين فعلى المشتري دفع اجرة العين للفترة التي كانت تحت يده على أن لا تزيد الاجرة على ثمن المسمى للعين، فان زادت عليه فهو لا يضمن الزيادة لانّ البائع قد هدر كل كرامة للمنفعة غير مندكة في ثمن المسمى.

ومنها ـ حمل المبيع حيث يقال بضمانه على المشترى في البيع الفاسد مع أنّه غير مضمون مثلاً في البيع الصحيح.

والواقع انّ الحمل إمّا ان يفرض جزءً من المبيع مضموناً بجزء من الثمن في البيع الصحيح ومضموناً باليد في البيع الفاسد بنفس المقياس الذي مضى في ضمان المبيع بالبيع الفاسد.

وإمّا ان لا يكون داخلاً في البيع لا جزءً ولا شرطاً فهو أمانة عند المشترى في كلا فرضي صحّة البيع وفساده.

وإمّا أن يكون داخلاً في البيع على وجه الشرط لا الجزء فيكون حاله حال المنفعة في أنّ ضمانه العقدي تبعي لضمان العين من دون تقسيط الثمن عليه ولا يعدّ تسليط المشترى عليه تسليطاً مجانياً مسقطاً للضمان فإذا تلف في البيع الفاسد تحت يد المشترى كان مضموناً بالتفصيل الذي مضى في ضمان المنفعة المستوفاة.

 

وجوب الردّ إلى المالك وعدمه:

الثالث(1): وجوب الردّ إلى المالك وعدمه بعد فرض حرمة التصرّف.


(1) وقد مرّ البحث الثاني في الصفحة 918.

442

وقد عمّم الحكم بوجوب الردّ على القول به لما لا يضمن بصحيحه كالهبة إلّا انّ هذا التعميم لمثل الهبة ممّا تكون الفحوى عادة شاهدة على التسليط المجاني حتى على تقدير البطلان يجب أن يكون بفرض عدم هذه الفحوى.

وعلى أية حال ففي المسألة قولان: وجوب الردّ وكفاية تخلية الوضع عن المانع الذي يحول بين المالك وأخذه للمال.

وما قد يصلح دليلاً على وجوب الردّ الذي ذهب إليه الشيخ الانصاري والشيخ النائيني والسيد اليزدي وغيرهم وجوه:

الوجه الأوّل ـ حرمة الإمساك المستفادة من حديث سماعة وزيد الشحّام عن الصادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يحل دم امرىء مسلم ولا ماله إلّا بطيبة نفسه(1) والتوقيع عن الإمام صاحب الزمان ـ عجّل الله فرجه ـ: لا يحل لأحد ان يتصرّف في مال غيره بغير اذنه(2).

وجعل الشيخ الانصاري (رحمه الله) دلالة الرواية الاُولى على المقصود أقوى من الثانية حيث انّه لو نوقش في دلالة الثانية بمنع صدق التصرّف على الإمساك فالاُولى تدلّ بسبب نسبة الحرمة إلى المال الخارجي على تحريم جميع الأفعال المتعلّقة به التي منها كونه في يده(3) ولكن الشيخ الآخوند جعل دلالة الرواية الاُولى أضعف من دلالة الرواية الثانية(4) ولعله لأجل أنّ حذف المتعلّق إذا كان


(1) الوسائل 3: 424، الباب 3 من أبواب مكان المصليّ، الحديث 1، و 19: 3، الباب 1 من القصاص في النفس، الحديث 3.

(2) الوسائل 6: 377، الباب 3 من أبواب الأنفال، الحديث 6.

(3) المكاسب 1: 104، بحسب طبعة الشهيدي.

(4) راجع تعليق الآخوند على المكاسب: 33.

443

هناك شيء بارز يناسب تقديره لا يفيد العموم فكما ان تحريم الامهات ينصرف إلى الوطء وتحريم الخمر ينصرف إلى الشرب مثلاً، كذلك تحريم المال ينصرف إلى الأكل بالمعنى الواسع لا بخصوص معنى الازدراد ولا يشمل مثل مجرّد الإمساك.

وذكر الشيخ النائيني (رحمه الله): انّ الإمساك يكون تصرّفاً لانّه عبارة عن استدامة الأخذ والأخذ تصرّف، واستدامة التصرّف تصرّف لا محالة(1).

أقول: إنّ التشكيك في كون الإمساك تصرّفاً إمّا أن يكون في مطلق الإمساك بدعوى انّ التصرّف مأخوذ من الصرف بمعنى القلب والتقلّب وعندئذ من الواضح انّ الأخذ تصرّف باعتباره قلباً للمال ونقلاً له من يد المالك مثلاً إلى يده ولكن الإمساك ليس استدامة للأخذ وانّما هو مجرّد استدامة لكون المال عنده وهذا ليس قلباً وتقلّباً في المال. وإمّا أن يكون في خصوص الإمساك غير السلطوي بمعنى إبقائه عنده مع التخلية بينه وبين المالك وانتظار مجيء المالك كي يسلّم المال إليه ومن الواضح ان هذا لا يعدّ تصرّفاً وليس حاله حال الأخذ.

وعلى أي حال فخير اعتراض على الاستدلال بهاتين الروايتين هو التشكيك في صدق التصرّف الوارد في احدى الروايتين على الإمساك خصوصاً غير السلطوي والتشكيك في إطلاق الرواية الاُخرى التي حذف المتعلّق فيها ودعوى انصرافها إلى حرمة الأكل أو احتمال الانصراف على أقل تقدير.

وقد اعترض الشيخ الآخوند (رحمه الله) في المقام باعتراض آخر وهو انّ حرمة الإمساك لا توجب وجوب الردّ تعييناً ولو على القول بمقدمية الضد فانّ الإمساك


(1) راجع منية الطالب 1: 131، وتقرير الشيخ الآملي 1: 325.