232

ما ورد في سند الحديث السابق على هذا الحديث وهو حديث نقله الشيخ الحر عن الشيخ الطوسي بإسناده عن على بن الحسن بن فضال فيكون معنى العبارة: انّ هذا الحديث أيضاً نقله الشيخ بسنده عن علي بن الحسن بن فضال عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، ومن هنا يبرز في السند الإشكال الموجود في سند الشيخ إلى علي بن الحسن بن فضال.

ولكن يظهر بمراجعة التهذيب(1) انّ الشيخ لا يروي هذا الحديث بسنده إلى علي بن الحسن بن فضال، وانّما يرويه بسنده إلى سعد بن عبد الله وبهذا يتم سند الحديث.

والظاهر انّ سبب الخطأ الموجود في الوسائل انّ الروايات التي جاءت قبل هذا الحديث ـ بفاصل رواية واحدة ـ كلها كانت روايات للشيخ بسنده عن سعد بن عبد الله، ثم جاءت رواية واحدة للشيخ بسنده عن علي بن الحسن بن فضال ثم جاء الحديث الذي نحن بصدده فقال: وعنه عن أحمد بن محمّد... فالظاهر انّ مقصود الشيخ الحرّ هو إرجاع الضمير إلى سعد بن عبد الله وغفل عن تخلل رواية في المقام عن علي بن الحسن بن فضّال وانّ الضمير سيعود بظاهره إلى علي بن الحسن بن فضال.

وأمّا من حيث الدلالة فهذا الحديث أيضاً مخصوص حسب المتن الموجود في الوسائل بتحليل الحق الثابت في المال الذي وصلنا، لا بمعنى تعلّقه بمالنا لمضيّ رأس سنتنا الخمسية مثلاً بل بمعنى كونه متعلّقاً بمال غيرنا ممّن يستحل الخمس مثلاً وبعد تعلقه به انتقل المال إلينا والشاهد على ذلك قوله: «وكل مَن


(1) التهذيب 4: 143، الحديث 399.

233

والى آبائي فهو في حلّ ممّا في أيديهم» إذ لم يقل فهو في حل ممّا في يده أو فهم في حلّ ممّا في أيديهم، بل أفرد الضمير الأوّل وجمع الضمير الثاني ممّا يدلّ على أنّ مرجع الضمير الثاني ليس هو الشيعي الذي بيده المال المحلّل له بل آخرون، وهذا يعني انّ الحق تعلّق بالمال قبل انتقاله منهم إليه ولكن المتن الموجود في التهذيب ـ والذي هو مصدر صاحب الوسائل (رحمه الله) ـ حسب النسخة الواصلة لنا ليس هكذا، فالضمير في كلا الموردين ضمير الجمع أي ورد: «فهم في حل ممّا في أيديهم» وهذا ظاهر في التحليل المطلق إلّا انْ يقيد بقرينة الروايات النافية لذلك بخصوص الحق الذي وقع في يد الشيعي من يد غيره بان كان الحق قد تعلّق بالمال قبل وقوعه في يده.

والثالث ـ في الأنفال من قبيل ما عن أبي سيّار مسمع بن عبد الملك عن الصادق (عليه السلام) في قصة الغوص... وما لنا من الأرض وما أخرج الله منها إلّا الخمس؟! يا أبا سيار الأرض كلها لنا فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا قال قلت له: أنا أحمل إليك المال كله فقال لي: يا أبا سيار قد طيبناه لك وحللناك منه فضم إليك مالك وكل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون ومحلل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيدي سواهم فانّ كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم منها صغرة(1).

قوله: «فيجبيهم طسق ما كان في أيدي سواهم فانّ كسبهم من الأرض...» هذا هو نسخة التهذيب والظاهر وقوع سقط في عبارة التهذيب(2) والصحيح ما في


(1) الوسائل 6: 382، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 12.

(2) التهذيب 4: 144، الحديث 403.

234

الكافي(1): «فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم، وامّا ماكان في أيدي غيرهم فان كسبهم من الأرض...».

وبعد هذا العرض السريع لبعض روايات الباب نبدي ملاحظاتنا حول التمسّك بها لتصحيح عقد الفضولي بالإجازة المتأخّرة وهي اُمور:

1 ـ انّ الطائفة الاُولى من هذه الطوائف الثلاث التي عرضناها ينبغي أن تكون خارجة عن مورد الاستدلال، لانّها لا يستفاد منها أكثر من تحليل الإماء الذي قد يكفي فيه الرضا ولا يحتاج إلى وصول الاذن ولا تدلّ على تصحيح المعاملات والعقود حتى يقال: إنّ خروجها عن الفضولية كان متوقّفاً على وصول الاذن إلى العاقد.

2 ـ انّ التمسّك بأخبار تحليل الخمس يتوقّف على القول بانّ تعلّق الخمس بالمال يكون بالتشريك مثلاً، لا بمثل تعلّق حق يكفي في جواز التصرّف فيه مجرّد الرضا ولو بلا استناد، وإلّا لما صحّ التعدّي من هذه الروايات إلى مطلق بيع مال الغير لاحتمال اختصاص الحكم بخصوص ما يشترط فيه الرضا، فحسب دون الاستناد كبيع العين المرهونة من قبل الراهن فانّه لا يشترط فيه الاستناد إلى المرتهن بل يكفي فيه الرضا فلو بنينا على انّ تعلّق الخمس بالمال ليس بمثل التشريك لحقت الطائفة الثانية بالطائفة الاُولى في انّها ينبغي أن تكون خارجة عن مورد الاستدلال، أمّا ما هو الصحيح في حقيقة تعلّق الخمس بالمال؟ فهذا ما نرجعه إلى بحث الخمس وليس هنا محل بحثه.

وعلى أيّة حال فهذه الملاحظة لو تمّت لا تأتي في أخبار تحليل الأنفال إلّا انّ الظاهر من عبارة المحاضرات هو انّ السيد الخوئي قصد في المقام التمسّك


(1) الكافي 1: 408، من باب انّ الأرض كلها للإمام، الحديث 3.

235

بأخبار تحليل الخمس دون تحليل الأنفال.

3 ـ انّ روايات تحليل الخمس والأنفال إمّا ان يستفاد منها ترخيصهم (عليهم السلام)للشيعة لتملّكها كما لعله ظاهر كلمة: (ضمّ إليك مالك) الواردة في ما مضى من رواية الأنفال، أو يستفاد منها مجرّد الإباحة من دون تمليك كما لعلّه ظاهر قوله في نفس تلك الرواية: (محلّل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم)، فانّ جباية الطسق منهم بعد قيام القائم عجّل الله فرجه تناسب عدم التمليك.

وقد يفصّل بين الأرض والأموال المنقولة باستفادة جواز التملّك في المنقولات، والاكتفاء بحق الاختصاص في الأرض ما دام القائم غائباً بقرينة فرض الطسق عليها بعد الظهور.

فان فرضنا التملّك خرجت الروايات عمّا نحن بصدده من معاملات غير المالك الفضولية.

وإن فرضنا الإ باحة فمن الطبيعي انّها ليست إ باحة عامّة بحيث تجوز لكل أحد من الشيعة سرقة الخمس أو الأنفال من يد شيعي آخر، بل المقصود إباحة كل شيء لمن في يده بحيث يحصل لكل أحد حق الاختصاص لما يحوزه بالأساليب المألوفة وهذا الحق كاف في تصحيح المعاملات والمبادلات، فانّ التبادل لا يعني التبادل في خصوص الملكية بل يعني التبادل فيما كان لكل واحد منهم من حق سواء كان عبارة عن حقّ الملكية أو حق الاختصاص، وبهذا يصحّح بيع الأراضي الخراجية مثلاً من قبل الشيعة بعضهم لبعض في أيّام الغيبة فتصحيح المعاملات في المقام اذن غير متوقّف على القول بصحّة عقد الفضولي كي تجعل هذه الروايات الظاهرة في تصحيح المعاملات دليلاً على صحّة عقد الفضولي.

4 ـ انّ غاية ما تدلّ عليه هذه الروايات بعد الغضّ عمّا مضى هي كفاية

236

الرضا ا لمبرز المقارن ولو لم يصل إلى العاقد، أمّا كفاية الإجازة المتأخّرة من دون رضا مقارن مبرز فهذه غير واردة في هذه الروايات إطلاقاً وما دمنا لا نريد فعلاً تصحيح الإجازة المتأخّرة وفق القواعد، وإلّا لما استدللنا بالروايات فمن المحتمل الفرق بين الرضا المبرز المقارن والإجازة المتأخّرة بان يكون للتقارن دخل في صحّة المعاملة.

والخلاصة انّ هذه الأحاديث لم تشتمل على كبرى كلية تدلّ على مصححية الإجازة حتى نتمسّك بإطلاقها للإجازة المتأخّرة، ولا على خصوص مصححية الإجازة المتأخّرة، وغاية الأمر أن نتمسّك بما هو المفروض في مورد الأحاديث من صحّة المعاملات رغم عدم الاذن الواصل إلى العاقد، ومن المعلوم انّ ما هو المفروض في مورد هذه الأحاديث عبارة عن الإجازة المقارنة غير الواصلة لا الإجازة المتأخّرة.

5 ـ وهناك إشكال قد يتصوّر وروده على السيد الخوئي (رحمه الله) في المقام وهو انّه وقع في ما يشبه التناقض بين ما ذكره سابقاً وما ذكره هنا حيث انّه ذكر سابقاً صحّة الفضولي بالإجازة المتأخّرة وفق القاعدة لانّ الإجازة المتأخّرة كالاذن السابق تصحّح استناد العقد إلى المالك، وهنا ذكر: انّ الاذن إن لم يكن واصلاً إلى العاقد لا يكفي في صدق استناد العقد إلى المالك ونحن بدورنا نسأل هل يشترط في صحّة الفضولي على القاعدة وصول الإجازة المتأخّرة إلى الفضولي أو لا؟ من الواضح انّه لا يشترط فيها ذلك لانّ وصول الإجازة وعدمه إلى العاقد بعد نهاية العقد لا دخل له في صحّة الاستناد إلى المالك وعدمها إطلاقاً، ولا يلتزم السيد الخوئي نفسه بالتفصيل في ما هو مقتضى القاعدة في عقد الفضولي بين وصول الإجازة المتأخّرة إلى الفضولي وعدمه.

237

وعندئذ نقول: لو شرطنا في كفاية الاذن السابق في صدق الاستناد وصول الاذن إلى العاقد كان معنى ذلك انّ الإجازة المتأخّرة أقوى بمقتضى القواعد من الاذن السابق، لانّ الاذن السابق لا يصحّح الاستناد إلّا إذا وصل إلى العاقد في حين انّ الإجازة المتأخّرة تصحّح الاستناد إلى المالك قبل وصولها إلى العاقد وهذا غريب.

ولكن يمكن حل المطلب بان يقال: إنّ صدق الاستناد إلى المالك عرفاً ليس أمراً اعتباطياً بحتاً، بل له نكتة عقلائية ونكتته العقلائية لا تخلو من أحد اُمور ثلاثة:

الأوّل ـ نفس التوكيل أو قل الاذن السابق أو المقارن فانّ يد الوكيل أو المأذون تعتبر يداً للموكّل أو الآذن(1) وهذه النكتة يصحّ فيها ما قاله السيد الخوئي


(1) مضى في ما سبق انّ استناد الأمر الاعتباري إلى المالك بمجرّد الاذن أو الإجازة له معنيان:

1 ـ دعوى استناد العقد أو الوجود الاعتباري الثابت في عالم اعتبار المتعاقدين إلى المالك.

2 ـ دعوى استناد الوجود الاعتباري الثابت في لوح اعتبار العقلاء فحسب إلى المالك دون الوجود الاعتباري الثابت في عالم اعتبار المتعاقدين، ونحن قد اخترنا الثاني من هذين التفسيرين وتطبيق نكتة التوكيل، وكذلك ما تأتي من النكتة الثانية والثالثة على هذين التفسيرين يكون كالتالي:

تارة نفترض انّ هذه النكات أو بعضها أوجبت ابتداء ان يسند العرف ما لم يصدر مباشرة من المالك إلى المالك إسناداً حقيقياً وبهذا يتم التفسير الأوّل.

واُخرى نفترض انّ هذه النكات لم تؤثر أكثر من كونها مناسبات عرفية لإسناد ما لم يصدر مباشرة من المالك إلى المالك مجازاً وكان ذلك حكمة في تصحيح العقد وتحقّق النقل والانتقال في لوح اعتبار العقلاء، وبما انّ الاذن أو الإجازة الصادر من المالك سبب حقيقي أو موضوع حقيقي لتحقّق هذا النقل والانتقال فقد انتسب هذا النقل والانتقال إلى المالك حقيقة وهذا هو التفسير الثاني.

238

من تقومها بالوصول إلى العاقد فالوكيل غير الواصل إليه التوكيل لا تعتبر يده عقلائياً يداً للموكل كما هو واضح وهذه النكتة لا تأتي في الإجازة المتأخّرة أصلاً فيد الفضولي سابقاً ليست يداً للمالك عقلائياً حتى بعد لحوق الإجازة كما هو واضح.

الثاني ـ كون عمل العاقد مستنداً إلى اذن المالك أي انّ الذي دفعه إلى العقد هو اذن المالك وكون اذن المالك مستنداً إلى المالك فكانّما رأى العقلاء أن المستند إلى المستند إلى المالك مستند إلى المالك فأصبح العقد بذلك مستنداً إلى المالك وهذا أيضاً متقوّم بما قاله السيد الخوئي من فرض وصول الاذن إلى العاقد إذ لولا وصوله إلى العاقد لما كان عقده مستنداً إلى اذن المالك وهذه النكتة أيضاً لا تأتي في الإجازة المتأخّرة وانّما توجد في الاذن المتقدّم لوضوح انّ الإجازة المتأخّرة حتى لو وصلت إلى العاقد ليست هي الدافعة للعاقد إلى العقد بل انّ هذه النكتة قد تتخلّف حتى في مورد الاذن السابق الواصل إلى العاقد كما لو اذنه المالك في البيع ووكله فيه ولكن العاقد باع لا بدافع من هذا الاذن والتوكيل بل بدافع آخر من نفسه.

وقد يقال: إنّ هذه النكتة غير صحيحة عقلائياً لانّ هذه النكتة محفوظة نادراً في مورد الإجازة المتأخّرة كما لو فرضنا انّ العاقد انّما أقدم على العقد لعلمه بانّ المالك سوف يجيز العقد فالإجازة هي الدافعة للعاقد إلى العقد قبل وجودها على حدّ دافعية الاذن المتقدّم ولكن مع ذلك لا نحسّ بصحّة إسناد العقد إلى المالك قبل إجازته لمجرّد العلم بانّه سيجيز، وأنّ العلم بإجازته المتأخّرة هو الذي دفع العاقد إلى العقد.

ويمكن ان يجاب على ذلك بجوابين أوّلهما مقبول عرفاً بلا شكّ وهو يكفينا سواء تمّ قبول الثاني أيضاً أو لا:

الأوّل ـ انّ الاستناد الأوّل وهو استناد العقد إلى الإجازة وإن كان ثابتاً قبل

239

وجودها بمعنى انّ العلم بها هو الذي دفع العاقد إلى العقد، لكن الاستناد الثاني وهو استناد الإجازة إلى المالك لم يكن موجوداً في ذلك الوقت لانّ استنادها إليه لا يتقدّم على وجودها فلا يصدق عنوان انّ المستند إلى المستند إلى المالك مستند إلى المالك.

والثاني ـ انّ الاستناد الأوّل أيضاً محل إشكال بناء على انّ مقصودنا من استناد العقد إلى الآذن هو وقوع الاذن في سلسلة علل العلم به الدافع إلى العقد، وهذا انّما يعقل في الاذن المتقدم ولا يعقل في الإجازة المتأخّرة لانّها متأخّرة عن العلم بها فكيف تكون واقعة في سلسلة علل العلم.

وعلى أيّة حال فإن كان السيد الخوئي ينظر في صحّة الاستناد إلى إحدى هاتين النكتتين فهذا لا يكفي في تصحيح عقد الفضولي على القواعد.

الثالث ـ التبنيّ والانتحال من قبل المالك للعقد فهذا يؤدّي عرفاً إلى استناد العقد أو النقل والانتقال إليه وهذه النكتة هي النكتة الموجودة في الإجازة المتأخّرة فلأنّ المجيز انتحل العقد وتبنّاه نسب العقد أو النقل والانتقال إليه، وهذه النكتة غير متقوّمة بالوصول إلى العاقد بل قد يدّعي مدّع عدم تقوّمها بالإبراز أيضاً أي ليس ما يصحّح الاستناد إبراز التبنيّ والانتحال بل يكفي التبنيّ أو الانتحال الباطني وهو غير الرضا البحت الباطني، والظاهر انّ هذه النكتة مخصوصة عرفاً بالإجازة المتأخّرة ولا تشمل الاذن المتقدّم أو المقارن فالتبنيّ والانتحال انّما يتعقّل عرفاً في شيء موجود ومتحقّق وتبنيّ الشيء يكون في طول فرض الفراغ عن وجوده، أمّا قبل وجوده فلا يعقل عرفاً إلّا التوكيل.

ومن هنا يمكن توجيه كلام السيد الخوئي في المقام بان يقال: إنّه يشترط في تأثير الاذن السابق في صحّة الإسناد الوصول، ولا يشترط ذلك في الإجازة

240

المتأخّرة وذلك لانّ الصحيح من هذه النكات في الاذن السابق هي النكتة الاُولى والثانية، وهما متقوّمتان بالوصول إلى العاقد كما مضى لكن الصحيح منها في الإجازة اللاحقة هي النكتة الثالثة وهي غير متقوّمة بالوصول إلى العاقد.

إلّا انّه تبقى عليه الملاحظات السابقة.

على أنّ هذا التوجيه الذي ذكرناه لا يناسب ما يظهر ممّا ورد في مصباح الفقاهة(1) من فرض الملازمة بين مصحّحية الاذن السابق للعقد لاستناده إلى المالك على القاعدة، ومصحّحية الإجازة المتأخّرة لذلك على القاعدة حيث قال: «فكما انّ الاذن السابق كاف في صحّة العقد واستناده إليه كذلك الإجازة اللاحقة لانّهما متساويان في حصول الرضا الذي هو الأصل في ذلك» فالجمع بين هذا الكلام وشرط وصول الاذن إلى العاقد يرد عليه: انّه ان فرضت مصححية الاذن والإجازة للاستناد من واد واحد فكيف يعقل أن تكون الإجازة أقوى تأثيراً من الاذن بان يشترط في الاذن الوصول إلى العاقد ولا يشترط في الإجازة ذلك؟! وإن فرضتا بنكتتين مختلفتين فلا معنى لدعوى الملازمة بين القول بهذا والقول بذلك ولا معنى لقوله: «لانّهما متساويان في حصول الرضا الذي هو الأصل في ذلك»(2).


(1) مصباح الفقاهة 4: 20 ـ 21.

(2) بل قد اتضح بهذا العرض ان دعوى التلازم بين مصحّحية الاذن على القاعدة للعقد ومصحّحية الإجازة له على القاعدة غير صحيحة أصلاً بقطع النظر على إشكال مضى إيراده على هذه الدعوى في آخر بحث تخريج صحّة العقد الفضولي بمقتضى القواعد، وذلك لأنّ دعوى صحّة استناد العقد إلى المالك حقيقة لا تصحّ إلّا على أساس نكات عقلائية وقد عرفت انّ النكات العقلائية التي يمكن ان تتمّ في الاذن وهي النكتة الاُولى والثانية لا تتمّ في الإجازة.

241

إلّا ان يفترض عدم الدقّة في التعبير الوارد في مصباح الفقاهة كأن يكون المقصود الحقيقي للسيد الخوئي دعوى الملازمة بين مصحّحية الاذن السابق ومصححية الإجازة اللاحقة بعد فرض تمامية الاستناد فيهما ولو بنكتتين مختلفتين أي يكون المقصود: أنّه إن كفى مجرّد صدق الاستناد في مورد الاذن السابق لصحّة العقد رغم عدم المباشرة اذن يكفي أيضاً صدق الاستناد بقاء بسبب الإجازة لصحّة العقد.

ومنها ـ روايات إجازة عقد النكاح الصادرة من غير الولي الشرعي(1) وقد وقع الكلام لدى الأصحاب حول انّه هل يصحّ التعدّي من النكاح إلى العقود المالية أو لا؟

فقد يقال بالتعدّي بالاولوية فلئن صحّ الفضولي في النكاح رغم أهميّته وارتباطه بالفروج والأولاد ففي العقود المالية يصحّ بطريق أولى.

وقد يقال: إنّ أهمية النكاح تناسب التوسعة والتسهيل في التشريع بالنسبة له كي لا يتورّط الناس في الزنا وهذا بخلاف العقود المالية، فتصحيح الفضولي في عقد النكاح أو أي تسهيل آخر لا يجوّز لنا التعدّي في ذلك من النكاح إلى العقود المالية.

والصحيح: انّنا لو كنّا نتكلّم في الحكم الظاهري من احتياط أو تسهيل أمكن أن يقال: إنّ النكاح أولى بالاحتياط من العقود المالية لأهميّته أو أولى بالتسهيل من العقود المالية لانّ التضييق فيه قد يورّط الناس في الزنا القطعي،


(1) راجع الوسائل 14: 207، الباب 6 من أبواب عقد النكاح، الحديث 2، و 208، الحديث 4، و 211، الباب 7 من أبواب عقد النكاح، الحديث 3، و 212، الباب 8 من أبواب عقد النكاح، الحديث 1، و 17: 527، الباب 11 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1، و 528، الحديث 2.

242

ولكن الكلام انّما هو في الحكم الواقعي للعقد الفضولي من الصحّة أو البطلان وهذا لا علاقة له بأهميّة النكاح أو عدم أهميّته وانّما له علاقة بكون الملاك المصحّح للعقد هل هو موجود في الفضولي منه أو لا فلعلّ عقد النكاح رغم أهميّته يوجد ملاكه في الفضولي منه أو لا يوجد، ولعلّ عقد البيع رغم عدم أهميّته يوجد ملاكه في الفضولي منه أو لا يوجد فالمهم أن نرى مع حذف هذا البحث انّ العرف هل يتعدّى من عقد النكاح إلى العقود المالية أو لا؟

ومنها ـ الروايات الواردة في العامل المضارب الذي خالف شرط صاحب المال فحكم الإمام (عليه السلام) فيها بانّ الخسارة على العامل والربح بينهما(1).

ولعلّ أبرز ما يمكن ان يستدل بها على المقصود ما عن جميل بسند تام عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل دفع إلى رجل مالاً يشتري به ضرباً من المتاع مضاربة فذهب واشترى به غير الذي أمره قال: هو ضامن والربح بينهما على ما شرط(2).

ويليه ما عن الحلبي بسند تام عن أبي عبد الله (عليه السلام) انّه قال في الرجل يعطي المال فيقول له: ائت أرض كذا وكذا ولا تجاوزها واشتر منها قال: فان جاوزها وهلك المال فهو ضامن، وان اشترى متاعاً فوضع فيه فهو عليه، وان ربح فهو بينهما(3).

ووجه الاستدلال هو ان يحمل ذلك على أنّ المضارب بما انّه خالف ما أراده المالك، فالعمل الذي صدر منه لم يكن مأذوناً فيه فإن ربح فمن الطبيعي انّ


(1) راجع الوسائل 13: 181 ـ 183، الباب 1 من كتاب المضاربة.

(2) الوسائل 13: 182، الباب 1 من كتاب المضاربة، الحديث 9.

(3) الوسائل 13: 181، الباب 1 من كتاب المضاربة، الحديث 2.

243

المالك يجيز عمله طمعاً في الربح فيكون الربح بينهما وفق قانون المضاربة، وإنخسر فمن الطبيعي انّ المالك لا يجيز عمله فيكون العامل ضامناً لماله فتكون الخسارة عليه.

وذكر السيّد الإمام (رحمه الله)(1): انّ ظاهر هذه الروايات هو كون الربح بينهما من دون اشتراط إجازة المالك إذ لا يوجد فيها أي ذكر للإجازة، فظاهرها انّه حكم تعبّدي بحت مخالف لمقتضى القواعد ولا علاقة لها بتصحيح بيع الفضولي بالإجازة وحتى لو حملناها على تصحيح بيع الفضولي بالإجازة فهي مخالفة للقواعد من جهة اُخرى أيضاً، وهي انّ المفروض ان يكون الربح كلّه للمالك لانّ الإجازة مصحّحة للبيع لا لمضاربة خيالية نظير ما لو وكّل شخص أحداً في بيع مال له فباع الوكيل ماله الآخر بتخيّل وكالته في ذلك ثم أجاز المالك عمله فهذه إجازة لبيعه ولا يتم بها ما تخيّله من الوكالة.

والسيد الإمام (رحمه الله) يستبعد جداً صحّة هذا الحكم الوارد في هذه الروايات المخالف لمقتضى القواعد ويقول: إنّ استبعاد هذا الحكم يشكّل بمناسبات الحكم والموضوع قرينة على حمل هذه الروايات على معنى آخر، وإذا دار الأمر بين حملها على فرض تعقّب الإجازة كما يريده صاحب الاستدلال بها في المقام، وحملها على فرض انّ الشرط الذي خالفه العامل شرط مستقل أي ليس عبارة عن تخصيص اذنه ببعض البيوع دون بعض وانّما هو شرط في ضمن عقد المضاربة كان الثاني أولى وذلك لانّ جميع روايات الباب بين ما هو ظاهر في ذلك وما ليس في حمله على هذا المعنى عدا مخالفة الإطلاق ما عدا الروايتين اللتين مضى ذكرهما:


(1) راجع كتاب البيع 2: 122 ـ 124.

244

فمّما يكون ظاهراً في ذلك ما عن محمّد بن مسلم بسند تام عن أحدهما (عليهما السلام)قال: سألته عن الرجل يعطى المال مضاربة وينهى ان يخرج قال: يضمن المال والربح بينهما(1).

وممّا يكون مطلقاً ما عن الحلبي بسند تام عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المال الذي يعمل به مضاربة له من الربح وليس عليه من الوضيعة شيء إلّا ان يخالف أمر صاحب المال(2)، فمخالفة أمر صاحب المال تشمل بمقتضى الإطلاق مخالفة الشرط المستقل ومخالفة تخصيص الاذن ببعض البيوع، ولكنّنا نحمل الروايات المطلقة على الشرط المستقل بقرينتين.

الاُولى ـ مناسبات الحكم والموضوع لما قلناه من استبعاد الحكم التعبّدي البحت الذي يفهم من إطلاق الحديث.

والثانية ـ انّ كلمة (أمر صاحب المال) فسّرت في بعض الروايات بالشرط المستقل أعني غير المخصّص للاذن ببعض المعاملات وهي رواية الحلبي التامّة سنداً عن أبي عبد الله (عليه السلام) انّه قال في المال الذي يعمل به مضاربة: له من الربح وليس عليه من الوضيعة شيء إلّا ان يخالف أمر صاحب المال فانّ العباس كان كثير المال وكان يعطي الرجال يعملون به مضاربة ويشترط عليهم ان لا ينزلوا بطن واد ولا يشتروا ذا كبد رطبة فان خالفت شيئاً ممّا امرتك به فأنت ضامن المال(3).

وبعض الروايات المطلقة عبّر فيها بالشرط بدلاً عن الأمر من قبيل ما عن


(1) الوسائل 13: 181، الباب 1 من كتاب المضاربة، الحديث الأوّل.

(2) الوسائل 13: 181، الباب 1 من كتاب المضاربة، الحديث 4.

(3) الوسائل 13: 182، الباب 1 من كتاب المضاربة، الحديث 7.

245

الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يعطي الرجل مالاً مضاربة فيخالف ما شرط عليه قال: هو ضامن والربح بينهما(1) وهذا يمكن إنكار إطلاقه لظهور الشرط في الشرط المستقل دون تخصيص الاذن ببعض البيوع.

وبهذا التفسير يصبح مفاد الروايات مطابقاً للقاعدة تماماً فالربح انّما كان بينهما لانّ المضاربة كانت صحيحة، والتخلّف عن الشرط لا يبطلها والضمان أيضاً يكون على طبق القاعدة لانّ يده أصبحت بمخالفة الشرط يداً عادية.

وإذا اتضح انّ أكثر روايات الباب محمولة على هذا المعنى لم يبق شيء سوى الروايتين الأوليتين فنقول عندئذ: انّ حملهما على نفس المعنى بعد استبعاد ذاك الحكم التعبّدي أولى من حملهما على إجازة البيع الفضولي لانّ سائر الروايات دلّت على المعنى الأوّل.

بل الثانية منهما قد يدّعى ظهورها في هذا المعنى بان يقال: إنّ قوله: «يعطي المال» من دون ذكر لكيفية المضاربة ظاهر في انّ المضاربة كانت مطلقة والجملة المعطوفة بالفاء وهي قوله: «فيقول له ائت أرض كذا وكذا...» تفيد الشرط المستقل فكأنّ العطف بالفاء يوحي إلى انّ أصل عملية المضاربة قد تمّ ذكرها قبل الفاء.

وبكلمة اُخرى انّ حمل ما بعد الفاء على تخصيص الاذن المفهوم ممّا قبل الفاء ببعض المعاملات خلاف الظاهر فيحمل على الشرط المستقل أعني غير المخصّص للاذن.

وبناء على هذا لا يبقى شيء في المقام عدا الرواية الاُولى وهي رواية


(1) الوسائل 13: 181، الباب 1 من كتاب المضاربة، الحديث 5.

246

جميل وهي أيضاً نحملها على نفس المحمل بقرينة مناسبات الحكم والموضوع، لما عرفت من انّ هذا الحمل أهون من الحمل على إجازة الفضولي لتطابقها عندئذ مع باقي الروايات ونستأنس لهذا الحمل بأمرين آخرين:

أحدهما ـ انّ كلمة «الأمر» قد عرفت انّها فسّرت في قصة العباس بالشرط المستقل.

والثاني ـ انّ كلمة الشرط جاء ذكرها في نفس رواية جميل فبناء على ارتباطها بحكم الضمان الوارد في الرواية لا بحكم تقسيم الربح تكون أيضاً شاهداً للمقصود، لانّ كلمة الشرط لها ظهور في الشرط المستقل.

هذا تمام ما أردنا نقله عن السيّد الإمام (رحمه الله).

وهناك ملاحظات جانبية حول هذا الكلام من قبيل:

1 ـ إنّنا لا نرى لكلمة الشرط ظهوراً في الشرط المستقل.

2 ـ وانّ الظاهر انّ كلمة الشرط في رواية جميل راجعة إلى الأقرب إليها وهو تقسيم الشرط لا الأبعد وهو الضمان.

3 ـ وانّ الضمان بناء على تفسيره (رحمه الله) ليس أمراً مطابقاً للقواعد لانّ المفروض ليس فقط ضمان التلف كي يقال: إنّ يده أصبحت بمخالفة الشرط يداً عدوانية فأوجبت الضمان ويثبت أيضاً ضمان الخسارة، وهذا لا مبرّر له على القواعد لو فرضت صحّة المعاملة كما هو مفروضه (رحمه الله).

نعم لو حملت الروايات على فرض فسخ المالك للمعاملة بعد ظهور الخسارة وذلك بخيار تخلّف العامل للشرط ثبت ضمان الخسارة على العامل بالفسخ.

4 ـ وانّ مجرّد ظهور أكثر الروايات في فرض من الفروض وهو فرض الشرط المستقل لا يشكّل قرينة على حمل رواية اُخرى على هذا الفرض.

247

5 ـ وانّ مجرّد فرض كون المقصود من كلمة الأمر في الرواية الواردة في قصّة العباس الشرط المستقل ليس قرينة على حمل هذه الكلمة في باقي الروايات على ذلك، على انّه لم يثبت تفسير كلمة الأمر في تلك القصة بذلك، وغاية ما يفترض في المقام انطباقه في تلك القصة على هذا المصداق وكيف يكون انطباقه في مورد على مصداق، قرينة على سلب الإطلاق عن مصداق آخر في باقي الروايات؟! بل الظاهر انّه في رواية قصة العباس طبّق على كلا المصداقين فانّ نهيه على شراء الحيوان ظاهر في استثناء شراء الحيوان من المعاملة المأذون فيها وان عبّر عن ذلك بالشرط.

6 ـ وانّ دلالة الفاء على عدم كون ارتباطه ما بعدها بما قبلها ارتباط تخصيص للاذن ببعض المعاملات، وكونه ارتباط الشرط الضمني بالعقد غير واضحة لدينا.

وعلى أيّة حال فالظاهر عدم تمامية الاستدلال بهذه الروايات على المقصود من نفوذ عقد الفضولي إطلاقاً بالإجازة المتأخّرة وذلك:

أوّلاً ـ لانّ ظاهر هذه الروايات عدم افتراض تعقّب الإجازة، والاستبعاد العقلائي للصحّة بلا إجازة لا يكون قرينة على الحمل على فرض الإجازة بعد ما نرى منه انّه بعد هذا الحمل يأتي استبعاد آخر وهو استبعاد تقسيم الربح بينهما إن كانت صحّة المعاملة مستندة إلى الإجازة لانّ الإجازة إجازة للبيع لا للمضاربة الخيالية.

وثانياً ـ لو قلنا: إنّ الاستبعاد الأوّل أشدّ وأقوى من الاستبعاد الثاني بحيث شكّل ذلك قرينة عقلائية على فرض الإجازة (ولعلّه لا يبعد ذلك) قلنا إنّ اشتمالها على تقسيم الربح والذي ليس على وفق القاعدة لانّ المترقّب عندئذ كان رجوع

248

الربح تماماً إلى المالك ـ كما ذكره السيد الإمام ـ يمنعنا عن الجزم بالتعدّي منمورد هذه الأحاديث إلى غيره وننتهي بالآخرة إلى حكم تعبّدي مخصوص بمورده.

ومنها ـ روايات الاتجار بمال اليتيم(1) حيث يستفاد منها انّ الربح لليتيم والخسارة على العامل فيفسّر ذلك بانّه ان ربحت التجارة اعقبتها الإجازة من قبل اليتيم إذا بلغ، أو من قبل الولي فيكون الربح لليتيم وإن خسرت التجارة لم تعقبها الإجازة فبطلت وتحمل العامل الخسارة.

والصحيح انّ هذه الروايات أيضاً لا تدلّ على المقصود إذ (أوّلاً) لا توجد فيها عين ولا أثر عن فرض تعقّب الإجازة.

وأمّا الجواب عليه بانّ الاستبعاد العقلائي لفرض الصحّة بلا إجازة قرينة عقلائية على إرادة فرض الإجازة.

ففيه: انّ هذا الجواب إن تمّ فانّما يتمّ في فرض التجارة بأموال الكبار، وأمّا في فرض التجارة بأموال الأيتام فيأتي حتى في نظر العرف والعقلاء احتمال انّ الشارع حكم بصحّة المعاملة الفضولية بعد ان وقعت وكانت في صالح اليتيم تعبّداً ورغم انف الولي الذي لا يجيز.

(وثانياً) انّها بين ما يختص بتجارة الولي أو الوصي(2)، وما يتخيّل الإطلاق فيه لكن الإطلاق غير ثابت في شيء من تلك الروايات وذلك، إمّا لاستفادة جواز التصرّفات المقترنة بالتجارة منها من التسليم والتسلم(3)، وهذا


(1) راجع الوسائل 6، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، و 12، الباب 75 من أبواب ما يكتسب به، و 13، الباب 10 من كتاب المضاربة، والباب 92 من كتاب الوصايا.

(2) الوسائل 12: 190، الباب 75 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1.

(3) الوسائل 12: 191، الباب 75 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3 و 4.

249

قرينة على أنّ العامل كان وليّاً أو مأذوناً من قبله فتخرج المعاملة عن كونها فضولية، أو لانّ الرواية(1) انّما هي بصدد بيان مصير التجارة من الضمان ومن ينتهي إليه الربح لا بصدد بيان من الذي تصحّ التجارة منه كي ينعقد لها الإطلاق لغير الولي.

ومنها ـ ما ورد عن موسى بن اشيم عن أبي جعفر (عليه السلام) عن عبد لقوم مأذون له في التجارة دفع إليه رجل الف درهم فقال اشتر بها نسمة واعتقها عنيّ وحج عنيّ بالباقي ثم مات صاحب الألف فانطلق العبد فاشترى أباه فاعتقه عن الميت ودفع إليه الباقي يحجّ عن الميّت فحجّ عنه وبلغ ذاك موالي أبيه ومواليه وورثة الميت جميعاً فاختصموا جميعاً في الألف فقال موالي العبد المعتق انّما اشتريت أباك بمالنا وقال الورثة انّما اشتريت أباك بمالنا وقال موالي العبد: إنّما اشتريت أباك بمالنا فقال أبو جعفر (عليه السلام): امّا الحجّة فقد مضت بما فيها لا تردّ، وامّا المعتق فهو ردّ في الرقّ لموالي أبيه وأي الفريقين بعد أقاموا البينة على انّه اشترى أباه من أموالهم كان له رقّاً(2).

وسند ا لحديث ضعيف بـ (صالح) بن رزين الذي لا دليل على توثيقه عدا وقوعه في إسناد كامل الزيارات، وبموسى بن اشيم الذي لا دليل على توثيقه بل روى الكشي رواية في تضعيفه.

وأمّا دلالة الحديث فمبنية على استظهار انّ حكم الإمام (عليه السلام)برقّية العبد الأب لورثة الميت على تقدير إقامتهم للبينة على شرائه بمالهم يعني صحّة بيع


(1) الوسائل 12: 191، الباب 75 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2.

(2) الوسائل 13: 53، الباب 25 من أبواب بيع الحيوان.

250

الفضولي لانّه قد اشترى العبد الابن أباه بمال المورّث بعد موته المبطل لوكالته، فكان شراؤه فضولياً فالإجازة المتأخّرة هي التي صحّحته.

ولعل أهم ما قد يورد على هذه الدلالة ما يلي:

1 ـ احتمال كون مدّعى الورثة انّه اشترى أباه بمال لهم وبأذنهم(1) وهذا ضعيف لانّه لم يأت ذكر في الحديث عن اذن الورثة، فظاهره انّ المقصود شراؤه بمال المورث وانّ الذي وكّله في الشراء هو المورث لا الورثة.

2 ـ احتمال كونه وصيّاً من قبل المورث الميت في شراء العبد وانّ المال لم يكن أكثر من الثلث فلم يكن الشراء فضولياً كما يشهد لذلك أي للوصية الأمر بالحج(2).

ويأتي هنا سؤالان:

الأوّل ـ انّ الورثة إن كانوا يقصدون بدعوى شراء العبد بمالهم شراءه بمال الوصية فلماذا دخلوا أصلاً في النزاع وأي ثمرة لهذا النزاع بشأنهم؟!

وأجيب على ذلك بان نزاعهم كان لأجل ادّعاء ولاء العتق(3).

والثاني ـ انّه على هذا كيف حكم الإمام (عليه السلام) بكون العبد المشترى رقّاً للورثة لو أقاموا البينة في حين انّه قد اعتقه المشتري عملاً بالوصية؟!

وقد يجاب على ذلك بحمله على إرادة حال الانقضاء لا التلبّس، أي انّ هذا العبد المشترى أصبح رقّاً لهم ثم اُعتق(4) أو قل أصبح رقّاً لأبيهم ثم اُعتق.

 


(1) راجع المحاضرات 2: 312 ـ 313، ومصباح الفقاهة 4: 65.

(2) راجع منية الطالب 1: 219، وكتاب المكاسب والبيع للآملي 2: 31.

(3) نفس المصدر السابق.

(4) راجع منية الطالب 1: 219.

251

والإنصاف انّ هذا خلاف الظاهر فظاهر الحديث هو الحكم بالرقية الفعلية وهو لا ينسجم مع افتراض الوصية وفرض صحّة الوصية وتمامية العتق.

نعم لو افترضنا انّ الإمام (عليه السلام) يرى بطلان الوصية لانّ الوصي هو العبد وقد أصبح وصيّاً من دون اذن مولاه لان مولاه انّما اذن له في التجارة لا في أن يصبح وصيّاً مجاناً فهذا أمر معقول، ولكن ذلك لا يخرج البيع عن الفضولية كما هو واضح.

(بقي الكلام) في الاستشهاد بالأمر بالحج على إرادة الوصية فنقول: إن كان المقصود جعل ذلك دليلاً على إرادة الوصية فهو غير صحيح لجواز الحج المستحب عن الحي، بل الواجب أيضاً في بعض الموارد بناء على انّ الموسر العاجز عن الحج يستنيب في حياته.

نعم ان اريد: انّ هذا يصلح للقرينية على إرادة الوصية أي انّه لشيوع الاستنابة للحج بلحاظ ما بعد الموت يكون هذا صالحاً للقرينية على إرادة الوصية فلا بأس بذلك بعد افتراض انّ حكم الإمام (عليه السلام) بالرقّية ليس دليلاً على نفي الوصية لإمكان افتراض بطلان الوصية في المقام كي لا ينافي فعلية الرقية، كما لا بأس أيضاً بعد هذا الافتراض بالاستشهاد لإرادة الوصية بنفس إقدام العبد على تحقيق ما أمره به المورث بعد موته، فهذا أيضاً صالح للقرينية عبر ذلك وإن كان يحتمل أيضاً كون ذلك خطأ منه وجهلاً منه ببطلان الوكالة بالموت.

3 ـ انّه كيف يمكن فرض القول قول المالك الأوّل للأب كما دلّ عليه الحديث باعتبار استصحاب ملكيته له مثلاً في حين انّ أصالة صحّة العقد تحكم على الاستصحاب؟!(1).

 


(1) راجع مصباح الفقاهة 4: 67، والمحاضرات 2: 313.

252

وأجاب عليه السيد الخوئي بانّ أصالة الصحّة فرع أصل وقوع العقد فيحين انّ مالك الأب يدّعي عدم وقوع العقد إذ لا معنى للمبادلة بين ثمن ومثمن كلاهما ملك لشخص واحد(1).

وأضاف على ذلك السيد الإمام (رحمه الله): انّ أصالة الصحّة انّما تجري في نقل شككنا في وقوعه صحيحاً، لا في التردّد بين نقلين أحدهما صحيح والآخر باطل كما في المقام فانّ شراء شيء بمال مالك العين لو فرض نقلاً فهو باطل(2).

4 ـ كيف يمكن فرض القول قول المالك الأوّل للأب مع انّ معنى ادّعاء كل واحد منهم انّه اشترى أباه بماله انّهم جميعاً كان لهم مال لديه مأذون في شراء عبد به اذن فقد كان المشتري وكيلاً عن كل الأطراف وقول الوكيل حجّة.

وإن شئت فقل: إنّ من ملك شيئاً ملك الإقرار به، إذن فالأصل يكون مع الورثة.

وقد أجابوا عليه بان وكالته عن الميت قد انقضت بموته(3).

وبالإمكان أيضاً المناقشة في وكالته عن موالي الأب لانّ الرواية ليس فيها ذكر عن وكالته عنهم.

نعم نحن نفهم من دعواهم عليه بشراء أبيه بمالهم انّهم كانوا يتهمونه بأحد أمرين: إمّا بانّه خان الوكالة واشترى بالمال الموكّل فيه عبداً من نفس مالك المال، في حين انّه كان عليه ان يشتري من غيره، وإمّا بأنّه سرق منهم المال


(1) راجع المحاضرات 2: 313، ومصباح الفقاهة 4: 68.

(2) راجع كتاب البيع 2: 130.

(3) راجع كتاب البيع 2: 129، والمحاضرات 2: 314، ومصباح الفقاهة 4: 69.

253

فاشترى به منهم أباه من دون فرض وكالة في المقام ولا قرينة على الأوّل بالخصوص.

5 ـ يقال أيضاً: كيف يمكن فرض القول قول المالك الأوّل للأب، في حين انّ الصحيح هو انّ القول قول مالك المأذون لانّه يعتبر ذا اليد لانّ له اليد على العبد المأذون الذي له اليد على أبيه فيعتبر هو ذا اليد على الأب المشترى، أو على الألف الذي اختصموا فيه(1).

والجواب: انّ ما في يد العبد انّما يعتبر عرفاً ثابتاً في يد المولى فيما إذا كان العبد على الأقل ساكتاً ـ إن لم نشترط تأييده لمولاه ـ بأن لم يكن العبد نفسه مدّعياً لكون المال لشخص آخر فيكون وزان العبد لدى فرض السكوت، وزان صندوق مشتمل على مال فذاك المال يعتبر في يد مَن له اليد على الصندوق، إمّا مع التصريح من قِبَل العبد بالخلاف وكونه مالاً لشخص آخر كما في المقام فلا يعتبر المولى صاحب يد على ذاك المال(2).

6 ـ كيف حكم الإمام (عليه السلام) بصحّة الحج مع ما فيه من انّه بعد فرض الحكم بالرقية على الأب المشترى فقد صدر الحج من العبد بلا اذن مولاه فهو باطل، مضافاً إلى انّ طرفين من أطراف النزاع لم يطالبوا أصلاً بالحج بل وكذلك الطرف الثالث وهم الورثة، لانّ الذي طلب الحج كان هو المورث وقد مات، إذن فحتى لو صحّ الحج كيف يصبح مستحقاً للاجرة؟!(3).


(1) راجع منية الطالب 1: 219.

(2) لعلّ هذا هو المقصود ممّا جاء في منية الطالب 1: 220.

(3) راجع المحاضرات 2: 314، ومصباح الفقاهة 4: 69.

254

أقول: بما انّ هذا الإشكال ليس من الإشكالات الواردة على أصل دلالة الرواية على صحّة بيع الفضولي بالإجازة وانّما هو إشكال على الرواية بفرض ذكرها لحكم مقطوع الفساد وهو صحّة الحج مثلاً فيكفي في الإجابة عليه تأويل الرواية بما أبداه السيد الإمام (رحمه الله) من احتمال كون المقصود بقوله: «الحجّة قد مضت بما فيها لا ترد» انّ الحج شيء تصرّم وانقضى، ولا معنى لردّه كما يردّ العبد ولا أثر لفرض صحّته وبطلانه وحكم القاضي فيه بشيء فانّه على أيّ حال أمر انتهى، وانّما المهم هو تشخيص حال العبد. وأمّا المال المصروف في الحج فيقال في وجه عدم ذكر الإمام (عليه السلام) لحكمه انّه لم يكن النزاع فيه وانّما كان نزاعهم في العبد(1).

ومنها ـ رواية الحلبي بسند تام قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى ثوباً ولم يشترط على صاحبه شيئاً فكرهه ثم ردّه على صاحبه فأبى أن يقيله (يقبله خ ل) إلّا بوضيعة قال: لا يصلح له أن يأخذه بوضيعة فان جهل فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه ردّ على صاحبه الأوّل ما زاد(2).

ووجه الاستدلال بذلك هو انّه بعد أن كانت الإقالة بوضيعة باطلة كان بيع الثوب من شخص ثالث فضولياً، ولكن إذا كان هذا البيع بأكثر من ثمنه فالمشتري الأوّل حتماً سيجيز البيع لانّه في صالحه ولهذا حكم الإمام (رحمه الله) بردّ الزيادة عليه.

وأورد على ذلك السيد الخوئي ـ على ما ورد في مصباح الفقاهة(3)بإيرادين:


(1) راجع كتاب البيع 2: 129.

(2) الوسائل 12: 392، الباب 17 من أبواب أحكام العقود.

(3) مصباح الفقاهة 4: 70 ـ 71.

255

الأوّل ـ انّه لو حمل الحديث على البيع الفضولي على أساس بطلان الإقالة فهو فضولي سواء باعه بأكثر من ثمنه، أو بأقل من ثمنه فلا الناقص ملك للبائع ولا الزائد فما معنى التفصيل في الرواية بين ما لو باع بأكثر من ثمنه وما لو باع بأقل، حيث خصص الحكم بالإرجاع إلى المشتري الأوّل بما زاد بل المفروض حتى في فرض النقيصة لو أجاز المشتري الأوّل يكون ملكاً للمشتري الأوّل وإلّا رجع إلى المشتري الثاني لبطلان البيع ورجعت العين إلى المشتري الأوّل، كما هو الحال في فرض الزيادة أيضاً أي انّه لو أجاز المشتري الأوّل فالثمن له وإلّا فالثمن للمشتري الثاني وترجع العين إلى المشتري الأوّل. هذا ما يظهر من عبارة المصباح.

ويقرب منه ما يظهر من عبارة المحاضرات(1) وهو انّه لو حمل الحديث على الفضولي المصحّح بالإجازة فلماذا حكم الإمام (عليه السلام) بإرجاع الزيادة فحسب إلى المشتري الأوّل؟! بل المفروض ان يحكم بإرجاع كل الثمن إلى المشتري الأوّل واسترداد ما دفعه أوّلاً بالإقالة:

أقول: لو اقتصر في مقام الإشكال على ظاهر عبارة التقريرين أمكن الجواب على ذلك بانّ المقدار المتساوي من الثمن الذي ردّه البائع على المشتري الأوّل بالإقالة والذي أخذه البائع من المشتري الثاني يتراضيان عليه عادة فلم يكن الإمام (عليه السلام) بصدد بيان حكم ذلك، وانّما الكلام في الزيادة وقد حكم الإمام (عليه السلام)بإرجاعها إلى المشتري الأوّل على أساس إجازته للبيع الفضولي.

ولكنّي احتمل أن يكون مقصود السيد الخوئي ـ رغم قصور عبارة


(1) المحاضرات 2: 315.

256

التقريرين ـ: إنّ الإمام (عليه السلام) لماذا خصّ الحكم بالإرجاع بمقدار الزيادة على الثمن؟! ونفترض انّ السيد الخوئي حمل كلمة الثمن على ثمن البيع الأوّل فيقال: لو فرضنا انّ ثمن البيع الثاني كان أقل من ثمن البيع الأوّل ولكنّه كان أكثر من الثمن الذي ردّ البائع إلى المشتري الأوّل بالإقالة، كان عليه أيضاً إرجاع الزيادة إلى المشتري الأوّل.

ولكن لو أوّلنا كلام السيد الخوئي بهذا التوجيه أمكن أيضاً الجواب عليه بفرض حمل الثمن في الحديث على الثمن الذي ردّه البائع على المشتري الأوّل بالإقالة.

الثاني ـ انّ المشتري الأوّل ليس دائماً سيجيز البيع الثاني الذي كان بأكثر من ثمنه وليس رضاه بالإقالة دليلاً على أنّه سيجيز ذلك، إذ قد يتفق أن يكون للمشتري الأوّل في وقت الاستقالة غرض خاص في ذلك انتهى وقته في حين البيع الجديد فلا داعي له إلى إجازة البيع الجديد، أو يتفق انّ السعر السوقي لتلك العين قد ترقّى بعد الاستقالة بحيث يمكن الآن بيعها بسعر أرقى من ثمن البيع الثاني فلا داعي له إلى إجازة البيع الثاني.

وأضاف إلى ذلك في المحاضرات(1) انّ الإمام (عليه السلام) لم يتعرّض أصلاً لذكر إجازة المشتري الأوّل.

ولعلّه لا يقصد بهذه الإضافة إشكالاً جديداً بل يرى مجموع الأمرين إشكالاً واحداً ببيان انّ حمل الحديث على فرض الإجازة يجب ان يستند إمّا إلى ورود هذا الفرض في نفس الحديث، أو إلى كون هذا الفرض أمراً طبيعياً بحيث لم


(1) المحاضرات 2: 315.