25

يدفع الفرد والمجتمع للالتزام بالعقد والوفاء به.

وقد يعترض على هذا المدعى فيقال بأن الديموقراطية لا تستطيع أن تضمن رضا الناس جميعاً والعمل بمقتضى آرائهم، فقلّما يحصل إجماع شعبي على قضية معينة، فهي إذن تأخذ برأي الأكثرية، وهو يعني بالتالي سحق الأقلية وإدخالها تحت نير حكم الأكثرية رغماً عنها. وهو يرفضه الوجدان، إلا أن أنصار الديموقراطية هنا يذكّرون بحصول إجماع تام بين الأفراد على قضية أساسية، هي (مبدأ الأخذ برأي الأكثرية) والالتزام الناتج من التعاقد على هذه القضية هو المبرر الوجداني لدخول الأقلية ـ رغم اختلاف رأيها ـ تحت حكم الأكثرية وآرائها.

وربما انبرى المعارضون فطرحوا مسألة احتمال وجود أقلية في المجتمع لا توافق على هذا المبدأ الأساسي (مبدأ الأكثرية) ولنفترض أنهم من المؤمنين بدين لا يؤمن بهذا المبدأ من أساسه، أو أنهم يرون هذا خلاف مصالحهم، أو لأي سبب آخر. فما هو الموقف تجاه هؤلاء؟ أفهل يتركون على حريتهم يفعلون ما يشاؤون لأنهم لم يكونوا طرفاً في العقد الاجتماعي القائم، فليسوا ملزمين تجاهه بشيء، وعندها فالفوضى والاضطراب هو المتوقع بالتالي، أم يجبرون على الالتزام بالقوانين التي أنتجها العقد الاجتماعي، الأمر الذي يرفضه الوجدان العملي ـ كما تقدم ـ؟

26

وهنا يرد أنصار الديموقراطية على هذا الاعتراض مؤكدين أن هذا الأمر لا يشكل عقبة في وجهها، فإن رفض هؤلاء الاشتراك في العقد الاجتماعي يجعلهم بمعزل عنه، وكالغرباء بالنسبة للوسط الاجتماعي الذي وافق بالإجماع على (مبدأ الأكثرية) فقامت في إطاره الحكومة الدميقراطية التي تعتبر أطراف العقد هم وحدهم المواطنين، فإذا ما فضل الرافضون الغرباء بكل حرية العيش في هذا الوسط الاجتماعي فذلك يعني أنهم اختاروا إمضاء العقد والالتزام بنتائجه، حيث تكون الإقامة علامة الرضا إذ تمت في جو حر.

يقول جان جاك روسو في كتابه العقد الاجتماعي:

"إذا كان قد وجد اذن حين العقد الاجتماعي معارضون فيه، فإن معارضتهم لا تبطل العقد، أنها تحول فحسب دون أن يدخلوا فيه، فهم أغراب بين المواطنين، وعندما تكون الدولة قد أسست، فإن الإقامة فيها علامة الرضا، إذ تصبح سكنى الإقليم خضوعاً للسيادة"(1).

وبهذا يؤكد أنصار الديموقراطية أنها واجدة لمصدر مشروع لاستمداد الولاية، وهو الأساس الأول الذي ينبغي أن تقوم عليه الحكومة.

أما الأساس الثاني: وهو المصلحة الاجتماعية فقد يركز على قضية أن الحكومة إذا كانت تعبيراً عن حكم الناس لأنفسهم، فمن



(1) في العقد الاجتماعي، ترجمة: ذوقان قرقوط ـ طبعة بيروت ص 173.

27

الطبيعي أن تعمل على تحقيق المصالح الاجتماعية، لأن الناس لا يريدون لأنفسهم غير ذلك، وليس الحاكم مغايراً للمحكوم كي يفترض تقديمه لمصالحه على مصالح المحكوم. وهذا يؤكد كون الشكل الديموقراطي في الحكم هو أضمن الأشكال المتصورة لحفظ مصالح الأمة.

وهكذا نلاحظ إمكان أن يعمد أنصار الحكم الديموقراطي لاستمداد المبرر المنطقي من كل من الأساسين في اطار من العقد الاجتماعي.

هذا، وربما عمد بعضهم الى جعل (أساس المصلحة) دليلاً مستقلاً ومبرراً قائماً بنفسه لصحة الشكل الديموقراطي للحكم ـ على ما فهمه الدكتور عبد الحميد متولي من كلام الاستاذ (أزمن) ـ يقول الدكتور: "إذا كان الأساس الفلسفي لنظرية (أو مبدأ) سيادة الملك هو نظرية الحق الالهي (أو التفويض الالهي) للملك، فإن مبدأ (أو نظرية) سيادة الأمة إنما تستند من الناحية الفلسفية إلى أساس نظرية "العقد الاجتماعي" لجان جاك روسو. على أن بعض كبار الفقهاء الفرنسيين (مثل الاستاذ أزمن) إنما يقيم ذلك المبدأ على أساس آخر، إذ يقول: انه بما أن السلطة العامة (أو الحكومة) إنما نشأت من أجل صالح الأمة جميعاً فإن الأمة يجب أن يكون لها رقابة على هذه السلطة"(1).



(1) الاسلام ومبادئ نظام الحكم، للدكتور عبد الحميد متولي ص109.

28

والملاحظ في هذا النص أنه يفترض قيام حكومة أو أمة محكومة، ثم يؤكد أن هذه الحكومة لما كانت ناشئة لتحقيق مصالح الأمة فيجب أن تكون للأمة رقابة عليها. أما نحن فنتحدث في أصل وجود مبرر من نوع ما لمشروعية قيام هذه الحكومة المفروضة؛ فلو قبلنا كون نشوء هذه السلطة لصالح المجتمع داعياً للزوم قيام رقابة اجتماعية على تصرفاتها، فإن هذا لا يصلح دليلاً على مشروعية سلطة من هذا القبيل حتى مع فرض مراقبة الأمة لها.

فلو فرضنا أن الأمة كان لها الحق في مراقبة سلطة نشأت لتحقيق مصالحها، إلا أن التساؤل الأصيل ينصب على المبرر الذي منح هذه السلطة حق الحكم والإدارة وإعمال النفوذ وتحديد الحريات والأصول والوجدانية الأولى، وهل يمكن أن يكون غير العقد الاجتماعي؟

وقد ذكرنا عند الحديث عن ادعاء الدكتاتورية كونها في مصلحة المجتمع، أن مجرد كون الحكومة في مصلحة المجتمع لا يكفي مبرراً منطقياً لدى الوجدان الانساني.

29

عقبات أمام الديموقراطية

هذا وتطرح هنا عقبات مهمة في وجه الديموقراطية تتطلب منها الجواب المناسب، من مثل:

1 ـ جهل الاكثرية وأهواؤها:

إن من الطبيعي أن تكون غالبية الناس جاهلة بما فيه صلاح المجتمع، تغلب عليها العواطف والنزعات النفسية، فإذا سلمنا أمور المجتمع إلى آرائها لم نأمن الوقوع في سبل الخطأ والأهواء، وقد قيل: "إذا كثرت الأصوات ضاع الحق".

ومن هنا فأفضل الحلول هو أن يجتمع مجلس من الخبراء وذوي الحنكة والتجربة والنظر السديد، ويتبادلوا النظر في أمور الأمة وعلاقاتها الداخلية والخارجية، ثم يتعاونوا على التشريع.

30

وقد تقول الديموقراطية تجاه هذه العقبة ان إعطاء القوانين بيد الأمة على نمطين:

الأول: التصويت المباشر، بحيث يتدخل كل فرد في تشريع القانون بمختلف جوانبه.

الثاني: التصويت غير المباشر على القانون، وذلك بانتخاب مجموعة من الخبراء الموضوعيين ليقوموا هم بدورهم بدراسة المشاريع واختيار الأفضل. وبهذا نتخلص من هذه العقبة ولا يضيع الحق في نفس الوقت الذي نضمن فيه بقاء روح الديموقراطية في البين، فالناس في الواقع هم يحكمون أنفسهم لأنهم انتخبوا ممثلين عنهم في هذا المجال.

هذا وربما أمكن تقسيم الأمور الى قسمين ـ على ضوء احتمال أن يؤدي التصويت المباشر الى ما يضر بمصلحة الأمة ـ فيطرح قسم يؤمن فيه ذلك للتصويت المباشر من قبل الشعب، في حين يترك القسم الآخر لآراء الخبراء المنتخبين ومداولاتهم وتصويتهم.

2 ـ شراء الأصوات:

وهو أمر ابتليت به كل المجتمعات التي ادعت تطبيق الشكل الديموقراطي في الحكم، حيث تقوم الأقلية التي تمتلك كل ما يتيح لها القدرة على احتكار أصوات الأكثرية لصالحها، وذلك بالتطميع المالي والوعود السياسية الخلابة والتمويه الإعلامي، بل وربما

31

باستعمال النفوذ الروحي والتخويف وأمثال ذلك.

وإذا بنا في نهاية المطاف أمام أقلية تتحكم في آراء الأكثرية وتوجهها الوجهة التي ترتئيها وتحقق مشتهياتها النفسية ومصالحها الضيقة ضاربة عرض الجدار مصلحة المجتمع ككل.

وربما عمد أنصار الديموقراطية إلى طرح مبدأ المساواة في مقدار الثروة إلى جنب مبدأ الحرية، فذكروا أنه لولا مبدأ المساواة في الثروة لأصبحت الحرية حرية شكلية فاقدة لروح الحرية بعد أن تسيطر الأقلية على الأكثرية وتسلبها القدرة على الحركة باتجاه ما يحقق مصالحها، أما إذا ضمنّا المساواة في المجتمع اما بمعناها الاشتراكي أو الشيوعي أو حتى بمعنى تقليل الفوارق في الثروات إلى حد لا يكون معه أي مواطن من الغنى بحيث يستطيع شراء مواطن آخر، ولا من الفقر بحيث يضطره إلى أن يبيع نفسه في قبال لقمة عيشه، إذا ضمنّا ذلك فإن الحرية الحقيقية سوف تكتسب الاطار الذي تبرز فيه جوهرها دون خوف من استمالة أو شراء.

وهنا يقول روسو في تفسير ما يقصده من المساواة:

"لا يجب أن نفهم من هذه العبارة أن تكون درجات القوة والثراء نفسها هي نفسها بصورة مطلقة، وإنما يعني فيما يتعلق بالقوة أن تسمو على العنف وأن لا تمارس أبداً إلا بمقتضى المركز والقوانين، وفيما يتعلق بالثراء أن لا يكون أي مواطن من الغنى بحيث يستطيع شراء

32

مواطن آخر، وأن لا يبلغ أي أحد من الفقر يضطره إلى أن يبيع نفسه، وهو يفترض اعتدالاً في الثروات والتأثير من جانب الكبار واعتدالاً في الشح والطمع من جانب الصغار"(1).

3 ـ مصالح النواب الشخصية:

فإن هؤلاء النواب الذين تنتخبهم الأمة وتمنحهم حق التشريع يجدون أمامهم كل ما يبرر لهم الانحراف عن مصالح الأمة في كثير من الأحيان.

ذلك أنهم من جهة يملكون قدرات واسعة منحت لهم ليكونوا قادرين على تنفيذ ما يشرعون، وأنهم من جهة أخرى يمتلكون مصالح شخصية تزداد بانتخاب الأمة لهم ومنحهم السلطات الكثيرة وفتح أبواب النفوذ أمامهم.

وإذا كان الأمر كذلك فإنه لا يؤمن أن يقوم هؤلاء بتقديم مصالحهم الشخصية الضيقة على المصالح العامة عند التعارض والتنافي بينها. خصوصاً ونحن نتكلم عن وضع يعيش إطاراً مادياً ليس فيه أي رادع حقيقي مسيطر على كل تصرفات الانسان، ولا يرى له إلا هذا الشوط الدنيوي القصير مرتعاً لتحقيق أمانيه وميوله الشخصية.

وعليه، فإن وجود هذا الخطر يجعل هذا الأسلوب من التصويت



(1) في العقد الاجتماعي ص97.

33

ـ أي الانتخاب غير المباشر ـ منفذاً للنزاعات والأهواء المتحكمة.

اما لو رجعنا وأعدنا أسلوب التصويت العام المباشر من قبل الأفراد جميعاً في المجتمع فإنا سنبتلى بالعقبة الكؤود الأولى.

ولعل هذه العقبة هي التي دعت الديموقراطيين إلى التركيز على مبدأ فصل السلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية، أي يعطى حق التشريع لبعض النواب في حين يُختار للتنفيذ أشخاص آخرون، وبذلك يعمل المجتمع على عدم جعل السلطة والقوة بيد النواب المشرعين ليستغلوها لمصالحهم التي اتسعت باتساع سلطاتهم ويشرعوا وفق مآربهم.

ولنفس هذه العقبة أمكن تبرير فصل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية أيضاً.

وعلى أي حال، فإنه سيظل احتمال التواطؤ بين السلطات الثلاث قائماً، وكذلك احتمال أن تعمل السلطة التشريعية أو القضائية على تركيز مصالحها معتمدة على لزوم تنفيذ السلطة التنفيذية لأوامرها. وهذا يعني أن قوة التنفيذ أيضاً هي بيد السلطة التشريعية أو القضائية.

هذا، وربما يؤكد مبدأ الفصل بين السلطات ـ وهو أسلوب الديموقراطي في مقابل الأسلوب الديموقراطي القائل بالتوحيد ـ بمبررات أخرى كلها تعمل على تفادي هذه المشلكة، فيقال مثلاً:

34

إن القوة والسلطة ـ وإن كان بطبيعتها تخلق الكبرياء والطغيان في النفوس وتزين للمرء أن ينفذ مآربه، وتدفعه لتنمية مصالحه وضمان مشتهياته، ومن ثم الاستبداد الى الحد الممكن ـ إلا أن نفس توزيع القوى على محاور عديدة يقلل من سلطة كل محور، ويؤثر في تقليل المطامح الشخصية، مما يمنع من المصير إلى ما يشبه النظام الدكتاتوري الذي فرغنا عن فساده.

أو يقال: إننا بتوزيع السلطات وتفتيت القوى نخلق روح المراقبة الداخلية بين هذه القوى ومتابعة كل منها تصرفات البعض الآخر ومحاسبتها أمام الأمة، مما يسد باب الاستبداد والدكتاتورية.

وقد تطرح هنا ـ لعلاج مشكلة المصالح الشخصية وطغيان بعض القوى ـ فكرة تقليل مدة الانتخاب، بعد تحقيق توازن بين مقدار القوى والقوة المفروضة لاعمالها إعمالاً يوفر قدرة على التنفيذ ومواجهة المشاكل الاجتماعية الكبرى، وبين خطر الاستغلال والاستبداد.

وفكرة التقليل تعني من ناحية تقليل السلطة ومجالها التي تعبث بالرؤوس، وتخلق الزهو والكبرياء في النفوس، ومن ناحية أخرى أن يفكر المنتخب في مصالح الأمة قبل أن يقدم على إشباع مصالحه وطموحه على حساب المجتمع، مما يعرضه لعدم الانتخاب للمرة التالية.

35

علاقة أطروحة الديموقراطية بالدين

من الواضح أنه لا موقع للدين ـ بمعناه الحي النابض الموجه الرابط لشؤون المسيرة الإنسانية بالله تشريعاً وتنفيذاً ـ في هذه الأطروحة التي تمنح حقوق التشريع والتنفيذ للناس، ولا يبقى أي مجال لتدخل السماء في تسيير دفة الحياة الاجتماعية.

وهنا نود أن نعرض تصورات (روسو) عن الدين ودوره في المجتمع المدني، ليتجلى لنا نمط من التفكير الغربي وتصوراته عن الدين:

يقول روسو: "قد ينقسم الدين ـ على ضوء علاقاته بالمجتمع التي تكون إما عامة أو خاصة ـ إلى نوعين: وهما: دين الانسان، ودين المواطن.

الأول ـ وهو بلا معابد ولا هياكل ولا طقوس ـ مقتصر على العبادة الداخلية المحضة لله الأعلى، وعلى الواجبات الأخلاقية الأبدية، وهو ما يمكن ان نسميه القانون الإلهي الطبيعي.

الثاني: وهو مدون في بلد وحيد يمنحه آلهته وشفعاءه الخاصين وحماته، وله عقائده وطقوسه وعبادته الخارجية المفروضة بالقوانين، وفيما عدا الأمة التي تعتنقة يكون كل إنسان بالنسبة له كافراً أجنبياً وبربرياً، وهو لا يمد واجبات الانسان وحقوقه خارج حدود هياكله.

36

وثمة نوع ثالث من الأديان أكثر غرابة، إذ انه بتقديمه للبشر تشريعين ورئيسين ووطنين يخضعهم لواجبات متناقضة ويمنعهم من أن يكونوا في آن واحد مؤمنين ومواطنين، ذلك هو دين اللاميين ودين اليانيين والمسيحية الرومانية، ويمكن تسمية هذا الدين بدين الكاهن، وينشأ عنه نوع من القانون المختلط والانطوائي، لا اسم له اطلاقاً.

وإذا ما نظرنا سياسياً إلى هذه الأنواع الثلاثة من الأديان وجدنا أنها تنطوي على أخطاء:

فالثالث واضح كل الوضوح أنه سيّئ، ومن العبث إضاعة الوقت في البرهان على ذلك.

والثاني جيد في حدود توحيده للعبادة الإلهية وحب القوانين، وهو إذ يجعل من الوطن موضوع عبادة المواطنين، يعلمهم بأن خدمة الدولة هي خدمة الإله الحافظ لها، ويكون الموت في سبيل البلاد إستشهاداً، وخرق القوانين إلحاداً. ولكنه سيّئ في أنه يخدع البشر نظراً لأنه مبني على الخطأ والكذب، ويجعلهم بُلَهاء متعلقين بالخرافات، ويغرق عبادة الله في طوفان من الطقوس الجوفاء. وهو سيّئ أيضاً إذ يصبح قاصراً وطاغياً، فيجعل الشعب سفاكاً ومتعصباً بحيث لا يتنفس إلا القتل والمذابح، ويعتقد أنه يقوم بعمل مقدس وهو يقتل أياً كان لا يؤمن بآلهته، وهو يضع

37

مثل هذا الشعب في حالة طبيعية من الحرب مع جميع الشعوب الأخرى مضرة جداً بأمنه الخاص.

يبقى إذن: الأول، وهو دين الانسان أو المسيحية، لا مسيحية اليوم، وإنما مسيحية الإنجيل التي تختلف انها اختلافاً تاماً. فبمقتضى هذا الدين المقدس السامي الحقيقي يعترف البشر ـ وهم أبناء الاله نفسه ـ أنهم جميعاً أخوة، والمجتمع الذي يضم موحدين لا ينحل حتى الموت.

لكن هذا الدين لما كان لا تربطه أية علاقة خاصة بالهيئة السياسية يترك للقوانين القوة الوحيدة التي يستمدها من ذاتها دون أن يضيف اليها أي قوة أخرى، وبذلك تظل رابطة من أعظم روابط المجتمع الخاصة دون اثر، بل وأكثر من ذلك، فبدلاً من أن يربط قلوب المواطنين بالدولة يفصلها عنها، كما يفعل بالنسبة لجميع أشياء الدنيا.

يقال لنا ان شعبنا المسيحيين الحقيقيين قد يشكل أكمل مجتمع للمرء أن يتخيله، وأنا لا أرى في هذا الافتراض سوى صعوبة عظيمة واحدة، وهي أن مجتمعاً مكوناً من مسيحيين حقيقيين سوف لا يبقى مجتمعاً من البشر. بل انني أقول: بأن هذا المجتمع المفترض لن يكون رغم كل كماله لا المجتمع الأقوى ولا الأكثر دوماً، فمن فرط كماله سوف يفتقر الى الرابطة، وعيبه المدمر سيكون في كماله نفسه.

38

كل إنسان سوف يقوم بواجبه، والشعب سيخضع للقوانين، ويكون الرؤساء عادلين معتدلين والحكام مستقيمين نزيهين، وسيستهين الجنود بالموت، ولن يكون هناك لا زهو ولا شرف؛ فكل هذا جميل بالغ الجمال، ولكن دعنا ننظر فيما هو أبعد.

إن المسيحية هي دين روحاني تماماً لا تشغله سوى أمور السماء وحدها، فوطن المسيحي ليس في هذا العالم. صحيح أنه يؤدي واجبه، لكنه يؤديه بلا مبالاة عميقة بنجاح أو بسوء عاقبة مساعيه، وشريطة أن لا يكون ثمة ما يلام عليه، فلا يهمه أن تسير الأمور كلها سيراً حسناً أو سيئاً، في هذا العالم الدنيوي، وإذا كانت الدولة مزدهرة فلا يكاد يجرؤ على التمتع بالسعادة العامة، ويخشى أن يأخذه الزهو بمجد بلاده، وإذا هلكت الدولة فإنه يبارك يد الله التي شددت قبضتها على شعبه.

ولكي يكون المجتمع هادئاً ويبقى الانسجام فيه، لابد أن يكون المواطنون جميعاً بلا استثناء مسيحيين صالحين على السواء. ولكن إذا وجد هناك لسوء الحظ طموح واحد، مخادع واحد، فإن مثل هذا الرجل سيجد بلا ريب سوقاً رائجة في مواطنيه الأتقياء، فالبر المسيحي لا يسمح بسهولة بالظن سوءاً بالجار. وما أن يجد أحدهم بحيلة ما المهارة في أن يفرض نفسه، ويتولى على جزء من السلطة العامة حتى يصير رجلاً يحف به التكريم،

39

فالله يريد له أن يحترم، وإذا تعسف المؤتمن على هذه السلطة فإنه الصولجان الذي يعاقب به الرب أبناءه. والمسيحي لا يستريح ضميره تماماً لطرد المتعصب، إذ لابد لذلك من إقلاق الراحة العامة واستخدام العنف وإراقة الدماء، وهذا كله لا يتفق مع وداعة المسيحي. وعلى كل حال ماذا يهم ان يكون الانسان حراً أو عبداً في وادي البؤس هذا؟ الجوهري هو الذهاب الى الجنة، وما التسليم إلا وسيلة في سبيل ذلك.

وإذا وقعت حرب خارجية يسير المواطنون بلا مشقة الى المعركة، ما من أحد منهم يخطر على باله الفرار، انهم يقومون بواجبهم، ولكن دون حماسة للنصر، يعرفون كيف يموتون أكثر مما يعرفون كيف ينتصرون! فماذا يهم إذا كانوا منتصرين أو مهزومين؟

ألا تعلم العناية الإلهية أكثر منهم ما يجب لهم؟

فماذا ينبغي أن تكون عقائد الدين المدني اذن؟

يجب أن تكون عقائد الدين المدني بسيطة وقليلة العدد، ومحددة بدقة دون تفسير ولا تعليق.

إن الايمان بوجود إله قادر ذكي، محسن، بصير، مدبر، وبحياة ثانية، وسعادة الصالحين، وعقاب المسيئين، وبقدسية العقد الاجتماعي، وبالقوانين، هي التي ينبغي أن تكون عقائد للدين المدني مع التسامح الديني مع جميع الأديان التي تتسامح مع غيرها. ومن يفرق بين التسامح

40

المدني والتسامح الديني ويؤمن بالأول مخطئ، فإن هذين النوعين من التسامح أو عدم التسامح لا ينفصل أحدهما عن الآخر؛ فمن المستحيل العيش مع أناس يعتقد بأنهم هالكون، فحبهم يعني كره الله الذي يعاقبهم، فلا بد قطعاً من إرجاعهم الى الدين القويم أو من تعذيبهم، والآن إذ لم يبق ولا يمكن أن يكون قد بقي دين قومي منفرد، ينبغي التسامح مع جميع الأديان التي تتسامح مع غيرها بقد ما لا تنطوي عقائدها على شيء مضاد لواجبات المواطن"(1).

والحقيقة الواضحة من خلال مطالعتنا لهذا النص هي: أن روسو نظر الى الدين من خلال ما صورته له الأديان المخترعة أو المنحرفة التي ابتليت بما أفقدها روح الدين الحقيقة وحولها الى تعاليم جافة بعيدة عن منطق الحضارة والحياة. أما الاسلام فإنه يبرأ من هذه التصورات. فإذا أردنا محاسبة روسو على ضوء الاسلام وتعاليمه وجدنا الكثير من نقاط الضعف في كلامه. ونحن هنا نركز على بعضها موضحين الواقع في كلمات:

الأولى:

ذكر في النوع الثالث من الأديان: أنه يفترض نظاماً ووطناً



(1) راجع كتاب جان جاك روسو في العقد الاجتماعي، ترجمة ذوقان قرقوط، ص206 ـ ص 213، وقد نقلنا كلامه مع شيء من التلخيص.

41

وقوانين دينية في قبال النظم والقوانين والوطن الذي يفترض في اطار السلطة الحاكمة، مما يوزع الانسان بين وطنين ونظامين ورئيسين، ورتب على ذلك الفساد المتوقع والتمزق الذي يعرقل المسيرة الاجتماعية.

والاسلام لا يمتلك مثل هذا التصور، انه يجعل الله هو المشرع وهو الحاكم الحقيقي والمخطط لمسيرة الأمة وحده، لا شريك له في العبودية والتشريع كما لا شريك له في الذات.

وبالتالي فلن يفترض توزع الأمة المسلمة بين نظامين، فليس إلا نظام واحد يحقق السعادة الاجتماعية دون غيره ويرسم للانسان طريق الكمال الحقيقي له، موجهاً لكل نشاطاته وحالاً كل مشاكله على ضوء علم الهي غير محدد بالكون والانسان.

وهكذا فالمجتمع المسلم الحق هو المجتمع الذي يرفض أي سلطة غير سلطة الاسلام.

الثانية:

إن روسو ـ من خلال حديثه ـ يقيم الدين وواقعيته على أساس نفعه للدولة ومدى ما يحققه من إمكانات لها في تسيير أمور المجتمع المدني، فالمقياس الأعلى لتقييم الدين هو مدى نجاحه في عجلة التنظيم المدني والسياسي.

42

وهذا مقياس مقلوب، فالعلاقة الحقيقية بالدين يجب أن تتم على ضوء مطابقته للواقع ومدى توفر الاثباتات العقلية والفطرية والمدارك المقنعة على صحة معتقداته واقعاً وصحة نسبته الى الله تعالى. فإذا توفر الدليل التام على صحته، منحته البشرية زمامها لينظمها ويوجهها، لا أنها تبدأ أولاً ببناء نظامها مستقلة على السماء ثم لا تقبل أي دين إلا إذا أثبت جدارته في إعانتها على تمشية أمور نظامها المدني المذكور.

الثالثة:

أكد روسو في النوع الثاني من الأديان على أنه يلقي المجتمع في الخرافات والأوهام، ويغرق عبادة الله في طوفان من الطقوس الجوفاء. أما الاسلام فنرى أن نظام العبادات فيه وما يحققه من معطيات وآثار أساسية على المسيرة الحضارية للانسان والسير التكاملي للمجتمع خالية من الأوهام الوثنية وغيرها، تكفي لنفي هذا التصور عن الدين الحقيقي.

ويتجلى هذا بوضوح لو لاحظنا البناء الاسلامي الكل ودور العبادات البارز في هذا التصميم الرباني للحياة.

أما الشفعاء والشفاعة فقد وضعها الاسلام، في الاطار الإيجابي البنّاء الباعث على الأمل والمحقق لغايات كبرى، نافياً عنها السلبيات

43

المتصورة في الشفاعات الخرافية.

الرابعة:

انه ذكر بالنسبة للقسم العالمي من الأديان أن أصحابه يعرفون كيف يموتون أكثر مما يعرفون كيف ينتصرون، وطبّقه على المسيحية الواقعية التي تربي أتباعها على الزهد بالدنيا والاهتمام بخلاص الروح من أسر هذه المتع الزائلة، وعدم المساهمة بالتالي في تحقيق أهداف المجتمع في النصرة والعزة.

وهذه التصورات ـ التي طبقها على ما افترضه هو ـ مسيحية واقعية بعيدة كل البعد عن الاسلام.

فإن الاسلام يعتبر الجهاد في سبيل النصر الاسلامي وعزة المجتمع المسلم وتطبيق أهداف الاسلام في المجتمع من أفضل العبادات. ومما لا شك فيه أن الدوافع الحركية في هذا السبيل تتجاوز كثيراً الدوافع المصلحية الضيقة للنصر.

إن الانتصار في خلد المسلم يعني دفع عجلة التقدم الانساني ذي المسيرة الواحدة عبر التاريخ الى هدفها النهائي العظيم، وهو تحقيق المجتمع الكامل العابد الموحد المتنعم بكل خصائص السعادة الحقيقية. وكل مسلم مكلف في تحقيق أقصى ما يمكن في هذا السبيل.

44

وما أكثر النصوص الواردة المؤكدة على الإعداد الكامل لذلك من مثل:

﴿وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل(1).

ان المؤمن ليهتم بمصالح مجتمعه أكثر من اهتمامه بذاته ومصالحها، ومن هنا كان الزهد في الاسلام عملية تحرير من أسر المصالح الدنيوية الضيقة وعلوّاً معنوياً للنفس عليها، فلا يأسى على ما فاته ولا يبطر بما حصل عليه منها.

إن النظم الاسلامية كفيلة بتنظيم الحياة وبتسييرها وإقامة العدل وإسعاد المجتمع على أفضل الأشكال، وهذا مما يحتاج الى دراسة مستقلة واسعة لسنا في هذا الكتاب بصددها إلا بقدر ما يرجع الى أساس نظام الحكم في الاسلام.

الخامسة:

طرح (روسو) موضوع عداء الدين الإقليمي للآخرين وإلقائه روح التمزق بين البشر.

والواقع أن علينا أن نتوقع هذا التمزق مع تحكم المقاييس المادية في الأنظمة الاجتماعية، أما إذا رجعنا الى الاسلام وتوحيده للمقاييس الإنسانية تحت عنوان (رضا الله) فقد حق لنا أن نتوقع السلام



(1) سورة الأنفال الآية 60.

45

السلام وعدم التمزق.

أما موقف الاسلام ـ في المرحلة التي تسبق توجيهه للعالم ـ من غير معتنقيه، فإنه يختلف عما تصوره (روسو) بالنسبة للدين الاقليمي:

في أن الاسلام ـ وإن كان ينظر بعداء إلى من يخالفه ـ لكن هذا لا يعني السماح بقتله، بل إذا تجاوزنا المشركين الذين هم معاندون لإنسانيتهم، يسمح الاسلام للمتدين الكتابي بالبقاء على دينه على شروط معينة عادلة.. وربما فضل الإحسان الى هؤلاء كما هو مبين في محله.

على أن هذا العداء له مبرره المنطقي في ضوء ما قلناه في الكلمة الثانية والرابعة من تقييم الدين على أساس الواقع وضمانه للعدالة وإسعاد المجتمع، فإذا أثبت الدين واقعيته وقيامه على ضوء أسس العدل والمصالح الواقعية فإن أي مخالفة له في الواقع تعني مخالفة العدالة الحقيقية والمصلحة الواقعية للإنسانية.

وبعد هذا نقول: إن الاسلام بكل ما يمتلكه من خصائص حقق انتصاراً عظيماً في مجال توحيد السلطتين الدينية والدنيوية، الأمر الذي فشلت فيه المسيحية ـ كما يؤكد ذلك روسو ـ ويمدح النبي محمداً (صلى الله عليه وآله) على هذا الأساس ويظن ان ذلك من عبقريته وبراعته الادارية، غافلاً عن أن المجال ليس مجال عبقرية وبراعة انسانية، بل هو قائم على أساس طبيعة الاسلام وروحه الحقيقية، مما نزل

46

على النبي محمد (صلى الله عليه وآله) بالوحي.

يقول روسو بهذا الصدد: "لما كان يوجد دائماً أمير وقوانين مدنية، فقد نتج عن هذه السلطة المزدوجة نزاع أبدي في الاختصاص جعل أي سياسة صالحة مستحيلة ـ في الدولة المسيحية ـ ولم يصل الناس الى معرفة نحو من يجب أن يلتزموا بالطاعة أللسيد أم للقسيس؟… وكان لمحمد نظرات صائبة جداً، فقد أحسن ربط نظامه السياسي، ومادام شكل حكومته قد دام في ظل خلفائه، فإن هذه الحكومة كانت واحدة تماماً وصالحة في هذا، وحين أصبح العرب مزدهرين ومثقفين وبالتالي مخنثين فإن البرابرة أخضعوهم، وعندئذ بدأ الانقسام بين السلطتين من جديد. وعلى الرغم من أن هذا الانقسام لدى المسلمين أقل ظهوراً منه لدى المسيحيين فإنه موجود فيهم في كل مكان وخاصة في شيعة علي، وهناك دول كالفرس لا ينفك ظاهراً فيها"(1).

هذا، وروسو يعالج مشكلة الفصل بين السلطتين بسحق سلطة الدين وتمييعه وتلخيصه في كلمات مختصرة، وهو علاج صحيح لو كان المنظور إليه هو المسيحية التي ينظر إليها، أما علاج المشكلة الحقيقي فهو عبارة عن توحيد السلطتين الذي قام به الاسلام على ضوء تعاليم السماء لا لمجرد براعة الرسول (صلى الله عليه وآله) في الادارة.



(1) العقد الاجتماعي، جان جاك روسو.

47

كيف نفهم الوطن؟

ما يستنتج من النص المتقدم لروسو هو:

أن الوطن عبارة عن الأرض التي يعيش عليها جماعة شكلوا أطرافاً للعقد الاجتماعي وأنشأوا شكلاً من أشكال الدولة.

ولكن هذا المفهوم عن الوطن يرفضه التصور الاسلامي للدولة ـ كما سيأتي عرضه ـ وإنما الوطن عند الاسلام هو كل بلاد المسلمين، حيث تحكمها دولة إسلامية واحدة بقانون إسلامي واحد شرعته لها السماء، ولم يقم على أساس من تعاقد اجتماعي وأمثاله.

ولا يمكننا تصور دول إسلامية عديدة في حال وجود الامام (عليه السلام)، أما في حال غيبته فيمكن تصور مناطق عديدة تحكمها رئاسات، ولكنها كلها تطبق النظام الاسلامي بما فيه من تشريعات، وهي جميعاً تحكم بالنيابة عن الامام (عليه السلام).

وعليه.. فليست لدينا في التصور الاسلامي أوطان متعددة وانما هناك وطن إسلامي واحد هو ما يدعى في الفقه الاسلامي (دار الاسلام)، ونقترح حصر التعبير عن الأرض الاسلامية بهذا الاصطلاح، وقصر التعبير بالوطن على مجال أحكام المسافر حيث يختلف حكم المسافر في وطنه (أي الأرض التي يقيم بها) عنه في حالة سفره الى أماكن أخرى.

48

والذي يدعونا الى هذا الاقتراح هو ما يحمله مصطلح الوطن العام من إيحاءات غربية تبرر اختلاف الوطنين على أساس اختلاف العقد الاجتماعي للمجموعتين اللتين تسكنان على قطعتين من الأرض، أو على أساس الاختلاف القومي او العنصري أو الجغرافي أو حتى مجرد اختلاف مناطق النفوذ القائم على أساس القوة العسكرية ونحو ذلك. هذا، بينما يرى الاسلام أن الفاصل الحقيقي بين الوطنين هو الإيمان والكفر لا غير.

الملاحظات على الديموقراطية:

استعرضنا فكرة الديموقراطية وما ادعته من مبررات وجدانية وما أجابت به عن بعض العقبات التي طرحت في وجهها وعرفنا مركز الدين في هذه الأطروحة، ونعود الآن لنعرض العقبات والملاحظات مرة أخرى بصياغة توضح أن الديموقراطية لا تملك لها جواباً. وهي كما يلي:

الملاحظة الاولى:

سحق حقوق الأقلية

فإن الديموقراطية تؤدي الى سحق حقوق الأقلية، بعد أن لم نكن نملك ضماناً معقولاً على موافقة الجميع على أية قضية مطروحة حتى قضية الالتزام بمبدأ الأكثرية، فمع افتراض وجود أقلية ترفض

49

الموافقة على هذا المبدأ، كيف نتصرف معها؟

وهنا يتصدى جان جاك روسو للقول بأن الدولة تقوم فيما بين المشتركين في العقد الاجتماعي، أما هذه الأقلية فتعود غريبة بين المواطنين، وإذا صممت بإرادتها الحرة على البقاء في الاقليم فإن ذلك يعني رضاها في الدخول في العقد والخضوع للسيادة، فلا تبقى لدينا مشكلة اسمها مشكلة الأقلية.

لكن السؤال المحير هو عن الداعي لتخييرها بين الإقامة في الاقليم، وهذا يعني خضوعها للسيادة، أو الرحيل عنه، وعدم ترك خيار ثالث لها، وهل اعترفت هي أصلاً بالدولة وقدرتها على وضع هذا الخيار أمامها حتى تلزم باعترافها؟ ان لها أن تبقى في الاقليم دون ان يعني ذلك أي تسليم وخضوع للسيادة والعقد الاجتماعي.

ولا معنى هنا لأن نفترض انقطاع الروابط تماماً بين جماعة الغرباء الذين يسكنون الاقليم والجماعة التي دخلت في العقد الاجتماعي فشكلت الدولة، فلا تبقى أية مشكلة في البين.

لا معنى لذلك، فإن كل دولة لابد وأن تحدد نوعية علاقة مواطنيها بغيرهم، وتضع أسلوباً لعيش غير المواطنين في كنفها وتفرض عليها حدوداً معينة. فإذا كان الأمر كذلك ثار السؤال مرة أخرى عن مبرر تحديد حرية هذا الانسان الذي لم يوافق على العقد وتنفيذ ولاية