291

المعاملات

15

 

 

 

 

كتاب الرهن

 

 

 

 

 

 

293

 

 

 

 

 

ولابدّ فيه من الإيجاب والقبول من أهله (1)، وفي اشتراط الإقباض إشكال أقواه ذلك (2)، ويشترط فيه: أن يكون المرهون عيناً مملوكةً(3) يمكن قبضه ويصحّ بيعه على حقٍّ ثابت في الذمّة، عيناً كان أو منفعة، ويقف رهن غير المملوك على الإجازة، ولو ضمّها(4) لزمه في ملكه، ويلزم من جهة الراهن بل المرتهن أيضاً وإن كان له إسقاط حقّه منه (5). ورهن الحامل ليس رهناً للحمل وإن

(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «أنّ المرتهن لا يشترط فيه عدم الحجر، وكذلك الراهن إذا لم تكن العين المرهونة ملكاً له» وكلامه(قدس سره) واضح الصحّة.

(2) خلافاً لاُستاذنا الشهيد(قدس سره) الذي قال: «القوّة غير مسلّمة»(1).

(3) قال اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «بل يكفي كونها ممّا يصحّ بيعها ولو على أساس تعلّق حقّ بها [قابل للانتقال] كالأرض المحجّرة مثلاً»، وهو كلام متين.

(4) الظاهر: أنّ هذا غلط قلميّ أو مطبعيّ، والصحيح: «ولو ضمّهما» يعني: لو ضمّ في رهنه ما كان مملوكاً له مع ما جعله رهناً فضولة، لزمه رهنه في ما هو مملوك له، وبقي رهن المضموم إليه متوقّفاً على إجازة المالك.

(5) الرهن إنّما يلزم من ناحية الراهن لا المرتهن، كما أفاد ذلك اُستاذنا الشهيد


(1) القوّة سليمة؛ لصحيح محمّد بن قيس عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «لا رهن إلّا مقبوضاً»ـ الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 3 من الرهن، ح 1، ص 383 ـ الذي ظاهره: أنّ العين المرهونة ليست مرهونة شرعاً إلّا إذا قُبضت.

294

تجدّد (1)، وفوائد الرهن للمالك. والرهن على أحد الدينَين ليس رهناً على الآخر، ولو استدان آخر وجعل الرهن على الأوّل رهناً عليهما صحّ (2). وللوليّ الرهن مع مصلحة المولَّى عليه. وكلّ من الراهن والمرتِهن ممنوع من التصرّف بغير إذن صاحبه (3)، ولو شرط المرتهن في عقد الرهن استيفاء منافع العين في مدّة الرهن مجّاناً لم تبعد الصحّة، وإن قيل بالبطلان (4)، وأولى منه ما لو شرط استيفاءها



وغيره، ولعلّ مقصود الماتن: أنّه يلزم المرتهن الاكتفاء بذاك الرهن، فليس له حقّ مطالبة رهن أفضل بعد ما قبل بذاك الرهن. نعم، له أن يسقط حقّه من هذا الرهن من دون مطالبة ما هو أفضل.

(1) إن كان الحمل ثابتاً قبل الرهن، كحمل الشجر للثمر، أو الدابّة للحمل، احتمل دعوى الظهور العرفيّ لكون الارتهان شاملاً للحمل، أمّا لدى التجدّد فعدم ظهور من هذا القبيل واضح، ومقصود الماتن من كلمة «وإن تجدّد» دفع توهّم أنّ تجدّد الحمل في داخل مدّة الارتهان يوجب دخوله في الرهن؛ لأنّه تجدّد في زمن حقّ المرتهن، فانبسط الحقّ عليه.

(2) أي: لو استدان ديناً آخر من نفس الدائن الأوّل، واتّفقا على أن يكون الرهن الأوّل رهناً على كلا الدينين، صحّ.

(3) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «الظاهر: عدم كون الراهن ممنوعاً من التصرّفات غير المنافية لحقّ الرهانة»، وهذا كلام متين في ما إذا لم يوجب ذلك إخراج العين المرهونة من قبضة المرتهن؛ لأنّه لو أوجب إخراجها من قبضته، صار منافياً لحقّ الرهانة بناءً على ما اخترناه: من كون الرهن مشروطاً بالقبض، فمثلاً بيع العين المرهونة جائز للراهن، لكنّه يبقى بيعاً على عين محمّل بحقّ الرهانة، ومع عدم اطّلاع المشتري حين الشراء يحصل له حقّ فسخ البيع.

(4) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «وهو ـ إن لم يكن أقوى ـ أحوط». ونِعْمَ ما أفاد(1).


(1) لشبهة الربا.

295

بالاُجرة (1)، ولو اشترط استيفاءها مدّةً لزم العمل بالشرط إلى نهاية المدّة وإن برئت ذمّة الراهن من الدين (2)، ولو شرط في عقد الرهن وكالة المرتهن أو غيره في البيع لم ينعزل مادام حيّاً، ولو أوصى إليه لزم (3). وحقّ الرهانة موروث (4)، والمرتهن أمين لايضمن بدون التعدّي، فيضمن به مثله إن كان مثليّاً، وإلّا قيمته يوم التلف (5)، والقول قوله مع يمينه في قيمته وعدم التفريط، وقول الراهن في قدر الدين، وهو أحقّ به من باقي الغرماء إذا صار الراهن مفلَّساً. ولو فضل من الدين شيء شارك في الفاضل (6)، ولو فضل من الرهن وله دين بغير رهن تساوى الغرماء فيه. ولو تصرّف المرتهِن بدون إذن الراهن ضمن وعليه الاُجرة، ولو أذن الراهن في البيع قبل الأجل فباع لم يتصرّف في الثمن إلّا بإذن الراهن حتّى بعد الأجل، وإذا لم يأذن في الاستيفاء حينئذ جاز للمرتهن الاستيفاء بلا إذن، كما أنّه لو لم يأذن في البيع حينئذ وامتنع من وفاء الدين جاز للمرتهن البيع والاستيفاء بلا إذن، والأحوط استحباباً مراجعة الحاكم الشرعيّ، ولو خاف المرتهن جحود



(1) قال اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «بدون محاباة، وإلّا فهو كسابقه». ونِعْمَ ما أفاد أيضاً (1).

(2) قد عرفت الاستشكال في أصل الاشتراط.

(3) كأنّ المقصود: أنّه أوصى الراهن لأحد بالوكالة في البيع مع فرض اجتماع شرائط الوصيّة.

(4) أي: ما دام الدين باقياً فحقّ الرهانة متعلّق بالعين لصالح المرتهن، فلو مات المرتهن كان وارثه وارثاً لهذا الحقّ.

(5) بل قيمته يوم الأداء؛ لأنّنا لا نفرّق بين المثليّات والقيميّات.

(6) أي: اشترك مع باقي الغرماء في ما بقي من الدين.


(1) لأنّه مع المحاباة ترجع أيضاً شبهة الربا.

296

الوارث عند موت الراهن ولا بيّنة جاز أن يستوفي من الرهن ممّا في يده (1)، وقيل: القول قول المالك مع ادّعاء الوديعة وادّعاء الآخر الرهن (2).



(1) لو مات الراهن، وجحد وارثه الدين ولا بيّنة للمرتهن كي يستطيع مرافعة وارث الراهن، جاز له أن يستوفي دينه ممّا في يده من الرهن(1).

أمّا لو خاف المرتهن جحود الوارث، فكان من الصعوبة العرفيّة بمكان عليه أن يراجع الوارث؛ لاحتمال تورّطه القويّ في المشكلة على تقدير مراجعته إيّاه، فأيضاً جاز له أن يستوفي دينه ممّا في يده(2).

(2) تارةً يفترض: أنّ الخلاف ليس في أصل الدين، وإنّما الخلاف وقع في أنّ العين هل كانت وديعة، أو كانت رهينة؟ فهنا بالإمكان أن يقال: إنّ القول قول من بيده العين؛ لأنّه ذو اليد.

واُخرى يفترض: أنّ النزاع على أصل الدين، وهنا ـ كما قال اُستاذنا الشهيد(قدس سره) ـ: «لا إشكال في أنّ القول قول المالك المنكر لأصل الدين».


(1) إمّا بعنوان التقاصّ، أو بسبب أنّ الرهن وضع أساساً لذلك، أي: لاستيفاء الدين لدى العجز عن استيفائه بالطريق الطبيعيّ.

(2) لو لم يصدق هنا عنوان التقاصّ، فلا إشكال في صدق ما قلناه: من أنّ الرهن وضع أساساً لاستيفاء الدين لدى العجز عن استيفائه بالطريق الطبيعيّ.

297

المعاملات

16

 

 

 

 

كتاب الحجر

 

 

 

 

 

299

 

 

 

 

 

وأسبابه اُمور:

منها: الصِغَر، فالصغير ممنوع من التصرّف إلّا مع البلوغ والرشد، ويعلم الأوّل بإنبات الشعر الخشن على العانة(1) أو الاحتلام(2) أو الحيض، أو بلوغ خمس عشرة سنة في الذكر وتسع في الاُنثى، والثاني بإصلاح ماله عند اختباره بحيث يسلم من المغابنات وتقع أفعاله على الوجه الملائم، ولا يزول الحجر مع فقد أحدهما وإن طعن في السنّ. ويثبت الرشد في الرجال بشهادة أمثالهم، وفي النساء بشهادتهنّ على إشكال(3) أو بشهادة الرجال.

ومنها: الجنون، ولا يصحّ تصرّف المجنون إلّا في أوقات إفاقته.



(1) أو على الوجه(1).

(2) ينبغي أن يكون مقصوده مطلق خروج المنيّ ولو في حال اليقظة، وكذلك في البنات لدى خروج ما قد يسمّى بالمنيّ من الماء المقترن بالرعشة، فإنّ هذا بلوغ لمستوى النكاح الجنسيّ يقيناً.

(3) لعدم وضوح صدق عنوان ما لا يجوز للرجال النظر إليه.


(1) وذلك لحديث يزيد أبي خالد الكناسيّ التامّ السند، بناءً على اتّحاده ـ كما هو أقوى الاحتمالين ـ مع يزيد أبي خالد القمّاط الثقة، وفيه: «... يا أبا خالد، إنّ الغلام إذا زوّجه أبوه ولم يدرك، كان بالخيار إذا أدرك وبلغ خمس عشرة سنة، أو يشعر في وجهه، أو ينبت في عانته قبل ذلك... ». الوسائل، ج 20 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 6 من عقد النكاح وأولياء العقد، ح 9، ص 278.

300

ومنها: السَفَه، ويحجر على السفيه في ماله خاصّةً(1) على المشهور.

ومنها: الفَلس، ويحجر على المفلَّس بشروط أربعة: ثبوت ديونه عند الحاكم، وحلولها، وقصور أمواله عنها، ومطالبة أربابها الحجر، وإذا حجر عليه الحاكم بطل تصرّفه في ماله مع عدم إجازة الديّان(2) ما دام الحجر باقياً، فلو اقترض بعده أو اشترى في الذمّة لم يشارك المقرِض والبائع الغرماء، ولو أتلف مال غيره ففي مشاركة صاحبه للغرماء إشكال قويّ (3)، وكذا لو أقرّ بدين سابق(4)



(1) والأحوط ـ كما أفاده اُستاذنا(قدس سره) ـ احتياج تصرّفاته الماليّة في نفسه بإجارة وغيرها إلى الإجازة أيضاً.

(2) هذا إذا كان عدم إجازة الدائن على أساس ضمان استيفاء دينه، وأمّا إذا كان نفوذ التصرّف غير معيق له عن الاستيفاء بوجه، واستند عدم الإجازة إلى غرض شخصيّ، فالبطلان محلّ إشكال، كما أفاده اُستاذنا الشهيد(قدس سره)(1).

وأيضاً أفاد اُستاذنا(قدس سره): «أنّه إذا لم يقصد الدائن بالإجازة إسقاط حقّه، ثبت حقّه في العوض المنتقل إلى المفلّس بالمعاوضة التي أجازها». ونِعمَ ما أفاد.

(3) بل من الواضح عدم المشاركة؛ لأنّه دين جديد.

(4) أفاد اُستاذنا: «أنّ الإقرار يقتضي ثبوت الدين على المقرّ، ولكنّه لايقتضي مشاركة المقرّ له مع الغرماء في الأموال الخارجيّة».

وهو(رحمه الله) يعني بهذا الكلام: أنّ الإقرار وإن كان نافذاً على المقرّ، لكن هذا الإقرار بنفسه تصرّف بشأن تلك الأموال؛ لأنّه يريد تثبيت شريك آخر فيها، والمفروض أنّه محجور عن التصرّفات فيها.

أقول: فلو ثبت ببيّنة مثلاً صدقه في هذا الإقرار، فقد ثبت أنّ المقرّ له أحد الديّان، فحاله حال باقي الغرماء.


(1) فمن ناحية الظاهر الأوّليّ لعبارة النصّ: الحجر على شخص المال. راجع الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 6 من الحجر، ح 1، ص 416 ـ 417، صحيح غياث، وموثق إسحاق أو عمّار، ومن ناحية اُخرى تقتضي المناسبات الانصراف عن فرض عدم إجازة الدائن لغرض شخصيّ.

301

أو بعين (1)، وله إجازة بيع الخيار(2) وفسخه(3). ومن وجد عين ماله كان له أخذها دون نمائها المنفصل، أمّا المتّصل فإن كان كالطول والسمن وبلوغ الثمرة ونحوها ممّا لا يصحّ للانفصال تبعها، وما يصحّ لذلك كالصوف والثمرة ونحوهما ففيه إشكال، والأظهر عدم التبعيّة (4)، وإن خلطه بالأجود (5)، ولو خلطها بجنسه فله عين ماله مطلقاً (6)، ولا اختصاص في مال الميّت مع قصور



(1) إقراره بعين من تلك الأموال لأحد أيضاً نوع تصرّف في تلك العين، فلا ينفذ على الديّان؛ لأنّه محجور عليه. نعم، لو ثبت صدقه ببيّنة مثلاً، خرجت تلك العين عن الحجر.

(2) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «للمفلّس الإجازة بمعنى إسقاط الخيار فيما إذا لم يكن حقّ الخيار بنفسه ذا ماليّة كما إذا كان المنتقل منه أغلى وإلّا كان هذا الحقّ بنفسه محجوراً لمصلحة الغرماء أيضاً كسائر أمواله» ونِعمَ ما أفاد.

(3) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «للمفلّس الفسخ إذا لم يكن مفوّتاً لشيء من ماليّة المال على الديّان». ونِعمَ ما أفاد.

(4) عدم التبعيّة واضح(1).

(5) يعني: ومن وجد عين ماله، كان له أخذها ولو خلطها بالأجود.

(6) يعني: ومن وجد عين ماله بعد أن كان المفلّس خلطها بجنسه، فله عين ماله مطلقاً، أي: سواء كان مساوياً له، أو أجود، أو أدون ما دامت العين موجودة ولو ضمناً،


(1) فإنّ الأصل في الحكم بعدم محاصّة الغرماء لمن وجد عينه هو صحيح عمر بن يزيد عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يركبه الدين، فيوجد متاع رجل عنده بعينه، قال: لا يحاصّه الغرماء». الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 5 من الحجر، ح 2، ص 415.

ومن الواضح: أنّ عنوان (متاع رجل عنده) وإن كان يشمل النماء المتّصل، كالطول والسمن ونضج الثمرة، لكنّه لا يشمل النماء المنفصل، كالصوف والثمرة ونحوهما.

302

التركة (1). ويخرج الحبّ والبيض بالزرع والاستفراخ عن الاختصاص (2)، وللشفيع أخذ الشِقص، ويضرب البائع مع الغرماء (3)، وإذا كان في التركة عين



فيصبح شريكاً بنسبة الماليّة.

أمّا لو كان قد خلط المفلّس ذاك المال بغير جنسه على نحو يكون شيئاً ثالثاً مبايناً عرفاً للموادّ المختلطة، فالعين لا تعتبر قائمة، فيكون حال صاحب العين المخلوطة حال سائر الغرماء.

(1) يعني: لو كان قد باع شخص متاعاً على أحد مع تأجيل الثمن، فمات المشتري وتركته تقصر عن أداء ديونه التي منها ذاك الثمن، فليس لذاك البايع تخصيص متاعه بنفسه لو وجده في تركة الميّت لدى قصور التركة عن باقي الديون، بل يضرب البائع مع باقي الغرماء(1).

أقول: لا يخفى أنّ المسألة أجنبيّة عمّن حكم عليه الحاكم بالحجر.

(2) هذا رجوع إلى مسألة المحجور عليه، أي: أنّه كان يجوز لمن وجد عين ماله لدى المحجور عليه أن يأخذها منه إن كانت قائمة بعينها، أمّا لو كانت عين ماله الحبّ أو البيض، وكان المحجور عليه قد زرع الحبّ، أو استفرخ البيض، فقد خرج الحبّ أو البيض عن الاختصاص بصاحبها؛ لعدم بقائهما بعينهما.

(3) يعني: أنّ الشريك الذي له حقّ الشفعة لو باع حصّته من المفلّس وهو لا يعلم بإفلاسه وبالحجر عليه من قبل الحاكم، ثُمّ اطّلع على ذلك، كان له حقّ الأخذ بشفعته، ثُمّ يضرب مع باقي الغرماء.


(1) نعم، قد رخّصت صحيحة أبي ولاّد له في أخذ متاعه إن كان الميّت قد ترك ما يفي بجميع ديونه. راجع الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 5 من الحجر، ح 3، ص 415.

303

زكويّة قدّمت الزكاة على الديون، وكذلك الخمس، وإذا كانا في ذمّة الميّت كاناكسائر الديون.

 

مسائل:

الاُولى: لا يحلّ مطالبة المعسِر ولا إلزامه بالتكسّب إذا لم يكن من عادته وكان عسراً عليه، ولا بيع دار سكناه اللائقة بحاله، ولا غيره ممّا يعسر عليه بيعه.

الثانية: لا يحلّ بالحجر الدين المؤجّل، ولو مات من عليه حلّ، ولا يحلّ بموت صاحبه.



ولكن أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «الظاهر: أنّه لا شفعة في مثل هذا الفرض، وأنّ البايع له خيار الفسخ، ثُمّ له أخذ عين ماله في مقام الاستيفاء». ونِعمَ ما أفاد(1).


(1) كأنّ دليل الماتن(قدس سره) أنّ صحيح عمر بن يزيد الماضي إنّما دلّ على أنّه ليس للغرماء محاصّة البائع مع بقاء العين، ودليل الشفعة يدلّ على أنّ للشفيع عدم إبقاء العين، فيكون دليلها صالحاً لرفع هذا الموضوع، فيتقدّم عليه بالحكومة، ثُمّ يصبح اُسوة مع الغرماء؛ لأنّ الثمن ليس عين ماله.

ويرد عليه: أنّ مجرّد رافعيّته لموضوع صحيح عمر بن يزيد ـ لو صحّ إعمال الشفعة ـ ليس هو مقياس الحكومة، والمهمّ أنّ حقّ الشفعة هنا غير موجود؛ لأنّ حكم الحاكم بالحجر وانتقال المال إلى الديّان إتلاف لمصبّ الشفعة.

نعم، للبايع الجاهل بالموضوع حقّ خيار الفسخ؛ لأنّ الحجر نقصٌ لم يكن مطّلعاً عليه، فإذا فسخ رجعت العين المبيعة، فدخل الأمر في موضوع صحيح عمر بن يزيد، فعندئذ لا يحاصّه الغرماء، ويأخذ عين ماله.

304

الثالثة: ينفق عليه من ماله إلى يوم القسمة وعلى عياله، ولو مات قدّم الكفن وغيره من واجبات التجهيز (1).

الرابعة: يقسّم المال على الديون الحالّة بالتقسيط، ولو ظهر دين حالّ بعد القسمة نقضت(2) وشاركهم، ومع القسمة يطلق(3) ويزول الحجر بالأداء.

 

(1) لم أجد دليلاً واضحاً على هذين الحكمين، أعني: التقسيم عليه من ماله إلى يوم القسمة وعلى عياله، وكذلك تقديم الكفن وغيره عدا ما هو المناسب من ذوق الشريعة السمحاء، وما يدّعى من الإجماع عليهما. والتشبيه بفرض ركوب الديون وعدم حكم الحاكم بالتحجير. والله العالم.

(2) يعني: ولو ظهر بعد القسمة دين حال قبل الحجر، نقضت القسمة وشاركهم صاحب الدين، فيقسّم المال تقسيماً جديداً مع إشراك صاحب ذاك الدين في التقسيم الجديد.

(3) لعلّ المقصود: أنّ الدين الحالّ الذي ظهر أخيراً لو لم يكن قبل الحجر، بل تجدّد مع القسمة، يُترك ذلك ولا يعاد التقسيم، أو المقصود: أنّ هذا الدائن الذي اكتشف أخيراً وكان دينه بتأريخ ما قبل الحجر، فهو يطلق سراحه في الاشتراك في القسمة الجديدة.

وأخيراً بودّي أن أقول: إنّ لنا شرطاً أساساً في حكم الحاكم بالتحجير، وهو أن يكون المفلّس ملتوياً على الديّان، أي: ظالماً بشأنهم، أمّا لو لم يكن الأمر كذلك، وإنّما ركبته الديون من دون التوائه على الديّان وظلمه إيّاهم، فهذا داخل في الآية الكريمة ﴿فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَة﴾(1). سورة البقرة، الآية: 280.


(1) ودليلنا على شرط الالتواء في أصل حكم الحاكم بتحجير أمواله هو أنّ عمدة الدليل على أصل حكم تحجير المفلس هي صحيحة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه «أنّ عليّاً(عليه السلام)كان يفلّس الرجل إذا التوى على غرمائه...» ونحوها موثّقة إسحاق بن عمّار، أو عمّار. الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 6 من الحجر، ح 1، ص 416 ـ 417.

وهذه ـ كما ترى ـ مخصوصة بحالة ما سُمّيَ بالالتواء على غرمائه.

305

الخامسة: الولاية في مال الطفل والمجنون والسفيه إذا بلغوا كذلك للأب والجدّ له، فإن فقدا فللوصيّ إذا كان وصيّاً في ذلك، فإن فقد فللحاكم (1)، وفي مال السفيه والمجنون اللذَين عرض عليهما السفه والجنون بعد البلوغ والمفلَّس للحاكم خاصّة.



(1) لا إشكال في أنّ هذا هو مقتضى الاحتياط، والظاهر كفاية العدالة، بل كفاية الوثوق في تصرّفه الماليّ في مال المولّى عليه.


وهناك رواية أقضية أمير المؤمنين(عليه السلام) رواها أصبغ بن نباتة(رحمه الله)...: «وقضى عليّ(عليه السلام) في الرجل يلتوي على غرمائه أنّه يحبس، ثُمّ يؤمر به فيقسّم ماله بين غرمائه بالحصص، فإن أبى باعه فقسّمه بينهم». الوسائل، ج 27 من تلك الطبعة، ب 11 من كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى، ح 1، ص 247 ـ 248.

وللصدوق(قدس سره) سند متّصل إلى أصبغ بن نباتة، إلّا أنّ في سنده محمّد بن عليّ ماجيلويه.

وهذه الرواية أيضاً ـ كما ترى ـ مخصوصة بحالة الالتواء على الغرماء.

307

المعاملات

17

 

 

 

 

كتاب الضمان

 

 

 

 

 

309

 

 

 

 

 

وإنّما يصلح إذا صدر عن أهله (1)، ولابدّ من رضا الضامن والمضمون له، ويبرأ المضمون عنه(2) وإن أنكره، وينتقل المال إلى ذمّة الضامن، فإن كان مَليّاً أو علم المضمون له بإعساره وقت الضمان لزم، وإلّا كان له(3) الفسخ. ويصحّ مؤجّلا وإن كان الدين حالّاً وبالعكس، ويرجع الضامن على المضمون عنه بما أدّاه إن ضمن بإذنه، وإلّا فلا. ولا يشترط العلم بمقدار المال ويلزمهما تقوم به البيّنة خاصّة. ولابدّ في الحقّ من الثبوت (4)، سواء أكان لازماً أو



(1) يعني: البالغ العاقل المختار.

(2) الضمان المصطلح عبارة عن النقل من ذمّة إلى اُخرى، وهو الذي تترتّب عليه براءة ذمّة المضمون عنه.

وقد يُقصَد بالضمان مجرّد التعهّد بما في الذمّة، أي: أنّ الضامن يتعهّد للدائن بحصول دينه له: إمّا بوفاء الدين، أو بوفاء المتعهّد، وهذا لا يوجب براءة ذمّة المدين بمجرّد حصول الضمان بهذا المعنى، وإنّما هذا شبيه بضمان من يتكفّل بتحصيل العين المغصوبة من الغاصب للمالك، أو تحصيل القاتل لأولياء المقتول، ونحو ذلك.

(3) يعني: كان للمضمون له الفسخ.

(4) يعني: في الضمان المصطلح، أمّا في الضمان بمعنى مجرّد التعهّد، فقد يتعهّد الشخص بحقّ لم يثبت بعد، بل بما لا يترقّب استحقاق الغير له أساساً، فلا يكون هناك مضمون عنه، بل هناك ضامن ومضمون له.

310

آيلا إليه (1)، ولو ضمن عهدة الثمن لزمه مع بطلان العقد لا مع تجدّد الفسخ (2).

أمّا الحوالة فيشترط فيها رضا الثلاثة، سواء كان المحال عليه مديناً(3) أو بريئاً، أو كانت الحوالة بالجنس أو بغير الجنس، ولا يجب قبولها، ومعه تلزم ويبرأ المحيل وينتقل المال إلى ذمّة المحال عليه، ولزمه إن كان مليّاً أو علم(4)بإعساره، وإلّا فله الفسخ. ولو طالب المحال عليه بما أدّاه فادّعى المحيل ثبوته في ذمّته فالقول قول المحال عليه مع يمينه، ولو أحال المشتري



(1) أي: سواء كان لازماً كما لو ضمن ثمن المبيع بعد القبض وانقضاء الخيار، أو سيؤول إلى اللزوم كما لو ضمن ثمن المبيع بلحاظ ما بعد انقضاء الخيار، أو ضمن مال الجعالة قبل فعل ما شرط عليه من العمل.

(2) الظاهر: أنّ مقصوده(قدس سره) بهذا ضمان العهدة، لا الضمان المصطلح الموجب لفراغ ذمّة المضمون عنه.

ومعنى العبارة: أنّه لو خشي المشتري خسارة الثمن، فضمن له ضامن عهدة الثمن، لزم الضامن عهدة الثمن للمشتري إذا كانت خسارته للثمن على أساس بطلان البيع، لا على أساس انفساخه بالفسخ، أو التقايل بعد أن كان صحيحاً.

ولعلّ مقصوده(رحمه الله) من التفصيل بين فرض بطلان البيع وفرض الفسخ دعوى انصراف التعبير بمثل خسارة الثمن إلى فرض بطلان البيع، دون إبطاله بمثل الفسخ أو التقايل.

وإن تمّ هذا الانصراف، أمكن علاجه بالتصريح في طلب ضمان عهدة الثمن بطلبه في كلتا الحالتين.

(3) إن كان المحال عليه مديناً للمحيل، وكانت الحوالة بنفس جنس ما عليه، ولم يقصد بالحوالة إشغال ذمّته بدين جديد، فالظاهر عدم اعتبار رضا المحال عليه، وكان الدين للمحال بالشكل الذي كان للمحيل برضا المحيل والمحال بذلك.

(4) أي: علم المحال بإعساره، وإلّا فللمحال الفسخ.

311

بالثمن(1) أو أحال البائع أجنبيّاً(2) ثمّ فسخ البيع لم تبطل الحوالة على الأقوى، ولو بطل البيع بطلت.

وأمّا الكفالة فيشترط فيها رضا الكفيل والمكفول له، بل وكذا المكفول على الأحوط (3)، وفي اشتراط الأجل قولان، أظهرهما العدم وتعيين المكفول (4)، وعلى الكافل دفع المكفول أو ما عليه. ومن أطلق غريماً من يد صاحبه قهراً لزمه إعادته أو ما عليه، ولو كان قاتلا دفعه أو الدية إذا كان القتل موجباً للدية، وإلّا تعيّن دفعه، ولو مات المكفول أو دفعه الكفيل أو سلّم نفسه أو أبرأه المكفول له يبرأ الكفيل، ولو عيّنا موضع التسليم لزم، وإلّا انصرف إلى بلد الكفالة.



(1) يعني: لو أحال المشتري البائع بالثمن، ثُمّ فُسخ البيع، لم تبطل الحوالة، فالبائع يأخذ الثمن ممّن أحاله المشتري عليه، وغاية ما هناك أنّه بسبب فسخ البيع يُرجع الثمن إلى المشتري، ويأخذ منه المبيع.

(2) يعني: لو أنّ البايع بدلاً عن أن يأخذ الثمن من المشتري أحال عليه أجنبيّاً كان له دين على البائع، ثُمّ فُسخ البيع، فقد ملك ذاك الأجنبيّ الثمن، والفسخ المتأخّر لا يُبطل تلك الملكيّة، وغاية ما هناك أنّ المشتري ينتقل بعد الفسخ إلى بدل الثمن.

(3) أفاد اُستاذنا(قدس سره): «الأقرب عدم اعتبار رضاه». ونِعمَ ما أفاد(1).

(4) لا شكّ في أنّ إطلاق هذا الكلام مطابق للاحتياط.


(1) فإنّ الكفالة بين الكفيل والمكفول له عقد عقلائيّ مشمول لدليل الوفاء بالعقد، سواء رضي المكفول أو لا.

313

المعاملات

18

 

 

 

 

كتاب الصلح

 

 

 

 

 

315

 

 

 

 

 

وهو جائز مع الإقرار والإنكار، إلّا ما حلّل حراماً أو بالعكس(1) مع علم المصطلِحَين بالمقدار وجهلهما ديناً أو عيناً أو منفعة، ولا يبطل إلّا برضاهما (2)، أو استحقاق الغير لأحد العوضين مع عدم إجازته، ولو اصطلح الشريكان بعد انتهاء الشركة على أنّ لأحدهما الربح والخسران وللآخر رأس



(1) لعلّ خير تفسير لهذه العبارة هو الصلح على كون الحرام الفلانيّ كالخمر حلالاً، أو كون الحلال الفلانيّ كفاكهة مّا حراماً.

وأيضاً يبطل الصلح على فعل حرام من المحرّمات.

وهناك فرع آخر، وهو أنّه لو ادّعى أحد بشيء مثلاً زوراً، فتصالح مع من يقابله بجزء من ذاك الشيء، فرغم أنّ هذا الصلح يحكم عليه بالصحّة ظاهراً لمن لا يعلم بحقيقة الحال لكنّه يكون باطلاً واقعاً(1).

(2) أي: بالتقايل، وكذلك يبطل بفسخ ذي الخيار.


(1) وهذا البطلان مضافاً إلى أنّه على طبق القاعدة يدلّ عليه صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «إذا كان لرجل على رجل دين فمطله حتّى مات، ثُمّ صالح ورثته على شيء، فالذي أخذ الورثة لهم، وما بقي فللميّت حتّى يستوفيه منه في الآخرة، وإن هو لم يصالحهم على شيء حتّى مات، ولم يقضِ عنه، فهو كلّه للميّت يأخذه به». الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 5 من الصلح، ح 4، ص 446.