225

كيف يثبت أوّل الشهر؟

إنّ بداية الشهر القمريّ الشرعي تتوقّف على أمرين: خروج القمر من المحاق، وكون الهلال ممكن الرؤية ولو بالعين المسلّحة في حالة عدم وجود حاجب(1)، والآن نريد أن نوضّح كيف يمكن إثبات هذين الأمرين وإحرازهما بطريقة صحيحة شرعاً؟

إنّ إثبات ذلك يتمّ بأحد الطرق التالية:

(54) الأوّل: الرؤية المباشرة فعلاً ولو بالعين المسلّحة.

(55) الثاني: شهادة الآخرين برؤيتهم، فإذا لم يكن الشخص قد رأى الهلال مباشرةً ولكن شهد الآخرون برؤيتهم له كفاه ذلك إذا توفّرت في هذه الشهادة أحد الأمرين التاليين:

أوّلاً: كثرة العدد، وتنوّع الشهود على نحو يحصل التواتر أو الشياع المفيد للعلم أو الاطمئنان(2).

ثانياً: تواجد البيّنة في الشهود. والبيّنة على الهلال تكتمل إذا توفّر ما يلي:

1 ـ أن يشهد شاهدان رجلان عدلان برؤية الهلال، فلا تكفي شهادة الرجل الواحد، ولا النساء وإن كُنّ عادلات.



(1) على ما بيّن في كتاب الفتاوى الواضحة تحت عنوان ثبوت الهلال، فراجعه مع مراعاة الهامش. وتنبغي الإشارة هنا إلى أنّه: متى ما رُئي الهلال في بلد ثبت أوّل الشهر في ذاك البلد وفي كلّ بلد آخر يشترك مع هذا البلد في الليل ولو يسيراً.

(2) لمعرفة التفاصيل في هذا المجال راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 717 ـ 719 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ مع مراعاة الهامش.

226

2 ـ أن لا يقع اختلاف بين الشاهدَين في شهادتهما على نحو يعني أنّ ما يفترض أحد الشاهدين أنّه رآه غير ما رآه الآخر.

3 ـ أن لا تتجمّع قرائن قويّة تدلّ على كذب البيّنة أو وقوعها في خطأ، ومن هذه القرائن: أن ينفرد اثنان بالشهادة من بين جمع كبير من المستهلّين لم يستطيعوا أن يروه مع اتّجاههم جميعاً إلى نفس النقطة التي اتّجه إليها الشاهدان في الاُفق، وتقاربهم في القدرة البصريّة، ونقاء الاُفق وصلاحيّته العامّة للرؤية.

(56) الثالث: مضيّ ثلاثين يوماً من هلال الشهر السابق.

(57) الرابع: حكم الحاكم الشرعي فإنّه نافذ وواجب الاتّباع حتّى على من لم يطّلع بصورة مباشرة على وجاهة الأدلّة التي استند إليها في حكمه(1).

(58) الخامس: كلّ جهد علمي يؤدّي إلى اليقين أو الاطمئنان بأنّ القمر قد خرج من المحاق، وأنّ الجزء النيّر منه الذي يواجه الأرض (الهلال) موجود في الاُفق بصورة يمكن رؤيته.

وقد تسأل وتقول: هل التطوّق أو ارتفاع الهلال دليل على أنّ الهلال في ليلته الثانية وأنّ الشهر القمري كان قد بدأ في الليلة السابقة؟

والجواب: توجد رواية صحيحة وصريحة على الثبوت بالتطوّق، إلّا أنّ إعراض الأصحاب قد يمنع عن الأخذ بها، والاحتياط طريق النجاة(2).



(1) وذلك ضمن تفصيل، راجع لمعرفته المصدر السابق: 720 ـ 721، مع مراعاة الهامش.

(2) لمعرفة باقي التفاصيل والأحكام المترتّبة راجع المصدر السابق: 721 ـ 723، وأيضاً: 708 ـ 716، مع مراعاة الهامش.

227

 

 

 

 

الاعتكاف

 

تمهيد:

(1) الاعتكاف والعكوف في اللغة: الإقامة على الشيء في المكان، وفي الشريعة: المكث في المسجد بقصد التعبّد لله وحده.

وهو مشروع قرآناً وسنّةً وإجماعاً. ويبدو أنّ الشريعة الإسلاميّة بعد أن ألغت فكرة الترهّب والاعتزال عن الحياة الدنيا واعتبرتها فكرةً سلبيّةً خاطئةً﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا﴾(1) شرّعت الاعتكاف؛ ليكون وسيلةً موقوتةً وعبادةً محدودةً تؤدّى بين حين وآخر، لتحقيق نقلة إلى رحاب الله، يعمّق فيها الإنسان صلته بربّه ويتزوّد بما تُتيح له العبادة من زاد؛ ليرجع إلى حياته الاعتياديّة وعمله اليومي وقلبه أشدّ ثباتاً وإيمانه أقوى فاعليّة.

وأساس الاعتكاف يتمثّل في المكث ثلاثة أيّام في المسجد. وله شروط من أهمّها: الصيام، والتزامات منها: اجتناب الاستمتاع الجنسي. وفي ما يلي نستعرض الشرائط أوّلاً:


(1) الحديد: 27.
228

شرائط الاعتكاف:

للاعتكاف شروط لا يصحّ بدونها، وهي كما يأتي:

(2) الأوّل: العقل.

(3) الثاني: الإيمان

(4) الثالث: نيّة القربة ابتداءً واستمراراً كسائر العبادات.

(5) لا إشكال في أنّ النيّة للصيام يمكن أن تتّخذ في الليل، فينوي الإنسان من الليل أن يصوم نهار غد، وينام ويصبح من نومه صائماً ويصحّ صومه على الرغم من أنّ الفجر طلع عليه وهو نائم، فهل يصحّ مثل ذلك في الاعتكاف بأن يذهب إلى المسجد ليلاً وينوي أن يبدأ الاعتكاف من بداية نهار غد وينام ويصبح معتكفاً؟

والجواب: أنّ صحّة اعتكاف من هذا القبيل غير واضحة، فالأجدر بالمكلّف في حالة من هذا القبيل أن يتّخذ إحدى طريقتين: إمّا أن يستيقظ عند طلوع الفجر وينوي لكي تقترن النيّة بطلوع الفجر، وإمّا أن ينوي الابتداء بالاعتكاف فعلاً من نصف الليل أو أوّله. والمهمّ ـ على أيّ حال ـ أن تتواجد النيّة عند بداية الاعتكاف.

والمهمّ في النيّة: أن ينوي الاعتكاف في المسجد قربةً إلى الله تعالى، وليس من الضروريّ أن يقصد باعتكافه التوفّر على مزيد من الدعاء والصلاة وإن كان هذا أفضل وأكمل، غير أنّ الاعتكاف بذاته عبادة يصحّ أن يقصد ويتقرّب به إلى الله تعالى، فإن انضمّ إلى ذلك التفرّغ للعبادة وممارسة المزيد من الدعاء والصلاة كان نوراً على نور.

(6) الرابع: الصيام في الأيّام الثلاثة، فمن لا يصحّ منه الصوم لا يصحّ منه الاعتكاف، فالمريض والمسافر لا يتأتّى لهما أن يعتكفا؛ إذ لا يصحّ منهما الصيام.

229

أجَلْ، يمكن للمسافر أن يتوصّل إلى ذلك بأن ينذر أن يصوم في سفره(1)، وحينئذ يسوغ له أن يعتكف ويصوم.

وللمعتكف أن ينوي بالصيام أيّ صيام مشروع بالنسبة إليه، فيصحّ له أن يصوم صيام قضاء شهر رمضان، أو صيام الكفّارة، كما يصحّ له أن يصوم صياماً مستحبّاً إذا توفّرت له الشروط التي يصحّ معها الصيام المستحبّ.

وكما يجب أن يكون المعتكف ممّن يصحّ منه الصوم كذلك يجب أن تكون أيّام الاعتكاف ممّا يصحّ فيها الصوم، فلا يصحّ الاعتكاف في عيد الفطر أو عيد الأضحى مثلاً؛ إذ لا يسوغ الصيام فيهما.

وكلّ ما يفسد الصوم فهو يفسد الاعتكاف ويبطله؛ لأنّ الصوم شرط في صحّته، والمشروط يبطل ببطلان شرطه.

(7) الخامس: العدد، وأقلّه ثلاثة أيّام ـ ثلاثة نهارات ـ تتوسّطها ليلتان، ويسوغ أن يكون أكثر من ذلك، بأن ينوي الاعتكاف من بداية ليلة الجمعة إلى نهاية نهار الأحد أو إلى صباح الاثنين، فيكون اعتكافه مكوَّناً من ثلاثة نهارات وأربع ليال، أو إلى غروب الاثنين، أو أكثر من ذلك.

(8) السادس: أن يكون الاعتكاف في مسجد يجتمع فيه الناس، ويعتبر مسجداً جامعاً ورئيسيّاً في البلد، فليس من المعلوم أن يصحّ الاعتكاف في مسجد صغير جانبي.



(1) لمعرفة الشروط التي يصحّ معها الصيام المستحبّ وأنّه متى وكيف يصحّ أن ينذر الصوم المستحبّ لكي يصحّ منه الصوم في السفر راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 734 ـ 736، الفقرة: (26)، والفقرة: (35) في: 738 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، مع مراعاة الهامش.

230

ويجب أن يكون المسجد المقصود ممارسة الاعتكاف فيه محدّداً وواحداً، فلا يسوغ الاعتكاف في مسجدين على نحو يمكث في هذا يوماً وفي ذاك يوماً أو يومين، وعليه فإذا اعتكف في مسجد وتعذّر البقاء فيه للإتمام والإكمال بطل الاعتكاف من الأساس، ولا يسوغ توزيعه بين مسجدين وإن تقاربا أو تجاورا.

والمسجد يشمل كلّ طوابقه من السطح والسراديب. ولو خصّ المعتكف بنيّته زاويةً خاصّةً من المسجد فنوى الاعتكاف في تلك الزاوية بالذات فلا أثر لهذا القصد، ويسوغ لهذا القاصد أن يمكث ويتنقّل في كلّ أجزاء ذلك المسجد.

(9) السابع: أن لا يخرج المعتكف من مسجده إلّا لضرورة شرعيّة أو عرفيّة، فمن الضرورة الشرعيّة: أن يخرج لغسل الجنابة؛ إذا لا يجوز له أن يمكث في المسجد ويغتسل حتّى ولو كان ذلك ممكناً، أو لحضور صلاة الجمعة إذا اُقيمت بشكل كان يجب حضورها. ومن الضرورة العرفيّة: أن يخرج لقضاء الحاجة، أو لعلاج مرض داهمه، ونحو ذلك.

فإذا لم تكن هناك حاجة ضروريّة للخروج شرعاً أو عرفاً وخرج على الرغم من ذلك فلا يعوّل على اعتكافه هذا ويعتبره باطلاً، ويستثنى من ذلك الاُمور التالية:

أ ـ إذا خرج لعيادة مريض أو معالجته فإنّه لا يبطل بذلك اعتكافه.

ب ـ إذا خرج لتشييع جنازة وما إليه من تجهيز.

ج ـ إذا اُكره على الخروج.

وأمّا إذا خرج بدون حاجة ضروريّة، جاهلاً بأنّ ذلك يبطل الاعتكاف، أو ناسياً لاعتكافه فعليه أن يعتبر اعتكافه باطلاً.

231

وفي كلّ حالة يسوغ للمعتكف فيها الخروج عليه أن يقتصر في ابتعاده عن المسجد على قدر الحاجة التي سوّغت له الخروج، ولا يجلس مهما أمكن، وإذا اضطرّ إلى الجلوس لم يجلس في ظلٍّ وتحرّى مهما أمكن أقرب الطرق.

(10) الثامن: أن يترك كلّ ما يجب على المعتكف اجتنابه ممّا يأتي بيانه في التزامات المعتكف، فإذا مارس عامداً شيئاً من تلك الأشياء بطل اعتكافه.

والأجدر بالمعتكف احتياطاً ووجوباً أن يفترض اعتكافه باطلاً حتّى في صورة صدور أحد تلك الأشياء منه نسياناً أو جهلاً.

وإذا وقع هذا النسيان أو الجهل في اليوم الثالث فالأجدر به احتياطاً ووجوباً أن يكمل اعتكافه؛ لاحتمال أن يقبل منه، ولكن لا يعوّل عليه.

التزامات الاعتكاف:

يجب على المعتكف من ابتداء اعتكافه إلى انتهائه أن يجتنب نهاراً أو ليلاً عمّا يلي:

(11) أوّلاً: مباشرة النساء بالجماع، أو بما دون ذلك من الاستمتاع ـ على الأحوط ـ بالتقبيل واللمس أيضاً.

(12) ثانياً: الاستمناء ـ على الأحوط ـ أي إنزال المني باليد أو بآلة.

(13) ثالثاً: شمّ الطيب، وهو كلّ مادّة لها رائحة طيّبة وتتّخذ للشمّ والتطيّب، كعِطر الورد والقرنفل وغيره.

(14) رابعاً: التلذّذ بما للرياحين من رائحة طيّبة، والرياحين كلّ نبات ذو رائحة طيّبة، كالورد والياسمين.

(15) خامساً: التجارة بشتّى أنواعها، ولا يدخل في نطاق ذلك ما يمارسه الإنسان

232

من أعمال نافعة في حياته، كالخياطة والطبخ والحياكة ونحو ذلك.

وإذا تاجر وهو معتكف فباع واشترى بطل اعتكافه، ولكنّ البيع والشراء صحيح والتجارة نافذة المفعول.

(16) سادساً: المماراة، ونريد بها هنا: المجالة والمنازعة في قضيّة لإثبات وجهة نظر معيّنة فيها حبّاً للظهور والفوز على الأقران، سواء كانت وجهة النظر هذه صحيحةً بذاتها أوْ لا، وسواء كانت القضيّة المطروحة للجدال دينيّةً أو غير دينيّة. وأمّا إذا كان الجدال والنقاش بروح موضوعيّة وبدافع إثبات الحقّ، أو حرصاً على تصحيح خطأ الآخرين فلا ضير فيه.

أحكام الاعتكاف:

(17) الاعتكاف مستحبّ ومندوب بطبيعته، وقد يجب لسبب طارئ، كما لو أوجبه الإنسان على نفسه بنذر أو عهد أو يمين.

(18) وإذا بدأ الإنسان اعتكافه فيسوغ له في أيّ لحظة أن يهدم اعتكافه ويغادر المسجد، فيعود إلى حالته الاعتياديّة، ويستثنى من ذلك ما يلي:

أوّلاً: إذا كان قد وجب عليه الاعتكاف بنذر ونحوه في تلك الأيّام بالذات فإنّه يجب عليه حينئذ أن يواصل اعتكافه، وأمّا إذا كان قد نذر أن يعتكف بدون أن يحدّد أيّاماً معيّنةً فله إذا شرع في الاعتكاف أن يهدمه، مؤجّلاً الوفاء إلى أيّام اُخرى.

ثانياً: إذا كان قد مضى على المعتكف يومان ـ أي نهاران ـ فإنّ عليه في هذه الحالة أن يكمل اعتكافه حتّى ولو كان قد بدأه مستحبّاً، إلّا في حالة واحدة، وهي أن يكون حين نوى الاعتكاف شرط بينه وبين ربّه أن يرجع في اعتكافه ويهدمه متى شاء،

233

أو في حالات معيّنة، ففي هذه الحالة يسوغ له أن يهدم اعتكافه وفقاً لشرطه حتّى في اليوم الثالث.

(19) وكلّما فسد الاعتكاف لأيّ سبب من الأسباب السابقة فماذا يترتّب على من فسد اعتكافه؟

والجواب: أنّ هذا له حالات، كما يلي:

أ ـ أن يكون اعتكافه مستحبّاً عند البدء وقد فسد قبل مضي نهارين منه ففي هذه الحالة لا يجب عليه إعادته.

ب ـ أن يكون اعتكافه مستحبّاً عند البدء وقد فسد بعد مضي يومين فيجب عليه حينئذ إعادته، ولكن لا تجب إعادته على الفور، بل له أن يعيده بعد مدّة.

وأمّا إذا بدأ الاعتكاف في وقت لا يشرع فيه الاعتكاف، أو في مكان لا يصحّ فيه، كما لو اعتكف يوم العيد، أو قبله بيوم أو يومين، أو اعتكف في غير المسجد ثمّ تفطّن في الأثناء انصرف عن اعتكافه ولا إعادة عليه.

ج ـ أن يكون قد نذر الاعتكاف واعتكف وفاءً بنذره فعليه أن يعيد اعتكافه، سواء كان نذره محدّداً بتلك الأيّام التي فسد فيها الاعتكاف بالذات أو غير محدّد، غير أنّ الإعادة في حالة النذر المحدّد تسمّى قضاءً؛ لأنّها تقع بعد انتهاء الأمد المحدّد في النذر، ولا يجب فيها الفور. وأمّا في الحالة الثانية فالإعادة عمل بالنذر ووفاء له في وقته المحدّد فيه، ويجب أن تقع وفق المدّة المحدّدة في النذر.

(20) وإذا تعمّد المعتكف مقاربة زوجته فعليه الكفّارة، سواء كان ذلك في الليل أو في النهار، ويكفي في أدائها أن يكفّر بكفّارة إفطار شهر رمضان، ولا كفّارة عليه إذا تعمّد غير ذلك ممّا يحرم عليه، وإنّما عليه أن يتوب.

234

وإذا قارب هذا المعتكف في النهار وهو صائم في شهر رمضان، أو صائم صيام قضاء شهر رمضان فعليه كفّارتان: إحداهما على أساس أنّه تحدّى بذلك اعتكافه، والاُخرى كفّارة إفطار صيام شهر رمضان، أو كفّارة إفطار قضاء شهر رمضان، وهي إطعام عشرة مساكين، فإن لم يتيسّر له ذلك صام ثلاثة أيّام.

وإذا افترضنا في الحالة الآنفة الذكر أنّ الاعتكاف في تلك الأيّام بالذات كان منذوراً وجبت على المعتكف الذي قارب زوجته كفّارة ثالثة من أجل تحدّيهِ لهذا النذر.

235

الزكاة

الزكاة من الأموال التي تكون مملوكةً لجهة عامّة لا لعموم المسلمين ولا للدولة الإسلاميّة. وإليك أحكامها:

الشروط العامّة لوجوب الزكاة

(1) لوجوب الزكاة شروط عامّة سارية في تمام الأعيان الزكويّة، وشروط خاصّة تختصّ ببعضها.

والشروط العامّة خمسة:

أ ـ البلوغ.

ب ـ العقل.

ج ـ الحرّيّة.

د ـ الملك.

هـ ـ التمكّن من التصرّف.

(2) ولا نستثني من شرط البلوغ الغلاّتِ الأربعَ، على خلاف ما ورد عن اُستاذنا الشهيد الصدر(رحمه الله) في تعليقته على (منهاج الصالحين) من استثنائه للغلاّت الأربع من هذا الشرط.

(3) ولا يُشترط في الأعيان الزكويّة التي لابدّ من مرور الحول عليها البلوغُ في

236

تمام الحول، بل يكفي البلوغ في ساعة تعلّق الزكاة.

وكذلك العقل لا يكون شرطاً في ثبوت وجوب الزكاة إلّا في حال التعلّق، فما يكون تعلّق الزكاة به مشروطاً بمضيّ الحول عليه لا يشترط فيه العقل في تمام الحول.

(4) وأيضاً لا نستثني من شرط العقل الغلاّتِ ولا الأنعامَ، على خلاف ماورد عن اُستاذنا الشهيد(رحمه الله)في تعليقته على (منهاج الصالحين) من استثنائهما.

(5) وشرط الملك في الأعيان التي يشترط مرور الحول عليها كالنقدين والأنعام يقصد به: الملكُ في تمام الحول.

(6) وشرط التمكّن من التصرّف في الأعيان التي يشترط مرور الحول عليها يقصد به أيضاً: التمكّنُ من التصرّف في تمام الحول.

وأمّا ما لا يشترط فيه مرور الحول وهي الغلاّت، ففي رأينا لا يشترط فيه التمكّن من التصرّف، فلو خرجت الغلاّت قبل بدوّ صلاحها وتعلّقِ الزكاة بها من التمكّن من التصرّف، ثُمّ رجعت بعد ذلك، وجبت تزكيتها. نعم، لو لم ترجع لم تجب على المالك خسارة الزكاة من نفسه.

(7) وعدم التمكّن من التصرّف له درجات ومراتب:

الاُولى: أن يكون له عجز حقيقيّ عن التصرّف في المال، كالغائب عن ماله، والمسروق ماله، والمحجور على ماله من قِبَل السلطة الشرعيّة بمثل استغراق ديونه لما يملك، والمدفون ماله في مكان منسيّ، ولا إشكال في كون ذلك مسقطاً للزكاة.

والثانية: أن يكون ماله متعلّقاً لحقّ غيره المانع شرعاً من تصرّفه فيه بالرغم من أنّه لم يعجّزه تعجيزاً حقيقيّاً عن التصرّف، ومثاله: ما لو كان الحجز الشرعيّ على ماله صدر عن حاكم شرعيّ غير مبسوط اليد، فلا يوجد لديه عجز واقعيٌّ

237

وخارجيّ عن التصرّف؛ لعدم امتلاك حاكم الشرع سلطةً تحجزه عن ذلك، ولكن قد مُنع على أيّ حال من التصرّف شرعاً.

ومثاله الآخر: ما لو كانت العين تحت الرهن المعجِّز شرعاً عن التصرّف فيها على الرغم من أنّ الراهن أو حاكم الشرع لم تكن له سلطة تعجّزه عجزاً حقيقيّاً عن التصرّف، ولكن العجز كان شرعيّاً بحتاً.

وهذا القسم ملحق في الحكم بالقسم الأوّل.

والثالثة: أن يكون قد تعلّق بماله مجرّد حرمة تكليفيّة للتصرّف، وهذا على قسمين:

الأوّل: أن تكون الحرمة الشرعيّة قد تعلّقت بالتصرّف، ومثاله: ما لو نهى الوالد عن تصرّف الولد في ماله، وافترضنا وجوب طاعة الوالد، أو افترضنا أن تصرّفه كان يؤذي الوالد إيذاءً يجب اجتنابُه.

وهذا أيضاً ملحق بما سبق في الحكم إذا كانت الحرمة متعلّقة بعمدة التصرّفات لا ببعض التصرّفات.

والثاني: أن يجب عليه صرف المال في مصرف معيّن بمثل سبب النذر، أو وجوب إشباع المشرفين على الهلاك بالجوع، ونحو ذلك، فحرمت عليه باقي التصرّفات لا بمعنى الحرمة الأوّليّة، بل باعتبار مزاحمتها للتصرّف الذي وجب عليه.

وهذا القسم لا يمنع من تعلّق الزكاة بالمال.

(8) العين الموقوفة إن كانت قد اُوقفت لصرف نتاجها على الموقوف عليهم دون أن يمتلكه الموقوف عليهم ـ كما لو اُوقف بستان لصرف ثماره على الفقراء لا لامتلاك الفقراء لها ـ فلا زكاة في نتاجها.

238

وإن كانت قد اُوقفت لامتلاك الموقوف عليهم فللوقف صورتان:

الصورة الاُولى: ما لو كان الوقف وقفاً خاصّاً كالوقف على الأولاد ممّا يعني ملكيّة نفس الموقوف عليهم للعين الموقوفة، فكلّ واحد منهم لو بلغت حصّته النصاب كانت عليه الزكاة.

الصورة الثانية: ما لو كان وقفاً عامّاً كالوقف على الفقراء، فكلّ واحد منهم لو قبض قسماً من النتاج وامتلكه حتّى حان وقت تعلّق الزكاة في ملكه، تعلّقت الزكاة به، أمّا لو ملكه بعد ذلك فلازكاة عليه.

(9) إذا كانت العين الزكويّة بما لها من النصاب موجبةً لاستطاعة المالك للحجّ، في حين أنّه لو اُخرجت منها الزكاة لم يعدّ صاحبها مستطيعاً: فإن كان تعلّقُ الزكاة بها قبل تماميّة الاستطاعة، فوجوب الزكاة هنا مانع من وجوب الحجّ، ولا يعتبر صاحب هذه العين مستطيعاً.

وإن كانت الاستطاعة قد تحقّقت قبل تعلّق الزكاة، فتعلّق الزكاة لا يمنع من وجوب الحجّ؛ لأنّ الحجّ حينما وجب لم تكن الزكاة متعلّقة بالعين.

ولو كان حجّه متوقّفاً على صرف تمام العين للحجّ، كان يجب عليه تبديل العين قبل تعلّق الزكاة بها بمال آخر غير زكويّ حتّى لا تتعلّق به الزكاة.

ما تجب فيه الزكاة

(10) تجب الزكاة في تسعة أشياء: الأنعام الثلاثة، وهي: الإبل، والبقر، والغنم. والنقدان، وهما: الذهب، والفضّة. والغلاّت الأربع، وهي: الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب.

239

أوّلاً: زكاة الأنعام:

(11) تشترط في تعلّق الزكاة بالأنعام زائداً على ما مضت من الشروط العامّة شروط اُخرى:

الشرط الأوّل: النصاب:

(12) لا تجب الزكاة على أيّ واحدة من الأنعام إلّا إذا بلغت مبلغاً معيّناً اصطُلِح عليه في الفقه الإسلاميّ باسم النصاب.

وعلى الرغم من أنّ النصاب يكون شرطاً عامّاً لتمام الأعيان الزكويّة أجّلنا ذكره إلى حين الحديث عن الشروط الخاصّة بنكتة: أنّ لكلّ قسم من تلك الأعيان نصاباً يخصّه.

فللأنعام نُصُبها الخاصّة بها التي نشرحها ـ إن شاء الله ـ في ما يلي:

(13) فالنصاب في الإبل عبارة عن اثني عشَر نصاباً:

الأوّل: الخمس، وفيها شاة.

والثاني: العَشْر، وفيها شاتان.

فالزائد في ما بين النصابين معفوّ عنه، أي: أنّه لو كان يمتلك تسعاً من الإبل لم تجب عليه إلّا شاة واحدة.

والثالث: خمس عشرة، وفيها ثلاث شياه.

والرابع: العشرون، وفيها أربع شياه.

والخامس: خمس وعشرون، وفيها خمس شياه.

ولك أن تعدّ هذه النُصُب الخمسة نصاباً واحداً بأن تقول: في كلّ خمس شاةٌ إلى الخمس والعشرين.

240

والسادس: ستّ وعشرون، وفيها بنت مخاض، وهي: الاُنثى من الإبل الداخلة في السنة الثانية، سُمّيت في العرف الفقهيّ ببنت مخاض لأنّ اُمّها تحمل.

وإذا لم يكن عنده بنت مخاض أجزأ عنها ابن لبون، وهو: الذكر من الإبل الداخل في السنة الثالثة، وسُمّي في المصطلح الفقهيّ بابن لبون لأنّ اُمّه قد تضع وتصبح ذات لبن.

وإذا لم يكن عنده بنت مخاض ولا ابن لبون، تخيّر في شراء أ يّهما شاء، ولو اشتراهما معاً كان عليه أن يدفع بنت مخاض.

والسابع: ستّ وثلاثون، وفيها بنت لبون، وهي: الاُنثى من الإبل الداخلة في السنة الثالثة، وسُمّيت بذلك لأنّ اُمّها قد تضع وتصبح ذات لبن كما مضى.

والثامن: ستّ وأربعون، وفيها حِقّة، وهي: الداخلة في السنة الرابعة، سُمّيت بذلك لأنّها استحقّت أن يحمل عليها.

والتاسع: إحدى وستّون، وفيها جذَعة: وهي التي دخلت في السنة الخامسة، سُمّيت بذلك لأنّها يشتدّ عادة جذعها في هذه السنة.

يبقى الكلام في طريقة التقسيم، فهل تُقسَّم الآبال على الخمسين، فتكون في كلّ خمسين حِقّة، أو على الأربعين، فتكون في كلّ أربعين بنت لبون، أو بالتلفيق، فيكون على بعضها حِقّة وعلى بعضها بنت لبون؟ وعلى تقدير التلفيق قد تُتصوَّر عدّة أشكال للتلفيق، فأيّ منها يتّبع؟

والجواب: يجب أن يُتّبَع أوسع طريق شامل لأعداد الآبال؛ حتّى لا يبقى إلّا أقلّ زيادة ممكنة، فتصبح تلك الزيادة معفوّة عن الزكاة. ولو اتّحد طريقان في نتيجة السعة فلا ترجيح لأحدهما على الآخر.

مثاله: لو كانت له مئتان جاز له أن يعدّها أربعة خمسينات، فيدفع أربع حِقق، أو يعدّها خمسة أربعينات، فيدفع خمس بنات لبون.

241

وبناءً على ما ذكرناه لن يتّفق أن تكون الزيادة المعفوّة عن الزكاة أكثر من تسعة أعداد من الإبل؛ لأنّ الفاصل بين الأربعين والخمسين عَشْرة، والنصابُ الأخير يبدأ ممّا زاد على المئة والعشرين، فلو بلغت الزيادة عشْرة أو أكثر فلا أقلّ من ثلاثة أربعينات مستوعبة للمئة والعشرين، وستضاف العشْرة الاُولى على أحد الأربعينات؛ لكي يكون خمسين، والثانية على الثاني، والثالثة على الثالث، ولو وصلت الزيادة إلى أربع عشرات، شكّلت هي بنفسها أربعين، وهكذا الأمر إلى الأخير، فلن تبقى زيادة خارجة من حكم الزكاة أكثر من تسعة.

(14) والنصاب في البقر نصابان:

الأوّل: ثلاثون، يعطى فيها تبيع أو تبيعة. وهذا مصطلح فقهيّ روائيّ يقصد به: ما دخل من البقر في السنة الثانية.

والثاني: أربعون تعطى فيها مسنّة، وهي في المصطلح الفقهيّ والروائيّ: البقرة التي دخلت في السنة الثالثة.

وفي ما زاد يعدّها على ثلاثين أو أربعين أو بالتلفيق، ويراعي دائماً الصورة التي تستوعب أكثر عدد ممكن للتزكية، فإن زاد مع ذلك شيء كان داخلاً تحت عموم العفو عن الزكاة، ولا يكون ذلك إلّا بأقلّ من ثلاثين.

(15) والنصاب في الغنم خمسة نُصب:

الأوّل: الأربعون، وفيها شاة.

والثاني: مئة وإحدى وعشرون، وفيها شاتان.

والثالث: مئتان وواحدة، وفيها ثلاث شياه.

والرابع: ثلاث مئة وواحدة، وفيها أربع شياه.

والخامس: أربع مئة فما زاد، ففي كلّ مئة شاة.

242

وما بين النصابين في الجميع يعفى عن الزكاة، فلا يجب فيه غير ما وجب بالنصاب السابق.

(16) ولا يجوز لدافع زكاة الأنعام أن يختار الفرد الأدنى من المتوسّط بالقياس إلى ما يملك، فلا يجزي إلّا ما كان وسطاً بالقياس إليها، أو كان أعلى وأجود. واختيار الأجود ليس واجباً، ولكن فيه زيادة خير.

ولا يجب أيضاً على دافع الزكاة الدفعُ من العين التي تعلّق بها الزكاة حينما تتّحد الزكاة والعين في الجنس كالشاة من الشياه، أو بنت لبون من آبال فيها بنت لبون، بل يجوز شراء فرد آخر، بل يجوز له دفع القيمة النقديّة.

ولا يجوز له دفع مقدار القيمة من جنس آخر من تلقاء نفسه. نعم، يجوز بإذن حاكم الشرع.

(17) لو كانت الأنعام الزكويّة كلُّها صحيحة أو سليمة أو شابّة، أو كانت مختلطة من الصحيحة والمريضة، أو من السليمة والمعيبة، أو من الشابّة والهرمة، لم يجز لصاحب الزكاة اختيارُ المريضة أو المعيبة أو الهرمة.

الشرط الثاني: السوم:

(18) يشترط في تعلّق الزكاة بالأنعام أن تكون سائمة، والسوم يعني: الرعي، وذلك في مقابل ما يسمّى بالمعلوفة: وهي التي تتغذّى بتهيئة العلف الخاصّ لها لا بالرعيّ.

وقد اشتهر بين الفقهاء المتأخّرين شرط آخر، وهو: أن لا تكون عوامل، وهذا يعني: أن لا تعدّ للركوب عليها ولا لحمل الأثقال للنقل من مكان إلى مكان. وهذا التحميل كان متعارفاً في الإبل والبقر. أمّا الشاة فلا معنىً لفرضها عاملة.

243

فلو اجتمع السوم أي الرعي مع عدم العمل؛ إمّا لأنّها لا يمكن أن تعمل كما في الشاة، أو لأنّ مالكها لم يعدّها للعمل كما في الإبل والبقرة، فلا إشكال في تعلّق الزكاة بها.

ولو كانت سائمة وعاملة في وقت واحد، كما لو كانت تُحمل عليها الأثقالُ للنقل بين بلدين، والنقل كان عن طريق المرعى، وكان المرعى يكفيها فلم تكن بحاجة إلى أن تعلف، فالأحوط تزكيتها.

ولو كانت غير سائمة فلا إشكال في عدم تعلّق الزكاة بها.

(19) سخال الأنعام حينما تسوم مع الاُمّهات تعتبر سائمة ولو فرض اكتفاؤها بلبن الاُمّهات وعدم الارتزاق من علف الصحراء.

الشرط الثالث: مرور الحول عليها:

(20) يُشترَط في تعلّق الزكاة بالأنعام مرورُ الحول عليها في ملك المالك واجدة لشرطي النصاب والسوم ـ اللذين مضى ذكرهما ـ طيلة الحول.

(21) ونقصد بمرور الحول عليها: بزوغ اثني عشر هلالاً عليها، فمثلاً: لو ملك النصاب في أثناء شهر رجب، فببزوغ هلال شهر رجب من السنة الثانية تثبت عليه الزكاة.

(22) إذا اختلّ بعض شروط الزكاة للأنعام في أثناء الحول، بطل الحول، كما إذا نقصت من النصاب، أو لم يتمكّن من التصرّف فيها، أو أبدلها بغير جنسها، أو وهبها لغيره في أثناء الحول.

ولو أبدلها بجنسها فالأحوط استحباباً عدم سقوط الزكاة عنه.

(23) ولو وهبها في أثناء الحول مع شرط إرجاعها إليه بعد ذلك فراراً من الزكاة، وجبت عليه الزكاة.

244

(24) لو ملك في أوّل الحول نصاباً، ثُمّ ملك في أثناء الحول عدداً آخر من نفس الجنس بنتاج أو شراء أو إرث أو غير ذلك، فالفروض التي يمكن أن تفرض في هذه الزيادة أحد أربعة فروض:

الفرض الأوّل: أن يفرض أنّ هذه الزيادة لو كانت في أوّل السنة كانت بمقدار العفو، كما إذا كان عنده أربعون من الغنم، وفي أثناء الحول ولدت أربعين، وقد مضى أنّ ما بعد الأربعين معفوّ عن الزكاة ما لم يبلغ مئة وواحداً وعشرين.

وهذا حكمه: أنّ الذي ملكه في أثناء السنة أيضاً يشمله العفو، ويبدأ في أوّل السنة الثانية بحول جديد.

الفرض الثاني: أن يفرض أنّ هذه الزيادة تكون نصاباً مستقلاًّ، كما إذا كانت عنده خمس من الإبل، فولدت في أثناء الحول خمساً اُخرى.

وهذا حكمه: أنّ الاُوليات تتنجّز زكاتها في آخر سنتها، والاُخريات أيضاً تتنجّز زكاتها في آخر سنتها التي تحين في أثناء الحول الثاني؛ لأنّها بدأت في أثناء الحول الأوّل.

الفرض الثالث: أن يفرض أنّ هذه الزيادة لو كانت في أوّل السنة لكانت قد نقلت النصاب إلى نصاب جديد، كما إذا كانت عنده ثلاثون من البقر، وفي أثناء الحول ولدت عَشْرة، وقد مضى أنّ الأربعين هو النصاب الثاني للبقر.

وهذا حكمه: أنّ النصاب الأوّل يزكّى في نهاية الحول الأوّل، والزيادة تبقى معفوّاً عنها إلى حين زمان تزكية النصاب الأوّل، وبعد ذلك يلحظ النصاب الثاني للحول الثاني، ففي المثال الذي ذكرناه لو أدّى زكاة النصاب الأوّل من خارج ما كان يملكها من الأبقار، فبقي أربعون إلى نهاية الحول الثاني، وجبت زكاة النصاب الثاني لدى

245

نهاية الحول الثاني، وكذلك لو فرضنا أنّ الزيادة كانت إحدى عَشْرة، فحتّى لو أدّى زكاة النصاب الأوّل من داخل الأبقار المملوكة بقي عنده أربعون، فلو استمرّ الأربعون إلى نهاية الحول الثاني وجبت زكاة النصاب الثاني.

الفرض الرابع: ما يتراءى فيه أنّ الزيادة تصلح نصاباً مستقلاًّ، وتصلح لنقل النصاب الأوّل إلى نصاب جديد، ومثاله: ما لو كان عنده عشرون من الإبل، وفي أثناء حولها ولدت ستّاً، فالزيادة مشتملة على خمس، وهي تصلح نصاباً، كما أنّ الستّ لو كانت اُضيفت إلى العشرين أوّل السنة انتقل العدد إلى نصاب جديد، وهو الستّ والعشرون.

وهذا حكمه حكم الفرض الثالث، أي: أنّ النصاب الأوّل يزكّى في نهاية حوله، وإذا بقي النصاب الثاني إلى نهاية الحول الثاني، فعليه زكاة النصاب الثاني.

ثانياً: زكاة النقدين:

(25) كان النقد الرائج في عصر المعصومين(عليهم السلام) عبارة عن الذهب والفضّة، وقد وضعت الشريعة عليهما الزكاة مشروطة بشروط ثلاثة زيادة على الشروط العامّة الماضية:

الأوّل: النصاب، وهو في الذهب عبارة أوّلاً عن عشرين ديناراً، والدينار ثلاثة أرباع المثقال الصيرفيّ، فإن زاد على هذا المبلغ كان على كلّ أربعة دنانير ـ وهي ثلاثة مثاقيل صيرفيّة ـ زكاة، وكلّ ما يقلّ عن أربعة دنانير يكون معفوّاً عن الزكاة. ولو لم يبلغ كلّ الذهب مقدار عشرين ديناراً، فكلّه يعفى عن الزكاة.

وفي الفضّة عبارة أوّلاً عن مئتي درهم، ثُمّ كلّ أربعين درهماً، وهنا أيضاً كلّما

246

نقص من النصاب كان معفوّاً عنه. والدرهم يساوي  مثقالاً صيرفيّاً.

ومبلغ الزكاة في كلّ هذا عبارة عن  من النصاب.

والثاني: أن يكون منقوشاً بسكّة المعاملة، وكان ذلك استطراقاً لكونه نقداً رائجاً في السوق، فالحُليّ المسبوك الذي لا يكون نقداً رائجاً في السوق لا زكاة عليه.

والثالث: مضيّ الحول عليه واجداً لشرائطه بالمعنى الذي مضى من مضيّ الحول على الأنعام.

ولو احتال أحد في تبديل قسم من ماله من الذهب إلى الفضّة أو بالعكس ليختلّ النصاب فيهرب من الزكاة، وجبت عليه الزكاة.

أمّا لو كان تركّب ماله من الذهب والفضّة مصادفة من غير احتيال فلم يبلغ الذهب ولا الفضّة النصاب، فلا شيء عليه.

(26) أمّا في زماننا هذا فالذهب أو الفضّة المسكوكان بسكّة المعاملة إمّا غير موجود بيد الناس وإمّا نادر الوجود. والنقد الرائج عبارة عن الأوراق الاعتباريّة المألوفة في هذا الزمان. وأمر تعلّق الزكاة بها وعدمه وكذلك أمر تعيين نصابها يكون بيد وليّ أمر المسلمين حيث تقتضيه المصلحة على حسب نظر وليّ الأمر.

 

ثالثاً: زكاة الغلاّت الأربع:

(27) تجب الزكاة في الغلاّت الأربع، وهي: الحنطة والشعير والتمر والزبيب.

(28) وقت تعلّق الزكاة بالغلاّت هو وقت بدوِّ الصلاح، أي: عند اشتداد الحبّ في الحنطة والشعير، وعند الاحمرار والاصفرار في ثمر النخيل، وعند انعقاده حِصْرماً في ثمر الكرم.

 

247

(29) ويشترط في وجوب الزكاة في الغلاّت الأربع زائداً على الشرائط العامّة الماضية شرطان:

الأوّل: النصاب، وهو عبارة عمّا يقارب ـ بحسب وزن الكيلو المتعارف في زماننا ـ ثمان مئة وثمانية وأربعين كيلو غرام تقريباً، وتحديده الدقيق بالكيلو متعذّر علينا. ويستثنى من التمر القسم الرديء الذي لايُرغب فيه عادة، فلاتجب زكاته، ولايدخل في النصاب.

وكذلك يستثنى من ذلك ما يتركه من التمر للحارس من عذق أو عذقين أو نحو ذلك، وذلك حقّ استحبابيّ للحارس.

والثاني: أن يكون مالكاً لتلك الثمار والحبوب وهي قائمة على اُصولها.

وهذا غير شرط الملك الذي يعتبر من الشروط العامّة، فلو ملك إحدى الغلاّت بعد انقطاعها عن اُصولها بشراء أو غيره، وبلغت النصاب، لم يجب عليه شيء على رغم ثبوت الشرط العامّ، وهو الملك، وإنّما تجب عليه الزكاة لو ملكها في حين ارتباطها باُصولها، سواء كان ذلك بسبب ملك الاُصول، أو بشرائه للثمار، أو بعنوان حِصّة المزارعة، أو بأيّ شكل آخر.

(30) وعلى أساس ما مضى من أنّ وقت تعلّق الزكاة هو زمان بدوِّ الصلاح ـ أعني: اشتداد الحبّين، وانعقاد الحِصْرم، واصفرار أو احمرار ثمر النخل ـ فالزكاة ستكون على مالكها في هذا الزمان، ولو باعها بعد ذلك بطل البيع في حِصّة الزكاة، إلّا بإمضاء وليّ أمر الزكاة، ولم تكن على المشتري زكاة اُخرى ولو بلغت حِصّته النصاب.

أمّا لو فرضنا عدم وجود مالك لها حين بدوِّ الصلاح؛ لإعراض من قِبَل المالك

248

الأصليّ مثلاً، ثُمّ امتلكها شخص بعد ذلك والثمار قائمة على اُصولها، فقد ثبتت الزكاة على المالك الثاني.

(31) ونحن وإن قلنا: إنّ وقت تعلّق الزكاة هو زمان بدوّ الصلاح، فإنّ المقياس في النصاب إنّما هو اليابس منها، فلو كان الرطب بقدر النصاب لكن ينقُص منه حينما يصبح تمراً، وكذلك العنب كان بمقدار النصاب ولكنّه ينقُص منه حينما يصبح زبيباً، فلا زكاة فيهما.

(32) ومبلغ الزكاة في ما سقاه البشر بمثل الدلو والدلاء والنواضح ونحو ذلك هو نصف العُشْر، وفي ما سقته الطبيعة بنهر أو عين ماء أو مطر أو امتصاص عرُوق الزرع والشجر من الأرض ونحو ذلك هو العُشْر.

أمّا لو اشترك الأمران فسقاه البشر حيناً وسقته الطبيعة اُخرى، فإن غلب أحدهما الآخر بشكل يستند عرفاً السقي إلى أحد الأمرين، فذاك هو المقياس في الأمر، فلو كان سقيُ الطبيعة هو الذي يغطّي عرفاً سقيَ البشر، كان مبلغ الزكاة هو العُشْر، ولو كان العكس فمبلغ الزكاة هو نصف العُشْر، ولو اشتركا من دون مستوىً ملحوظ بهذا الشكل في أحد الجانبين، كانت الزكاة في نصف الغلاّت عُشْراً وفي النصف الآخر نصفَ عُشْر.

(33) ولو زادت الغلّة على النصاب وجب إخراج الزكاة من الزيادة أيضاً، فلا نصاب ثان يعفى ما بينهما إلى حين الوصول إلى النصاب الثاني.

(34) وآخر وقت لوجوب إخراج الزكاة عبارة عن زمان تصفية الحنطة والشعير، واجتذاذ التمر، واقتطاف الزبيب إن لم يُؤخِّر المالك ذلك عن وقته الطبيعيّ.

وهذا في التمر والزبيب يكون لدى افتراض إبقائهما على الشجر إلى حين الجفاف،

249

أمّا لو اقتطفا حينما يكونان رطباً وعنباً، واُريد بهما التشميس والتجفيف بعد الاجتذاذ، فيجوز عندئذ تأخير إخراج الزكاة إلى حين التشميس والتجفيف.

(35) في الأشجار التي تثمر في السنة مرّة واحدة يكون المقياس في كونها تسقى بفعل البشر أو بفعل الطبيعة سنةَ الإثمار، وليست السنين السابقة. أمّا لو كان الشجر يثمر مرّتين ولفصلين فالمقياس له هو فصل الإثمار، وليست الفصول السابقة. نعم، المقياس في النصاب مجموع ما في السنة.

(36) لو أخرج شخص الماء بالدوالي عبثاً أو لغرض آخر كالشرب، فسقى به آخر زرعه، فالأحوط استحباباً إخراج العُشْر.

وكذلك لو بدا له هو بعد إخراجه للماء عبثاً أو لمثل الشرب، فسقى به زرعه.

وكذلك لو أخرجه لزرع ثُمّ بدا له، فسقى به زرعاً آخر، أو زاد فسقى به غيره.

والأقوى في الجميع كفاية نصف العُشْر.

(37) لا تتكرّر الزكاة في الغلاّت بتكرّر السنين، فلو زكّى الحنطة أو أيّ واحدة اُخرى من الغلاّت، ثُمّ احتفظ بالباقي وبمقدار النصاب سنين عديدة، لم تجب عليه زكاة اُخرى.

(38) ما يأخذه السلطان الجائر باسم الحكم الإسلاميّ قد يكون اُجرةً على الأرض، واُخرى بعنوان المزارعة، فهو يدفع إليك الأرض على أن تكون لك حِصّة من الزرع والاُخرى له، وثالثة بعنوان زكاة المال.

ففي القسم الأوّل لا علاقة للاُجرة بالزكاة، فتزكّى الغلاّت الأربع بالشكل الذي مضى.

وفي القسم الثاني لا زكاة على الزارع إلّا في حِصّته لو بلغت النصاب.

وفي القسم الثالث ما يُجبره الظالم على الدفع بعنوان الزكاة يُحسب له من زكاته.