550

فيها حداد(1)، فإذا خرجت من العدّة صارت أجنبيّة عن زوجها وجاز لها أن تتزوّج من شاءت، وإذا جاء زوجها حينئذ فليس له عليها سبيل، وما ذكره المشهور قريب وإن منعه بعض. ولو كانت له زوجات اُخرى لم يرفعنَ أمرهنّ إلىالحاكم فهل يجوز للحاكم طلاقهن إذا طلبن ذلك، فيجتزئ بمضيِّ المدّة المذكورة والفحص عنه بعد طلب إحداهنّ، أو يحتاج إلى تأجيل وفحص جديد؟ وجهان، أقربهما الأوّل(2)،



(1) لأنّ العدّة وإن كانت عدّة الوفاة لكن هذه العدّة ثبتت بالطلاق لا بالوفاة.

(2) لإطلاق صحيح الحلبيّ الدالّ على أنّ المقياس ثبوت مضيّ أربع سنين لدى الحاكم(1).


الصقع الذي فقد فيه، فليسأل عنه، فإن خبّر عنه بحياة صبرت، وإن لم يخبر عنه بحياة حتّى تمضي الأربع سنين دعا وليّ الزوج المفقود، فقيل له: هل للمفقود مال؟ فإن كان للمفقود مال اُنفق عليها حتّى يعلم حياته من موته، وإن لم يكن له مال قيل للوليّ: أنفق عليها، فإن فعل فلا سبيل لها إلى أن تتزوّج ما أنفق عليها، وإن أبى أن ينفق عليها أجبره الوالي على أن يطلّق تطليقة في استقبال العدّة وهي طاهر، فيصير طلاق الوليّ طلاق الزوج، فإن جاء زوجها قبل أن تنقضي عدّتها من يوم طلّقها الوليّ فبدا له أن يراجعها، فهي امرأته، وهي عنده على تطليقتين، وإن انقضت العدّة قبل أن يجيء ويراجع، فقد حلّت للأزواج، ولا سبيل للأوّل عليها». راجع أيضاً ح 4 من نفس الباب، ص 158.

ولكن مقتضى إطلاق حديث سماعة عدم اشتراط الطلاق ـ راجع الوسائل، ج 20 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 44 ممّا يحرم بالمصاهرة، ح 2 ـ: «...فإن لم يوجد له خبر حتّى تمضي الأربع سنين أمرها أن تعتدّ أربعة أشهر وعشراً، ثمّ تحلّ للأزواج، فإن قدم زوجها بعد ما تنقضي عدّتها فليس له عليها رجعة، وإن قدم وهي في عدّتها أربعة أشهر وعشراً فهو أملك برجعتها». فكأنّهم أفتوا بشرط التطليق على أساس حمل المطلق على المقيّد.

(1) راجع الوسائل، ج 22 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 23 من أقسام الطلاق، ح 4،

551

كما أنّه لا يبعد الاجتزاء بمضيِّ الأربع سنين بعد فقده مع الفحص فيها(1) وإن لم يكن بتأجيل من الحاكم، وإن كان الأحوط أن يكون ذلك بتأجيل منه. ولو فقد في بلد مخصوص أو جهة مخصوصة بحيث دلّت القرائن على عدم انتقاله منها كفى البحث في ذلك البلد أو تلك الجهة، ولو تحقّق الفحص التامّ في مدّة يسيرة وجب انتظار تمام المدّة، ولو تمّت المدّة ولم يتمَّ الفحص وجب إتمامه بعدها، ولا فرق في المفقود بين المسافر ومن كان في معركة قتال ومن انكسرت سفينته ففقد، ويجوز للحاكم الاستنابة في الفحص ولو للزوجة(2)، ويكفي في النائب



(1) أفاد اُستاذنا(رحمه الله): «بل مع الفحص في نهاية تلك المدّة». ونِعْمَ ما أفاد(1).

(2) يعني: جعل النيابة لنفس الزوجة، وعدم وجوب الفحص على الحاكم بنفسه مباشرة واضح؛ لأنّ الحاكم ليس عادة هو الذي يباشر الفحص.


ص 158، عن أبي عبدالله(عليه السلام): «أنّه سئل عن المفقود، فقال: إذا مضى له أربع سنين بعث الوالي أو يكتب إلى الناحية التي هو غائب فيها، فإن لم يوجد له أثر أمر الوالي وليّه أن ينفق عليها، فما أنفق عليها فهي امرأته...».

(1) لإطلاق الروايات الآمرة بفحص الحاكم. راجع صحيح بريد بن معاوية ـ في الوسائل،ج 22 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 23 من أقسام الطلاق، ح 1، ص 157 ـ: قال: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن المفقود كيف تصنع امرأته؟ فقال: ما سكتت عنه وصبرت فخلّ عنها، وإن هي رفعت أمرها إلى الوالي أجّلها أربع سنين، ثمّ يكتب إلى الصقع الذي فقد فيه فليسأل عنه...».

وصحيح الحلبيّ ـ في نفس المصدر، ح 4، ص 158 ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام): «أنّه سئل عن المفقود، فقال: المفقود إذا مضى له أربع سنين بعث الوالي أو يكتب إلى الناحية التي هو غائب عنها...».

552

الوثاقة(1)، ولا فرق في الزوج بين الحرّ والعبد، وكذلك الزوجة، والظاهر اختصاص الحكم بالدوام فلا يجري في المتعة(2)، والطلاق الواقع من الوليّ أو الحاكم رجعيّ تجب فيه النفقة، وإذا حضر الزوج في أثناء العدّة جاز له الرجوع بها، وإذا مات أحدهما في العدّة ورثه الآخر، ولو مات بعد العدّة فلا توارث بينهما.

(مسألة: 9) ذكر بعض الأكابر: أنّ المفقود المعلوم حياته مع عدم تمكّن زوجته من الصبر يجوز للحاكم أن يطلّق زوجته، وكذلك المحبوس الذي لا يمكن إطلاقه من الحبس أبداً إذا لم تصبر زوجته على هذه الحال. وما ذكره(قدس سره) بعيد(3)، وأبعد منه ما ذكره أيضاً من أنّ المفقود إذا أمكن إعمال الكيفيّات المذكورة من



(1) هذا مبنيّ على كفاية الوثاقة في حجّيّة خبر الواحد في الموضوعات، وهذا عندنا محلّ إشكال.

(2) اختصاص الروايات بالدائم واضح(1).

(3) لدلالة الروايات على شرط الصبر أربع سنين(2).


(1) فصحيح الحلبيّ قال: «فما أنفق عليها فهي امرأته» ـ راجع الوسائل، ج 22 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 23 من أقسام الطلاق، ح 4، ص 158 ـ وصحيح بريد بن معاوية قال: «وإن أبى أن ينفق عليها أجبره الوالي على أن يطلّق تطليقة في استقبال العدّة وهي طاهر، فيصير طلاق الوليّ طلاق الزوج، فإن جاء زوجها قبل أن تنقضي عدّتها من يوم طلّقها الوليّ فبدا له أن يراجعها، فهي امرأته، وهي عنده على تطليقتين» ـ نفس المصدر، ح 1، ص 157 ـ وحديث سماعة، قال: «إن علمت أنّه في أرض فهي منتظرة له أبداً حتّى يأتيها موت أو يأتيها طلاق». راجع الوسائل، ج 20 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ح 2، ص 506.

(2) راجع الوسائل، ج 22 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 23 من أقسام الطلاق، ص 157 ـ 158، وج 20 بحسب تلك الطبعة، ب 44 ممّا يحرم بالمصاهرة ونحوها، ح 2، ص 506.

553

ضرب الأجل والفحص لكن كان ذلك موجباً للوقوع في المعصية(1) تجوز المبادرة إلى طلاقها من دون ذلك، ولازم كلامه جواز المبادرة إلى طلاق الزوجة بلا إذن من الزوج إذا علم كون بقائها على الزوجيّة موجباً للوقوع في المعصية(2)، وهو كما ترى.

(مسألة: 10) عدّة الموطوءة بشبهة عدّة الطلاق(3)، فإن كانت حاملا فبوضع



(1) يعني موجباً لوقوع الزوجة في المعصية.

(2) يعني موجباً لوقوع الزوجة في المعصية.

(3) دلّت الروايات على ثبوت عدّة الطلاق على الموطوءة بشبهة(1).


(1) هناك طائفتان من الروايات دلّتا على ذلك:

الطائفة الاُولى: ما دلّت على عدم التداخل بين العدّتين من قبيل:

1 ـ صحيح الحلبيّ عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «سألته عن المرأة الحبلى يموت زوجها فتضع، وتزوّج قبل أن تمضي لها أربعة أشهر وعشراً، فقال: إن كان دخل بها فرّق بينهما ولم تحلّ له أبداً، واعتدّت بما بقي عليها من الأوّل، واستقبلت عدّة اُخرى من الآخر ثلاثة قروء. وإن لم يكن دخل بها فرّق بينهما واعتدّت بما بقي عليها من الأوّل، وهو خاطب من الخطّاب». الوسائل،ج 20 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 17 ممّا يحرم بالمصاهرة، ح 6، ص 452.

2 ـ صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «المرأة الحبلى يتوفّى عنها زوجها فتضع وتتزوّج قبل أن تعتدّ أربعة أشهر وعشراً، فقال: إن كان الذي تزوّجها دخل بها فرّق بينهما ولم تحلّ له أبداً، واعتدّت بما بقي عليها من عدّة الأوّل واستقبلت عدّة اُخرى من الآخر ثلاثة قروء. وإن لم يكن دخل بها فرّق بينهما، وأتمّت ما بقي من عدّتها، وهو خاطب من الخطّاب». نفس المصدر، ح 2، ص 450.

3 ـ صحيح عليّ بن جعفر في كتابه: «سألته عن امرأة توفّي زوجها وهي حامل فوضعت

554

 



وتزوّجت قبل أن يمضي أربعة أشهر وعشراً ما حالها؟ قال: إن كان دخل بها زوجها فرّق بينهما فاعتدّت ما بقي عليها من زوجها، ثمّ اعتدّت عدّة اُخرى من الزوج الآخر، ثمّ لا تحلّ له أبداً. وإن تزوّجت من غيره ولم يكن دخل بها فرّق بينهما، فاعتدّت ما بقي عليها من المتوفّى عنها، وهو خاطب من الخطّاب». نفس المصدر، ح 20، ص 456.

ومنشأ كون الوطء وطءاً بشبهة في هذه الروايات التي نقلناها هو غفلة المرأة عن حرمة الزواج في عدّة الوفاة.

وهذه الروايات صريحة في ثبوت العدّة على المدخول بها شبهة من غير تداخل مع عدّة ما فرض فيها من عدّة الوفاة، والاعتداد للوطء بشبهة بعدّة مستقلّة.

والطائفة الثانية: روايات وردت في عدّتي الطلاق تدلّ على تداخل العدّتين:

كموثّق زرارة: «سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن امرأة نعي إليها زوجها، فاعتدّت فتزوّجت، فجاء زوجها الأوّل ففارقها وفارقها الآخر، كم تعتدّ للناس؟ قال: بثلاثة قروء، وإنّما يستبرأ رحمها بثلاثة قروء تحلّها للناس كلّهم». قال زرارة: «وذلك أنّ اُناساً قالوا: تعتدّ عدّتين من كلّ واحدة عدّة، فأبى ذلك أبو جعفر(عليه السلام) وقال: تعتدّ ثلاثة قروء، فتحلّ للرجال». الوسائل، ج 22 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 38 من العِدَد، ح 1، ص 254.

وهذه الرواية صريحة في أنّ العدّتين كلتاهما عدّة طلاق لا الوفاة؛ لوضوح: أنّ ثلاثة قروء إنّما هي عدّة الطلاق لا عدّة الوفاة.

وصحيح زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام): «في امرأة تزوّجت قبل أن تنقضي عدّتها، قال: يفرّق بينهما، وتعتدّ عدّة واحدة منهما جميعاً». الوسائل، ج 20 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 17 ممّا يحرم بالمصاهرة، ح 11، ص 453. وهذه الرواية ظاهرة في أنّ العدّتين كلتاهما عدّة طلاق؛ لأنّ التداخل الكامل لا يتصوّر إلّا في عدّتين متماثلتين.

555

الحمل، وإن كانت حائلا مستقيمة الحيض فبالأقراء، وإلّا فبالشهور، وكذلك المفسوخ نكاحها بعد الدخول بفسخ فاسخ لعيب أو نحوه، أو بانفساخ لارتداد(1)أو رضاع أو غير ذلك، أمّا إذا كان الفسخ قبل الدخول فلا عدّة عليها. هذا في الحرّة(2).

(مسألة: 11) لا عدّة على المزنيّ بها من الزنا إن كانت حرّةً، فيجوز لها أن تتزوّج(3)، ويجوز لزوجها أن يطأها.



(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): «تقدّم منه في محرّمات النكاح أنّ الزوج إذا ارتدّ اعتدّت الزوجة عدّة الوفاة، وكأنّ المراد بالارتداد هنا ارتداد الزوجة». ومقصوده بالمكان الذي تقدّم منه ذلك هي المسألة الاُولى من بعد إنهاء بيان مانعيّة الكفر عن النكاح.

(2) وأمّا الأمة فعدّتها نصف عدّة الحرّة، وهي قرءان، فإن لم تكن تحيض فخمسة وأربعون يوماً. راجع الوسائل، ج 22 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 40 من العِدَد، ص 256 ـ 258.

(3) أفاد اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): «الأحوط وجوباً لمن أراد أن يتزوّجها أن يستبرأها بحيضة سواء كان هو الزاني أو غيره». ونِعْمَ ما أفاد(1).


وموثّقة أبي العبّاس عن أبي عبدالله(عليه السلام): «في المرأة تزوّج في عدّتها، قال: يفرّق وتعتدّ عدّة واحدة منهما جميعاً». نفس المصدر، ح 12، ص 454. وهذه الرواية كسابقتها في الظهور في فرض كون العدّتين كلتاهما عدّة طلاق بنفس النكتة التي أشرنا إليها في الرواية السابقة.

فقد دلّت هذه الطائفة أيضاً على ثبوت عدّة الطلاق في وطء الشبهة، بفرق: أنّ العدّة الاُولى في الطائفة الاُولى كانت عبارة عن عدّة الوفاة، فدلّت على استقبال عدّة الطلاق مستقلّة، والعدّتين في الطائفة الثانية كلتاهما عدّة الطلاق، فحكم الإمام(عليه السلام) بتداخل العدّتين.

(1) وذلك لحديث إسحاق بن جرير عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «قلت له: الرجل يفجر بامرأة

556

(مسألة: 12) الموطوءة شبهةً لا يجوز لزوجها أن يطأها مادامت في العدّة، وهل يجوز له سائر الاستمتاعات؟ إشكال(1)، وكذا الإشكال في جواز تزويجها لو كانت خليّة(2).



(1) مادمنا آمنّا بأنّها في العدّة، فالمتيقّن من أحكام العدّة بالنسبة للزوج حرمة وطئها،فإنّ هذا داخل في معنى العدّة يقيناً، أمّا سائر الاستمتاعات فليست داخلة في المتيقّن، ولا يترك الاحتياط بتركها.

(2) المتيقّن من حرمة إيقاع العقد على من في العدّة هي المرأة التي تكون في عدّة الوفاة أو الطلاق، فكأنّ هذا نوع احترام جعلته الشريعة للزوج السابق، أمّا التي في عدّة الوطء بشبهة فاحترام الوطء بشبهة إلى حدّ عدم إيقاع العقد عليها غير واضح، ولا يترك الاحتياط بترك ذلك.


ثمّ يبدو له في تزويجها هل يحلّ له ذلك؟ قال: نعم، إذا هو اجتنبها حتّى تنقضي عدّتها باستبراء رحمها من ماء الفجور، فله أن يتزوّجها، وإنّما يجوز له تزويجها بعد أن يقف على توبتها». الوسائل، ج 22 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 44 من العِدَد، ح 1، ص 265، وكذلك ج 20 من تلك الطبعة، ب 11 ممّا يحرم بالمصاهرة، ح 4، ص 434.

والوجه في التنزّل من الفتوى إلى الاحتياط الوجوبيّ قوّة إطلاق روايات جواز التزويج بالزانية واستبعاد قبولها للتقييد، من قبيل: صحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «سألته عن رجل فجر بامرأة ثمّ بدا له أن يتزوّجها، فقال: حلال، أوّله سفاح وآخره نكاح، أوّله حرام وآخره حلال». الوسائل، ج 20 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 11 ممّا يحكم بالمصاهرة، ح 1، ص 433، وصحيح الحلبيّ عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «أيّما رجل فجر بامرأة ثمّ بدا له أن يتزوّجها حلالاً، قال: أوّله سفاح وآخره نكاح، ومثله مثل النخلة أصاب الرجل من ثمرها حراماً، ثمّ اشتراها بعد فكانت له حلالاً». نفس المصدر، ح 3، ص 434.

وأمّا لو كانت المزنيّ بها أمة فلا إشكال في أنّ تورّطها بالزنا لا يمنع عن صحّة شرائها. نعم، من الجيّد الاحتياط بترك وطئها ما لم يستبرئ رحمها بحيضة.

557

(مسألة: 13) مبدأ عدّة الطلاق من حين وقوعه، حاضراً كان الزوج أو غائباً، ومبدأ عدّة الوفاة في الحاضر من حينها، وفي الغائب من حين بلوغ خبر الوفاة، بل لا يبعد ذلك في الحاضر إذا لم يبلُغْها خبر وفاته إلّا بعد مدّة(1)، وفي عموم الحكم للصغيرة والمجنونة إذا مات مَن له العدّة وعلمت به بعد مدّة إشكال، وهل يشترط في تحقّق البلوغ حجّيّة الخبر؟ وجهان، أشهرهما العدم(2) وإن كان لا يجوز أن تتزوّج إلّا بعد ثبوت الوفاة. ومبدأ عدّة الفسخ من حينه، وكذا مبدأ عدّة وطء الشبهة فإنّه من حينه، لا من حين زوال الشبهة على الأظهر.



(1) لإطلاق بعض روايات الباب(1).

(2) أفاد اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): «ولكنّه لا يخلو عن تأمّل، بل منع». ونِعْمَ ما أفاد(2).


(1) من قبيل صحيح ابن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام) قال: «المتوفّى عنها تعتدّ من يوم يبلغها؛ لأنّها تريد أن تحدّ عليه». الوسائل، ج 22 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 28 من العِدَد، ح 4، ص 229. بل قد يشهد له بعض أخبار الغائب عنها زوجها المعلّل بعلّة (لأنّها تحدّ عليه) كصحيح الفضلاء (زرارة ومحمّد بن مسلم وبريد بن معاوية) عن أبي جعفر(عليه السلام): «أنّه قال في الغائب عنها زوجها إذا توفّي، قال: المتوفّى عنها تعتدّ من يوم يأتيها الخبر؛ لأنّها تحدّ عليه». نفس المصدر، ح 3، ص 229.

وأمّا قوله(رحمه الله): «وفي عموم الحكم للصغيرة والمجنونة إذا مات من له العدّة وعلمت به بعد مدّة إشكال» فكأنّ المقصود: أنّ الزوج الميّت لو كان حاضراً وكان السبب في عدم وصول خبر الوفاة قصور الزوجة بصِغَر أو جنون، ففي تأخير العدّة لحال ارتفاع القصور إشكال.

(2) لأنّ المفهوم عرفاً من بلوغ الوفاة في روايات الباب: وصول واقع الوفاة إليها، لا مجرّد إخبار مخبر لها ولو بخبر غير حجّة عن الوفاة.

558

(مسألة: 14) المطلّقة بائناً بمنزلة الأجنبيّة لا تستحقّ نفقة على زوجها، ولا تجب عليها إطاعته، ولا يحرم عليها الخروج بغير إذنه. وأمّا المطلقة رجعيّاً فهي بمنزلة الزوجة مادامت في العدّة فيجوز لزوجها الدخول عليها بغير إذن، ويجوز لها بل يستحبّ إظهار زينتها له، وتجب عليه نفقتها، وتجب عليها إطاعته، ويحرم عليها الخروج من بيته بغير إذنه، ويتوارثان إذا مات أحدهما في أثناء العدّة، وهل يجوز له أن يخرجها من بيت الطلاق إلى بيت آخر له، أو لها إذا كان بإذنها؟ قولان، المشهور الثاني، وفيه نظر(1). ولو اضطرّت إلى الخروج بغير إذن زوجها فالأحوط



(1) قال اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): «بل منع». ونِعْمَ ما قال(1).


(1) لأنّ هذا خلاف ظاهر الآية المباركة والروايات:

أمّا الآية فقوله تعالى في سورة الطلاق 65، الآية الاُولى: ﴿لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ﴾، وهذا ظاهر في البيت الأوّل.

وأمّا الروايات فهي مثبتة ضمن الأبواب 18 ـ 20 من أبواب العدد من الوسائل، ج 22، ص 213 ـ 216 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت.

ولعلّ منشأ القول المنسوب إلى المشهور هو ذيل صحيح سعد بن أبي خلف: «والمرأة التي يطلّقها الرجل تطليقة ثمّ يدعها حتّى يخلو أجلها فهذه أيضاً تقعد في منزل زوجها، ولها النفقة والسكنى حتّى تنقضي عدّتها». الوسائل، نفس الطبعة والمجلّد، ب 20 من العِدَد، ح 1،ص 216. فكأنّهم فهموا من هذه الرواية: أنّ نكتة النهي عن إخراجهنّ من بيوتهنّ هي أنّهنّ يملكن على الزوج ـ مادمن في العدّة ـ السكنى، ولا خصوصيّة للبيت الأوّل.

ولكنّك ترى: أنّ التصريح بامتلاكهنّ السكنى على الزوج مادمن في العدّة لا يمنع وجود حكم آخر وهو عدم جواز إخراجهنّ من البيت الأوّل مادمن في العدّة المفهوم من ظاهر الآية والروايات الاُخرى.

559

أن يكون بعد نصف الليل، وترجع قبل الفجر إذا تأدّت الضرورة بذلك(1).

(مسألة: 15) إذا طلّقها بعد الدخول ورجع، ثمّ طلّقها قبل الدخول، وجب عليها العدّة للأوّل من حين الطلاق الثاني، وقيل: لا عدّة عليها ؛ لأنّه طلاق قبل الدخول، لكنّه ضعيف(2). ولو طلّقها بائناً بعد الدخول(3) ثمّ عقد عليها في أثناء العدّة،



(1) لموثّقة سماعة بن مهران(1). ويجوز لها أن تخرج قبل نصف الليل وترجع بعد نصف الليل(2)، والمقياس أن لا تكون خارج البيت نهاراً.

(2) أفاد اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): «بل ساقط جزماً؛ لنصوص الطلاق العدّيّ المتكفّلة لنفوذ الطلقات الثلاث في مجلس واحد، وإنّما الاحتمال الضعيف يجري في غير ذلك». ونِعْمَ ما أفاد(3).

(3) كما لو كان الطلاق خلعيّاً.


(1) وهي ما يلي: قال: «سألته عن المطلّقة أين تعتدّ؟ قال: في بيتها، لا تخرج، وإن أرادت زيارة خرجت بعد نصف الليل، ولا تخرج نهاراً، وليس لها أن تحجّ حتّى تنقضي عدّتها». الوسائل، ج 22 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 19 من العِدَد، ص 215.

ولعلّ وجه التنزّل من الفتوى إلى الاحتياط هو التشويش الموجود في مفاد الرواية؛ لأنّ الخروج لو كان بإذن الزوج فمن الواضح جوازه في أيّ وقت أذِنَ لها، ولو كان بغير إذن الزوج فالرواية لم يذكر فيها قيد عدم الإذن.

(2) وذلك بالجمع بين ما عرفته من موثّقة سماعة بن مهران وموثّقة اُخرى لسماعة حيث سأل أبا عبدالله(عليه السلام) عن المطلّقة أين تعتدّ؟ قال: «في بيتها لا تخرج، فإن أرادت زيارة خرجت قبل نصف الليل ورجعت بعد نصف الليل، ولا تخرج نهاراً، وليس لها أن تحجّ حتّى تنقضي عدّتها». من لا يحضره الفقيه، ج 3، بحسب طبعة جامعة المدرّسين بقم، ص 499، باب طلاق السنّة، ح 8.

(3) لم أجد رواية واضحة كلّ الوضوح في كفاية الطلقات الثلاث في مجلس واحد أصرح من صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر، ولعلّها هي محطّ نظر اُستاذنا الشهيد(رحمه الله)، وهي الرواية الواردة في الوسائل، ج 22 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 3 من أقسام الطلاق، ح 6، ص 112، قال: «سأله رجل وأنا حاضر عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً في مجلس واحد، قال: فقال أبو الحسن(عليه السلام): من طلّق امرأته ثلاثاً للسنّة فقد بانت منه...».

560

ثمّ طلّقها قبل الدخول، ففي جريان حكم الطلاق قبل الدخول في عدم العدّة وعدمه وجهان، أحوطهما لو لم يكن أقواهما الثاني(1)، فتعتدّ للأوّل بعد الطلاق الثاني، وكذا الحكم(2) في المنقطعة إذا تزوّجها فدخل بها، ثمّ وهبها المدّة، ثمّ تزوّجها ثانياً ووهبها المدّة قبل الدخول.

(مسألة: 16) إذا طلّقها فحاضت بحيث لم يتخلّل زمان طهر بين الطلاق والحيض، لم يحسب ذلك الطهر الذي وقع فيه الطلاق من الأطهار الثلاثة، واحتاجت في انتهاء عدّتها إلى أطهار ثلاثة اُخرى، فتنتهي عدّتها برؤية الحيضة الرابعة، ولو تخلّل زمان طهر بين الطلاق والحيض احتسب ذلك الطهر اليسير من الأطهار الثلاثة، وانتهت عدّتها برؤية الحيضة الثالثة(3).



(1) قال اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): «بل هو الأقوى، غير أنّها تعتدّ من حين الطلاق الأوّل، بمعنى: أنّها تحسب ما وقع بين الطلاقين من العدّة».

أقول: لعلّ المقصود: ردّ ما قد يتخيّل من أنّه لا عدّة عليها بعد الطلاق الثاني لأنّه طلاق قبل الدخول(1).

(2) قال اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): «الحكم فيه كما ذكرنا».

أقول: لعلّ المقصود: نفس ما شرحناه في تعليقنا السابق فيما لو طلّق بائناً بعد الدخول ثمّ عقد عليها ثمّ طلّقها قبل الدخول.

(3) دلّت على ذلك صراحةُ عدد من الروايات في ذلك(2).


(1) وشرح ذلك: أنّ الطلاق الثاني لم يسبّب عدّة؛ لأنّه طلاق قبل الدخول، ولكنّه لم يرفع العدّة التي كانت عليها بعد الطلاق الأوّل. نعم، العدّة التي كانت عليها بعد الطلاق الأوّل لم تكن تحرّم على الزوج العقد الجديد لو أرادا.

(2) كصحيحتي زرارة ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «القرء ما بين الحيضتين»،

561

(مسألة: 17) إذا كانت المرأة تحيض بعد كلّ ثلاثة أشهر مرّةً، فطلّقها في أوّل الطهر، ومرّت عليها ثلاثة أشهر بيض، فقد خرجت من العدّة، وكانت عدّتها الشهور لا الأطهار، وإذا كانت تحيض في كلّ ثلاثة أشهر مرّةً بحيث لا تمرّ عليها ثلاثة أشهر بيض لا حيض فيها، فهذه عدّتها الأطهار لا الشهور، وإذا اختلف حالها، فكانت تحيض في الحرّ ـ مثلا ـ في أقلّ من ثلاثة أشهر مرّةً، وفي البرد بعد كلّ ثلاثة أشهر مرّةً اعتدّت بالسابق من الشهور والأطهار، فإن سبق لها ثلاثة أشهر بيض كانت عدّتها، وإن سبق لها ثلاثة أطهار كانت عدّتها أيضاً(1). نعم، إذا كانت



(1) دلّ على هذا التفصيل ـ أي: أنّ المقياس هو ما يسبق عليها من الشهور أو الأطهار ـ النصوص(1).


الوسائل، ج 22 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 14 من العِدَد، ح 1 و2، ص 201، وصحيحة زرارة قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): سمعت ربيعة الرأي يقول: من رأيي أنّ الأقراء التي سمّى الله عزّوجل في القرآن إنّما هو الطهر فيما بين الحيضتين، فقال: كذب، لم يقل برأيه، ولكنّه إنّما بلغه عن عليّ(عليه السلام)، فقلت: أكان عليّ(عليه السلام) يقول ذلك؟ فقال: نعم، إنّما القرء الطهر، يُقرأ فيه الدم فيجمعه، فإذا جاء المحيض دفعه». نفس المصدر، ح 4، ص 201 ـ 202. والآية المشار إليها من القرآن هي قوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَء﴾. سورة 2 البقرة، الآية: 228.

(1) من قبيل صحيح زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «أمران أيّهما سبق بانت منه المطلّقة المسترابة، إن مرّت بها ثلاثة أشهر بيض ليس فيها دم بانت منه، وإن مرّت بها ثلاثة حيض ليس بين الحيضتين ثلاثة أشهر بانت بالحيض». الوسائل، ج 22 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 4 من العِدَد، ح 5، ص 185. وصحيح أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال: في المرأة يطلّقها زوجها وهي تحيض في كلّ ثلاثة أشهر حيضة، فقال: «إذا انقضت ثلاثة أشهر انقضت عدّتها، يحسب لها لكلّ شهر حيضة». نفس المصدر، ح 2، ص 184. وكذلك الحديث الثالث من نفس الصفحة.

562

مستقيمة الحيض فطلّقها ورأت الدم مرّةً، ثمّ ارتفع على خلاف عادتها، وجهل سببه وأنّه حمل أو سبب آخر، انتظرت تسعة أشهر، من يوم طلقها، فإن لم تضع اعتدّت بعد ذلك بثلاثة أشهر، وخرجت بذلك عن العدّة(1).

(مسألة: 18) إذا رأت الدم مرّةً ثمّ بلغت سنّ اليأس أكملت العدّة بشهرين(2).

(مسألة: 19) تختصّ العدّة في وطء الشبهة بما إذا كان الواطئ جاهلا، سواء كانت الموطوءة عالمةً أم جاهلة، أمّا إذا كان الواطئ عالماً والموطوءة جاهلةً فالظاهر أنّه لا عدّة له عليها(3).

(مسألة: 20) إذا طلّق بائناً ثمّ وطأها شبهةً فهل تتداخل العدّتان، بأن تستأنف عدّةً للوطء وتشترك معها عدّة الطلاق من دون فرق بين كون العدّتين من جنس



(1) دلّ على ذلك عدد من الروايات(1).

(2) لحديث هارون بن حمزة(2).

(3) لأنّ الواطئ عندئذ زان، ولا يوجد حقّ العدّة للزاني(3).


(1) كصحيحة أو موثّقة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: «سمعت أبا إبراهيم(عليه السلام) يقول: إذا طلّق الرجل امرأته فادّعت حبلاً انتظر بها تسعة أشهر، فإن ولدت وإلّا اعتدّت بثلاثة أشهر، ثمّ بانت منه». الوسائل، ج 22 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 25 من العدد، ح 1، ص 223.

راجع أيضاً موثّقة محمّد بن حكيم، الحديث الثاني من نفس الباب والصفحة، وموثّقة محمّد بن حكيم، الحديث الرابع من نفس الباب، ص 224.

(2) عن أبي عبدالله(عليه السلام) «في امرأة طلّقت وقد طعنت في السنّ، فحاضت حيضة واحدة ثمّ ارتفع حيضها، فقال: تعتدّ بالحيضة وشهرين مستقبلين، فإنّها قد يئست من المحيض». الوسائل، ج 22 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 6 من العِدَد، ص 191 ـ 192.

(3) نعم لو كانت الموطوءة عالمة، دخل الأمر في مسألة استبراء رحمها بحيضة.

563

واحد أو من جنسين، بأن يطلّقها حاملا ثمّ وطأها، أو طلّقها حائلا ثمّ وطأها فحملت، أو لا تتداخل؟ قولان، أشهرهما الثاني، وأقربهما الأوّل، بل لا يبعد ذلك لو وطأها أجنبيّ شبهةً ثمّ طلّقها زوجها أو بالعكس، ولكن لا يترك الاحتياط(1) بتعدّد العدّة حينئذ، وكذا إذا وطأها رجل شبهةً ثمّ وطأها آخر كذلك(2). نعم، لا ينبغي الإشكال في التداخل إذا وطأها رجل شبهةً مرّةً بعد اُخرى(3). والله سبحانه العالم.

(مسألة: 21) إذا طلّق زوجته غير المدخول بها ولكنّها كانت حاملا بإراقته على فم الفرج اعتدّت عدّة الحامل وكان له الرجوع فيها.



(1) قال اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): «استحباباً». ونِعْمَ ما قال(1).

(2) وهنا أيضاً الصحيح هو التداخل، أي: أنّها تكتفي بانتهاء المتأخّر من الأمرين.

(3) أي: أنّها تكتفي بانتهاء مقدار عدّة الوطء الأخير.


(1) لأنّ الأصل في المسبّبات التداخل، فتكتفي بانتهاء مقدار عدّة المتأخّر من الأمرين. بل الروايات أيضاً دلّت على ذلك، كموثّق زرارة: «سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن امرأة نعي إليها زوجها، فاعتدّت فتزوّجت، فجاء زوجها الأوّل ففارقها وفارقها الآخر، كم تعتدّ للناس؟ قال: بثلاثةقروء، وإنّما يستبرأ رحمها بثلاثة قروء تحلّها للناس كلّهم». قال زرارة: «وذلك أنّ اُناساً قالوا:تعتدّ عدّتين من كلّ واحدة عدّة، فأبى ذلك أبو جعفر(عليه السلام) وقال: تعتدّ ثلاثة قروء، فتحلّ للرجال». الوسائل، ج 22 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 38 من العِدَد، ح 1، ص 254. وهذه الرواية صريحة في أنّ العدّتين كلتاهما عدّة طلاق لا الوفاة؛ لوضوح أنّ ثلاثة قروء إنّما هي عدّة الطلاق لا عدّة الوفاة.

وصحيح زرارة، الوسائل، ج 20 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 17 ممّا يحرم بالمصاهرة، ح 11، ص 453.

وموثّقة أبي العبّاس، المصدر السابق، ح 12، ص 454.

564

 

فصل في الخلع والمباراة:

وهما نوعان من الطلاق على الأقوى(1)، فإذا انضمّ إلى أحدهما تطليقتان حرمت الزوجة حتّى تنكح زوجاً غيره.



(1) لدلالة بعض الروايات على ذلك(1).


(1) كصحيح الحلبيّ عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «عدّة المختلعة عدّة المطلّقة وخلعها طلاقها من غير أن يسمّى طلاقاً...». الوسائل، ج 22 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 3 من الخلع والمباراة، ح 4، ص 285.

وصحيح ابن بزيع عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام): «عن المرأة تباري زوجها أو تختلع منه بشهادة شاهدين على طهر من غير جماع، هل تبين منه بذلك أو تكون امرأته ما لم يتبعها بطلاق؟ فقال: تبين منه، وإن شاءت أن يردّ إليها ما أخذ منها وتكون امرأته فعلت، فقلت: فإنّه قد روي لنا أنّها لا تبين منه حتّى يتبعها بطلاق، قال: ليس ذلك إذا خلع، فقلت: تبين منه؟ قال: نعم». نفس المصدر، ح 9، ص 286.

وبالمقابل ورد عن موسى بن بكر عن العبد الصالح(عليه السلام) قال: «قال عليّ(عليه السلام): المختلعة يتبعها الطلاق مادامت في العدّة». نفس المصدر، ج 1، ص 284. ونحوه الحديث الخامس من نفس الباب، ص 285.

ولكن كثرة الروايات الواردة في مقابل هذا الحديث، وكون هذا الحديث من طريق أهل الوقف يوجب سلب الوثوق عن هذا الحديث بشكل يسقط عن الحجّيّة، مضافاً إلى أنّ الحديث الخامس من هذا الباب ورد بسند الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن فضّال.

على أنّ الخبرين يدلاّن على إتباع الخلع بالطلاق مادامت في العدّة، وهذا يعني أنّ الخلع أدخلها في العدّة وأثّر من دون طلاق، فهو في حدّ ذاته طلاق، في حين أنّ القائلين بالطلاق إنّما يعتبرون إتباعه به بلا فصل، فالخبران معروض عنهما عند الأصحاب جميعاً.

565

(مسألة: 1) يقع الخلع بقوله: أنتِ طالق على كذا، وفلانة طالق على كذا، وبقوله: خلعتكِ على كذا، أو أنتِ مختلَعة على كذا، أو فلانة مختلَعة على كذا بالفتح فيهما، وفي الكسر إشكال(1) وإن لم يلحق بقوله: أنت طالق، أو هي طالق، وإن كان الأحوط إلحاقه به، ولا يقع بالتقايل بين الزوجين(2).

(مسألة: 2) يشترط في الخلع الفدية(3)، ويعتبر فيها: أن تكون ممّا يصحّ تملّكه،



(1) لأنّ الزوج هو الذي يخلعها(1).

(2) قال اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): «بمعنى: طلب المرأة من الزوج قبول الفدية في مقابل فكّها وقبول الزوج، فإنّ الأحوط عدم كفاية ذلك»(2).

(3) كما هو المستفاد من الآية الشريفة والروايات(3).


(1) ويمكن القول بأنّ كلّ صيغة كانت تُفهم الموضوع كفت وإن كانت مشتملة على خطأ في العبارة مادام اللفظ ظاهراً في المقصود ولو بالقرائن.

ويشهد لكفاية ذلك التمسّك بالإطلاقات من قبيل صحيح الحلبيّ عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «عدّة المختلعة عدّة المطلّقة وخلعها طلاقها من غير أن يسمّى طلاقاً...». الوسائل، ج 22 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 3 من الخلع والمباراة، ح 4، ص 285. ولا شكّ في أنّ الأحوط ترك الكسر.

(2) وهنا أيضاً يأتي احتمال كفاية ذلك إن كانت العبارة ظاهرة في معنى الخلع. وأيضاً لا شكّ في أنّ الأحوط أن لا يوقعا بالتقايل بين الزوجين.

ولو قصدا حقيقة معنى التقايل لا طلب الخلع، فالأصل يقتضي بقاء الزوجيّة وعدم انفساخها.

(3) الآية الشريفة هي قوله تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيما افْتَدَتْ بِه﴾. سورة 2 البقرة، الآية: 229.

والروايات موجودة في الوسائل، ج 22 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 1 من الخلع والمباراة، ص 279 ـ 282.

566

وأن تكون معلومةً قدراً ووصفاً ولو في الجملة(1)، وأن يكون بذلها باختيار المرأة،فلا تصحّ مع إكراهها على بذلها، سواء كان الإكراه من الزوج أم من غيره، ويجوز أن تكون أكثر من المهر وأقلّ منه ومساويةً له، ويشترط في الخلع أيضاً كراهة الزوجة للزوج، والأحوط أن تكون بحدٍّ يخاف منها الوقوع في الحرام(2)، وعدم كراهة الزوج لها، وحضور شاهدين عادلين حال إيقاع الخلع، وأن لا يكون معلّقاً على شرط مشكوك الحصول، بل ولا معلوم الحصول إذا كان مستقبلا، فلو انتفت



(1) قال اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): «على النحو المتقدّم منّا في المهر». ونِعْمَ ما قال(1).

(2) لاحظ الآية الشريفة والروايات(2).


(1) ذكر اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) في بحث المهر في تعليقه على عبارة المصنّف حيث قال: «ولابدّ أن يكون متعيّناً وإن لم يكن معلوماً بالوصف أو المشاهدة»: «الظاهر: عدم اعتبار التعيين بمعنى المعلوميّة. نعم، إذا كان مردّداً في الواقع فلا محصّل له».

أقول: كلامه(رحمه الله) متين، فإنّي لم أجد دليلاً ـ لا في بحث المهر ولا في بحث عوض الخلع ـ على اعتبار التعيين بأكثر من ذلك، أي: بأكثر من أنّه لا يجوز أن يكون مردّداً في الواقع، فلا يكون له محصّل.

(2) قال الله تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيما افْتَدَتْ بِه﴾.سورة 2 البقرة، الآية: 229. أمّا الروايات فراجعها في الوسائل، ج 22 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 1 من الخلع والمباراة، ص 279 ـ 282.

ولعلّ الوجه في التنزّل من الفتوى إلى الاحتياط أنّه قد تستبعد تماميّة سدّ باب الخلع على المؤمنة التي تكره زوجها كراهة شديدة وتريد الفكّ منه بفدية، ولكن شدّة إيمانها يمنعها عن ارتكاب المعصية.

567

الكراهة منها لم يصحَّ خلعاً(1)، ولم يملك الزوج الفدية، وإذا وقع بدون حضور شاهدين عادلين بطل من أصله، وكذا إذا كان معلّقاً على شرط. نعم، إذا كان معلّقاً على شرط يقتضيه العقد كما إذا قال: خلعتكِ إن كنت زوجةً أو كارهةً صحّ.

(مسألة: 3) يشترط في الزوج الخالع: البلوغ والعقل والاختيار والقصد، ولا يشترط في الزوجة المختلَعة البلوغ، ولا العقل على الأقوى(2) فيصحّ خلعها ويتولّى الوليّ البذل. نعم، يشترط فيها أن تكون حال الخلع طاهراً من الحيض والنفاس، وأن لا يكون الطهر طهر مواقعة، فلو كانت حائضاً أو نفساء أو طاهرةً طهراً واقعها فيها الزوج لم يصحَّ الخلع. نعم، اعتبار ذلك إنّما هو إذا كانت قد دخل بها بالغةً غير آيس حائلا وكان الزوج حاضراً، أمّا إذا لم تكن مدخولا بها، أو كانت صغيرةً، أو يائسةً، أو حاملا، أو كان الزوج غائباً صحّ خلعها وإن كانت



(1) قال اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): «بل ولا طلاقاً على ما يأتي». ويقصد بقوله: «على ما يأتي»: ما يأتي في آخر هذه المسألة من قول الماتن: «وكذا إن كان معلّقاً على شرط. نعم، إذا كان معلّقاً على شرط يقتضيه العقد كما إذا قال: خلعتكِ إن كنت زوجة أو كارهة صحّ»(1).

(2) لم أجد في الوقت الحاضر دليلاً على عنوان شرط البلوغ أو العقل(2).


(1) بطلان التعليق في الطلاق على غير ما يقتضيه العقد قد يكون لمثل صحيح الحلبيّ عن أبي عبدالله(عليه السلام): «أنّه سُئل عن رجل قال لامرأته: إن تزوّجت عليك أو بتّ عنكِ فأنت طالق؟ قال: إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: من شرط شرطاً سوى كتاب الله عزّوجلّ لم يجز له ذلك عليه ولا له». الوسائل، ج 22 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 18 من مقدّمات الطلاق وشرائطه، ح 1، ص 44. وكذلك نفس المجلّد، ب 13 من تلك الأبواب، ح 1، ص 35.

(2) لعلّ الوجه في احتمال شرط ذلك أدلّة شرط الخوف من أن لا يقيما حدود الله، فالتي لا تكليف عليها ـ لعدم البلوغ أو العقل ـ لا يأتي هذا الخوف بشأنها.

568

حائضاً أو نفساء أو كانت في طهر المواقعة. نعم، الغائب الذي يقدر على معرفة حالها بحكم الحاضر، والحاضر الذي لا يقدر على معرفة حالها بحكم الغائب، على نحو ما تقدّم في الطلاق.

(مسألة: 4) يجوز للزوجة الرجوع في الفدية كلاًّ أو بعضاً مادامت في العدّة، وإذا رجعت كان للزوج الرجوع بها(1)، وإذا لم يعلم الزوج برجوعها في الفدية حتّى خرجت عن العدّة كان رجوعها بها لغواً(2)، وكذا إذا علم برجوعها في الفدية قبل خروجها من العدّة لكن كان الزوج لا يمكنه الرجوع بها بأن كان الخلع طلاقاً بائناً لكونه طلاقاً ثالثاً، أو كان قد تزوّج باُختها قبل رجوعها بالبذل، أو نحو ذلك(3) ممّا يمنع من رجوعه في العدّة.



(1) يستدلّ لذلك ببعض الروايات(1).

(2) الظاهر: أنّ المقصود: أنّ رجوعها عن البذل لا يحقّق رجوع ما بذلت؛ لأنّ الزوج لم يعلم بذلك حتّى ينتج المقصود من إمكان رجوعه إليها، والأصل يقتضي عدم تأثير رجوعها عن البذل في تحقّق رجوع المال المبذول.

(3) من قبيل الزواج بالخامسة اعتماداً على أنّ الرابعة قد بانت منه.


(1) لاحظ صحيح محمّد بن إسماعيل وفيه: «وإن شاءت أن يردّ إليها ما أخذ منها وتكون امرأته فعلت». الوسائل، ج 22 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 3 من الخلع والمباراة، ح 9، ص 286. وصحيح عبدالله بن سنان: «وينبغي له أن يشترط عليها كما اشترط صاحب المباراة، وإن ارتجعت في شيء ممّا أعطيتني فأنا أملك ببضعك.... ولا رجعة للزوج على المختلعة ولا على المبارئة إلّا أن يبدو للمرأة فيردّ عليها ما أخذ منها». الوسائل، ج 22 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 7 من الخلع والمباراة، ص 294. ويبدو لي من صحيح ابن سنان: أنّها لو رجعت ببعض ما بذلت له جاز له الرجوع إليها، ولكن لو رجع إليها أرجع إليها كلّ ما بذلت له، والله العالم.

569

(مسألة: 5) لا توارث بين الزوج والمختلَعة لو مات أحدهما في العدّة، إلّا إذا رجعت في الفدية فمات أحدهما بعد ذلك في العدّة(1).

(مسألة: 6) لو كانت فدية المسلمة ممّا لا يملكه المسلم كالخمر والخنزير بطل الخلع، ولو كانت مستحقّةً لغير الزوجة ففي صحّة الخلع والرجوع إلى البدل وبطلانه قولان، أقربهما الثاني(2).

(مسألة: 7) إذا خلعها على خلٍّ فبان خمراً بطل البذل، وفي صحّة الخلع ويكون للزوج بقدره خلّ كما هو المشهور إشكال قويّ(3)، ولو خالعها على ألف ولم يعيِّن بطل.

(مسألة: 8) قد عرفت أنّه إذا بذلت له على أن يطلّقها وكانت كارهةً له فقال لها: أنتِ طالق على كذا، صحّ خلعها وإن تجرّد عن لفظ الخلع، أمّا إذا لم تكن



(1) يعني: أنّ الزوجة لو رجعت عن البذل ولكن الزوج لم يرجع إليها فقد تبدّل الخلع إلى طلاق غير بائن، فلو مات أحدهما في العدّة ثبت الإرث، أمّا لو مات أحدهما بعد العدّة فقد مات بعد البينونة الكاملة فلا معنى للإرث.

(2) يعني: لو كانت الفدية ملكاً لغير الزوجة فهل يصحّ الخلع بمثل قوله تعالى: ﴿فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيَما افْتَدَتْ بِه﴾. سورة 2 البقرة، الآية: 229، فهل يبطل الخلع أو يصحّ ويأخذ الزوج البدل من الزوجة، ولا يأخذ طبعاً مال الناس؟ قولان: أقربهما البطلان.

ولا يخطر ببالي وجه صحيح لصحّة الخلع والرجوع إلى البدل(1).

(3) لم أرَ وجهاً لصحّة الخلع وأن يكون للزوج بقدره خلّ.


(1) لعلّ وجه القول بصحّة الخلع التمسّك بإطلاق مثل الآية الشريفة، ولكنّ الظاهر أنّها لا تشمل فرض الفداء بمال الآخرين.

570

كارهةً له فلا يصحّ خلعها، وهل يصحّ طلاقها(1)؟ فيه إشكال وخلاف، والأقربالبطلان، إلّا إذا ملك البذل بسبب مستقلٍّ قد اُخذ الطلاق شرطاً فيه، كما إذا صالحته على مال واشترطت عليه أن يطلّقها، فإنّه بعقد الصلح المذكور يملك المال وعليه الطلاق(2)، لكن إذا طلّقها لا يكون الطلاق خلعيّاً بائناً، بل يكون رجعيّاً، إلّا إذا اشترطت عليه عدم الرجوع(3).

(مسألة: 9) الظاهر عدم صحّة الخلع مع كون البذل من متبرّع(4)، نعم، لا تبعد



(1) الظاهر: أنّ المقصود الطلاق بالبذل، فذكر(رحمه الله): أنّ الأقرب البطلان، وكأنّه بسبب عدم الدليل على صحّة الطلاق بالبذل في غير باب الخلع والمباراة.

(2) قال اُستاذنا(رحمه الله): «إذا كان الدافع إلى المصالحة هو الحصول على الطلاق، فالأحوط وجوباً حرمة أخذ الزوج للمال المصالح به». ولعلّه لاحتمال رجوع ذلك إلى نوع من الخلع(1).

(3) ذكر اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): «اشتراط عدم الرجوع لا يجعل الطلاق بائناً، وإنّما يحرّم الرجوع على الزوج مع كون الطلاق رجعيّاً». ولا يحضرني تعليق على كلامه(رحمه الله).

(4) الظاهر: هذا مستفاد من عنوان: (الفداء من المختلعة)، أو عنوان: (حلّ له ما أخذ منها)(2).


(1) وقد ربطت روايات الباب الأوّل من كتاب الخلع والمباراة من الوسائل ـ ج 22،ص 279 ـ 282 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت ـ جواز أخذ الزوج للفدية في مورد الخلع بكراهيّتها للزوج.

(2) قال الله تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيَما حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيما افْتَدَتْ بِه﴾.سورة 2 البقرة، الآية: 229.

وأمّا الروايات فقد عبّرت بمثل تعبير: (حلّ له ما أخذ منها). راجع الوسائل، ج 22 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 1 من الخلع والمباراة، ص 279 ـ 282.

571

صحّة البذل والطلاق ويكون رجعيّاً أو بائناً على حسب اختلاف موارده(1)، ولو بذلت الزوجة مال غيرها بإذنه فالأقرب الصحّة كما لو بذلت مالها(2).

(مسألة: 10) لو خالعها على مال معيّن بصفة خاصّة فتبيّن أنّه غير واجد لتلك الصفة، فإن رضي به صحّ الخلع، وإن ردّه بطل الخلع وصحّ طلاقاً بلا عوض، وكذا لو خالعها على عين فتبيّن أنّها معيبة(3).

(مسألة: 11) قيل: تلزم المبادرة إلى إيقاع الخلع من الزوج بعد إيقاع البذل من



(1) يعني: لو أنّ أجنبيّاً بذل مالاً لزوج بشرط أن يطلّق زوجته صحّ الطلاق ويكون رجعيّاً أو بائناً على حسب اختلاف موارده.

(2) قال اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): «الأحوط في مثل ذلك أن تتملّك المال أوّلاً ثمّ تبذله لتكون الفدية من مالها كما في الروايات».

أقول: وهذا احتياط في محلّه(1).

(3) كأنّ المقصود: أنّه مادمنا آمنّا بأنّ صيغة الخلع صيغة طلاق أو بمنزلة صيغة الطلاق، فقد تمّ الطلاق، وبما أنّه لم يتمّ البذل فقد أصبح طلاقاً بلا عوض(2).


(1) لو بذلت الزوجة مال غيرها بإذنه قد يقال بصحّة ذلك؛ لصدق عنوان «ما افتدت به» الوارد في الآية 229 من سورة البقرة.

ولكن قد يستفاد من روايات (حلّ له ما أخذ منها) ـ الواردة في الوسائل، ج 22 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 1 من الخلع والمباراة، ص 279 ـ 282 ـ اشتراط أن يكون الفداء من مالها، فالأحوط أن تتملّك المال أوّلاً، ثمّ تبذله كي ينطبق أيضاً العنوان الوارد في الروايات.

(2) بالإمكان أن يقال: إنّ الزوج إن لم يكن راضياً بطلاقها من دون بذل فهذا طلاق من دون رضا الزوج.

وبالإمكان أن يجاب على ذلك بأنّ بطلان ما وقع من البذل ليس إلّا من قبيل تخلّف الداعي، فالطلاق قد تحقّق.

572

الزوجة بلا فصل، فإذا قالت له: طلِّقني على ألف درهم لزم فوراً أن يقول: أنت طالق على ألف درهم، وإذا لم يبادر لم يصحَّ خلعاً(1)، وهل يبطل، أو ينقلب طلاقاً رجعيّاً أو بائناً على حسب اختلاف موارده؟ قولان، لكن في لزوم المبادرة إشكال، والأظهر عدم لزومها(2) وإن كانت أحوط، وعلى تقدير لزومها فالبطلان على تقدير تركها أقرب(3).

(مسألة: 12) يجوز أن يكون البذل والخلع بمباشرة الزوجين وبتوكيلهما وبالاختلاف، فإذا وقع بمباشرتهما فالأحوط أن تبدأ الزوجة فتقول: بذلت لك كذا على أن تطلّقني، فيقول الزوج: أنت مختلَعة على كذا فأنت طالق، وفي جواز ابتداء الزوج بالطلاق وقبول الزوجة بعده إشكال(4)، وإذا كان بتوكيلهما يقول وكيل الزوجة: بذلت لك كذا على أن تطلّق موكّلتي فلانة، فيقول وكيل الزوج: موكّلتك فلانة زوجة موكّلي مختلَعة على كذا فهي طالق، وفي جواز ابتداء وكيل الزوج وقبول وكيل الزوجة بعده إشكال، كما تقدّم.

(مسألة: 13) الكراهة المعتبرة في صحّة الخلع أعمّ من أن تكون لذاته كقبح منظره وسوء خلقه، أو عرضيّةً من جهة بعض الأعمال الصادرة منه التي هي على



(1) كأنّ السبب في ذلك اعتقاد: أنّ طلب الخلع وإيقاعه نوع معاملة كالبيع والشراء فإنّها تشتري نفسها، والشراء والبيع يجب أن يتقارنا كأيّ إيجاب وقبول.

(2) الظاهر: أنّه يعني: في كونه شراءً وبيعاً حقيقة إشكال، وفي لزوم الموالاة بين الإيجاب والقبول أيضاً إشكال، فيكفي كون الإيجاب قائماً إلى أن يلحقه القبول.

(3) يعني: لو قلنا باشتراط المبادرة فمادام الشرط لم يتحقّق فالأقرب هو البطلان؛ لفقدان الشرط.

(4) لعلّه لاحتمال دلالة الآية الشريفة: ﴿فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيما افْتَدَتْ بِه﴾ ـ سورة 2 البقرة، الآية: 229 ـ على تقدّم البذل على الطلاق.

573

خلاف ذوقها من دون أن يكون ظلماً لها واغتصاباً لحقوقها الواجبة كالقسم والنفقة، فلو كان منشأ الكراهة ذلك فالظاهر عدم صحّة البذل(1).

(مسألة: 14) المباراة كالخلع، وتفترق عنه: بأنّ الكراهة فيها منهما جميعاً، وبلزوم إتباعها بالطلاق، فلا يجتزأ بقوله: بارأتك، أو بارأتُ زوجتي على كذا حتّى يقول: فأنت طالق، أو هي طالق(2)، كما أنّه يكفي الاقتصار على صيغة الطلاق



(1) كأنّه(رحمه الله) يرى ذلك وفقاً للقاعدة؛ لأنّها تعتبر مجبورة على البذل(1).

(2) قال اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): «على الأحوط». ونِعْمَ هذا الاحتياط(2).


(1) ويؤيّد هذا الحكم الحديث الغير التامّ سنداً ـ الوارد في الوسائل، ج 22 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 2 من الخلع والمباراة، ص 283 ـ عن النبيّ(صلى الله عليه وآله): «ومن أضرّ بامرأة حتّى تفتدي منه نفسها لم يرضَ الله له بعقوبة دون النار؛ لأنّ الله يغضب للمرأة كما يغضب لليتيم».

(2) كأنّ السبب في هذا الاحتياط صحيح محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال: «سألت أبا الحسن الرضا(عليه السلام) عن المرأة تباري زوجها أو تختلع منه بشهادة شاهدين على طهر من غير جماع هل تبين منه، أو تكون امرأته ما لم يتبعها بطلاق؟ فقال: تبين منه وإن شاءت أن يردّ إليها ما أخذ منها وتكون امرأته فعلت، فقلت: فإنّه قد روي لنا أنّها لا تبين منه حتّى يتبعها بطلاق، قال: ليس ذلك إذا خلع، فقلت: تبين منه؟ قال: نعم» ـ الوسائل، ج 22 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 3 من الخلع والمباراة، ح 9، ص 286 ـ فكأنّه يقال: إنّ ذيل الحديث استثنى الخلع عن الاحتياج إلى الطلاق، وهذا يعني: أنّ المباراة بحاجة إلى طلاق.

ولكن بالمقابل يوجد احتمال أن يكون المقصود بالخلع ما يعمّ المباراة؛ لأنّ صدر الحديث كان سؤالاً عن المباراة والخلع، ولا شكّ في أنّ الخلع ليس بحاجة إلى إتباع الطلاق كما دلّ عليه صحيح الحلبيّ عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «...عدّة المختلعة عدّة المطلّقة، وخلعها طلاقها من غير أن يُسمّى طلاقاً». الوسائل، ج 22 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 3 من الخلع والمباراة،ح 4، ص 285.

574

فقط، ولا يجوز في الفدية فيها أن تكون أكثر من المهر.

(مسألة: 15) طلاق المباراة بائن لا يجوز الرجوع فيه ما لم ترجع الزوجة في البذل قبل انتهاء العدّة، فإذا رجعت فيه في العدّة جاز له الرجوع بها، على نحو ما تقدّم في الخلع.