309


ولا يشمل مؤونة العمر; لما مضى سابقاً. فإذن لا يبقى الكلام إلّا في معرفة معنى المؤونة، وقد تحصّل من كلّ ما أسلفناه أنّ الوجوه الرئيسة في تفسير مصاريف المؤونة ثلاثة:

الأوّل: تفسيرها بالمصاريف الاستهلاكيّة التي تستهلك للحاجات العرفيّة، ولو مع توسيع ما يقصد بالاستهلاك ليشمل استهلاك المنافع الطبيعيّة، كما في سكنى الدار، وشرب حليب البقرة، وأكل ثمار الشجرة، فمثل هذا كاف في سقوط الخمس عن الدار، أو البقرة، أو الشجرة.

والثاني: إلحاق الأرباح التجاريّة بالمنافع الطبيعيّة في كفاية استهلاكها لسقوط الخمس عن رأس المال.

والثالث: أمر وسط بين الأمرين، وهو افتراض أنّ صدق المؤونة يتوقّف على أحد أمرين: إمّا الاستهلاك في الحاجات العرفيّة، أو توقّف إمرار المعاش على ذلك المال، وهذا ينتج استثناء رأس المال من التخميس بشرطين أو ثلاثة بالتفصيل الذي عرفت.

فأيّ من هذه التفاسير هو الصحيح؟!

لا دليل منطقيّ، ولا معادلة رياضيّة، ولا برهان فلسفيّ يدلّنا على أحد المحتملات الثلاثة، ولا يوجد عدا الاستظهار العرفيّ.

والذي نستظهره في المقام أمران:

الأوّل: أن دخل شيء في صدق المؤونة أو الصرف في المؤونة لا علاقة له بتوقّف الإعاشة عليه، فإنّ المؤونة تعني ما يحتاج إليه الإنسان في إعاشته، والصرف فيها يعني صرف المال في تلك المؤونة، فلو عمّمنا الصرف للصرف التجاري، فسواء كان يمتلك مالاً آخر يمكنه الاستغناء به عن صرف ربح هذه التجارة، أو لم يمتلك ذلك، يكون صرف ربح هذه التجارة في تلك الحاجة صرفاً في المؤونة رغم فرض امتلاكه لمال آخر، ولو قلنا: إنّ المقصود بالصرف في المؤونة استهلاكه فيها ولو بمعنى الاستفادة من الدرّ

310


الطبيعيّ، كالبقرة المستفاد منها في شرب الحليب، أو الشجرة المستفاد منها في أكل الثمار، دون الاستفادة من الدرّ التجاري، فرأس المال التجاري ليس مصروفاً في المؤونة، حتّى لو لم يكن يمتلك مالاً آخر يمكنه الاستغناء به عن الدرّ التجاري لرأس المال في مؤونته.

والثاني: أنّ الصرف في المؤونة يعني الاستهلاك فيها ولو بمعنى الإعاشة على درّها الطبيعي كما في البقرة المستفاد من حليبها في الإعاشة، أو الشجرة المستفاد من ثمرها في الحاجة، ولا يعني الاستفادة من الدرّ التجاريّ البحت.

والذي يحسم الأمر في المقام هو أنّ دليل استثناء المؤونة دليل منفصل، فمع فرض الشكّ نتمسّك في مورد الشكّ بإطلاق دليل الخمس، فلو أنّه حفظ رأس المال من صرفه المباشر في المؤونة، واستفاد من درّه التجاري دون الطبيعي، وشككنا في كفاية ذلك في صدق صرف رأس المال في المؤونة، كان المرجع هو إطلاق دليل الخمس.

فالصحيح ما لعلّه هو المشهور من أنّ رأس المال التجاري البحت غير مستثنى من الخمس إطلاقاً.

نعم، رأس المال الذي يدرّ بطبيعته على المؤونة لا بالمبادلة، من قبيل البقرة الحلوب التي يستفاد من حليبها في الإعاشة، أو الأشجار المثمرة التي يستفاد من ثمرها في الإعاشة لا نضايق في صدق عنوان صرفه في المؤونة، واستثنائه من الخمس. بل ولا نضايق في عدم اشتراط صرف درّه الطبيعي بالشكل المباشر، فيكفي صرفه بالمبادلة.

فلو كان له بستان يأخذ ثماره ويبيعها ويصرف ثمنها في معاشه، فتارةً يفترض صرف ثمن تلك الأثمار في معاشه، وعندئذ فلا خمس عليه; إذ لا يشترط في صرف المال على الإعاشة وسقوط الخمس عنه صرفه بعينه، وإلّا للزم أن يقال: إنّ المال الذي اشترى به الخبز مثلاً وأكله كان عليه الخمس; لأنّه لم يأكله مباشرة، وهذا واضح البطلان.

واُخرى يفترض جعل ثمن تلك الأثمار رأس مال يصرف ربحه التجاري في معاشه، فهنا يكون البستان رأس مال واجب التخميس.

311

121 ـ ورأس المال إن لم يكن من مستثنيات الخمس كالإرث ونحوه، بل كان من الأرباح التي يتعلّق بها الخمس، ولكنّه كان يدرّ بربحه على المؤونة، فدرُّهُ هذا على المؤونة يكون بأحد شكلين:

الأوّل: أن يكون درّه هذا بمنفعته الطبيعيّة، أو قل: التكوينيّة كالبقرة الحلوب التي يعيش صاحبها واُسرتُه في مؤونته على حليبها، أو الشجرة المثمرة التي يعيش صاحبها واُسرتُه في مؤونته على ثمرتها، أو البيت الذي يصرف سكناه في مؤونته بأن يسكن فيه، أو يسكّن أهله فيه، أو يؤجره لصرف اُجرة سكناه في مؤونته لحاجته إلى ذلك. وهنا لا إشكال في عدم تعلّق الخمس برأس المال هذا مادام داخلاً في مؤونته بهذا الشكل.

والثاني: أن يكون درّه على مؤونة الشخص بصرف منفعته التجاريّة والتبادليّة البحت، أي: بأرباح المبادلة والبيع والشراء، وهذا لا يكون مستثنى من الخمس(1).

122 ـ لو خرجت المؤونة عن كونها مؤونة كحليّ المرأة الذي خرج عن حاجتها في الزينة بسبب تقدّمها في السنّ، أو البقرة الحلوب التي خرجت بعد حين عن


(1) قد عدلنا عن هذا، والصحيح عندنا الآن في رأس المال الذي لم يكن من مستثنيات الخمس كالإرث ونحوه، بل كان من الأرباح التي يتعلّق بها الخمس، هو: أنّه إن كان يدرّ بربحه على المؤونة، كالبقرة الحلوب التي يعيش صاحبها واُسرتُه في مؤونته على حليبها، أو الشجرة المثمرة التي يعيش صاحبها واُسرتُه في مؤونته على ثمرتها، أو البيت الذي يصرف سكناه في مؤونته بأن يسكن فيه، أو يسكّن أهله فيه، أو يؤجره لصرف اُجرة سكناه في مؤونته دون أن يصرف مالاً آخر في تلك المؤونة ويضيف اُجرة هذا البيت إلى ماله، فهنا لا إشكال في عدم تعلّق الخمس برأس المال هذا ما دام داخلاً في مؤونته بهذا الشكل.

أمّا لو كان يُدخل أرباح رأس المال في خزانته، أو يدّخرها لمؤن السنوات القادمة ويصرف في مؤونة هذه السنة أموالاً اُخرى، فلابدّ من تخميس رأس المال.

312

عيش صاحبها في مؤونته بحليبها، دخل المال عندئذ من ذاك الحين تحت نظام الخمس، فلو بقي خارجاً عن المؤونة من ذاك الحين حتّى نهاية السنة، وجب تخميسه(1).


(1) وأمّا البحث الثاني: وهو بحث المؤونة لو خرجت في وقت ما عن المؤونيّة كحليّ المرأة في أيّام كبرها وشيبوبتها، فهل تعود إلى وجوب الخمس لو لم تكن مخمّسة؟

فقد تربط المسألة بالبحث الاُصوليّ المعروف، من أنّه هل يكون المرجع بعد انتهاء أمد التخصيص هو عموم العامّ، أو استصحاب حكم المخصّص؟

وهناك اُسلوبان لفصل هذه المسألة عن ذاك البحث:

الاُسلوب الأوّل: دعوى: أنّ المخصّص هنا لم يكن مخصّصاً زمانيّاً أو أحواليّاً، بل هو مخصّص أفرادي أخرج عن العموم ذات المؤونة، لا المؤونة ما دامت هي مؤونة. إذن فالمال الذي خرج بعد ذلك عن كونه مؤونة يبقى خارجاً بالتخصيص من تحت العموم، ولا تصل النوبة إلى البحث عن أنّ المرجع هل هو عموم العامّ، أو استصحاب حكم المخصّص؟

وقد ذكر ذلك السيّد الخوئيّ(قدس سره) كاستظهار عرفيٍّ بحت ومن دون ذكر نكتة فنّيّة له(1).

ولكن السيّد الهاشميّ حفظه الله ذكر نكتة فنّيّة له(2)، وهي: أنّ الخمس أمر يتعلّق بنفس ملك صاحب المال ولو في طول مالكيّته، فكأنّ دليل الخمس يعني اشتراك صاحب الخمس في المال بنسبة الخمس، وتقسيم الملكيّة بينهما، وبما أنّ الملكيّة تعتبر عقلائيّاً من الأحكام الوضعيّة القارّة، أي: التي يكون مجرّد حدوثها سبباً لبقائها، فدليل استثناء المؤونة يكون بهذه المناسبة ظاهراً في التخصيص الأفرادي، وناظراً إلى ذات الملك، ومن حين أصل حدوث الملك، لا إلى الأحوال والأزمان.

أقول: إنّ هذه النكتة الفنّيّة لا ترجع إلى محصّل، فصحيح: أنّ الملكيّة تعتبر في ذاتها


(1) مستند العروة، كتاب الخمس، ص 258 ـ 259 من طبعة لطفي بالمطبعة العلميّة بقم.

(2) كتاب الخمس، ج 2، ص 277 ـ 278.

313


من الاُمور القارّة التي تبقى ما لم يحصل ناقل، وهذا يعني: أنّ ما ملكه صاحب الخمس يكون من حين ما ملكه ملكاً قارّاً له لا ينتقل إلّا بناقل، ولكن هذا لا يعني أنّ استثناء المؤونة يجب أن يكون استثناءً أفراديّاً، ولا يكون استثناءً لفترة محدّدة، أو لحالة محدّدة تنتهي، فلو فرضنا: أنّ ملكيّة الإمام بدأت من بعد انتهاء المؤونيّة لم يكن لذلك أيّ تناف عقليّ أو عرفيّ مع افتراض كون ملكيّة الإمام أمراً قارّاً، فإنّ كونها أمراً قارّاً يعني: أنّها بعد ما تحدث تقتضي البقاء. أمّا أنّها متى تحدث، وأنّ حدوثها يجب أن يكون منذ البدء، وأن لا تكون المؤونيّة حالة محدّدة أو لفترة زمنيّة خاصّة؟ فلا علاقة لذلك بالموضوع.

وبكلمة اُخرى: إنّ استثناء فترة المؤونة إنّما هو استثناء من أوّل زمان حدوث ملك الإمام لا من آخره، وكون الملك أمراً قارّاً إنّما يعني بقاء الملك واستمراره، ولا نظر له إلى زمان الحدوث، واستثناء الحال لو فرض مضرّاً بعنوان القرار فإنّما يضرّ لو كان استثناءً من الأخير دون ما لو كان استثناءً من الأوّل.

فإن قلت: إنّ ملكيّة المالك الأصلي أيضاً أمر قارّ، فملكيّة الإمام للخمس يجب أن تعاصر أوّل آنات ملكيّة المالك الأصلي; إذ لو تأخّرت لزم زوال ملكيّة المالك الأصلي بعد حدوثها بالنسبة لمقدار الخمس، وتعلّق الخمس بالمؤونة بعد سقوطها عن المؤونيّة يعني تأخّر تعلّقه بها عن مالكيّة المالك الأصلي لها.

قلت: إنّ كون الملكيّة من الأحكام الوضعيّة القارّة لا يعني عدم قبولها للزوال، وإنّما يعني أنّها في ذاتها باقية ما لم تزُل بمزيل وناقل، وعدم كون سقوطها عن المؤونيّة مزيلاً لملكيّة خمس المؤونة وناقلاً له إلى الإمام هو أوّل الكلام.

وعليه فلا يبقى إلّا ما ذكره السيّد الخوئيّ(قدس سره) من دعوى استظهار كون التخصيص أفراديّاً بحسب فهم العرف، من دون افتراض هذه النكتة الفنّيّة.

وهذه الدعوى أيضاً محلّ تأمّل; فإنّ احتمال كون فعليّة صدق المؤونة منظوراً إليها في

314


استثناء المؤونة حدوثاً وبقاءً أمر مناسب عرفاً، باعتبار أنّ مؤونيّة المؤونة وثقلها هي السبب وفق المناسبات العرفيّة للإعفاء عن الخمس، فمن المعقول عرفاً أن يكون الإعفاء دائراً مدار بقاء هذا العنوان، فلو لم ندّعِ ظهور المخصّص في التخصيص الأحواليّ فلا أقلّ من الإجمال، والإجمال كاف في انتهاء زمن الدلالة اللفظيّة للتخصيص بانتهاء صدق عنوان المؤونة. فمرّة اُخرى قد تصل النوبة إلى استصحاب حكم المخصّص، أو التمسّك بعموم العامّ.

الاُسلوب الثاني: أنّ المخصّص وإن كان ينتهي أمده ـ ولو بسبب الإجمال ـ بخروج المال عن كونه مؤونة، ولكن لا يوجد لدينا عموم فوقاني نبحث عن الرجوع إليه، أو عدم الرجوع إليه لدى انتهاء زمان التخصيص، فينحصر الأمر في الرجوع إلى الاُصول المؤمّنة كاستصحاب حكم المخصّص، أو البراءة عن الخمس.

أمّا الوجه في عدم وجود عموم فوقاني، فهو: أنّ دليل الخمس موضوعه الفائدة أو الغنيمة، وليس مطلق المال، كي يقال: إنّه بعمومه يشمل هذا المال الذي سقط عن كونه مؤونة، وهذا المال كان فائدة أو غنيمة في سنة سابقة وقد فرض سقوط الخمس عنه وقتئذ بصيرورته مؤونة. أمّا الآن فليس هذا المال فائدة وغنيمة جديدة; لأنّ المال بوجوده البقائي لا يعتبر فائدة أو غنيمة، وإنّما يعتبر كذلك بوجوده الحدوثي، فلو اُريد تطبيق دليل الخمس عليه في السنة الثانية، فلا فائدة جديدة في تلك السنة، ولو اُريد تطبيق دليل الخمس عليه في السنة الاُولى فالمفروض أنّه كان مؤونة وكان مستثنى من الخمس، ولو اُريد تطبيق دليل الخمس عليه في السنة الاُولى لإثبات تعلّق الخمس به في السنة الثانية، فهذا خلف ظهور دليل الخمس في دوران الخمس مدار صدق الفائدة والذي هو ليس ثابتاً في السنة الثانية(1).


(1) كتاب الخمس للسيّد الهاشميّ، ج 2، ص 276.

315


أقول: إنّ هذا الوجه أيضاً لا يرجع إلى محصّل; لأنّ بقاء المال وإن لم يكن فائدة وغنيمة، لكنّه بقاء للفائدة والغنيمة، أي: أنّ عنوان الفائدة لا زالت باقية الصدق وإن كانت هي نفس الفائدة القديمة لا فائدة جديدة، وهذه الفائدة القديمة لم يتعلّق بها الخمس قديماً لمانع، وهو صدق اسم المؤونة عليها، والآن قد ارتفع صدق هذا الاسم، فيجب استئناف البحث عن أنّ زوال هذا الاسم الآن هل يعني زوال المانع أو لا؟ وأنّ دليل وجوب الخمس على كلّ فائدة هل هو لا زال مقتضياً لوجوب الخمس عليها أو لا؟

فإن قلت: إنّ موضوع الخمس هو حدوث الغنيمة لا بقاء الغنيمة، ولا مطلق الغنيمة; وذلك لظهور هيئة الفعل في مثل: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم﴾ أو «الخمس في كلّ ما أفاد الناس» في الحدوث، والمفروض: أنّ هذه السنة الجديدة لم يكن فيها حدوث الغنيمة، وحينما حدثت هذه الغنيمة في سنة سابقة كانت مستثناة عن الخمس لكونها مؤونة في تلك السنة.

قلت: فليكن موضوع الخمس هو حدوث الغنيمة، ولكن هذه الغنيمة أيضاً قد حدثت ولو في سنة سابقة، فهي موضوع للخمس. نعم، مقتضى إطلاق دليل الخمس كان عبارة عن أنّ حدوث الغنيمة تمام الموضوع لوجوب الخمس، والحكم يكون مقارناً لموضوعه طبعاً، ولو عرفنا أنّ الموضوع مركب من حدوث الغنيمة أو الفائدة وانتفاء عنوان المؤونة فالحكم سيكون مقارناً بطبيعة الحال للجزء الأخير، وقد حدث الجزء الأوّل في سنة سابقة وحصل الجزء الثاني وهو انتهاء عنوان المؤونيّة في هذه السنة.

وتحقيق الكلام في المقام هو: أنّ المسألة هي مسألة أن نرى: أنّ استثناء المؤونة هل هو استثناءٌ أحوالي، أي: استثناء لحال صدق هذا العنوان، فرجع ـ لا محالة ـ بعد انتهاء الحال إلى إطلاق الدليل; لأنّ موضوع الحكم مركّب من موضوع العامّ أو المطلق ونقيض موضوع المخصّص أو المقيّد، أو استثناء أفرادي، أي: استثناء لذات المال الذي استفيد منه

316


في المؤونة، وعليه كلام السيّد الخوئيّ(قدس سره) وهو أنّ هذا الفرد وهو ذات ما كان مؤونة قد خرج من عموم دليل الخمس؟

وإن شئت فقل: إنّ مختارنا في مسألة دوران الأمر بين عموم العام واستصحاب حكم المخصّص أو المقيّد فيما إذا كان المخصّص أحواليّاً هو: أنّ المرجع عموم العامّ; لأنّ موضوع الحكم صار مركّباً من موضوع العام ونقيض موضوع المخصّص، وعنوان العامّ كان ثابتاً من أوّل الأمر ونقيض موضوع المخصّص قد حصل أخيراً.

ولا شكّ: أنّ استثناء المؤونة يفهم منه عرفاً أنّه تخفيف من الشريعة لحمل عبء المؤونة على أصل المال المكتسب، فمقتضى مناسبات الحكم والموضوع هو أن يكون استثناء المؤونة استثناءً أحواليّاً بحتاً ينتهي أمده بانتهاء الحال، ويكون المرجع بعد ذلك هو عموم العام أو إطلاق المطلق.

وممّا ينبّه الوجدان على ذلك هو: أنّه لا إشكال بحسب الفهم العرفي في أنّ من اشترى بيتاً مثلاً، أو فراشاً، أو غير ذلك من الاُمور القابلة للبقاء بأرباح مكاسبه من دون التخميس استفادةً من قاعدة استثناء المؤونة، ثُمّ اشترى في السنة الآتية فرداً آخر رغم كفاية الفرد الأوّل لمؤونته، لكنّه اشتهى التبديل بفرد أفضل يناسب المؤونة أيضاً، أو التفت إلى مسألة: أنّ الفرد الأوّل خرج عن وجوب التخميس إلى الأبد، فقال: إنّني سأستفيد في سنتي الثانية من فرد ثان في المؤونة كي يخرج أيضاً عن قاعدة وجوب التخميس، فهذا العذر لا يقبل منه في استثناء كلا الفردين من التخميس، ولا أظنّ أحداً يفتي بذلك، وعندئذ نطرح هذا السؤال: هل السبب في هذا الفهم العرفيّ أو الفتوى الفقهي هو أنّ الفرد الثاني من البيت مثلاً خارج عن مؤونته; لأنّه يملك البيت الأوّل وهو يلبّي مؤونته، أو السبب ما قلناه من: أنّ المقياس في الاستثناء هو حال التلبّس بالمؤونيّة، وليس البيتان معاً متلبسين بهذه الحال؟ فإن قيل: إنّ السبب هو عدم الحاجة وخروج الفرد الثاني عن المؤونة; لكفاية الفرد

317

123 ـ ويشترط في تعلّق الخمس بأرباح المكاسب البلوغ والعقل، فلو كان صغيراً أو كان مجنوناً من أوّل السنة، لم يتعلّق بماله الخمس، ومتى ما أفاق أو بلغ كان ذلك أوّل سنته بالنسبة إلى ما يملكه من المال، فلو زاد عن مؤونة سنته بعد الإفاقة أو البلوغ، وجب عليه تخميس الزيادة (1).

 


الأوّل، أودرنا على ذلك النقض بما لو كان الفرد الأوّل مشترى من مال مخمّس، أو من مال كان من مستثنيات الخمس، فيلزم عندئذ وجوب الخمس على الفرد الثاني; لأنّه خارج من مؤونته; لكفاية الفرد الأوّل له، مع وضوح: أنّ المؤونة ملقاة على عاتق أرباح المكاسب غير المخمّسة.

فيتعيّن أن يكون السبب هو الثاني، وهو المطلوب. وأيّ فرق بين ما ذكرناه وبين افتراض أنّ هذه الامرأة المسنّة التي خرج حليّها عن مؤونيّتها يكون بإمكانها بيع الحليّ والاقتيات به، فلماذا تستثني الحليّ زائداً على استثناء المال الذي تقتات به من الخمس؟!

فالصحيح: أنّ المؤونة حينما تخرج عن المؤونيّة تدخل في دليل الخمس. نعم، يكون أوّل خروجها عن المؤونيّة أوّل سنتها، فإنّما تخمّس لو بقيت غير مصروفة في المؤونة في داخل السنة الثانية باقتيات أو نحوه.

(1) وأمّا البحث الثالث: وهو بحث اشتراط الخمس بالبلوغ والعقل وعدمه.

فقبل البدء به نشير إلى أنّ هذا البحث لا يأتي في خمس الحلال المختلط بالحرام; لأنّ هذا يكون لتطهير المال، فحتّى لو فرض قيام دليل لفظي على اشتراط التكليف في الخمس كان انصرافه عن هذا الخمس الذي لا علاقة له بالضريبة المعروفة واضحاً بمناسبات الحكم والموضوع.

وأمّا خمس الأرض التي اشتراها الذمّي، فقد مضى: أنّه عبارة عن تبدّل الأرض العشريّة بالخمسيّة، ولا علاقة له بكتاب الخمس، وذلك أشبه بحكم من قبيل الجزية منه بالخمس أو الزكاة.

وأمّا خمس الغنيمة الحربيّة، فعدم اشتراط التكليف فيه واضح; فإنّها تخمّس قبل التقسيم.

وأمّا خمس المعدن والغوص والكنز، فقد مضى منّا في بحث المعدن: أنّها ليست ضريبة على مال المكلّفين، بل هذه من الأنفال، وكلّها للإمام، وقد سمح للمكتشف تملّك أربعة أخماسها، فأيضاً من الواضح أنّه حتّى لو فرض دليل لفظيّ على اشتراط التكليف في

318


وأمّا خمس المعدن والغوص والكنز، فقد مضى منّا في بحث المعدن: أنّها ليست ضريبة على مال المكلّفين، بل هذه من الأنفال، وكلّها للإمام، وقد سمح للمكتشف تملّك أربعة أخماسها، فأيضاً من الواضح أنّه حتّى لو فرض دليل لفظيّ على اشتراط التكليف فيضريبة الخمس لا يشمل هذه الأقسام.

فالمهمّ هو الكلام عن خمس أرباح المكاسب.

فقد يقال: إنّ مقتضى إطلاق أدلّة الخمس عدم الفرق بين الصغير والبالغ أو المجنون والعاقل.

وفي مقابل ذلك يوجد وجهان لاختصاص الخمس بالبالغ العاقل:

الوجه الأوّل: حديث رفع القلم عن المجنون والصبيّ الوارد في عدّة روايات، من قبيل:

1 ـ ما عن ابن ظبيان قال: «اُتي عمر بامرأة مجنونة قد زنت فأمر برجمها، فقال عليّ(عليه السلام): أما علمت أنّ القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبيّ حتّى يحتلم، وعن المجنون حتّى يفيق، وعن النائم حتّى يستيقظ؟». والسند غير تامّ(1).

وعن محمّد بن محمّد المفيد في الإرشاد مرسلاً قال: روت العامّة والخاصّة أنّ مجنونة فجر بها رجل... وذكر نحو هذه الرواية مع حذف الصبيّ(2).

2 ـ ما ورد بسند تامّ عن عمّار الساباطي (وهو يخالف المشهور في حدّ البلوغ) عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ قال: إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة، وجرى عليه القلم،


(1) الوسائل، ب 4 من مقدّمة العبادات، ح 11، ج 1، ص 45 بحسب طبعة آل البيت.

(2) الوسائل، ب 8 من مقدّمات الحدود، ح 2، ج 28، ص 23 بحسب طبعة آل البيت.

319


والجارية مثل ذلك، إن أتى لها ثلاث عشرة سنة، أو حاضت قبل ذلك، فقد وجبت عليها الصلاة، وجرى عليها القلم»(1).

3 ـ ما عن عمّار بسند تامّ عن أبي عبدالله(عليه السلام) «أنّه سُئل عن المولود ما لم يجر عليه القلم هل يصلّى عليه؟ قال: لا، إنّما الصلاة على الرجل والمرأة إذا جرى عليهما القلم»(2).

4 ـ مرسلة ابن طاووس عن سلمان، عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) «قال: إذا كان أوّل يوم رجب تصلّي عشر ركعات، تقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة، و(قل هو الله أحد) ثلاث مرّات، غفر الله لك ذنوبك كلّها من اليوم الذي جرى عليك القلم إلى هذه الليلة»(3).

5 ـ ما عن أبي البختري عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ(عليهم السلام) «أنّه كان يقول في المجنون، والمعتوه الذي لا يفيق، والصبيّ الذي لم يبلغ: عمدهما خطأ تحمله العاقلة، وقد رفع عنهما القلم»(4). والسند غير تامّ.

ولو تمّ شيء من هذه الروايات سنداً وإطلاقاً في المجنون أو الصبيّ، ولم تضرّه مخالفته لما هو المشهور في حدّ البلوغ، أو قلنا: إنّ رواية رفع القلم على الإجمال من القطعيّات، أمكن الاعتراض على الاستدلال بها بدعوى اختصاص إطلاقها بدائرة الأحكام التكليفيّة، سواء فسّر القلم بقلم كتب السيّئات أو فسّر بقلم التشريع. أمّا على الأوّل فواضح، وأمّا على الثاني، فلأنّه لا شكّ في أنّ تشريع الأحكام الوضعيّة كالنجاسة والجنابة لا اختصاص لها بالعاقل أو البالغ، وكذلك الأحكام الوضعيّة التي لها ثقل ماليّ، كضمان


(1) الوسائل، ب 4 من مقدّمة العبادات، ح 12، ج 1، ص 45 بحسب طبعة آل البيت.

(2) الوسائل، ب 14 من صلاة الجنازة، ح 5، ج 3، ص 97 من نفس الطبعة.

(3) الوسائل، ب 5 من بقيّة الصلوات المندوبة، ح 7، ج 8، ص 96 بحسب طبعة آل البيت.

(4) الوسائل، ب 36 من القصاص في النفس، ح 2، ج 29، ص 90 بحسب طبعة آل البيت.

320


الإتلاف. وأمّا حمل العاقلة الدية فهو بقانون آخر، وهو أنّ عمد الصبيّ بحكم الخطأ. وتعلّق الخمس بالمال حكم وضعيّ يتبعه التكليف بالأداء، ولا إشكال في أنّ هذا التكليف مرفوع عن المجنون والصبيّ مادام مجنوناً أو صبيّاً، كما هو الحال في ارتفاع وجوب أداء الدين والضمان عليهما، وإنّما الكلام في الجانب الوضعيّ للخمس.

وهذا الإشكال في واقعه ينحلّ إلى إشكالين:

الأوّل: أنّ القلم في المقام يحتمل إرادة قلم كتب السيّئات، وهذا يجعله خاصّاً بالأحكام التكليفيّة.

والثاني: أنّه حتّى لو جزمنا بأنّ المقصود قلم التشريع، فالمقصود به قلم التشريع التكليفي; لأنّ الأحكام الوضعيّة كالجنابة، والنجاسة، وضمان الإتلاف، ونحوها لا شكّ في عدم ارتفاعها عن المجنون والصبيّ.

أمّا الإشكال الأوّل: فيمكن الجواب عليه بأنّ حمل القلم على قلم كتب السيّئات خلاف الظاهر; لأنّ فعليّة قلم كتب السيئات ليست بالبلوغ أو العقل، وإنّما تكون بالمعصية لدى كونه بالغاً وعاقلاً. نعم، يمكن حمل ثبوت قلم السيّئات بالبلوغ والعقل على ثبوت شأنيّة القلم، إلّا أنّ هذا خلاف الظهور في الفعليّة. وهذا بخلاف ما لو حملناه على قلم التشريع; لوضوح فعليّته بمجرّد البلوغ والعقل.

وأمّا الإشكال الثاني: فيمكن الجواب عليه بأنّه لا شكّ في أنّ المقصود برفع القلم هو رفع قلم الثِقل، وذلك بقرينة امتنانيّة حديث رفع القلم، وهذا هو السبب في عدم شموله لمثل الجنابة والنجاسة; لأنّه لا ثِقل فيهما، وإنّما الثِقل متمثّل في التكليف بالغسل والتطهير، فذلك هو المرفوع بحديث رفع القلم. والضمان المالي يعتبر في نظر العرف ثقلاً ماليّاً، فيشمله حديث رفع القلم. وأمّا ضمان الإتلاف فهو وإن كان من الديون الماليّة، ويعتبر ثِقلاً على الكاهل، ولكن بما أنّ نفيه عن الصغير أو المجنون وإن كان امتناناً عليهما،

321


ولكنّه يعتبر إجحافاً بالنسبة لمن أتلف ماله، فلذا يكون حديث رفع القلم الامتناني منصرفاً عنه. وهذا بخلاف الضرائب كالخمس والزكاة، فإنّها تعتبر عرفاً ثِقلاً على الكاهل، وليس رفعها في نظر العرف إجحافاً بشأن الآخرين، فحديث رفع القلم يشملها بالإطلاق.

الوجه الثاني: دعوى التشكيك في إطلاقات أدلّة الخمس بدعوى: أنّ جوّاً تشريعيّاً يمنع عن الطفل الحكم التكليفيّ الإلهي والثِقل الماليّ الزكوي ويجعل عمد الصبيّ خطأً تحمله العاقلة لا يُبقي إطلاقاً لدليل الثقل الماليّ الذي يكون منشؤه مجرّد التشريع من دون حقّ عقلائيّ سابق، من قبيل ضمان الإتلاف الذي يعتبر حقّاً عقلائيّاً للناس أمضته الشريعة. والخمس ثِقل ماليّ جاء بمحض التشريع، فالجوّ التشريعيّ الذي خلا عن ثقل التكليف، بل وعن الثقل الماليّ الزكويّ أيضاً، وعن تحمّل الصبيّ عمده في القصاص والدية يوجب انصراف دليل الخمس عن الصغير والمجنون.

ولو لم نقتنع بشيء من الوجهين قناعة كاملة، وبقينا شاكّين، فلو آمنّا بجريان البراءة عن حكم وضعيّ فيه الثقل، جَرَت البراءة عن الخمس، ولو لم نؤمن بذلك، أمكن نفي الخمس باستصحاب العدم الأزليّ، أو العدم الثابت قبل تملّكه لهذا المال، وإثبات ملكيّته التي هي موضوع لتعلّق الخمس ولو ملكيّة تقديريّة على الأقلّ.

بل لا حاجة إلى استصحاب العدم الأزلي، ولا استصحاب عدم الخمس الثابت قبل تملّكه للمال، ولا إلى التشبّت بالملكيّة التقديريّة; وذلك لأنّنا: إمّا أن نقول: إنّ الخمس يتعلّق بالمال في نهاية السنة، فنجري استصحاب عدم الخمس في أوّل السنة، أو نقول: إنّ الزيادة عن المؤونة في نهاية السنة تكشف عن تعلّق الخمس بالمال من أوّل السنة، ولكن لا إشكال في أنّه في أوّل السنة كان يجوز له التصرّف في المال تصرّف الملاّك بدليل جواز تأخيره للتخميس إلى آخر السنة، فيستصحب نفس هذا الحكم.

وبعد أن يبلغ الصبيّ، أو يفيق المجنون يشمله من الآن دليل الخمس بماله بعد استثناء المؤونة، فلابدّ في تعلّق الخمس من زيادة المال على مؤونة السنة من حين البلوغ أو العقل.

323

 

 

 

 

الفيء والأنفال

 

 

325

 

 

 

 

124 ـ والآن ننتقل ـ بحول الله وقوّته ـ إلى مثال ثان لما يكون ملكاً للدولة، وهو الفيء والأنفال.

قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَلاَ رِكَاب وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ * مَّا أَفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاَْغْنِيَآءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾(1).

وقال الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾(2).


(1) سورة الحشر، الآية: 6 ـ 7.

(2) سورة الأنفال، الآية: 1.

وقبل البدء بتعديد الأنفال نودّ البحث عن هذه الآيات المباركات التي تعدّ عادة هي المصدر القرآنيّ للأنفال ; وذلك حلاًّ لما يتراءى في بادئ الأمر من نوع من التنافي بين بعضها وبين آية الخمس وهي قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ﴾(1).


(1) سورة الأنفال، الآية: 41.

326


ووجه التنافي بين آية الخمس وآية الأنفال التي وقعت في أوّل سورة الأنفال هو: أنّ التأريخ يحدّثنا على لسان ابن عبّاس بشأن قصّة بدر ما خلاصته مع غضّ النظر عن الاختلافات الواردة في خصوصيّات القصّة: أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعد المجاهدين تشويقاً لهم بإعطاء بعض الجوائز من الغنائم لمن يفعل كذا، من قبيل تأسير العدوّ الفلاني أو قتله. وتسابق الشبّان بالإسراع إلى الأهداف في حين أنّ المسنّين بقوا تحت الرايات، وحينما انتهت الحرب قدم الشبّان على الرسول(صلى الله عليه وآله) لتقاسم الغنائم، ولكنّ المسنّين طالبوا أيضاً بحقوقهم محتجّين بأنّ قوّتكم في حربكم كانت بالاعتماد علينا الذين كنّا من خلف، ولو كنتم تنكسرون، كنتم تلجؤون إلينا، ووقع نزاع بالخصوص بين شخصين من الأنصار، فنزلت الآية المباركة، ونزعت الغنائم منهم جميعاً، وخصّتها بالله والرسول، وأمرتهم بإصلاح ما بينهم من الخلافات. ويؤيّد هذا التفسير قوله تعالى في ذيل الآية: ﴿فَاتَّقُوا اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ﴾.

وتسمية الغنائم بالأنفال تكون بمناسبة أنّ النفل بفتح فاء الفعل وعين الفعل، أو بفتح الأوّل وسكون الثاني يكون بمعنى الزيادة والإضافة، كما تسمّى الصلوات المستحبّة بالنافلة، ويسمّى الحفيد بالنافلة باعتباره إضافة على الأولاد، فالأنفال بالنسبة لقوم ما تعطي معنى الاُمور الثانويّة والإضافيّة، والنافلة بالنسبة لهم كرؤوس الجبال أو الوديان أو الصحاري وما إلى ذلك، ولكن الأنفال لو استعملت في مورد الحرب وبمعنى النفل على المسلمين من الكفّار، كان معنى ذلك: أنّ الغنائم تعتبر فائدة إضافيّة للمسلمين.

فغنائم الحرب نافلة: إمّا بمعنى أنّها مال إضافي حصل للمسلمين، وانقطع عمّن كان له من الكفّار، وإمّا بمعنى: أنّ الهدف الأصليّ من الحرب هو دحض العدوّ، وأمّا المال فأمر إضافي.

فهذه الآية ـ كما ترى ـ دلّت على أنّ جميع غنيمة الحرب لله وللرسول، في حين أنّ آية

327


الخمس نصّت على أنّ أربعة أخماس منها للمقاتلين، وخمساً منها لله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، أي: أنّ خمساً منها للحكومة الإسلاميّة تُصرف في تلك المصارف، ومن هنا قيل: إنّ آية الخمس نسخت آية الأنفال، أو قل: نسخت إطلاقها لتمام المال.

واُجيب على ذلك بأنّ آية الأنفال الدالّة على أنّ الغنيمة كلّها للحكومة الإسلاميّة باقية على قوّتها، وأنّ آية الخمس بيان لكيفيّة تعامل الحكومة الإسلاميّة بتلك الأموال، وكيفيّة تقسيمها، ولا تنافي بينهما(1).

والخلاصة: أنّه بالإمكان أن يقال: إنّ الخلاف الذي وقع بين الأصحاب الوارد في نقل ابن عبّاس عالجه وأبطله بالحكم بكون جميع الغنيمة لله وللرسول، ثُمّ أنزل بعد ذلك في آية الغنيمة (أعني آية: 41 من الأنفال) طريقة تصرّف الرسول في ذلك، وهي: أنّه مع إمكان استغناء منصب الإمامة ممّا عدا الخمس أخذ الرسول الخمس وقسّم الباقي على أهل الحرب بكلا قسميهم على حدّ سواء، أعني: الذين اشتركوا في القتال والذين بقوا تحت الرايات عند رسول الله(صلى الله عليه وآله)، من دون أن يكون هذا نسخاً لذاك.

وقد ورد في تحف العقول ما ملخّصه: وأمّا الغنائم لمّا كان يوم بدر قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): من قتل قتيلاً فله كذا وكذا، ومن أسّر أسيراً فله من غنائم القوم كذا وكذا، فلمّا هزم الله المشركين وجمعت غنائمهم قام رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله، إنّي قتلت قتيلين لي بذلك البيّنة، وأسّرت أسيراً، فأعطنا ما أوجبت على نفسك يا رسول الله، ثُمّ جلس، فقام سعد بن عبادة فقال: يا رسول الله، ما منعنا أن نصيب مثل ما أصابوا جبن عن العدوّ، ولا زهادة في الآخرة والمغنم، ولكنّا تخوّفنا إن بعد مكاننا منك فيميل إليك من جند


(1) راجع تفسير الأمثل، ج 5 أوّل تفسير سورة الأنفال، ص 355.

328


المشركين، أو يصيبوا منك ضيعة، وإنّك إن تعط هؤلاء القوم ما طلبوا، يرجع سائر المسلمين ليس لهم من الغنيمة شيء، ثُمّ جلس، فقام الأنصاري فقال مثل مقالته ثُمّ جلس، يقول ذلك كلّ واحد منهما ثلاث مرّات فصدّ النبيّ(صلى الله عليه وآله)بوجهه، فأنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ﴾، والأنفال اسم جامع لما أصابوا يومئذ مثل قوله: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾ومثل قوله: ﴿أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء﴾ثُمّ قال: ﴿قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ﴾فاختلجها الله من أيديهم فجعلها لله ولرسوله... فلمّا قدم رسول الله(صلى الله عليه وآله)المدينة أنزل الله عليه: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء...﴾ فهذا يوم بدر وهذا سبيل الغنائم التي اُخذت بالسيف(1).

هذا، ويؤيّد عدم النسخ أمران:

الأمر الأوّل: أنّه لا فاصل كبير بين نزول الآيتين على ما يقال من: أنّ آية الأنفال نزلت بعد النزاع في قصّة بدر، وآية التخميس نزلت بعد الرجوع إلى المدينة وقبل التصرّف بالغنيمة. فلو كانت آية الخمس نسخاً لكان نسخاً قبل العمل بالمنسوخ ولو مرّة واحدة، وهذا بعيد.

والأمر الثاني: أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله) قد تصرّف في بعض الحروب بكلّ الغنيمة بتقسيم غير التقسيم على كلّ المقاتلين بعد نزول الآيتين بسنين كثيرة، حسب ما يحدّثنا التأريخ، فواقعة بدر هي من أحداث السنة الثانية من الهجرة، ونزلت آية الأنفال التي حسبت كلّ الغنيمة للرسول بعد الواقعة مباشرة، ونزلت آية الخمس التي جعلت الخمس من الغنيمة للرسول بعد الرجوع إلى المدينة مباشرة وقبل التصرّف بالغنيمة، في حين أنّ واقعة فتح مكّة وواقعة حنين كانتا في السنة الثامنة من الهجرة.


(1) أخذنا هذا المقطع من كتاب ولاية الفقيه للشيخ المنتظري، ج 3، ص 134.

329


وفي فتح مكّة لم يأخذ شيئاً من أموالهم، ولم يأسرهم، بل قال لهم: يا معشر قريش ما ترون أ نّي فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»(1).

يبقى الكلام في أنّ فتح مكّة هل كان بالحرب أو كان بالسلم؟ لا شكّ في أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يخطّط لفتح مكّة من دون إراقة الدماء، ولكن الذي وقع حسب ما يحدّثنا التأريخ هو إراقة الدماء الجزئيّة، فقد روى الشيخ السبحانيّ في «فروغ أبديّت»(2) عن مغازي الواقدي: أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قسّم جيشه إلى عدّة أقسام حسب الفرق المختلفة لدخول مكّة، ودخل أكثرهم مكّة بلا حرب، ما عدا القسم الذي كان بقيادة خالد بن الوليد حيث واجه حرباً مع جماعة حرّكهم عكرمة وصفوان وسهيل ضدّ المسلمين، ولكن جماعة الكفّار انكسروا بقتل ثمانية وعشرين منهم، وهروب الباقين.

وروى الشيخ المنتظري في ولاية الفقيه(3) عن المغازي للواقدي ما نصّه:

«وقد كان صفوان بن اُميّة وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عَمرو قد دعوا إلى قتال رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وضوى إليهم ناس من بني بكر وهذيل وتلبّسوا السلاح ويقسمون بالله لا يدخلها محمّد عنوة أبداً... فمنعوه الدخول، وشهروا السلاح، ورموا بالنبل، وقالوا: لا تدخلها عنوة أبداً، فصاح خالد بن الوليد في أصحابه، وقاتلهم، فقتل منهم أربعة وعشرين رجلاً من قريش، وأربعة من هذيل، وانهزموا أقبح الانهزام حتّى قتلوا بالحزورة وهم مولّون في كلّ وجه، وانطلقت طائفة منهم فوق رؤوس الجبال، وأتبعهم المسلمون،


(1) راجع ولاية الفقيه للشيخ المنتظري، ج 3، ص 143.

(2) ج 2، ص 725.

(3) ج 3، ص 143.

330


فجعل أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام يصيحان: يا معشر قريش على مَ تقتلون أنفسكم؟! من دخل داره فهو آمن ومن وضع السلاح فهو آمن...».

قال الشيخ المنتظري: «الحزورة سوق مكّة وقد دخلت في المسجد لمّا زيد فيه». وأيضاً قال الشيخ المنتظري بعد روايته لهذا الرواية عن مغازي الواقدي: «وروى نحو ذلك ابن هشام في السيرة».

فهذا المقدار من الحرب لو كفى في صدق عنوان فتح مكّة بالحرب فبها (ولا أقلّ من كفاية ذلك بالنسبة لجيش خالد بن الوليد بمقدار حصّتهم)، ولو لم يكف في ذلك، أو قلنا: إنّ ما في مكّة لم يكن ممّا حواه العسكر، ولهذا لم يقسّم بناءً على اختصاص التقسيم على المقاتلين بما حواه العسكر، ننتقل إلى الإشارة إلى واقعة حنين التي وقعت بعد فتح مكّة: قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَة وَيَوْمَ حُنَيْن إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * ثُمَّ يَتُوبُ اللّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾(1)، والذي يفهم من التأريخ هو: أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)لم يعطِ من غنائم حنين الأنصار شيئاً رغم اشتراكهم في الحرب، فقد نقل الشيخ المنتظري عن سيرة ابن هشام وغيرها من كتب السيرة والحديث أنّهم رووا ما محصّله: «ولمّا فرغ رسول الله(صلى الله عليه وآله)من ردّ سبايا حنين إلى أهلها... أعطى رسول الله(صلى الله عليه وآله) المؤلّفة قلوبهم وكانوا أشرافاً من أشراف الناس يتأ لّفهم ويتأ لّف بهم قومهم، فأعطى أبا سفيان، وابنه معاوية، وحكيم بن حزام، والحارث بن كلدة، والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، وحويط بن عبد العزّى، والعلاء بن جارية،


(1) سورة التوبة، الآية: 25 ـ 27.

331


وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، ومالك بن عوف النصري، وصفوان بن اُميّة كلّ واحد منهم مئة بعير، وأعطى دون المئة رجالاً من قريش منهم مخرمة بن نوفل، وعمير بن وهب، وهشام بن عمرو...

ولمّا أعطى رسول الله(صلى الله عليه وآله) ما أعطى من تلك العطايا في قريش وفي قبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء، وجد هذا الحيّ من الأنصار في أنفسهم حتّى كثرت منهم القالة، حتّى قال قائلهم: لقي والله رسول الله قومه، فدخل عليه سعد بن عبادة، فقال: يا رسول الله، إنّ هذا الحيّ من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قال: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ قال: يا رسول الله ما أنا إلّا من قومي، قال: فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة. فخرج سعد، فجمع الأنصار، فأتاهم رسول الله(صلى الله عليه وآله)فحمد الله وأثنى عليه، ثُمّ قال: يا معشر الأنصار، ما قالة بلغتني عنكم، وجُدة وجدتموها عليّ في أنفسكم؟ ألم آتكم ضلاّلاً فهداكم الله، وعالةً فأغناكم الله، وأعداء فألّف الله بين قلوبكم؟ قالوا: بلى، الله ورسوله أمَنّ وأفضل، ثُمّ قال:... ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم؟ فو الذي نفس محمّد بيده لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار... فبكى القوم حتّى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول الله قسماً وحظّاً. ثُمّ انصرف رسول الله(صلى الله عليه وآله)وتفرّقوا»(1).

وقد ورد في صحيح زرارة قال: «الإمام يجري وينفل ويعطي ما شاء قبل أن تقع السهام، وقد قاتل رسول الله(صلى الله عليه وآله) بقوم لم يجعل لهم في الفيء نصيباً وإن شاء قسّم ذلك بينهم»(2).


(1) راجع ولاية الفقيه للشيخ المنتظري، ج 3، ص 144 ـ 145.

(2) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 2، ج 9، ص 523 بحسب طبعة آل البيت.

332


وهذا الحديث وإن لم ينته إلى الإمام، وإنّما هذا الكلام كلام زرارة، لكنّه(رحمه الله) قد استشهد بمقطع تأريخيّ أو بمقاطع تأريخيّة من حروب رسول الله(صلى الله عليه وآله)، والظاهر: أنّه منها ما أشرنا إليه من واقعتي مكّة وحنين، أو واقعة حنين بالخصوص.

ثُمّ إنّ بعضهم طبّق التنافي المُتراءى بين آية الأنفال وآية الخمس والذي بحثناه حتّى الآن على آية الفيء الواردة في سورة الحشر وآية الخمس.

وتوضيح الأمر: أنّ الفيء يختلف معناه عن معنى الأنفال ولو فرضناه مصداقاً من مصاديق الأنفال، فكلمة «الأنفال» تعطي معنى النافلة والزيادة والأمر الثانوي، كما مضى فيما سبق، وكلمة «الفيء» تعطي معنى الرجوع، وكأنّ إطلاق ذلك على الغنيمة يكون بمناسبة أنّ الأرض وما فيها للمسلمين، فما يغنمونه من الكفّار كأنّه رجع إلى الملاّك الأصليين.

ونقل الشيخ مرتضى البروجرديّ(قدس سره) عن المرحوم والده(قدس سره): أنّه تسالم الأصحاب على أنّ ما يؤخذ من غير أن يوجف عليه بخيل ولا ركاب فهو من الفيء والأنفال، وهو لله ولرسوله، وبعده للقرابة، والمال المأخوذ من بني النضير حسب حكاية الكتاب في سورة الحشر وهو قوله تعالى: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُم...﴾ لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فهو لله ورسوله، ولا يشاركه شركاؤه في الخمس، مع أنّ الآية المتّصلة بهذه الآية صرّحت بعين ما صرّحت به آية الخمس من التقسيم السداسيّ مطبّقة ذلك على كلّ الغنيمة لا على الخمس، ومحصّل الشبهة: أنّ الآية الاُولى ساكتة عن بيان المصرف وتعيين من له المال، ومقتصرة على بيان: أنّه ما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب، ولكنّ الله يسلّط رسله على من يشاء، فإن كانت الثانية مبيّنة لإجمال الاُولى فيُنافيه ما هو المسلّم من أنّ المأخوذ بلا خيل ولا ركاب من الأنفال ليس فيه ذلك التقسيم السداسيّ وإن كانت مساوقة لآية الغنيمة: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم﴾ (الواقعة في سورة الأنفال)

333


فلا يوافق ما هو المسلّم أيضاً من أنّ المأخوذ بالقتال يخمّس، وخمسه يقسّم بين الطوائف المذكورة، وليس كلّه، وإن كانت متعرّضة لعنوان ثالث وكبرى اُخرى غير الفيء والغنيمة، فنحن لم نعرف تلك الكبرى التي لم يعنونها الفقهاء في كتب الاستدلال(1).

قال الشيخ مرتضى البروجرديّ(قدس سره) نقلاً عن اُستاذه السيّد الخوئيّ(قدس سره): أنّ الآية الاُولى موضوعها لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وهو الراجع إلى النبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله) والآية المباركة ظاهرة في ذلك، والروايات صريحة في ذلك، ولا خلاف في المسألة. وأمّا الآية الثانية فموضوعها ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى، والمراد به ما يؤخذ منهم بالقتال وبعد الغلبة عليهم ودخول قراهم، بقرينة المقابلة مع الآية الاُولى، ولم يذكر فيها أنّ ما يرجع إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله) أيّ مقدار ممّا غنمه المسلمون، إلّا أنّ آية الغنيمة قد كشفت القناع عنه وبيّنت أنّ ما يغنمه المسلمون فخمسه يرجع إليه(صلى الله عليه وآله) كما وبيّن أيضاً مصرفه في كلتا الآيتين، وهو التقسيم السداسيّ(2).

أقول: الظاهر: أنّ مقصوده(قدس سره) من قرينة المقابلة بين آيتي الفيء هي: أنّ الاُولى جعلت الكلّ للرسول(صلى الله عليه وآله) في حين أنّ الثانية بيّنت التقسيم السداسي، فهما متقابلتان، فالاُولى تحمل على ما أفاء الله على رسوله من دون قتال، كما هو واضح من الآية، والروايات صريحة في أنّه جميعاً لله والرسول، والثانية تحمل على فرض القتال; إذ لا يمكن أن يكون الحكمان المختلفان لموضوع واحد، إلّا أنّ الآية الثانية لم توضّح طريقة التقسيم السداسي، ولكن آية الغنيمة وضّحت طريقة التقسيم.


(1) راجع المستند، كتاب الخمس، أوّل بحث الأنفال، تحت الخطّ، ص 350 ـ 351 بحسب طبعة لطفي.

(2) راجع المصدر السابق، ص 352.