533

النيّة

العناصر الثلاثة للنيّة:

(51) النيّة شرط لكلّ صلاة، ونريد بها: أن تتوفّر العناصر التالية:

أوّلا: نية القربة؛ لأنّ الصلاة عبادة، وكل عبادة لا تصحّ بدون نية القربة، كما تقدّم في فصل أحكام عامّة للعبادات فقرة (1).

ثانياً: الإخلاص في النيّة، ونعني بذلك: عدم الرياء، فالرياء في الصلاة محرّم ومبطل لها، وقد تقدم تفصيل ذلك في فصل أحكام عامّة للعبادات فقرة (8).

ثالثاً: أن يقصد المصلّي الاسم الخاصّ للصلاة التي يريد أن يصلّيها، المميِّز لها شرعاً إذا كان لها اسم كذلك، كصلاة الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء، ونوافلها، وصلاة الليل، وصلاة الآيات، وصلاة الجمعة، وصلاة العيد، وصلاة الاستسقاء، وهكذا. وإذا كانت مجرّد صلاة ركعتين مستحبّة استحباباً عاماً ـ إذ أنّ صلاة ركعتين مستحبّة على العموم ـ اكتفى بنيّة أن يصلّي ركعتين قربةً إلى الله تعالى.

وعلى هذا الأساس تعرف أنّ من أراد أن يصلّي إحدى الفرائض؛ أو إحدى الصلوات التي لها اسم خاصّ مميّز لها شرعاً فعليه أن يقصد ذلك الاسم، سواء كانت فريدةً ولم يكن لها شريكة في العدد والكمّ ـ كصلاة المغرب ـ أو كانت هناك صلاة اُخرى مماثلة لها، كصلاة الفجر التي تماثلها تماماً نافلة الفجر.

وبكلمة: أنّ هذا القصد واجب بنفسه، سواء كان يحصل الاشتباه بدون هذا القصد أوْ لا.

هذه هي عناصر النيّة الثلاثة.

534

(52) والعنصران الأول والثاني لابدّ من مقارنتهما لكلّ أجزاء الصلاة من تكبيرة الأحرام إلى آخر الأجزاء، ولا نعني بالمقارنة أن لاتتقدّم النية على الصلاة، بل أن لاتتأخّر عن أوّل جزء من أجزائها وهو تكبيرة الإحرام. فمن نوى أن يصلّي قربةً إلى الله تعالى، ولكن أخّره عن تكبيرة الإحرام الفحصُ عن التربة ـ مثلا ـ ثمّ وجدها فكبّر على أساس تلك النية صحّت صلاته.

كما أنّ مقارنة النيّة لكلّ الأجزاء لايعني أنّ المصلّي يجب أن يكون منتبهاً إلى نيّته إنتباهاً كاملا كما كان في اللحظة الاُولى، فلو نوى وكبرّ ثمّ ذهل عن نيته وواصل صلاته على هذه الحال من الذهول صحّت صلاته ما دامت النية كامنةً في أعماقه، على نحو لو سأله سائل ماذا تفعل ؟ لانتبه فوراً إلى أنّه يصلّي قربةً إلى الله تعالى.

(53) وأمّا العنصر الثالث في النية ـ وهو قصد الاسم الخاصّ للصلاة المميِّز لها شرعاً ـ فيجب أن يستمرّ مع الصلاة أيضاً، فإذا نوى المصلّي في الأثناء صلاةً اُخرى وأتمّها على هذا الأساس بطلت صلاته؛ إلّا في حالتين:

(54) الاُولى: أن يكون ذلك ذهولا أو نسياناً، كما إذا أقام صلاة الصبح كفريضة واجبة، وفي أثنائها تخيّل أنّها نافلة وأتمّها قاصداً بها النافلة فإنّ الصلاة في هذه الحال تصحّ صبحاً كما نواها من قبل، وإذا أقامها نافلةً منذ البداية وفي الأثناء تخيّل أنّه يصلّي الصبح الواجبة وأتمّها كذلك صحّت نافلته كما نواها أوّلا.

وبكلمة: تقاس الصلاة بالباعث الأول، ولا أثر لمجرّد التصوّر والتخيّل الطارئ الناشئ من الغفلة والنسيان.

(55) الثانية: أن يبدِّل نيّته إلى الصلاة الاُخرى في حالات يسوغ فيها نقل النية من صلاة إلى صلاة اُخرى، ويسمّى ذلك فقهيّاً بالعدول.

535

فمنها: أن يصلّي العصر ويتذكّر أنّه لم يصلّ الظهر، فيعدل إليها ويكمّلها ظهراً، ثمّ يصلّي العصر.

ومنها: أن يصلّي العشاء ويتذكّر قبل الركوع الأخير أنّه لم يصلّ المغرب،فيعدل إليها ويكمّلها مغرباً، ثمّ يصلّي العشاء.

ومنها: أن يصلّي صلاةً ويتذكّر أنّ عليه صلاة قضاء سابقةً عليها زماناً، ويمكن أن تتطابق مع ما أدّاه، فيسوغ له العدول إليها.

(56) وقد تسأل: إذا عدل المصلّي بنيّته إلى صلاة اُخرى حيث لا يسوغ له العدول، كمن نوى الظهر في صلاته ثمّ انتقل بنيته إلى العصر، وبعد هذا العدول بدا له أن يرجع إلى نيته الاُولى، وبالفعل عاد ورجع إلى نية الظهر فهل تصحّ صلاته في هذا الفرض ؟

الجواب: إن لم يأتِ بشيء على الإطلاق في هذه الحالة فصلاته صحيحة، وإن أتى بشيء: فإن كان الفعل المأتي به لايقبل التدارك ـ كالركوع ـ بطلت الصلاة، ولا أثر لإتمامها وإكمالها. وإن كان من النوع الذي يقبل التدارك، كما لو تشهّد ـ مثلا ـ بنية العصر ثمّ عاد إلى نية الظهر فصلاته صحيحة، وعليه أن يعيد تشهّده بنية الظهر؛ وصحّت منه ظهراً.

وستعرف في باب الخلل ما الذي يقبل التدارك وما الذي لايقبل.

(57) وإذا قصد المصلّي الاسم الخاصّ المميّز للصلاة شرعاً فليس من الضروريّ أن يعيّن كونها لأيّ يوم، فمن علم أنّ عليه فريضةً يوميةً واحدةً كالظهر ـ مثلا ـ ولكن لا يدري هل هي لهذا اليوم، أو ليوم مضى كان قد تركها فيه لسبب أو لآخر ؟ عليه أن يصلّيها قاصداً اسمها الخاصّ، وهو صلاة الظهر، وليس عليه أن

536

يحدّد أنّها لهذا اليوم أو ليوم مضى (1).

 


(1) أمّا لو توقّف تطبيق الامتثال على الصلاة الأدائيّة أو صلاة اليوم الحاضر على نيّة صلاة هذا اليوم وجبت هذه النيّة.
توضيح ذلك: أنّ التردّد بين صلاتين متماثلتين يتصور بعدّة أنحاء:
الأوّل: أن يعلم بأنّ معلومه له تعيّن في الواقع رغم جهله به، مثاله: لو علم أنّ عليه صلاة ظهر واحدةً وليس عليه أكثر من ذلك فتلك الصلاة لها تعيّن في صفحة الواقع يقيناً وإن لم يعلمها هو، وهنا لا إشكال في كفاية نيّة صلاة الظهر ـ مثلاً ـ بلا حاجة إلى تعيين اليوم أو تعيين القضاء والأداء ونحو ذلك مادام العنوان لم يثبت كونه مقوّماً للمأمور به المشروط بالنيّة.
ومثاله الآخر: ما لو كان عليه أكثر من واحدة ولكنّ المكلّف أشار بعنوان ما إلى ما جعل المتعلّق معيّناً في صفحة الواقع، كما لو نوى الصلاة التي حلّ وجوبها عليه في حين كونه في الغرفة الفلانية وتلك لم تكن إلّا صلاةً واحدة، وعندئذ لا تبقى في المقام أيضاً حاجة إلى نيّة عنوان آخر كالقضاء.
الثاني: أن لا يعلم بتعيّن للمعلوم في صفحة الواقع، أو يعلم بعدم تعيّنه ولكن كلا الطرفين كانا قضاءً، كما لو كان قد فاته ظهران ليومين، وهنا لا يجب التعيين في النيّة بأن ينوي قضاء اليوم الفلاني أو قضاء اليوم الآخر مادام أنّ الثابت في الذمّة ذات القضاء وليست خصوصيّة اليوم وقلنا بعدم وجوب الترتيب في قضاء الفوائت إلّا المرتّبة فيما بينها.
الثالث: نفس الفرض السابق بفرق أنّ أحد الطرفين كان قضاءً والثاني كان أداءً، كما لو كان عليه ظهران أحدهما للأمس والثاني لهذا اليوم وبين الواجبين فرق وهو أنّ الثاني مضيّق، إذ لابدّ من الإتيان به قبل الغروب ـ مثلاً ـ في حين أنّ متعلّق الحكم الأوّل موسّع، وهنا لا سبيل لتعيّن الامتثال على الثاني حتّى يسقط عنه قيد الإتيان في الوقت المعيّن الثابت في ذمّته إلّا عن طريق التعيين بالنيّة فيجب، ولا نعني بذلك نيّة الأداء حتماً، بل تكفي نيّة اليوم، ويظهر أثر الفرق بين نيّة الأداء ونيّة اليوم فيما إذا شكّ في انتهاء الوقت، ووجب تمييز الصلاة على

537

(58) وإذا تخيّل وتوهّم أنّ الفريضة التي عليه ليوم مضى، فنواها معتقداً أنّها ليوم مضى، وبعد أن أدّاها وأتى بها بهذا الاعتقاد انكشف أنّها لليوم الحالي لا للماضي صحّت صلاته، ولا إعادة عليه. ومثله: ما لو تخيّل أنّها لليوم الحالي فتبيّن أنها للسابق.

هذه صورة موجزة للعناصر الثلاثة للنية.

أسئلة حول العناصر الثلاثة:

وقد تُطرح عدّة تساؤلات بهذا الصدد:

(59) فأولا: أنّ بعض الصلوات واجبة، وبعضها مستحبّة، فهل من الضروريّ للمصلّي حين يصلّي أن يستحضر في نيّته أنّ هذه الصلاة التي يصلّيها واجبة أو مستحبّة؟

والجواب: أنّه لا يلزم ذلك ما دام ناوياً امتثال أمر الله.

(60) وثانياً: أنّ الرياء قد يكون في أصل الصلاة وأجزائها الواجبة، كأن يصلّي رياءً فتبطل صلاته، وقد يكون في مستحبّاتها وآدابها، كإنسان يصلّي لله ـ على أيّ حال ـ ولكنّه يحرص على أن يؤدّي صلاته بآداب ومستحبّات إضافية من أجل الرياء، فهل تبطل صلاته من الأساس لأجل هذا الرياء؟

والجواب: أنّ المستحبّ: تارةً يتمثّل في فعل معيّن يتميّز عن واجبات الصلاة كالقنوت، واُخرى يتمثّل في حالة عامّة تتّصف بها الصلاة، من قبيل كونها



تقدير بقاء الوقت عن الصلاة القضائيّة، فعندئذ ليس عليه أن ينوي الأداء، ويكفي أن ينوي صلاة هذا اليوم الذي يحتمل انتهاءه ويحتمل عدم انتهائه.
538

في المسجد، أو إيقاعها في أوّل الوقت، ونحو ذلك. ففي الحالة الاُولى لا تبطل الصلاة بالرياء في فعل المستحبّ، ولكنّ المكلّف يأثم من أجل ريائه. وفي الحالة الثانية صورتان:

الاُولى: أن يكون المكلّف قاصداً التمويه والتدليس على كلّ حال، صلّى أم لم يصلّ.

ومثاله: أن يقصد التواجد في المسجد رياءً ليوهم الآخرين بأنّه من روّاد المساجد، وخلال ذلك يعنّ له أن يصلّي لله، فإذا أدّى الصلاة في هذه الحال تكون صلاته صحيحة.

الثانية: أن يقصد التدليس والرياء من أجل الصلاة.

ومثاله: أن يقصد المصلّي من التواجد في المسجد أن يُظهِرَ للآخرين رياءً حرصه على اختيار الأفضل لصلاته، وعندئذ تكون صلاته باطلة.

وثالثاً: (61) قد يدخل الإنسان في الصلاة ويأتي بشيء منها، ثمّ ينوي قطعها والخروج منها، أو ينوي فعل ما لا يسوغ فعله في أثنائها، فما هو الحكم في ذلك ؟

الجواب:إذا عاد إلى نيّته الاُولى قبل أن يأتي بشيء من الصلاة أو بما ينافيها ويبطلها صحّت صلاته إذا أتمّها على الوجه المطلوب، وإذا أتمّ الصلاة وهو على نية القطع أو على نية فعل المنافي والمبطل بطلت صلاته، حتّى ولو لم يفعل شيئاً محسوساً ينافيها، بل حتى ولو كان متردّداً بين القطع والإتمام.

وإذا أتى بشيء من الصلاة بعد نيّة القطع ثمّ عاد إلى نيته الاُولى فينظر:

هل أتى في تلك الحالة بالركوع أو السجود، أو أتى بشيء آخر من أفعال الصلاة كالتشهد والفاتحة والذكر ؟

ففي الحالة الاُولى تبطل صلاته على أيّ حال، وفي الحالة الثانية تبطل

539

الصلاة إن نوى بذلك التشهّد ـ مثلا ـ أنّه جزء من هذه الصلاة التي نوى قطعها، وإن لم ينوِ ذلك وإنّما أتى به كشيء مستقلٍّ عن الصلاة فبإمكانه إذا عدل عن نية القطع أن يعيد ثانيةً ما أتى به حالها، ويواصل صلاته ولا شيء عليه.

حالات من الشكّ:

(62) قد يبدأ الإنسان صلاته وهو يشكّ في قدرته على إكمالها.

ومثاله: أن يصلّي المكلّف في مكان مقدّس يكثر فيه الزحام ـ كما يحدث ذلك أيام الحجّ وموسم الزيارات ـ محتملا وراجياً أن يؤدّي صلاته بالكامل، وهو في حال الاستقرار غير مضطرب يمنةً ويسرةً، فإذا اتّفق وصادف الاستقرار وعدم الاضطراب صحّت صلاته وقبلت.

(63) ومن صلّى أو بدأ بصلاته في مجمع من الناس ثمّ شكّ في أنّه هل كان يصلّي من أجل الله، أو من أجل أن يراه الناس؟ فلا قيمة لصلاته مع هذا الشكّ.

(64) ومن صلّى أو بدأ صلاته في مجمع من الناس وهو متأكّد من أنّه يصلّي لله، بمعنى أنّه لو كان وحده لصلّى أيضاً، ولكنّه شكّ واحتمل في نفسه الرياء، أيّ أنّه أشرك الناس مع الله في دوافعه وبواعثه فصلاته صحيحة، ويلغى هذا الشكّ عملياً.

(65) ومن دخل في الصلاة وأتى بشيء منها، وقبل أن يتمّها شكّ وتردّد هل كان قد دخل فيها بنية الظهر، أو بنية العصر فماذا يصنع؟

الجواب: إن لم يكن قد أتى بالظهر قبلا أتمّها ظهراً وعقّب بالعصر. وإن كان قد صلّى الظهر بطلت صلاته؛ واستأنفها من جديد بنية العصر. والشيء نفسه يصدق إذا دخل في صلاة ثمّ شكّ في أنّه نواها مغرباً أو عشاءً؟ فإنّه: إن لم يكن قد أتى بالمغرب نواها مغرباً ما لم يكن قد ركع الركوع الرابع، ثمّ عقّب بالعشاء.

540

وإن كان قد صلّى المغرب بطلت صلاته، واستأنفها من جديد بنية العشاء.

(66) وإذا قصد وتهيّأ لصلاة الظهر الواجبة عليه الآن ـ مثلا ـ وبعد أن شرع ودخل في الصلاة شكّ وتردّد هل هذه الصلاة هي التي تهيّأ لها، أو أنّه كان قد نواها لصلاة فائتة ـ مثلا ـ لم يكن قد قصدها (1) وتهيّأ لها؟ بطلت صلاته، واستأنف صلاةً جديدةً بنية معينة ومحدّدة من ظهر أو عصر أو نحو ذلك.

(67) وقد يجد الإنسان نفسه في صلاة وهو ينويها ظهراً أو فجراً لهذا اليوم، ولكنّه يشك ويتردّد هل أنّه دخل في هذه الصلاة بنفس النيّة التي يجدها في نفسه الآن، أو أنّه كان قد نواها في البدء ظهراً ليوم سابق أو نافلة ؟ وعليه في هذه الحالة أن لا يكتفي بهذه الصلاة، ويستأنفها من جديد بنية معينة ومحدّدة.

 


(1) كأنّ المقصود: أنّه على تقدير أن يكون قد نواها لصلاة فائتة لم تكن نيّة جدّيّة، بل كانت نوعاً من حالة الذهول.
541

الشروط والأجزاء العامّة

الباب الثاني

في الأجزاء

 

 

○   تكبيرة الإحرام.

○   القراءة في الركعة الاُولى والثانية.

○   الركوع.

○   السجود.

○   التشهّد والتسليم.

○   ما يقرأ في الركعتين الأخيرتين.

○   القنوت.

○   الصلاة قائماً أو جالساً.

○   كيف تؤدّى الأجزاء؟

 

 

543

تكبيرة الإحرام

 

(68) وهي قول: « الله أكبر »، وبها تُفتح الصلاة، فإنّها تبدأ بتكبيرة الإحرام. وفي الحديث: « وتحريمها (أي الصلاة) التكبير، وتحليلها التسليم »(1).

والمعنى: أنّ المصلّي متى كبَّر للصلاة فقد دخل فيها وصار من المصلّين، وحرم عليه كلّ ما يحرم على المصلّي من أشياء حتّى يخرج منها بالتسليم، ومن أجل ذلك كانت تكبيرة الإحرام أوّل أجزاء الصلاة دون النيّة، إذ بمجرد النية لا تبدأ الصلاة، ولا يحرم ما يحرم على المصلّي.

الصيغة:

(69) وللتكبيرة صيغة عربية محدّدة، كما ذكرنا قبل لحظة، ولا يجزي عنها قول: الله الأكبر، أو الخالق أكبر، أو الله العظيم أكبر. كما لا يجزي عنها أيضاً


(1) وسائل الشيعة 4: 715، الباب 1 من أبواب تكبيرة الإحرام، ذيل الحديث 10.
544

ما يعادلها في أيّ لغة اُخرى.

ومن جهل هذا التكبير فعليه أن يتعلّمه، وإن ضاق الوقت عن التعلّم تلقّنه المصلّي من غيره، فإن تعذّر التلقين أتى بها على النحو الممكن له.

وإذا لم يتيسّر للأجنبي عن اللغة العربية أن يأتي بها على أي نحو أمكنه أن يُحرِمَ بما يعادلها في لغته.

(70) ويجب أن يكون تكبير الإحرام مستقلاًّ بمعناه، لا صلة له بما قبله من كلام وذكر ودعاء، ولا يلحق به بعده مايتمّمه ويكمّله، فلا يجوز أن يأتي المصلّي بتكبير الإحرام في ضمن قوله مثلا: (قال الملائكة واُولوا العلم الله أكبر)، ولا في ضمن قوله مثلا: (الله أكبر من كلّ شيء).

(71) وكما يجب أن يؤدّى تكبير الإحرام مستقلاًّ في معناه كذلك يجب أن يؤدّى مستقلاًّ في لفظه، بمعنى أنّ من تكلّم قبل التكبير بأيّ شيء فعليه أن يقف على الحرف الأخير الذي قبل همزة الله أكبر؛ لأنّه لو تحرّك لاُدمجت همزة كلمة الجلالة بما قبلها، أو وقعت على غير الاُصول والقواعد العربية.

(72) والأخرس وغيره ممّن عجز عن النطق لسبب طارىً يعقد قلبه بتكبيرة الإحرام مع الإشارة بالإصبع وتحريك اللسان إن استطاع إليه سبيلا.

الشروط:

(73) يجب أن يكون تكبير الإحرام في حال القيام، بل لابدّ من القيام أوّلا قبل التكبير، كمقدمة وتمهيد للعلم بأنّه قد حصل بكامله في هذه الحال، وكلّما وجب القيام وجبت فيه خصائص معيّنة، كالسكون والاستقرار والانتصاب والاعتدال، كما يأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ في الفقرة (151).

545

العدد:

(74) والواجب في تكبير الإحرام مرّة واحدة. ويستحبّ أن يُزاد قبله « الله أكبر » ستّ مرّات أو أربع مرّات أو مرّتين، وفي سائر الأحوال فإنّ على المصلّي أن ينوي في التكبير الأخير تكبيرة الإحرام الواجبة التي بها يتمّ الدخول في الصلاة (1).

(75) ويستحبّ للمصلّي أن يرفع يديه حال تكبير الإحرام إلى اُذنه، أو حيال وجهه موجّهاً باطنهما إلى القبلة، وأن يضمّ أصابعه مجموعة.

الخَلل:

(76) من ترك تكبيرة الإحرام فلا صلاة له، سواء كان عامداً في تركه وعالماً بوجوبها، أو ناسياً ذاهلا عنها، أو جاهلا بوجوبها.

وكذلك مَن ترك القيام حال التكبيرة فكبّر للإحرام جالساً، ومن كبّر قائماً ولكن بدون استقرار أو انتصاب في القيام فصلاته صحيحة إن كان ذلك منه لنسيان، أو لتخيّل أنّ هذه الاُمور غير واجبة في القيام، وأمّا إذا أخلّ بها وتهاون عامداً عالماً بطلت صلاته.

ومن كبّر للإحرام ثمّ كبّر كذلك ثانيةً فقد زاد في صلاته، فإن كان عامداً في الزيادة فصلاته باطلة، وإن كانت سهواً أو جهلا وتخيّلا أنّ ذلك لايضرّ فصلاته صحيحة.

 


(1) الظاهر أنّ أوّل تكبيرة صحيحة تصبح هي تكبيرة الإحرام ـ أي: يتمّ بها الدخول في الصلاة ـ فلو بطلت الاُولى تصبح الثانية هي تكبيرة الإحرام، وهكذا.
546

الشكّ:

(77) إذا شكّ قبل الدخول في القراءة الواجبة ـ سورة الفاتحة ـ في أنّه هل كبّر تكبير الإحرام؟ أتى به، وإذا شكّ في ذلك بعد الدخول في القراءة الواجبة يمضي ولا يلتفت.

وإذا علم بأنّه كبّر وشكّ في صحّة التكبير يمضي ولايلتفت إلى شكّه، سواء حصل له هذا الشكّ بعد الدخول في الفاتحة، أو قبل ذلك.

 

القراءة في الركعة الاُولى والثانية

 

نعني بالقراءة: ما يجب قراءته في الصلاة من القرآن الكريم. وقد جاء في الحديث: « لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب »(1).

الواجب من القراءة:

(78) والواجب من القراءة على المصلّي بعد أن يكبّر تكبيرة الإحرام أن يقرأ الفاتحة وسورةً كاملةً بعدها (2)، وذلك في الركعة الاُولى، كما يجب أن يقرأ نفس الشيء في الركعة الثانية عند إكماله للركعة الاُولى، ونهوضه منتصباً


(1) مستدرك الوسائل 4: 158، الباب 1 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 5 و 8 . وورد في الوسائل (4: 732، الباب 1 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 1) عن محمّد ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته؟ قال(عليه السلام): «لا صلاة له إلّا أن يقرأ بها».
(2) تكميل السورة يكون أحوط وجوباً.
547

للركعة الثانية.

ولا تكون السورة كاملةً إلّا إذا بدأها الإنسان بالبسملة ـ والبسملة هي: بسم الله الرحمن الرحيم ـ كلّ ما كانت مبدوءةً بها في المصحف الشريف، فالبسملة تعتبر الجزء الأول والآية الاُولى من كلّ سورة، باستثناء سورة التوبة.

(79) وفاتحة الكتاب لا غنىً لصلاة عنها، وأمّا السورة التي بعدها فتجب، إلّا في الحالات التالية:

أوّلا: أن تكون الصلاة من النوافل اليومية، أو ما يشبهها من الصلوات المستحبة الاُخرى، فلا تجب فيها السورة وإن كان الأفضل قراءتها، ولا فرق في عدم الوجوب بين النافلة التي أصبحت بنذر ونحوه واجبةً والنافلة التي ظلّت مستحبّة.

ثانياً: أن يكون الإنسان ممّن يشقّ عليه أن يقرأ السورة ويضيق بذلك من أجل مرض مثلا، أو لاستعجاله في شأن من شؤونه التي تهمّه، فيسوغ له والحالة هذه أن يقتصر على الفاتحة.

ثالثاً: إذا ضاق وقته عن الفاتحة والسورة معاً فيترك السورة من أجل أن يضمن وقوع الصلاة بكاملها في الوقت، أو وقوع أكبر قدر ممكن منها في وقتها.

وهناك حالة اُخرى تأتي الإشارة إليها في أحكام صلاة الجماعة إن شاء الله تعالى.

شروط السورة الواجبة:

تَرَكَ الشارع الأقدس للمصلّي اختيار السورة التي يقرأها بعد الفاتحة، ولكن مع أخذ الشروط والملاحظات الآتية بعين الاعتبار:

548

(80) أوّلا: يسوغ للمصلّي أن يختار مايشاء من السور الطوال والقصار، ولكن بشرط أن لايفوت الوقت مع السورة الطويلة، وإن عاكس وخالف واختارها في الوقت الضيّق بطلت صلاته (1)، وإن اختار عن غفلة وذهول سورةً طويلةً لا يتّسع الوقت لها ثمّ انتبه وأفاق من غفلته في الأثناء وجب عليه أن يعدل إلى سورة يسعها الوقت، وإن استمرّت غفلته إلى ما بعد الفراغ بطلت صلاته (2).

(81) ثانياً: لا يسوغ للمصلّي أن يختار إحدى سور العزائم الأربع التي تقدم ذكرها في الفقرة (45) من فصل الغسل، وإنّما لا يسوغ له ذلك لأنّ هذه السورة فيها آيات توجب السجود وتجعل المصلّي يواجه محذوراً، وهو أن يسجد من أجل تلك الآيات في نفس الصلاة.

فإذا اختار ـ على الرغم من ذلك ـ قراءتها وقرأ الآية التي توجب السجود وجب عليه أن يسجد ويعيد صلاته، ولكن إذا لم يسجد كان آثماً وصحّت صلاته.

ومن ذهل عن المحذور الذي قلناه وقرأ إحدى العزائم في صلاته، ثّم انتبه إلى سهوه وغفلته فماذا يصنع؟

الجواب: إن تذكّر وانتبه قبل أن يقرأ آية السجدة عدل عن سورة العزيمة إلى غيرها وصحّت صلاته، وكذلك تصحّ لو تذكّر بعد أن قرأ آية السجدة وبعد أن سجد من أجلها في أثناء الصلاة سهواً عن المحذور؛ لأنّ مثل هذه الزيادة غير المقصودة لا تبطل الصلاة.

وقد تسأل: وماذا يصنع المصلّي إذا استمع إلى آية السجدة وهو يصلّي؟

والجواب: أنّه إذا سمعها صدفةً من غير قصد وإصغاء يمضي في صلاته


(1) على الأحوط.
(2) على الأحوط.
549

ولا شيء عليه، وإذا استمع لها وأصغى أومأ إلى السجود برأسه وأتمّ الصلاة وصحّت صلاته.

وما ذكرناه حول سور العزائم يختصّ بصلاة الفريضة. أمّا قراءتها في النافلة فجائزه ولا محذور فيها، ويسجد عند قراءة آية السجدة ثمّ يقوم ويواصل صلاته.

(82) ثالثاً: يجب تعيين السورة عند الشروع في البسملة، فإذا بسمل بدون أن يعيّن السورة التي يريد قراءتها لم تُجزِهِ هذه البسملة، وإذا بسمل لواحدة بعينها ثمّ عدل عنها إلى غيرها فعليه أن يبسمل للمعدول إليها، وإذا بسمل للسورة التي سيقع عليها اختياره بعد البسملة فلا بأس، وإذا بسمل لمعينة ثمّ غابت عن ذاكرته فكأنّه لم يبسمل اطلاقاً، وعليه أن يستأنف التعيين والبسملة من جديد.

وإذا كان من عادته أن يقرأ سورةً معيّنةً كسورة الإخلاص ـ مثلا ـ فبسمل جرياً على هذه العادة كان ذلك تعييناً، ولو لم يحضر في ذهنه اسم سورة الإخلاص في تلك اللحظة.

(83) رابعاً: كما يملك المصلّي في البدء اختيار السورة التي يقرأها بعد الفاتحة كذلك الحال بعد أن يختار سورة، فإنّ له أن يعدل عنها إلى سورة اُخرى، إلّا في الحالات التالية:

أوّلا: إذا بلغ ثلثي السورة فلا يسوغ له حينئذ العدول عنها إلى اُخرى.

ثانياً: إذا اختار في البدء سورة الإخلاص أو الكافرون وبدأ بقراءتها فلا يسوغ له العدول عنها حتّى من إحداهما إلى الاُخرى، ولو لم يبلغ الثلثين.

ثالثاً: إذا اختار في الركعة الاُولى من صلاة الجمعة أو ظهر الجمعة سورة الجمعة، أو اختار في الركعة الثانية منها سورة المنافقين وبدأ بقراءتها فلا يسوغ له العدول عنها إلى غيرها.

(84) وهذه الحالات التي لا يسوغ فيها العدول لا تشمل المضطرّ إلى

550

العدول، كما إذا بدأ بالسورة ونسي بعضها، أو ضاق الوقت عن إتمامها ففي مثل ذلك يسوغ له العدول مهما كان نوع السورة التي بدأ بها ومقدار ما قرأ منها.

وكذلك لا تشمل من يصلّي صلاة النافلة فإنّ له العدول كيفما أحبّ، ولا تشمل أيضاً من نوى في صلاة الجمعة أو ظهرها أن يقرأ سورة الجمعة في الركعة الاُولى والمنافقين في الركعة الثانية، ولكنّه غفل وبدأ بسورة اُخرى. فإنّه يجوز له ـ على أيّ حال ـ العدول حينئذ إلى سورة الجمعة والمنافقين كما نوى أوّلا.

وإذا نوى سورةً كسورة القدر ـ مثلا ـ عندما بسمل ولكن سبق لسانه إلى قراءة الإخلاص دون أن يكون قاصداً لسورة الإخلاص حقّاً فلا يضرّه أن يبقى على نيّته الاُولى ويقرأ سورة القدر، ولا يعتبر ذلك عدولا من سورة الإخلاص، بل لا يكتفي بما قرأه؛ لأنّه بدأ بها بدون قصد.

شروط القراءة:

يشترط في القراءة ما يلي:

(85) أوّلا: أن تكون السورة بعد إكمال قراءة فاتحة الكتاب، فلا يسوغ تقديمها عليها.

(86) ثانياً: أن تكون القراءة صحيحة، وذلك يحصل بمراعاة الفقرات الآتية:

(87) ـ أ ـ أن يعتمد في معرفة النصّ القرآني على ما هو مكتوب في المصحف الشريف، أو على قراءة مشهورة متلقّاة من صدر الإسلام وعصر

551

الأئمّة (عليهم السلام) ويدخل في ذلك القراءات السبع المشهورة(1).

وعلى هذا الأساس يسوغ للمصلّي أن يقرأ « مالك يوم الدين » أو « ملك يوم الدين »، وأن يقرأ « صراط الّذين » أو « سراط الّذين » بالصاد أو بالسين، ويسوغ له في « كُفواً » من سورة الإخلاص أن يقرأ بضمّ الفاء وبسكونها مع الهمزة أو الواو، أي « كُفُواً » و « كُفْواً » و « كُفُؤاً » و « كُفْءاً »، وهكذا؛ لأنّ هذه الترتيبات كلّها جاءت في القراءات المشهورة المقبولة.

وأمّا إذا لم تكن القراءة مشهورةً في صدر الإسلام فلا يسوغ الاعتماد عليها في تحديد النصّ القرآني، فهناك ـ مثلا ـ من قرأ « ملكَ يومَ الدين » وجعل « ملك » فعلا ماضياً مبنياً على الفتح، وهذا شاذّ لا يسوغ الاعتماد عليه في الصلاة.

ولا بأس أن يقرأ المصلّي في المصحف، أو يتلقّن القراءة ممّن يحسنها ويتقنها، فقد لا يكون الإنسان مستظهراً(2) للفاتحة ولسورة اُخرى في بداية شرح صدره للإسلام وعزمه على إقامة الصلاة، فيقرأ ذلك في المصحف، أو يقرأ عليه شخص آخر النصّ الشريف آيةً آيةً وهو يكرّرها.

وإذا لم يتيسّر له شيء من ذلك وكان يحسن قراءة الفاتحة وبعض السورة ووقت الفريضة لا يتّسع لتعلّم سورة بالكامل قرأ ما يحسن، وإذا أحسن بعض الفاتحة والحالة كذلك قرأ هذا البعض، وكان جديراً احتياطاً وجوباً بأن يعوّض عمّا فات من الفاتحة بما يحسن من آي الذكر الحكيم بقدر ما فات من الفاتحة،


(1) القراءات السبع المشهورة هي قراءات: عبد الله بن عامر، وعبد الله بن كثير، وعاصم، وأبي عمرو بن العلاء، وحمزة بن زيّات، ونافع، والكسائي.(منه (رحمه الله)).
(2) استظهار الفاتحة معناه حفظها.(منه (رحمه الله)).
552

ويقاس ما فاته بالمقدار، لا بعدد الآيات، فلا يعوّض عن الآية الطويلة نسبيّاً بآية أقصر منها.

وإن لم يحسن شيئاً من الفاتحة وغيرها من السور كان جديراً احتياطاً ووجوباً بأن يكبّر ويهلّل ويسبّح بقدر الفاتحة ريثما يتعلّمها.

(88) ـ ب ـ أن يحافظ في القراءة على حركات الإعراب، وما هو مقرّر لكلّ حرف في اللغة العربيّة من ضمٍّ أو فتح أو كسر أو سكون، ويستثنى من ذلك الحرف الأخير من الآية، أو من الجملة المستقلّة التي يصحّ الوقوف عندها في القراءة، إذا كان هذا الحرف الأخير في كلمة معربة وعليه فتحة أو ضمّة أو كسرة، فإنّه يجوز للمصلّي إذا وقف عليه أن ينطق به مضموماً أو مكسوراً مثلا، كما يجوز له أن يسكّنه، فيقول مثلا: « الحمد لله ربّ العالمينْ » بدلا عن « الحمد لله رب العالمينَ »، وإذا لم يقف عليه وقرأه مع الآية التي بعده بنفس واحد جاز له أيضاً كِلا الأمرين.

(89) ـ ج ـ إخراج المصلّي الحروف من مخارجها على نحو يعتبر العرب راءه راءً وضاده ضاداً وذاله ذالا، وهكذا.

(90) ـ د ـ قد تكون الكلمة مبدوءةً بالهمزة، ككلمة « الله »، وكلمة « إيّاك »، فإذا اُريد النطق بها بصورة ابتدائيّة وجب النطق بالهمزة، وأمّا إذا كانت قبلها كلمة تنتهي بحرف متحرّك أي: مضموم أو مكسور ـ مثلا ـ واُريد قراءة الكلمتين درجاً ـ أي: مع إبراز ما في الحرف الأخير من حركة ـ فتحذف الهمزة في الكلمة الثانية إذا كانت همزة وصل، ويحافظ عليها إذا كانت همزة قطع.

ومثال الأوّل: أن تقرأ « بسم الله الرحمن الرحيم »، فإنّ همزة « الله » تحذف هنا، وكذلك همزة « الرحمن »، وهمزة « الرحيم »، أو أن تقرأ « وإيّاك نستعين اهدنا الصراط المستقيم » فإنّ همزة « إهدنا » وهمزة « الصراط » وهمزة

553

« المستقيم » تحذف جميعاً.

ومثال الثاني: أن تقرأ « مالك يوم الدين إيّاك نعبد وإيّاك نستعين » فإنّ همزة « إيّاك » همزة القطع فلا تحذف.

ومثال آخر: « صراط الذين أنعمت عليهم » فإنّ همزة « أنعمت عليهم » لا تحذف.

(91) ـ هـ ـ يدخل على الكلمة الألف واللام، فتقول: « الحمد » و « الرحمن » و « الرحيم »، وهكذا، وفي حالات معيّنة يتوجّب على القارئ أن لا يتلفّظ باللام، ويسمّى ذلك إدغاماً، لِـلاّم، فكأنّ الألف ترتبط مباشرةً بالحرف الأول من الكلمة مع تشديده، وتلك الحالات هي فيما إذا كانت الكلمة التي دخلت عليها الألف واللام مبدوءةً بالتاء، أو الثاء، أو الدال، أو الذال، أو الراء، أو الزاي، أو السين، أو الشين، أو الصاد، أو الضاد، أو الطاء، أو الظاء، أو النون. وإذا كانت الكلمة التي دخلت عليها الألف واللام مبدوءة باللام كاسم الجلالة « الله » فالإدغام سوف يسقط اللام الاُولى عند التلفّظ، ولكنّه يشدّد اللام الثانية، وبذلك يكون النطق بلامين؛ لأنّ التشديد عوض عمّا سقط بالإدغام، وفي غير ذلك يجب النطق باللام.

وعلى هذا الأساس لاتنطق باللام حين تقرأ « الله »، « الرحمن »، « الرحيم »، « الصراط »، « الضالّين »، وتنطق بها حين تقرأ « الحمد »، « العالمين »، « المستقيم ».

(92) وكلّ من كان جاهلا بالقراءة الصحيحة، أو عاجزاً عن الإعراب، أو عن النطق بالكلمة وحروفها كما يجب ـ كالذي في لسانه ثقل أو ينطق الراء غيناً أو الأجنبي عن اللغة ـ يجب عليه أن يتعلّم ويحاول ما أمكن، فإن لم يتيسّر له رغم المحاولة فهو معذور تصحّ الصلاة منه بميسوره ومقدوره، وقد يرجَّح له أن

554

يقتدي فيها بغيره لكي يكتفي بقراءة الإمام، ولكن لا يجب عليه ذلك.

(93) ومثله تماماً ـ حتّى في عدم وجوب الاقتداء ـ الجاهل القابل للتعلّم والتفهّم ولكن ضاق عليه الوقت بحيث لا يمكنه الآن وفي هذه الساعة أن يجمع بين التعلّم والصلاة على الوجه المطلوب فيصلّيها كما يستطيع، ويتعلّم لغيرها.

(94) أمّا الجاهل القادر على التعلّم قبل وقت الصلاة والعالم بوجوب هذا التعلم ومع ذلك تهاون وأهمل ـ أمّا هذا المنتبه المقصّر ـ فيجب عليه أن يقتدي بغيره في الصلاة إن أمكن، وإذا ترك الاقتداء مع الإمكان وصلّى منفرداً بطلت صلاته. وإذا تماهل وضاق وقت الصلاة ولم يتيسّر له الاقتداء وجب عليه أن يصلّي ويقرأ كما يتيسّر له، وتصحّ الصلاة منه، ولكنّه يعتبر آثماً لتهاونه.

(95) وإذا شكّ المصلي وهو يصلّي في حركة الإعراب لكلمة من الكلمات وأنّها رفع أو نصب مثلا، أو شكّ في مخرج حروفها وأنّه من هنا أو من هناك فهل له أن يقرأ بالوجهين على سبيل الاحتياط ؟

الجواب: إذا كان كلّ من القراءتين اللّتينِ حصل التردّد بينهما لا يخرج الكلمة عن وصفها ذكراً ساغ له أن يقرأ بالوجهين، ولا شيء عليه، وإلّا قرأ بوجه واحد؛ وحاول أن يتأكّد بعد ذلك، فإن كان ما قرأه صحيحاً فذاك هو المطلوب، وإلّا أعاد الصلاة.

ثالثاً: (96) على المصلّي أن ينطق بكلّ كلمة من كلمات الصلاة بالمألوف والمعروف، فلا يقطع أوصالها إلى أجزاء وحروف ويقول ـ مثلا ـ: « بس م اللـ ... هـ »، فإن فعل شيئاً من ذلك ساهياً مضطرباً بطلت الكلمة وحدها وأعادها صحيحة، وكذلك إذا بدأ بالكلمة ثمّ انقطع صوته لسعال ونحوه، وإن تعمّد قاصداً منذ بداية نطقه بتلك الكلمة أن يفعل ذلك وفعل بطلت صلاته من الأساس،

555

أمّا إذا تعمّد قطع الكلمة في الأثناء فعليه أن يعيد النطق بالكلمة على الاُصول وتصحّ الصلاة، والجارّ والمجرور ومتعلّقه، والمضاف والمضاف إليه، والصفة والموصوف، والفعل والفاعل، والمبتدأ والخبر كلّ ذلك وما إليه بمنزلة الكلمة الواحدة، والحكم هو الحكم.

وكذلك على المصلّي أن يقرأ آيات الفاتحة والسورة الاُخرى حسب تسلسلها في المصحف، فلا يقدّم الآية الثانية على الاُولى مثلا، وبصورة متتابعة، أي لا يسكت بين آية وآية، أو بين جملتينِ في داخل آية واحدة بالقدر الذي تعتبر إحداهما مفصولةً عن الاُخرى في العرف، ولا يُبطل السكوت الناشئ من سعال ونحوه، وإن كان طويلا إذا وقع بين جملتين أو آيتين.

(97) رابعاً: يجب على المصلّي أن يقرأ جهراً أحياناً، وإخفاتاً أحياناً اُخرى، وقبل تعيين هذه الأحيان وتلك يجب أن نوضّح معنى الجهر والاخفات، وذلك كما يلي:

القراءة قد تكون بصوت منخفض لا يسمعه من هو إلى جانبك، وقد تكون بصوت عال يسمعه من هو إلى جانبك، بل قد يسمعه البعيد عنك أيضاً، هذا من ناحية درجة ارتفاع الصوت، (أي درجة سماع الآخرين له).

ومن ناحية اُخرى نلاحظ أنّ القراءة قد يبرز فيها جرس الصوت وقد يختفي؛ حتّى ولو كان الصوت عالياً مسموعاً للآخرين.

ومثاله: المبحوح صوته فإنّه قد يصرخ ويسمع الآخرون صراخه، ولكنّ هذا الصراخ يختلف عن كلام الإنسان غير المبحوح إذا أراد أن يتحدث إلى غيره بصورة اعتيادية، ومردّ اختلافهما إلى أنّ جرس الصوت ـ أو ما يسمّى لدى الفقهاء بجوهر الصوت ـ مختف في الكلام المبحوح، وبارز في كلام غيره.

وعلى هذا الأساس فالإخفات بالقراءة مرتبط بتوفّر أمرين:

556

أحدهما: أن لا يكون جوهر الصوت بارزاً.

والآخر: أن لا يكون الصوت عالياً كصوت المبحوح حين يريد أن يرفع صوته، فإنّه ليس إخفاتاً وإن كان جوهر الصوت غير بارز فيه، فكلّما توفّر هذان الأمران فالقراءة إخفات (1).

وإن كان جرس الصوت وجوهره بارزاً فالقراءة جهر، وإذا كان الإنسان مبحوحاً(2) فالجهر بالنسبة إليه أن يرفع صوته، كما يصنع الإنسان المعافى إذا أراد أن يجهر بقراءته.

وبعد أن أوضحنا معنى الجهر والإخفات نذكر مواضع وجوبهما:

فالرجل يجب عليه أن يجهر بقراءة الفاتحة والسورة في صلاة الصبح، وفي الركعة الاُولى والثانية من صلاة المغرب والعشاء، ويجب عليه أن يخفت بقراءة الفاتحة والسورة في الركعة الاُولى والثانية من صلاة الظهر والعصر، ويستثنى من وجوب الإخفات هذا البسملة، فإنّه يستحبّ الجهر بها في كلّصلاة.

وكذلك تستثنى القراءة في صلاة الظهر يوم الجمعة فإنّه يجوز فيها الجهر والإخفات معاً، وأمّا صلاة الجمعة فيجب فيها على الإمام أن يجهر بالقراءة.

وأمّا المرأة فيجب عليها الاخفات في الحالة التي يجب فيها ذلك على


(1) الأمر الأوّل واجب قطعاً على من كان المطلوب منه الإخفات، والثاني واجب احتياطاً.
(2) أمّا إذا كان سالماً فالأحوط وجوباً في موارد الجهر أو الإخفات أن لا يكتفي بتصنّع صوت المبحوح، بل يبرز جوهر الصوت إن وجب الجهر، ويلتزم بالأمرين الماضيين في المتن لشرح الإخفات إن وجب الإخفات.
557

الرجل، وأمّا في الحالات التي يجب فيها الجهر على الرجل فهي مخيّرة بين الجهر والإخفات.

(98) وعلى أيّ حال فلا يجوز للمصلّي ـ وكذلك المصلّية ـ في جميع الحالات أن يفرّط بالجهر فيصيح ويصرخ في قراءته، كما لا يجوز له بحال أن يبالغ في الإخفات، فلا يسمع نفسه لشدّة خفاء الصوت وانخفاضه، فإنّ ذلك همهمة وليس من القراءة بشيء.

وأمّا غير الفاتحة والسورة من الأقوال التي يردّدها المصلّي ـ كالتكبير وأذكار الركوع والسجود والتشهّد والتسليم ـ فهو فيها بالخيار، إن شاء جهر، وإن شاء أخفت.

(99) خامساً: كما يجب على المصلّي أن يكبّر تكبيرة الإحرام وهو قائم كذلك يجب أن يواصل قيامه حال قراءة الفاتحة والسورة إلى أن يفرغ منها، ويجب أن يكون في قيامه مستقرّاً غير مضطرب عند القراءة، فإذا أراد حال قيامه أن يتحرّك يميناً أو شمالا مع الحفاظ على الاستقبال، أو أن يتقدّم خطوةً أو يتأخّر كذلك إذا أراد شيئاً من ذلك فليَدَعْ القراءة، ويتحرّك، ثمّ يعود إلى الاستقرار، ويقرأ في هذه الحال.

الخلل:

(100) إذا لم يأتِ بالقراءة أو بشيء منها، أو خالف وعاكس شروطها وواجباتها فصلّى بدون فاتحة الكتاب، أو بدون سورة، أو قرأ جالساً، أو ملحوناً، أو مضطرباً ومتحركاً يمنةً ويسرةً، أو جهر حيث يجب الإخفات، أو أخفت حيث يجب الجهر، إلى غير ذلك إذا صلّى هكذا عامداً ملتفتاً إلى أنّ ذلك لا يجوز فصلاته باطلة.