89


نِّعْمَة تُجْزَى * إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الاَْعْلَى﴾(1)، فظاهر الآية المباركة هو أنّ الأتقى الذي يجنَّب النار هو الذي يعطي زكاته ابتغاء وجه ربّه، لا في مقابل نعمة أنعمها عليه أحد من الخلق، فأراد أن يجازيه بإعطاء زكاته إيّاه. وهذه الآية إنّما دلّت على وجوب القربة والإخلاص، أمّا توقّف الزكاة وضعاً على القربة فلا تبرأ ذمّتهّ ماليّاً إلّا بالقربة، فالآية ساكتة عن ذلك سلباً وإيجاباً.

وثانيهما: مؤتلف من مقدّمتين:

الاُولى: أنّه لا إشكال في أنّ الزكاة تعتبر صدقةً كتاباً وسنّةً، فقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ...﴾(2)، وقال عزّ من قائل: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا...﴾(3)، وكذلك الحال في السنّة، ويكفي أنّ جابي الصدقات سُمّي في الروايات بالمصدّق(4).

والثانية: لا إشكال في أنّ مفهوم الصدقة متقوّم بالقربة، كما دلّت على ذلك روايات كثيرة من قبيل:

صحيحة جميل «قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): الرجل يتصدّق على بعض ولده بصدقة وهم صغار، ألَه أن يرجع فيها؟ قال: لا، الصدقة لله تعالى»(5).

وموثّقة طلحة بن يزيد، عن جعفر، عن أبيه(عليهما السلام) قال: «من تصدّق بصدقة ثُمّ ردّت


(1) سورة الليل، الآية: 14 ـ 20.

(2) سورة التوبة، الآية: 60.

(3) سورة التوبة، الآية: 103.

(4) راجع الوسائل، ب 14 من زكاة الأنعام.

(5) الوسائل، ب 4 من الوقوف والصدقات، ح 2.

90


عليه، فلا يأكلها; لأنّه لا شريك لله ـ عزّ وجلّ ـ في شيء ممّا جعل له...»(1).

وصحيحة حمّاد بن عثمان عن أبي عبدالله(عليه السلام) «قال: لا صدقة ولا عتق إلّا ما اُريد به وجه الله عزّ وجلّ»(2).

ومثلها صحيحة الفضلاء ومنهم حمّاد(3).

وموثّقة حسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه(عليهما السلام): «أنّ عليّاً(عليه السلام) كان يقول: من تصدّق بصدقة فردّت عليه فلا يجوز له أكلها، ولا يجوز له إلّا إنفاقها، إنّما منزلتها بمنزلة العتق لله، فلو أنّ رجلاً أعتق عبداً لله فردّ ذلك العبد لم يرجع في الأمر الذي جعله لله، فكذلك لا يرجع في الصدقة»(4).

وصحيحة زرارة عن أبي عبدالله(عليه السلام): «إنّما الصدقة محدثة، إنّما كان الناس على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ينحلون ويهبون، ولا ينبغي لمن أعطى لله شيئاً أن يرجع فيه، قال: وما لم يعطِ لله وفي الله فإنّه يرجع فيه، نحلةً كانت أو هبةً، حيزت أو لم تحز»(5).

ونتيجة مجموع هاتين المقدّمتين: أنّ الزكاة مشروطة بقصد القربة، وأنّه مع فقد القربة لا تفرغ الذمّة(6).

إلّا أنّ الشبهة التي يمكن أن تطرح في مقابل ذلك هي أنّه لا إشكال في أنّ حاكم الشرع له أن


(1) الوسائل، ب 11 من تلك الأبواب، ح 3.

(2) ب 13 من تلك الأبواب، ح 3.

(3) المصدر نفسه، ح 4.

(4) الوسائل، ب 24 من الصدقة، ح 1.

(5) الوسائل، ب 3 من الهبات، ح 1.

(6) راجع زكاة الشيخ المنتظريّ، ج 4، ص 244 ـ 246.

91


يأخذ الزكاة من الممتنع بالقهر والغلبة، كما هو ظاهر توجيه الأمر إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) في قوله: ﴿خذ من أموالهم﴾، في حين أنّه لا يتمشّى من المالك في هذا الفرض قصد القربة، فلو كانت القربة شرطاً لكان ما أخذه حاكم الشرع منه باطلاً. إذن فنفهم من ذلك أنّ الزكاة كحقٍّ ماليٍّ ليست مشروطةً بالقربة. نعم، هي كزكاة صدقة، والصدقة مشروطة بالقربة، والعبد مكلّف بالزكاة، وهذا يعني أنّه في فرض عدم القربة يعاقب كعقابه على أيّ حكم تكليفي يخالفه، ولكن ذمّته الماليّة تبرأ.

إلّا أنّ مقاومة هذه الشبهة للبيان الذي ذكرناه قابلة للنقاش; لإمكان القول بأنّ حاكم الشرع هو وليّ الممتنع، فهو الذي ينوي الزكاة المتقدّمة بالقربة(1).

ولكن يمكن الردّ على هذا النقاش بدعوى: أنّ الأمر المتوجّه إلى الوليّ بعد وضوح الشركة الماليّة بين المالك والفقراء أو موارد الزكاة ينصرف إلى مجرّد إقامة العدل بأخذ حصّة الفقراء وإيصالها إليهم، كما هو الحال في جميع موارد الأمر بإقامة العدل، والذي ليس إلّا أمراً توصّليّاً بعد أن لم ترد الإشارة من قريب أو بعيد إلى شرط القربة في إقامة العدل.

ولا يقال: إنّ قوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِم صَدَقَةً﴾ بنفسه يدلّ على ضرورة قصد القربة من قبل وليّ الأمر إن لم يقصدها صاحب المال; لأنّ الصدقة لا تكون صدقة إلّا بقصد القربة; لأنّه يقال: إنّ هذا التعبير لا يدلّ على أكثر من وجوب قصد القربة على المعطي، وأنّ الوليّ مأمور بجبايتها منهم، فلو تعامل الحاكم مع هذا الأمر تعامل الأوامر التوصّليّة فقد عمل بالتكليف، وهذا هو مقتضى مناسبات الحكم والموضوع; لأنّ قصد القربة بنفسه ليس إلّا تكليفاً من التكاليف، سواء فرض عقليّاً أو شرعيّاً. نعم، لو عجز العبد من ذلك كما هو الحال في تزكية الوليّ مال الطفل أو المجنون، فمقتضى ولاية الوليّ أن يقوم هو بالواجب بأن يقصد القربة نيابةً عنه، كما يعمل العمل نيابة عنه. أمّا الممتنع فمجرّد كون السلطان وليّاً له لا يدلّ على ضرورة قصده للقربة بالنيابة


(1) راجع كتاب الزكاة للسيّد الخوئيّ، المجلّد 24 من مسلسل فقهه، ص 282.

92

الزكاة لو كان المال قد صُرف أو تلف.

 

زكاة الفطرة

 

76 ـ تجب زكاة الفطرة(1) كما تجب زكاة المال. ولوجوبها شروط ثلاثة:


عنه; فإنّ السلطان في الحقيقة وليّ عليه لصاحب الحقّ، وليس وليّاً له لإفراغ ذمّته كالولاية على الصغير أو السفيه أو المجنون أو العاجز.

والخلاصة: أنّ حقّ إجبار الوليّ لصاحب المال على دفع الحقّ المفهوم من الأمر بالأخذ منهم يفهم منه عرفاً أنّ الحكم الوضعي في باب الزكاة منفصل عن الحكم التكليفي بوجوب القربة، وعليه فحتّى لو قام نفس المالك بدفع الزكاة لا بقصد القربة فقد سقط عنه الجانب الوضعي وإن أثم بترك قصد القربة.

وإن كان الاحتياط بالإعادة أولى حينما يفترض أنّ مال الزكاة قد صرف في مورده وانتهى، أمّا لو لم يزل المال موجوداً لدى الوليّ أو الفقير فيكفي تأتّي قصد القربة منه بقاءً ضمن مدّة وجود المال.

(1) وأمّا زكاة الفطرة فلا بأس ببحثها هنا أيضاً ـ ولو على سبيل الإجمال ـ فنقول وبالله الاستعانة، إنّه خير معين:

تجب زكاة الفطرة كما تجب زكاة المال بإجماع الشيعة الإماميّة، بل وبإجماع أهل السنّة أيضاً، ما عدا من شذّ عن الطريق من المالكيّين. والأخبار الدالّة على وجوبها مستفيضة(1)، وأخصّ بالذكر صحيحة هشام بن الحكم عن الصادق(عليه السلام) قال: «نزلت الزكاة


(1) راجع الوسائل أبواب زكاة الفطرة الواقعة بعد أبواب زكاة المال، وراجع على الخصوص الباب الأوّل من زكاة الفطرة، وهو باب وجوبها على الغنيّ المالك لمؤونة سنته.

93


وليس للناس أموال، وإنّما كانت الفطرة»(1).

وقد ذكروا لوجوبها شروطاً وهي:

1 ـ التكليف.

2 ـ عدم الإغماء.

3 ـ الحرّيّة والغنى.

أمّا التكليف فصحيحة محمّد بن القاسم بن الفضيل صريحة في شرط البلوغ، وعدم ثبوت الفطرة على الصبيّ قال: «كتبت إلى أبي الحسن الرضا(عليه السلام) أسأله عن الوصيّ أيزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال؟ قال: فكتب(عليه السلام): لا زكاة على يتيم»(2).

ولم يحتمل الفقهاء الفرق بين الصبيّ والمجنون في ذلك.

وأمّا عدم الإغماء فلم أرَ دليلاً واضحاً على اشتراطه عدا إلحاق المغمى عليه بغير المكلّف، أو بغير البالغ، ولكن احتمال الفرق موجود، فالأقوى ثبوت الفطرة عليه.

وأمّا الحرّيّة فلا ينافي اشتراطها دلالة صحيح صفوان الجمّال على ثبوت الفطرة على العبد، قال: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الفطرة، فقال: على الصغير، والكبير، والحرّ، والعبد...»(3).

وذلك لوضوح أنّ المقصود به ثبوت فطرته على مولاه; لأنّه داخل في عائلته; ولذا ترى ذكر الصغير أيضاً، في حين أنّه لا يشكّ في عدم وجوب الزكاة على الصغير نفسه.

ولو لم ينفق عليه مولاه ما يعيّشه، إذن هو فقير لا زكاة عليه.


(1) الوسائل، ب 1 من أبواب زكاة الفطرة، ح 1، وب 2، ح 8.

(2) الوسائل، ج9، ب1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، ح4، ص84 بحسب طبعة آل البيت.

(3) الوسائل، ج9، ب5 من زكاة الفطرة، ح1، ص327، وب17 منها، ح1، ص364.

94


نعم، ورد بشأن المكاتب: أنّ عليه فطرته، وذلك في صحيح عليّ بن جعفر عن أخيه(عليه السلام) «عن المكاتب هل عليه فطرة شهر رمضان، أو على من كاتبه؟ وتجوز شهادته؟ قال: الفطرة عليه، ولا تجوز شهادته»(1). وهو محمول على مكاتب لم يكن تحت عيلولة من كاتبة، ويجعل استثناءً من عدم ثبوت الزكاة على العبد، ولا يضرّه عدم العمل بقوله: «ولا تجوز شهادته» لأنّ السند ينحلّ بعدد جُمل المتن، فيبقى حجّة بلحاظ الجملة الاُولى وهي قوله: «الفطرة عليه».

إلّا أنّ اُستاذنا الشهيد(قدس سره) تنزّل من الإفتاء بثبوت الزكاة عليه إلى الاحتياط بذلك(2)، ولعلّ السبب في هذا التنزّل: إمّا هو ورود الوهن في الحديث بالتفكيك بين الجملتين المتلاصقتين بقبول إحداهما وردّ الاُخرى، وإمّا هو استغراب الحكم واستبعاده; لأنّ المكاتب إن لم يكن قد انعتق بعض منه بأداء جزء من مال المكاتبة فهو: إمّا فقير أو يكون تحت عيلولة مولاه.

وعلى أيّ حال، فالأحوط بشأنه أن يتكفّل فطرة نفسه.

وأمّا الغنى فاشتراطه شبه المسلّمات، وقد دلّت عليه النصوص كصحيح الحلبيّ، وصحيح صفوان بن يحيى عن إسحاق بن المبارك، وموثّقة إسحاق بن عمّار، وصحيح الفضيل(3).

أمّا ما دلّ على ثبوت الفطرة على الفقير كصحيح زرارة(4) فمحمول على الاستحباب


(1) الوسائل، ج9، ب 17 من زكاة الفطرة، ح 3، ص 365.

(2) راجع منهاج الصالحين للسيّد الحكيم، ج 1 المعلّق بتعليق اُستاذنا الشهيد، ص 444 بحسب طبعة دار التعارف للمطبوعات ببيروت.

(3) الوسائل، ج9، ب 2 من زكاة الفطرة، ح 1 و 3 و 6 و 9، ص 321 ـ 322.

(4) الوسائل، ج9، ب 3 من زكاة الفطرة، ح 2، ص 324.

95


بالجمع العرفيّ، ولو لم تقبل عرفيّة الجمع فمطروح.

وقد مضى تفسير الفقير والغني في بحثنا عن زكاة المال.

وهذه الشروط الثلاثة لو وجدت جميعاً من قبل الغروب ولو بلحظة، فلا إشكال في وجوب الفطرة عليه. ولو فقد بعضها مقارناً للغروب، فلا إشكال في عدم وجوبها عليه. ولو كان بعضها مفقوداً قبل الغروب ولكنّها اجتمعت مقارناً للغروب، فالسيّد الحكيم(رحمه الله) احتاط في منهاج الصالحين بلزوم الفطرة، ولم يعلّق عليه اُستاذنا الشهيد(قدس سره).

والظاهر: أنّ إطلاقات الوجوب تشمله، فالأقوى وجوب الفطرة عليه.

وأمّا صحيحة معاوية بن عمّار التي تقول: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن مولود ولد ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال: لا، قد خرج الشهر»(1)، فلم تدلّ على أكثر من شرط إدراك الشهر ولو آناً ما، أمّا ضرورة اجتماع الشرائط في داخل الشهر ولو آناً ما، فلا تدلّ عليها.

وحتّى لو أخذنا بالنسخة التي تقول: «في المولود يولد ليلة الفطر واليهودي والنصراني يسلم ليلة الفطر؟ قال: ليس عليه فطرة، وليس الفطرة إلّا على من أدرك الشهر»(2)، فذكر اليهودي والنصراني الذي أسلم ليلة الفطر يحتمل فيه إرادة: أنّ قاعدة الجَبّ شملت هذا الكافر الذي أسلم في الليل، أمّا ضرورة اجتماع الشرائط داخل الشهر فلا تدلّ عليها، على أنّ سند النسخة لا يخلو من نقاش.

ويجب على من جمع الشرائط أن يخرجها عن نفسه، وعن كلّ من يعول به، سواء كان واجب النفقة عليه أم لا، وحتّى من انضمّ إلى عياله ولو في وقت يسير، كالضيف الذي نزل عليه قبيل أن يهلّ العيد، فهلّ عليه، وحتّى لو لم يأكل عنده في تلك الليلة شيئاً. نعم،


(1) الوسائل، ج9، ب 11 من زكاة الفطرة، ح 2، ص 352.

(2) المصدر نفسه، ح 1.

96


يشترط في صدق العيلولة نوع من التبعيّة له، كمسافر نزل عليه وأصبح منضمّاً إلى عياله، أمّا لو دعا شخصاً إلى الإفطار ليلة العيد فلا تجب عليه فطرته; لأنّه ليس من عياله، وكذا لو بذل لغيره مالاً يكفيه في نفقته، لكنّه لم يكن تحت عيلولته وتبعيّته عرفاً.

ولو كان المعيل فقيراً والعيال موسراً، وجبت الفطرة على العيال; لإطلاق أدلّة الوجوب.

ولو كان المعيل موسراً لكنّه لم يخرج فطرة العيال عصياناً أو نسياناً، فأيضاً وجبت الفطرة على العيال; لإطلاق أدلّة الوجوب، فإنّ المتيقّن من خروجه عن الإطلاق إنّما هو من دفع المعيل فطرته.

وإذا كان شخص عيالاً لاثنين، وجبت فطرته عليهما على نحو التوزيع، ومع فقر أحدهما تكون تلك الحصّة على نفس العيال لو جمع الشرائط.

والمقياس في جنس الفطرة أن يكون قوتاً متعارفاً في الجملة لأهل البلد، كالحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، وغير ذلك، فإنّ هذا هو مقتضى الجمع العرفيّ بين الروايات(1).

والمقدار الواجب هو الصاع وهو ثلاث كيلوات تقريباً، وما في بعض الروايات من الاكتفاء في بعض الأغذية بنصف صاع محمول على التقيّة بقرينة الروايات التي دلّت على أنّ هذا كان من بدع عثمان أو معاوية(2).

ودفع زكاة الفطرة قبل الخروج إلى صلاة العيد أفضل; لبعض الروايات، كصحيح عبدالله بن سنان(3).


(1) راجع الوسائل، ج 9 بحسب طبعة آل البيت، ب 7 و 8 من زكاة الفطرة وغيرهما.

(2) راجع الوسائل، ج 9، ب 6 من زكاة الفطرة، ففيه روايات الصاع، وروايات نصف الصاع، وروايات بدعة عثمان ومعاوية.

(3) الوسائل، ج 9، ب 12 من زكاة الفطرة، ح 1، ص 353.

97


ويكفي في العمل بهذا الفضل العزل قبل صلاة العيد; لبعض الروايات، كموثّقة إسحاق بن عمّار: «سألته عن الفطرة، فقال: إذا عزلتها فلا يضرّك متى أعطيتها، قبل الصلاة أو بعد الصلاة»(1).

وصحيح العيص: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الفطرة متى هي؟ فقال: قبل الصلاة يوم الفطر، قلت: فإن بقي منه شيء بعد الصلاة؟ قال: لا بأس، نحن نعطي عيالنا منه ثُمّ يبقى فنقسّمه»(2) علماً بأنّ معنى «نعطي عيالنا منه»: أنّنا نعزل حصّة العيال فنعطيها بيده.

ولو أخّر دفع الفطرة وعزلها حتّى انتهى العيد، فالأحوط وجوباً عدم السقوط; وذلك للتمسّك بإطلاق أدلّة الوجوب.

والوجه للتنزّل من الفتوى إلى الاحتياط احتمال أنّ إضافة عنوان الزكاة إلى عنوان الفطرة توحي إلى أنّ هذه زكاة يوم الفطر، وينتهي أمدها بأمد اليوم. نعم، الأحوط وجوباً عدم التأخير لنفس النكتة...

ولو عجّل دفع الفطرة بيوم جاز; لموثّقة إسحاق بن عمّار: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن تعجيل الفطرة بيوم، فقال: لا بأس به...»(3). ولفظ «اليوم» يدلّ عرفاً على كفاية الدفع في الليلة الوسطيّة أيضاً وهي ليلة العيد.

ولو عجّله خلال شهر رمضان حتّى في اليوم الأوّل، جاز أيضاً; لصحيح الفضلاء الخمسة عن أبي جعفر وأبي عبدالله(عليهما السلام) قالا: «... وهو في سعة أن يعطيها من أوّل يوم يدخل من شهر رمضان إلى آخره...»(4).


(1) الوسائل، ج 9، ب 13 من زكاة الفطرة، ح 4، ص 357.

(2) الوسائل، ج 9، ب 12 من الفطرة، ح 5، ص 355.

(3) المصدر نفسه، ح 3، ص 354.

(4) المصدر نفسه، ح 4.

98


ويجوز دفع زكاة الفطرة أو عزلها بما يساويها قيمةً بالنقود(1).

والزكاة إذا عزلت تعيّنت، فلا يجوز تبديلها، فإنّ نفوذ العزل معناه ذلك.

ولا يجوز نقل الفطرة من أرض إلى أرض وإن جاز دفعها لمن حضر البلد من بلاد اُخرى.

والوجه في هذا المنع روايتان:

الاُولى: خبر عليّ بن الحسن بن فضّال بسند تامّ عن الفضيل، عن أبي عبدالله(عليه السلام)... «ولا تنقل من أرض إلى أرض، وقال: الإمام يضعها حيث يشاء، ويصنع فيها ما يرى»(2).

والثانية: صحيح محمّد بن عيسى عن عليّ بن بلال (وهو ثقة) وأراني قد سمعته من عليّ بن بلال قال: «كتبت إليه: هل يجوز أن يكون الرجل في بلدة ورجل آخر من إخوانه في بلدة اُخرى يحتاج أن يوجّه له فطرة، أم لا؟ فكتب: تقسّم الفطرة على من حضر، ولا يوجّه ذلك إلى بلدة اُخرى وإن لم يجد موافقاً»(3).

والرواية الاُولى وإن كانت تامّة من عليّ بن الحسن بن فضّال إلى الفضيل، ولكن عيب سندها هو سند الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن فضّال; إذ وقع فيه عليّ بن محمّد بن زبير، ولا دليل على وثاقته عدا كونه من مشايخ الإجازة، وهذا ليس كافياً لإثبات الوثاقة.

فالمهمّ هي الرواية الثانية، فإنّها تامّة سنداً. فصحيح: أنّ الراوي عن محمّد بن عيسى وهو محمّد بن الحسن الصفّار لم يجزم بسماعه للحديث مباشرة من عليّ بن بلال; إذ قال: «وأراني قد سمعته من عليّ بن بلال» ولكن يكفينا نقل محمّد بن عيسى للحديث إلى


(1) راجع الوسائل، ج 9، ب 9 من الفطرة، ص 345 ـ 349.

(2) الوسائل، ج 9، ب 15، من الفطرة، ح 3، ص 360.

(3) المصدر نفسه، ح 4، ص 361.

99


الصفّار عن عليّ بن بلال(1).

نعم، لا إشكال في جواز نقل الفطرة من بلد إلى بلد إذا كان النقل إلى الإمام أو نائبه، أو كان النقل بواسطة الإمام أو نائبه; وذلك لصحيحة أبي عليّ بن راشد قال: «سألته عن الفطرة لمن هي؟ قال: للإمام، قال: قلت له فاُخبر أصحابي؟ قال: نعم، من أردت أن تطهّره منهم»(2).

بقي الكلام في مصرف زكاة الفطرة، وهنا نريد التعرّض لعدّة مسائل:

المسألة الاُولى: في أنّ مصرف زكاة الفطرة هل هو الفقير والمسكين فحسب، أو مطلق الأصناف الثمانية لزكاة الأموال؟

الأحوط وجوباً التخصيص للفقراء والمساكين; لصحيح الحلبيّ(3). والوجه في التنزّل من الفتوى إلى الاحتياط الوجوبي وجود شبهة الإجماع على الخلاف.

المسألة الثانية: في شرط الإيمان. ويدلّ على ذلك صحيح إسماعيل بن سعد الأشعري عن الرضا(عليه السلام) قال: «سألته عن الزكاة: هل توضع في من لا يعرف؟ قال: لا، ولا زكاة الفطرة»(4)، وصحيح عليّ بن بلال: «كتبت إليه أسأله: هل يجوز أن أدفع زكاة المال والصدقة إلى محتاج غير أصحابي؟ فكتب: لا تعطِ الصدقة والزكاة إلّا لأصحابك»(5)، وقد حمل ما خالف ذلك على التقيّة.


(1) الوسائل، ج 9، ب 15، من زكاة الفطرة، ح 4، ص 361.

(2) الوسائل، ج 9، ب 9، من زكاة الفطرة، ح 2، ص 346.

(3) الوسائل، ب 14 من زكاة الفطرة، ح 1.

(4) الوسائل، ج 9، ب 5 من أبواب المستحقّين للزكاة، ح 1، ص 221.

(5) المصدر نفسه، ح 4، ص 222.

100


نعم، لو لم يقدر على المؤمن في البلد، جاز إعطاؤها إلى غير المؤمن; لصحيح عليّ بن بلال قال: «كتبت إليه: هل يجوز أن يكون الرجل في بلدة ورجل آخر من إخوانه في بلدة اُخرى يحتاج أن يوجّه له فطرة أم لا؟ فكتب: تقسّم الفطرة على من حضر، ولا يوجّه ذلك إلى بلدة اُخرى وإن لم يجد موافقاً»(1). ولا نشكّ: أنّ المقصود بذلك هو المستضعف دون الناصب، كما يؤيّد ذلك خبر الفضيل بسند فيه سند الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن فضّال، عن أبي عبدالله في الفطرة: «هي لأهلها، إلّا أن لا تجدهم، فإن لم تجدهم فلمن لا يَنصِب»(2).

المسألة الثالثة: هل يجوز دفعها إلى الهاشميّ؟ لا شكّ في عدم جواز دفع فطرة غير الهاشميّ إلى الهاشميّ; لأنّها صدقة واجبة، وهي محرّمة على الهاشميّين(3).

ولكن يجوز دفع فطرة الهاشميّ إلى الهاشميّ; لوضوح دلالة صحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشميّ، وصحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر على ذلك(4).

المسألة الرابعة: هل يجوز أن يدفع إلى المستحقّ أقلّ من صاع، بأن يقسّم الصاع الواحد مثلاً على شخصين، أو لا؟

الظاهر هو الجواز تمسّكاً بإطلاق صحيح صفوان عن إسحاق بن المبارك ـ وتكفي في توثيق إسحاق رواية صفوان عنه ـ: «... قلت (يعني لأبي إبراهيم) فيجعل قيمتها فضّة، فيعطيها رجلاً واحداً أو اثنين؟ فقال: يفرّقها أحبّ إليّ، ولا بأس بأن يجعلها فضّة، والتمر


(1) الوسائل، ج 9، ب 15 من زكاة الفطرة، ح 4، ص 361.

(2) المصدر نفسه، ح 3، ص 360.

(3) راجع الوسائل، ج 9، ب 29 ـ 34 من المستحقّين للزكاة، ص 268 ـ 279.

(4) الوسائل، ج 9، ب 32 من المستحقّين للزكاة، ح 5 و8، ص 275 و276.

101

التكليف، والحرّيّة، والغنى. فلو اجتمعت من حين الغروب وجبت عليه الفطرة.

والأقوى: أنّه لا يشترط في وجوبها عدم الإغماء.

والأحوط وجوباً في المكاتب الذي لا يكون تحت عيلولة مولاه أنّ عليه الفطرة.

77 ـ ويجب على من جمع الشرائط أن يخرجها عن نفسه وعن كلّ من يعول به، وحتّى من انضمّ إلى عياله ولو في وقت يسير، كالضيف الذي نزل عليه قبيل أن يهلّ العيد، فهلّ عليه، وحتّى لو لم يأكل عنده في تلك الليلة شيئاً.

نعم، يشترط في صدق العيلولة نوع من التبعيّة له، كمسافر نزل عليه وأصبح منضمّاً إلى عياله. أمّا لو دعا شخصاً إلى الإفطار ليلة العيد، فلا تجب عليه فطرته;


أحبّ إليّ، قلت: فاُعطيها غير أهل الولاية من هذا الجيران؟ قال: نعم، الجيران أحقّ بها، قلت: فاُعطي الرجل الواحد ثلاثة أصيع وأربعة أصيع؟ قال: نعم»(1). فإطلاق قوله(عليه السلام): «تفرّقها أحبّ إليّ» يشمل فرض ما إذا حصل كلّ واحد منهم على أقلّ من صاع.

نعم، لا شكّ في أنّ الأحوط استحباباً أن لا يعطى لكلّ واحد أقلّ من صاع; لأنّه المشهور بين الأصحاب، وعن المختلف نسبته إلى علمائنا(2).

ويؤيّد هذا الاحتياط الاستحبابيّ مرسل حسين بن سعيد عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله(عليه السلام): «لا تعطِ أحداً أقلّ من رأس»(3).


(1) التهذيب، ج 4، ح 10، ص 89 بحسب طبعة الآخوندي. والاستبصار، ج 2، ح 175، ص 52 بحسب طبعة الآخوندي، وأورده باختصار في الوسائل ج 9، ب 16 من زكاة الفطرة، ح 1، ص 362.

(2) راجع فقه الصادق، ج 7، ص 327 بحسب الطبعة الثالثة في رجب 1413 هـ.

(3) الوسائل، ج 9، ب 16 من زكاة الفطرة، ح 2، ص 362.

102

لأنّه ليس من عياله، وكذا لو بذل لغيره مالاً يكفيه في نفقته، لكنّه لم يكن تحت عيلولته وتبعيّته عرفاً.

ولو كان المعيل فقيراً والعيال موسراً، وجبت الفطرة على العيال.

ولو كان المعيل موسراً لكنّه لم يُخرج فطرة العيال عصياناً أو نسياناً، فأيضاً وجبت الفطرة على العيال.

وإذا كان شخص عيالاً لاثنين، وجبت فطرته عليهما على نحو التوزيع، ومع فقر أحدهما تكون تلك الحصّة على نفس العيال لو جمع الشرائط.

78 ـ والمقياس في جنس الفطرة أن يكون قوتاً متعارفاً في الجملة لأهل البلد، كالحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، وغير ذلك.

79 ـ والمقدار الواجب هو الصاع عن كلّ أحد، وهو ثلاث كيلوات تقريباً.

80 ـ ودفع زكاة الفطرة قبل الخروج إلى صلاة العيد أفضل.

ويكفي في العمل بهذا الفضل العزل قبل صلاة العيد.

ولو أخّر دفع الفطرة وعزلها حتّى انتهى العيد، فالأحوط وجوباً عدم السقوط.

81 ـ ولو عجلّ دفع الفطرة بيوم جاز، وكذلك دفعها ليلة العيد.

بل لو عجّله خلال أيّام شهر رمضان حتّى في اليوم الأوّل جاز.

82 ـ ويجوز دفع زكاة الفطرة أو عزلها بالنقود بما يساويها قيمةً.

83 ـ والزكاة إذا عزلت تعيّنت، فلا يجوز تبديلها.

84 ـ ولا يجوز نقل الفطرة من أرض إلى أرض وإن جاز دفعها لمن حضر البلد من بلاد اُخرى.

نعم، لا إشكال في نقل الفطرة من بلد إلى بلد إذا كان النقل إلى الإمام أو نائبه، أو كان النقل بواسطة الإمام أو نائبه.

103

85 ـ والأحوط وجوباً تخصيص زكاة الفطرة بالفقراء والمساكين دون باقي أقسام المستحقّين لزكاة المال.

86 ـ ويشترط في من تدفع إليه الفطرة الإيمان.

نعم، لو لم يقدر على المؤمن في البلد جاز إعطاؤها إلى المستضعف غير المؤمن، ولكن لا يجوز إعطاؤها إلى الناصب.

87 ـ ولا يجوز دفعها إلى الهاشميّ إلّا إذا كان المزكّي أيضاً هاشميّاً.

88 ـ والظاهر جواز الدفع إلى المستحقّ أقلّ من صاع، بأن يقسّم الصاع الواحد مثلاً على شخصين.

نعم، الأحوط استحباباً أن لا يفعل ذلك.

 

105

 

 

الخـمـس

 

 

 

 

 

107

 

 

 

 

89 ـ كانت الزكاة مثالاً للقسم الأوّل من الأموال العامّة: وهو ما يكون مملوكاً لجهة عامّة، وليست لعموم المسلمين ولا للدولة الإسلاميّة.

إلّا أنّه مضى أنّ صرفها بيد الدولة الإسلاميّة لدى بسط اليد للحاكم الشرعيّ، فإذن هي تعتبر من ميزانيّة الدولة بمعنى من المعاني.

أمّا الخمس فهو مثال للقسم الثاني من تلك الأقسام: وهو ما يكون ملكاً للدولة الإسلاميّة مباشرةً، أو قل: لمنصب الإمامة (1)، والأقوى عندنا ثبوت هذا الحكم


(1) ويدلّ على ذلك:

قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ...﴾(1).

ولهذه الآية تفسيران:

الأوّل: تقسيم الخمس إلى أقسام لعدّة جهات، فكلّ جهة تملك جزءاً منه. وبناءً على هذا التفسير يصبح حال الخمس هو حال الزكاة الماضية، ولا يكون حقّاً وحدانيّاً للدولة أو لمنصب الإمامة، إلّا سهم الله ورسوله وذي القربى، وهذا ما يعبّر عنه في مصطلح الفقهاء بسهم الإمام.

ويشهد لهذا التفسير عدّة روايات (راجع الوسائل، ب 1 من قسمة الخمس، ح 1 و2 و3 و8 و9 و10 و12 و16 و19). وقد ورد في متن الحديث 12 ما قد يخالف التقسيم


(1) سورة الأنفال، الآية: 41.

108


وهو عدّ الخمس من وجه الإمارة(1)، ولكنّني لم أجد فيها ما يتمّ سنداً إلّا صحيح ربعي ـ وهو الحديث الثالث من ذلك الباب ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: «كان رسول الله(صلى الله عليه وآله)إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له، ثُمّ يقسّم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خمسه، ثُمّ يقسّم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه، ثُمّ قسّم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس يأخذ خمس الله ـ عزّ وجلّ ـ لنفسه...»، فلولا أنّ المقصود بالآية الشريفة تقسيم الخمس إلى عدّة أقسام لم يكن معنى لقوله(عليه السلام): «يأخذ خمس الله ـ عزّ وجلّ ـ لنفسه».

والثاني: أنّ المسألة ليست مسألة تقسيم، بل هي مسألة مراتب، فالخمس كلّه لله، وما كان لله فللرسول، وما كان للرسول بما هو رسول ينتهي بعده إلى ذي القربى، وهو الإمام، وذكر الجهات الثلاث الاُخرى لم يكن إلّا من باب ذكر المصرف.

وظاهر الآية ينسجم مع التفسير الثاني أكثر منها مع التفسير الأوّل، فلا نفهم معنىً معقولاً لجعل حصّة الله. وآية الزكاة(2) إنّما حصّصت الزكاة لأنّها فرضت الحصص كلّها بين الناس، فالظاهر: أنّ المقصود: أنّ الخمس كلّه لله، وأنّ ما لله يرجع بالمرتبة الثانية للرسول، وأنّ ما للرسول يرجع بالمرتبة الثالثة للإمام. وهذه هي النكتة البلاغية لتكرار حرف اللام على كلمة «الله» و «الرسول» و «ذي القربى»; إذ لو كان المقصود هو التقسيم السداسي لم يكن المناسب تكرار اللام على كلمة «الرسول» وكلمة «القربى» أبداً; لأنّ الخمس للمجموع أو قل: للجميع بالشركة، فالمفروض أن تذكر لام واحدة واردة على الكلّ كما هو الحال في آية الزكاة(3)، خصوصاً بناءً على عدم وجوب استيعاب الأقسام، وعليه فتكرار اللام يعني: أنّ الخمس كلّه لله وكلّه للرسول


(1) الوسائل، ب 2 ممّا يجب فيه الخمس، ح 12.

(2) سورة التوبة، الآية: 60.

(3) سورة التوبة، الآية: 60.

109


وكلّه لذي القربى، في حين أنّه لم يكرّر اللام في ظاهر اللفظ على الأقسام الثلاثة الاُخرى.

ويشهد لذلك: أنّ نفس اللحن ورد في القرآن في آية الفيء، حيث قال: ﴿وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَلاَ رِكَاب وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ * مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاَْغْنِيَاء مِنكُمْ...﴾(1) ولا إشكال فقهيّاً في أنّ الفيء كلّه للإمام، وهو من الأنفال(2).

وتدلّ على التفسير الثاني ـ وهو التفسير الذي اختاره الشيخ المنتظري(3)ـ روايات عديدة فيها ما هو تامّ سنداً من قبيل:

1 ـ صحيحة أبي عليّ بن راشد «قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقّك، فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: وأيّ شيء حقّه؟ فلم أدر ما اُجيبه، فقال: يجب عليهم الخمس، فقلت: ففي أيّ شيء؟ فقال: في أمتعتهم وصنائعهم، قلت: والتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال: إذا أمكنهم بعد مؤونتهم»(4).

2 ـ صحيحة معاوية بن وهب «قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): السريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف يقسّم؟ قال: إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم اُخرج منها الخمس لله وللرسول، وقسّم بينهم ثلاثة أخماس (في نسخة الكافي(5) «أربعة أخماس»


(1) سورة الحشر، الآية: 6 ـ 7.

(2) الوسائل، ب 1 من الأنفال.

(3) ولاية الفقيه للشيخ المنتظريّ، ج 3، ص 110 ـ 115.

(4) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 3.

(5) الكافي، طبعة الآخونديّ، ج 5، ص 43، باب قسم الغنيمة، ح 1.

110


وكأنّه الصحيح) وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ»(1).

3 ـ أخبار التحليل جميعاً، وفيها عدد تامّ السند بناءً على أنّ ظاهر تحليله(عليه السلام)للشيعة: أنّه تحليل مالكيّ ولائي، أي: أنّه يحلّل ما يملكه منصبه الولائي (ولكن يحتمل أن يكون التحليل عملاً ولائيّاً له من باب إعمال الولاية على الفقراء والمساكين وابن السبيل، أو من باب عدم وجوب استيعاب الأقسام).

4 ـ لو قبلنا موثوقيّة النوفلي تمّ أيضاً سند ما رواه الصدوق بسنده عن السكوني، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه(عليهم السلام)«قال: قال عليّ(عليه السلام): الوصيّة بالخمس; لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قد رضي لنفسه بالخمس»(2)(3).

ولو فرضنا وقوع التعارض بين هذه الطائفة التي دلّت على أنّ الخمس كلّه للإمام والطائفة السابقة التي جعلت النصف للإمام والباقي لليتامى والمساكين وابن السبيل، فهذه الطائفة ترجّح على الطائفة الاُولى لمطابقتها لظاهر الآية على ما أشرنا إليه من ظهور الآية في التفسير الثاني.

والذي يهوّن الخطب: أنّه لا أثر عملي مهمّ بين فرض الخمس ملكاً للجهات أو ملكاً وحدانيّاً لمنصب الإمامة; وذلك لأنّه لا إشكال في عدم وجوب الاستيعاب كما صرّح بذلك صحيح البزنطيّ عن الرضا(عليه السلام)«قال: سُئل عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا


(1) الوسائل، ب 1 من الأنفال، ح 3.

(2) الوسائل، ب 9 من كتاب الوصايا، ح 3.

(3) راجع روايات وحدانيّة حقّ الخمس للإمام في ولاية الفقيه للشيخ المنتظريّ، ج 3، ص 111 ـ 114.

111

ـ أي: كونه لمنصب الإمامة ـ حتّى فيما يسمّى في المصطلح الفقهيّ عادة بسهمالسادة. نعم، لا شكّ في أنّ من مهامّ الأئمّة(عليهم السلام) مراعاة الحاجات الاقتصاديّة لأولاد الرسول(صلى الله عليه وآله).

 

ما يتعلّق به الخمس

وقد جعلوه سبعة:

90 ـ الأوّل: الغنائم المأخوذة في القتال:

وقد فصّلوا بين القتال بإذن الإمام، فتكون الغنائم عندئذ ملكاً للمقاتلين الذين


غَنِمْتُم مِّن شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾(1) فقيل له: فما كان لله فلمن هو؟ فقال: لرسول الله(صلى الله عليه وآله)وما كان لرسول الله(صلى الله عليه وآله)فهو للإمام. فقيل له: أفرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر وصنف أقلّ ما يصنع به؟ قال: ذاك إلى الإمام، أرأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله)كيف يصنع، أليس إنّما كان يعطي على ما يرى؟ كذلك الإمام»(2). وعليه فللإمام(عليه السلام)أن يتصرّف بجميع الخمس كحقّ وحدانيّ للإمام. وهذا الكلام لم يكن يمكن أن نقوله في باب الزكاة; لأن الأقسام الستّة لم يكن شيء منها للإمام، ففرض عدم وجوب الاستيعاب لم يكن يؤدّي إلى نتيجة أن يكون الجميع للإمام، في حين أنّ الخمس لا إشكال في أنّ نصفه للإمام، فإن لم يجب الاستيعاب صحّ له أن يتصرّف في الكلّ بوصفه حقّاً وحدانيّاً لمنصب الإمامة.

فعلى تقدير أن يكون التقسيم في الآية سداسيّاً في عرض واحد ولم يكن تعدّد اللام بمعنى تعدّد المرتبة، فلتحمل الطائفة الدالّة على كون الخمس حقّاً وحدانيّاً للإمام على هذا المعنى.


(1) سورة الأنفال، الآية: 41.

(2) الوسائل، ب 2 من قسمة الخمس، ح 1

112

قاتلوا الكفّار بعد أخذ صفو المال للإمام، وأخذ الخمس من الباقي له(1)، فما يتبقّى يقسّم على المقاتلين بشرح راجع إلى محلّه، وما يكون قتالاً وغزواً لهم ابتداءً من قِبَل المسلمين من دون أمير أمّره الإمام(عليه السلام) وإذن لهم، فيكون عندئذ كلّ ما غنموه للإمام.

91 ـ وهذا الذي ذكرناه إنّما هو في المنقولات. وأمّا مثل الأراضي المفتوحة عَنْوةً التي هي ملك للمسلمين عامّة، فلا يتعلّق بها الخمس (2).


(1) لا إشكال في ذلك; فإنّ غنيمة الحرب هي المتيقّنة من آية الخمس: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم...﴾(1) سواء أخذنا بالتفسير السنّي للغنيمة وهي غنيمة الحرب أو بالتفسير الشيعي وهو مطلق الفائدة، فإنّ الأوّل قدر متيقّن بلا إشكال، وقد وردت الآية ضمن آيات الجهاد، بل في داخل نفس الآية ما هو شاهد على النظر إلى الحرب، وهو قوله تعالى: ﴿إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ﴾.

(2) المسألة ذات قولين بين أصحابنا(رحمهم الله) ولكنّنا نرى عدم تعلّق الخمس بالأراضي المفتوحة عنوة والتي يكون المتيقّن عندهم العامرة بشريّاً حين الفتح، ويدلّ على ذلك عدد من الروايات بعضها بما يشبه العموم وبعضها بالإطلاق.

أمّا ما يشبه العموم فكصحيح محمّد الحلبي «قال: سئل أبو عبدالله(عليه السلام) عن السواد ما منزلته؟ فقال: هو لجميع المسلمين: لمن هو اليوم، ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم، ولمن لم يخلق بعد...»(2)، والمقصود بالسواد أرض العراق أو المخضّر منها بالذات، سمّيت بذلك; لأنّ الجيش حينما دخلها بالفتح في زمن عمر بن الخطّاب رأوا هذه الأرض


(1) سورة الأنفال، الآية: 41.

(2) الوسائل، ب 21 من عقد البيع وشروطه، ح 4.

113


والتفاف شجرها سمّوها السواد(1)، إذن فهذه الكلمة كالعَلَم لأرض محدّدة بحدودها المشخّصة، فدلالتها على أنّها بكامل أجزائها للمسلمين تكون بما يشبه العموم.

ونحوه صحيح أبي الربيع الشامي عن أبي عبدالله(عليه السلام) «لا تشتر من أرض السواد شيئاً إلّا من كانت له ذمّة، فإنّما هو فيء للمسلمين»(2)، وأبو الربيع ممّن روى عنه البزنطي فنحكم بوثاقته، ولا يهمّنا فعلاً فهم معنى جملة: «إلّامن كانت له ذمّة» هل تعني: (إلّا لمن تقبّل الخراج على ذمّته)، أو تعني: (أنّ أهل الذمّة كانت تترك أراضيهم لهم لقبولهم الجزية، فيجوز شراؤها منهم)، أو تعني غير ذلك؟

وأمّا ما يكون بالإطلاق فمن قبيل:

1 ـ رواية أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن أحمد بن أشيم (وقال الشيخ عنه: مجهول) عن صفوان بن يحيى وأحمد بن محمّد بن أبي نصر جميعاً قالا: «ذكرنا له الكوفة وما وضع عليها من الخراج وما سار فيها أهل بيته، فقال: من أسلم طوعاً تركت أرضه في يده واُخذ منه العشر ممّا سقي بالسماء والأنهار، ونصف العشر ممّا كان بالرشا فيما عمّروه منها، وما لم يعمّروه منها أخذه الإمام فقبّله ممّن يعمّره، وكان للمسلمين، وعلى المتقبّلين في حصصهم العشر ونصف العشر، وليس في أقلّ من خمسة أوساق شيء من الزكاة، وما اُخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله بالذي يرى كما صنع رسول الله(صلى الله عليه وآله) بخيبر، قبّل سوادها وبياضها ـ يعني: أرضها ونخلها ـ والناس يقولون: لا تصلح قبالة الأرض والنخل، وقد قبّل رسول الله(صلى الله عليه وآله) خيبر، قال: وعلى المتقبّلين سوى قبالة الأرض العشر ونصف العشر في حصصهم...»(3).


(1) ولاية الفقيه للمنتظريّ، ج 3 ص 187 ـ 188.

(2) المصدر نفسه، ح 5.

(3) الوسائل، ب 72 من جهاد العدوّ، ح 1.