253

فاشترى به منهم أباه من دون فرض وكالة في المقام ولا قرينة على الأوّل بالخصوص.

5 ـ يقال أيضاً: كيف يمكن فرض القول قول المالك الأوّل للأب، في حين انّ الصحيح هو انّ القول قول مالك المأذون لانّه يعتبر ذا اليد لانّ له اليد على العبد المأذون الذي له اليد على أبيه فيعتبر هو ذا اليد على الأب المشترى، أو على الألف الذي اختصموا فيه(1).

والجواب: انّ ما في يد العبد انّما يعتبر عرفاً ثابتاً في يد المولى فيما إذا كان العبد على الأقل ساكتاً ـ إن لم نشترط تأييده لمولاه ـ بأن لم يكن العبد نفسه مدّعياً لكون المال لشخص آخر فيكون وزان العبد لدى فرض السكوت، وزان صندوق مشتمل على مال فذاك المال يعتبر في يد مَن له اليد على الصندوق، إمّا مع التصريح من قِبَل العبد بالخلاف وكونه مالاً لشخص آخر كما في المقام فلا يعتبر المولى صاحب يد على ذاك المال(2).

6 ـ كيف حكم الإمام (عليه السلام) بصحّة الحج مع ما فيه من انّه بعد فرض الحكم بالرقية على الأب المشترى فقد صدر الحج من العبد بلا اذن مولاه فهو باطل، مضافاً إلى انّ طرفين من أطراف النزاع لم يطالبوا أصلاً بالحج بل وكذلك الطرف الثالث وهم الورثة، لانّ الذي طلب الحج كان هو المورث وقد مات، إذن فحتى لو صحّ الحج كيف يصبح مستحقاً للاجرة؟!(3).


(1) راجع منية الطالب 1: 219.

(2) لعلّ هذا هو المقصود ممّا جاء في منية الطالب 1: 220.

(3) راجع المحاضرات 2: 314، ومصباح الفقاهة 4: 69.

254

أقول: بما انّ هذا الإشكال ليس من الإشكالات الواردة على أصل دلالة الرواية على صحّة بيع الفضولي بالإجازة وانّما هو إشكال على الرواية بفرض ذكرها لحكم مقطوع الفساد وهو صحّة الحج مثلاً فيكفي في الإجابة عليه تأويل الرواية بما أبداه السيد الإمام (رحمه الله) من احتمال كون المقصود بقوله: «الحجّة قد مضت بما فيها لا ترد» انّ الحج شيء تصرّم وانقضى، ولا معنى لردّه كما يردّ العبد ولا أثر لفرض صحّته وبطلانه وحكم القاضي فيه بشيء فانّه على أيّ حال أمر انتهى، وانّما المهم هو تشخيص حال العبد. وأمّا المال المصروف في الحج فيقال في وجه عدم ذكر الإمام (عليه السلام) لحكمه انّه لم يكن النزاع فيه وانّما كان نزاعهم في العبد(1).

ومنها ـ رواية الحلبي بسند تام قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى ثوباً ولم يشترط على صاحبه شيئاً فكرهه ثم ردّه على صاحبه فأبى أن يقيله (يقبله خ ل) إلّا بوضيعة قال: لا يصلح له أن يأخذه بوضيعة فان جهل فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه ردّ على صاحبه الأوّل ما زاد(2).

ووجه الاستدلال بذلك هو انّه بعد أن كانت الإقالة بوضيعة باطلة كان بيع الثوب من شخص ثالث فضولياً، ولكن إذا كان هذا البيع بأكثر من ثمنه فالمشتري الأوّل حتماً سيجيز البيع لانّه في صالحه ولهذا حكم الإمام (رحمه الله) بردّ الزيادة عليه.

وأورد على ذلك السيد الخوئي ـ على ما ورد في مصباح الفقاهة(3)بإيرادين:


(1) راجع كتاب البيع 2: 129.

(2) الوسائل 12: 392، الباب 17 من أبواب أحكام العقود.

(3) مصباح الفقاهة 4: 70 ـ 71.

255

الأوّل ـ انّه لو حمل الحديث على البيع الفضولي على أساس بطلان الإقالة فهو فضولي سواء باعه بأكثر من ثمنه، أو بأقل من ثمنه فلا الناقص ملك للبائع ولا الزائد فما معنى التفصيل في الرواية بين ما لو باع بأكثر من ثمنه وما لو باع بأقل، حيث خصص الحكم بالإرجاع إلى المشتري الأوّل بما زاد بل المفروض حتى في فرض النقيصة لو أجاز المشتري الأوّل يكون ملكاً للمشتري الأوّل وإلّا رجع إلى المشتري الثاني لبطلان البيع ورجعت العين إلى المشتري الأوّل، كما هو الحال في فرض الزيادة أيضاً أي انّه لو أجاز المشتري الأوّل فالثمن له وإلّا فالثمن للمشتري الثاني وترجع العين إلى المشتري الأوّل. هذا ما يظهر من عبارة المصباح.

ويقرب منه ما يظهر من عبارة المحاضرات(1) وهو انّه لو حمل الحديث على الفضولي المصحّح بالإجازة فلماذا حكم الإمام (عليه السلام) بإرجاع الزيادة فحسب إلى المشتري الأوّل؟! بل المفروض ان يحكم بإرجاع كل الثمن إلى المشتري الأوّل واسترداد ما دفعه أوّلاً بالإقالة:

أقول: لو اقتصر في مقام الإشكال على ظاهر عبارة التقريرين أمكن الجواب على ذلك بانّ المقدار المتساوي من الثمن الذي ردّه البائع على المشتري الأوّل بالإقالة والذي أخذه البائع من المشتري الثاني يتراضيان عليه عادة فلم يكن الإمام (عليه السلام) بصدد بيان حكم ذلك، وانّما الكلام في الزيادة وقد حكم الإمام (عليه السلام)بإرجاعها إلى المشتري الأوّل على أساس إجازته للبيع الفضولي.

ولكنّي احتمل أن يكون مقصود السيد الخوئي ـ رغم قصور عبارة


(1) المحاضرات 2: 315.

256

التقريرين ـ: إنّ الإمام (عليه السلام) لماذا خصّ الحكم بالإرجاع بمقدار الزيادة على الثمن؟! ونفترض انّ السيد الخوئي حمل كلمة الثمن على ثمن البيع الأوّل فيقال: لو فرضنا انّ ثمن البيع الثاني كان أقل من ثمن البيع الأوّل ولكنّه كان أكثر من الثمن الذي ردّ البائع إلى المشتري الأوّل بالإقالة، كان عليه أيضاً إرجاع الزيادة إلى المشتري الأوّل.

ولكن لو أوّلنا كلام السيد الخوئي بهذا التوجيه أمكن أيضاً الجواب عليه بفرض حمل الثمن في الحديث على الثمن الذي ردّه البائع على المشتري الأوّل بالإقالة.

الثاني ـ انّ المشتري الأوّل ليس دائماً سيجيز البيع الثاني الذي كان بأكثر من ثمنه وليس رضاه بالإقالة دليلاً على أنّه سيجيز ذلك، إذ قد يتفق أن يكون للمشتري الأوّل في وقت الاستقالة غرض خاص في ذلك انتهى وقته في حين البيع الجديد فلا داعي له إلى إجازة البيع الجديد، أو يتفق انّ السعر السوقي لتلك العين قد ترقّى بعد الاستقالة بحيث يمكن الآن بيعها بسعر أرقى من ثمن البيع الثاني فلا داعي له إلى إجازة البيع الثاني.

وأضاف إلى ذلك في المحاضرات(1) انّ الإمام (عليه السلام) لم يتعرّض أصلاً لذكر إجازة المشتري الأوّل.

ولعلّه لا يقصد بهذه الإضافة إشكالاً جديداً بل يرى مجموع الأمرين إشكالاً واحداً ببيان انّ حمل الحديث على فرض الإجازة يجب ان يستند إمّا إلى ورود هذا الفرض في نفس الحديث، أو إلى كون هذا الفرض أمراً طبيعياً بحيث لم


(1) المحاضرات 2: 315.

257

يكن يحتاج إلى ا لذكر وكلا الأمرين مفقود في المقام، أمّا الأوّل فلوضوح عدمذكر في الحديث لهذا الفرض، وأمّا الثاني فلانّ المشتري الأوّل قد لا يجيز البيع الجديد على أساس ترقيّ السعر السوقي مثلاً.

وهذا الإشكال أيضاً يمكن الإجابة عليه بدعوى انّ هناك طريقاً ثالثاً لاكتشاف فرض الإجازة وهو الاستبعاد العقلائي لصحّة البيع الجديد من دون إجازة المالك وهو المشتري الأوّل، فهذه قرينية عرفية عقلائية على أنّ نظر الإمام (عليه السلام) كان إلى الفرض الغالب وهو فرض انّ المشتري الأوّل حينما يطلع على الزيادة سيجيز وافتراض تبدّل السعر السوقي في زمان قصير خاصّة في ذاك العصر بعيد.

ثم تصدّى السيد الخوئي على ما في كلا التقريرين(1) لبيان انّ البيع الجديد ليس فضولياً أصلاً وهذا في الحقيقة يعتبر إشكالاً ثالثاً منه على الاستدلال بهذا الحديث، امّا الوجه في عدم كونه فضولياً فهو انّ إذن المشتري الأوّل في الإقالة بالوضيعة يدلّ بالملازمة على رضاه ببيع جديد بثمن أعلى بالأولوية وهذا رضا مبرز إذ قد أبرزه باذنه في الإقالة، وليس رضاً باطنياً بحتاً حتى يقال: إنّه لا يخرج البيع عن كونه فضولياً.

أقول: إنّ هذا الكلام بظاهره يناقض ما ذكره في الإشكال الثاني من انّ رضاه بالإقالة لا يدل على أنّه سيجيز البيع الجديد لاحتمال تبدّل أغراضه ولو بسبب ترقيّ السعر السوقي، بل انّ إشكاله الأوّل أيضاً لو تمّ لكان مشترك الورود إذ هنا أيضاً يقال: إنّه لو فرضت صحّة البيع الثاني بالرضا المقارن فلماذا حكم الإمام (عليه السلام)بإرجاع الزيادة فحسب دون تمام الثمن؟ فانّ قرّر توجيه ذلك بمثل


(1) راجع مصباح الفقاهة 4: 72، والمحاضرات 2: 315.

258

ما مضى منّا فالتوجيه أيضاً مشترك يأتي حتى على حمل الحديث على الفضولي فلم يكن إيراده على الاستدلال بالحديث على الفضولي في محلّه.

ولكن بالإمكان ان يأوّل كلامه بنحو ينجو من هذا التناقض وإن كانت عبارة التقريرين قاصرة عن ذلك، وذلك بان يقال: إنّ الحديث لا يدلّ على صحّة بيع الفضولي بالإجازة وذلك أوّلاً لانّ استقالته لا تدلّ على رضاه بالبيع الجديد لاحتمال تبدّل أغراضه ولو بسبب ترقيّ السعر السوقي وهذا هو الإشكال الثاني في كلامه.

وثانياً لانّنا لو سلّمنا دلالة استقالته على الرضا بالبيع الجديد فهذا رضا مقارن مبرز، وبه يخرج البيع عن كونه فضولياً وهذا هو الإشكال الثالث.

إلّا انّ هذا الكلام حتى بعد فرض توجيهه بهذا الوجه لا يخلو من إشكال وذلك لانّ الذي يصحّح استناد البيع إلى المالك ليس مجرّد الرضا المبرز بأي مبرز كان وانّما هو تصدّيه للإ براز، أمّا الإ براز الذي تمّت مبرزيته بسبب ضمّ علمنا الخارجي بأمر ولم يكن المالك قد قصد إ براز الرضا فلا أثر له فمثلاً لو وكّل زيداً في بيع عين من الأعيان المملوكة له وعلم زيد بالأولوية بانّه لو رضى ببيع هذه العين فهو راض ببيع العين الاُخرى التي يكون وجودها في ملكه أقل نفعاً له في حياته من العين الاُولى فباع العين الثانية فلا إشكال في انّ هذا بيع فضولي، ولو وكّل زيداً في بيع عين له فعلم عمرو برضاه بان يتصدّى هو للبيع لعدم وجود فارق في الفرض بين أن يكون متصدّي البيع زيداً أو عمراً فتصدّى عمرو للبيع فلا إشكال في انّ هذا بيع فضولي، وكذلك الحال في المقام فان المالك انّما تصدّى لإبراز رضاه بالإقالة ولم يقصد إبراز رضاه بالبيع بثمن أعلى وان علمنا بذلك بالأولوية.

 

259

وبالإمكان ان يعترض على الاستدلال بهذا الحديث بإشكالين آخرين:

الإشكال الأوّل ـ سنخ ما أوردناه على الاستدلال بحديث عروة البارقي من انّنا لو لم نفترض صحّة بيع الفضولي بالإجازة بمقتضى القاعدة وأردنا ان نثبت صحّته بهذا الحديث فهذا الحديث لا يدلّ على ذلك، إذ كما يحتمل فيه أن تكون صحّة البيع بلا اذن المالك نتيجة الإجازة المتأخّرة كذلك يحتمل فيه أن تكون صحّته نتيجة الرضا المقارن مطلقاً أو المبرَز بمثل المبرِز الذي قد يفترض في هذا الحديث وهو طلب الإقالة بوضيعة وإن كان هذا الإبراز لا يصحّح الاستناد إلى المالك ولا يكفي لتصحيح البيع على القاعدة.

الإشكال الثاني ـ إبراز احتمال آخر في هذا الحديث وهو احتمال انّ الإقالة بوضيعة انّما تكون باطلة لمَن يعلم بهذا الحكم، امّا من جهل به فالإقالة بوضيعة تكون صحيحة بالنسبة له أي انّ العلم بالحكم أخذ في موضوع ذلك الحكم بالمعنى المعقول الذي يفترض في مثل باب الجهر والإخفات والقصر والإتمام ولكن جعلت في الشريعة مجازاةٌ لهذا الذي أقام بوضيعة جهلاً بالحكم وهي: انّه لو باع العين بزيادة أرجع الزيادة إلى المشتري الأوّل، والشاهد على هذا الاحتمال قيد الجهل في الحديث حيث قال: فان جهل فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه ردّ على صاحبه الأوّل ما زاد، في حين انّه لو كان المقصود بطلان الإقالة وصيرورة البيع الجديد فضولياً فهذا لا يختص بما إذا فعل ذلك جهلاً بل يأتي حتى في ما إذا فعله عمداً ورغم العلم بالبطلان.

إلّا انّ هذا الشاهد غير صحيح بناء على عدم دلالة الشرط على كونه قيداً احترازياً إذا وجدت مناسبة عرفية ونكتة عقلائية لذكر الشرط غير الاحتراز والمناسبة العرفية في المقام هي انّه بعد أن فرض بطلان الإقالة بوضيعة وعدم

260

جوازها فمن المعقول ان يفترض ان صدور ذلك منه انّما يكون عن جهل وذلك لافتراض تدينه والتزامه بالشرع، فإذا بطل هذا الشاهد كان هذا الاحتمال خلاف إطلاق قوله: لا يصلح له أن يأخذه بوضيعة فان دخل العلم بالحكم في موضوع الحكم بالمعنى المعقول منفّي بالإطلاق إلّا إذا ثبت بدليل.

ومنها ـ ما عن محمّد بن اسماعيل بن بزيع بسند تام قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن امرأة ابتليت بشرب النبيذ فسكرت فزوّجت نفسها رجلاً في سكرها ثم أفاقت فانكرت ذلك ثم ظنّت انّه يلزمها ففزعت منه فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج أحلال هو لها أم التزويج فاسد لمكان السكر ولا سبيل للزوج عليها؟ فقال: إذا أقامت معه بعد ما أفاقت فهو رضا منها قلت: ويجوز ذلك التزويج عليها؟ فقال: نعم(1) فيقال: إنّ هذا التزويج وإن لم يكن فضولياً ولكنّه كالفضولي لانّ رضاها في حال السكر كلا رضا وقد حكم الإمام (عليه السلام) بصحّة العقد بالإجازة المتأخّرة فبناء على التعدّي من النكاح إلى سائر العقود يثبت نفوذ العقد الفضولي بشكل عام بالإجازة المتأخّرة.

ولكن بالإمكان أن يقال ـ بعد فرض انّ سكرها لم يكن بمستوى فقدان الشعور أو عدم تحقّق العقد منها بمعنى الكلمة وإلّا فلا يوجد عقد حتى يتم بالإجازة ـ: انّ هذا العقد صادر منها بالاختيار، غاية ما هناك انّها لم تكن قادرة على تمييز المصلحة من المفسدة فلأجل ذلك خيّرت بين الإمضاء والردّ ولا يمكن التعدّي إلى فرض فقدان أصل الرضا والاختيار، لاحتمال الفرق.

ومنها ـ ما ورد بسند تام عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله قال: سألت أبا


(1) الوسائل 14: 221، الباب 14 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد.

261

عبد الله (عليه السلام) عن السمسار يشتري بالأجر فيدفع إليه الورق ويشترط عليه انّك تأتي بما تشتري فما شئت أخذته وما شئت تركته فيذهب ويشتري ثم يأتي بالمتاع فيقول: خذ ما رضيت ودع ما كرهت قال: لا بأس(1) وورد نفس الحديث بسند تام عن أبي ولاد أيضاً عن أبي عبد الله (عليه السلام)(2).

ووجه الاستدلال بهذا الحديث ما ذكره الشيخ (رحمه الله) في المكاسب(3) من أنّ في السؤال الوارد في هذا الحديث عدّة احتمالات:

1 ـ أن يكون ما أعطاه للسمسار بعنوان القرض ليشتري به لنفسه أمتعة ويشتري بعد ذلك المقرض ما أحبّه من تلك الأمتعة، ولا ينافي ذلك توصيف السمسار بانّه يشتري بالأجر لإمكان حمله على بيان وصف السمسار باعتبار أصل حرفته وشغله بشكل عام لا بملاحظة هذه القضية الشخصية.

2 ـ أن يكون قد وكّله لشراء أمتعة مع جعل الخيار له على بائع الأمتعة فيختار ما يريد ويفسخ العقد في الباقي وبناءً على هذين الاحتمالين يكون الحديث أجنبياً عن بيع الفضولي.

3 ـ أن يكون اعطاؤه المال تمكيناً له من الشراء فضولة أو أمانةً وتطميناً له بوصول ثمن ما يشتريه إليه(4) فيشتري فضولة بالمال عدّة أمتعة ثم يختار ما يريده صاحب المال ويمضي العقد بالنسبة لما أراد ويردّ الباقي.


(1) و (2) الوسائل 12: 394، الباب 20 من أبواب أحكام العقود، الحديث 2.

(3) 1: 126، بحسب الطبعة المشتملة على تعليق الشهيدي.

(4) احتمال التطمين وارد في البلغة 2: 218، واحتمال التمكين من الشراء فضولة وارد في المحاضرات 2: 316، وكلاهما واردان في مصباح الفقاهة 4: 75، وعبارة الشيخ الأنصاري ساكتة عن ذلك فتحتمل كل هذه الاُمور.

262

وعلى هذا المعنى يكون الحديث راجعاً إلى بيع الفضولي، وبما انّ الإمام (عليه السلام)لم يستفصل في مقام الجواب عمّا هو مراد السائل من هذه المحتملات فمقتضى الإطلاق بملاك ترك الاستفصال صحّة الجواب على كل المحتملات، وهذا يعني صحّة بيع الفضولي الملحوق بالإجازة.

وذكر الشيخ (رحمه الله): انّه لم يثبت في مورد الحديث على الاحتمال الثالث وجود اذن في الشراء بالنحو الذي يرفع فضولية العقد. ولعلّ مقصوده (رحمه الله) بذلك هو انّه وإن كان لا إشكال في أنّ دفع المال إليه إذا كان لأجل التمكين من الشراء الفضولي فقد دلّ على الإذن في التصرّف لكنّه لم يكن ذلك إلّا إذناً في التصرّف المادّي من دفع المال إلى البائع، ولم يكن إذناً معاملياً كي يخرج العقد عن كونه فضولياً.

وأورد السيد الخوئي على هذا الاستدلال بإيرادين:

الأوّل ـ استظهار الاحتمال الثاني من المحتملات الثلاثة في الحديث وهو الشراء بالأجر لغلبته في وضع السمسارين(1) وأضاف في مصباح الفقاهة(2)احتمالاً آخر وصفه بانّه أيضاً لا بأس به ـ وهو احتمال نقله عن البلغة(3) ـ وهو وقوع مجرّد المساومة بين السمسار والبائع وإطلاق الشراء عليه إطلاق شائع أو مجاز بالمشارفة ويكون دفع الورق إلى السمسار لتطمينه ـ وهو على حدّ تعبير صاحب البلغة ـ كثير الوقوع سيّما مع الدلال والسمسار.


(1) راجع المحاضرات 2: 317.

(2) مصباح الفقاهة 4: 76.

(3) راجع البلغة 2: 219.

263

والثاني ـ إشكال بيّنه السيّد الخوئي وفي تعبير التقريرين(1) غموض في إفهام المقصود، وأنا هنا أختار تعبير المحاضرات ونصّه ما يلي: «لا يمكن التمسّك في المقام بترك الاستفصال لانّه لا يتم في القضية الشخصية إذ لعل الإمام علم بالحال من الخارج أو من نفس السؤال فأجاب عن حكمه».

أقول: إن كان مقصوده بهذا الكلام التفصيل بين ما إذا كان السؤال عن قضية شخصية أو عن قضية كلية فالإطلاق بملاك ترك الاستفصال انّما يكون له مجال في الثاني دون الأوّل، ورد عليه: (أوّلاً) انّنا لا نعرف نكتة لهذا التفصيل (وثانياً) انّ السؤال في مورد الحديث سؤال عن قضية كلية لا عن قضية شخصية.

وإن كان مقصوده بذلك انّ التمسّك بترك الاستفصال انّما يكون فيما إذا كان السؤال دالّاً على الجامع بين محتملات لا مجملاً بينها وفي ما نحن فيه يكون السؤال مجملاً بين عدّة محتملات لا جامعاً بينها، وعندئذ يكون الجواب مجملاً لاحتمال انّ الإمام (عليه السلام) فهم مقصود السائل بأي طريق من الطرق فأجابه وفق مقصوده، قلنا: إنّ هذا في الحقيقة ليس بياناً لمورد الاستدلال بالإطلاق بملاك ترك الاستفصال وانّما هذا يعني إنكار التمسّك بالإطلاق بهذا الملاك لدى إجمال السؤال، والتمسّك بأصالة التطابق بين الجواب والسؤال لدى إطلاق السؤال، فإذا كان السؤال ظاهراً في السؤال عن الجامع بين محتملات كان مقتضى أصالة التطابق بين الجواب والسؤال كون الجواب أيضاً ناظراً إلى الجامع، وعندئذ إذا احتملنا وجود قيد منفصل لذلك دفعناه بالإطلاق الحكمي لا بالإطلاق بملاك ترك الاستفصال.


(1) راجع المحاضرات 2: 317، ومصباح الفقاهة 4: 75 ـ 76.

264

والصحيح: انّ التمسّك بالإطلاق بملاك ترك الاستفصال في موارد إجمال السؤال غير تام، وأنّ إجمال السؤال يسري إلى الجواب، ولا يصحّ القول في مورد تردّد السؤال بين عدّة محتملات بان ترك الاستفصال عمّا هو المقصود منها دليل على صحّة الجواب على كل محتملات السؤال وإلّا لزم إغراء السائل بالجهل فيما إذا كان مقصوده غير الاحتمال الذي أجاب الإمام عليه، فانّه يردّ عليه ما نقلنا عن السيد الخوئي من انّه من المحتمل انّ الإمام (عليه السلام) فهم مقصود السائل ولو بقرينة خارجية فأجاب عليه ولا يمكن دفع القرينة المنفصلة لا بأصالة عدم القرينة ولا بالشهادة السكوتية للراوي، أمّا الأوّل فلانّنا لا نؤمن بأصالة عدم القرينة كأصل عقلائي مستقل وانّما نراها شعبة من شعب أصالة الظهور، وفيما نحن فيه لم ينعقد ظهور في نفسه، وأمّا الثاني فلانّه ليس على الراوي في نظر العرف نقل القرائن المنفصلة كي يكون سكوته عنها شهادة بعدمها.

نعم نحن نؤمن بالإطلاق بملاك ترك الاستفصال فيما إذا لم يكن السؤال مجملاً ولكن كانت هناك محتملات في مقارنات الواقعة المسؤول عنها فمثلاً لو انّ السائل قال: إنّي كنت صائماً فأكلت نسياناً للصوم فأجاب الإمام بصحّة الصوم من دون ان يستفصل عمّا إذا كان هذا الصوم صوم شهر رمضان وقضاءه أو صوماً آخر واجباً أو مستحباً، فمقتضى الإطلاق بملاك ترك الاستفصال هو عدم مضرية الأكل عن نسيان في كل هذه الفروض.

ولا يقال هنا: لعل الإمام (عليه السلام) فهم بقرينة خارجية كون صومه استحبابياً مثلاً أو صوم شهر رمضان مثلاً فلا يتم الإطلاق لجميع أقسام الصوم والسبب في ذلك هو انّ مقتضى أصالة التطابق بين الجواب والسؤال هو انّه لا يوجد عنصر دخيل في الجواب غير العناصر الموجودة في السؤال فلو كان هناك تفصيل في

265

الجواب لكان على الإمام (عليه السلام) ان يستفصل أو يفصّل، وإن شئت فلا تسمّ هذا بالإطلاق بملاك ترك الاستفصال، وسمِّه بمثل أصالة التطابق بين الجواب والسؤال في العناصر الدخيلة.

ولك أن تقول: إنّ أصالة التطابق بين الجواب والسؤال وتبعية الجواب للسؤال تجعل المراد من السؤال قرينة على المقصود من الجواب، فإذا كان السؤال مجملاً كان بكل محتمل من محتملاته صالحاً للقرينية على تطبيق الجواب وفق ذاك الاحتمال، واكتناف ما يصلح للقرينية يوجب الإجمال فالسؤال المجمل يوجب إجمال الجواب.

امّا إذا لم يكن السؤال مجملاً فلا يأتي هذا التقريب وتكون مقتضى أصالة تطابق الجواب للسؤال أنّ كل خصوصية ألغى السائل النظر إليها في سؤاله فهي ملغاة في الجواب فيتمّ في الجواب إطلاق بلحاظ تلك الخصوصيات.

والواقع انّ الإطلاق في هذا الفرض لا يرجع بروحه إلى نكتة الإطلاق بملاك ترك الاستفصال وانّما يرجع بروحه إلى نكتة الإطلاق الحكمي حيث يقال: إنّ إغفال السائل لتلك الخصوصيات البديلة ظاهر في عدم دخلها في سؤاله سنخ ان إغفال القيد ظاهر في عدم دخله في موضوع الحكم، وكذلك إغفال الإمام (عليه السلام)لتلك الخصوصيات ظاهر في عدم دخلها في الجواب.

ومنها ـ ما عن مسمع أبي سيار قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) انيّ كنت استودعت رجلاً مالاً فجحد فيه وحلف لي عليه ثم جاء بعد ذلك بسنين بالمال الذي كنت استودعته ايّاه فقال: هذا مالك فخذه وهذه أربعة آلاف درهم ربحتها في مالك فهي لك مع مالك واجعلني في حلّ فأخذت المال منه وأبيت ان آخذ الربح وأوقفت المال الذي كنت استودعته وأتيت حتى استطلع رأيك فما ترى؟

266

قال فقال خذ الربح واعطه النصف وأحلّه انّ هذا رجل تائب والله يحب التوابين(1)وسند الشيخ إلى هذا الحديث فيه الحسن بن عمارة عن أبيه ولم يثبت توثيقهما ولكن سند الصدوق إليه عبارة عن سنده إلى مسمع أبي سيار وهو ما يلي: الصدوق (رحمه الله) عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمّد عن ابان عن مسمع والمقصود بالقاسم بن محمّد هو الجوهري بقرينة رواية الحسين بن سعيد عنه وهو ثقة عندنا لرواية بعض الثلاثة عنه، وثِقة عند السيد الخوئي لوقوعه في أسانيد كامل الزيارات، ومسمع أيضاً ثقة لرواية بعض الثلاثة عنه، ولما ورد في الكشي عن محمّد بن مسعود قال سألت أبا الحسن علي بن الحسن بن فضال عن مسمع كردين أبي سيار فقال هو ابن مالك من أهل البصرة وكان ثقة. وذكر السيد الخوئي(2) انّ هذا التوثيق هو الموافق لأكثر النسخ ولكن نسخة العلاّمة وابن داود كانت خالية عنه ولذلك لم يذكراه، والمظنون قوياً صحّة ما في بقية النسخ إذ من البعيد جداً انّ سؤال محمّد ابن مسعود كان عن غير مسألة الوثاقة كي يكتفي ابن فضال في الجواب بانّه ابن مالك من أهل البصرة، فانّ مسمع كردين كان رجلاً معروفاً ويبعد من مثل محمّد ابن مسعود ان لا يطلع عليه فالسؤال لا محالة كان عن جهة الوثاقة وقد سأل محمّد بن مسعود علي بن فضال عن مثل ذلك كثيراً فأجابه ابن فضال ببيان الحال من الوثاقة وعدمها.

والسيد الخوئي يضيف إلى ما عرفته عن الكشي وجهاً آخر لتوثيق مسمع حسب مبناه وهو وروده في إسناد كامل الزيارات.


(1) الوسائل 13: 235، الباب 10 من أبواب الوديعة.

(2) في معجم رجال الحديث 18: 159.

267

وعلى أي حال فقد اتضح انّ ما في مصباح الفقاهة(1) من تضعيف هذاالحديث سنداً خطأ أو غفلة عن السند الثاني.

وأمّا من حيث الدلالة فقد ناقش في مصباح الفقاهة(2) فيها بانّ الاستدلال بها يتوقّف على وقوع المعاملة على عين الوديعة إمّا بنحو المعاطاة أو بالعقد اللفظي، ولكن لا قرينة في الرواية على ذلك.

أقول: كأنّ المقصود انّ من المحتمل ان الربح الذي أعطاه الغاصب إيّاه لم يكن لأجل كون الاتجار بعين ماله بل كان الاتجار بالكليّ في الذمّة وكان التطبيق في الأداء بمال الأمانة فالربح كان ملكاً للغاصب وإن فعل حراماً في تصرّفه في الأمانة ومن المتعارف التعبير عن ذلك بالربح في هذا المال فانّه تعبير عرفي يقال في ما إذا كان الأداء بهذا المال ولو كانت المعاملة بالكليّ في الذمّة فقوله: (هذه أربعة آلاف درهم ربحتها في مالك) ليس دليلاً على أنّ المبادلة كانت منصبّة على عين المال، وقوله: «فهي لك مع مالك» لم يثبت أن يكون إخباراً عن ملكيته لهذا الربح كي يكون ذلك شاهداً على كون التعامل بعين المال، فلعلّه إنشاء للتمليك حالاً بهدف استرضائه والتحلّل منه فكأنّه يقول: خذ منيّ هذا الربح استدراكاً لما صدر منيّ من الظلم بالنسبة لك واجعلني في حلّ، وبهذا البيان اتضح أيضاً انّه لا يردّ على ذلك الإشكال بانّه لو كان التعامل بالكليّ وكان الربح للغاصب فكيف أجاز الإمام عليه لهذا الشخص بتملّك الربح؟! وكيف علّل إرجاع نصف الربح إلى الغاصب بانّه تائب والله يحبّ التوابين؟! على أنّ هذا التعليل قد يكون تعليلاً لتحليله فقط، لا لإرجاع النصف إليه.


(1) و (2) مصباح الفقاهة 4: 77.

268

هذا تمام الكلام في أدلّة صحّة عقد الفضولي للمالك من دون سبق منع من المالك.

أدلّة بطلان عقد الفضولي:

وقد يستدل على بطلان عقده بمعنى عدم مصحّحية الإجازة المتأخّرة له بأدلّة شرط الرضا أو شرط الملك.

من قبيل الآية الشريفة: ﴿لا تاكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلّا أن تكون تجارة عن تراض منكم﴾(1) وحديث: لا يحل مال امرئ مسلم إلّا بطيبة نفسه(2).

ومن قبيل: روايات النهي عن بيع ما ليس عندك(3) أو عن بيع ما لا يملك(4).

ويمكن أن يجاب بعدّة أجوبة عامّة على كل أدلّة اشتراط الرضا أو الملك.

الجواب الأوّل ـ إنّ هذه النواهي إن دلّت على البطلان فانّما تدلّ على البطلان بلحاظ من توجّه إليه النهي وهو العاقد الفضولي، ولا تمنع عن الصحّة للمالك بإجازته فان دلّت بإطلاقها على البطلان حتى بعد الإجازة فانّما تدلّ على بطلان بيع من يبيع لنفسه ثم يملكه بالشراء مثلاً ثم يجيز، ولا تدلّ على البطلان حتى بعد إجازة المالك الأوّل.


(1) النساء: 29.

(2) 3: 424، الباب 3 من أبواب مكان المصليّ، الحديث 1، و 19: 3، الباب 1 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3.

(3) الوسائل 12: 374 ـ 375، الباب 7 من أبواب أحكام العقود، الحديث 2 و 5، بلسان: نهي النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيع ما ليس عندك وسنن البيهقي الصفحة 339، الحديث 5، عن النبي (صلى الله عليه وآله): لا تبع ما ليس عندك.

(4) الوسائل 12: 252، الباب 2 من أبواب عقد البيع وشروطه.

269

وقد يردّ هذا الجواب بدعوى إطلاق النهي لما إذا كان الفضولي يقصد البيع للمالك لا لنفسه والبطلان عندئذ يعني عدم ترتّب الأثر المقصود له وهو تحقّق البيع للمالك، ومقتضى إطلاقه عدم تحقّقه حتى بعد الإجازة فانّ دليل شرط الرضا أو الملك ظاهر في الشرط المقارن كما هو الحال عادة في أدلّة الشروط، خرج من الثاني يقينا فرض الاذن المقارن فهو مصحّح للعقد رغم عدم مالكية العاقد، وبقى الباقي هذا، مضافاً إلى انّ كلمة (عن) في الآية الشريفة تدلّ على ضرورة نشوء التجارة عن تراض وهذا لا يكون إلّا في الرضا المقارن.

والجواب الثاني ـ انّ استناد التجارة والعقد إلى المالك يتم من حين الإجازة ببعض البيانات الماضية وعندئذ يتم الشرط المقارن وتتم نشوء التجارة عن تراض.

والجواب الثالث ـ انّ الدليل على صحّة بيع الفضولي بالإجازة المتأخّرة وهو صحيحة محمّد بن قيس يقدم على هذه الأدلّة بالأخصية هذا، مع إمكان الجواب على كثير من أدلّة شرط الرضا أو الملك بجواب خاص بكل واحد واحد منها وذلك كالتالي:

1 ـ قوله: لا يحل مال امرئ مسلم إلّا بطيبة نفسه انّما دلّ على اشتراط الحل بالمقارنة بطيب النفس لا اشتراطه بمقارنة التجارة بطيب النفس، ونحن لم نقل في بيع الفضولي بثبوت الحل قبل طيب النفس.

2 ـ قوله تعالى: ﴿لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلّا ان تكون تجارة عن تراض﴾ قد أجاب الشيخ (رحمه الله) عن الاستدلال به بأن الاستثناء منقطع والاستثناء المنقطع لا يدل على الحصر(1).

 


(1) راجع المكاسب 1: 127، بحسب الطبعة المشتملة على تعليق الشهيدي.

270

وأورد السيد الخوئي على ذلك حسب ما ورد في المصباح(1) بوجوه ثلاثة:

1 ـ انّ الاستثناء المنقطع غلط فليس من المقبول عرفاً استثناء شيء لم يفترض دخوله في المستثنى منه فلا يحمل القرآن على ما يعتبر غلطاً، (وما يتخيّل كونه منقطعاً يحمل على افتراض الدخول في المستثنى منه ولو ادّعاء كأن يقول: ما رأيت أحداً من العلماء إلّا أبناءهم فافترض انّ أولاد العلماء من العلماء ادّعاء فاستثناهم من الحكم)(2) ولو قيل مثلاً: ما رأيت عالماً إلّا جاهلاً كان الكلام مستهجناً.

2 ـ انّه لو سلمنا صحّة الاستثناء المنقطع فهنا لا بد أن يكون الاستثناء متصلاً لانّه لا تصلح ما في الآية من كلمة (الأكل) ولا كلمة (الأموال) ولا كلمة (الباطل) لان تكون مستثنى منها فلا بد من افتراض كون المستثنى منه محذوفاً وهو بقرينة باء السببية عبارة عن أسباب التجارة فكأنّما قال: لا تأكلوا أموالكم بأسباب التجارة إلّا بالتجارة عن تراض فحذف المستثنى منه وجعلت كلمة (بالباطل) مكانه.

3 ـ لو سلّمنا كون الاستثناء منقطعاً كان سوق الآية مساق بيان الأسباب المشروعة للمعاملات، وتمييز صحيحها عن فاسدها قرينة كافية لإفادة الحصر.

أقول: أمّا الوجه الثالث فلا يمكن المساعدة عليه فانّنا انّما نفهم كون الآية بصدد تمييز كل الأسباب الصحيحة من الفاسدة بسبب الحصر وإلّا فمن المحتمل كون الآية بصدد النهي عن أكل أموال الناس بالأسباب الباطلة وبصدد بيان صحّة


(1) مصباح الفقاهة 4: 79 ـ 81.

(2) هذا المقطع الموجود بين القوسين مأخوذ من المحاضرات 2: 319.

271

التجارة عن تراض ولا تكون بصدد بيان شيء آخر وهذا الوجه غير موجود في المحاضرات.

وأمّا الوجه الأوّل والثاني فكل منهما لو فصل عن الآخر كان قابلاً للمناقشة.

أمّا الوجه الأوّل ـ فلانّه هب انّ الاستثناء المنقطع مرجعه إلى الاستثناء المتصل بفرض دخول المستثنى في المستثنى منه ـ ولو ادّعاءً ـ وإخراجه عن حكمه، فلتكن الآية أيضاً من هذا القبيل ففرضت التجارة عن تراض أمراً باطلاً ثم استثنيت ولكن هذا لا يدلّ على أنّ سائر الاُمور فرضت باطلاً ولم تستثن كما انّ قوله: ما جاءني القوم إلّا حماراً يدلّ على أنّه فرض الحمار من القوم فاستثناه فهذا يعني انّ حمارهم جاء ولكنه لا يدلّ على أنّ البقر أيضاً فرض من القوم ولم يستثنه حتى يثبت عدم مجيء البقر، ولعلّ الشيخ (رحمه الله) لم يقصد بعدم دلالة الاستثناء المنقطع على الحصر إلّا هذا المعنى ولم يقصد بالاستثناء المنقطع إلّا ما كان حقيقة خارجاً عن المستثنى منه ولو كان داخلاً فيه ادّعاء.

وأمّا الوجه الثاني ـ فلانّه وإن كانت كلمة (المال) وكلمة (الأكل) غير صالحتين لفرض استثناء التجارة عن تراض من احديهما لانّ التجارة عن تراض ليست من سنخ الأموال ولا من سنخ الأكل، وانّما هي سبب للأكل بمعناه العام الشامل للتملّك ولكن كلمة (الباطل) تصلح أن تكون مستثنى منها لانّه يقصد بالباطل أسباب الأكل والتجارة عن تراض أيضاً سبب للأكل فيناسب استثناءها من الباطل إلّا من ناحية انّ التجارة عن تراض ليست متصفة بالبطلان، لكن هذا رجوع إلى إشكال الاستثناء المنقطع والمفروض في هذا الوجه الثاني غضّ النظر عن إشكال الانقطاع.

272

إلّا انّ هذين الوجهين لو صيغ منهما وجه واحد للجواب على كلام الشيخ أصبح وجهاً مقبولاً نسبياً وارتفع كلا الإشكالين، ولعل هذا هو مقصود السيد الخوئي واشتبه الأمر على المقرر كما يشهد لذلك ما في المحاضرات(1) حيث جمع الوجهين في وجه واحد.

وتوضيح الأمر هو انّ بالإمكان ان يقال: إنّ الاستثناء المنقطع غير مقبول عرفاً إلّا بمعنى كون المستثنى خارجاً عن المستثنى منه حقيقة ونازلاً منزلته بمناسبة عرفية، كمناسبة العلاقة الموجودة بين الأولاد والآباء في مثل ما رأيت أحداً من العلماء إلّا آباءهم وبما انّه لا مناسبة من هذا القبيل في مثل ما رأيت عالماً إلّا جاهلاً نرى هذا الكلام الثاني مستهجناً، ولا توجد في الآية كلمة توجد علاقة من هذا القبيل بينها وبين التجارة عن تراض إذ من الواضح انّ التجارة عن تراض لا علاقة لها بالباطل ولا مناسبة بينهما تنزّلها منزلته، اذن فيتعين كون المستثنى منه محذوفاً فكأنّه قال: لا تأكلوا أموالكم بينكم بكل سبب ـ لبطلانه ـ إلّا أن تكون تجارة عن تراض وهذا يدلّ على الحصر. وهذا البيان وجه وجيه إلّا ان الأولى ان تبدّل دعوى بطلان الاستثناء المنقطع بغير مناسبة تنزّل المستثنى منزلة المستثنى منه بدعوى كون ذلك أشدّ مؤونة من مؤونة الحذف.

3 ـ أمّا روايات نهي النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيع ما ليس عندك وفيها ما هو تام سنداً(2) فيمكن الجواب عنها بانّه يحتمل أن يكون المقصود بذلك النهي عن البيع لنفسه بترقّب الشراء أو التملّك بأي وجه من الوجوه لا النهي عن التصرّف القانوني


(1) المحاضرات 2: 319.

(2) هو ما في الوسائل 12: 374، الباب 7 من أبواب أحكام العقود، الحديث 2.

273

في مال غيره، وذلك إمّا لما عن التذكرة بناء على نقل مصباح الفقاهة(1) من كونه جواباً لسؤال حكيم بن حزام عن ذلك فالسؤال هو الذي يلقي الضوء على ما هو المراد من الجواب، وإمّا لانّه وإن كان هذا حتى لو ثبت لم يضر بالتمسّك بالإطلاق في الحديث الذي رواه الصادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من غير ذكر لسؤال حكيم بن حزام لكن الإطلاق في نفسه غير تام.

توضيح ذلك: انّه لم يكن مقصودنا من الجواب الذي ابرزناه ما قد تشعر به عبارة تقرير بحث السيّد الخوئي(2) من أنّ هذه الرواية لم تردّ في القسم الأوّل من الفضولي وهو البيع للمالك بل وردت في القسم الثالث من الفضولي وهو بيع الفضولي لنفسه كي يجاب عليه بالإطلاق لدخول كلا القسمين تحت عنوان (بيع ما ليس عندك)، بل المقصود انّ في الحديث احتمالين: أحدهما أن يكون ناظراً إلى عيب عدم نفوذ العقد على المالك حينما صدر من غير المالك، والثاني أن يكون ناظراً إلى عيب تقدّم العقد على الملك وانّ هذا يمنع عن إرغام المالك على الوفاء بهذا العقد رغم انّه لو نفذ عليه لما كان فيه العيب الأوّل وهو نفوذ عقد غير المالك على المالك، لانّ المفروض انّ العاقد هو الذي ملك بعد العقد، وافتراض نظر الحديث إلى كلا العيبين يشبه استعمال اللفظ في معنيين، اذن فلا أقلّ من إجمال الحديث.

4 ـ وأمّا حديث النهي عن بيع ما لا يملك فإن قرأناه بصيغة المبني للمفعول


(1) مصباح الفقاهة 4: 87.

(2) أقصد به المحاضرات 2: 320، حيث جاء فيه: «وعليه يكون اجنبياً عمّا نحن فيه بل يكون دليلاً على المسألة الآتية».

274

كان نهياً عن بيع ما لا يمكن تملّكه، أو عن بيع ما ليس مملوكاً بالفعل كالطير في الهواء فيكون اجنبياً عن المقام، إلّا انّ هذه القراءة لا تنسجم في رواية الصفار(1)لانّ مورد السؤال فيها هو بيع ملك الغير.

ولا يأتي في هذا الحديث الجواب الذي ذكرناه عن حديث النهي عن بيع ما ليس عندك من احتمال النظر إلى المنع عن نفوذ البيع على نفس العاقد إذا تقدّم العقد على تملّكه، فانّ هذا أيضاً خلاف مورد السؤال فليس المفروض في مورد السؤال تملك البائع بعد البيع أو بيعه لمال الغير بترقّب تملّكه بعد ذلك.

ويمكن الجواب عن هذا الحديث بوجه آخر وهو انّ ما ورد من الحديث التام سنداً بهذا المضمون هو ما اشرنا إليه من حديث الصفار، والتعبير هكذا: «لا يجوز بيع ما ليس عندك» وكلمة لا يجوز يحتمل أن يقصد بها نفي النفوذ لا النهي، وإذا كان المقصود بها نفي النفوذ فمن المحتمل أن يكون النفوذ المنفي ما يكون في مقابل الوقوف أيضاً، فإذا وقف تأثير بيع الفضولي إلى ان يجيزه المالك صدق انّ بيع الفضولي لم يجز ولم ينفذ.

5 ـ وبهذا اتّضح الجواب على ما ورد في ذيل رواية الاحتجاج مرسلة عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن الإمام صاحب الزمان عجل الله فرجه: الضيعة لا يجوز ابتياعها إلّا من مالكها أو بأمره أو رضى منه(2) فعدم الجواز قد يقصد به عدم النفوذ بالمعنى الذي عرفت.

6 ـ ورد في حديث محمّد بن مسلم التام سنداً عن أبي جعفر (عليه السلام): سأله


(1) راجع الوسائل 12: 252، الباب 2 من عقد البيع وشروطه، الحديث الوحيد في الباب.

(2) الوسائل 12: 251، الباب 1 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث 8.

275

رجل من أهل النيل عن أرض اشتراها بفم النيل وأهل الأرض يقولون هي أرضهموأهل الاسنان يقولون هي من أرضنا فقال: لا تشترها إلّا برضا أهلها(1).

والجواب ـ بقطع النظر عن الأجوبة العامّة التي مضت: انّ قوله: لا تشترها إلّا برضا أهلها جواب على السؤال عن قصة خارجية ولم يصغ بصياغة حكم عام فلا بد من الأخذ بعين الاعتبار كل خصوصيات مورد السؤال التي يحتمل دخلها في الحكم، ومن جملة تلك الخصوصيات سكوت السائل عن ذكر الإجازة المتأخّرة في القصة الخارجية التي فرضها الظاهر في عدم الإجازة بل من الواضح انّ المسألة خالية عن الإجازة للنزاع المفروض بين أهل الأرض وأهل الاسنان، فالحديث لا يدلّ على أكثر من أنّ أهل الأرض هم الذين يعتبرون مُلاّكاً لها بقاعدة اليد دون أهل الاسنان فيكون انتقال الأرض منهم لا من أهل الاسنان.

7 ـ رواية محمّد بن القاسم بن الفضيل التامّة سنداً قال: سألت أبا الحسن الأوّل (عليه السلام) عن رجل اشترى من امرأة من آل فلان بعض قطائعهم وكتب عليها كتاباً بانّها قد قبضت المال ولم يقبضه فيعطيها المال أم يمنعها؟ قال له ليمنعها أشدّ المنع فانّها باعته ما لم تملكه(2).

ولعلّه من الواضح أجنبية الرواية من المقام فانّ عدم تسليم الثمن للفضولي أمر طبيعي لانّه ليس هو المالك إلّا ان يفترض إطلاق الرواية لما إذا ملك الفضولي بعد ذلك المال فأجاز البيع السابق، ولكنّك ترى انّ هذا الإطلاق غير عرفي لانّ السائل سأل عن قضية في واقعة وظاهر سكوته عن عنصر التملّك الجديد ثم الإجازة عدم وجود ذلك في تلك الواقعة.


(1) الوسائل 12: 249، الباب 1 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث 3.

(2) الوسائل 12: 249، الباب 1 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث 2.

276

8 ـ رواية اسحاق بن عمّار التامّة سنداً عن عبد صالح سألته عن رجل في يده دار ليست له ولم تزل في يده ويد آبائه من قبله قد أعلمه من مضى من آبائه انّها ليست لهم ولا يدرون لمَن هي فيبيعها ويأخذ ثمنها؟ قال: ما احبّ ان يبيع ما ليس له قلت فانّه ليس يعرف صاحبها ولا يدري لمَن هي ولا أظنّه يجيء لها ربّ أبداً قال: ما احب أن يبيع ما ليس له قلت فيبيع سكناها أو مكانها في يده فيقول: أبيعك سكناي وتكون في يدك كما هي في يدي قال نعم يبيعها على هذا(1).

وفي هذه الرواية من الواضح فرض عدم إجازة المالك لانّ المالك غير معروف فالرواية اجنبية عن المقام ولو فرضت دلالة «ما احب» على البطلان.

9 ـ رواية علي بن جعفر بسند تام عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال سألته عن رجل سرق جارية ثم باعها يحل فرجها لمَن اشتراها؟ قال: إذا أنبأهم انّها سرقة فلا يحل وإن لم يعلم فلا بأس(2).

ومن الواضح انّ الإجازة مفروضة العدم على ما هو غالب الحال في السرقة وانّ جهة السؤال هي انّ عدم كون المشتري هو السارق هل يحلّل له الجارية أو لا؟

10 ـ وبه يتضح الجواب عن روايات شراء السرقة والخيانة(3)، على أنّ فرض الإجازة بعد القبض لا يحلّ إشكال شراء السرقة والخيانة بلحاظ ما قبل القبض وهذا كاف في صدور النهي والتحريم فانّ القبض حرام والعقد باطل قبل صدور الإجازة، وفرض صدور الإجازة قبل القبض وبعد تمامية الشراء في الصدقة والخيانة فرض ملحق بالعدم في ندرته.


(1) الوسائل 12: 250، الباب 1 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث 5.

(2) الوسائل 12: 252، الحديث 12.

(3) راجع الوسائل 12: 248 ـ 251، الباب 1 من أبواب عقد البيع وشروطه.

277

11 ـ رواية زريق قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) يوماً إذ دخل عليهرجلان... فقال احدهما: انّه كان عليّ مال لرجل من بني عمّار وله بذلك ذكر حقّ وشهود فأخذ المال ولم استرجع منه الذكر بالحق ولا كتبت عليه كتاباً ولا أخذت منه براءة وذلك لأ نّي وثقت به وقلت له: مزّق الذكر بالحق الذي عندك فمات وتهاون بذلك ولم يمزّقها وعقب هذا ان طالبني بالمال ورّاثه وحاكموني وأخرجوا بذلك الذكر بالحق وأقاموا العدول فشهدوا عند الحاكم فأخذت بالمال وكان المال كثيراً فتواريت من الحاكم فباع عليّ قاضي الكوفي معيشة لي وقبض القوم المال وهذا رجل من إخواننا ابتلى بشراء معيشتي من القاضي ثم ان ورثة الميت اقرّوا انّ المال كان أبوهم قد قبضه وقد سألوه أن يردّ عليّ معيشتي ويعطونه في أنجم معلومة فقال: إ نّي احبّ ان تسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن هذا فقال الرجل ـ يعني المشتري ـ جعلني الله فداك كيف أصنع؟ فقال تصنع ان ترجع بمالك على الورثة وتردّ المعيشة إلى صاحبها وتخرج يدك عنها قال: فإذا أنا فعلت ذلك له ان يطالبني بغير هذا؟ قال: نعم له ان يأخذ منك ما أخذت من الغلّة ثمن الثمار وكل ما كان مرسوماً في المعيشة يوم اشتريتها يجب ان تردّ ذلك إلّا ما كان من زرع زرعته أنت فانّ للزارع إمّا قيمة الزرع وإمّا أن يصبر عليك إلى وقت حصاد الزرع فإن لم يفعل كان ذلك له وردّ عليك القيمة وكان الزرع له.

قلت: جعلت فداك فإن كان هذا قد أحدث فيها بناءً وغرس قال: له قيمة ذلك أو يكون ذلك المحدث بعينه يقلعه ويأخذه.

قلت: أرأيت إن كان فيها غرس أو بناء فقلع الغرس وهدم البناء فقال: يردّ ذلك إلى ما كان أو يغرم القيمة لصاحب الأرض فإذا ردّ جميع ما أخذ من غلاّتها إلى صاحبها وردّ البناء والغرس وكل محدث إلى ما كان أو ردّ القيمة كذلك يجب