210

لظهور قوله: خذ ابنه حتى ينفذ لك البيع وقوله: فلما رآى ذلك سيّد الوليدة أجاز بيع ابنه في انّ بيع الفضولي ينفذ بالإجازة ويكون الإشكال على تطبيق الحكم في المورد فيردّ علم هذا التطبيق على المورد إلى أهله، لانّ الإجازة كانت في المورد بعد الردّ ولكن يؤخذ بالحكم العام في سائر الموارد التي لا تكون الإجازة فيها بعد الرد ولا عيب في ذلك.

وفسّر السيد الخوئي ـ على ما يظهر من المحاضرات(1) بانّنا لو كنّا نتمسّك بالحديث على أساس القطع بعدم الفرق والتعدي إلى أمثال المورد، إذن لما تعدينا إلّا إلى ما يكون من قبيل المورد وهو موارد الإجازة المسبوقة بالرد، وهنا يتركّز الإشكال بانّ نفوذ الإجازة المسبوقة بالرد خلاف الإجماع، ولكن الاستدلال ليس بذلك بل بظهور نفس الحديث في الحكم العام.

أقول: إنّ هذا التفسير لكلام الشيخ غريب ولا معنى لفرض توهّم أحد التعدي إلى خصوص الإجازات التي تكون بعد الرد، لعدم احتمال دخل الرد في صحّة المعاملة وانّما الذي يظهر من كلام الشيخ (رحمه الله) ما ذكرناه من انّه إن كان التعدي بواسطة القطع الخارجي بعدم الفرق ورد الإشكال بانّ الحكم في المقيس عليه غير صحيح فكيف نتعدى منه إلى غيره، وإن كان بالاستظهار العرفي من نفس الحديث فغاية ما في الأمر بطلان تطبيق الحكم على مورد الحديث لكن يبقى أصل الحكم ثابتاً بلا إشكال.

وقد أورد السيد الخوئي(2) على الشيخ بما ينبغي أن يكون المراد منه: انّ


(1) المحاضرات 2: 299.

(2) في المحاضرات 2: 299 ـ 300.

211

الحديث لو كان يدل على نفوذ الإجازة بعموم لفظي أو إطلاق حكمي وكان قد طبّق هذا الحكم العام على المورد تطبيقاً غير صحيح باعتبار مسبوقية الإجازة بالرد لصح القول بانّنا نأخذ بالحكم ونطرح التطبيق، ولكن الأمر لم يكن كذلك فالمدلول المطابقي للحديث ليس إلّا نفوذ الإجازة الواردة في مورده والمدلول الالتزامي له هو إطلاق الحكم لسائر الموارد على أساس استظهار العرف للتعدّي والدلالة الالتزامية تتبع الدلالة المطابقية في الحجية، وبما انّ الدلالة المطابقية في المقام ساقطة عن الحجية إذن لا يمكن الأخذ بالإطلاق الذي كان بالالتزام لا بمقدمات الحكمة.

وأمّا الجواب الخاص فبالإمكان الإجابة على كل واحد من الإشكالات الثلاثة:

أمّا الإشكال الأوّل ـ وهو كون الإجازة في مورد الحديث مسبوقة بالرد فقد أجاب عليه عديد من المحققين(1)، بانّ الرد يعني حل العقد لا مجرّد الكراهة وعدم الرضا أو التردد والقرائن التي تذكر لإثبات الرد في مورد الحديث لا تدلّ على أكثر من عدم الرضا فانّه ما دام غير راض بالعقد فالعقد لا زال محكوماً بعدم الإمضاء ومعه تحقّ للسيد الأوّل المخاصمة واسترجاع ما باعه ابنه بلا اذنه، وذلك يوجب مناشدة السيد الثاني وكما جاء في المصباح(2) لو كان مجرّد الكراهة أو عدم الرضا والتردّد كافياً في نظر الأصحاب في عدم قابلية العقد للحوق الإجازة


(1) راجع المحاضرات 2: 297 ـ 298، ومصباح الفقاهة 4: 29 ـ 30، وكتاب البيع للسيد الإمام 2: 112، وتعليقة الشيخ الاصفهاني على المكاسب 1: 133.

(2) مصباح الفقاهة 4: 30.

212

لما افتوا بصحّة بيع المكره بعد لحوق الرضا، مع انّ الإكراه موجود عادة آناً مّا بعد البيع.

هذا وذكر السيد اليزدي (رحمه الله) في تعليقته على المكاسب(1) انّه لا مانع من العمل بهذا الحديث فيكون الحديث دليلاً على صحّة الإجازة بعد الرد.

أقول: بعد تسليم ظهور الحديث في الإجازة بعد الرّد يكون كلام السيد اليزدي (رحمه الله) متيناً، فانّ الإجماع في المقام لو ثبت لم نعرف تعبديته، فلعله يعتمد على دعوى عقلائية المطلب لانّ الرد إنهاء للعقد مثلاً، ولو فرض انّ مقتضى القاعدة عدم نفوذ الإجازة بعد الرد لكون الرد إنهاءً للعقد مثلاً فليكن الحديث دليلاً على نفوذها على خلاف القاعدة سنخ ما لو لم نقبل موافقة أصل صحّة عقد الفضولي بالإجازة لمقتضى القواعد وصحّحناه بهذا الحديث.

والتحقيق في المقام انّ الرد تارة يقصد به مجرّد إبراز الكراهة واُخرى يقصد به حل العقد.

فإنْ قصد به الأوّل وقيل: إنّ هذا هو الذي يوجب عدم قابلية لحوق الإجازة للتأثير وهذا لا يرد عليه النقض بقابلية لحوق بيع المكره بالإجازة المتأخّرة، لان ما تعارف ثبوته بعد البيع آناً مّا انّما هو الكراهة الباطنية لا إبراز الكراهة.

قلنا: لا شك في ظهور الحديث في كون الإجازة بعد الرد فان الخصومة والاسترداد ظاهران في إبراز الكراهة بلا إشكال وهذا في أكبر الظن هو مقصود الشيخ الانصاري (رحمه الله) حين ما قال: «إنّ ظهور الرواية في ردّ البيع أوّلاً ممّا لا


(1) تعليقة السيّد اليزدي على المكاسب: 135.

213

ينكره المنصف» ونحن نأخذ بهذا الظهور ويكون حجة بل حتى لو لم يكن لدينا هذا الحديث وكنّا قد اثبتنا صحّة عقد الفضولي بمقتضى القاعدة قلنا: إنّه لا يوجد في المرتكزات العقلائية ما يقتضي مضرية إبراز الكراهة ومنعه عن تأثير الإجازة اللاحقة ولو ثبت إجماع لم يعلم كون موضوعه هذا المعنى من الرد.

وإن قصد به الثاني أعني حل العقد والقرار فهذا بمعناه الحقيقي لا يعقل صدوره ممّن لم ينتحل بعد العقد والقرار ولم يفرضه قرار نفسه، وانّما يعقل صدوره من الأصيل الذي تعاقد مع الفضولي فلو عدل الأصيل عن العقد قبل إمضاء المالك الذي باع الفضولي ماله مثلاً لم تفد الإجازة، فهو نظير عدول الموجب قبل قبول القابل الذي يوجب سقوط القبول عن الالتحاق بالإيجاب إذ لا بد من بقاء القرار في نفس الموجب كي يتم بالقبول ربط قرار بقرار، وكذلك فيما نحن فيه تكون الإجازة انتحالاً لقرار الفضولي ولا بد ان ترتبط هذه الإجازة أو القرار المنتحل بقرار الأصيل وهذا فرع بقاء قرار الأصيل وعدم عدوله عنه، أمّا المجيز فلا يعقل صدور حل العقد والقرار عنه بمعنى العدول وكسر القرار حقيقة. نعم قد يقال: إنّ له كسر القرار اعتباراً بان ينشىء إفناء القرار فكأنّ مالكيته للمال تعطيه حقّاً من هذا القبيل إلّا انّنا لا نرى نكتة عقلائية لذلك، ومالكيته انّما تعطيه حق ان يجيز أو لا يجيز ولو فرضت عقلائيته فلا دليل على صدور ذلك منه في مورد الحديث، ولو فرض صدور ذلك منه في مورد الحديث فالحديث دال على عدم تأثيره في إبطال الإجازة اللاحقة ولا حجية للإجماع لو ثبت لعدم ثبوت تعبّديته.

وأمّا الإشكال الثاني ـ وهو كون الحبس المشروع في من يمتنع عن أداء دينه هو حبس نفس المدين لا ابنه والابن حرّ فلماذا يأخذه السيد الأوّل.

فجوابه: إنّ المسلّم فيه عدم جواز حبس الابن انّما هو ما إذا لم يكن الدين

214

عبارة عن ثمن نفس هذا الابن، أمّا إذا كان الدين عبارة عن ذلك فلا مانع من قيام دليل تعبدي على جواز أخذ الابن بثمنه وهذا الحديث إمّا يقصد به استرقاق الابن إلى ان يفديه ابوه بثمنه بأن يفترض انّ الوطىء بالشبهة ليس كالوطىء بالنكاح موجباً لحرّية الابن على الإطلاق، أو يفترض انّ النكاح من طرف الام كان زنا وانّ هذا كان سبباً لاسترقاق الابن أو يقصد به جواز أخذه في مقابل ثمنه وبعد أخذ ثمنه يدفع إلى أبيه وقد ورد على كل من الاحتمالين أعني الاسترقاق أو الأخذ بالثمن بعض الروايات في امة دلّست نفسها بدعوى الحرية فتزوّجها أحد من الناس، وفي بعضها يقيد الاسترقاق بما إذا لم يقم الزوج البينة على انّه انّما تزوّجها على انّها حرّة(1)، ولعل ظاهر صحيحة محمّد بن قيس التي نتكلّم عنها هو الاسترقاق، ولو حمل جمعاً مثلاً على أخذ الولد بثمنه لا بعنوان الاسترقاق حملناه أيضاً على أخذه بعد امتناع الزوج من دفع قيمته فليس هو صريحاً في أخذ الولد قبل امتناع الزوج من دفع قيمته، بحيث لا يقبل التوجيه كي يعترض بانّه كيف حل له أخذ الولد قبل مطالبة الثمن والامتناع؟!

وهناك أيضاً طائفة اُخرى من الروايات وهي ما دلّت على انّ ولد الامة من حرّ غير المولى مملوك للمولى حتى ولو لم يكن من زنا أو من وطىء شبهة إلّا إذا اشترط الزوج منذ البدء حرّية أولادها(2)، فقد تكون صحيحة محمّد بن قيس ناظرة إلى هذا المعنى.


(1) راجع الوسائل 14، الباب 67 من أبواب نكاح العبيد والإماء والباب 7 من أبواب العيوب والتدليس.

(2) راجع الوسائل 14: 530 ـ 531، الباب 30 من أبواب نكاح العبيد والإماء.

215

ومن جملة المحامل التي ذكرت لهذه الروايات هو التقية، ومن جملة وجوه الجمع بين الروايات الواردة في شراء الامة المسروقة الدالة بظاهرها على انّ ولدها حرّ ويكون المشتري ضامناً لقيمة الولد يدفعها إلى المولى وروايات الحكم بمملوكية الولد في بعض الفروض المختصة جميعاً بمسألة التزويج، هو التفصيل بين فرض التزويج وفرض شراء الامة المسروقة، فالمملوكية ولو في بعض الصور مخصوص بفرض التزويج دون الشراء.

وعلى أي حال فبحث حال أولاد الامة المزوّجة من الحرّ أو المبيعة فضولة أو غصباً من الحر موكول إلى محلّه.

وأما الإشكال الثالث ـ وهو انّه كيف يجوز سجن ابن المولى الأوّل قبل مطالبته بالثمن وامتناعه؟! فقد اتضح جوابه أيضاً ممّا ذكرنا آنفاً، فانّ الحديث ليس صريحاً في الإطلاق بحيث لا يمكن توجيهه، فلو فرض له ظهور في تجويز سجنه قبل امتناعه من دفع الثمن وأن هذا واضح الحرمة، إذن يحمل لا محالة على السجن بعد الامتناع.

والإنصاف انّ هذا الحديث الصحيح الصريح من أقوى الأدلّة على صحّة عقد الفضولي بالإجازة اللاحقة.

ومنها ـ روايات(1) صحّة نكاح العبد بدون اذن مولاه إذا أعقبته الإجازة، من قبيل ما ورد بسند تام عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن مملوك تزوّج بغير اذن سيده فقال: ذاك إلى سيده إن شاء أجازه وإن شاء فرّق بينهما قلت أصلحك الله انّ الحكم بن عيينة وابراهيم النخعي وأصحابهما يقولون: إنّ أصل


(1) الوسائل 14، الباب 24 ـ 27 من أبواب نكاح العبيد والإماء.

216

النكاح فاسد ولا تحلّ إجازة السيد له فقال أبو جعفر (عليه السلام): إنّه لم يعص الله وانّما عصى سيده، فإذا أجازه فهو له جائز(1).

ووجه الاستدلال يمكن أن يكون أحد أمرين:

الأوّل ـ انّه اقتصر في مورد الحديث بالإجازة المتأخّرة من قبل مالك العبد لنكاح العبد، في حين انّ نكاح العبد مشروط برضا المولى إمّا بلحاظ كون النكاح نوع تصرّف له في نفسه المملوكة للمولى، أو بلحاظ انّ نفس عبوديته للمولى تقتضي التزامه بأوامر المولى في النكاح وغيره ولو لم يفترض تصرّفاً في مملوك المولى، وبعدم احتمال الفرق عرفاً يتعدى من باب النكاح إلى العقود المالية. وهذا الوجه عام في جميع روايات الإجازة المتأخّرة لنكاح العبد.

والجواب: انّ احتمال الفرق عرفاً موجود لانّ العقود المالية بحاجة إلى نوع من الانتساب إلى المالك أو التبنيّ والانتحال من قبل المالك، في حين انّ نكاح العبد لا دليل على ازيد من اشتراطه برضا المولى فلعلّه في مثل هذا الفرض يكفي الرضا المتأخّر، بخلاف ما لا يكون من قبيله فالتعدّي إن تمّ فانّما يتم ـ على حد تعبير السيد الخوئي ـ إلى مثل التزويج ببنت أخ الزوجة أو بنت اختها المعتبر رضاها فيه(2).

الثاني ـ التمسّك بعموم التعليل فيما يكون مشتملاً على التعليل كحديث زرارة الذي مضى، حيث علّل الحكم بانّه ما عصى الله وانّما عصى سيده فهذا يعطي قاعدة عامّة وهي انّه متى ما كان العقد معصية لله لم يصحّ بالإجازة


(1) الوسائل 14: 523، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 1.

(2) راجع المحاضرات 2: 302.

217

المتأخّرة، ومتى ما كان معصية للمخلوق صحّ بإجازته المتأخّرة، فبعموم التعليل نتعدى إلى العقود المالية.

وهذا الوجه انّما يكون وجهاً مستقلاًّ عن الوجه الأوّل لو فرضنا العموم المستفاد من التعليل ـ بقطع النظر عن نكتة الوجه الأوّل ـ عبارة عن انّ العقد الذي كان عيبه معصية المخلوق يصحّ بإجازته المتأخّرة، أمّا لو قلنا: إنّ عموم التعليل المستفاد في المقام ـ لولا عدم احتمال الفرق عرفاً ـ ليس بأكثر من أنّ النكاح الذي يكون عيبه عبارة عن معصية المخلوق يصحّ بإجازته المتأخّرة، فالتعدّي إلى العقود المالية يكون بحاجة إلى عدم احتمال الفرق، وهذا يعني الرجوع إلى الوجه الأوّل.

وبكلمة اُخرى: انّ هناك فرقاً بين ما نحن فيه ومثل لا تأكل الرمّان لانّه حامض، وهو انّ الأكل في مثال لا تأكل الرمّان لانّه حامض لم يكن له قيد إلّا قيد كونه أكلاً للرمّان والمفروض انّ ظهور التعليل في كونه تعليلاً بمفهوم أوسع من مفهوم المعلّل قد أسقط قيد الرمّان. إذن دلّ عموم التعليل على انّ الحكم ثابت لأكل كل شيء حامض. وأمّا في المقام فالحكم المعلّل كان مشتملاً على قيدين: أحدهما قيد النكاح، والآخر قيد كون الناكح عبداً لم يستأذن مولاه، وعموم التعليل ظاهر في إسقاط أحد القيدين فان قلنا: إنّه يكفي إشباعاً لهذا الظهور إسقاط القيد الثاني فالتعدّي انّما يكون في دائرة النكاح لا في دائرة العقود بشكل عام إلّا تمسّكاً بعدم احتمال الفرق وهو رجوع إلى الوجه الأوّل.

وعلى أيّة حال فبعد تسليم كون هذا الوجه مستقلاًّ عن الوجه الأوّل يرد عليه: انّ هذا الحديث ليس له ظهور في أكثر من انّ عيب العقد الناتج من معصية المخلوق يرتفع بإجازته المتأخّرة، ولكن المعصية ترتفع بالرضا بلا حاجة إلى

218

الاذن الذي هو التصدّي لإبراز الرضا، فالحديث لا يدلّ على أكثر من كفاية الإجازة المتأخّرة في ما هو مشروط بالرضا، أمّا العقود المالية المشروطة بالاذن أو الانتساب إلى المالك أو انتحال المالك إيّاه فهذا الحديث لا يدلّ على كفاية الإجازة المتأخّرة فيه لدى فقدان الاذن السابق.

على انّ في أحاديث كفاية الإجازة اللاحقة لنكاح العبد احتمالاً لو تمّ لكانت تلك الأخبار أجنبية عمّا نحن فيه إطلاقاً وذلك الاحتمال هو ان يقال: إنّ نكاح العبد ليس مشروطاً باذن المولى ولا بإجازته ولو مؤخّراً، غاية ما هناك انّه قبل الإجازة يحقّ للمولى فسخ العقد، أمّا إذا أجاز فقد جاز العقد ونفذ أي خرج عن قابلية الفسخ وغاية الأمر أن يكون نكاحه مكروهاً ما دامت الإجازة غير متحقّقة، والذي يشهد لذلك ما عن منصور بن حازم بسند تام عن أبي عبد الله (عليه السلام)في مملوك تزوّج بغير اذن مولاه أعاص لله؟ قال: عاص لمولاه قلت: حرام هو؟ قال: ما أزعم انّه حرام ونوله (قل له خ ل) ان لا يفعل إلّا باذن مولاه(1) ومعنى نوله: إنّ ما ينبغي له هو أن لا يفعل إلّا باذن مولاه وهذا يعني الكراهة.

ويؤيّد ذلك أو يدلّ عليه ما عن زرارة بسند تام عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن رجل تزوّج عبدُه امرأة بغير اذنه فدخل بها ثم اطلّع على ذلك مولاه قال: ذاك لمولاه إن شاء فرّق بينهما، وإن شاء أجاز نكاحهما فانْ فرّق بينهما فللمرأة ما أصدقها إلّا أن يكون اعتدى فاصدقها صداقاً كثيراً، وإن أجاز نكاحه فهما على نكاحهما الأوّل فقلت لأبي جعفر (عليه السلام) فانّ أصل النكاح كان عاصياً فقال أبو جعفر (عليه السلام) انّما اتى شيئاً حلالاً وليس بعاص لله انّما عصى سيده ولم


(1) الوسائل 14: 522، الباب 23 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 2.

219

يعص الله انّ ذلك ليس كإتيان ما حرّم الله عليه من نكاح في عدة وأشباهه(1).

ووجه التأييد أو الاستدلال هو انّه كان المفروض في لسان السائل حصول العقد مع الدخول ومع ذلك ذكر الإمام (عليه السلام): انّه «انّما اتى شيئاً حلالاً وليس بعاص لله...» ويؤيد ذلك قوله: فان فرّق بينهما فللمرأة ما أصدقها إذ لو كان النكاح فاسداً فلماذا يثبت لها الصداق المسمّى؟! وإن كان هذا المقطع معارضاً بحديث السكوني الضعيف بالنوفلي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ايّما امرأة حرّة زوّجت نفسها عبداً بغير اذن مواليه فقد أباحت فرجها ولا صداق لها(2).

على أنّ نفس حديث زرارة الأوّل أيضاً قد لا يخلو من إشعار بصحّة نكاح العبد بدون اذن مولاه وإن كان للمولى الفسخ عندئذ، وذلك لاستبعاد كون قوله: إنّه لم يعص الله وانّما عصى سيده ناظراً إلى خصوص صيغة النكاح من دون ممارسة الأعمال التي ترتّب عادة على العقد من دخول أو مقدماته ولعل حديثي زرارة في واقعهما حديث واحد وصلنا بسندين مع زيادة ونقيصة في مقدار المضمون الواصل بأحد السندين عن الواصل بالسند الآخر.

وخلاصة الكلام: إنّ الاستدلال بروايات إجازة نكاح العبد يتوقّف على فرض بطلان نكاحه من دون اذن مولاه، ولكن يبدو من حديث منصور بن حازم وحديث زرارة عدم بطلانه وانّ نكاحه بلا اذن مولاه ليس زنا وليس من قبيل نكاح الامة بغير اذن مولاه الذي يعتبر زنا كما هو ظاهر الآية الكريمة:


(1) الوسائل 14: 523 ـ 524، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 2.

(2) الوسائل 14: 524، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد والاماء، الحديث 3.

220

﴿فانكحوهن بإذن أهلهن﴾(1) وصريح الروايات(2) وإذا كان مفاد ذلك جوازنكاح العبد بلا اذن مولاه ولو على كراهية، وفي نفس الوقت عرفنا بمقتضى الروايات جواز تفريق السيد الذي لم يجز نكاح العبد بين العبد وزوجته كانت النتيجة انّ هذا التفريق فسخ وكان معنى قوله: إذا أجاز جاز نفوذ النكاح بعد الإجازة، بمعنى عدم جواز فسخه من قبل المولى. ويحمل أيضاً ما ورد في بعض الروايات من عدم الجواز من دون إجازة المولى على إمكانية الفسخ من قبل المولى، وذلك من قبيل ما ورد عن عبد الله بن سنان بسند تام عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال: لا يجوز للعبد تحرير ولا تزويج ولا إعطاء من ماله إلّا باذن مولاه(3)، وما عن أبي بصير بسند فيه البطائني عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال: المكاتب لا يجوز له عتق ولا هبة ولا نكاح ولا شهادة ولا حج حتى يؤدي جميع ما عليه إذا كان مولاه قد شرط عليه ان هو عجز فهو رد في الرق(4).

نعم هناك روايتان قد يقال: إنّه يستفاد منهما بطلان نكاحه بلا اذن مولاه وانه لا يمكن حملهما على التزلزل:

الاُولى ـ رواية معاوية بن وهب التامّة سنداً قال: جاء رجل إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: إنّي كنت مملوكاً لقوم وانّي تزوجت امرأة حرّة بغير اذن مواليّ ثم اعتقوني بعد ذلك فاجدّد نكاحي ايّاها حين اعتقت؟ فقال له: اكانوا علموا انّك تزوجت امرأة وانت مملوك لهم؟ فقال: نعم وسكتوا عنيّ ولم يغيّروا عليّ قال


(1) النساء: 25.

(2) راجع الوسائل 14: 527 ـ 528، الباب 29 من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(3) الوسائل 14: 522، الباب 23 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 1.

(4) الوسائل 16: 90، الباب 6 من كتاب المكاتبة، الحديث 2.

221

فقال سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم اثبت على نكاحك الأوّل(1)، فلولا انّ عقده بلا اذن مولاه باطل وليس صحيحاً متزلزلاً فلماذا علّق الإمام (عليه السلام) في ظاهر كلامه الثبات على النكاح الأوّل على إقرارهم بالعلم والسكوت؟!

ولعلّه يمكن حمل هذا الحديث بمقتضى الجمع على كراهة النكاح الأوّل لولا إقرارهم بالسكوت فقد عرفت انّ حديث منصور بن حازم دلّ على الجواز مع الكراهة فلعلّ مفاد حديث معاوية بن وهب بعد الجمع: انّه لولا إقرارهم بالسكوت لنكاحك الأوّل كان النكاح الأوّل مكروهاً، وكان هذا نكتة في استحباب تجديد النكاح ولكن بما انّهم اقرّوا النكاح الأوّل بالسكوت فاثبت على نكاحك الأوّل.

والثانية ـ رواية معاوية بن وهب أيضاً التامّة سنداً عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث المكاتب قال: لا يصلح له ان يحدث في ماله إلّا الأكلة من الطعام ونكاحه فاسد مردود قيل: فإنّ سيده علم بنكاحه ولم يقل شيئاً فقال: إذا صمت حين يعلم ذلك فقد أقرّ قيل: فانّ المكاتب عتق افترى يجدّد نكاحه أم يمضي على النكاح الأوّل؟ قال: يمضي على نكاحه. هكذا روي الحديث صاحب الوسائل (رحمه الله)(2)فيقال: إنّ قوله نكاحه فاسد مردود دليل على بطلان نكاحه بلا اذن سيده ولا يقبل الحمل على التزلزل.

إلّا انّ هذا انّما قد يستفاد نتيجة للتقطيع الوارد في الوسائل حيث ذكر صدر الحديث في باب آخر(3) وذيله في هذا الباب أمّا إذا جمعنا الصدر والذيل كان


(1) الوسائل 14: 525، الباب 26 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 1.

(2) راجع الوسائل 14: 525 ـ 526، الباب 26 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 2.

(3) الصفحة 523، الباب 23 من تلك الأبواب، الحديث 3، و 16: 90، الباب 6 من كتاب المكاتبة، الحديث 1.

222

الحديث كما يلي: عن أبي عبد الله (عليه السلام) انّه قال في رجل كاتب على نفسه وماله وله امة وقد شرط عليه ان لا يتزوّج فاعتق الامة وتزوّجها قال: لا يصلح له ان يحدث في ماله إلّا الاكلة من الطعام ونكاحه فاسد مردود قيل: فإنّ سيده علم بنكاحه... إلى آخر ما مضى وعندئذ فمن الممكن ان فساد النكاح كان لأجل سبق شرط المولى عليه عدم النكاح أو لأجل انّ نكاحه كان عبارة عن زواجه للامة بعد عتقها في حين انّه لم يجز له عتقها باعتبار انّ من يكاتب على نفسه وماله ولا يتحرّر إلّا بدفع تمام ما عليه لا يجوز له قبل دفع تمام ما عليه ان يتصرّف في ماله بأكثر من اكلة الطعام، لاحتمال عوده هو وماله بالعجز عن اداء مال المكاتبة إلى الرق الثابت.

وخلاصة الكلام: إنّ الاستدلال بحديث زرارة ونحوه على صحّة عقد الفضولي بالإجازة المتأخّرة لا يتم، بناء على أنّ نكاح العبد بلا اذن مولاه جائز وإن كان من حق مولاه الفسخ.

نعم نفس هذا الحديث الأخير الذي نقلناه عن معاوية بن وهب المصرّح ببطلان نكاح العبد للامة التي كانت له مع شرط المولى عليه بعدم التزويج قد اشتمل في ذيله على تصحيح عقد النكاح بإقرار المولى له بالسكوت بعد علمه بالحال، فهذا الحديث يدلّ على كفاية الرضا المتأخّر والمقارن بلا حاجة إلى الإجازة فانّ الإجازة تعني التصدّي لإبراز الرضا، ومجرّد سكوت المولى ليس كسكوت البكر التي يعرض عليها أمر النكاح تصدّياً لإبراز الرضا.

ولكن هنا يأتي في التعدّي من النكاح إلى العقود المالية الإشكال الأوّل وهو انّ النكاح لم يثبت فيه شرط الاستناد إلى المولى أو تبنيّ المولى وانتحاله ايّاه، فلا يمكن قياس العقود المالية عليه.

 

223

ثم انّ رواية زرارة ونحوها كانت واردة في زواج المملوك بدون اذن مولاه.

ولكن بعض روايات الباب واردة في تزويج أحد الشريكين المملوك بدون اذن الشريك الآخر من قبيل:

1 ـ ما عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في عبد بين رجلين زوّجه أحدهما والآخر لا يعلم ثم انّه علم بعد ذلك أله ان يفرّق بينهما؟ قال: للذي لم يعلم ولم يأذن ان يفرّق بينهما، وإن شاء تركه على نكاحه(1) والسند ضعيف بـ (عبد) العزيز العبدي.

2 ـ ما عن علي بن جعفر بسند تام عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن مملوكة بين رجلين زوّجها أحدهما والآخر غائب هل يجوز النكاح؟ قال: إذا كره الغائب لم يجز النكاح(2).

وقد يقال: إنّ هذين الحديثين يمتازان عن مثل حديث زرارة بانّ النكاح لم يكن واقعاً من قبل المملوك نفسه كما كان كذلك في حديث زرارة حتى يرد التوهّم الذي جاء في مثل حديث زرارة، من أنّ هذا من قبيل بيع الراهن المالك للعين المرهونة بلا اذن المرتهن، لا من قبيل بيع غير المالك بلا اذن المالك فلا يتعدّى منه إلّا إلى مثل بيع الراهن دون بيع غير المالك، فالنكاح في هذين الحديثين انّما وقع من قبل أحد الشريكين بلا اذن شريكه فهو من قبيل بيع غير المالك أو أحد الشريكين في مال من دون اذن صاحبه(3).


(1) الوسائل 14: 525، الباب 25 من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(2) الوسائل 14: 581، الباب 70 من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(3) راجع كتاب البيع للسيد الإمام (رحمه الله) 2: 119.

224

أقول: لو قرّر الإشكال في مثل حديث زرارة بمجرّد بيان انّ النكاح هنا وقع من قبل الزوج نفسه وكان مشروطاً برضا المولى فهذا من قبيل بيع الراهن للعين المرهونة حيث انّه بيع من قبل المالك نفسه ولكن كان مشروطاً برضا المرتهن لصحّ ما ذكر في المقام، من أنّ هذا التقريب لا يأتي في هذين الحديثين لانّ عقد النكاح لم يصدر من نفس العبد أو الأمَة ولكن الظاهر انّ صاحب الإشكال على الاستدلال بحديث زرارة لم يكن يقصد ذلك، وانّما كان يقصد: انّ المشكلة في نكاح العبد لم تكن هي مشكلة لزوم استناد النكاح إلى المولى، وانّما هي مشكلة شرط رضا المولى فحديث زرارة انّما يدلّ على كفاية الإجازة المتأخّرة في مورد شرط الرضا ولا يمكن التعدّي إلى مورد شرط الاستناد، وهذا الإشكال ـ كما ترى ـ لا زال ثابتاً في مورد هذين الحديثين أيضاً، فمن المحتمل انّه لو زوّج أحد الشريكين العبد أو الأمَة لم يشترط في صحّة الزواج استناده إلى الشريك الثاني أيضاً بل يكفي رضاه، كما انّ الظاهر من هذين الحديثين هو كفاية الرضا المتأخّر من قبل المولى الثاني دون اشتراط الإجازة، فقوله في الحديث الثاني: «إذا كره الغائب لم يجز النكاح» يدلّ على أنّ عدم الكراهة كاف في التصحيح، وكذلك قوله في الحديث الأوّل: «وإن شاء تركه على نكاحه» يدلّ على أنّ مجرّد الرضا المستفاد من الترك كاف وهذا الترك ليس كسكوت الباكر الذي يعتبر تصدّياً لإبراز الرضا كي يكون إجازة متأخّرة.

وعلى أيّة حال فصاحب الإشكال يفترض انّ مقتضى القواعد في باب البيع هو شرط الاستناد إلى المالك لعدم تمامية الإطلاقات في غير هذا الفرض، أو على ـ حدّ تعبيرنا ـ يحتمل شرط الانتحال والتبنيّ من قبل المالك لعدم تمامية الارتكاز العقلائي في غير هذا الفرض.

225

واحتمال الفرق شرعاً بين البيع والنكاح بكفاية استناد النكاح إلى المملوك أو التبنيّ من قبله في مورد حديث زرارة وإلى أحد السيدين في مورد هذين الحديثين وارد فلا يمكن التعدّي. نعم الإشكال الآخر الذي احتملناه في روايات نكاح العبد وهو فرض انّ اذن المولى أو رضاه ليس شرطاً في نكاح العبد وإن كان له حقّ الفسخ بعد الاطّلاع قد لا يأتي في هذين الحديثين، لانّ النكاح لم يكن من قبل العبد حتى يقال بصحّته إلى أن يفسخه المولى وانّما كان بتفرّد من أحد الموليين من دون إطلاع الآخر.

ومنها ـ أخبار تحليل الخمس أو الأنفال(1).

وذكر السيد الخوئي(2): انّ الاستدلال بأخبار التحليل يتوقّف على أن نقول: إنّ مجرّد سبق إبراز الرضا على العقد لا يكفي في إخراج العقد عن الفضولية بل لا بد من وصول هذا الإبراز إلى العاقد، فبما انّ هذا الإبراز من قبل الإمام (عليه السلام)الوارد في أخبار التحليل لم يصل إلى كثير من الشيعة اذن، لم تخرج عقودهم عن كونها فضولية فتدخل أخبار الباب في إجازة عقد الفضولي، واختار هو القول بعدم كفاية سبق إبراز الرضا في إخراج العقد من الفضولية ما لم يصل الإبراز إلى العاقد لانّ العقد انّما يخرج من الفضولية بالاستناد إلى المالك وهذا الاستناد لا يتم بالإبراز غير الواصل فلو انّ أحداً وكّل شخصاً في معاملة أو اذن له في ذلك ولكن التوكيل أو الاذن لم يصل إلى ذاك الشخص ومع ذلك أوقع ذاك الشخص تلك المعاملة كان فضولياً لا محالة لعدم استناد عمله إلى المالك، وهذا بخلاف ما لو


(1) راجع الوسائل 6: 378، الباب 4 من أبواب الأنفال.

(2) راجع المحاضرات 2: 303، ومصباح الفقاهة: 47 ـ 48.

226

بلغه التوكيل أو الاذن فأوقع تلك المعاملة فهناك تكون المعاملة مستندة إلى الموكّل أو الآذن، وعلى هذا الأساس اختار السيد الخوئي تمامية الاستدلال بأخبار التحليل على المقصود.

أقول: إنّ الظاهر انّ التحليل ثابت من قبل الأئمة (عليهم السلام) في الجملة أي لا أقل من ثبوته في اُمور ثلاثة:

الأوّل ـ في خصوص الإماء اللاتي كانت تحصل عليها الحكومات الإسلامية المنحرفة عن طريق الحرب فقد حلّلها الأئمة (عليهم السلام) لمن يصيبه من الشيعة شيء من هذه الإماء وهذا مستفاد من قسم من الروايات من قبيل ما ورد بسند تام عن الفضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من وجد برد حبّنا في كبده فليحمد الله على أوّل النعم قال قلت جعلت فداك ما أوّل النعم؟ قال طيب الولادة ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام)قال أمير المؤمنين لفاطمة (عليها السلام) احليّ نصيبك من الفيء لآباء شيعتنا ليطيبوا ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): إنّا أحللنا امهات شيعتنا لآبآئهم ليطيبوا(1).

والثاني ـ في مطلق ما يصل ليد الشيعة من مستحلي الخمس أو ممّن لم يخمّس كما يستفاد ذلك من بعض الأحاديث من قبيل:

1 ـ ما عن سالم بن مكرم أبي خديجة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رجل وأنا حاضر: حلل لي الفروج ففزع أبو عبد الله (عليه السلام) فقال له رجل: ليس يسألك ان يعترض الطريق انّما يسألك خادماً يشتريها أو امرأة يتزوّجها أو ميراثاً يصيبه أو تجارة أو شيئاً اعطيه فقال: هذا لشيعتنا حلال الشاهد منهم والغائب والميت منهم والحيّ وما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال، أما والله لا يحل إلّا لِمَن


(1) الوسائل 6: 381، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 10.

227

أحللنا له ولا والله ما اعطينا أحداً ذمّة وما عندنا لأحد عهد (هوادة) ولا لأحد عندنا ميثاق(1)، بناء على أنّ أصل السؤال وإن كان بالنسبة للفروج لكن قوله: (أو تجارة أو شيئاً أعطيه) جعل الكلام عاماً لجميع الأموال.

ويوجد في السند سالم بن مكرم أبو خديجة(2) وقد قال عنه النجاشي ثقة ثقة ونقل الكشي عن العياشي عن علي بن الحسين بن فضال: إنّه صالح. ويكنّى أيضاً بأبي سلمة على ما قاله النجاشي والبرقي وعلى ما رواه الكشي من ان الصادق (عليه السلام)قال له: لا تكتن بأبي خديجة فقال له بم اكتني؟ قال: بأبي سلمة.

ولكن الشيخ (رحمه الله) ذكر: سالم بن مكرم يكنى أبا خديجة ومكرم يكنى أبا سلمة ضعيف.

ومن هنا قد يوقع التعارض بين تضعيف الشيخ وتوثيق النجاشي.

ونقل العلاّمة (رحمه الله) في الخلاصة: انّ الشيخ ضعّفه تارة ووثّقه اُخرى.

ولإثبات وثاقته طريقان:

الأوّل ـ ما يبتني على صحّة نقل العلاّمة أي افتراض انّ الشيخ وثّقه حقاً تارة وضعّفه اُخرى، وهذا الوجه هو الذي نقله السيد الخوئي عن البعض وحاصله: انّ تضعيف الشيخ يعارض بتوثيقه فيبقى توثيق النجاشي بلا معارض.

واستغرب السيد الخوئي من هذا الكلام وقال: إن ثبت توثيق من الشيخ لأبي خديجة أصبح التعارض ثلاثي الأطراف وتساقط الكل من قبيل ما لو روى أحد الراويين خبرين متعارضين وروى الراوي الآخر خبراً مطابقاً لإحدى ذينك


(1) الوسائل 6: 379، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 4.

(2) راجع بشانه معجم الرجال 8: 22 ـ 26.

228

الخبرين فلا شك في أنّ كل هذه الأخبار تتساقط بالتعارض الثلاثي الأطراف.

أقول: لو ثبت تضارب الشيخ (رحمه الله) في شهادته وحمل ذلك على أنّ الشيخ شهد حقاً مرتين: مرة بوثاقته واُخرى بضعفه صحّ ما قاله السيد الخوئي: من أنّ التعارض ثلاثي الأطراف، أمّا إذا قلنا إنّ تضارب الشيخ في شهادته أبطل عقلائياً أصالة عدم الغفلة العقلائية في شهادة الشيخ، وبالتالي نحن لا نعلم أنّ الشيخ بماذا شهد؟ هل شهد بوثاقته وكان تضعيفه إيّاه سهواً من القلم مثلاً، أو شهد بضعفه وكان توثيقه إيّاه سهواً وغفلة وغير حاك عمّا في نفسه؟

اذن فالصحيح ما قاله ذاك البعض لانّ شهادة النجاشي بالوثاقة محرزة بلا ثبوت شهادة معارضة لها.

وكذلك نقول في تعارض الأخبار الثلاثة من راويين انّه لو كان الخبران للراوي الأوّل حقاً خبرين، كما لو نقل نصّين عن الإمام تمّ التعارض الثلاثي وسقط الجميع.

أمّا لو كان الخبران نقلين لنصّ واحد وقع الخطأ في احدهما.

إذن فالنص الذي رواه الراوي الثاني لم يثبت لنا نصّ يعارضه ويبقى نص الراوي الثاني ثابتاً على حجيته لانّ الخبر الآخر مضطرب المتن ولا يقوى على معارضة هذا الخبر.

والفرق بين مثال الأخبار الثلاثة ومثال الشهادات في المقام هو انّه في مثال الشهادات انّما تسلم شهادة النجاشي عن المعارضة لو قلنا: إنّ أصالة عدم خطأ الشيخ في نقل مقصوده غير جارية عقلائياً لدى التهافت في الشهادة، أمّا لو قلنا بجريانها فهذا الأصل في كلّ من شهادتي الشيخ يثبت كونها حقاً شهادة بما قال وتتعارض الشهادات الثلاث وتتساقط.

229

وأمّا في الأخبار الثلاثة فحتى لو قلنا بجريان أصالة عدم خطأ الراوي الأوّل في التعبير عمّا في نفسه في كلا نقليه فالتعارض لا يصبح ثلاثي الأطراف ما دام الراوي الأوّل يحكي في كلا خبريه عن نص واحد لأنّ تعارض الحكايتين أوجب الشك في كيفية ذاك النص فلا يقوى على معارضة النص الذي يرويه الراوي الثاني فهذا يكون من قبيل ما لو فرضنا رواة ثلاثة، اثنان منهم يرويان نصّاً واحداً مع الاختلاف في ما بينهما في أنّ ذاك النص كان بالنفي أو بالإثبات مثلاً، وثالثهم يروي نصاً آخر بنفي ذاك الحكم مثلاً فهنا يبقى نفي الثالث بلا معارض، لان النص النافي انّما يعارضه نص مثبت بعد فرض ثبوت كونه مثبتاً لولا النص المعارض له وهنا لم يثبت ذلك حتى لولا النص المعارض له، لتهافت النقلين لنفس هذا النص.

وبكلمة اُخرى: انّ لدينا تعارضين: أحدهما تعارض النصَّين، والثاني تعارض النقلين: للنص الأوّل، وثبوت التعارض الأوّل انّما يكون في طول تصفية حساب التعارض الثاني بتقديم جانب الإثبات فيه، فبعد الحكم بالتساقط في التعارض الثاني ينتفي موضوع التعارض الأوّل، فكم فرق بين هذا الفرض وفرض روايات ثلاثة وقع التعارض بين اثنتين متوافقتين منها والثالثة المخالفة لهما.

والثاني ـ ما ذكره السيد الخوئي من أنّ تضعيف الشيخ في المقام ساقط من أساسه، وذلك لانّ الشيخ (رحمه الله) كان يعتقد انّ أبا سلمة كنية لوالد سالم بن مكرم لا لنفسه حيث قال: «ومكرم يكنى أبا سلمة»، في حين انّ الواقع هو أنّ أبا سلمة كنية لنفس سالم بن مكرم حسب ما قاله النجاشي المدعم أيضاً بقول البرقي الذي قال عنه: «سالم أبو خديجة صاحب الغنم ويكنى أيضاً أبا سلمة ابن مكرم»، وبنقل الكشي للرواية الماضية.

230

(أقول: والمؤيد أيضاً بما في سند نفس هذا الحديث الذي نحن الآن بصدد تقييمه حيث جاء فيه: «... عن أحمد بن عائذ عن أبي سلمة سالم بن مكرم وهو أبو خديجة»، وهذا الحديث موجود في تهذيب الشيخ (رحمه الله)(1) الذي كان يرى انّ أبا سلمة كنية لوالد سالم).

نعود إلى كلام السيد الخوئي فهو يقول:

وبما انّ الشيخ كان يعتقد انّ أبا سلمة كنية لسالم بن مكرم فقد تخيّل انّ سالم بن مكرم اذن هو سالم بن أبي سلمة، وقد ذكر النجاشي بشأن سالم بن أبي سلمة: انّ حديثه ليس بالنقي وضعّفه أيضاً ابن الغضائري وذكر النجاشي ان له كتاباً وذكر سنداً له إليه، ومع ذلك لم يتعرض له الشيخ لا في فهرسته ولا في رجاله ممّا يشهد لما ذكرناه، من أنّه تخيل اتحاده مع سالم بن مكرم الذي هو موجود في الفهرست والرجال.

اذن فتضعيفه في الحقيقة راجع إلى سالم بن ابي سلمة وتوثيق النجاشي لسالم بن مكرم أبي خديجة لا يبقى له معارض.

2 ـ ما عن يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل عليه رجل من القماطين فقال: جعلت فداك تقع في أيدينا الأموال والأرباح وتجارات نعلم انّ حقك فيها ثابت وإنّا عن ذلك مقصرون فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ما انصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم(2). وقد ورد هذا الحديث بسندين يوجد في أحدهما محمّد بن سنان وفي الآخر الحكم بن مسكين، ولكن الصحيح وثاقة الحكم بن مسكين


(1) التهذيب 4: 137، الحديث 384.

(2) الوسائل 6: 380، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 6.

231

رغم عدم ورود نص في الرجال بتوثيقه وذلك لرواية محمّد بن أبي عمير والبزنطي عنه.

وهذا الحديث أيضاً خاص بما يصل إلى الإنسان من غيره ممّن لم يخمّس بناء على أنّ قوله: «تقع في أيدينا أموال... نعلم انّ حقك فيها ثابت» يعني العلم بثبوت حق الإمام فيها قبل وقوعها في يده، لانّ الظاهر انّ جملة «نعلم ان حقّك فيها ثابت» صفة للأموال أي انّ أموالنا متّصفة بهذه الصفة تقع في أيدينا، فليس المقصود بذلك الإشارة إلى ثبوت حق الإمام فيها في طول وقوعها في يده وبعد مرور رأس السنة مثلاً، وانّما المقصود بيان انّه تقع في يده مال ممّن لم يخمس.

3 ـ ما عن الحارث بن المغيرة النصري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له: إنّ لنا أموالاً من غلاّت وتجارات ونحو ذلك وقد علمت انّ لك فيها حقّاً قال فلِمَ احللنا اذن لشيعتنا؟! إلّا لتطيب ولادتهم وكل من والى آبائي فهو في حلّ ممّا في أيديهم من حقّنا فليبلغ الشاهد الغائب(1).

وفي سند الحديث أبو عمارة، والراوي عنه أحمد بن محمّد بن أبي نصر ولم أعرف من هو بالضبط أبو عمارة فهو مشترك بين عديدين من ثقة وغير ثقة، ولكن يكفينا انّ الراوي عنه هنا هو البزنطي.

وسند الحديث رواه في الوسائل هكذا: «وعنه عن أحمد بن محمّد عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن أبي عمارة عن الحارث بن المغيرة النصري» واظن: انّ تكرار كلمة (أحمد بن محمّد) خطأ في نسخة الوسائل.

وعلى أيّة حال فالظاهر من عبارة الوسائل انّ الضمير في «عنه» إشارة إلى


(1) الوسائل 6: 381، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 9.

232

ما ورد في سند الحديث السابق على هذا الحديث وهو حديث نقله الشيخ الحر عن الشيخ الطوسي بإسناده عن على بن الحسن بن فضال فيكون معنى العبارة: انّ هذا الحديث أيضاً نقله الشيخ بسنده عن علي بن الحسن بن فضال عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، ومن هنا يبرز في السند الإشكال الموجود في سند الشيخ إلى علي بن الحسن بن فضال.

ولكن يظهر بمراجعة التهذيب(1) انّ الشيخ لا يروي هذا الحديث بسنده إلى علي بن الحسن بن فضال، وانّما يرويه بسنده إلى سعد بن عبد الله وبهذا يتم سند الحديث.

والظاهر انّ سبب الخطأ الموجود في الوسائل انّ الروايات التي جاءت قبل هذا الحديث ـ بفاصل رواية واحدة ـ كلها كانت روايات للشيخ بسنده عن سعد بن عبد الله، ثم جاءت رواية واحدة للشيخ بسنده عن علي بن الحسن بن فضال ثم جاء الحديث الذي نحن بصدده فقال: وعنه عن أحمد بن محمّد... فالظاهر انّ مقصود الشيخ الحرّ هو إرجاع الضمير إلى سعد بن عبد الله وغفل عن تخلل رواية في المقام عن علي بن الحسن بن فضّال وانّ الضمير سيعود بظاهره إلى علي بن الحسن بن فضال.

وأمّا من حيث الدلالة فهذا الحديث أيضاً مخصوص حسب المتن الموجود في الوسائل بتحليل الحق الثابت في المال الذي وصلنا، لا بمعنى تعلّقه بمالنا لمضيّ رأس سنتنا الخمسية مثلاً بل بمعنى كونه متعلّقاً بمال غيرنا ممّن يستحل الخمس مثلاً وبعد تعلقه به انتقل المال إلينا والشاهد على ذلك قوله: «وكل مَن


(1) التهذيب 4: 143، الحديث 399.

233

والى آبائي فهو في حلّ ممّا في أيديهم» إذ لم يقل فهو في حل ممّا في يده أو فهم في حلّ ممّا في أيديهم، بل أفرد الضمير الأوّل وجمع الضمير الثاني ممّا يدلّ على أنّ مرجع الضمير الثاني ليس هو الشيعي الذي بيده المال المحلّل له بل آخرون، وهذا يعني انّ الحق تعلّق بالمال قبل انتقاله منهم إليه ولكن المتن الموجود في التهذيب ـ والذي هو مصدر صاحب الوسائل (رحمه الله) ـ حسب النسخة الواصلة لنا ليس هكذا، فالضمير في كلا الموردين ضمير الجمع أي ورد: «فهم في حل ممّا في أيديهم» وهذا ظاهر في التحليل المطلق إلّا انْ يقيد بقرينة الروايات النافية لذلك بخصوص الحق الذي وقع في يد الشيعي من يد غيره بان كان الحق قد تعلّق بالمال قبل وقوعه في يده.

والثالث ـ في الأنفال من قبيل ما عن أبي سيّار مسمع بن عبد الملك عن الصادق (عليه السلام) في قصة الغوص... وما لنا من الأرض وما أخرج الله منها إلّا الخمس؟! يا أبا سيار الأرض كلها لنا فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا قال قلت له: أنا أحمل إليك المال كله فقال لي: يا أبا سيار قد طيبناه لك وحللناك منه فضم إليك مالك وكل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون ومحلل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيدي سواهم فانّ كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم منها صغرة(1).

قوله: «فيجبيهم طسق ما كان في أيدي سواهم فانّ كسبهم من الأرض...» هذا هو نسخة التهذيب والظاهر وقوع سقط في عبارة التهذيب(2) والصحيح ما في


(1) الوسائل 6: 382، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 12.

(2) التهذيب 4: 144، الحديث 403.

234

الكافي(1): «فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم، وامّا ماكان في أيدي غيرهم فان كسبهم من الأرض...».

وبعد هذا العرض السريع لبعض روايات الباب نبدي ملاحظاتنا حول التمسّك بها لتصحيح عقد الفضولي بالإجازة المتأخّرة وهي اُمور:

1 ـ انّ الطائفة الاُولى من هذه الطوائف الثلاث التي عرضناها ينبغي أن تكون خارجة عن مورد الاستدلال، لانّها لا يستفاد منها أكثر من تحليل الإماء الذي قد يكفي فيه الرضا ولا يحتاج إلى وصول الاذن ولا تدلّ على تصحيح المعاملات والعقود حتى يقال: إنّ خروجها عن الفضولية كان متوقّفاً على وصول الاذن إلى العاقد.

2 ـ انّ التمسّك بأخبار تحليل الخمس يتوقّف على القول بانّ تعلّق الخمس بالمال يكون بالتشريك مثلاً، لا بمثل تعلّق حق يكفي في جواز التصرّف فيه مجرّد الرضا ولو بلا استناد، وإلّا لما صحّ التعدّي من هذه الروايات إلى مطلق بيع مال الغير لاحتمال اختصاص الحكم بخصوص ما يشترط فيه الرضا، فحسب دون الاستناد كبيع العين المرهونة من قبل الراهن فانّه لا يشترط فيه الاستناد إلى المرتهن بل يكفي فيه الرضا فلو بنينا على انّ تعلّق الخمس بالمال ليس بمثل التشريك لحقت الطائفة الثانية بالطائفة الاُولى في انّها ينبغي أن تكون خارجة عن مورد الاستدلال، أمّا ما هو الصحيح في حقيقة تعلّق الخمس بالمال؟ فهذا ما نرجعه إلى بحث الخمس وليس هنا محل بحثه.

وعلى أيّة حال فهذه الملاحظة لو تمّت لا تأتي في أخبار تحليل الأنفال إلّا انّ الظاهر من عبارة المحاضرات هو انّ السيد الخوئي قصد في المقام التمسّك


(1) الكافي 1: 408، من باب انّ الأرض كلها للإمام، الحديث 3.