128

ومن ترك الطواف نسياناً أتى به، وإذا كان قد سعى طاف وأعاد سعيه على الأحوط، وإذا تذكّر الطواف بعد ابتعاده وعدم تمكّنه من المباشرة استناب شخصاً يطوف بالنيابة عنه، ويسعى نيابة عنه ـ أيضاً ـ على الأحوط.

ومن ترك السعي نسياناً جرى عليه الحكم نفسه، فيأتي به مع التمكّن، ومع عدمه يستنيب.

وحال العجز عن مباشرة الطواف أو السعي في الحجّ لمرض ونحوه حالُ العجز عن مباشرتهما كذلك في العمرة، وقد تقدّم حكمه، فالعاجز عن الطواف يُطاف به، ومع العجز عن ذلك ـ أيضاً ـ يستنيب في الطواف، وكذلك الحال في السعي.

وتُعتبر المرأة التي طرأ عليها الحيض أو النفاس عاجزة عن الطواف إذا لم يتيسّر لها المكث في مكّة إلى حين طهرها، فتستنيب من يطوف عنها، ويصلّي صلاة الطواف، ثُمّ تسعى بنفسها بعد طواف النائب وصلاته.

 

آداب طواف الحجّ والسعي:

134 ـ ويشارك طواف الحجّ وسعيه طواف العمرة وسعيها في الآداب والمستحبّات التي تقدّمت في أحكام العمرة في الفقرة (95) و (103)، وآداب صلاة الطواف هي آدابها المتقدّمة في الفقرة (100).

129

والأفضل للحاجّ أن يطوف طواف الحجّ يوم العيد إذا اتّسع له الوقت بعد الفراغ من أعمال منى، ويُستحبّ له عند إرادة الوصول إلى المسجد للطواف أن يقف على باب المسجد، ويقول: «اللّهمّ، أعنّي على نُسكك، وَسَلّمْني لَه وسَلّمْه لي، أسألُكَ مَسألةَ العَلِيلِ الذّلِيلِ المعترِفِ بِذَنبهِ أن تَغفِرَ لي ذِنُوبِي، وأن تُرجِعَني بِحاجَتِي. اللّهمَّ، إنّي عَبدُكَ والبَلَدُ بَلَدُكَ والبَيتُ بَيتُكَ، جِئتُ أطلبُ رَحْمَتَك، وأؤمّ طاعَتَكَ، مُتّبِعاً لأمرِكَ، راضِياً بقَدَرِكَ، أسأ لُكَ مَسألةَ المُضطرِّ إليك، المُطِيعِ لأمْرِكَ، المُشفِقِ مِن عَذابِك، الخائِفِ لِعقوبَتِك أن تُبلّغَنِي عَفوَك، وتُجِيرَني مِنَ النّار بِرَحْمَتِك».

فإذا فرغ من هذا الدعاء، ودخل المسجد اتّجه قبل البدء بالطواف إلى الحجر الأسود، فاستلمه وقبّله إذا اُتيح له ذلك من دون إيذاء للآخرين، وإلّا اكتفى باستلامه بيده، وقبّل يده بعد الاستلام، وإن لم يتيسّر له ذلك ـ أيضاً ـ كما هو الغالب استقبل الحجر وكبّر، وقال: «اللّهمَّ، أمانَتِي أدّيتُها، وَمِيثاقِي تَعاهَدتُه؛ لِتَشْهَدَ لي بالمُوافاةِ».

 

130

 

 

طواف النساء وصلاته

 

135 ـ الواجب العاشر والحادي عشر طواف النساء وصلاته، وهما واجبان، ولكن لايبطل الحجّ بتركهما ولو عمداً، ويجبان على الرجال والنساء.

136 ـ الكيفيّة: طواف النساء وصلاته كطواف الحجّ وصلاته في الكيفيّة والشرائط، ويختلف في النيّة؛ إذ ينوي هنا طواف النساء، وصورة النيّة مثلا: أطوف طواف النساء لحجّ التمتّع من حجّة الإسلام قربة إلى الله تعالى. وإذا كان نائباً عن الغير ذكر اسمه وقصد الطواف عنه، وإذا كان الحجّ مستحبّاً أسقط كلمة (حجّة الإسلام)، كما أنّه في صلاة الطواف ينوي الصلاة لطواف النساء، وصورة النيّة مثلا: اُصلّي ركعتي طواف النساء لحجّ التمتّع قربة إلى الله تعالى.

137 ـ موضعه وأثره:

موضعه: يجب إيقاع طواف النساء بعد السعي، فإذا قدّمه عليه مع علمه بالحكم والتفاته لزمته إعادته بعد السعي، ولايلزم إيقاع طواف النساء عقيب السعي مباشرة، بل يجوز تأجيله.

أثره: إذا طاف الحاجّ طواف النساء في موضعه، وأتى بركعتيه حلّ له ما كان قد حرم عليه من ألوان الاستمتاع نظراً ولمساً وجماعاً وغير ذلك رجلا كان أم امرأة، ولم يبق عليه من محرّمات الإحرام إلّا الصيد،

131

فإنّ حرمة الصيد ولو في الحلّ تستمرّ ـ على الأحوط ـ إلى ظهر اليوم الثالث عشر، وأمّا حرمة الصيد في الحرم وحرمة قلع الشجر وما ينبت في الحرم، فهما ثابتان على المكلّف على أساس حرمة الحرم، ويشترك فيهما المحرم والمحلّ على السواء على ما تقدّم من التفصيل في محرّمات الإحرام في الفقرة (57) و (72).

138 ـ حكمه: العاجز عن مباشرة طواف النساء بالاستقلال لمرض أو غيره يستعين بغيره، فيطوف ولو محمولا، وإذا لم يتمكّن من ذلك ـ أيضاً ـ تلزمه الاستنابة، ويجري هذا في صلاة الطواف. ويُعتبر من ألوان عدم التمكّن من المباشرة أن تحيض المرأة، فلاتنتظر القافلة طهرها، فيجوز لها في هذه الحالة ترك طواف النساء والخروج مع رفقتها، ويجب عليها على الأحوط أن تستنيب لطوافها ولصلاته.

والتارك لطواف النساء نسياناً يأتي به عند التذكّر، وإذا تذكّر بعد تعذّر المباشرة عليه أو تعسّرها استناب من يطوف عنه، وحكم نسيان صلاة طواف النساء كحكم نسيان صلاة الطواف في الحجّ.

والتارك لطواف النساء من دون نسيان عالماً بوجوبه أو جاهلا بذلك يجب أن يتداركه بنفسه(1).



(1) هذا بناءً على الاقتصار في الاستنابة على مورد النصّ، وهو النسيان، ولكن يمكن التعدّي عرفاً إلى الجاهل جهلاً مركّباً، فيلحق في الحكم بالتفصيل بين القادر على الرجوع والعاجز الوارد في صحيح معاوية بن عمّار. الوسائل، الباب 58 من الطواف، الحديث: 4.

132

 

واجبات منى بعد نهار العيد

وبعض المستحبّات

 

المبيت في منى

139 ـ الواجب الثاني عشر من واجبات الحجّ المبيت في منى، بمعنى: التواجد فيها في الليل، ولايجب التواجد فيها في النهار إلّا بقدر ما يتطلّبه رمي الجمرات، وتتّضح خصائصه كمايلي:

140 ـ المقدار:

أوّلاً: مقداره:

يجب المبيت ليلتين في منى، وهما: ليلة الحادي عشر، وليلة الثاني عشر، ويُعفى من الوجوب أشخاص يأتي استثناؤهم، ولايجب المبيت ليلة الثالث عشر إلّا على أشخاص يُستثنون من عدم الوجوب يأتي بيانهم، ويكفي في التواجد المطلوب في كلّ ليلة أن يكون في منى من أوّل الليل إلى أن يتجاوز منتصفه، أو أن يكون فيها قبل منتصف الليل إلى الفجر، فيُسمح لمن بقي من أوّل الليل إلى منتصفه في منى أن يغادرها إلى مكّة أو غيرها، وكذلك يُسمح له بالتغيّب عن منى إلى قبيل نصف الليل مع التواجد فيها ـ حينئذ ـ من ذاك الوقت إلى الفجر.

133

ثانياً: الاستثناءات:

1 ـ يستثنى ممّن يجب عليه المبيت في منى أنواع من المكلّفين، وهم:

أ ـ المعذور كالمريض والممرّض، ومن خاف على نفسه أو ماله من المبيت في منى.

ب ـ من اشتغل بالعبادة في مكّة تمام ليلته ما عدا الحوائج الضروريّة، كالأكل والشرب ونحوهما. والأحوط وجوباً الاكتفاءـ في العبادة الموجبة للاستثناء ـ بالعبادة في محلّ أعمال الحجّ.

ج ـ من طاف بالبيت، وبقي في عبادته، ثُمّ خرج من مكّة، وتجاوز بيوتها، فيجوز له أن يبيت في الطريق دون أن يصل إلى منى، وكلّ هؤلاء يعذرون في عدم المبيت في منى، والأحوط وجوباً تخصيص الاستثناء الأخير بمن أخذته حالة النوم في الطريق، كما أنّ الأحوط وجوباً حذف هذا الاستثناء من أساسه في زماننا هذا؛ لأنّ بيوت مكّة يشبه أن تكون متّصلة بمنى.

2 ـ ويُستثنى ممّن لايجب عليه المبيت في ليلة الثالث عشر عدّة أشخاص، وهم:

أ ـ مَن لم يجتنب الصيد في إحرامه.

ب ـ من أتى النساء على الأحوط.

ج ـ من حلّ عليه غروب اليوم الثالث عشر وهو لايزال في منى، فإنّ هؤلاء يجب عليهم المبيت في ليلة الثالث عشر فيها، وغيرهم

134

رخّص في الإفاضة من منى ـ الخروج منها ـ بعد ظهر اليوم الثاني عشر.

141 ـ ثالثاً: حكمه:

إذا ترك الحاجّ المبيت في منى رأساً من دون عذر لم يبطل بذلك حجّه، وعليه أن يكفّر بشاة عن كلّ ليلة، والأحوط شمول الكفّارة للناسي والجاهل، فيكفّران ـ أيضاً ـ عن عدم مبيتهما.

ويُستثنى من الكفّارة من يلي:

أوّلاً: من ترك المبيت في منى مشتغلا بالعبادة في مكّة مراعياً ما مضى من احتياطنا الوجوبيّ باختصاص الاستثناء بالعبادة في محلّ أعمال الحجّ.

ثانياً: من خرج من مكّة بعد الطواف والسعي، ولم يصل إلى منى بل نام في الطريق، ويحتاط باحتياطينا الوجوبيّين الماضيين في بند (ج) من بنود الاستثناءات في الفقرة (140).

ثالثاً: المعذورون من المبيت في منى لشغل ضروريّ كتمريض مريض، أو لضرورة كالمرض أو الخوف من المبيت في منى، فإنّ هؤلاء لايجب عليهم التكفير، وإن كان الأحوط للأخيرين التكفير خصوصاً للأخير.

مستحبّات منى:

142 ـيُستحبّ التواجد بمنى الأيّام الثلاثة نهاراً وليلا، وهي الفترة الممتدّة من يوم العيد ـ العاشر ـ إلى ظهر اليوم الثاني عشر، فينبغي للحاجّ أن يؤثر المكث في منى مهما أمكن على الخروج

135

منها ولو للطواف المندوب، ويحرص على قضاء تمام الفترة فيها باستثناء ما تتطلّبه المناسك الواجبة من طواف وسعي.

ويُستحبّ ـ أيضاً ـ أن يكبّر الحاجّ في منى في أعقاب خمس عشرة صلاة ابتداءً من صلاة الظهر في يوم العيد، كما يُستحبّ التكبير نفسه للمسلمين في سائر بقاعهم عقيب عشر صلوات ابتداءً من الصلاة المذكورة أيضاً، والأفضل في كيفيّة هذا التكبير أن يقول: «اللّهُ أكبرُ، لا إلهَ إلّا اللّهُ واللّه أكبرْ، وللّهِ الحمدُ، اللّه أكبرُ على ما هدانا، اللّه أكبرُ على ما رزقنا من بَهيمةِ الأنعامِ، والحمدُ للّهِ عَلى ما أبلانا».

ويُستحبّ الإكثار من الصلاة والتسبيح والتهليل والحمد في مسجد الخيف؛ فإنّ له شأناً عند الله تعالى، حتّى ورد في بعض الروايات أنّ مئة ركعة فيه تعادل عبادة سبعين عاماً.

 

رمي الجمار

143 ـ الثالث عشر من واجبات الحجّ رمي الجمار الثلاث: الاُولى، والوسطى، وجمرة العقبة في كلٍّ من اليوم الحادي عشر واليوم الثاني عشر.

144 ـ كيفيّـته: وهو متّحد في الكيفيّة والشروط مع ما تقدّم من رمي جمرة العقبة يوم العيد، فلاحظ الفقرة (120)، ونضيف هنا أنّه

136

يجب الترتيب بين الجمرات الثلاث في الرمي ابتداءً من الاُولى وانتهاءً بجمرة العقبة، فلو خالف ورمى جمرة قبل أن يذهب إلى سابقتها وجب الرجوع إلى السابقة وإعادة رمي اللاحقة، سواء كان عالماً أو جاهلا أو ناسياً.

كما تجب النيّة في رمي كلّ جمرة، وصورتها مثلا: أرمي هذه الجمرة بسبع حصيات لحجّ التمتّع من حجّة الإسلام قربة إلى الله تعالى. وإذا كان نائباً ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان حجّاً مستحبّاً أسقط كلمة (حجّة الإسلام).

وقته: ويجب إيقاع رمي الجمار الثلاث في النهار، ولايُجزي إيقاعها في الليل اختياراً، ويُستثنى من ذلك من يخاف على نفسه أو عرضه أو ماله؛ فإنّه يجوز له الرمي في الليلة المتقدّمة على النهار، فيرمي ـ مثلا ـ في ليلة الحادي عشر ما يجب في نهار الحادي عشر من الرمي، وهذه الرخصة تشمل الشيوخ والنساء والضعفاء الذين يخافون على أنفسهم من كثرة الزحام، فيجوز لهؤلاء الرمي ليلة ذلك النهار.

والأحوط وجوباً في الشيوخ إذا أرادوا الرمي في ليلة النهار أن يأخذوا بعين الاعتبار قيد الخوف على أنفسهم من كثرة الزحام في حين أنّ هذا القيد ليس شرطاً في النساء.

145 ـ حكمه: رمي الجمار الثلاث في اليومين المذكورين

137

واجب، ولكن من تركه عامداً حتّى مضى وقته لايبطل حجّه، ويجب عليه على الأحوط قضاء الرمي إمّا بالمباشرة أو باستنابة شخص يرمي عنه في العام القابل في مثل تلك الأيّام لو لم يحجّ هو من قابل.

وإذا نسي الرمي في اليوم الحادي عشر قضاه في اليوم الثاني عشر، وإذا نساه في اليوم الثاني عشر قضاه في اليوم التالي له، وإذا نسي الرمي في أكثر من يوم، وتذكّر ذلك قبل مضيّ اليوم الثالث عشر، قضاه، وكذلك على الأحوط إذا كان لايزال في مكّة ولو بعد انتهاء أيّام التشريق، وهي: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، والأحوط له أن يفصل بين رمي يوم ورمي يوم آخر عند القضاء بساعة.

وإذا نساه ولم يذكره إلّا بعد خروجه من مكّة وانتهاء أيّام التشريق، لم يجب عليه الرجوع، بل يقضيه على الأحوط استحباباً في السنة القادمة في وقته، إمّا بنفسه مباشرة أو باستنابة شخص يرمي عنه.

وكلّ من يتمكّن من مباشرة الرمي من دون مشقّة وحرج يجب عليه ذلك، وإذا كان غير متمكّن للمرض ونحوه من الموانع التي لايُرجى زوالها إلى الغروب استناب غيره.

ويُستحبّ إحضاره في المحلّ كي يتمّ الرمي نيابة عنه بحضوره.

وإذا اتّفق برؤه قبل غروب الشمس رمى بنفسه على الأحوط.

139

الفصل الثالث

 

 

 

 

 

حجّ الإفراد والقران

 

 

 

 

 

 

 

 

 

140

 

 

 

 

قال الله عزّ وجلّ: ﴿فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّام فِي الْحَجِّ وَسَبْعَة إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾(1).

146 ـ من كان الفاصل بينه وبين المسجد الحرام أقلّ من ثمانية وأربعين ميلاً، أو قل: أقلّ من ستة عشر فرسخاً، فوظيفته في حجّة الإسلام هي الإفراد في الحجّ، وذلك بمعناه الأعمّ الشامل للقران، ومن كان الفاصل بينه وبين المسجد الحرام أكثر من ذلك، أو كان على رأس الحدّ، فوظيفته في حجّة الإسلام هي التمتّع.

أمّا في الحجّ الاستحبابيّ فهو على كلّ حال مخيّر بين الإفراد والتمتّع، وإن كان التمتّع أفضل.

147 ـ ولو شكّ في كون منزله في الحدّ الذي يوجب الإفراد أو في خارجه، وفحص بالمقدار الذي يخرجه عن عنوان غمض



(1) سورة البقرة، الآية: 196.

141

العين وعدم المبالاة بالموضوع، فالأصل فيه هو عدم صدق عنوان حضور أهله المسجد الحرام، فتكون وظيفته الظاهريّة هي التمتّع.

148 ـ ولو كان له بلدان أحدهما في داخل حدّ وجوب الإفراد والآخر في خارجه، فالمقياس هو الغالب عليه منهما، فإن تساويا فوظيفته في حجّة الإسلام هي الإفراد(1).

149 ـ ولو أنّ رجلاً من داخل حدود الإفراد سافر إلى بلد خارج تلك الحدود، ثُمّ مرّ ببعض المواقيت، كان مخيّراً في الحجّ الواجب بين التمتّع والإفراد، ولكن الإفراد أفضل له وأحوط.

150 ـ المجاور بمكّة أو في داخل الحدّ الذي عرفت غير المتوطّن ينقلب فرضه إلى الإفراد بعد سنتين.

فالمجاور لو أراد أن يتمتّع قبل تمام السنتين كان المتيقّن صحّته له هو أن يخرج لعمرة التمتّع إلى أحد المواقيت لا إلى أدنى الحلّ، نعم لو عجز عن الرجوع إلى الميقات كما لو كان ضيق الوقت عن الحجّ يمنعه عن ذلك، صحّ له الإحرام من أدنى الحلّ، وهذا بخلاف ما لو أخّر الإحرام عن عمد، وعلم إلى أن عجز عن الرجوع إلى الميقات، فإنّ الاجتزاء ـ عندئذ ـ بإحرام أدنى الحلّ مشكل.

151 ـ وحجّ الإفراد بمعناه العامّ المقابل لحجّ التمتّع والشامل



(1) لصدق عنوان حضور المسجد الحرام.

142

للقران يختلف عن التمتّع: بأنّ حجّ التمتّع عمل واحد مؤتلف من جزئين: من عمرة سابقة ومن الحجّ، في حين أنّ حجّ الإفراد عمل مستقلّ واجب على من وظيفته الإفراد، كما أنّ العمرة المفردة عمل مستقلّ واجب عليه، فمن استطاع لأحدهما وحده وجب عليه ذاك الذي استطاع له، ومن استطاع لهما وجبا عليه، فلو أتى بهما في سنة واحدة وجب تقديم الحجّ على العمرة على الأحوط، وحجّ التمتّع لايقع بكلا جزئيه إلّا في سنة واحدة.

وفي حجّ التمتّع يجب النحر أو الذبح كما مرّ، في حينأنّه لايعتبر شيء من ذلك في حجّ الإفراد، نعم لو صحب معهالهدي وقت الإحرام وجب عليه ذبحه في منى، وسمّي حجّه بحجّالقران.

ويختلف حجّ الإفراد عن حجّ التمتّع: في أنّ تقديم الطواف والسعي على الوقوفين في حجّ التمتّع مع الاختيار غير جائز ولو احتياطاً في حين أنّه يجوز ذلك في حجّ الإفراد.

أمّا طواف النساء فيؤجّله إلى ما بعد الحلق أو التقصير في منى.

وفارق آخر بينهما هو: أنّ إحرام حجّ التمتّع يكون بمكّة، في حين أنّ إحرام حجّ الإفراد يكون من أحد المواقيت الماضية، وإحرام أهل مكّة لحجّ الإفراد أو المجاور الملحق بهم في الحكم

143

يصحّ أن يكون من نفس مكّة(1).

152 ـ وقد مضى في الفقرة (108) أنّ الأحوط لمن أحرم لحجّ التمتّع أن لايطوف طوافاً مستحبّاً، وهنا نقول: إنّ المفرِد إذا طاف طوافاً مستحبّاً فإمّا أن يكون طوافه هذا بعد طواف الفريضة، فيجب عليه ـ عندئذ ـ بعد أيّ طواف وصلاته أن يلبّي(2).

وإمّا أن يكون طوافه هذا قبل طواف الفريضة، والأحوط وجوباً أن يلبّي ـ أيضاً ـ بعد الطواف وصلاته.



(1) عملاً بروايات دويرة الأهل الواردة في الوسائل باب 17 من المواقيت؛ فإنّه وإن كانت رواية واحدة منها ـ وهي الثامنة من الباب ـ عبّرت بتعبير: « ممّا يلي مكّة » فقد لا تشمل بإطلاقها بيوت مكّة، ولكن أكثرها عبّرت بتعبير: « إلى مكّة »، وشمولها بالإطلاق لبيوت مكّة واضح، وعليه فلابدّ من حمل الروايات الدالّة على أنّ إحرام حجّ الإفراد للمجاور بمكّة يكون من أدنى الحل ـ وهي الحديث ( الرابع والخامس والسادس ) من باب 9 من أقسام الحجّ من الوسائل ـ على الاستحباب؛ فإنّها وإن وردت في المجاور لا في أهل مكّة الأصليين لكن الظاهر أنّ المقصود بها إلحاق المجاور بأهل مكّة في الحكم، فليست تلك الروايات أخصّ من روايات دويرة الأهل كي نقدّمها عليها بالأخصّيّة، ولا ينبغي الإشكال في أنّ الخروج إلى أدنى الحلّ أحوط.

(2) راجع الوسائل، الباب 16 من أقسام الحجّ، الحديث 2، صحيح معاوية بن عمّار.

144

153 ـ أمّا لو لم يطف طوافاً مستحبّاً، ولكنّه طاف طواف الفريضة، وسعى باعتبار أنّه يجوز للمفرِد تقديم الطواف والسعي على الموقفين، فهنا ـ أيضاً ـ يجب عليه أن يلبّي بعد السعي(1).

154 ـ من أحرم بحجّ الإفراد، ثُمّ دخل مكّة، وكان ممّن تجوز له المتعة كما في الحجّ الاستحبابيّ، جاز له أن يقلب حجّه إلى التمتّع، فيتحلّل عن ذاك الإحرام بأعمال العمرة، ثُمّ يهلّ بالحجّ من مكّة، إلّا إذا كان قد ساق معه الهدي وقت الإحرام، فلايجوز له ـ عندئذ ـ قلب الحجّ إلى التمتّع.

وإذا لبّى بالحجّ قبل التقصير فقد انتهت فرصة تبديله للإفراد إلى التمتّع(2).

155 ـ ولو صحب معه الهدي في وقت الإحرام فأصبح حجّه حجّ قران، صحّ أن يكون إحرامه بالإشعار أو التقليد، كما صحّ أن يكون إحرامه بالتلبية. فإحرام المتمتّع متقوّم بالتلبية كما مضى،



(1) ولو احتياطاً. راجع الوسائل، الباب 16 من أقسام الحجّ، الحديث 1، صحيح عبدالرحمن بن الحجّاج. وليس عيب الرواية إلّا مخالفة ظهور صدر الرواية في وجوب خروج المُفرِد إلى الجعرانة لفتوى المشهور، فقد يحمل ذلك على إعراض المشهور عنها.

(2) هذا مطابق للقاعدة مضافاً إلى موثّقة إسحاق أو أبي بصير. راجع الوسائل، الباب 19 من أقسام الحجّ.

145

ولكن إحرام القارن يكون بأحد اُمور ثلاثة.

الأوّل: التلبية.

والثاني: الإشعار، وهو: شقّ سنام البُدنة بحديدة حتّى يدميها، والأحوط أن يكون الشقّ من جانبها الأيمن، إلّا إذا كثرت البُدن فيجوز ـ عندئذ ـ أن يقف الرجل بين اثنين منها، فيشقّ سنام هذا من الجانب الأيمن والآخر من الأيسر.

والثالث: التقليد، وهو: أن يجعل له قلادة. ويُستحبّ أن يكون التقليد بنعل خَلِق قد صلّى فيها.

156 ـ لو ساق معه الهدي بعد تماميّة الإحرام بالتلبية، وتجاوزه الميقات وقبل دخول الحرم، فالأحوط وجوباً عدم تبديل الحجّ بحجّ التمتّع(1).

ويستحسن ـ إمّا استحباباً وإمّا في الأقلّ رجاءً ـ الجمع بين الإشعار والتقليد: بأن يشعر الهدي أوّلاً، ثُمّ يقلّده، هذا في البُدن، أمّا البقر والغنم فلايوجد فيهما إلّا التقليد، أمّا الإشعار فيهما فلا دليل عليه.



(1) لأنّ ظاهر صحيح فضيل بن يسار تحقّق القران بذلك. راجع الوسائل، الباب 12 من أقسام الحجّ، الحديث 13، فيحتمل كون ذلك ـ أيضاً ـ مانعاً عن التبديل.

147

 

الفصل الرابع

 

 

 

المصدود والمحصور

 

 

 

 

 

 

 

148

 

 

 

 

157 ـ المصدود هو: الممنوع عن الحجّ أو العمرة بمنع عدوّ ونحوه بعد تلبّسه بإحرامهما.

فإن كان مصدوداً عن العمرة المفردة فتحلّله يكون بالذبح أو النحر في محلّ الصدّ، وهو على قسمين:

القسم الأوّل: أن يكون قد ساق الهدي معه في العمرة المفردة. والأحوط وجوباً أن يضمّ إلى ذبح هديه أو نحره حلق رأسه.

والقسم الثاني: أن لايكون قد ساق معه الهدي. والأحوط وجوباً ضمّ الحلق أو التقصير على سبيل التخيير إلى الذبح.

ولو كانت امرأة فعليها التقصير في كلا القسمين.

158 ـ وأمّا إن كان مصدوداً عن الحجّ فهذا ينقسم إلى عدّة أقسام:

القسم الأوّل: أن يصدّ عن أصل دخول مكّة، سواء كان حجّه حجّ تمتّع أو كان حجّه حجّ إفراد، فعلى كلا التقديرين يكون تحلّله بالذبح في محلّ الصدّ.

القسم الثاني: أن يصدّ عن الوقوفين أو عن الوقوف بالمشعر

149

الاختياريّ منه والاضطراريّ بالشكل الذي يبطل حجّه، وهذا ـ أيضاً ـ يتحلّل بالذبح في مكان الصدّ إن لم يتمكّن من دخول مكّة للإتيان بأعمال العمرة المفردة.

ولو أمكنه أن يأتي مكّة لأعمال العمرة المفردة، فإن كان حجّه حجّ تمتّع أتى احتياطاً بأعمال العمرة المفردة، وذبح الشاة من بعد الطواف والسعي والحلق. وإن كان في حجّ الإفراد جمع احتياطاً بين الذبح والعمرة المفردة، وله أن يؤجّل ذبحه إلى مكّة.

القسم الثالث: أن يصدّ بعد الموقفين عن الطواف والسعي ودخول مكّة، سواء صدّ قبل الإتيان بأعمال منى أو بعده، وهذا يذبح شاته حيث صدّ.

القسم الرابع: أن يصدّ عن الطواف والسعي أو أحدهما بعد دخول مكّة، وهذا يستنيب فيما منع عنه من الطواف أو السعي أو كليهما، فلا يشمله قانون الصدّ.

القسم الخامس: أن يصدّ بعد الموقفين عن نزول منى خاصّة، وهذا ـ أيضاً ـ ليس صدّاً عن الحجّ، ويستنيب للرمي إن أمكنه، وأمّا الحلق أو التقصير فيفعله في مكانه، ويرسل شعره إلى منى إن أمكنه.

159 ـ المصدود لايسقط عنه الحجّ بالهدي، بل يجب عليه الإتيان

150

به في العام القابل إذا بقيت الاستطاعة أو كان الحجّ مستقرّاً في ذمّته.

160 ـ من أفسد حجّه بالجماع، ثُمّ صدّ جرى عليه حكم الصدّ زائداً كفّارة الإفساد.

161 ـ من ساق هدياً معه، ثُمّ صدّ كفاه ذبح ما ساقه، ولايجب عليه هديٌ آخر.

162 ـ المحصور في مصطلح الفقهاء والنصوص هو: الذي منعه المرض عن دخول مكّة لإتمام الحجّ أو العمرة بعد التلبّس بالإحرام.

163 ـ فلو اُحصر في عمرة مفردة، وأراد الرجوع إلى بلده والخروج من الإحرام، كان مخيّراً بين أمرين:

الأوّل: أن يبعث بالهدي إلى مكّة، ولايتحلّل إلّا بعد أن يبلغ الهدي محلّه(1) بمعنى: أنّه يواعد أصحابه ميعاداً للذبح في مكّة، فإذا جاء وقت الميعاد قصّر وأحلّ من كلّ شيء حتّى النساء(2)، ويجب عليه بعد البرء الإتيان بعمرة مفردة(3)، ولو انكشف بعد



(1) عملاً بالآية الشريفة والروايات. راجع صحيحة معاوية. الوسائل، الباب 2 من الإحصار والصدّ، الحديث 1 وغيرها.

(2) راجع الوسائل، الباب 8 من الإحصار والصدّ.

(3) راجع صحيح معاوية الوسائل، الباب 2 من الإحصار والصدّ، الحديث 1.

151

تحلّله أنّهم لم يحصلوا على هدي يذبحونه، يعيد بعثه للهدي، ومن حين إعادته لبعث الهدي يمسك عن النساء(1).

والثاني: أن يذبح في محلّ الحصر، ويتحلّل من غير النساء، ثُمّ يعيد العمرة، ويتحلّل بها حتّى من النساء(2).

أمّا لو أقام محرماً في مكانه حتّى برأ وأكمل العمرة فليس عليه شيء(3).

164 ـ ولو اُحصر في عمرة التمتّع أو اُحصر في حجّ الإفراد، ولم يكن قد ساق الهدي، فله أن يذبح في محلّ الحصر ويرجع محلاًّ (4)، وله أن يبعث بثمن الهدي، وينتظر بلوغ الهدي محلّه، وهو



(1) راجع الوسائل 13، الباب 1 من الإحصار والصدّ، الحديث 5.

(2) لقصّة الحسين(عليه السلام). راجع الوسائل 13، الباب 1 من الإحصار والصدّ، الحديث 3. وتدلّ على بعض المقصود قصّته الاُخرى. راجع المصدر نفسه، الباب 6، الحديث 2.

(3) راجع صحيح معاوية الوسائل، الباب 2 من تلك الأبواب، الحديث 1 على نسخة الكافي، أمّا نسخة الشيخ فلو لم تؤوّل عارضت الآية المباركة. وبإمكانك مراجعة نسخة الكافي في الكافي 4، باب المحصور والمصدود وما عليهما من الكفّارة: 369، الحديث 3، بحسب طبعة الآخونديّ.

(4) لصحيح معاوية بن عمّار «في المحصور ولم يسق معه الهدي، قال: ينسك ويرجع» الوسائل، الباب 7 من الإحصار والصدّ، الحديث 1 و2.

152

منى، فيتحلّل(1)، ولو انكشف بعد ذلك أنّهم لم يجدوا هدياً وقد أحلّ لم يكن عليه شيء، ولكنّه لو لم يوفّق هو للحجّ في العام القابل بعث بالهدي في العام القابل، وأمسك عمّا يحرم على المحرم من حين البعث إلى أن يبلغ الهدي محلّه(2).

165 ـ ولو اُحصر في حجّ القران بعث بهديه، ولايتحلّل إلّا بعد أن يبلغ الهدي محلّه، وهو منى(3).

166 ـ لو منعه عن دخول مكّة مانع آخر غير الصدّ والحصر كعطل في سيّارته أو سرقة أمواله ونفقته أو نحو ذلك، فقد انكشف بطلان إحرامه، ورجع محلاًّ.

167 ـ إذا اُحصر وبعث بهديه، ثُمّ خفّ المرض بشكل خرج



(1) عمـلاً بالآية المباركة وصحيح معاوية بن عمّار. الوسائل، الباب 2 من الإحصار والصدّ، الحديث 1.

(2) لصحيح معاوية بن عمّار. الوسائل، الباب 3 من الإحصار والصدّ، الحديث 1.

(3) عملاً بالآية الكريمة وبصحيحي محمّد بن مسلم ورفاعة. الوسائل، الباب 4 من الإحصار والصدّ، الحديث 1.

وأمّا صحيح البزنطيّ (الوسائل، الباب 8 من الإحصار والصدّ، الحديث 1، والباب 1 منها، الحديث 4) الدالّ بظاهره على أنّ المحصور مطلقاً يكون نفس حصره كافياً في تحلّله الكامل، فإمّا أن يؤوّل، وإمّا أن يطرح؛ لمخالفته التباينيّة للآية الكريمة.