198

هو الملكية بالعقد وقد زالت والفرد الآخر وهو الملكية بالتدليس مشكوك الحصول، وأسباب الملكية لعلّها تعتبر عرفاً مفرِّدة للملكية، فالملكية بالإرث مثلاً فرد من الملكية، والملكية بالشراء فرد آخر من الملكية.

وأمّا ضمان نصف المهر فبالإمكان إثباته بصحيحة أبي حمزة الماضية ذكرها في أوّل فرع الإمهال سنة.

الخصاء

العيب الثالث: الخصاء. ورد في صحيحة أو موثّقة بكير، عن أحدهما(علیهما السلام)، «في خصيّ دلّس نفسه لامرأة مسلمة فتزوّجها فقال: يفرّق بينهما إن شاءت المرأة، ويوجع رأسه، وإن رضيت به وأقامت معه لم يكن لها بعد رضاها به أن تأباه»(1).

وموثّقة سماعة عن أبي عبدالله(علیه السلام)، «أنّ خصيّاً دلّس نفسه لامرأة قال: يفرّق بينهما وتأخذ منه صداقها ويوجع ظهره كما دلّس نفسه»(2).

وصحيحة ابن مسكان قال: «بعثت بمسألة مع ابن أعين قلت: سله عن خصيّ دلّس نفسه لامرأة ودخل بها فوجدته خصيّاً، قال: يفرّق بينهما ويوجع ظهره ويكون لها المهر لدخوله عليها»(3).

وصحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه قال: «سألته عن خصيّ دلّس نفسه لامرأة (وفي بعض النسخ: خنثى بدل قوله: خصيّ) ما عليه؟ قال: يوجع ظهره ويفرّق بينهما وعليه المهر كاملاً إن دخل بها، وإن لم يدخل بها فعليه نصف المهر»(4).

 


(1) وسائل الشيعة، ج21، ص226، الباب14 من أبواب العيوب والتدلیس، ح1.

(2) المصدر السابق، ص227، ح2.

(3) المصدر السابق، ح3.

(4) المصدر السابق، ص228، ح5.

199

وصحيحة يونس: إنّ ابن مسكان كتب إلى أبي عبدالله(علیه السلام)مع إبراهيم بن ميمون يسأله عن خصيّ دلّس نفسه على امرأة، قال: «يفرّق بينهما ويوجع ظهره»(1).

إلّا أنّ الإشكال في الاستدلال بهذه الروايات هو أنّها جميعاً مقيّدة في موردها بالتدليس، فلا إطلاق لها لفرض الخصاء بدون تدليس، كما لو فرض أنّه كان يعتقد اطّلاع المرأة على حاله فلم تكن في نظره حاجة إلى إخبارها بذلك فلم يصدق التدليس، فإذاً ثبوت خيار العيب في ذلك وبقطع النظر عن التدليس مشكل.

بل في الجواهر(2) نقلاً عن الشيخ في المبسوط(3) والخلاف(4): «أنّه ليس بعيب، لأنّه يولج، بل ربّما كان أبلغ من الفحل؛ لعدم فتوره إلّا أنّه لا ينزل، وهو ليس بعيب، إنّما العيب عدم الوطئ».

وفي كشف اللثام: «ولعلّه تحمل الأخبار على من لا يتمكّن من الايلاج، وليس ببعيد»(5).

أقول: أمّا الحمل على عدم التمكّن من الايلاج فواضح البطلان؛ إذ _ مضافاً إلى عدم ملازمة _ ولو غالبية _ بين الخصاء وعدم التمكّن من الإيلاج فإطلاق الروايات محكّم _ نرى في الروايات ما هي صريحة في الإيلاج من قبيل: صحيحة ابن مسكان، وصحيحة علي بن جعفر بناءً على نسخة خصيّ دون نسخة خنثى، وكذلك تحمل موثّقة سماعة على فرض الإيلاج بقرينة فرض تمام الصداق عليه.

وأمّا إنكار كون ذلك عيباً للتمكّن من الإيلاج فالظاهر أنّه ليس عرفياً، وكلّ نقص

 


(1) المصدر السابق، ص229، ح7.

(2) جواهر الكلام، ج30، ص323

(3) المبسوط، ج4، ص250.

(4) الخلاف، ج4، ص 348.

(5) كشف اللثام، ج7، ص363.

200

في الخلقة يعتبر عيباً بشهادة العرف بذلك المؤيّدة بمرسلة السيّاري، قال: روي عن ابن أبي ليلى «أنّه قدّم إليه رجل خصماً له فقال: إنّ هذا باعني هذه الجارية، فلم أجد على ركبها حين كشفتها شعراً، وزعمت أنّه لم يكن لها قطّ. قال: فقال له ابن أبي ليلى: إنّ الناس يحتالون لهذا بالحيل حتّى يذهبوا به، فما الذي كرهت؟! قال: أيّها القاضي إن كان عيباً فاقض لي به، قال: اصبر حتّى أخرج إليك، فإنّي أجد أذى في بطني، ثم دخل وخرج من باب آخر، فأتى محمد بن مسلم الثقفي فقال له: أيّ شيء تروون عن أبي جعفر(علیه السلام)في المرأة لا يكون على ركبها شعر، أيكون ذلك عيباً؟ قال محمد بن مسلم: أمّا هذا نصّاً فلا أعرفه، ولكن حدّثني أبو جعفر(علیه السلام)عن أبيه، عن آبائه(علیهم السلام)، عن النبيّ(صلى الله عليه و آله) أنّه قال: كلّ ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب، فقال له ابن أبي ليلى: حسبك، ثم رجع إلى القوم فقضى لهم بالعيب»(1).

بل عيب الخصاء أولى أن يعدّ عيباً من عيب عدم الشعر في الأمة، بلحاظ ما يؤدّي إليه من عدم النسل من ناحية ومن فقدان التذاذ المرأة من قذف الرجل الماء من ناحية أُخرى.

ومن هنا يبدو أنّ العقم أيضاً عيب وإن كان لا يؤدّي عرفاً إلى خيار العيب؛ لأنّ الطرفين غير متبانيين عادة على أصالة السلامة في مثل هذا العيب الذي لا ينكشف إلّا بالتجربة أو بالفحص الطبّي، ولو أرادا الاهتمام بذلك عرّضا أنفسهما للفحص الطبّي. نعم لو عرّض أحدهما نفسه للفحص الطبّي وتبيّن عقيماً، ثم كذب على الآخر بنفي العقم، دخل في خيار التدليس.

وعلى أيّ حال فرغم أنّنا نعترف في المقام بكون الخصاء عيباً، نستشكل في إطلاق روايات الباب للخصاء الذي لم يقترن بالتدليس؛ لأنّها جميعاً ناظرة إلى مورد التدليس.

 


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص97، الباب الأول من أبواب أحكام العيوب، ح1.

201

نعم، لا بأس بالإفتاء بخيار الفسخ للمرأة بناءً على القاعدة التي نقّحناها في مستهلّ البحث من أصالة ثبوت حقّ الفسخ بمقتضى القاعدة على أساس لا ضرر. حيث لم يصفُ لنا حديث مقيّد لهذه القاعدة بالدلالة على حصر الفسخ في عيوب الرجل ببعض العيوب.

وهذا الكلام جار في جميع العيوب، إلّا عيباً لا يعتبر الصبر عليه ضرراً عرفاً كما في مثال عدم الشعر. فلو كان الزوج هو الذي لا شعر له في الموضع المخصوص _ على خلاف مورد رواية السيّاري الماضية في الأمة المشتراة _ ولم يعتبر ذلك عرفاً ضرراً على الزوجة لم يوجب ذلك الخيار.

نعم، في مورد شراء الأمة قد يثبت بعدم الشعر في الأمة الخيار، بسبب أنّ خيار العيب في باب البيع منصوص، فإن صحّ ذلك لا يمكن قياس باب النكاح بباب البيع.

ثم إنّ امتلاك نصف المهر من قبل الزوجة لو تمّ الفسخ قبل الدخول يكون على خلاف القاعدة، إلّا أنّه دلّت على ذلك رواية علي بن جعفر الماضية.

ولكنّ عيب هذه الرواية أنّها في نقل قرب الأسناد ضعيفة بعبدالله بن الحسن الذي لم يثبت توثيقه، وفي نقل كتاب علي بن جعفر تامّة سنداً ولكن النسخ مختلفة، ففي بعضها ورد «خصيّ»، وفي بعضها ورد «خنثى»، إلّا أن يدّعي أحد التعدّي العرفي إلى الخصيّ أو إلى كلّ عيب يوجب الفسخ من طرف المرأة.

ثم إنّ الموجوء وفاقد الانثيين خلقةً قد يلحقان بالخصيّ، بل قد يدّعى صدق الخصاء على هاتين الحالتين أيضاً، فإن لم تقبل هذه الدعوى فقد يدّعى تعدّي العرف من روايات الخصاء.

والمهمّ أنّ دليلنا على ثبوت الفسخ في الخصاء مطلقاً لم يكن الروايات؛ لاختصاصها بفرض التدليس، وإنّما الدليل المطلق كان هو لا ضرر، ولا يفرّق في لا ضرر بين الخصاء والوجاء وفقد الانثيين خلقة.

202

ثم إنّ الروايات وإن اختصّت بالخصاء الثابت قبل العقد، لكن قاعدة لا ضرر تشمل الخصاء المقارن بالعقد. أمّا الخصاء المتأخّر عن العقد فهو كالعيب المتأخّر في البيع عن العقد لا تشمله قاعدة لا ضرر، ولا يعتبر عرفاً ضرراً مستنداً إلى العقد.

الجبّ

العيب الرابع: الجبّ. وقد يستدلّ على الفسخ فيه:

تارة: بالفحوى العرفية لروايات العنن ببيان أنّ الفسخ في الجبّ أولى عرفاً؛ لأنّ العنن محتمل العلاج في المستقبل بخلاف الجبّ.

وأُخرى: بالفحوى العرفية لروايات الخصاء ببيان أنّ الفسخ في الجبّ أولى عرفاً؛ لأنّ الخصاء لا يمنع عن أصل الإيلاج في حين أنّه لا إيلاج مع الجبّ.

وثالثة: بدعوى الإطلاق في بعض روايات العنن من قبيل: صحيحة أبي بصير المرادي: قال: «سألت أبا عبدالله(علیه السلام)عن امرأة ابتلي زوجها فلا يقدر على جماع أتفارقه؟ قال: نعم إن شاءت»(1). ورواية أبي الصباح الكناني الضعيفة بمحمد بن الفضيل قال: «سألت أبا عبدالله(علیه السلام)عن امرأة ابتلي زوجها فلا يقدر على الجماع أبداً أتفارقه؟ قال: نعم إن شاءت»(2). هذا لو لم نقل: إنّ عنوان «ابتلي زوجها» ينصرف إلى العنن والعجز عن الجماع دون فقد العضو نهائياً. أمّا لو قلنا بهذا الانصراف فحال هاتين الروايتين حال بقيّة روايات العنن في إمكان التمسّك بفحواها للمقام.

ورابعة: بقاعدة لا ضرر.

وعلى أيّة حال فأصل الإفتاء بحقّ الفسخ في الجبّ شبه مسلّم بين الأصحاب.

ولكن وقع الكلام في بعض الفروع:


(1) وسائل الشيعة، ج21، ص229، الباب 14 من أبواب العيوب والتدليس، ح1.

(2) المصدر السابق، ص231، ح6.

203

الأوّل: لو حدث الجبّ بعد العقد وقبل الوطئ، أو بعده فهل يوجبُ ذلك الخيار أو لا؟

قد يقال: نعم يوجب الخيار وحتّى لو كان بعد الوطئ؛ وذلك تمسّكاً بإطلاق صحيحة المرادي ورواية الكناني، فإنّ التقييد بما قبل الوطئ بناءً على استظهار ذلك من بعض روايات العنن الماضية إنّما ورد في العنن، فيبقى الإطلاق في نوع آخر من عدم القدرة على الجماع وهو الجبّ على حاله.

إلّا أنّ هذا الوجه يتوقّف على تسليم الإطلاق في تلك الروايتين، أمّا لو قلنا أنّ دلالتهما إنّما هي بالفحوى بعد فرض انصراف منطوقهما إلى العنن فحالهما حال باقي روايات العنن، فبعد فرض خروج ما بعد الوطئ من المنطوق ولو بمقيَّد منفصل يسقط إطلاق مفهوم الموافقة عن الحجّية.

وبالإمكان إثبات جواز الفسخ في الجبّ حتّى بعد الوطئ ببيان آخر، وهو أن يكون المدرك للفسخ في الجبّ فحوى روايات العنن مع فرض اختيار احتمال طرحناه في ذلك البحث من ثبوت حقّ الفسخ في العنن حتّى لو كان بعد الوطئ، إلّا أنّ كلّ مرّة من الوطئ يعطي للزوج حقّ المهلة سنة بأمل العلاج، وبما أنّ أمل العلاج في فرض الجبّ غير موجود عادة، فهذا الاستثناء لا يبقى له موضوع، فيثبت حقّ الفسخ بمجرّد قطع العضو، إلّا أنّني لم أجد ولا فتوى واحدة صريحة بهذا الاحتمال.

فإن لم نقبل هذا الإحتمال ولا إطلاق الروايتين الماضيتين، وكان دليلنا على الخيار في الجبّ فحوى روايات العنن، فالنتيجة هي ثبوت الفسخ في ما إذا كان الجبّ قبل العقد أو بعده قبل الوطئ.

وإن لم نقبل أصل الفحوى فالدليل على الفسخ في الجبّ ينحصر بقاعدة لا ضرر، فيختصّ الفسخ بالجبّ الثابت قبل العقد أو المقارن للعقد؛ أمّا ما تحقّق بعد العقد فلا؛ لما أشرنا إليه سابقاً من أنّ لا ضرر لا يثبت خياراً في العيب المتجدّد بعد العقد.

204

الثاني: لو آمنّا بثبوت الخيار في الجبّ المتجدّد بعد العقد بأحد الوجوه السابقة، إلّا أنّ الجبّ لو تجدّد بعد العقد بقطع الزوجة نفسها عضو الرجل، فهل يتمّ لها الخيار أو لا؟

إن كان منشأ الخيار قاعدة لا ضرر _ لو آمنّا بإمكان الاستدلال بها في عيب ما بعد العقد _ فانتفاء الخيار هنا واضح، لأنّ الضرر من قبلها. وإن كان منشأ الخيار فحوى روايات العنن أو الخصاء بدعوى الأولويّة العرفية، فمن الواضح هنا أيضاً أنّه لا أولويّة عرفية ولا مساواة في فرض حدوث العيب بفعل نفس الزوجة، وأمّا إن كان منشأ الخيار إطلاق صحيحة المرادي ورواية الكناني فقد يتوهّم أحد أنّ الإطلاق محكّم في المقام، إلّا أنّ الإنصاف أنّ الإطلاق في الروايتين للجبّ لو تمّ في نفسه ينصرف بمناسبات الحكم والموضوع عمّا حصل بفعل نفس الزوجة.

الثالث: لو قطع منه العضو ولكن بقي منه ما يمكن الجماع معه، فإن كان الدليل على الفسخ فحوى روايات العنن والخصاء أو إطلاق صحيحة المرادي ورواية الكناني فمن الواضح أنّ هذه الأدلّة لا تسري إلى المقام. أمّا لو كان الدليل على الفسخ لا ضرر، وسلّمنا صدق الضرر عرفاً ولو بلحاظ أنّ هذا القطع الناقص يحقّق عيباً موجباً للنفرة، ثبت حقّ الفسخ في المقام.

الجذام والبرص و...

وقد يلحق البعض بالعيوب الماضية الجذام والبرص.

ويمكن إثبات ذلك: إمّا بدعوى إطلاق حديث الحلبي لعيوب الرجل خصوصاً وفق أحد نقلي الشيخ الطوسي(قدس سره): «إنّما يردّ النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل»(1)، وقد مضى مفصّلاً النقاش في إطلاقه؛ وإمّا بدعوى التعدّي من عيوب المرأة إلى عيوب الرجل، وقد مضى بحث ذلك؛ وإمّا بقاعدة لا ضرر، وقد مضى أيضاً الحديث عن ذلك.

 


(1) وسائل الشيعة، ج21، ص210، الباب الأول من أبواب العيوب والتدليس، ح10.

205

والوجه الثاني _ وهو التعدّي من عيوب النساء إلى عيوب الرجال _ إن تمّ يأتي في العمى والعرج أيضاً.

والوجه الثالث _ وهو لا ضرر _ إن تمّ يأتي في كلّ عيب حتّى العيوب المستجدّة اليوم كالايدز مثلاً.

هذا تمام الكلام في عيوب الرجال.

عيوب النساء المجوّزة للفسخ

وأمّا الكلام في عيوب النساء فقد ذكروا في ذلك عيوباً سبعة: الجنون، والجذام، والبرص، والقرن، والإفضاء، والعمى، والعرج، وكلّ هذه واردة في النصوص من قبيل:

1_ صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله(علیه السلام): «إنّما يردّ النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل...»(1).

2_ ومعتبرة عبدالرحمن بن أبي عبدالله رواه الشيخ بسنده، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم، عن أبان، عن عبدالرحمن بن أبي عبدالله، عن أبي عبدالله(علیه السلام)في حديث قال: «وتردّ المرأة من العفل والبرص والجذام والجنون، فأمّا ما سوى ذلك فلا»(2). والقاسم في هذا السند هو الجوهري بقرينة رواية حسين بن سعيد عنه، وهو ثقة بدليل رواية بعض الثلاثة عنه.

3_ وصحيحة داود بن سرحان، عن أبي عبدالله(علیه السلام)«في الرجل يتزوّج المرأة فيؤتى بها عمياء، أو برصاء، أو عرجاء؟ قال: تردّ على وليّها ويكون لها المهر على وليّها»(3).

4_ وصحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام)في حديث أنّه قال «في رجل تزوّج

 


(1) المصدر السابق، ص213، الباب2 من أبواب العيوب والتدليس، ح5.

(2) المصدر السابق، ص210، الباب الأول من أبواب العيوب والتدليس، ح13.

(3) المصدر السابق، ص213، الباب2 من أبواب العيوب والتدليس، ح 6.

206

امرأة برصاء أو عمياء أو عرجاء، قال: تردّ على وليّها ويردّ على زوجها مهرها الذي زوّجها عليه، وإن كان بها ما لا يراه الرجال جازت شهادة النساء عليها»(1).

5_ ورواية محمد بن مسلم، قال: قال أبو جعفر(علیه السلام): «تردّ العمياء والبرصاء والجذماء والعرجاء»(2).

وقد رواه الصدوق(رحمه الله) بسنده، عن عبدالحميد، عن محمد بن مسلم. وعبدالحميد الذي يروي عنه الصدوق في الفقيه شخصان: الأزدي، وابن عوّاض. فإن كان مقصوده هنا ابن عوّاض فسند الصدوق إلى ابن عوّاض تام، وبهذا يتمّ سند الحديث. وإن كان مقصوده هو الأزدي فسنده إليه غير تام.

ولكن للحديث سند آخر موثق مع حذف الجذماء وهو سند الشيخ، عن الحسين ابن سعيد، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سماعة، عن عبدالحميد، عن محمد ابن مسلم، عن أبي جعفر(علیه السلام)قال: «تردّ البرصاء والعمياء والعرجاء»(3).

6_ وموثّقة غياث، عن جعفر، عن أبيه، عن علي(علیه السلام)«في رجل تزوّج امرأة فوجدها برصاء أو جذماء قال: إن كان لم يدخل بها ولم يتبيّن له فإن شاء طلّق وإن شاء أمسك، ولا صداق لها، وإذا دخل بها فهي امرأته»(4).

7_ وصحيحة أبي عبيدة، عن أبي جعفر(علیه السلام)«قال في رجل تزوّج امرأة من ولّيها فوجد بها عيباً بعد ما دخل بها، قال: فقال: إذا دلّست العفلاء والبرصاء والمجنونة والمفضاة ومن كان بها زمانة ظاهرة فإنّها تردّ على أهلها من غير طلاق، ويأخذ الزوج المهر من وليّها الذي كان دلّسها...»(5).

 


(1) وسائل الشيعة، ج21، ص216، الباب4 من أبواب العيوب والتدليس، ح2.

(2) المصدر السابق، ص209، الباب الأول من أبواب العيوب والتدليس، ح7.

(3) المصدر السابق، ص210، ح12.

(4) المصدر السابق، ص211، ح 14.

(5) المصدر السابق، ص211، الباب2 من أبواب العيوب والتدلیس، ح1.

207

إلّا أنّه بقي الكلام في أمور:

الأوّل: أنّنا لم نجد في الإفضاء نصّاً إلّا صحيحة أبي عبيدة الماضية، وهي خاصّة بفرض التدليس.

والثاني: أنّ القرن حتّى لو لم يكن مانعاً عن الجماع يوجب حقّ الفسخ بدليل صحيحة أبي الصباح، قال: «سألت أبا عبدالله(علیه السلام)عن رجل تزوّج امرأة فوجد بها قرناً إلى أن قال: قلت: فإن كان دخل بها؟ قال: إن كان علم بذلك قبل أن ينكحها _ يعني المجامعة _ ثم جامعها فقد رضي بها، وإن لم يعلم إلّا بعد ما جامعها فإن شاء بعد أمسك، وإن شاء طلّق»(1). وقد فُسِّر الطلاق هنا بالمعنى اللغوي؛ لوضوح أنّ حقّ الطلاق بالمعنى المصطلح ثابت للزوج دائماً. ونحوها في المضمون رواية الحسن بن صالح غير التامّة سنداً (2). وقد ورد فيها التعبير بالتسريح لا الطلاق.

ويمكن الاستشهاد أيضاً بإطلاق صحيحة عبدالرحمن بن أبي عبدالله، عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «المرأة تردّ من أربعة أشياء: من البرص، والجذام، والجنون، والقرن وهو العفل، ما لم يقع عليها فإذا وقع عليها فلا»(3). فمقتضى إطلاق الاستثناء رجوعه إلى الأخير أيضاً وهو العفل أو القرن، والاستثناء محمول على فرض ما إذا انكشف له الحال قبل الوقوع عليها، كما هو واضح.

والثالث: ذكر البعض بدلاً عن العرج الإقعاد، وكأنّه حمل العرج على الإقعاد جمعاً بينه وبين التعبير بـ (الزمانة الظاهرة) الوارد في صحيحة أبي عبيدة الآنفة الذكر، وكذلك التعبير بـ (الزمانة) في ذيل صحيحة داود بن سرحان الماضية، ففي صدرها الماضي قد ورد التعبير بالعرجاء، ولكن في ذيلها ورد التعبير بالزمانة حيث

 


(1) المصدر السابق، ص214، الباب3 من أبواب العيوب والتدليس، ح1.

(2) المصدر السابق، ص215،ح3.

(3) المصدر السابق، ص207، الباب الأول من أبواب العيوب والتدليس، ح1.

208

قال(علیه السلام): «وإن كان بها يعني المرأة زمانة لا تراها الرجال أُجيزت شهادة النساء عليها»(1). بناءً على تفسير الزمانة أو الزمانة الظاهرة بالإقعاد، وحمل العرج على ذلك من باب حمل المطلق على المقيّد، وكلاهما فيه إشكال.

أمّا الأوّل فلأنّ الزمانة لم تفسّر في اللغة بمعنى الإقعاد، بل فسّرت بمعنى المرض المزمن أو العاهة أو نقص العضو. وأمّا الثاني فلأنّه حتّى لو فرض أنّ الزمانة بمعنى الإقعاد وأنّ النسبة بينه وبين العرج عموم وخصوص مطلق، فهذا ليس بابه باب حمل المطلق على المقيّد؛ لعدم التنافي بينهما.

والرابع: يلحق الرتق وهو الالتحام بالقرن بالأولويّة، أو بالتعليل الوارد في صحيحة أبي الصباح(2): ورواية الحسن بن صالح(3) قال: كلّ منهما مستقلّاً: «سألت أبا عبدالله(علیه السلام)عن رجل تزوّج امرأة فوجد بها قرناً، قال: هذه لا تحبل وينقبض زوجها من مجامعتها تردّ على أهلها». إلّا أنّ الثانية غير تامّة سنداً. أو برواية علي بن جعفر عن أخيه(علیه السلام)قال: «سألته عن امرأة دلّست نفسها لرجل وهي رتقاء؟ قال: يفرّق بينهما ولا مهر لها»(4) إلّا أنّ هذه الرواية مخصوصة بفرض التدليس، ومع ذلك فهي ضعيفة سنداً بعبدالله بن الحسن.

والخامس: وردت روايات في زنا أحد الطرفين، وقسم منها ناظر إلى ما بعد العقد وقبل الدخول، وفي بعضها الحكم بالتفريق بينهما، الظاهر في بطلان العقد، وفي بعضها عدم التفريق، والثاني وارد في طرف زنا الزوج فحسب، والأوّل وارد تارة في طرف الزوج وأُخرى فى طرف الزوجة(5).وكلّ هذا خارج عمّا نحن فيه وهو بحث خيار

 


(1) وسائل الشيعة، ج21، ص216، الباب4 من أبواب العيوب والتدليس، ح1.

(2) المصدر السابق، ص208، الباب الأول من أبواب العيوب والتدليس، ح4.

(3) المصدر السابق، ح3.

(4) المصدر السابق، ص214، الباب2 من أبواب العيوب والتدليس، ح8.

(5) راجع المصدر السابق، الباب 6 و17 من أبواب العيوب والتدليس.

209

الفسخ. ولكن وردت ثلاث روايات معتبرة في زنا المرأة قبل العقد تدل على حقّ الفسخ للزوج إن لم يكن يعلم بذلك، أُولاها تتضمّن سكوت وليّها تدليساً، والأُخريان خاليتان عن اعتبار التدليس صريحاً، ولكن ما فيهما من ذكر أخذ الصداق ممّن زوّجها لا يخلو من إشارة إلى ذلك:

الأُولى: صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «سألته عن المرأة تلد من الزنى ولا يعلم بذلك أحد إلّا وليّها، أيصلح له أن يزوّجها ويسكت على ذلك إذا كان قد رأى منها توبة أو معروفاً؟ فقال: إن لم يذكر ذلك لزوجها ثم علم بعد ذلك فشاء أن يأخذ صداقها من وليّها بما دلّس عليه كان ذلك على وليّها، وكان الصداق الذي أخذت لها لا سبيل عليها فيه بما استحلّ من فرجها، وإن شاء زوجها أن يمسكها فلا بأس»(1).

والثانية: معتبرة عبدالرحمن بن أبي عبدالله قال: «سألت أبا عبدالله(علیه السلام)عن رجل تزوّج امرأة فعلم بعد ما تزوّجها أنّها كانت قد زنت؟ قال: إن شاء زوجها أخذ الصداق ممّن زوّجها، ولها الصداق بما استحلّ من فرجها، وإن شاء تركها»(2).

والثالثة: صحيحة معاوية بن وهب قال: «سألت أبا عبدالله(علیه السلام)عن رجل تزوّج امرأة فعلم بعد ما تزوّجها أنّها كانت زنت قال: إن شاء زوجها أن يأخذ الصداق من الذي زوّجها، ولها الصداق بما استحلّ من فرجها وإن شاء تركها»(3).

والمشهور لم يفتوا بالخيار لأجل الزنا، واحتمال كون هذه الروايات ناظرة إلى التدليس لا إلى كون مجرّد الزنا موجباً للخيار قويّ.(4)

 


(1) وسائل الشيعة، ج21، ص217، الباب6 من أبواب العيوب والتدليس، ح1.

(2) المصدر السابق، ص219، ح4.

(3) الكافي، ج 5، ص355، باب الزاني والزانية من كتاب النكاح، ح4.

(4) انتهی المؤلف من كتابة البحث يوم الخامس والعشرين من شهر رجب 1418 هـ.

211

خيار الفسخ في ما لو كان القرن قابلاً للعلاج واستعدّت المرأة له

213

بسم الله الرحمن الرحيم

لا إشكال في أنّ القرن يوجب الخيار للزوج، ولكن الكلام يقع:

أوّلاً: في أنّ القرن لو كان قابلاً للعلاج واستعدّت المرأة للعلاج فهل يكون للزوج أيضاً الخيار؛ لأنّ موضوع الخيار كان هو القرن، وكان الموضوع فعليّاً فيتبعه الحكم، أو لا يكون له الخيار؛ لأنّ الخيار كان علاجاً للمشكل، ولا مشكل في المقام مع استعداد المرأة للعلاج؟

وثانياً: لو أصررنا في الفرع السابق على ثبوت الخيار لفعليّة الموضوع _ وهو القرن _ ولم يفسخ الزوج؛ لجهل بالموضوع أو لعدم الإيمان بفوريّة الخيار؛ لأنّ صحيحة عبدالرحمن جعلت أمد الخيار عنوان «ما لم يقع عليها»(1) وهو قد أجلّ الوقوع عليها بانتظار العلاج، فاستمرّ الخيار إلى أن تمّ العلاج، فهل يبقى الخيار بعد تماميّة العلاج لتماميّة الموضوع حين حدوثه ولم يرد دليل على أنّ العلاج أحد مسقطات الخيار، أو ينتهي الخيار بانتهاء موضوعه وهو القرن؟

أمّا المسألة الأُولى: فغاية ما يمكن أن يذكر لثبوت الخيار هو دعوى: أنّ موضوع الخيار هو القرن، والموضوع ثابت، فيثبت الحكم.

 


(1) وسائل الشيعة، ج21، ص207، الباب الأول من أبواب العيوب والتدليس، ح1.

214

إلّا أنّ الظاهر إمكانيّة التفصيل بين ما إذا كان الصبر إلى تماميّة العلاج يوجب ضرراً عرفيّاً على الزوج لطول الزمان مثلاً، أو لا يوجب ذلك لقصر الزمان، ففي الأوّل يمكن القول بثبوت الخيار لفعليّة الموضوع، أمّا في الثاني فثبوت الخيار مشكل سواء كان مدرك الخيار قاعدة نفي الضرر أو كان المدرك روايات الخيار الواردة في الوسائل(1)، فإن كان المدرك قاعدة نفي الضرر فقد فرضنا في المقام عدم الضرر عرفاً، وإن كان المدرك تلك الروايات فهي أيضاً منصرفة _ بمناسبات الحكم والموضوع _ إلى كون الخيار لعلّة نفي الضرر المتوجّه إلى الزوج وتخلّف داعيه من الزواج، خصوصاً مع التعليل الوارد في بعضها(2)بأنّ هذه لا تحبل وينقبض زوجها من مجامعتها، فإن لم تكن هذه الأُمور ثابتة لسرعة زمان العلاج لم يثبت الحكم.

وأمّا المسألة الثانية:_ وهي أنّه بعد زوال الموضوع بالعلاج يبقى الخيار ثابتاً للزوج أو ينتهي بانتهاء موضوعه؟ _ الظاهر هو زوال الخيار بانتهاء موضوعه؛ لأنّ ما حكم بجواز ردّ نكاحه هي القرناء، وهذه ليست قرناء، فلا يمكن التمسّك بإطلاق دليل الردّ؛ لانتفاء قيد الموضوع وهو عيب القرن، ولا يمكن التمسّك باستصحاب بقاء الخيار؛ لأنّ هذا القيد يعتبر عرفاً ركناً في الموضوع، فالمردود إنّما هي القرناء بما هي قرناء، فمع زوال القرن قد تبدّل الموضوع، فلا مجال للاستصحاب.

وقد ذكر الشيخ الأعظم(رحمه الله) في المكاسب(3) في بحث خيار العيب أنّه لو زال العيب قبل الردّ فهل يسقط الخيار، أو لا؟

واستظهر(رحمه الله) التفصيل بين الردّ وأخذ الأرش ببيان: أنّ الردّ موضوعه المعيب، في حين أنّ العين بعد زوال عيبها ليست معيبة، أمّا الأرش فلم يسقط؛ لأنّ زوال العين

 


(1) وسائل الشيعة، ج21، ص207، الباب الأول من أبواب العيوب والتدليس.

(2) المصدر السابق، ص208، الباب الأول من أبواب العيوب والتدليس، ح3.

(3) المكاسب المحرمة، ج5، ص324 _ 325.

215

كمال حصل في ملك المشتري كأيّ كمال آخر قد يحصل في العين بعد شرائها، أمّا المعاوضة فقد تمّت بين الثمن والمبيع حين البيع، وكان جزء من الثمن في قوّة أن يكون في مقابل الصحّة ولكن البائع لم يسلّمه وصف الصحّة، فعليه أن يرجع للمشتري مقدار ما قابل وصف الصحّة، فإنّ الصحّة الطارئة كمال وهبه الله تعالى للمشتري في ملكه لا علاقة له بالبائع وقد سلّم البائع العين ناقصة في وقت البيع، فعليه الأرش.

217

حقّ الطلاق أو الفسخ في غير العيوب المعروفة

219

بسم الله الرحمن الرحيم*

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

الزوجة قد تشكو عيباً في زوجها من غير العيوب المنصوصة مؤثّراً في الحياة الزوجيّة، ثابتاً قبل العقد، ولم تكن تعلم به، كما لو كان الزوج مبتلى بالإيدز، ولم تعلم بذلك إلّا بعد العقد.

وقد تشكو عيباً من هذا القبيل طارئاً بعد العقد، وقد تشكو ظلمه وهضمه لحقوقها كترك النفقة، أو ترك الوطء أكثر من أربعة أشهر، أو الضرب بلا حقّ، أو ما إلى ذلك.

وقد تشكو حرجاً عليها في عيشها معه برغم عدم ظلمه إيّاها لمثل حالة نفسيّة من دون قصور أو تقصير منه.

والفسخ أو الطلاق لصالح الزوجة يكون إمّا بالتمسّك بقاعدة نفي العسر والحرج، أو بقاعدة نفي الضرر، وإمّا بآيات تخيير الزوج بين الإمساك بالمعروف والتسريح بالإحسان، وإمّا بروايات الطلاق في موارد الظهار، أو الإيلاء، أو ترك الوطء، أو ترك النفقة.

 

*. كتب بتاريخ 20 ذي القعدة، سنة 1419هـ.

220

أما الآيات فهي ما يلي:

۱_ ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا ݣݣأَلݧݧݧݧّا يُقِيمَا حُدُودَ اللّٰهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلݧݧݧݧّا يُقِيمَا حُدُودَ اللّٰهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّٰهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّٰهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللّٰهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّٰهِ يُبَيّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرَّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللّٰهِ هُزُوَاً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّٰهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللّٰهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ بِكُلَّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾(1).

2_ ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾(2).

وشبهة اختصاص هذا الحكم بما بعد الطلاق الثاني لو تمّت في الآية الأُولى لا تأتي في الآية الثانية والثالثة، على أنّ معتبرة عمر بن حنظلة(3)عن الصادق(علیه السلام)طبّقت الآية على ما قبل الطلاق.

وأعتقد أنّه لولا الآيتان الأخيرتان والرواية التي أشرنا إليها، كان باب التعدّي العرفيّ من مورد الآية الأُولى أيضاً مفتوحاً.

وأمّا الروايات الواردة في الموارد الخاصّة، فهي على طوائف:

الأُولى: ما ورد في النفقة، من قبيل صحيحة ربعي، عن أبي عبدالله(علیه السلام)في قوله

 


(1) البقرة: ۲۲۹ _ ۲۳۱.

(2) الطلاق: ۲.

(3) وسائل الشيعة، ج۱۹، ص165، الباب4 من أبواب الوكالة، الحديث الوحيد في الباب.

221

تعالى: «﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتݧݧݧَاهُ اللّٰهُ﴾(1)قال(علیه السلام): إن أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة، وإلّا فُرّق بينهما»(2).

والثانية: روايات الإيلاء، وقبل الروايات نشير إلى آية الإيلاء، وهي قوله تعالى:﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوُا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللّٰهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(3)، فلعلّ الآية واضحة في وجوب أحد الأمرين بعد أربعة أشهر: إمّا الفيء، وإمّا الطلاق.

وأمّا الروايات فكثيرة من قبيل صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام): «أيّما رجل آلى من امرأته _ والإيلاء أن يقول: والله لا أُجامعك كذا وكذا، والله لأغيظنّك، ثم يغاضبها _ فإنّه يُتربّص به أربعة أشهر، ثم يؤخذ بعد الأربعة أشهر فيوقف، فإذا فاء _ وهو أن يصالح أهله _ فإنّ الله غفور رحيم، وإن لم يفئ أُجبر على الطلاق، ولا يقع بينهما طلاق حتّى يوقف وإن كان أيضاً بعد الأربعة أشهر، ثم يجبر على أن يفيء أو يطلّق»(4).

وموثّقة سماعة قال: «سألته عن رجل آلى من امرأته، فقال: الإيلاء أن يقول الرجل: والله لا أُجامعك كذا وكذا، فإنّه يُتربّص أربعة أشهر، فإن فاء _ والايفاء أن يصالح أهله _ فإنّ الله غفور رحيم، وإن لم يفئ بعد أربعة أشهر حتّى يصالح أهله أو يطلّق، جُبر على ذلك، ولا يقع الطلاق في ما بينهما حتّى يوقف وإن كان بعد الأربعة أشهر، فإن أبى فَرّق بينهما الإمام »(5)، ونحوهما غيرهما(6).

 


(1) الطلاق: ۷.

(2) وسائل الشيعة، ج۲۱، ص509، الباب الأول من أبواب النفقات، ح۱. ونحوها روايات أُخرى في نفس الباب.

(3) البقرة: ۲۲٦ _ ۲۲۷.

(4) وسائل الشيعة، ج۲۲، ص347، الباب8 من كتاب الإيلاء والكفارات، ح۱.

(5) المصدر السابق، ص351، الباب9 من كتاب الإيلاء والكفارات، ح4.

(6) راجع المصدر السابق، الباب 8 _ ۱۲ من كتاب الإيلاء والكفارات ، وكذلك الباب۲.

222

والثالثة: رواية الظهار، وهي ما عن أبي بصير قال: «سألت أبا عبدالله(علیه السلام)عن رجل ظاهر من امرأته، قال: إن أتاها فعليه عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكيناً، وإلّا ترك ثلاثة أشهر، فإن فاء وإلّا أوقف حتّى يسأل: لك في امرأتك حاجة أو تطلّقها؟ فإن فاء فليس عليه شيء، وهي امرأته، وإن طلّق واحدة فهو أملك برجعتها»(1)على كلام وبحث في سند الحديث من ناحية وهيب بن حفص.

والرابعة: ما ورد في ترك وطء الزوجة أكثر من أربعة أشهر عن مغاضبة دون يمين، من قبيل صحيحة حفص بن البختري، عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «إذا غاضب الرجل امرأته، فلم يقربها من غير يمين أربعة أشهر، فاستعدت عليه، فإمّا أن يفيء، وإمّا أن يطلّق، فإن تركها من غير مغاضبة أو يمين، فليس بمؤل»(2).

وبعد هذا العرض نعود إلى الفروع التي طرحناها في مستهلّ البحث، وهي:

الفرع الأوّل: لو شكت الزوجة عيباً من غير العيوب المنصوصة مؤثّراً في الحياة الزوجيّة، ثابتاً قبل العقد، ولم تكن تعلم به كالإيدز، فالظاهر أنّ لزوم العقد يرتفع في هذا الفرع بقاعدة «لا ضرر ولا ضرار»؛ لأنّ الإضرار مستند إلى الزوج، فتمسّكه بلزوم العقد يعتبر ضراراً. ودليل حصر الفسخ في العيوب المنصوصة إنّما تمّ _ بناءً على بحث لنا في العيوب الفاسخة للنكاح _ بلحاظ عيوب الزوجة لا بلحاظ عيوب الزوج.

الفرع الثاني: لو شكت الزوجة عيباً مؤثّراً في الحياة الزوجيّة كالإيدز طارئاً بعد العقد فثبوت الخيار هنا مشكل؛ لأنّ الضرر لم يكن من طرف الزوج كي يصدق عليه عنوان المضارّ ويشمله نفي الضرار، وأمّا نفي الضرر فجريانه لصالح الزوجة دون صالح الزوج ترجيح بلا مرجّح، فلئن كان بقاء العقد ضرراً على الزوجة كذلك فسخه ضرر على الزوج.

 


(1) وسائل الشيعة، ج22، ص337، الباب۱۸ من كتاب الظهار، ح1.

(2) المصدر السابق، ج22، ص341، الباب الأول من كتاب الإيلاء والكفارات، ح۲.