193

وقد تحصّل لدينا إلى الآن انّ الرضا المقارن للعقد غير كاف لصحّة العقد، وانّ صحّة العقد مشروطة بالملك أو الولاية أو الاذن.

 

تأخّر هذا الشرط عن العقد

وبعد هذا يقع الكلام في انّ هذا الشرط لو كان مفقوداً لدى تحقّق العقد ولكنّه وجد بعد ذلك فهل وجوده المتأخّر يصحّح العقد أو لا؟

والكلام في ذلك تارة يقع في حصول الملك أو الولاية متأخّراً من دون إجازة جديدة للمعاملة بعد حصول ذلك، واُخرى يقع في الإجازة المتأخّرة فلدينا بحثان:

لحوق الملك أو الولاية:

البحث الأوّل ـ في انّ مجرّد حصول الملك أو الولاية بعد العقد هل يكفي في تصحيح العقد أو لا؟ فقد يقال إنّ مقتضى القواعد كفايته باعتبار انّ حصول الملك أو الولاية بعد العقد كاف في انتساب العقد إلى المالك أو الولي لانّ العاقد كان هو نفس هذا الشخص، وإذا انتسب العقد إليه دخل في الإطلاقات. نعم يشترط في فرض الولاية كون العقد في صالح المولّى عليه مثلاً حين تحقّق الولاية، ولا يكفي كونه في صالحه حين العقد وقبل الولاية.

وتأخّر الملك أو الولاية عن العقد يتحقّق في عدّة فروع بعضها يناسب المقام وبعضها يناسب مبحث شرائط المحل(1):


(1) ونحن نبحثه هنا وبه نأتي على أهمّ ما نريد بحثه في شروط المحلّ ولذلك نحذف البحث عن الركن الرابع وهو المحلّ.

194

الفرع الأوّل ـ أن يكون المال مملوكاً لغيره فيبيعه قبل ان يملكه ثم يتملّكه وهذا هو المقصود ممّا تعارف في لسان فقهائنا من عنوان «مَن باع شيئاً ثم ملك».

والفرع الثاني ـ أن يكون المال من المباحات الأوّلية فيبيعه ثم يحوزه كما لو باع سمكة ثم صادها.

والفرع الثالث ـ أن يكون الشيء مملوكاً له على تقدير وجوده وانّما العيب انّه غير موجود من قبيل مَن باع ثمار أشجاره قبل تكوّنها، أو باع أولاد حيواناته قبل حبلها.

أمّا ما عدا هذه الفروع الثلاثة فيرجع الأمر فيه حسب تصوّرات فقهنا الإسلامي إلى بيع ما في الذمة أي انّ المبيع غير المملوك فعلاً للبائع إن لم يضف إلى عين خارجية أو نماء عين خارجية اذن هو مضاف إلى الذمة في مقام البيع وهذا يكون خارجاً عن مبحثنا، لانّ كل إنسان يملك ذمّته بمعنى عام من الملك وقد قلنا منذ البدء انّ مقصودنا من شرط الملك هو معنى عام من الملك لا خصوص المصطلح الخاص.

والفرع الأوّل من هذه الفروع الثلاثة يناسب المقام باعتبار انّ المحل لا عيب فيه فهو أمر مملوك، وانّما العيب في العاقد حيث لم يكن مالكاً ولكن الفرع الثاني والثالث يناسبان بحث شرائط المحل لانّ العيب في المحل حيث كان من المباحات الأوّلية وكانت نسبته للكل على حدّ سواء أو كان غير موجود.

ومقتضى القاعدة في كل هذه الفروع حسب تصوّرات الفقه الوضعي هو الصحّة حيث ارجعوا العقود الناقلة إلى التعهّد بالنقل، والتعهّد بالنقل لا ينافي عدم دخول العين في ملك العاقد بالفعل فبإمكانه ان يتعهّد بنقل هذه العين إلى ملك المشتري ولو بعد شرائها أو بعد حيازتها، أو نقل هذه الثمرة إليه بعد تكوّنها. نعم لو

195

تعهّد بالنقل الحالي بطل لعدم إمكانه. واستثنوا من ذلك بيع الوارث مال مورّثه قبل موته لكونه خلاف الآداب وموجباً لانتظار موت المورّث، وموجباً في كثير من الأحيان لتبديد الوارث من الآن ما يحتمل تملّكه ايّاه في المستقبل(1).

أمّا في فقهنا الإسلامي فالعقود الناقلة هي ناقلة ابتداءً وليست تعهّداً بالنقل.

وعلى هذا الأساس فمقتضى القاعدة في الفرعين الأوّلين هو البطلان إذ حينما انشأ النقل لم يكن مالكاً وحينما ملك لم يكن المفروض تبنّيه لما فعل وانتحاله ايّاه، فصحيح انّ هذا النقل منسوب إلى المالك كما مضى إلّا انّه انّما يكون منسوباً إلى ذات المالك وليس منسوباً إلى المالك بما هو مالك كي يكون مشمولاً للإطلاقات.

وبهذا تنحلّ شبهة انّه ما الفرق بين الاذن في ما سيأتي من بحث الفضولي والملك حيث يقال بكفاية الاذن المتأخّر وهو الإجازة ولا يقال بكفاية الملك المتأخّر بناء على انّ كفاية الإجازة تكون ثابتة على القاعدة؟! فانّ الجواب هو: إنّ الإجازة المتأخّرة تنسب الأمر الاعتباري أو التعهّد إلى المالك بما هو مالك فيوجب دخول ذلك في الإطلاقات، لكن الملك المتأخّر من دون إجازة بعد حصول الملك لا ينسبه إلى المالك بما هو مالك.

وفي الحقيقة هذه الشبهة سارية في كل الشروط.

والجواب نفس الجواب فمثلاً يتوجّه السؤال عن انّه ما الفرق بين شرط الاذن وشرط البلوغ حيث يكفي الاذن المتأخّر وهو الإجازة ولا يكفي البلوغ المتأخّر ما لم يجز العقد بعد البلوغ؟! والجواب هو ان الاذن المتأخّر يصحّح


(1) راجع الوسيط، الجزء 1، الفقرة 217.

196

انتساب العقد إليه بما هو مالك في حين انّ البلوغ المتأخّر لا يصحّح انتساب العقد إليه بما هو بالغ وإن كان العقد منسوباً إلى ذات البالغ لصدوره منه قبل بلوغه.

هذا بلحاظ التمسّك بالإطلاقات.

وكذلك الحال بلحاظ التمسّك بالسيرة إن كانت ثابتة في مورد الفضولي فيقال: إنّ موضوع هذه السيرة وإن لم يكن هو الانتساب في الاُمور الاعتبارية بناء على ما اخترناه من انّ الانتساب في طول السيرة، ولكن موضوعها هو الانتحال والتبنيّ وفي الإجازة المتأخّرة تم انتحال المالك وتبنّيه للعقد بما هو مالك وهذا بخلاف سائر الشروط لو تأخّرت.

وأمّا بلحاظ الامور التعهديّة فموضوع السيرة أيضاً هو الانتساب فيأتي فيه عين ما ذكرناه في الإطلاقات.

هذا كلّه في ما إذا أجرى عقداً ناقلاً على ما لا يملكه ممّا هو مملوك للآخرين أو ما كان من المباحات الأصلية، وقد عرفت انّ مقتضى القاعدة عدم نفوذه ويدعم ذلك ما ورد في بعض الروايات من المنع عن بيع ما لم يستوجبه ومورد الروايات هو بيع مال الآخرين(1).

وأما إذا أجرى التعهّد بالنقل فمقتضى القاعدة نفوذ ذلك ويجب عليه عندئذ أن يشتريه إن كان مملوكاً لغيره أو يحوزه إن كان من المباحات كي يفي بوعده.

ولكن في تلك الروايات التي اشرنا إليها ما يمنع بإطلاقه عن التعهّد أيضاً وانّه لا بدّ أن يكون هو بعد تملّكه، وكذلك من يشتريه منه بالخيار إن شاء فعل وإن شاء ترك(2)، ومورد الروايات هو بيع مال الآخرين وهل يتعدّى من ذلك إلى باب


(1) راجع الوسائل 12: 375، الباب 8 من أبواب أحكام العقود.

(2) المصدر نفسه.

197

الإرث فلا يجوز تعهّد الوارث بأموال المورّث لشخص بالنسبة لما بعد موت المورّث أو إلى باب حيازة المباحات فلا يجوز التعهّد ببيع ما سيحوزه مثلاً أو لا؟ لا بد من الرجوع في ذلك إلى فهم العرف فان ساعد فهم العرف على التعدّي يتعدى من مورد الروايات بقدر مساعدة العرف على ذلك.

وهناك اُسلوب ثالث لإجراء التعامل على ما لا يملكه ممّا هو مملوك للغير، أو من المباحات الأوّلية وهو ان ينشىء نقل هذا المال لا على الإطلاق، أو بقيد الحال بل بقيد الاستقبال فالتعامل الذي يجريه على هذا السمك الذي لم يصده بعدُ مثلاً أو هذا الكتاب الذي لم يشتره بعدُ ليس عبارة عن نقله بقيد الحال أو على الإطلاق كما هو الاُسلوب الأوّل، ولا التعهّد بالنقل والتمليك مستقبلاً كما هو الحال في الاُسلوب الثاني بل هو عبارة عن نقله بلحاظ الزمان المستقبل أي انّه من الآن ينقل ملكية هذه العين التي كان المفروض ان تثبت له بالحيازة أو الشراء إلى الشخص الآخر، فإنشاء التمليك (وليس التعهّد بالتمليك) ثابت من الآن، ولكن بلحاظ المستقبل نظير الوقف على البطون بالنسبة للبطون المتأخّرة، ونظير الوصية بالملك إن صحّت الوصية بالنتيجة أو الوقف المنقطع الأوّل لو صحّ، ونظير التحرير الاستقبالي في التدبير والمكاتبة وهذا لو تمّ عرفاً وعقلائياً دخل في الإطلاقات ولم يردّ على دخوله في الإطلاقات إشكال عدم انتساب هذا العقد إلى المالك، فانّه لم يتصرّف حينما تصرّف بنقل هذا المال إلّا بلحاظ زمان مالكيته وهذا كاف في شمول الإطلاق له لو تمّت عرفيته وعقلائيته.

ولكنّ العيب في ذلك ما مضى منّا في بحث الإطلاقات من انّ إطـلاقات أدلّة العقود انّما تـدلّ على احتـرام العقد بما هـو ربـط قرار بقـرار، أمّا ان نفس متعلّق القرار هـل هـو مبـاح في ما هو على وزان شـرط الفعل، أو قابل للنفوذ في

198

ما هو على وزان شرط النتيجة؟ فهذا خارج عن عهدة أدلّة العقـود فلو ملّك شخص حرّ نفسه لشخص آخر بثمن مثلاً لم يدلّ إطلاق أدلّة العقود على صحّة ذلك، لانّ أصل تحوّل الحرّ إلى العبد أمر غير شرعي، وكذلك الحال فيما نحن فيه أي لا بد من قيام دليل على أصل مشروعية خلق ملكية ما لا يملكه من الآن بلحاظ زمان مالكيته، فلو ثبت ذلك ببناء عرفي وعقلائي مع عدم الردع دخل هذا التعامل في إطلاق أدلّة العقود بل ثبتت السيرة غير المردوعة على نفس هذا المتعامل فتثبت صحّته حتى لو لم تكن لدينا إطلاقات، ولكن لم يثبت بناء عقلائي على ذلك.

هذا تمام الكلام في الفرعين الأولين.

وأمّا الفرع الثالث وهو نقل الأثمار والنماءآت قبل وجودها فإن كان المقصود بذلك التعهّد بنقلها بعد وجودها فلا إشكال في ذلك، والروايات المانعة عن البيع قبل التملّك الواردة في بيع ملك الغير قبل شرائه لا علاقة لها بالمقام، واحتمال الفرق موجود فلا معنى للتعدّي من موردها إلى المقام.

وإن كان المقصود بذلك النقل الحالي أو النقل المطلق بناء على انّه ينتج نتيجة النقل الحالي فهذا وإن لم تكن فيه استحالة فلسفية حتى بناء على عدم مملوكيتها الآن، لانّ النقل ليس عدا أمر اعتباري كالملكية نفسها، ولا استحالة في تمليك ما لا يملكه لكنه قد يقال: إنّه ليس عرفياً إلّا إذا فرض مملوكيتها من الآن لمالك الأصل، وكذلك ليس العقد الصادر منه مستنداً إليه بما هو مالك لها ولا عقداً صادراً منه بلحاظ زمان مالكيته إيّاها فهو غير مشمول للإطلاقات، وبكلمة اُخرى يأتي فيه نفس ما ذكرناه في الفرعين الأوّلين.

ولكن يمكن أن يقال في مقابل هذا الكلام بأحد أمرين:

199

الأوّل ـ ان يدّعى انّ ملكية مالك الأصل للنماءآت ثابتة عرفاً قبل وجودها سنخ ما قد يقال في إيجار المنافع المستقبلية للأعيان، كما لو آجر بيته للسَنة المقبلة من انّ المنفعة المستقبلية للعين مملوكة من الآن لمالك العين فبإمكانه ان يملّكها للمستأجر وإن كان هذا الكلام في المقيس عليه مورد تأمّل لانّ منفعة العين التي يمكن ان تكون مملوكة لمالك العين ـ ولو ملكية مندكة في ملكية العين ـ انّما هي قابـلية العيـن للانتفاع بها الثـابتة من الآن، واستمـرارها في عمود الزمان ليس إلّا كاستمرار نفس العين في عمود الزمان، وتمليكها بلحاظ الزمان المستقبل ليس إلّا كتمليك نفس العين بلحاظ الزمان المستقبل للبطون المتأخّرة في الوقف على البطون، وليس هذا تمليكاً لما سيملكه مستقبلاً ولا يملكه الآن.

الثاني ـ ان يدّعى انّ هذه النماءآت وإن لم تكن مملوكة لمالك الأصل الآن ولكن حيث انّ لها نحو إضافة إلى مالك الأصل باعتبارها نماءآت لما يملكه كان هذا النحو من الإضافة مصحّحاً لتمليكه ايّاها فيملكها الغير رغم عدم مالكية البائع ايّاها سنخ انّ من يبيع منّاً من الحنطة في ذمّته يملكه المشتري، مع انّ البائع لم يكن ملكاً له لا ملكية اعتبارية سنخ ملكيته للأعيان، ولا ملكية حقيقية سنخ ملكيته لأعماله، وغاية ما في الأمر انّ لذمّته نحو اختصاص به فهي ذمّة مضافة إليه ولا يحقّ لأحد غيره إشغالها من دون موافقته، وكان هذا هو مقصودنا حينما قلنا: إنّ الذمة مملوكة ـ بمعنى عام من الملك ولِمَا امتلكه المشتري من الشيء الكلّي ـ ظرف خاص به يناسبه وهو ذمة البائع، ولِمَا امتلكه المشتري من الثمار أيضاً ظرف خاص به يناسبه وهو الزمان المستقبل أو قل: ظرف الخارج في الزمان المستقبل.

200

وإن كان المقصود بذلك النقل بلحاظ الزمان المستقبل أي انّ مالك الأصل ينشىء من الآن ملكية النماء للمشتري من حين وجوده فهذا الاحتمال كان عيبه في الفرعين الأوّلين عدم ثبوت بناء عقلائي على ذلك، ولكن لا يبعد في خصوص الثمارات والنماءات ثبوت بناء العرف والعقلاء عليه بمناسبة كونها نماءات للأصل الذي يملكه.

فهذه هي التخريجات التي يمكن ان يدّعي بها أحد عقلائية بيع الأثمار والنماءآت قبل وجودها وتتلخّص في وجوه ثلاثة:

1 ـ دعوى ثبوت ملكيتها من الآن لمالك الأصل.

2 ـ دعوى كفاية مالها من إضافة إلى مالك الأصل لنقلها من الآن.

3 ـ دعوى كفاية مالها من إضافة إلى مالك الأصل لنقلها بلحاظ زمان وجودها.

والتخريج الثالث قد لا ينطبق على الواقع الخارجي حينما لا يكون حصول النماء في المستقبل مضموناً وقطعياً، ويكون العقد منجّزاً وقطعياً على كل حال أي سواء حصل النماء في المستقبل أو لا من دون أن يكون العقد في واقعه مركباً من بيع وهبة أي انّه لو حصل النماء كان بيعاً وإلّا كان المشتري قد ملّك الثمن مجاناً فعندئذ ينحصر الأمر في تخريجين فقط وهما:

1 ـ انّ ذاك النماء يكفي احتمال ثبوته أو الظن بثبوته في المستقبل فرضه مملوكاً الآن فيباع هذا الوجود المحتمل أو المظنون.

2 ـ انّ هذا المقدار من إضافة ذاك الوجود المحتمل أو المظنون إلى مالك الأصل ولو لم تسمّ ملكاً صحّح بيع هذا الوجود المحتمل أو المظنون.

والروايات بخصوص الترخيص ـ في بيع أثمار الأشجار قبل وجودها ـ

201

كثيرة(1) وإن كان المعارض أيضاً موجوداً قليلاً(2). أمّا التعدّي إلى سائر النماءآت أو عدمه إن لم نقل بصحّة بيعها بمقتضى القاعدة فهو موكول إلى العرف.

ثم انّ شريعة الإسلام إن لم توافق بشكل واسع على البيوع الاستقبالية فقد فتحت باباً آخر تحلّ محل ذلك وتشبع الحاجة إليها لم يعرف الفقه الغربي ذاك الباب وهو بيع ما في الذمّة.

الإجازة المتأخّرة عن العقد:

البحث الثاني ـ في الإجازة المتأخّرة عن العقد وهذا ما يسمّى بعقد الفضولي.

والمتيقن من صحّة الفضولي بالإجازة بناء على صحّته هو العقد وليس الإيقاع، بل نقل الشيخ (رحمه الله)(3) عن غاية المراد دعوى الإجماع على بطلانه في الإيقاعات.

إلّا انّ السيد الخوئي (رحمه الله)ذكر(4): انّ صحّة عقد الفضولي لو بنينا عليها بمقتضى القاعدة لا بمقتضى أدلّة خاصّة فحسب تسري إلى الإيقاعات أيضاً، لانّها أيضاً تنسب بمجرّد الإجازة إلى المجيز كما هو الحال في العقد فتشملها الإطلاقات، ولا قيمة للإجماع المنقول خاصة إذا لم يكن متكرّراً فانّ الظاهر انّ ناقل الإجماع منحصر في المقام بغاية المرام فانّه موهن لصحّة النقل، ولو فرض حصول الاتفاق فانّما هو في الطلاق والعتق دون غيرهما كالإ براء، مضافاً إلى عدم ثبوت تعبدية الإجماع لو ثبت الإجماع.

 


(1) و (2) راجع الوسائل 13، الأبواب الاُولى من بيع الثمار.

(3) راجع المكاسب 1: 124، بحسب الطبعة المشتملة على تعليقة الشهيدي.

(4) راجع المحاضرات 2: 288، ومصباح الفقاهة 4: 4 ـ 5.

202

أقول: إنّ فرض جريان صحّة الفضولي في الإيقاعات على الإطلاق على تقدير صحّته على القاعدة في العقود مشكل، فانّ نكتة صحّته في العقود على القاعدة ان تمّت فهي عبارة عن أحد الأمرين الماضيين في الاذن.

الأوّل ـ ما سبق نقل دعواه من السيد الخوئي من انّ الاذن أو الإجازة يوجب انتساب الأمر الاعتباري حقيقة إلى الآذن أو المجيز.

ولكنه مضى منّا انّ هذا غير صحيح بلحاظ وجود ذاك الأمر الاعتباري في لوح اعتبار المتعاقدين، وانّما يصحّ بلحاظ وجوده في لوح اعتبار العقلاء وهذا يتوقّف على ثبوت ارتكاز وسيرة عقلائيين، وثبوت ذلك في الاذن المتقدّم لا يستلزم ثبوته في الإجازة المتأخّرة فقد يكون الارتكاز والسيرة ثابتين في العقود لدى الإجازة المتأخّرة أيضاً، وغير ثابتين في الإيقاعات أو بعضها كالطلاق لدى الإجازة المتأخّرة.

ولو سلّمنا صحّة هذا الوجه بالنظر إلى الوجود الاعتباري في لوح المتعاقدين ولم نحتج إلى فرض ارتكاز وسيرة عقلائيين قلنا: إنّ مجرّد انتساب الأمر الاعتباري إلى الآذن أو المجيز انّما يكفي في دخول ذلك في الإطلاقات لو كان لدينا إطلاق، وفي باب العقود لو لم نجد إطلاقاً خاصّاً بكل قسم من أقسام المعاملات فلا أقل من إطلاقين عامّين: أحدهما ﴿تجارة عن تراض﴾ والآخر ﴿اوفوا بالعقود﴾، في حين انّه في باب الإيقاعات لا نمتلك إطلاقاً من هذا القبيل فيجب أن نرجع في كل قسم من أقسام الإيقاعات على حدة إلى الأدلّة اللفظية لنرى هل نجد له إطلاقاً أو لا، فان لم نجدله إطلاقاً فيها لم يتم هذا الوجه لتصحيح الإجازة المتأخّرة. نعم الاذن السابق تكفي في تصحيح الارتكاز أو السيرة العقلائيين.

 

203

والثاني ـ ما سَبق في العقود العهدية بالمعنى الذي لا يرجع إلى مجرّد الاعتبار والجعل، بل يرجع إلى أمر حقيقي نفسي من ان الإذن يجعل الآذن حقيقة طرفاً للعهد وهذا أيضاً لا يجري في الإيقاعات لانّها ليست عهداً بهذا المعنى وانّما هي اُمور اعتبارية.

نعم إن ثبت في بعضها انّ العرف يفهم من الإجازة المتأخّرة جعل الإيقاع واعتباره من الآن كما لعلّه كذلك في الإبراء فهذا في الحقيقة يخرج عن الفضولي وتصبح الإجازة إيقاعاً جديداً، في حين انّه في البعض الآخر لم تثبت لدى العرف كفاية الجعل والاعتبار بأيّ صيغة كانت كما في الطلاق.

وأيضاً إن ثبت في بعضها انّ العرف يكتفي في تحقّق المقصود بمجرّد إبراز الرضا بحصول المقصود بلا حاجة إلى الجعل والاعتبار كما لعله كذلك في الإبراز فهذا أيضاً يخرج المورد حقيقة عن الفضولي وتصبح الإجازة إيقاعاً، باعتبارها إبرازاً للرضا بحصول المقصود. والآن حان وقت الشروع في بحث عقد الفضولي:

مصطلح (الفضولي) في الفقهين الإسلامي والوضعي:

وننبّه في مقدمة هذا البحث على انّ مصطلح الفضولي موجود أيضاً في الفقه الوضعي على فرق بين مصطلحهم ومصطلحنا، فهم يجعلون الفضولي من الفضل بمعنى الإحسان، في حين انّه في فقهنا مأخوذ من الفضول بمعنى التطفّل فالفضولي في مصطلحاتهم هو الذي يقوم بشأن عاجل وضروري لحساب شخص آخر بحيث يعلم عادة ان ذاك الشخص يرضى بذلك، ولو كان حاضراً وقادراً لقام هو بهذا الشأن، وهذا قد يكون مصداقاً للفضولي في فقهنا أيضاً كما لو قام ببيع محصولات زراعية للشخص الغائب ممّا يسرع إليه التلف، وقد لا يكون مصداقاً للفضولي في فقهنا كما لو استأجر طبيباً بنقوده هو ليعالج المريض العاجز عن تهيئة

204

الطبيب، وهم يقولون: إنّ عمل الفضولي بهذا المعنى صحيح بلا حاجة إلى الإجازة المتأخّرة ويكون على ربّ العمل أن يدفع إلى الفضولي المصاريف التي صرفها مع فوائدها الربوية ولا يستحق الفضولي أجراً على عمله إلّا إذا كان العمل من أعمال مهنته، كما لو كان طبيباً فقام بمعالجة المريض. ولو انّ الفضولي قام بالعمل لأجل مصلحة نفسه ولكان عاد النفع إلى ربّ العمل أيضاً لا يعتبر فضولياً إذ لم يتفضّل على المالك، مثاله انّ المستأجر يقوم بإصلاحات ضرورية في العين المؤجرة حتى يستوفي منفعة العين لنفسه فهو بالنسبة للمالك لا يعتبر فضولياً، لانّه يعمل لمصلحة نفسه ومتى ما كان الأمر هكذا لا يرجع على المالك بمصروفاته بل يرجع إليه إذا تمّت شرائط قاعدة الإثراء بلا سبب بأقل الأمرين من مصروفاته أو قيمة المنفعة العائدة إلى المالك(1)، أمّا الفضولي بالمعنى المألوف في فقهنا المأخوذ من التطفل فهو عبارة عن مَن يجري عقداً على مال غيره من دون اذنه ويقال عادة بصحّة ذلك بالإجازة المتأخّرة، وفي الفقه الوضعي أيضاً يقولون: إنّه إذا قام شخص بتصرّف قانوني في صالح ربّ العمل بلا اذنه ثم أجاز ربّ العمل ما فعله جعلته الإجازة بحكم الوكيل ونفذ عمله ولو لم تتمّ شرائط الفضالة(2).

وعلى أيّة حال فلنعد إلى بحث الفضولي بمعناه المصطلح في فقهنا فهل تكون الإجازة المتأخّرة مصحّحة لعقد الفضولي أو لا؟

تحرير محل النزاع:

وينبغي أن يكون موردان خارجين من البحث والنزاع:


(1) راجع الوسيط الجزء 1، الفقرة 857 وما تليها من الفقرات.

(2) راجع الوسيط 1: 1393، 1402، الفقرة 865، 875.

205

المورد الأوّل ـ ما اسمّيه بالعقود العهدية وأقصد بذلك العقد الذي ليس جعلاً واعتباراً لما ينشئه بل يكون تعهداً بمعنى العهد الذي يكون أمراً حقيقياً نفسياً لا جعلياً واعتبارياً، كما لو تعهّد شخص فضولة عن شخص بالقيام بعمل لقاء اُجرة ثم أجاز ذاك الشخص الآخر ذلك حينما اطلع عليه فهذه الإجازة تكون تعهداً جديداً وأصبح المجيز بنفسه طرفاً للتعهّد بواسطة الإجازة ويكون ذلك موضوعاً لأدلّة الوفاء بالعهد والعقد بلا علاقة لما قام به الفضولي في الموضوع أصلاً سواء أخرجناه من مصطلح تصحيح عقد الفضولي لما عرفت أو أبقيناه تحت هذا المصطلح بنكتة ان مجرّد الإجازة المتأخّرة ليست عقداً تاماً بل هي قبول متأخّر يرتبط بالإيجاب السابق أو إيجاب متأخّر يرتبط بالقبول السابق.

والمورد الثاني ـ ما يكفي فيه مجرّد إبراز الرضا من قبيل ما إذا كان الواهب أو المقرض أو البائع بالمعاطاة فضولياً بناء على تفسير الهبة بإجازة التملّك بالحيازة مجاناً، وتفسير القرض بإجازة التملّك بالحيازة بشرط الضمان، وتفسير العقد المعاطاتي بإجازة التملّك بالحيازة بعوض، فالإجازة المتأخّرة تكون بذاتها إبرازاً للرضا فتكون بذاتها موضوعاً لحكم المعاملة وعمل الفضولي لا دخل له إطلاقاً في موضوع الحكم وهنا أيضاً لا أهميّة لفرض تسمية ذلك اصطلاحاً بتصحيح الفضولي أو إخراجه رأساً عن تحت هذا المصطلح على الوجهين الذين ذكرناهما في المورد الأوّل فانّه لا مشاحة في الاصطلاح.

وأمّا ما يكون خارجاً في حقيقته عن العقد بالمعنى الحقيقي كما في العارية والوكالة والأمانة لو فرضناها من العقود الرضائية البحتة حسب مصطلح المحقّق النائيني (رحمه الله) فخروجه عن بحثنا واضح جداً، فالرضا قد ثبت بالإجازة بلا إشكال.

وبعد إخراج هذه الموارد من البحث نقول: إنّ الكلام يقع أوّلاً في القدر

206

المتيقن ممّا يقال فيه بصحّة الفضولي وهو ما لو عقد الفضولي للمالك من دون سبقمنع المالك، حتى إذا ثبتت الصحّة في ذلك بالإجازة نبحث عن أنّ الفضولي لو عقد لنفسه فهل انّ جعل العقد لنفسه يمنع عن الصحّة، وعن انّه لو عقد رغم سبق منع المالك فهل يضرّ منع المالك بالأمر أو لا؟

القدر المتيقن في العقد الفضولي:

أمّا الكلام في ما هو القدر المتيقن وهو بيع الفضولي للمالك من دون سبق منع المالك فقد ذكر السيد الخوئي: أنّ صحّة عقد الفضولي بالإجازة ثابتة على القواعد بلا حاجة إلى دليل خاص، لانّ التصرّف الاعتباري يسند إلى الآذن إسناداً حقيقياً ولا يفرق في ذلك بين الإذن المتقدّم أو المتأخّر المسمى بالإجازة فيدخل ذلك تحت الإطلاقات، غاية الأمر أنّ صحّة الإسناد حصلت في مورد الإجازة المتأخّرة بقاءً بعد ان لم تكن ثابتة حدوثاً(1).

أقول: قد مضى منّا(2) النقاش في هذا التقريب بحرفيته فنحن لا نرى فرقاً بين التصرّف التكويني والتصرّف الاعتباري وهو جعل وإنشاء أمر اعتباري في وعاء اعتبار المتعاقدين فكلاهما يسند إلى الفاعل لا إلى الآمر أو الآذن. نعم وجود الأمر الاعتباري في وعاء اعتبار العقلاء يسند إلى الآذن في طول إمضاء العقلاء لاعتبار المتعاقدين اذن فيتم الإسناد الحقيقي في طول تمامية الارتكاز العقلائي، وبهذا يبطل التلازم(3) المستظهر من عبارة المحاضرات بين مصحّحية


(1) راجع المحاضرات 2: 295، ومصباح الفقاهة 4: 19 ـ 21.

(2) تحت عنوان: الدليل الخاص على كفاية إذن المالك.

(3) وسيأتي إشكال آخر على فرض هذا التلازم في آخر بحث الاستدلال على صحّة عقد الفضولي بأخبار تحليل الخمس.

207

الاذن للإسناد ومصحّحية الإجازة له لانّه لابد من توسيط ارتكاز العقلاء فيالأمر، وهذا الارتكاز قد يدعى وجوده في مورد الآذن وعدم وجوده في مورد الإجازة المتأخّرة كما لعل الحال تكون كذلك في بعض الإيقاعات كالطلاق.

نعم مع ذلك نحن نؤمن بصحّة عقد الفضولي بالإجازة المتأخّرة على القاعدة لانّنا نؤمن بانّ ارتكاز كفاية الإجازة المتأخّرة في تصحيح العقود ثابت عقلائياً وعندئذ إمّا أن نتمسّك بإمضاء الارتكاز المستفاد من عدم الردع أو نتمسّك بالإطلاقات التي تمّ موضوعها ببركة هذا الارتكاز.

أمّا لو لم نقبل صحّة عقد الفضولي بالإجازة على مقتضى القواعد فتوجد لدينا نصوص خاصّة قد تستفاد منها صحّة عقد الفضولي:

نصوص خاصّة في العقد الفضولي:

منها ـ ما مضى من قصة عروة البارقي حيث انّ عمله الفضولي رتّبت عليه آثار الصحّة رغم عدم الاذن السابق.

ويرد على الاستدلال بذلك بقطع النظر عن مسألة السند انّه يوجد في مورد تلك القصة أمران: أحدهما الرضا المقارن من دون إذن، والثاني الإجازة المتأخّرة فنحن لا نعلم ان أيّاً منهما كان هو سبب صحّة المعاملة، فلا يمكن الحكم بصحّة معاملة على أساس هذه القصة إلّا في مورد يجتمع فيه الأمران كما في مورد نفس هذه القصة.

ومنها ـ صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في وليدة باعها ابن سيدها وأبوه غائب فاشتراها رجل فولدت منه غلاماً ثم قدم سيدها الأوّل فخاصم سيدها الأخير فقال هذه وليدتي باعها ابني بغير اذني فقال: خذ وليدتك وابنها فناشده المشتري فقال: خذ ابنه يعني الذي باع

208

الوليدة حتى ينفّذ لك ما باعك فلما أخذ البيّع الابن قال ابوه: ارسل ابني فقال: لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني فلّما رأى ذلك سيّد الوليدة الأوّل أجاز بيع ابنه(1).

ولعل أهمّ الإشكالات التي قد تورد على الاستدلال بهذا الحديث اُمور ثلاثة:

1 ـ إنّ مضمون الحديث مقطوع الفساد لأنّه يدلّ على نفوذ الإجازة بعد الرد مع انّ ذلك خلاف الإجماع فالإجازة التي يفتى بنفوذها في بيع الفضولي انّما هي الإجازة قبل الرد، في حين انّه من الواضح من مورد الحديث انّ الإجازة كانت بعد الرد بدليل استرجاع السيد الأوّل للوليدة وابنها، وبدليل حكم الإمام (عليه السلام) له بالاسترجاع، فلو لم يكن قد ردّ عقد الفضولي لكان الإمام (عليه السلام) يقيّد حكمه بالاسترجاع بفرض الرد أي كأن يقول له مثلاً: لك حقّ الرد فإن رددت الحق فلك أن تأخذ الوليدة وابنها، وبدليل مخاصمته للسيد الثاني وكذلك مناشدة السيد الثاني للإمام (عليه السلام) في حلّ مشكلته فكل هذه قرائن على الردّ.

2 ـ إنّه كيف جاز في مورد الحديث للسيد الأوّل أخذ ولد الوليدة، في حين انّه حرّ لانّه مولود بوطىء الشبهة من حرّ؟! أمّا حبسه على ثمنه فلا مورد له فانّنا لو قلنا بالحبس في الدين فانّما يحبس المديون وهو السيد الثاني لا ابنه، ولو جاز حبس ابنه فالمفروض أن يكون جواز ذلك بعد فرض امتناعه من أداء الدين لا ابتداءً.

3 ـ ما معنى حبس السيد الثاني لابن السيد الأوّل؟! ولو جاز حبس المديون باعتباره مديوناً لثمن الوليدة فانّما يكون ذلك بعد المطالبة بالثمن وامتناعه من الأداء لا ابتداءً.


(1) الوسائل 14: 591، الباب 88 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 1.

209

وهناك جواب عامّ عن كل هذه الإشكالات وجواب خاص عن كل واحد منها:

أمّا الجواب العام فهو ما يقال: من أنّ المهم لدينا دلالة الحديث على نفوذ الإجازة في تصحيح بيع الفضولي بشكل عام، أمّا لو وردت إشكالات على اُمور اُخرى واردة في الحديث من أنّه لماذا طبّق هذا الحكم على الإجازة بعد الرد؟! أو لماذا حكم بأخذ ولد الوليدة أو سجن ابن السيد الأوّل؟! فلنرد علم هذه الاُمور إلى أهلها ولا يضرّ ذلك بإثبات المدّعى المقصود في المقام.

ووافق السيد الخوئي على هذا الجواب بالنسبة للإشكالين الأخيرين ولكن أبطله بالنسبة للإشكال الأوّل على ما ورد في المحاضرات(1) باعتبار انّ الحكم المدّعى في المقام هو الذي ثبّت في الحديث على مورد الإجازة بعد الرد، والمفروض بطلانه وهذا بخلاف الإشكالين الأخيرين فانّهما إشكالان على أحكام اُخرى غير الحكم المدّعى في المقام.

وذكر الشيخ الانصاري (رحمه الله) في المقام(2): إن الإشكال على الاستدلال بهذا الحديث بكون الإجازة واقعة بعد الرد ناتج من الاشتباه في مناط الاستدلال، فانّنا تارة نأخذ من الحديث نفوذ الإجازة في خصوص مورده ثم نتعدّى من مورده إلى سائر الموارد على أساس القطع الخارجي باعتبار قاعدة الاشتراك وقطعنا بعدم الفرق، وعندئذ يرد الإشكال بانّ الحكم في المقيس عليه باطل فكيف يتعدّى منه إلى غيره؟! واُخرى نستظهر نفس الحكم العام من الحديث


(1) المحاضرات 2: 299 ـ 300.

(2) راجع المكاسب 1: 125، بحسب الطبعة المشتملة على تعليق الشهيدي.

210

لظهور قوله: خذ ابنه حتى ينفذ لك البيع وقوله: فلما رآى ذلك سيّد الوليدة أجاز بيع ابنه في انّ بيع الفضولي ينفذ بالإجازة ويكون الإشكال على تطبيق الحكم في المورد فيردّ علم هذا التطبيق على المورد إلى أهله، لانّ الإجازة كانت في المورد بعد الردّ ولكن يؤخذ بالحكم العام في سائر الموارد التي لا تكون الإجازة فيها بعد الرد ولا عيب في ذلك.

وفسّر السيد الخوئي ـ على ما يظهر من المحاضرات(1) بانّنا لو كنّا نتمسّك بالحديث على أساس القطع بعدم الفرق والتعدي إلى أمثال المورد، إذن لما تعدينا إلّا إلى ما يكون من قبيل المورد وهو موارد الإجازة المسبوقة بالرد، وهنا يتركّز الإشكال بانّ نفوذ الإجازة المسبوقة بالرد خلاف الإجماع، ولكن الاستدلال ليس بذلك بل بظهور نفس الحديث في الحكم العام.

أقول: إنّ هذا التفسير لكلام الشيخ غريب ولا معنى لفرض توهّم أحد التعدي إلى خصوص الإجازات التي تكون بعد الرد، لعدم احتمال دخل الرد في صحّة المعاملة وانّما الذي يظهر من كلام الشيخ (رحمه الله) ما ذكرناه من انّه إن كان التعدي بواسطة القطع الخارجي بعدم الفرق ورد الإشكال بانّ الحكم في المقيس عليه غير صحيح فكيف نتعدى منه إلى غيره، وإن كان بالاستظهار العرفي من نفس الحديث فغاية ما في الأمر بطلان تطبيق الحكم على مورد الحديث لكن يبقى أصل الحكم ثابتاً بلا إشكال.

وقد أورد السيد الخوئي(2) على الشيخ بما ينبغي أن يكون المراد منه: انّ


(1) المحاضرات 2: 299.

(2) في المحاضرات 2: 299 ـ 300.

211

الحديث لو كان يدل على نفوذ الإجازة بعموم لفظي أو إطلاق حكمي وكان قد طبّق هذا الحكم العام على المورد تطبيقاً غير صحيح باعتبار مسبوقية الإجازة بالرد لصح القول بانّنا نأخذ بالحكم ونطرح التطبيق، ولكن الأمر لم يكن كذلك فالمدلول المطابقي للحديث ليس إلّا نفوذ الإجازة الواردة في مورده والمدلول الالتزامي له هو إطلاق الحكم لسائر الموارد على أساس استظهار العرف للتعدّي والدلالة الالتزامية تتبع الدلالة المطابقية في الحجية، وبما انّ الدلالة المطابقية في المقام ساقطة عن الحجية إذن لا يمكن الأخذ بالإطلاق الذي كان بالالتزام لا بمقدمات الحكمة.

وأمّا الجواب الخاص فبالإمكان الإجابة على كل واحد من الإشكالات الثلاثة:

أمّا الإشكال الأوّل ـ وهو كون الإجازة في مورد الحديث مسبوقة بالرد فقد أجاب عليه عديد من المحققين(1)، بانّ الرد يعني حل العقد لا مجرّد الكراهة وعدم الرضا أو التردد والقرائن التي تذكر لإثبات الرد في مورد الحديث لا تدلّ على أكثر من عدم الرضا فانّه ما دام غير راض بالعقد فالعقد لا زال محكوماً بعدم الإمضاء ومعه تحقّ للسيد الأوّل المخاصمة واسترجاع ما باعه ابنه بلا اذنه، وذلك يوجب مناشدة السيد الثاني وكما جاء في المصباح(2) لو كان مجرّد الكراهة أو عدم الرضا والتردّد كافياً في نظر الأصحاب في عدم قابلية العقد للحوق الإجازة


(1) راجع المحاضرات 2: 297 ـ 298، ومصباح الفقاهة 4: 29 ـ 30، وكتاب البيع للسيد الإمام 2: 112، وتعليقة الشيخ الاصفهاني على المكاسب 1: 133.

(2) مصباح الفقاهة 4: 30.

212

لما افتوا بصحّة بيع المكره بعد لحوق الرضا، مع انّ الإكراه موجود عادة آناً مّا بعد البيع.

هذا وذكر السيد اليزدي (رحمه الله) في تعليقته على المكاسب(1) انّه لا مانع من العمل بهذا الحديث فيكون الحديث دليلاً على صحّة الإجازة بعد الرد.

أقول: بعد تسليم ظهور الحديث في الإجازة بعد الرّد يكون كلام السيد اليزدي (رحمه الله) متيناً، فانّ الإجماع في المقام لو ثبت لم نعرف تعبديته، فلعله يعتمد على دعوى عقلائية المطلب لانّ الرد إنهاء للعقد مثلاً، ولو فرض انّ مقتضى القاعدة عدم نفوذ الإجازة بعد الرد لكون الرد إنهاءً للعقد مثلاً فليكن الحديث دليلاً على نفوذها على خلاف القاعدة سنخ ما لو لم نقبل موافقة أصل صحّة عقد الفضولي بالإجازة لمقتضى القواعد وصحّحناه بهذا الحديث.

والتحقيق في المقام انّ الرد تارة يقصد به مجرّد إبراز الكراهة واُخرى يقصد به حل العقد.

فإنْ قصد به الأوّل وقيل: إنّ هذا هو الذي يوجب عدم قابلية لحوق الإجازة للتأثير وهذا لا يرد عليه النقض بقابلية لحوق بيع المكره بالإجازة المتأخّرة، لان ما تعارف ثبوته بعد البيع آناً مّا انّما هو الكراهة الباطنية لا إبراز الكراهة.

قلنا: لا شك في ظهور الحديث في كون الإجازة بعد الرد فان الخصومة والاسترداد ظاهران في إبراز الكراهة بلا إشكال وهذا في أكبر الظن هو مقصود الشيخ الانصاري (رحمه الله) حين ما قال: «إنّ ظهور الرواية في ردّ البيع أوّلاً ممّا لا


(1) تعليقة السيّد اليزدي على المكاسب: 135.

213

ينكره المنصف» ونحن نأخذ بهذا الظهور ويكون حجة بل حتى لو لم يكن لدينا هذا الحديث وكنّا قد اثبتنا صحّة عقد الفضولي بمقتضى القاعدة قلنا: إنّه لا يوجد في المرتكزات العقلائية ما يقتضي مضرية إبراز الكراهة ومنعه عن تأثير الإجازة اللاحقة ولو ثبت إجماع لم يعلم كون موضوعه هذا المعنى من الرد.

وإن قصد به الثاني أعني حل العقد والقرار فهذا بمعناه الحقيقي لا يعقل صدوره ممّن لم ينتحل بعد العقد والقرار ولم يفرضه قرار نفسه، وانّما يعقل صدوره من الأصيل الذي تعاقد مع الفضولي فلو عدل الأصيل عن العقد قبل إمضاء المالك الذي باع الفضولي ماله مثلاً لم تفد الإجازة، فهو نظير عدول الموجب قبل قبول القابل الذي يوجب سقوط القبول عن الالتحاق بالإيجاب إذ لا بد من بقاء القرار في نفس الموجب كي يتم بالقبول ربط قرار بقرار، وكذلك فيما نحن فيه تكون الإجازة انتحالاً لقرار الفضولي ولا بد ان ترتبط هذه الإجازة أو القرار المنتحل بقرار الأصيل وهذا فرع بقاء قرار الأصيل وعدم عدوله عنه، أمّا المجيز فلا يعقل صدور حل العقد والقرار عنه بمعنى العدول وكسر القرار حقيقة. نعم قد يقال: إنّ له كسر القرار اعتباراً بان ينشىء إفناء القرار فكأنّ مالكيته للمال تعطيه حقّاً من هذا القبيل إلّا انّنا لا نرى نكتة عقلائية لذلك، ومالكيته انّما تعطيه حق ان يجيز أو لا يجيز ولو فرضت عقلائيته فلا دليل على صدور ذلك منه في مورد الحديث، ولو فرض صدور ذلك منه في مورد الحديث فالحديث دال على عدم تأثيره في إبطال الإجازة اللاحقة ولا حجية للإجماع لو ثبت لعدم ثبوت تعبّديته.

وأمّا الإشكال الثاني ـ وهو كون الحبس المشروع في من يمتنع عن أداء دينه هو حبس نفس المدين لا ابنه والابن حرّ فلماذا يأخذه السيد الأوّل.

فجوابه: إنّ المسلّم فيه عدم جواز حبس الابن انّما هو ما إذا لم يكن الدين

214

عبارة عن ثمن نفس هذا الابن، أمّا إذا كان الدين عبارة عن ذلك فلا مانع من قيام دليل تعبدي على جواز أخذ الابن بثمنه وهذا الحديث إمّا يقصد به استرقاق الابن إلى ان يفديه ابوه بثمنه بأن يفترض انّ الوطىء بالشبهة ليس كالوطىء بالنكاح موجباً لحرّية الابن على الإطلاق، أو يفترض انّ النكاح من طرف الام كان زنا وانّ هذا كان سبباً لاسترقاق الابن أو يقصد به جواز أخذه في مقابل ثمنه وبعد أخذ ثمنه يدفع إلى أبيه وقد ورد على كل من الاحتمالين أعني الاسترقاق أو الأخذ بالثمن بعض الروايات في امة دلّست نفسها بدعوى الحرية فتزوّجها أحد من الناس، وفي بعضها يقيد الاسترقاق بما إذا لم يقم الزوج البينة على انّه انّما تزوّجها على انّها حرّة(1)، ولعل ظاهر صحيحة محمّد بن قيس التي نتكلّم عنها هو الاسترقاق، ولو حمل جمعاً مثلاً على أخذ الولد بثمنه لا بعنوان الاسترقاق حملناه أيضاً على أخذه بعد امتناع الزوج من دفع قيمته فليس هو صريحاً في أخذ الولد قبل امتناع الزوج من دفع قيمته، بحيث لا يقبل التوجيه كي يعترض بانّه كيف حل له أخذ الولد قبل مطالبة الثمن والامتناع؟!

وهناك أيضاً طائفة اُخرى من الروايات وهي ما دلّت على انّ ولد الامة من حرّ غير المولى مملوك للمولى حتى ولو لم يكن من زنا أو من وطىء شبهة إلّا إذا اشترط الزوج منذ البدء حرّية أولادها(2)، فقد تكون صحيحة محمّد بن قيس ناظرة إلى هذا المعنى.


(1) راجع الوسائل 14، الباب 67 من أبواب نكاح العبيد والإماء والباب 7 من أبواب العيوب والتدليس.

(2) راجع الوسائل 14: 530 ـ 531، الباب 30 من أبواب نكاح العبيد والإماء.

215

ومن جملة المحامل التي ذكرت لهذه الروايات هو التقية، ومن جملة وجوه الجمع بين الروايات الواردة في شراء الامة المسروقة الدالة بظاهرها على انّ ولدها حرّ ويكون المشتري ضامناً لقيمة الولد يدفعها إلى المولى وروايات الحكم بمملوكية الولد في بعض الفروض المختصة جميعاً بمسألة التزويج، هو التفصيل بين فرض التزويج وفرض شراء الامة المسروقة، فالمملوكية ولو في بعض الصور مخصوص بفرض التزويج دون الشراء.

وعلى أي حال فبحث حال أولاد الامة المزوّجة من الحرّ أو المبيعة فضولة أو غصباً من الحر موكول إلى محلّه.

وأما الإشكال الثالث ـ وهو انّه كيف يجوز سجن ابن المولى الأوّل قبل مطالبته بالثمن وامتناعه؟! فقد اتضح جوابه أيضاً ممّا ذكرنا آنفاً، فانّ الحديث ليس صريحاً في الإطلاق بحيث لا يمكن توجيهه، فلو فرض له ظهور في تجويز سجنه قبل امتناعه من دفع الثمن وأن هذا واضح الحرمة، إذن يحمل لا محالة على السجن بعد الامتناع.

والإنصاف انّ هذا الحديث الصحيح الصريح من أقوى الأدلّة على صحّة عقد الفضولي بالإجازة اللاحقة.

ومنها ـ روايات(1) صحّة نكاح العبد بدون اذن مولاه إذا أعقبته الإجازة، من قبيل ما ورد بسند تام عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن مملوك تزوّج بغير اذن سيده فقال: ذاك إلى سيده إن شاء أجازه وإن شاء فرّق بينهما قلت أصلحك الله انّ الحكم بن عيينة وابراهيم النخعي وأصحابهما يقولون: إنّ أصل


(1) الوسائل 14، الباب 24 ـ 27 من أبواب نكاح العبيد والإماء.

216

النكاح فاسد ولا تحلّ إجازة السيد له فقال أبو جعفر (عليه السلام): إنّه لم يعص الله وانّما عصى سيده، فإذا أجازه فهو له جائز(1).

ووجه الاستدلال يمكن أن يكون أحد أمرين:

الأوّل ـ انّه اقتصر في مورد الحديث بالإجازة المتأخّرة من قبل مالك العبد لنكاح العبد، في حين انّ نكاح العبد مشروط برضا المولى إمّا بلحاظ كون النكاح نوع تصرّف له في نفسه المملوكة للمولى، أو بلحاظ انّ نفس عبوديته للمولى تقتضي التزامه بأوامر المولى في النكاح وغيره ولو لم يفترض تصرّفاً في مملوك المولى، وبعدم احتمال الفرق عرفاً يتعدى من باب النكاح إلى العقود المالية. وهذا الوجه عام في جميع روايات الإجازة المتأخّرة لنكاح العبد.

والجواب: انّ احتمال الفرق عرفاً موجود لانّ العقود المالية بحاجة إلى نوع من الانتساب إلى المالك أو التبنيّ والانتحال من قبل المالك، في حين انّ نكاح العبد لا دليل على ازيد من اشتراطه برضا المولى فلعلّه في مثل هذا الفرض يكفي الرضا المتأخّر، بخلاف ما لا يكون من قبيله فالتعدّي إن تمّ فانّما يتم ـ على حد تعبير السيد الخوئي ـ إلى مثل التزويج ببنت أخ الزوجة أو بنت اختها المعتبر رضاها فيه(2).

الثاني ـ التمسّك بعموم التعليل فيما يكون مشتملاً على التعليل كحديث زرارة الذي مضى، حيث علّل الحكم بانّه ما عصى الله وانّما عصى سيده فهذا يعطي قاعدة عامّة وهي انّه متى ما كان العقد معصية لله لم يصحّ بالإجازة


(1) الوسائل 14: 523، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 1.

(2) راجع المحاضرات 2: 302.

217

المتأخّرة، ومتى ما كان معصية للمخلوق صحّ بإجازته المتأخّرة، فبعموم التعليل نتعدى إلى العقود المالية.

وهذا الوجه انّما يكون وجهاً مستقلاًّ عن الوجه الأوّل لو فرضنا العموم المستفاد من التعليل ـ بقطع النظر عن نكتة الوجه الأوّل ـ عبارة عن انّ العقد الذي كان عيبه معصية المخلوق يصحّ بإجازته المتأخّرة، أمّا لو قلنا: إنّ عموم التعليل المستفاد في المقام ـ لولا عدم احتمال الفرق عرفاً ـ ليس بأكثر من أنّ النكاح الذي يكون عيبه عبارة عن معصية المخلوق يصحّ بإجازته المتأخّرة، فالتعدّي إلى العقود المالية يكون بحاجة إلى عدم احتمال الفرق، وهذا يعني الرجوع إلى الوجه الأوّل.

وبكلمة اُخرى: انّ هناك فرقاً بين ما نحن فيه ومثل لا تأكل الرمّان لانّه حامض، وهو انّ الأكل في مثال لا تأكل الرمّان لانّه حامض لم يكن له قيد إلّا قيد كونه أكلاً للرمّان والمفروض انّ ظهور التعليل في كونه تعليلاً بمفهوم أوسع من مفهوم المعلّل قد أسقط قيد الرمّان. إذن دلّ عموم التعليل على انّ الحكم ثابت لأكل كل شيء حامض. وأمّا في المقام فالحكم المعلّل كان مشتملاً على قيدين: أحدهما قيد النكاح، والآخر قيد كون الناكح عبداً لم يستأذن مولاه، وعموم التعليل ظاهر في إسقاط أحد القيدين فان قلنا: إنّه يكفي إشباعاً لهذا الظهور إسقاط القيد الثاني فالتعدّي انّما يكون في دائرة النكاح لا في دائرة العقود بشكل عام إلّا تمسّكاً بعدم احتمال الفرق وهو رجوع إلى الوجه الأوّل.

وعلى أيّة حال فبعد تسليم كون هذا الوجه مستقلاًّ عن الوجه الأوّل يرد عليه: انّ هذا الحديث ليس له ظهور في أكثر من انّ عيب العقد الناتج من معصية المخلوق يرتفع بإجازته المتأخّرة، ولكن المعصية ترتفع بالرضا بلا حاجة إلى