93

أقول: بعد الاعتراف بعدم دلالة هذه الروايات على مبدأ ولاية الفقيه العامّة فهي إنما تدلّ على أنّ الفقهاء هم منار الطريق في فهم الشريعة، وهم مشعل الهداية والنور، وهذا كما ينسجم مع افتراض إعطاء السلطة والحكم بيد أحدهم في فرض بلوغ الأُمّة مستوى استلام زمام الحكم كذلك ينسجم مع افتراضها في يد إنسان عادل أمين غير فقيه متقيّد بالرجوع فيما يكون للتخصّص الفقهي دخل فيه إلى الفقيه.

هذا تمام الكلام في تتميم الأساس الأوّل لمبدأ ولاية الفقيه، وهو مبدأ الأُمور الحسبيّة بفرض قيام الدليل على شرط الفقاهة في قائد الأُمّة الإسلاميّة لدى الإمكان.

 

شرط الفقاهة في ضوء القدر المتيقّن:

وأمّا تتميمه بضرورة الالتزام في مقابل أصالة عدم الولاية بالقدر المتيقن فتقريبه: أنّ احتمال شرط التخصّص في فنّ الفقه في قيادة الأُمة نحو منهج يكون هدفه تطبيق نظام الإسلام على وجه الأرض المتمثّل في الفقه لا محالة واردٌ بلا إشكال، واحتمال اشتراط عدم التخصّص في الفقه غير وارد بالضرورة، وهذا لا محالة يجعل الفقيه هو القدر المتيقن ممن له أهلية القيادة، ولا يوجد فن آخر يختصّ التخصّص فيه عادة بفئة من الناس، ويصعب للآخرين تحصيل التخصّص فيه، ويكون دخيلا في تطبيق نظام الحقّ بما يناظر دخل الفقه في ذلك، بحيث يجعل ذلك مقابلا للفقه، ويقال باحتمال دخل التخصّص فيه في القيادة من دون احتمال دخل عدمه فيها حتى يفترض أنه إذا تقابل شخصان: أحدهما متخصّص في الفقه دون ذاك الفنّ، والآخر متخصّص في ذاك الفنّ دون الفقه، فأمر القيادة يدور بلحاظهما بين المتباينين لا بين القدر المتيقن لصالحيّة القيادة وغيره.

وهذا التقريب في الحالات الاعتياديّة صحيح.

94

2 ـ على أساس الأدلّة اللفظيّة لوجوب إقامة الحكم:

 

الأساس الثاني لمبدأ ولاية الفقيه هو الأدلّة اللفظيّة الدالّة على أنّه يجب على الناس خلق السلطة الإسلاميّة عند عدمها، وهذا أيضاً يكون بحاجة إلى نفس المتمّم الذي ذكرناه في الأساس الأوّل، أعني ضمّ أدلّة اشتراط الفقاهة في من يلي أُمور المسلمين أو ضمّ قاعدة الاقتصار ـ في مقابل أصالة عدم الولاية ـ على القدر المتيقّن، وهو الفقيه.

وهذا المتمّم قد عرفت حاله فلا حاجة إلى تكرار الحديث عنه، وقد عرفت أن التمسّك بفكرة القدر المتيقّن أمر صحيح في الحالات الاعتيادية.

فالذي يبقى هناك للبحث هو أننا هل نمتلك حقاً أدلّة لفظية تدلّ على وجوب خلق السلطة الإسلامية عند عدمها لدى الإمكان، أو لا؟ ولنفترض كما قلناعدم استلزام ذلك لإراقة الدماء، كي لا يتوقّف هذا البحث على قبول نتيجةالبحث السابق.

ولعلّ من خير ما يمكن جعله دليلا لفظياً على وجوب إقامة السلطة والحكم آيات الخلافة من قبيل قوله تعالى: ﴿ وإذ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَة إِنّي جاعِلٌفي الأرضِ خَليفة ﴾(1). بناء على أنّ المقصود من هذه الآية خلافة البشر لا خلافة شخص آدم (عليه السلام) ولو بقرينة تخوّف الملائكة الذي هو تخوّف من جنس البشر لامن شخص آدم (عليه السلام)، وقوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأرضِ ﴾(2)،


(1) سورة البقرة: الآية 30.

(2) سورة الأنعام: الآية 165.

95

وقوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذي جَعَلَكُمْ خَلائفَ في الأرضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيه كُفْرُهِ ﴾(1)، وقوله تعالى: ﴿ وَأنْفِقُوا ممّا جَعَلَكُم مُستخلَفينَ فيه ﴾(2)، وقوله تعالى: ﴿ أَمَّن يُجيبُ الُمضْطَرَّ إذا دَعاهُ وَيكشِفُ السَّوءَ ويجعَلُكُمْ خُلَفاءَ الأرْضِ ﴾(3). والظاهر أن المراد بالخلافة في هذه الآيات هو خلافة اللّه، وهي تقتضي الحكم والإدارة، أما حملها على الخلافة بمعنى كونهم خَلَفاً لمن قبلهم، وحمل الآية الأُولى على أنه قبل آدم كان ناس آخرون في الأرض فأخبر اللّه تعالى الملائكة بأنه سيجعل في الأرض خلفاء لأُولئك الناس فهو بعيد جداً لأمرين:

الأوّل: أنّ المتكلم لو قال: جعلت فلاناً خليفة ولم يذكر المستخلف عنه فظاهر ذلك أنه يقصد جعله خليفة عن نفس المتكلم، فإنّ فرض مستخلف عنه آخرغير المتكلّم تعتبر فيه مؤونة زائدة تحتاج إلى الذكر، فالمتكلّم نفسه له نوعحضور في كلامه يستغني بذلك عن ذكره، لكن لو قصد الاستخلاف عن شخص آخر فالمناسب ذكره في سياق الكلام، وبهذا يتّضح الفرق بين هذه الآياتوآيات أُخرى من قبيل قوله تعالى: ﴿ ولقد أَهْلَكْنا القُرونَ مِنْ قَبلِكُم لمّا ظَلَموا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بالْبيّنات وَما كانوا ليُؤْمنوا كذلك نجزي القومَ المجرمين * ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائفَ في الأرْض مِنْ بَعْدِهِمْ لننظُرَ كيف تعملون ﴾(4)، وقوله تعالى: ﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَنجينْاهُ وَمَن مَعَهُ في الفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأغْرَقْنا الّذينَ كَذَّبُوا


(1) سورة فاطر: الآية 39.

(2) سورة الحديد: الآية 7.

(3) سورة النمل: الآية 62.

(4) سورة يونس: الآية 13 ـ 14.

96

بآياتنا ﴾(1)، وقوله تعالى: ﴿ وَاذْكُروا إذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَومِ نُوح ﴾(2)، وقوله تعالى: ﴿ وَاذْكُروا إذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عاد وَبَوَّأَكُمْ في الأرْضِ ﴾(3).

ففي هذه الآيات قد جاء ذكر قوم بادوا واستخلاف قوم آخرين، فيحتمل كون المقصود استخلافهم عن الذين بادوا، بخلاف تلك الآيات، ففي أكبر الظنّ أنّ المقصود بها هي الخلافة عن اللّه من قبيل الخلافة في قوله تعالى: ﴿ يا داودُإنّا جَعَلْناكَ خَليفةً في الأرْضِ فاحْكُمْ بينَ النّاسِ بالْحقّ ﴾(4) الواضح في إرادة الخلافة عن اللّه بقرينة تفريع الحكم بالحقّ عليها، إلاّ أنّ المقصود في هذهالآية هي الخلافة الشخصيّة لداود (عليه السلام) والمقصود في تلك الآيات هي الخلافة النوعية لجنس البشرية.

والثاني: أنه لا توجد أيّة نكتة بلاغيّة في التركيز على كون جماعة خلفاً لجماعة آخرين، اللهمّ إلاّ أن يقال: إنه كان المقصود إلفات النظر إلى نكتة تعرف بالملازمة وبالواسطة. بيانها أن يقال: إذا كنتم خلفاء للذين رحلوا وبادوا فاعلموا أنكم أيضاً ستصيرون إلى نفس المصير، فعليكم إذن الالتزام بطاعة اللّه قبل أنْ تهلكوا كما هلك الذين كانوا من قبلكم، وهذا بخلاف ما إذا حملت الخلافة على الخلافة عن اللّه تعالى بمعنى الوكالة عنه، ففي ذلك إشارة بليغة إلى أنه يجب عليكم الالتزام بتطبيق أوامر اللّه في الأرض؛ لأنكم لستم المُلاّك الحقيقيين في


(1) سورة يونس: الآية 73.

(2) سورة الأعراف: الآية 69.

(3) سورة الأعراف: الآية 74.

(4) سورة ص: الآية 26.

97

الأرض، وإنما أنتم الخلفاء والوكلاء عن اللّه تعالى، فلابدّ من التزامكم بتعاليم المستخلف عنه والموكّل، على الخصوص في الآية الأخيرة التي ربطت بين الإنفاق والاستخلاف بقوله تعالى: ﴿ أنفِقوا ممّا جَعَلَكُم مُسْتَخْلَفينَ فيه ﴾، فأيّ علاقة مقبولة تراها بين الإنفاق والاستخلاف لو قصد به الاستخلاف عن قوم سابقين؟! اللهمّ إلاّ أن يقال أيضاً: إن كونكم خلفاء للذين بادوا مؤشر على أنكم أيضاً ستبيدون، إذن فأنفقوا في سبيل اللّه قبل أن تبيدوا. في حين أنه لو حمل الاستخلاف على الاستخلاف عن اللّه تعالى فالمناسبة البليغة بين الإنفاق والاستخلاف واضحة، والمعنى عندئذ ـ واللّه العالم ـ أنكم لستم ملاّكاً لهذه الأموال وإنما أنتم مستخلفون عن المالك ـ وهو اللّه تعالى ـ إذن لابدّ لكم من امتثال أمره بالإنفاق.

فإذا ثبت أنّ المقصود بالخلافة في هذه الآيات الخلافة عن اللّه تعالى أمكن إثبات اشتمال ذلك على ضرورة إقامة سلطة الحقّ بأحد تقريبات ثلاثة:

التقريب الأول: أن يقال: إنّ الحاكم على بلد لو قال: جعلتُ فلاناً خليفة في ذاك البلد يفهم منه جعل فلان حاكماً في ذاك البلد وفق تعاليمه هو، واللّه تعالى حاكم على العالمين وفي السماوات والأرض، فحينما يقول: إن البشرية خليفتي في الأرض يكون معنى ذلك أنّ البشرية حاكمة في الأرض نيابةً عن اللّه تعالى، فعليها أن تحكم وفق تعاليمه وأوامره ونواهيه ـ جلّ وعلا ـ وبما أنه لا يمكن أن يكون كلّ فرد فرد حاكماً مستقلا على وجه الأرض، فالمقصود إذن أن يكون كلّ فرد مساهماً بقدره في الحكم، وذلك بتأسيس الحكم على أساس الانتخاب والتصويت، فمن حق كلّ أحد أن يدلي بصوته ويكون بهذا المقدار سهيماً في الحكم.

98

فالأصل في الحكم أن يكون انتخابيّاً إلاّ حينما يرى اللّه سبحانه تعيين الحاكم بالنصّ النازل من السماء لعدم صلاحيّة الناس مثلا للقيام بحمل العبء.

التقريب الثاني: أنّ ما للّه تعالى على العوالم ـ ومنها عالم الأرض ـهو الحاكميّة بتوابعها المقصودة للّه تعالى من عمران البلاد وإشاعة العدل،ونشر أحكام اللّه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما إلى ذلك، ومعنىخلافة البشريّة عن اللّه في الأرض إيكال كلّ هذه الأُمور إلى نوع البشريّة،وليس من الضروري أن يكون ذلك بإسهام كلّ فرد في الحكم عن طريق الانتخاب، بل على كلّ فرد أن يحمّل جزءاً من هذا العبء الواسع، فمنهممن يساهم في تعمير البلاد، ومنهم من يساهم في تهيئة الأرزاق أو سائر الضرورات للعباد، ومنهم من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ومنهم منيقيم الحكم الإسلامي في العباد، فلا ينافي ذلك فرض كون الحاكم معيّناً بنصّمن السماء لا بالانتخاب، ولكن حين فقدان حاكم ظاهر منصوص لابدّ منتحقيق ذلك أيضاً من قبل البشريّة بوجه من الوجوه تكميلا لمعنى الخلافة منقبل اللّه تعالى.

وهذا الاحتمال إن لم يكن أظهر من الاحتمال الأوّل فالاحتمال الأوّل ليس أظهر منه، ومن هنا لا نرى آيات الخلافة دليلا على الانتخاب.

التقريب الثالث: لو فرضنا أنّ خلافة اللّه لا تدلّ على أكثر من ضرورة تطبيق الأحكام الإلهيّة على وجه الأرض فقد يقال: إنّ كون إقامة السلطان على وجه الأرض من أحكام اللّه على الناس أوّل الكلام، فالتمسّك لإثباتها بالآية مصادرة على المطلوب.

99

ولكن الجواب على ذلك: أنّه من الواضح أنّ تطبيق الأحكام الإلهيّة كاملة على وجه الأرض يتوقّف على إقامة السلطان، فإيجاب ذلك يدلّ بالملازمة على إيجاب إقامة السلطان من قبلهم حينما لا يكون السلطان معيّناً بنصّ من السماء.

والفرق العملي بين هذا التقريب والتقريبين الأوّلين أنّ هذا التقريب سوفلن يفيدنا بأكثر من دليل الحسبة؛ أي أنّه لا يثبت به كون الولاية في الكماليّات أيضاً بيد السلطان؛ لأنّها ليست داخلة في المقدّمة التي يتوقّف عليها تطبيق الأحكام الإلهيّة ويسري إليها الوجوب لأجل الضرورة؛ إذ لا ضرورة فيها.

وممّا يمكن الاستدلال به على المقصود أيضاً قوله تعالى: ﴿ إنّا عَرَضْناالأمانَةَ عَلَى السَّماواتِ والأرْضِ وَالْجبالِ فَأَبيْنَ أن يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ منْهاوَحَمَلَها الإنْسانُ إنَّهُ كان ظَلُوماً جَهُولا ليُعَذّبَ اللّه الْمُنافقينَ وَالْمُنافقاتِ وَالْمُشركينَ وَالْمُشركاتِ وَيَتوبَ اللّه على المؤْمنينَ وَالمؤمناتِ وكان اللّهغَفُوراً رحيماً ﴾(1) بناء على أنّ الأمانة التي يمكن أن توصف بأنّها أثقل منأن تحملها السماوات والأرض والجبال وحملها الإنسان لا تكون إلاّ عبارةعن منصب خلافة اللّه. أمّا ما ورد في عديد من الروايات من تفسير الآية بأنّاللّه عرض على السماوات والأرض والجبال ولاية عليّ (عليه السلام) فأبين أن يغصبنها، وغصبها الإنسان الظالم(2) فهو ممّا لا ينسجم مع بلاغة القرآن وسموّه، وتنزيلٌله إلى ما هو أحطّ من كلام الإنسان الاعتيادي، ومعه لا يحتمل صدق هذه الروايات.


(1) سورة الأحزاب: الآية 72 ـ 73.

(2) راجع تفسير البرهان 3: 340 ـ 342.

100

وقوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولا ﴾ يمكن أن يفسّر بمعنىً لا يكون تعليلا لحمل الإنسان للأمانة بأن يكون المقصود به استئناف الحديث بأنّ الإنسان لظلمه وجهله خان كثيرٌ من أفراده هذه الأمانة، وميّز اللّه تعالى ـ بتحميله الإنسان لهذه الأمانة ـ بين المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الخائنين للأمانة ليعذّبهم وبين المؤمنين والمؤمنات الذين أدّوا الأمانة حقّها، وإن أخطؤوا فقد أخطؤوا أخطاء جانبية يغفرها اللّه لهم ويتوب عليهم.

ويمكن أن يفسّر بمعنى التعليل لحمل الإنسان للأمانة بأن يقال: إنّ الذي يخون الأمانة كان المفروض به أن لا يحملها منذ البدء كي لا يُبتلى بخيانتها، لكن ظلمه وجهله حمله على قبول الأمانة.

ومما يمكن أن يستدلّ به على المقصود الأوامر المتوجّهة إلى المجتمع التي يتوقف امتثالها غالباً على فرض وجود الحكومة والاستعانة بها، فيفهم عرفاً من ذلك أننا مأمورون بإقامة الحكومة التي تحقّق هذه الأُمور إن لم تكن معيّنة من قبل اللّه تعالى، وبالالتفاف حولها، ووضعها في محلها إن كانت معيّنة من قبل اللّه تعالى.

وذلك من قبيل الأوامر بإجراء الحدود، أو الأوامر بتوحيد الكلمة والاعتصام بحبل اللّه وعدم التفرّق.

إلاّ أنّ هذا الوجه لا يزيد في النتيجة على وجه التمسّك بالحسبة، أي أنه لا يُنتج لنا إطلاقاً لفظياً نتمسّك به لإثبات ولاية الدولة في أوامرها في الشؤون الكمالية التي لم يكن من الضروري إصدارها.

وهناك وجوه أُخرى من الأدلّة اللفظية على المقصود ذكرت في كتاب دراسات في ولاية الفقيه حذفنا بحثها ومناقشتها اختصاراً للكلام.

101

3 ـ على أساس النصّ على ولاية الفقيه:

 

الأساس الثالث لمبدأ ولاية الفقيه هو التمسّك بالنص الدالّ على ولاية الفقيه مباشرة، وهنا نكتفي ببحث رواية واحدة، وهي التوقيع المروي عن إسحاق بن يعقوب قال: «سألت محمد بن عثمان العمريّ أن يوصل لي كتاباً قد سألتُ فيه عن مسائل أشكَلَتْ عليّ، فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزّمان (عليه السلام): أمّا ما سألت عنه أرشدك اللّه وثبّتك... ـ إلى أن قال ـ: وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم، وأنا حجّة اللّه»(1).

 

سند الحديث:

وسند الحديث إلى الكليني يشبه أن يكون قطعياً ـ كما وضّحناه في كتاب أساس الحكومة الإسلامية وفي بحثنا في الأُصول في حجية خبر الواحد ـ لأنّ الشيخ (قدس سره) يرويه عن جماعة فيهم المفيد، عن جماعة فيهم جعفر بن محمد بن قولويه وأبو غالب الزراري عن الكليني، ورواه أيضاً الصدوق عن محمد بن محمد بن عصام عن الكليني.

وعيب السند عبارة عن الراوي المباشر، وهو إسحاق بن يعقوب الذي لم يترجم في كتب الرجال، ولكنه شخص حدّث الكليني بورود توقيع عليه من صاحب الزمان عجّل اللّه فرجه، وافتراء توقيع على الإمام ـ في ظرف غيبة الإمام


(1) وسائل الشيعة 18: 101، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 9، وكمال الدين: 484، الباب 45 التوقيعات ـ التوقيع الرابع ـ طبعة دار الكتب الإسلامية بطهران، وكتاب الغيبة للطوسي (رحمه الله): 177، مطبعة النعمان في النجف الأشرف.

102

وفي ظرف تكون للتوقيع قيمته الخاصّة، بحيث لا يرد إلاّ للثقات الخواصّ، وقُدسيّته في النفوس ـ لا يكون إلاّ من قبل خبيث رذل، فهذا الشخص أمره دائر بين أن يكون في منتهى درجات الوثاقة أو يكون من الخبثاء والسفلة، ولا يحتمل عادةً كونه متوسّطاً بين الأمرين، ولو كان الثاني هو الواقع لما أمكن عادة خفاء ذلك على الكليني مع ما هو عليه من ضبط ودقة بحث يحتمل صدقه في نقل ورود التوقيع خاصّة، وهو معاصر للغيبة الصغرى ولعصر التوقيعات.

ولك أن تبرز أُسلوباً آخر لتصحيح الحديث، وهو أنّ كذب إسحاق بن يعقوب لو فرض فإمّا أن يفرض في أصل التوقيع أو في بعض خصوصياته فإن فرض في أصل التوقيع فهو مما لا يخفى على مثل الكليني الدقيق في ضبط الأحاديث المعاصر للتوقيعات، ولا أقل من أنه كان يرتاب في صحّة هذا النقل إلى حدّ يردعه عن أن يرويه، وإن فرض في بعض خصوصياته فالتحريف في بعض خصوصيات التوقيع بعد ثبوت صدق أصل التوقيع لو احتمل بشأن الخواصّ الذين لم يكن تصدر التواقيع إلاّ إليهم إنما يكون لأحد سببين: إمّا لمصلحة شخصية كبيرة في هذا التحريف دعت الراوي إلى تحريفه، وإمّا لتساهل في النقل بعد عدم الضبط الدقيق، والأوّل لا يتصوّر في المقام لعدم تصوّر أيّ مصلحة شخصية في التحريف في ما نحن فيه لهذا الراوي، والثاني إن كان يحتمل في النقول الشفهية لا يحتمل عادة في التوقيعات المرويّة عن الإمام صاحب الزمان في عصر يعتزّ بالتوقيع فيه ويحتفظ به.

ولك أن تقول ـ بغضّ النظر عن وثاقة إسحاق بن يعقوب وعدم وثاقته ـ: رجوع هذا التوقيع إلى عصر الكليني مقطوع به؛ لما عرفت من أنّ راويه هو

103

الطوسي، عن جماعة منهم المفيد، عن جماعة منهم جعفر بن محمد بن قولويه وأبو غالب الزراري، عن الكليني، واحتمال تسرُّب توقيع كذب إلى مثل الكليني في عصر الغيبة الصغرى وفي عصر التوقيعات، ونقل الكليني إياه بعيد جداً، فليس حديث كاذب منقول عن إمام حاضر في الحالات الاعتيادية وانطلاؤه على بعض الشيعة بعيداً، لكن انطلاء توقيع كاذب عن الإمام الغائب في ظرف تتلهّف الشيعة لرؤية توقيع إمامهم، وتهتمّ بطبيعة الحال بفهم صدق التوقيع وكذبه، وعدم انكشاف أمره على مثل الكليني بعيد، وافتراض أنّ الناقل يدّعي أنّ التوقيع ورد عليه بخط الإمام صاحب الزمان ومع ذلك لا يطالبه الكليني بإراءته للخطّ مع افتراض عدم وضوح صدق الراوي لدى الكليني بعيد جدّاً.

أمّا عدم نقل الكليني في الكافي لهذا التوقيع المهمّ فليس موهناً له؛ لأنّ الكافي كُتب لعامّة الناس، فوجود مثل هذا التوقيع فيه الذي يشخّص بالاسم إنساناً ورد له التوقيع وهو إسحاق بن يعقوب غير صحيح؛ لأنّه قد يصبح ولو تحت تعذيب الأعداء سبباً لمعرفة نائب الإمام الذي ورد عن طريقه التوقيع، ومن المعلوم أنّ النيابة وقتئذ كانت سرّية عن الأعداء، على أنّ من المحتمل وصول هذا التوقيع إليه بعد تأليف الكافي. هذا حال سند الحديث.

 

دلالة الحديث:

وأمّا دلالة الحديث فعمدة ما يمكن أن يذكر كمناقشة في دلالته أمران:

الأوّل: أنّ اللام في قوله: «أمّا الحوادث الواقعة» لم يثبت أن يكون لام جنس، فمن المحتمل أن يكون لام عهد إشارة إلى حوادث ذكرها إسحاق بن يعقوب للإمام في كتابه الذي أرسله إليه، وعلى هذا التقدير فقوله: «ارجعوا فيها

104

إلى رواة حديثنا فإنّهم حجّتي عليكم» يكون إرجاعاً إليهم في تلك الحوادث المعهودة بين السائل وبين الإمام (عليه السلام)، ونحن لا نعلمها، ولا نستطيع أن نتمسك بإطلاقها لإثبات الولاية المطلقة للفقيه في جميع الحوادث.

والجواب: أنه حتى لو فرض اللام للعهد فهذا إنما يضرّ بالتمسّك بإطلاق كلمة «الحوادث» ولا يضر بالتمسك بإطلاق كلمة «فإنّهم حجّتي عليكم» فمقتضى إطلاق ذلك هي الوكالة المطلقة في كل ما للإمام ولو بقرينة ظرف صدور الحديث، وهو ظرف غيبة الموكّل التي قد تطول مئات السنين، فلولا هذا الظرف لكان هنا مجال لأن يدّعي أحد أنّ عهدية اللام في الحوادث تصلح للقرينية لصرف إطلاق الحجّية أو الوكالة إلى تلك الحوادث، ولكن هذا الظرف المخصوص يمنع عن هذا الصرف، فهذا مثاله مثال من أوشك على سفر طويل الأمد ـ قد يطول عشرات السنين ـ وفي هذه الفترة سيكون بعيداً عن أملاكه الكثيرة، فسأله أحد عمّن يرجع إليه بشأن بيته الفلاني الذي هو تحت يد السائل بالأُجرة أو العارية مثلا، فقال له: ارجع إلى فلان فإنه وكيلي، فالمفهوم من هذا الكلام ليست هي الوكالة بشأن ذاك البيت فحسب، وإنّما هي الوكالة بشأن جميع أملاكه. هذا مضافاً إلى أنه لا ينبغي الإشكال في ظهور قوله: «فإنّهم حجتي عليكم» في القضية الحقيقية؛ إذ لو كانت ناظرة إلى بعض حوادث معينة كقضية خارجية فحسب فعادة كان يُعيّن لها وكيل خاص ولا يعطى الأمر بيد كلّي الرّواة، وإذا كانت القضية حقيقية قلنا عند ذلك: إنه إن كان المذكور في رسالة إسحاق بن يعقوب حوادث معينة شخصية فحتى لو كان اللام للعهد بقي قوله: فإنّهم حجتي عليكم على إطلاقه ولا يحمل على معنى فإنّهم حجّتي عليكم في تلك الحوادث لمنافاة ذلك للظهور في القضية الحقيقية، وإن كان

105

المذكور في رسالة إسحاق بن يعقوب فئة خاصة من الحوادث ولكن بنحو القضية الحقيقية فكون اللام لام عهد بعيد؛ لأنّه لو كان لام عهد كان المناسب إدخاله على عنوان تلك الفئة من الحوادث، لا على عنوان الحوادث.

والثاني: أنّ كلمة «رواة حديثنا» تصرف الكلام إلى أنّ الرجوع إنّما هو إلى الرواة بما هم رواة، وذلك من قبيل الأمر بالرجوع إلى الأطباء مثلا، فإنّه يفهم من ذلك الرجوع إليهم بما هم أطباء، ولا يفهم منه ولاية الأطباء في كل شيء.

وهذا الإشكال يمكن تقريبه بأحد وجهين:

الوجه الأول: أن يُقصد به إنكار دلالة الحديث على ولاية الفقيه نهائياً، وذلك بأن يقال: إنّ الرجوع إلى الرواة بما هم رواة إنّما يعني أخذ الروايات عنهم، أو أخذ الفتاوى باعتبار أنّ الفتاوى مستنتجة من الروايات، فهي تؤخد عن الرواة بما هم رواة، أمّا الأحكام الولائية فهي مخلوقة لنفس الحاكم، وليس مستنبطة من الروايات حتى يفهم من هذا التعبير الرجوع فيها إلى الرواة ويكون الرجوع إليهم فيها رجوعاً إلى الرواة بما هو رواة، فالحديث أجنبي عن الأحكام الولائية نهائياً.

وهذا التقريب يرد عليه: أنّه لا ينسجم مع تعبير «فإنّهم حجّتي عليكم» فمن يكون مرجعاً لأخذ الأحكام عن طريق الروايات أو الفتاوى فقد يصدق عليه أنّه حجّة اللّه؛ لأنّه طريق بين العبد وبين أحكام اللّه الفقهية، ولكنّ المنصرف من قول الإمام (عليه السلام): «فإنّهم حجّتي عليكم» المقابل بقوله: «وأنا حجّة اللّه» هو الوكالة عنه (عليه السلام) أي أنّهم وسائط بين الناس وبين الإمام (عليه السلام) لا بينهم وبين الأحكام الفقهية فحسب التي لم يكن الإمام (عليه السلام) إلاّ مبلّغاً لها، فكما جعل اللّه تعالى الإمام حجّة فيها على العباد جعل الإمام الرواة الفقهاء حججاً له ووكلاء عنه عليهم، وهذا يعطي معنى الولاية.

106

وبكلمة أُخرى: أنّ قوله: «حجّتي عليكم» يعني جعل الحجّية من قبل الإمام فيما كان للإمام من اختيارات، أمّا حجّيّة نقل الرواية أو الفتوى فهي حجّية من قبل اللّه في فهم أحكام اللّه في عرض حجّيّة البيّنة في الموضوعات مثلا، وليست حجّيّة مجعولة من قبل الإمام.

 

مع الأُستاذ الشهيد (رحمه الله):

الوجه الثاني: أن يقصد به تحديد منطقة ولاية الفقيه وتضييق دائرة الأحكام الولائية التي تنفذ من قبل الفقيه لا إنكارها على الإطلاق، وهذا ما قد يظهر من كلمات أُستاذنا الشهيد (رضي الله عنه) في حلقات «الإسلام يقود الحياة» التي كتبها في أواخر أيام حياته الشريفة(1).

وتوضيح الفكرة أنّ المواضيع التي يمارس وليّ الأمر فيها صلاحيّته تنقسمإلى قسمين:

القسم الأوّل: موارد تعيين الموضوع الخارجي البحت، ثمّ تحديد الموقف بتبع ما تمّ من تشخيص الموضوع من قبيل معرفة أنّ مصلحة المجتمع الإسلامي اليوم هل تقتضي الجهاد بالسلاح أو التقيّة والسكوت، أو معرفة أنّ هلال ذي الحجّة أو العيد أو الصيام ثابت أوْ لا، أو معرفة موضوع الحدّ الشرعي الذي يجب إجراؤه من قبيل ثبوت الزنا أو شرب الخمر أو غير ذلك؟ وما إلى ذلك مما يرجع إلى تشخيص المواضيع البحت، وأما الحكم على كلّ تقدير من تلك التقادير فهو محدّد ضمن الأحكام الثابتة في الفقه، فيَدُ الوليّ لا تمتدّ إلى جوانب الأحكام مباشرة لتغيّرها وإنما يحدّدها الوليّ ويشخّصها بتشخيص موضوعاتها.


(1) راجع الإسلام يقود الحياة: 23 ـ 24، 42 ـ 54، 143 ـ 162.

107

والقسم الثاني: موارد ملء منطقة الفراغ التي تركت من قبل الشريعة لوليّ الأمر؛ لاختلاف الموقف منها باختلاف الزمان والمكان والظروف، كفرض الزكاة على غير الأعيان الزكوية التسع كما صدر عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) بالنسبة للخيل، وكالمنع عن الاحتكار الوارد في عهد الإمام عليّ (عليه السلام) إلى مالك الأشتر، وما إلى ذلك.

وملء منطقة الفراغ ليس أمراً تكون يد الولي طليقة فيه كي يملأها بالشكل الذي يترجّح لديه على الإطلاق، بل يجب أن يكون هذا الملء لمنطقة الفراغ بوضع عناصر متحرّكة في إطار العناصر الثابتة التي تستنبط من الكتاب والسنة.

هذا، وتوجد في تلك العناصر الثابتة مؤشرات إلى اتجاه العناصر المتحركة، من قبيل الهدف المنصوص لحكم ثابت كقوله تعالى ـ تعليلا لجعل الفيء للّه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ـ:﴿ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاَْغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ﴾(1)، فهذا يدلّ على أنّ التوازن وانتشار المال بصورة تشبع كلّ الحاجات المشروعة وعدم تركّزه في عدد محدود من أفراده هدف من أهداف التشريع الإسلامي، فعلى أساسه يضع وليّ الأمر كلّ الصيغ التشريعية الممكنة التي تحافظ على التوازن الاجتماعي في توزيع المال، وتحول دون تركّزه في أيدي أفراد محدودين، وكما ورد في نصوص الزكاة من التصريح بأنّ الزكاة ليست لسد حاجة الفقير الضرورية فحسب، بل لإعطائه المال بالقدر الذي يلحقه بالناس في مستواه المعيشي(2)، وهذا يعني أن توفير مستوىً معيشي موحّد أو متقارب لكلّ أفراد المجتمع هدف إسلامي لابدّ لوليّ الأمر من السعي في سبيل تحقيقه.


(1) سورة الحشر: الآية 7.

(2) راجع وسائل الشيعة 6: 159، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

108

ومن قبيل القيم الاجتماعية التي أكّد الإسلام على الاهتمام بها كالمساواة والأُخوّة والعدالة والقسط ونحو ذلك، فهذه القيم تشكّل أساساً لاستيحاءصيغة تشريعيّة متطوّرة ومتحركة وفقاً للمستجدّات والمتغيّرات تكفل تحقيقتلك القيم.

وكذلك مفاهيم وتفاسير محدّدة أُعطيت في النصوص الإسلامية لظواهر اجتماعية أو اقتصادية معيّنة، فهذه المفاهيم بدورها تلقي ضوءاً على العناصر المتحركة كمفهوم الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) عن الفقر فيما روي عنه: «ما جاعفقير إلاّ بما متّع به غنيّ»(1)، وكذكره للتاجر في سياق ذوي الصناعات،وبيان أنه لا قوام للحياة الاقتصادية إلاّ بهما(2) مما يعني أنه (عليه السلام) كان يجدفي التاجر منتجاً كالصانع، وهو مفهوم يختلف تماماً عن المفهوم الرأسمالي للتجارة.

ومن قبيل الأهداف التي حدّدت في الشريعة لوليّ الأمر كما ورد عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): «إنّ على الوالي في حالة عدم كفاية الزكاة أن يموّن الفقراء من عنده بقدر سعتهم حتى يستغنوا»(3).


(1) راجع نهج البلاغة: 1232، الحكمة رقم 320، طبعة الفيض، والوارد في هذه الطبعة: «ما جاع فقير إلاّ بما متع غنيّ».

(2) نهج البلاغة: 1008، عهد الإمام (عليه السلام) إلى مالك الأشتر والنصّ ما يلي: «ثمّ استوصِ بالتجّار وذوي الصناعات، وأوصِ بهم خيراً: المقيم منهم والمضطرب بما له والمترفّق ببدنه، فإنّهم موادّ المنافع وأسباب المرافق وجلاّبها من المباعد والمطارح في برّك وبحرك وسهلك وجبلك، وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها، ولا يجترئون عليها...».

(3) راجع وسائل الشيعة 6: 184، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

109

ومن قبيل اتجاه التشريع المستكشف من مجموعة من الأحكام، ومثّل لذلك في الحلقة الثانية من حلقات «الإسلام يقود الحياة» بمجموعة من الأحكام استظهر منها اتجاه الشريعة الإسلامية إلى استئصال الكسب الذي لا يقوم على أساس العمل.

ومن قبيل اتجاه العناصر المتحركة على يد النبيّ أو الوصيّ حينما مارسوا بما هم حكّام وقادة وضع العناصر المتحركة، وذكر أُستاذنا الشهيد لذلك عدة أمثلة في الحلقة الثانية: من قبيل ما أشرنا إليه من المنع عن الاحتكار في عهد الإمام علي (عليه السلام) إلى مالك الأشتر ووضعه (عليه السلام) للزكاة على الخيل، وأضاف (رحمه الله) إلى ذلك التمثيل بمنع النبيّ (صلى الله عليه وآله) في فترة معينة من إجارة الأرض ونهيه (صلى الله عليه وآله) عن منع فضل الماء والكلأ، وقال (رحمه الله): «إنّ ممارستهم (عليهم السلام) لوضع العناصر المتحرّكة في شؤون الحياة الاقتصادية تحمل بدون شكّ الروح العامّة للاقتصاد الإسلامي، وتعبّر عن تطلّعاته في واقع الحياة»(1).

وعلى أيّة حال فملء منطقة الفراغ من قبل ولي الأمر ليس على أساس تشخيصه لمصلحة الأُمّة فحسب، بل يكون أيضاً مشروطاً بالتقيد بإطار العناصر الثابتة بما فيها من مؤشّرات منتشرة ضمن الكتاب والسنّة توضّح اتّجاه العناصر المتحرّكة، واستنباط تلك العناصر المتحرّكة كاستنباط العناصر الثابتة إنّما هو شأن الفقيه، وليس شأن كلّ أحد.

وقول الإمام صاحب الزمان عجّل اللّه فرجه: «أمّا الحوادث الواقعةفارجعوا فيها إلى رواة حديثنا» ظاهر في الإرجاع إلى الرواة بما هم رواة(2)،


(1) راجع الإسلام يقود الحياة: 50 ـ 51.

(2) الإشارة إلى هذا الاستظهار وردت في الإسلام يقود الحياة: 24.

110

وذلك من قبيل الإرجاع إلى الطبيب الظاهر في الإرجاع إليه بما هو طبيب، وهذا يعني الإرجاع إلى الفقهاء في القسم الثاني فحسب دون القسم الأوّل؛ لأنّ القسم الثاني هو الذي يكون فهم الحكم فيه بحاجة إلى الاستنباط من الروايات؛ لأن الهدف فيه هو ملء منطقة الفراغ بالعناصر المتحركة، وهي كالعناصر الثابتة يتوقف فهمها على مراجعة المصادر التشريعية من الكتاب والسنّة؛ كي لا نتورط في مخالفة العناصر الثابتة، وأما القسم الأوّل فليس عدا تشخيص الموضوع الخارجي بحتاً، ولا علاقة له بالروايات، فلا يفهم من إرجاع الحوادث الواقعة إلى الرواة الإرجاع إليهم في هذا القسم.

وهذا الوجه لا يرد عليه ما أوردناه على الوجه الأوّل من مخالفته لما هو المفهوم من قوله: «فإنّهم حجّتي عليكم» إذ لم يكن الهدف من هذا الوجهنفي الولاية تماماً عن الرواة وحصر مسؤولياتهم في نقل الروايات وإصدار الفتاوى حتى يقال: إنّ هذا لا يصدق عليه أنّه حجّة الإمام، ولابدّ لصدق هذا العنوان من نيابتهم عنه فيما بيده من الولاية، بل قد اُقرّت في هذا الوجه نيابة الرواة عن الإمام فيما بيده من الولاية، ولكن في دائرة محدودة، وهي الدائرة التي يكون للروايات دخل فيها، وهي دائرة ملء منطقة الفراغ، وهذا كاف في صدق عنوان حجّة الإمام.

ثم القسم الأول ـ وهو تعيين الموضوع الخارجي البحت الذي ذكر أُستاذنا الشهيد (رحمه الله): أنّه ليس من الضروري الرجوع فيه إلى الفقيه؛ لأنّ الحديث أرجع الأُمّة في الحوادث الواقعة إلى الرواة بما هم رواة؛ أي أرجع الأُمّة إليهم فيما يكون لتخصّصهم الروائي دخل فيه، ولا دخل للتخصّص الروائي في القسم الأوّل ـ: قد

111

اعترف أُستاذنا الشهيد (رحمه الله) بأنّ الولاية فيه قبل قيام الحكم الإسلامي للفقيه فهو (رحمه الله)يفصّل في الحقيقة بين ما قبل بلوغ الأُمّة مستوى القدرة على إدارة أُمورها عن طريق وليّ منتخب وما بعد بلوغها هذا المستوى، فبعد بلوغها هذا المستوى تلي أمرها بنفسها عن طريق وليّها المنتخب، وقبل بلوغها هذا المستوى تكون الولاية في تشخيص تلك الموضوعات بيد الفقيه.

والتخريج الفقهي لهذا التفصيل هو أنّ أمر الموضوعات الخارجية التي لابدّ من مراعاتها، ونقطع بعدم رضا الشارع بتفويت المصالح المرتبطة بها يعود إلى الفقيه على أساس مبدأ الأُمور الحسبية، والتي لابدّ من الاقتصار في ولاية أمرها على القدر المتيقّن، والقدر المتيقن هو الفقيه؛ إذ لا يحتمل اشتراط عدم الفقاهة في من يلي تلك الأُمور في حين أنّه يحتمل اشتراط الفقاهة فيه، هذا فيما قبل تشكيل الحكم الإسلامي بانتخاب الوليّ، أما إذا وصلت الأُمة إلى مستوى الحكم وانتخبت وليّها فعندئذ لا تصل النوبة إلى ضرورة الرجوع إلى الفقيه بعنوان القدر المتيقّن ممن يلي الأُمور الحسبية، وذلك لأن الوليّ قد تعيّن بالدليل الدالّ على نفوذ انتخاب الأُمة، والدليل مطلق، أي لم يقيّد بكون المنتخب فقيهاً، فلا حاجة إلى الاقتصار على القدر المتيقّن بانتخاب الفقيه.

أمّا ما هو دليله (رحمه الله) على نفوذ هذا الانتخاب؟ فهذا ما سنذكره ـ إن شاء اللّه ـ فيما سيأتي من بحث المسألة الثانية. هذا كلّه في القسم الأوّل، وهو القسم الذي لا دخل للتخصّص الروائي في دركه، وهي الموضوعات البحت.

وأما القسم الثاني وهو ملء منطقة الفراغ، والذي يكون للتخصّص الروائي دخل فيه بالبيان الذي مضى، فهذا هو القسم الذي أرجع التوقيع الشريف الأُمّة فيه

112

إلى الرواة بما هم رواة، وفي هذا القسم هل هناك تفصيل أيضاً بين ما قبل بلوغ الأُمّة مستوى الحكم وانتخابها لولي أمرها، وما بعد بلوغها لهذه المرحلة، أو لا؟ عبائر أُستاذنا الشهيد (قدس سره) في حلقات «الإسلام يقود الحياة» غير واضحة في هذه النقطة، ولا ندري هل الغموض في ذلك غموض في التعبير أو غموض ثبوتي في أصل تصوّر المطلب في ذهنه الشريف؟ وعلى أيّة حال فيمكن أن يُطرح في المقام احتمالان:

الاحتمال الأوّل: أن يكون المقصود أنّ المرجع في هذا القسم هو الفقيه من دون فرق بين ما قبل استلام الأُمّة للحكم وما بعد استلامها له، والتخريج الفقهي لذلك هو التمسّك بالإطلاق لحديث الإرجاع إلى الرواة بما هم رواة، فما دام التخصّص الروائي دخيلا في تحديد الحكم في هذا القسم فقد دلّ الحديث على ضرورة الرجوع فيه إلى الرواة بما هم رواة، والمقصود بذلك الفقهاء. نعم، لابدّ للفقهاء من الاستشارة في القضايا الاقتصاديّة مثلا مع المتخصّصين في الاقتصاد؛ كي يحصل التوصّل إلى رأي يضمن المصلحة الاقتصاديّة والمطابقة للعناصر الفقهيّة في وقت واحد كما أشار أُستاذنا الشهيد (قدس سره) إلى هذه النكتة في الحلقة الثانية من تلك الحلقات(1). وعلى أيّة حال فحديث الإرجاع إلى الرواة لم يفصّل بين ما قبل استلام الأُمّة للحكم وما بعد استلامها، فالنتيجة هي أنّ الولاية في هذا القسم بيد الفقيه على كلّ حال.

وهذا الاحتمال هو الظاهر من عبائر أُستاذنا الشهيد (قدس سره) في الحلقة الثانية


(1) الإسلام يقود الحياة: 43 ـ 44.

113

من تلك الحلقات(1)، وكذلك في الحلقة الرابعة منها(2) بغضّ النظر عن تعبير ركّز عليه في الحلقة الرابعة ستأتي الإشارة إليه.

وعلى الأُمّة أن تشخّص من هو أهل للمرجعيّة في العناصر المتحرّكة والثابتة بإحراز العدالة، وأيّ شرط آخر يفترض فقهيّاً؟ وذلك بأساليب الإحراز المبحوث عنها في محلّها، ولعلّ هذا هو مقصود أُستاذنا الشهيد (قدس سره) بقوله: «والمرجع الشهيد معيّن من قبل اللّه تعالى بالصفات والخصائص، أي: بالشروط العامّة... ومعيّن من قبل الأُمّة بالشخص؛ إذ تقع على الأُمّة مسؤوليّة الاختيار الواعي له»(3).

الاحتمال الثاني: ما هو المستوحى من تعبير أُستاذنا الشهيد (قدس سره) في الحلقة الرابعة بخطّ الخلافة وخطّ الشهادة، وأنّهما يفترقان بعد إقامة الأُمّة للحكم ويجتمعان قبل ذلك، فإنّ المناسب لإطلاق هاتين الكلمتين هو افتراض أنّه حتّى في القسم الثاني، وهو ملء منطقة الفراغ تكون الولاية للأُمّة لدى بلوغها مستوى استلام زمام الحكم لا للفقيه، وتسند إلى من انتخبته الأُمّة ولو لم يكن فقيهاً، وإنّما شأن الفقيه هو الشهادة بموافقة ما ملئ به الفراغ لاتجاه العناصر المتحرّكة في الفقه وعدم خروجها عن دائرة العناصر الثابتة.

وهذا الاحتمال بالإمكان أن يخرّج فنّيّاً بتخريجين:

التخريج الأوّل: أن يقال ـ بعد أن فرضنا تسليم وجود دليل على أنّ الأُمّة تنتخب وليّ أمرها بنفسها، وأنّ ذاك الدليل مطلق يعطيها حقّ انتخاب من أرادته


(1) المصدر السابق: 42 ـ 54.

(2) المصدر السابق: 159 ـ 160.

(3) المصدر السابق: 160.

114

ولو لم يكن فقيهاً ـ: إنّ ملء منطقة الفراغ قبل بلوغ الأُمّة مستوى استلام زمام الحكم إنّما كان من شأن الفقيه لدليلين:

أحدهما: قاعدة إسناد ولاية الأُمور الحسبية إلى القدر المتيقّن ـ وهو الفقيه ـ لما مضى من أنّ احتمال اشتراط عدم الفقاهة غير موجود، ولكن احتمال اشتراط الفقاهة موجود.

والثاني: رواية «أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا» فإنّ هذه الرواية أرجعت الولاية في الأُمور التي يؤثّر في فهمها التخصّص الروائي إلى الرواة ـ بما هم رواة ـ والمفروض أنّ القسم الثاني من هذا القبيل، فهو راجع إلى الرواة ـ أي الفقهاء ـ وأمّا بعد بلوغ الأُمّة مستوى استلام زمام الحكم فكلا هذين الدليلين يسقطان في المقام:

أما دليل الأُمور الحسبية فواضح؛ لأنّ ضرورة الإسناد إلى القدر المتيقن فرع عدم الإطلاق، في حين أنّ إطلاق دليل الانتخاب يعطي حقّ الولاية حسب الفرض لمن انتخبته الأُمّة ولو كان غير فقيه، فلا تصل النوبة إلى التمسّك بكون الفقيه هو القدر المتيقّن ممّن يلي الأُمور.

وأما الدليل الثاني وهو حديث إرجاع الأُمور إلى الرواة ـ بما هم رواة ـ فهو مقيّد بالارتكاز العقلائي والمناسبات بمقدار قصور المولّى عليه، ولذا لا نفهم من أيّ دليل تفترض دلالته على ولاية الفقيه ولايته في القضايا الفردية على إنسان بالغ عاقل غير غائب ولا قاصر في أُمور لا تمسّ الآخرين بسوء، فإنّ هذا الإنسان هو وليّ أمر نفسه في هذه الأُمور، وليس بحاجة إلى من يرجع إليه، كي يشملها إطلاق دليل ولاية الفقيه. هذا حال ولاية الفقيه بالنسبة للفرد في القضايا

115

الفردية، وكذلك الحال في ولايته بالنسبة للمجتمع في القضايا الاجتماعية، فهي منصرفة إلى فرض قصور المجتمع وعدم قدرته على أن يلي الأُمور الاجتماعية بنفسه، أما إذا بلغ إلى مستوى استلام زمام الحكم بانتخاب وليّ يلي الأُمور ـ بعد فرض ثبوت دليل مطلق على الانتخاب ـ فهو غير قاصر في أُموره إلاّ بقدر تشخيص أنّ الحكم الفلاني هل هو مطابق للعناصر الفقهية وليس فيه خروج عن دائرة أحكام الفقه، أو لا؟ إذن فهذا الحديث لا يثبت تدخّل الفقيه إلاّ بهذا المقدار، في حين أنه قبل بلوغه هذا المستوى كان قاصراً عن ملء منطقة الفراغ حتى بإشراف فقيه على عدم مخالفة ما يملأ به الفراغ لموازين الفقه.

فالنتيجة هي أنه قبل بلوغ الأُمّة مستوى القدرة على تعيين الوليّ يكون ملء منطقة الفراغ بيد الفقيه مباشرة بحكم هذا الحديث وبحكم قاعدة رجوع ولاية الأُمور الحسبية إلى القدر المتيقّن وهو الفقيه، فالفقيه هو يضع مباشرة الحكم الذي يملأ به الفراغ بقدر حاجة الأُمّة ويعمل في سبيل رفع الأُمّة بالتدريج إلى مستوى استلام زمام الحكم، أما بعد بلوغ الأُمّة هذا المستوى فليس الفقيه هو الذي يضع مباشرة الحكم الذي يملأ به الفراغ، بل الأُمّة هي التي تضع عن طريق ممثّلها المنتخب أو ممثّليها المنتخبين الحكم الذي تملأ به الفراغ بشرط إشراف الفقيه على هذا الملء، كي لا يخرج عن دائرة العناصر الثابتة في الفقه.

وهناك فرق كبير بين الأُسلوبين كما هو واضح، فمثلا لو كانت هناك صيغتان لملء منطقة الفراغ في قضية ما ـ كلتاهما مطابقتان حسب رأي الفقيه للعناصر الفقهية وغير خارجتين عن دائرة العناصر الثابتة وعمّا تدلّ عليها من اتجاهات العناصر المتحرّكة ـ لم يجز للفقيه فرض إحدى الصيغتين بالخصوص على الأُمّة،

116

بل الأُمّة هي التي تختار إحدى الصيغتين عن طريق منتخبها أو منتخبيها ما دام الفقيه معترفاً بعدم منافاة تلك الصيغة للمقاييس الفقهية في حين أنه لو لم تكن الأُمّة بالغة هذا المستوى، ولم يكن لها وليّ منتخب فالفقيه هو الذي يفرض عليها مباشرة إحدى الصيغتين.

ويرد على هذا التخريج: أنّ قياس المجتمع البالغ إلى مستوى استلام زمام الحكم بالفرد البالغ العاقل ـ الذي لا يشمل دليل ولاية الفقيه أو أيّ ولاية عامّة غير ولاية المعصوم تصرفاته الشخصية التي لا تمسّ مصالح الآخرين ـ قياس مع الفارق، فإنّ السبب في انصراف إطلاق دليل الولاية عن الثاني هو أن الثاني ليس بحاجة إلى إعمال ولاية عليه؛ لأنه بنفسه كامل، والمرتكز عقلائياً أنّ الولايات غير ولاية المعصوم إنّما تجعل لتدارك نقص المولّى عليه، وأمّا الأوّل وهو المجتمع فهو بحاجة إلى إعمال ولاية عليه، ولذا يفترض أنه ينتخب من يعمل الولاية عليه، فلو تمّ دليل على نفوذ الانتخاب ـ وثبوت الولاية لمن انتخبه المجتمع ولياً عليه ـ فهذا الدليل في عرض دليل ولاية الفقيه، ولا مبرّر لافتراض كون الأوّل نافياً لموضوع الثاني، نعم لو كانت ولاية الشخص المنتخب ارتكازية واضحة في ذهن كلّ إنسان ـ سنخ ارتكازية ولاية الأب على الطفل الواضحة لدى جميع الناس ـ كان هذا قرينة كالمتصل لنفي إطلاق دليل ولاية الفقيه؛ لأنّ وضوح عدم الحاجة عندئذ إلى ولاية الفقيه في الارتكاز العقلائي يبطل إطلاقه، ولذا لا نفهم من دليل ولاية الفقيه ثبوت الولاية له على الطفل في عرض ولاية أبيه الكفوء المتصدّي بالفعل لإدارة أُموره بأحسن وجه، ولكن لا ارتكازية واضحة وشاملة في الأذهان لولاية المنتخب.

117

التخريج الثاني: أن يقال: إنّ الإرجاع إلى الرواة ـ بما هم رواة ـ لا يعطي أكثر من الإرجاع إليهم في معرفة الأحكام الأوّلية، وكذلك معرفة مطابقة الأحكام التي تملأ بها منطقة الفراغ للشريعة وعدم مخالفتها للثوابت وللمؤشّرات العامّة، فإنّ هذا هو مقدار دخل تخصّصهم الروائي في الأمر، أمّا نفس الملء فلا يثبت بهذا الحديث كونه للفقيه، فهو يبقى للأُمّة لدى بلوغها مستوى استلام زمام الحكم، فهي تملأ منطقة الفراغ عن طريق ممثّلها المنتخب أو ممثليها المنتخبين على شرط شهادة الفقيه بعدم تعارض ما ملئ به الفراغ مع الشريعة، نعم قبل بلوغها هذا المستوى يتصدّى الفقيه لذلك وفق قواعد الأُمور الحسبية وكونه هو القدر المتيقّن ممّن له التصدّي لهذه الأُمور.

إلاّ أنّ هذا التخريج لو كان مقصوداً فهو في واقعه رجوع إلى الوجه السابق، وهو إنكار ولاية الفقيه رأساً وحصر الرجوع إليه في أخذ الفتوى غاية ما هناك أنّ دائرة الفتوى واسعة تشمل كل العناصر الثابتة بما فيها من مؤشّرات اتجاه العناصر المتحركة.

وقد مضى الإيراد على ذاك الوجه بأنّ حصر عمل الفقيه في استكشاف أحكام الشريعة ـ دون ولاية وضع الأحكام ولو بقدر ملء منطقة الفراغ ـ إن كفى في صدق عنوان حجّة اللّه عليه؛ لأنّه أصبح وسيطاً بين الناس وبين اللّه في إبلاغ الأحكام، فهو لا يكفي في صدق عنوان «حجّتي عليكم» لأنه لم يصبح نائباً عن الإمام ولو في بعض ما له من الولاية.

وقد اتّضح بهذا العرض أنّ الاحتمال الثاني لو كان مقصوداً فهو بكلا تخريجيه لا يخلو من نقاش.