135

منها ولو للطواف المندوب، ويحرص على قضاء تمام الفترة فيها باستثناء ما تتطلّبه المناسك الواجبة من طواف وسعي.

ويُستحبّ ـ أيضاً ـ أن يكبّر الحاجّ في منى في أعقاب خمس عشرة صلاة ابتداءً من صلاة الظهر في يوم العيد، كما يُستحبّ التكبير نفسه للمسلمين في سائر بقاعهم عقيب عشر صلوات ابتداءً من الصلاة المذكورة أيضاً، والأفضل في كيفيّة هذا التكبير أن يقول: «اللّهُ أكبرُ، لا إلهَ إلّا اللّهُ واللّه أكبرْ، وللّهِ الحمدُ، اللّه أكبرُ على ما هدانا، اللّه أكبرُ على ما رزقنا من بَهيمةِ الأنعامِ، والحمدُ للّهِ عَلى ما أبلانا».

ويُستحبّ الإكثار من الصلاة والتسبيح والتهليل والحمد في مسجد الخيف؛ فإنّ له شأناً عند الله تعالى، حتّى ورد في بعض الروايات أنّ مئة ركعة فيه تعادل عبادة سبعين عاماً.

 

رمي الجمار

143 ـ الثالث عشر من واجبات الحجّ رمي الجمار الثلاث: الاُولى، والوسطى، وجمرة العقبة في كلٍّ من اليوم الحادي عشر واليوم الثاني عشر.

144 ـ كيفيّـته: وهو متّحد في الكيفيّة والشروط مع ما تقدّم من رمي جمرة العقبة يوم العيد، فلاحظ الفقرة (120)، ونضيف هنا أنّه

136

يجب الترتيب بين الجمرات الثلاث في الرمي ابتداءً من الاُولى وانتهاءً بجمرة العقبة، فلو خالف ورمى جمرة قبل أن يذهب إلى سابقتها وجب الرجوع إلى السابقة وإعادة رمي اللاحقة، سواء كان عالماً أو جاهلا أو ناسياً.

كما تجب النيّة في رمي كلّ جمرة، وصورتها مثلا: أرمي هذه الجمرة بسبع حصيات لحجّ التمتّع من حجّة الإسلام قربة إلى الله تعالى. وإذا كان نائباً ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان حجّاً مستحبّاً أسقط كلمة (حجّة الإسلام).

وقته: ويجب إيقاع رمي الجمار الثلاث في النهار، ولايُجزي إيقاعها في الليل اختياراً، ويُستثنى من ذلك من يخاف على نفسه أو عرضه أو ماله؛ فإنّه يجوز له الرمي في الليلة المتقدّمة على النهار، فيرمي ـ مثلا ـ في ليلة الحادي عشر ما يجب في نهار الحادي عشر من الرمي، وهذه الرخصة تشمل الشيوخ والنساء والضعفاء الذين يخافون على أنفسهم من كثرة الزحام، فيجوز لهؤلاء الرمي ليلة ذلك النهار.

والأحوط وجوباً في الشيوخ إذا أرادوا الرمي في ليلة النهار أن يأخذوا بعين الاعتبار قيد الخوف على أنفسهم من كثرة الزحام في حين أنّ هذا القيد ليس شرطاً في النساء.

145 ـ حكمه: رمي الجمار الثلاث في اليومين المذكورين

137

واجب، ولكن من تركه عامداً حتّى مضى وقته لايبطل حجّه، ويجب عليه على الأحوط قضاء الرمي إمّا بالمباشرة أو باستنابة شخص يرمي عنه في العام القابل في مثل تلك الأيّام لو لم يحجّ هو من قابل.

وإذا نسي الرمي في اليوم الحادي عشر قضاه في اليوم الثاني عشر، وإذا نساه في اليوم الثاني عشر قضاه في اليوم التالي له، وإذا نسي الرمي في أكثر من يوم، وتذكّر ذلك قبل مضيّ اليوم الثالث عشر، قضاه، وكذلك على الأحوط إذا كان لايزال في مكّة ولو بعد انتهاء أيّام التشريق، وهي: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، والأحوط له أن يفصل بين رمي يوم ورمي يوم آخر عند القضاء بساعة.

وإذا نساه ولم يذكره إلّا بعد خروجه من مكّة وانتهاء أيّام التشريق، لم يجب عليه الرجوع، بل يقضيه على الأحوط استحباباً في السنة القادمة في وقته، إمّا بنفسه مباشرة أو باستنابة شخص يرمي عنه.

وكلّ من يتمكّن من مباشرة الرمي من دون مشقّة وحرج يجب عليه ذلك، وإذا كان غير متمكّن للمرض ونحوه من الموانع التي لايُرجى زوالها إلى الغروب استناب غيره.

ويُستحبّ إحضاره في المحلّ كي يتمّ الرمي نيابة عنه بحضوره.

وإذا اتّفق برؤه قبل غروب الشمس رمى بنفسه على الأحوط.

139

الفصل الثالث

 

 

 

 

 

حجّ الإفراد والقران

 

 

 

 

 

 

 

 

 

140

 

 

 

 

قال الله عزّ وجلّ: ﴿فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّام فِي الْحَجِّ وَسَبْعَة إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾(1).

146 ـ من كان الفاصل بينه وبين المسجد الحرام أقلّ من ثمانية وأربعين ميلاً، أو قل: أقلّ من ستة عشر فرسخاً، فوظيفته في حجّة الإسلام هي الإفراد في الحجّ، وذلك بمعناه الأعمّ الشامل للقران، ومن كان الفاصل بينه وبين المسجد الحرام أكثر من ذلك، أو كان على رأس الحدّ، فوظيفته في حجّة الإسلام هي التمتّع.

أمّا في الحجّ الاستحبابيّ فهو على كلّ حال مخيّر بين الإفراد والتمتّع، وإن كان التمتّع أفضل.

147 ـ ولو شكّ في كون منزله في الحدّ الذي يوجب الإفراد أو في خارجه، وفحص بالمقدار الذي يخرجه عن عنوان غمض



(1) سورة البقرة، الآية: 196.

141

العين وعدم المبالاة بالموضوع، فالأصل فيه هو عدم صدق عنوان حضور أهله المسجد الحرام، فتكون وظيفته الظاهريّة هي التمتّع.

148 ـ ولو كان له بلدان أحدهما في داخل حدّ وجوب الإفراد والآخر في خارجه، فالمقياس هو الغالب عليه منهما، فإن تساويا فوظيفته في حجّة الإسلام هي الإفراد(1).

149 ـ ولو أنّ رجلاً من داخل حدود الإفراد سافر إلى بلد خارج تلك الحدود، ثُمّ مرّ ببعض المواقيت، كان مخيّراً في الحجّ الواجب بين التمتّع والإفراد، ولكن الإفراد أفضل له وأحوط.

150 ـ المجاور بمكّة أو في داخل الحدّ الذي عرفت غير المتوطّن ينقلب فرضه إلى الإفراد بعد سنتين.

فالمجاور لو أراد أن يتمتّع قبل تمام السنتين كان المتيقّن صحّته له هو أن يخرج لعمرة التمتّع إلى أحد المواقيت لا إلى أدنى الحلّ، نعم لو عجز عن الرجوع إلى الميقات كما لو كان ضيق الوقت عن الحجّ يمنعه عن ذلك، صحّ له الإحرام من أدنى الحلّ، وهذا بخلاف ما لو أخّر الإحرام عن عمد، وعلم إلى أن عجز عن الرجوع إلى الميقات، فإنّ الاجتزاء ـ عندئذ ـ بإحرام أدنى الحلّ مشكل.

151 ـ وحجّ الإفراد بمعناه العامّ المقابل لحجّ التمتّع والشامل



(1) لصدق عنوان حضور المسجد الحرام.

142

للقران يختلف عن التمتّع: بأنّ حجّ التمتّع عمل واحد مؤتلف من جزئين: من عمرة سابقة ومن الحجّ، في حين أنّ حجّ الإفراد عمل مستقلّ واجب على من وظيفته الإفراد، كما أنّ العمرة المفردة عمل مستقلّ واجب عليه، فمن استطاع لأحدهما وحده وجب عليه ذاك الذي استطاع له، ومن استطاع لهما وجبا عليه، فلو أتى بهما في سنة واحدة وجب تقديم الحجّ على العمرة على الأحوط، وحجّ التمتّع لايقع بكلا جزئيه إلّا في سنة واحدة.

وفي حجّ التمتّع يجب النحر أو الذبح كما مرّ، في حينأنّه لايعتبر شيء من ذلك في حجّ الإفراد، نعم لو صحب معهالهدي وقت الإحرام وجب عليه ذبحه في منى، وسمّي حجّه بحجّالقران.

ويختلف حجّ الإفراد عن حجّ التمتّع: في أنّ تقديم الطواف والسعي على الوقوفين في حجّ التمتّع مع الاختيار غير جائز ولو احتياطاً في حين أنّه يجوز ذلك في حجّ الإفراد.

أمّا طواف النساء فيؤجّله إلى ما بعد الحلق أو التقصير في منى.

وفارق آخر بينهما هو: أنّ إحرام حجّ التمتّع يكون بمكّة، في حين أنّ إحرام حجّ الإفراد يكون من أحد المواقيت الماضية، وإحرام أهل مكّة لحجّ الإفراد أو المجاور الملحق بهم في الحكم

143

يصحّ أن يكون من نفس مكّة(1).

152 ـ وقد مضى في الفقرة (108) أنّ الأحوط لمن أحرم لحجّ التمتّع أن لايطوف طوافاً مستحبّاً، وهنا نقول: إنّ المفرِد إذا طاف طوافاً مستحبّاً فإمّا أن يكون طوافه هذا بعد طواف الفريضة، فيجب عليه ـ عندئذ ـ بعد أيّ طواف وصلاته أن يلبّي(2).

وإمّا أن يكون طوافه هذا قبل طواف الفريضة، والأحوط وجوباً أن يلبّي ـ أيضاً ـ بعد الطواف وصلاته.



(1) عملاً بروايات دويرة الأهل الواردة في الوسائل باب 17 من المواقيت؛ فإنّه وإن كانت رواية واحدة منها ـ وهي الثامنة من الباب ـ عبّرت بتعبير: « ممّا يلي مكّة » فقد لا تشمل بإطلاقها بيوت مكّة، ولكن أكثرها عبّرت بتعبير: « إلى مكّة »، وشمولها بالإطلاق لبيوت مكّة واضح، وعليه فلابدّ من حمل الروايات الدالّة على أنّ إحرام حجّ الإفراد للمجاور بمكّة يكون من أدنى الحل ـ وهي الحديث ( الرابع والخامس والسادس ) من باب 9 من أقسام الحجّ من الوسائل ـ على الاستحباب؛ فإنّها وإن وردت في المجاور لا في أهل مكّة الأصليين لكن الظاهر أنّ المقصود بها إلحاق المجاور بأهل مكّة في الحكم، فليست تلك الروايات أخصّ من روايات دويرة الأهل كي نقدّمها عليها بالأخصّيّة، ولا ينبغي الإشكال في أنّ الخروج إلى أدنى الحلّ أحوط.

(2) راجع الوسائل، الباب 16 من أقسام الحجّ، الحديث 2، صحيح معاوية بن عمّار.

144

153 ـ أمّا لو لم يطف طوافاً مستحبّاً، ولكنّه طاف طواف الفريضة، وسعى باعتبار أنّه يجوز للمفرِد تقديم الطواف والسعي على الموقفين، فهنا ـ أيضاً ـ يجب عليه أن يلبّي بعد السعي(1).

154 ـ من أحرم بحجّ الإفراد، ثُمّ دخل مكّة، وكان ممّن تجوز له المتعة كما في الحجّ الاستحبابيّ، جاز له أن يقلب حجّه إلى التمتّع، فيتحلّل عن ذاك الإحرام بأعمال العمرة، ثُمّ يهلّ بالحجّ من مكّة، إلّا إذا كان قد ساق معه الهدي وقت الإحرام، فلايجوز له ـ عندئذ ـ قلب الحجّ إلى التمتّع.

وإذا لبّى بالحجّ قبل التقصير فقد انتهت فرصة تبديله للإفراد إلى التمتّع(2).

155 ـ ولو صحب معه الهدي في وقت الإحرام فأصبح حجّه حجّ قران، صحّ أن يكون إحرامه بالإشعار أو التقليد، كما صحّ أن يكون إحرامه بالتلبية. فإحرام المتمتّع متقوّم بالتلبية كما مضى،



(1) ولو احتياطاً. راجع الوسائل، الباب 16 من أقسام الحجّ، الحديث 1، صحيح عبدالرحمن بن الحجّاج. وليس عيب الرواية إلّا مخالفة ظهور صدر الرواية في وجوب خروج المُفرِد إلى الجعرانة لفتوى المشهور، فقد يحمل ذلك على إعراض المشهور عنها.

(2) هذا مطابق للقاعدة مضافاً إلى موثّقة إسحاق أو أبي بصير. راجع الوسائل، الباب 19 من أقسام الحجّ.

145

ولكن إحرام القارن يكون بأحد اُمور ثلاثة.

الأوّل: التلبية.

والثاني: الإشعار، وهو: شقّ سنام البُدنة بحديدة حتّى يدميها، والأحوط أن يكون الشقّ من جانبها الأيمن، إلّا إذا كثرت البُدن فيجوز ـ عندئذ ـ أن يقف الرجل بين اثنين منها، فيشقّ سنام هذا من الجانب الأيمن والآخر من الأيسر.

والثالث: التقليد، وهو: أن يجعل له قلادة. ويُستحبّ أن يكون التقليد بنعل خَلِق قد صلّى فيها.

156 ـ لو ساق معه الهدي بعد تماميّة الإحرام بالتلبية، وتجاوزه الميقات وقبل دخول الحرم، فالأحوط وجوباً عدم تبديل الحجّ بحجّ التمتّع(1).

ويستحسن ـ إمّا استحباباً وإمّا في الأقلّ رجاءً ـ الجمع بين الإشعار والتقليد: بأن يشعر الهدي أوّلاً، ثُمّ يقلّده، هذا في البُدن، أمّا البقر والغنم فلايوجد فيهما إلّا التقليد، أمّا الإشعار فيهما فلا دليل عليه.



(1) لأنّ ظاهر صحيح فضيل بن يسار تحقّق القران بذلك. راجع الوسائل، الباب 12 من أقسام الحجّ، الحديث 13، فيحتمل كون ذلك ـ أيضاً ـ مانعاً عن التبديل.

147

 

الفصل الرابع

 

 

 

المصدود والمحصور

 

 

 

 

 

 

 

148

 

 

 

 

157 ـ المصدود هو: الممنوع عن الحجّ أو العمرة بمنع عدوّ ونحوه بعد تلبّسه بإحرامهما.

فإن كان مصدوداً عن العمرة المفردة فتحلّله يكون بالذبح أو النحر في محلّ الصدّ، وهو على قسمين:

القسم الأوّل: أن يكون قد ساق الهدي معه في العمرة المفردة. والأحوط وجوباً أن يضمّ إلى ذبح هديه أو نحره حلق رأسه.

والقسم الثاني: أن لايكون قد ساق معه الهدي. والأحوط وجوباً ضمّ الحلق أو التقصير على سبيل التخيير إلى الذبح.

ولو كانت امرأة فعليها التقصير في كلا القسمين.

158 ـ وأمّا إن كان مصدوداً عن الحجّ فهذا ينقسم إلى عدّة أقسام:

القسم الأوّل: أن يصدّ عن أصل دخول مكّة، سواء كان حجّه حجّ تمتّع أو كان حجّه حجّ إفراد، فعلى كلا التقديرين يكون تحلّله بالذبح في محلّ الصدّ.

القسم الثاني: أن يصدّ عن الوقوفين أو عن الوقوف بالمشعر

149

الاختياريّ منه والاضطراريّ بالشكل الذي يبطل حجّه، وهذا ـ أيضاً ـ يتحلّل بالذبح في مكان الصدّ إن لم يتمكّن من دخول مكّة للإتيان بأعمال العمرة المفردة.

ولو أمكنه أن يأتي مكّة لأعمال العمرة المفردة، فإن كان حجّه حجّ تمتّع أتى احتياطاً بأعمال العمرة المفردة، وذبح الشاة من بعد الطواف والسعي والحلق. وإن كان في حجّ الإفراد جمع احتياطاً بين الذبح والعمرة المفردة، وله أن يؤجّل ذبحه إلى مكّة.

القسم الثالث: أن يصدّ بعد الموقفين عن الطواف والسعي ودخول مكّة، سواء صدّ قبل الإتيان بأعمال منى أو بعده، وهذا يذبح شاته حيث صدّ.

القسم الرابع: أن يصدّ عن الطواف والسعي أو أحدهما بعد دخول مكّة، وهذا يستنيب فيما منع عنه من الطواف أو السعي أو كليهما، فلا يشمله قانون الصدّ.

القسم الخامس: أن يصدّ بعد الموقفين عن نزول منى خاصّة، وهذا ـ أيضاً ـ ليس صدّاً عن الحجّ، ويستنيب للرمي إن أمكنه، وأمّا الحلق أو التقصير فيفعله في مكانه، ويرسل شعره إلى منى إن أمكنه.

159 ـ المصدود لايسقط عنه الحجّ بالهدي، بل يجب عليه الإتيان

150

به في العام القابل إذا بقيت الاستطاعة أو كان الحجّ مستقرّاً في ذمّته.

160 ـ من أفسد حجّه بالجماع، ثُمّ صدّ جرى عليه حكم الصدّ زائداً كفّارة الإفساد.

161 ـ من ساق هدياً معه، ثُمّ صدّ كفاه ذبح ما ساقه، ولايجب عليه هديٌ آخر.

162 ـ المحصور في مصطلح الفقهاء والنصوص هو: الذي منعه المرض عن دخول مكّة لإتمام الحجّ أو العمرة بعد التلبّس بالإحرام.

163 ـ فلو اُحصر في عمرة مفردة، وأراد الرجوع إلى بلده والخروج من الإحرام، كان مخيّراً بين أمرين:

الأوّل: أن يبعث بالهدي إلى مكّة، ولايتحلّل إلّا بعد أن يبلغ الهدي محلّه(1) بمعنى: أنّه يواعد أصحابه ميعاداً للذبح في مكّة، فإذا جاء وقت الميعاد قصّر وأحلّ من كلّ شيء حتّى النساء(2)، ويجب عليه بعد البرء الإتيان بعمرة مفردة(3)، ولو انكشف بعد



(1) عملاً بالآية الشريفة والروايات. راجع صحيحة معاوية. الوسائل، الباب 2 من الإحصار والصدّ، الحديث 1 وغيرها.

(2) راجع الوسائل، الباب 8 من الإحصار والصدّ.

(3) راجع صحيح معاوية الوسائل، الباب 2 من الإحصار والصدّ، الحديث 1.

151

تحلّله أنّهم لم يحصلوا على هدي يذبحونه، يعيد بعثه للهدي، ومن حين إعادته لبعث الهدي يمسك عن النساء(1).

والثاني: أن يذبح في محلّ الحصر، ويتحلّل من غير النساء، ثُمّ يعيد العمرة، ويتحلّل بها حتّى من النساء(2).

أمّا لو أقام محرماً في مكانه حتّى برأ وأكمل العمرة فليس عليه شيء(3).

164 ـ ولو اُحصر في عمرة التمتّع أو اُحصر في حجّ الإفراد، ولم يكن قد ساق الهدي، فله أن يذبح في محلّ الحصر ويرجع محلاًّ (4)، وله أن يبعث بثمن الهدي، وينتظر بلوغ الهدي محلّه، وهو



(1) راجع الوسائل 13، الباب 1 من الإحصار والصدّ، الحديث 5.

(2) لقصّة الحسين(عليه السلام). راجع الوسائل 13، الباب 1 من الإحصار والصدّ، الحديث 3. وتدلّ على بعض المقصود قصّته الاُخرى. راجع المصدر نفسه، الباب 6، الحديث 2.

(3) راجع صحيح معاوية الوسائل، الباب 2 من تلك الأبواب، الحديث 1 على نسخة الكافي، أمّا نسخة الشيخ فلو لم تؤوّل عارضت الآية المباركة. وبإمكانك مراجعة نسخة الكافي في الكافي 4، باب المحصور والمصدود وما عليهما من الكفّارة: 369، الحديث 3، بحسب طبعة الآخونديّ.

(4) لصحيح معاوية بن عمّار «في المحصور ولم يسق معه الهدي، قال: ينسك ويرجع» الوسائل، الباب 7 من الإحصار والصدّ، الحديث 1 و2.

152

منى، فيتحلّل(1)، ولو انكشف بعد ذلك أنّهم لم يجدوا هدياً وقد أحلّ لم يكن عليه شيء، ولكنّه لو لم يوفّق هو للحجّ في العام القابل بعث بالهدي في العام القابل، وأمسك عمّا يحرم على المحرم من حين البعث إلى أن يبلغ الهدي محلّه(2).

165 ـ ولو اُحصر في حجّ القران بعث بهديه، ولايتحلّل إلّا بعد أن يبلغ الهدي محلّه، وهو منى(3).

166 ـ لو منعه عن دخول مكّة مانع آخر غير الصدّ والحصر كعطل في سيّارته أو سرقة أمواله ونفقته أو نحو ذلك، فقد انكشف بطلان إحرامه، ورجع محلاًّ.

167 ـ إذا اُحصر وبعث بهديه، ثُمّ خفّ المرض بشكل خرج



(1) عمـلاً بالآية المباركة وصحيح معاوية بن عمّار. الوسائل، الباب 2 من الإحصار والصدّ، الحديث 1.

(2) لصحيح معاوية بن عمّار. الوسائل، الباب 3 من الإحصار والصدّ، الحديث 1.

(3) عملاً بالآية الكريمة وبصحيحي محمّد بن مسلم ورفاعة. الوسائل، الباب 4 من الإحصار والصدّ، الحديث 1.

وأمّا صحيح البزنطيّ (الوسائل، الباب 8 من الإحصار والصدّ، الحديث 1، والباب 1 منها، الحديث 4) الدالّ بظاهره على أنّ المحصور مطلقاً يكون نفس حصره كافياً في تحلّله الكامل، فإمّا أن يؤوّل، وإمّا أن يطرح؛ لمخالفته التباينيّة للآية الكريمة.

153

المرض عن كونه سبباً لعدم درك الحجّ أو العمرة، فقد انكشف عدم كونه محصوراً، وحكمه حكم الحاجّ أو المعتمر الاعتياديّ(1).

168 ـ لو اُحصر بعد الوقوفين عن دخول مكّة للطواف والسعي فالظاهر: أنّه بطل حجّه(2)، وبالتالي بطل إحرامه.

169 ـ لو اُحصر الرجل فبعث بهديه، ثُمّ آذاه رأسه قبل أن يبلغ الهدي محلّه، فاضطرّ إلى حلق الرأس قبل حلّه، فكفّارته: أن يذبح شاة في محلّه، أو يصوم ثلاثة أيّام، أو يطعم ستّة مساكين لكلّ مسكين مدّان، ويحلق(3).

170 ـ المحصور إذا لم يجد هدياً ولاثمنه صام عشرة أيّام



(1) هذا هو مقتضى القاعدة مضافاً إلى صحيح زرارة الوارد في بعض صوره. راجع الوسائل، الباب 3 من الإحصار والصدّ، الحديث 1.

(2) لأ نّ شيئاً من أدلّة الحصر لاتشمله حتّى الآية المباركة؛ إذ لامحلّ لهديه كي يشمله قوله تعالى: ﴿حتّى يبلغ الهدي محلّه﴾ وأدلّة الاستنابة ـ أيضاً ـ لاتشمله؛ لاختصاصها بمن دخل مكّة وهناك عجز عن الطواف والسعي.

(3) إجمال الأمر وارد في الآية الكريمة: ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِن رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِن صِيَام أَوْ صَدَقَة أَوْ نُسُك﴾ سورة البقرة، الآية: 196، وتفصيله وارد في الروايات. راجع الوسائل كتاب الحجّ، الباب 14 من بقيّة الكفّارات، والباب 5 من الإحصار والصدّ.

154

بالشكل المشروح في الحاجّ المتمتّع الذي لايجد هدياً (1)، والمتيقّن صحّته هو: أن يصوم ثلاثة أيّام متتاليات في محلّ الحصر وسبعة متتاليات بعد الرجوع.

171 ـ لو اُحصر بعد دخول مكّة عن الوقوفين تحلّل بأعمال العمرة المفردة في غير أيّام التشريق(2).



(1) لصحيح معاوية بن عمّار. الوسائل، الباب 7 من الإحصار والصدّ، الحديث 1 و2.

(2) راجع الوسائل، الباب 27 من الوقوف بالمشعر، الحديث 1 و3 و4.

155

الفصل الخامس

 

 

 

 

العمرة المفردة

 

 

 

 

 

 

156

 

 

 

 

172 ـ من كانت وظيفته حجّ الإفراد في مقابل التمتّع فوظيفته في العمرة ـ أيضاً ـ هي العمرة المفردة، والأحوط أن يأتي بها مع الاستطاعة لها في نفس سنة الحجّ بعد الحجّ، ويصحّ له أن يخرج من مكّة إلى أدنى الحلّ، أي: آخر الحلّ الملاصق للحرم، ويحرم، ولايجب الخروج إلى أحد المواقيت المعروفة.

173 ـ الحقّ: أنّه لاتجب العمرة المفردة على من تكونوظيفته حجّ التمتّع ولم يكن مستطيعاً له، ولكن استطاع للعمرة المفردة.

مثاله: الرجل البعيد عن مكّة غير المستطيع للحجّ، وقد أصبح أجيراً للحجّ، فكان بعد فراغه من عمل النيابة مستطيعاً من الإتيان بالعمرة المفردة، فلايجب عليه ذلك.

أمّا من أتى بوظيفة التمتّع فلاريب في أنّه لاتجب عليه العمرة المفردة.

174 ـ يُستحبّ الإتيان بالعمرة المفردة مكرّراً وإلى حدّ أنّ لكلّ شهر عمرة، ويجوز أن تكون إحداها في آخر الشهر، والثانية في

157

أوّل الشهر الثاني، ولايجب الفصل بينهما بثلاثين يوماً ولا بأقلّ من ذلك.

175 ـ والظاهر: أنّ عدم مشروعيّة عمرتين في شهر واحديشمل حتّى ما إذا كانت إحدى العمرتين عمرة التمتّع(1).

176 ـ اشتهر القول بجواز تعدّد العمرة في شهر واحد نيابة عن أشخاص متعدّدين، أو واحدة عن نفسه والثانية نيابة حتّى بناءً على عدم مشروعيّة عمرتين في شهر واحد، ولكن هذا عندي مشكل لاحتمال أنّ المقصود بأخبار (لكلّ شهر عمرة) أنّ كلّ شهر لايتحمّل إلّا عمرة واحدة، أمّا جعلها لنفسه أو عن شخص آخر فخارج عن حقيقة العمرة، نعم لابأس بذلك بعنوان الرجاء.



(1) وتشهد لذلك موثّقة إسحاق بن عمّار: «سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن المتمتّع يجيء فيقضي متعته، ثُمّ تبدو له الحاجة، فيخرج إلى المدينة وإلى ذات عرق أو إلى بعض المعادن، قال: يرجع إلى مكّة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتّع فيه؛ لأ نّ لكلّ شهر عمرة ...» الوسائل 11، الباب 22 من أقسام الحجّ، الحديث 8، هذا مضافاً إلى أنّ حقيقة العمرة واحدة خصوصاً بالنظر إلى أنّ طواف النساء الوارد في العمرة المفردة ليس جزءاً من العمرة، وخصوصاً بالنظر إلى إمكان حساب المفردة إن وقعت في أشهر الحجّ جزءاً من حجّ التمتّع، وأمّا عدم إمكان العكس اختياراً بمعنى: تبديل عمرة التمتّع بالمفردة، فبسبب أنّه نوى من أوّل الأمر العمرة والحجّ معاً؛ لأنهما عمل واحد في التمتّع، فيجب الإتمام. والعمدة: ما ذكرناه من موثّقة إسحاق.

158

177 ـ العمرة المفردة كعمرة التمتّع في الأعمال التي مضت إلّا في اُمور:

أ ـ العمرة المفردة يجب لها طواف النساء بعد نهايتها، في حين أنّه لم تكن لعمرة التمتّع طواف النساء.

ب ـ عمرة التمتّع لاتقع إلّا في أشهر الحجّ، وهي: شوّال، وذو القعدة، وذو الحجّة. والعمرة المفردة تقع في كلّ شهر.

ج ـ عمرة التمتّع ينحصر الخروج عن إحرامها بالتقصير، في حين أنّ العمرة المفردة يتخيّر الرجال فيها بين الحلق والتقصير.

178 ـ يمكن التفكيك بين العمرة المفردة وحجّ الإفراد: بأن يقع كلّ منهما في سنة غير سنة الآخر.

نعم، لو كان حجّه واجباً بالاستطاعة وعمرته كذلك، وكان مستطيعاً لهما في سنة واحدة، فالأحوط وجوباً أن يوقع العمرة بعد الحجّ من نفس السنة.

179 ـ من اتّجه إلى مكّة من بعيد للعمرة المفردة، ومرّ بأحد المواقيت المعروفة، أحرم لها منه، أمّا لو مرّ عن طريق لاميقات فيه فيصحّ له أن يحرم من أدنى الحلّ حتّى لو كان قد مرّ بما يحاذي الميقات(1). كما أنّ من كان في مكّة بصورة مشروعة وأراد العمرة



(1) بدليل إحرام رسول الله(صلى الله عليه وآله) من الجعرانة بعد ما رجع من الطائف من غزوة حنين على ما ورد في صحيحتي معاوية بن عمّار وأبان (الوسائل 14، الباب 2 من العمرة، الحديث 2 و3) مع أنّه قد مرّ(صلى الله عليه وآله)يقيناً في طريقه بما يحاذي ميقات قرن المنازل، ونحن نعلم أنّه(صلى الله عليه وآله)قد جعل قرن المنازل ميقاتاً لأهل الطائف.

159

المفردة خرج إلى أدنى الحلّ(1).

180 ـ من أتى بعمرة مفردة في أشهر الحجّ، وبقي اتّفاقاً في مكّة إلى أوان الحجّ، جاز له أن يجعلها عمرة التمتّع، فيأتي بالحجّ.

 

 



(1) لصحيحي جميل وعمر بن يزيد، راجع الوسائل باب 21 من أقسام الحجّ، الحديث 2، وباب 22 من المواقيت، الحديث 1 .